المدخل إلى دراسة مصادر السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي
الباب الثالث : تعريف بالموسوعات التاريخية وأصولها ومصنفيها
الفصل الأول : موسوعة ابن أبي الحديد

ترجمة ابن أبي الحديد

هو عز الدين أبو حامد بن هبة الله بن محمد بن محمد بن الحسين بن أبى الحديد المدائني .

أما أبوه هبة الله فهو خريج المدرسة النظامية  (1) وصار من شيوخ الحديث النبوي في بغداد والمدائن التي تقلد فيها الخطابة والقضاء مدة طويلة ، حتى نعته مترجموه بالخطيب وبالقاضي . ولد له أربعة أولاد أبرزهم عز الدين والقاسم .

أما القاسم موفق الدين أبو المعالي ، فقد ولد في المدائن ونشأ في بغداد ، تفقه في الشام على بهاء الدين أبي المحاسن يوسف بن شداد الشافعي قاضي حلب وقرأ أصول الفقه والمنطق والحكمة على كمال الدين أبي الفتح موسى بن يونس العقيلي (ت635) ، وأقام عدة سنين في المدرسة النظامية ، وتولى القضاء في المدائن سنة 623 ، وكتب الإنشاء لابن ناقد العلوي (ت643) مدة وزارته للمستنصر بالله (ت 640) وكتب لابن العلقمي وزير المستعصم بالله (قتل سنة 656) ثلاث سنوات ، وبعد مغادرة هولاكو بغداد تولى الإشراف على خزائن الكتب في بغداد بالإشتراك مع أخيه شارح النهج وابن الساعي الخازن البغدادي ت674 وهو تلميذ شارح النهج .

أما عز الدين شارح النهج فقد قال مترجموه: أنه ولد سنة 586 هج وترعرع في المدائن وتوفي ببغداد سنة 656هج ، وظاهر شعره انه يدل عليانه ولد بالكرخ وعاش في المدائن . دَرَسَ في المدرسة النظامية  (2) في صباه على أساتذة شوافع ، ثم درس على أساتذة حنابلة وأحناف وعلويين بعد ذلك .

أما شيوخه الشوافع فهم :

1 . أبو حفص عمر بن عبد الله الدباس البغدادي ت سنة 601هـ كان حنبلياً ثم صار شافعيا  (3) .

2 . ضياء الدين ابو احمد عبد الوهاب بن علي بن سكينة البغدادي سنة 607هـوسكينة ام ابي علي  (4) .

3 . ابو الخير مصدق بن شبيب الواسطي ت605هـ  (5) .

أماشيوخه الحنابلة فهم :

4 . جمال الدين ابو الفرج عبد الرحمن بن علي ابو الجوزي البغدادي ت سنة597هـ صاحب كتاب المنتظم في تاريخ الملوك والامم  (6) .

5 . فخر الدين ابو محمد اسماعيل بن علي البغدادي ت سنة 610هـ المعروف بالأَزَجي وبالمأموني ، وبغلام ابن المَنِّي  (7)ذ .

6 . ابو القاسم الحسين بن عبد الله العكبري ..

نسبة الى عُكْبُرا  (8) . قال ابن ابي الحديد : انشدني شيخي ابو القاسم الحسين بن عبد الله العكبري ... هكذا ذكر ابن ابي الحديد كنية شيخه هذا (ابا القاسم) واسمه (الحسين) واسم ابيه (عبد الله) ولقبه (العكبري) على هذا النسق ، بينما قال ابن الشعار الموصلي - 654هـ : ان ابن ابي الحديد ، شارح نهج البلاغة ، تتلمذ على محب الدين ابي البقاء عبد الله بن الحسين العكبري-616 هـ الحنبلي الضرير الفرضي  (9) ، شارح مقامات الحريري - 516هـوالمنسوب اليه شرح ديوان المتنبي -354هـ ، وغيرهما من مؤلفاته الكثيرة .

7 . ابو يعقوب يوسف بن اسماعيل اللَّمْغاني المعتزلي -606هـ .

ذكره عندما فسر اشارة الامام علي عليه السلام في احدى خطبه في البصرة الى عائشة (اما فلانة ، فقد ادركها رأي النساء) فقال : هذا الكلام يحتاج الى شرح ، وقد كنت قرأته على الشيخ ابي يعقوب يوسف بن اسماعيل اللمغاني رحمه الله ، ايام اشتغالي عليه بعلم الكلام ، ولم يكن يتشيع ، وكان شديدا في الاعتزال الا انه كان في التفضيل بغدادياً (ابن ابي الحديد : شرح النهج 9/192) . وكانت معتزلة بغداد تفضل الامام على غيره ، بينما تفضل معتزلة البصرة ، غيره عليه .

