مفردات الواقع
السياسي والإجتماعي
الذي تحرك فيه الحسين (ع)
استطاع معاوية في حياة الحسن عليه السلام ان يكسر حِدَّة تحركات الخوارج وأن يبني جيشاً قوياً يقابل به الروم ويستأنف مشروع الخلافة في الفتوح الذي توقف زمن علي عليه السلام وأن يبني جهاز الأمن الداخلي لينفذبه ما يريد ، ثم تخلص من الحسن عليه السلام بطريقته المعهودة بأن دس السم له عن طريق زوجته إبنة الأشعث بن قيس ، ثم طالع الأمة بمنهجه الجديد في التربية والبناء من خلال ما يلي :
جهد معاوية على تربية الأمة على البغض لعلي عليه السلام ولعنه على منابر المسلمين وترويج الأحاديث الكاذبة في ذمه ، والمنع من ذكر أيّـة رواية عن النبي صلى الله عليه وآله في فضله ومعاقبة المخالف بالقتل والتهجير والسجن وقطع الأيدي والنفي والحرمان من العطاء .
قال أبو عثمان الجاحظ (1) : إن معاوية كان يقول في آخر خطبة الجمعة : اللهم إن أبا تراب ألحد في دينك وصد عن سبيلك فالعنه لعناً وبيلا وعذبه عذاباً أليما ، وكتب بذلك إلى الآفاق فكانت هذه الكلمات يشار بها على المنابر .
قال أبو جعفر الأسكافي (ت220) (2) : إن معاوية وضع قوماً من الصحابه وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي عليه السلام تقتضي الطعن فيه والبراءة منه وجعل لهم على ذلك جُعَلاً يُرغب في مثله فاختلقوا ما أرضاه ، منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ومن التابعين عروة بن الزبير (3) .
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما مسنداً متصلاً بعمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إن آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء إنما وليّيَ الله وصالح المؤمنين (4) .
روى أبو الحسن على بن محمد بن أبي سيف المدايني في كتاب الأحداث قال كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله : (أن برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته) (فقامت الخطباء فى كل كورة وعلى كل منبر يلعنون علياً ويبرءون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته) . قال الباقر عليه السلام : وكان عُظم ذلك وكبره زمن معاوية بعد موت الحسن عليه السلام فقتلت شيعتنا بكل بلدة وقطعت الأيدى والأرجل على الظِنَّة وكان من يذكِّر بحبنا والانقطاع إلينا سجن أو نهب ماله أو هدمت داره ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين (5) .
جدّ معاوية في تربية الأمة على أن طاعته هي من أعظم الطاعات الإلهية الله وأن معصيته من أعظم المعاصي ، وروَّج الأحاديث الكاذبة التي تحط من شخصية النبي صلى الله عليه وآله بما يوافق هوى الحكام وسيرتهم . وظهرت أحاديث موضوعة على لسان النبي صلى الله عليه وآله تمدح معاوية .
- روى الترمذي بسنده عن سعيد بن عبد العزيز (راوي شامي) عن ربيعة بن يزيد (راوي شامي) عن عبد الرحمن بن أبي عميرة (صحابي سكن الشام) (6) عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لمعاوية : اللهم اجعله هادياً مهدياً واهد به (7) .
- ورووا أنه قال : ائتمن الله على وحيه ثلاثة جبرئيل في السماء ومحمداً في الأرض ومعاوية بن أبي سفيان (8) .
وكان معاوية يكرم من يسايره من الرواة بالعطاء والتشفيع والتولية والتوظيف في مرافق الدولة .
وجدّ معاوية ايضا على تربية الأمة على السكوت على الظلم مهما بلغت شدته وقسوته من خلال ترويج أحاديث كاذبة تدعو إلى ذلك :
- فرووا عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : تسمع وتطع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك (9) .
- وأنه قال : فإن رأيت يومئذ لله عز وجل في الأرض خليفة فألزمه وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك (10) .
وجهد معاوية أيضا في تربية الأمة على الطاعة المطلقة للخليفة واعتبارها رأس الطاعات .
- ورووا عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : من خرج من الطاعة وفارق الجماعة مات ميتة جاهلية (11) .
وأنه صلى الله عليه وآله قال : ثلاثة لا تسأل عنهم رجل فارق الجماعة وعصى إمامه فمات عاصياً فلا تسأل عنه وأمة أو عبد أبق من سيده وإمرأة غاب زوجها وكفاها مؤنة الدنيا فتبرجت وتمرجت بعده (12) .
أقول: المراد بالإمام في الرواية الحاكم الأعلى للمسلمين .
نشأ على أساس تلك التربية والمنهج جيل جديد في الأمة مابين سن الخامسة عشر وسن الخامسة والعشرين . وقد كان هذا الجيل المادة الأساسية للجيش وقوى الشرطة وبقية المواقع الاجتماعية والإدارية . أما معلموا هذا الجيل فهم جماعة من الصحابة الذين حاربوا علياً في الجمل وصفين أو الذين أغراهم معاوية بالمال وجماعة من التابعين الذين ساروا على منهجهم .
وكان من هؤلاء الصحابة مسلم بن عقبة المري (13) قائد جيش أهل الشام في واقعة الحرة في المدينة . قال في وصيته عند موته : اللهم إنك تعلم أني لم أعص خليفة قط اللهم إني لم أعمل عملاً أرجو به النجاة قط إلا ما فعلت بأهل المدينة(14) . وفي رواية اليعقوبي : اللهم إن عذبتني بعد طاعتي لخليفتك يزيد بن معاوية وقتل أهل الحرة فإني إذن لشقي (15) .
