السنة الثامنة من الهجرة
غزوة مؤتة (1)

وجّه رسول الله صلى الله عليه وآله جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة في جيش إلى الشام لقتال الروم (2) وكانوا ثلاثة آلاف .

وروى أبان عن الصادق عليه السلام : أنّه استعمل عليهم جعفراً ، فإن قتل فزيد فإن قتل فابن رواحة ، فإن أصيب فليرتض المسلمون واحداً فليجعلوه عليهم (3) .

قال ابن سعد : أخبرنا بكر بن عبد الرحمن قاضي الكوفة أخبرنا عيسى بن المختار عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى بن أبي الجعد عن أبي اليسر عن أبي عامر قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الشام فلما رجعت مررت على أصحابي وهم يقاتلون المشركين بمؤتة قلت : والله لا أبرح (4) اليوم حتى أنظر إلى ما يصير إليه أمرهم فأخذ اللواء جعفر بن أبي طالب ولبس السلاح وقال غيره (5) : أخذ زيد اللواء وكان رأس القوم ، ثم حمل جعفر حتى إذا هَمَّ أن يخالط العدو ، رجع فَوَحَشَ (6) بالسلاح ، ثم حمل على العدو وطاعن حتى قتل ، ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة (7) .

قال عباد : حدثني أبي قال : لَكَأنّي أنظر إلى جعفر يوم مؤتة حين اقتحم عن فرس له شقراء فعَقَرها (8) ، قال ابن إسحاق : وهو أول من عقر فرسه في الإسلام (9) .

وقاتل جعفر حتى قطعت يمينه ، فأخذ الرّاية بيساره فقطعت ، فاحتضن الرّاية فقتل كذلك (10) .

قال ابن عباس : بينما رسول الله صلى الله عليه وآله جالس وأسماء بنت عميس قريبة إذ قال : يا أسماء هذا جعفر مع جبرئيل وميكائيل مر ... فسلم فَرُدّي عليه السلام وقال إنّه لقى المشركين فأصابه في مقاديمه (11) ثلاث وسبعون (وفي رواية بضع وتسعون طعنة ورمية) (12) .

وفي رواية أبان عن أبي جعفر عليه السلام قال : أصيب جعفر وبه خمسون جراحة خمس وعشرون منها في وجهه (13) .

قال أبو سعيد الخدري : أقبل خالد بن الوليد بالناس منهزماً ، فلما سمع أهل المدينة بجيش مؤتة قادمين تلقَّوْهم بالجُرْف (14) فجعل الناس يَحْثون (15) في وجوههم التراب ، يقولون : يا فُرّار ، أفررتم ثم في سبيل الله ؟ فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله : ليسوا بفُرّار ولكنهم كُرّار (16) إن شاء الله (17) .

قال عبد الله بن جعفر : أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وآله يمسح بيده رأسي حتى رقِيَ المنبر ، وأجلسني أمامه على الدرجة السفلى والحزن يعرف عليه فتكلم فقال : إن المرء كثير بأخيه وابن عمه . ألا إن جعفراً قد استشهد ، وقد جعل الله له جَناحين يطير بهما في الجّنة (18) .

ولما دخل النبي صلى الله عليه وآله على فاطمة وهي تقول : واعَمّاه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : على مثل جعفر فلتبك الباكية ، ثم قال صلى الله عليه وآله : اصنعوا طعاماً لآل جعفر فقد شغلوا عن أنفسهم اليوم (19) . وكان ذلك أول ما عمل في دين الإسلام (20) .

______________________

(1) قال في معجم البلدان مؤتة : من قرى البلقاء في حدود الشام . اقول : هي الآن على بعد 12كم جنوب الكرك في الاردن تبعد عن المدينة المنورة (1100 كم) .

(2) تاريخ اليعقوبي ج2 ص65 .

(3) إعلام الورى ج1 ص212 .

(4) اي لا ازول .

(5) قال ابن أبي الحديد ج15 ص62 : اتفق المحدثون على ان زيد بن حارثة كان هو الامير الأول وانكرت الشيعة ذلك وقالوا كان جعفر هوالامير الاول ثم زيد ثم عبدالله ورووا في ذلك روايات. قال: وقدوجدت في الاشعار التي ذكرها محمد بن اسحق في كتاب المغازي ما يشهد لقولهم فمن ذلك ما رواه حسان بن ثابت :

فلا   يبعدن   الله   قتلى  تتابعت

بمؤتة    منهم    ذو    الجناحين

جعفر وزيد وعبد الله حين تتابعوا

جميعا  وأسياف   المنية   تخطر

اقول : ويظهر من ذلك ان قول ابن ابي الحديد اتفق المحدثون فيه تسامح .

(6) اي خفف من سلاحه .

(7) طبقات ابن سعد ج2 ص129 .

(8) اي قطع قوائمها بالسيف .

(9) سير اعلام النبلاء ج1 ص209 .

(10) الدرر لابن عبد البر ج1 ص210 .

(11) مقاديم الرجل وجهه وصدره .

(12) سير اعلام النبلاء 1 : 210 .

(13) إعلام الورى ج1 ص213 .

(14) موضع على ثلاثة اميال من المدينة نحو الشام .

(15) اي يرمون .

(16) جمع كرار، صيغة مبالغة من كرّر ، والمعنى انهم سيعودون الى القتال مرة اخرى .

(17) مغازي الواقدي 2 : 765 .

(18) إمتاع الأسماع : 351 ، مغازي الواقدي ، إعلام الورى .

(19) مغازي الواقدي .

(20) الكامل لابن الاثير 2 : 238 .