اما شيوخه العلويون فهم :

8 . أبو جعفر يحيى بن محمد بن ابي زيد الحسني البصري النقيب (ت613هـ) .

كان نقيب الطالبين في البصرة ، فترك النقابة لابنه ، وعاش في بغداد  (10) . ذكره ابن ابي الحديد في شرح النهج مرات عديدة ، وقال انه لم يكن يتعصب للمذهب رغم علويتهوتطورت علاقتهما الى صداقة حميمة ، وقد قرأ عليه (جمهرة النسب) لابن الكلبي-204 هـ (ابن ابي الحديد : شرح النهج 7/132 ، 174 9/248 ، 10/214-219 ، 222 ، 223 ، 11/115 ، 118 13/301 ، 14/67)  (11) .

9 . ابو محمد قريش بن السُّبيع بن المُهَنّا العلوي المدني ت سنة620هـ .

روى عنه ابن ابي الحديد كتاب (فضائل الامام علي عليه السلام) لابن حنبل الشيباني -241هـ . اذ قال : جاء في اخبار علي عليه السلام التي ذكرها ابو عبد الله احمد ابن حنبل في كتاب (فضائله) وهو روايتي عن قريش بن المهنا العلوي ، عن نقيب الطالبين ابي عبد الله احمد بن علي بن المعمر .. قيل لعلي عليه السلام : لم ترقع قميصك ؟ قال : ليخضع القلب ، ويقتدي بي المؤمنون (ابن ابي الحديد : شرح النهج 9/235) .

10 . شمس الدين فِخار بن معد الموسوي ت630هـ .

فِخار هذا بكسر الفاء ، وفتح الخاء المنقوطة - كان من تلاميذ ابي جعفر يحيى بن محمد بن ابي زيد الحسني البصري ، وابي محمد قريش بن السبيع بن المهنا العلوي المدنيوكان فخار بن معد استاذ الخليفة الناصر لدين الله العباسي - 622هـ الذي زعم مترجموه انه كان من الامامية او يميل اليهم  (12) .

وعلاقة ابن ابي الحديد ، بفخار بن معد ، كعلاقته بالنقيب ابي جعفر ابن ابي زيد الحسني البصري ، جعلتها نباهة ابن ابي الحديد وجدارته صداقة علمية حرة ، مع استاذه فخار بن معد الذي الف كتاباً في اسلام ابي طالب (رضي الله عنه) ، وبعثه الى تلميذه يسأله بيان رأيه في اسلام ابي طالب ، وفي قوة الادلة التي قدمها على اسلامه ، فكتب التلميذ لاستاذه سبعة ابيات شهد فيها بدور ابي طالب وابنه علي ، في دعم الاسلام ، لكنه لم يعترف باسلام ابي طالب !

وقد حكى ابن ابي الحديد حكايته هذه مع استاذه فخار بن سعد ، دون ان يصرح باسمه ، وكنى عنه (ببعض الطالبين) كما لم يذكر اسم كتابه ، وذلك بعد ان سرد سيرة ابي طالب وشعره في نصرة النبي صلى الله عليه وآله ، فقال : وصنف بعض الطالبين في هذا العصر كتابا في اسلام ابي طالب ، وبعثه الىّ ، وسألني ان اكتب عليه بخطي نظما او نثراً اشهد فيه بصحة ذلك ، وبوثاقة الادلة عليه فتحرجت ان احكم بذلك حكماً قاطعا ، لما عندي من التوقف فيه ، ولم استجز ان اقعد عن تعظيم حق ا بي طالب ، فاني اعلم ان حقه واجب على كل مسلم في الدنيا الى ان تقوم الساعة . فكتبت على ظاهر المجلد :

ولولا ابو طالب وابنه       لما مثل الدين شخصا فقاما

هذا مطلع السبعة الابيات التي قال بعدها : فوفيته حقه مع التعظيم والاجلال ، ولم اجزم بأمر عندي فيه وقفة  (13) .

اما كتاب فخار بن معد الذي ألَّفه في إسلام أبي طالب ، فاسمه (الرَّدُّ على الذاهب إلى تكفير أبي طالب) وقد يسمى (الحُجَّة) بدل (الرد) وهو مطبوع طبعتين في النجف الاشرف (1931-1351) (1963-1383)  (14) .

وظائفه في بغداد وواسط والحلة :

1 . سنة 629هـ : كان كاتبا في دار التشريفات  (15) .