ومن التابعين شمر بن ذي الجوشن قاتل الحسين عليه السلام ، قال أبو إسحق كان يصلي معنا ثم يقول : اللهم إنك تعلم إني شريف فاغفر لي ، قلت كيف يغفر الله لك وقد أعنت على قتل ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ويحك فكيف نصنع إن أمراءنا هؤلاء أمرونا بأمر فلم نخالفهم ولو خالفناهم كنا شراً من هذه الحمر الشقاء (16) .
شيعة علي عليه السلام هم طبقة من المحدِّثين ، فيهم مئات من الصحابة وآلاف التابعين ، لهم معتقد بعلي عليه السلام قام على أساس أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسيرته مع علي عليه السلام ، وكذلك قام هذا المعتقد على أساس أحاديث علي عليه السلام وسيرته في المجتمع خلال السنوات الخمس التي حكم فيها وهي سيرة أحيت المعطل من كتاب الله والمكتوم من سنة النبي صلى الله عليه وآله وتذوَّق خلالها الناس كرامة الحياة التي يدعو إليها الأنبياء .
تركَّز شيعة علي عليه السلام في الكوفة بصفتها البلد الذي شهد حركة علي عليه السلام الفكرية والتربوية والسياسية .
حمل شيعة علي عليه السلام كل ذكرياتهم عن علي عليه السلام وما تعلموه منه /وهو كل الإسلام الذي جاء به النبي صلى الله عليه وآله ووعاه علي عليه السلام وعياً تاماً دون غيره من الصحابة/ ونشروه في البلدان التي لم تعرف عن علي عليه السلام وسيرته وبخاصة الشام أيام سنوات الصلح بين الحسن عليه السلام ومعاوية .
وصار الشيعة وبخاصة في العراق غرضاً لخطة معاوية في التصفية والإبادة والتطويق بصفتهم العقبة الكؤود أمام منهجه التربوي والسياسي الجديد ومن هنا سُجِّلت في الكوفة مظالم لم تسجل في غيرها من بلاد المسلمين منها :
تهجير خمسين ألف بعيالاتهم من الكوفة والبصرة إلى خراسان سنة 50 هجرية ، كان فيهم الصحابي بريدة بن الحصيب والصحابي أبو برزة الأسلمي وغيرهما ممن عرف بولائه لعلي عليه السلام (17) .
قتل حجر بن عدي الكندي وعمرو بن الحمق الخزاعي وأصحابهما بتلفيق تهمة الخروج على الدولة .
نفي صعصعة بن صوحان العبدي(18) وآمنة بنت الشريد زوجة عمرو بن الحمق(19) وكان معاوية قد سجنها رهينة حتى يسلم زوجها نفسه ولما قتل نفاها إلىحمص وماتت بها وغيرهما .
قتل رشيد الهجري وميثم التمار وجويرية بن مسهر ونظرائهم .
قطع أيدي ثمانين حصبوه بالحجارة على لعنه علياً (20) .
قال سُلَيم : اشتد البلاء بالأمصار كلِّها على شيعة علي واهل بيته عليهم السلام ، وكان أشدَّ الناس بلية أهلُ الكوفة ، لكثرة من بها من الشيعة ، واستعمل عليها زيادا ، وجمع له العراقيين(أي الكوفة والبصرة) ، كان يتتبع الشيعة… فقتلهم على التهم والظن والشبه تحت كل كوكب ، وتحت كل حجر ومدر وأحلأهم وأخافهم ، وقطع الأيدي والأرجل منهم ، وصلبهم على جذوع النخل ، وسمل أعينهم ، وطردهم وشردهم (21) .
وكان آخر ما عزم زياد على فعله في الكوفة سنة ثلاث وخمسين ، هو أن جمع الناس فملأ منهم المسجد والرُّحبة والقصر ليعرضهم على البراءة من علي عليه السلام (22) فمن أبى ذلك عرضه على السيف(23) . ولكن الله تعالى سلط عليه الطاعون فأشغله عنهم ومات بعدها بأيام(24) .
استطاع معاوية أن يُحْكِمَ قبضته على حركة المجتمع لتحقيق أربعة أهداف هي :
1 . القضاء على شيعة علي عليه السلام المنتشرين في البلاد الإسلامية ، وتحويل الكوفة بصفتها مركز التشيع لعلي عليه السلام إلى سابق عهدها قبل هجرة علي عليه السلام إليها مدينة موالية للخليفة القرشي سامعة مطيعة له .
2 . تكوين أجيال جديدة توالي الأمويين بصفتهم أئمة الدين وحماته وتبغض أهل البيت عليهم السلام وعلياً بصفتهم أعداء الله ورسوله وتحفظ روايات كاذبة عن النبي صلى الله عليه وآله في ذم علي وأهل بيته عليهم السلام وروايات كاذبة في الحط من سيرة النبي صلى الله عليه وآله بما يوافق هوى الحكّام ومدح معاوية وأهل بيته .
3 . حصر الملك في ذرية معاوية وأسرته .
4 . تحريف السنة النبوية وتفسير القرآن بما ينسجم مع الأهداف الآنفة الذكر .
|