2 . سنة 630 هـ : كان كاتباً في المخزن  (16) . وهو دار الخراج او بيت المال  (17) .

3 . سنة 31-632هـ : كان كاتباً في ديوان الخلافة  (18) .

4 . سنة 631 : كان في واسط  (19) . ولا نعرف الوظيفة التي كان يمارسها يومئذ .

5 . سنة 642هـ : كان مشرف ولاية الحلة  (20) . والمشرف هو الوالي او المفتش المالي  (21) .

6 . سنة ... ؟ كان ناظر المستشفى العضدي  (22) ، وهو نسبة الى مؤسسة (عضد الدولة) فَنا خِسرو بن بهرام كور البويهي-372 هـ والناظر هو المدير او المفتش المالي . وكان هذا المستشفى في الكرخ ، على الشاطي الايمن لدجلة ، في المنطقة التي فيها الآن جامع براثا ومستشفى الكرخ وجسر الصرفية  (23) .

7 . سنة ... ؟ لما هرب جعفر بن الطحان الضامن ، رتب عوضه ابن ابي الحديد بالامانة ، من غير ضمان ، فلم يعمل شيئاً فعزل  (24) .

9 . سنة 656هـ : تولي الاشراف على خزائن الكتب في بغداد بالاشتراك مع شقيقه موفق الدين ابي المعالي ، وابن الساعي البغدادي-672 هـ وهو تلميذ شارح النهج ، ومن شراح النهج ايضا  (25) .

10 . سنة 656هـ : صار كاتب السَّلَّة ديوان الزمام ، وهو رأس الدواوين واعلاهاواقربها من الخليفة ، وكان آخر مناصبه ، فلم تطل حياته بعده ، وكان اشرافه على خزائن الكتب في بغداد ، ورئاسته ديوان السلة بعد مغادرة هولاكو - 662 هـ بغداد ، وقد غادرها هولاكو سنة 656هـ ، او سنة 657هـ  (26) .

______________________

(1) سميت باسم مؤسسها نظام الملك قوام الدين أبو علي الحسن بن علي الطوسي الشافعي ت485 وزير السلطان ألب أرسلان السلجوقي التركي ت465 ثم وزير ابنه ملك شاه السلجوقي ت485 تقع في جانب الرصافة على الشاطئ الأيسر من دجلة وقد أوقفها على الشوافع ولم يكن يقبل فيها غيرهم من الأساتذة والطلاب والإداريين والفراشين .

(2) قال عند ذكره بيت ابن الزبعرى :
ليت أشياخي ببدر شهدوا       جزع الخزرج من وقع الأسل
أنه حضر وهو غلام بالنظامية في بيت عبد القادر بن داود الواسطي وعنده في البيت باتكين وجعفربن مكي فجرى ذكر أحد وشعر ابن الزبعرى هذا وغيره (ابن ابي الحديد : شرح نهج البلاغة 14/280) . أقول : قوله (وأنا غلام بالنظامية) أي وأنا طالب فيها وهذا يفيد انه كان شافعيا منذ طفولته لان المدرسة النظامية لا تقبل غير الشوافع .

(3) المنذري : التكملة2/68 ، 201 . الاسنوي : الطبقات2/60 . ابن الدبيثي : الذي1/156 . ابو شامة : الذيل ص70 . الذهبي : المختصر3/589 . السبكي : الطبقات1/60 .

(4) قال الربيعي : ذكرهما عندما نقل خبر وفاة ابي ذر الغفاري ت34 هـ عن كتاب الاستيعاب لابن عبد البر الاندلسي ، فقال : قُرِىَ كتاب الاستيعاب لابن عبد البر على شيخنا عبد الوهاب بن سكينة المحدث وانا حاضر ، فلما انتهى القارى الى هذا الخبر ، قال استاذي عمر بن عبد الله الدَّباس : وكنت احضر معه سماع الحديث (ابن ابي الحديد : شرح النهج15/101 ، 14/251)
وذكر شيخه (ابن سكينة) مرة اخرى ، عندما حكى استبسال الامام علي عليه السلام في الذب عن النبي صلى الله وآله في معركة احد التي فر فيها الرعاديد عن (نبيهم) ولم يبق معه الا ابو الحسنين واربعة آخرون ، وسماعهم هاتفاً من (السماء) يهتف :
لا سيف الا ذو الفقارولا فتى الا علي ، فقال : سألت شيخي عبد الوهاب ابو سكينة ، عن هذا الخبر ، فقال : خبر صحيح (ابن ابي الحديد : شرح النهج14/251) .

(5) ذكره ابن ابي الحديد بعد ان شرح مفردات الشقشقية ومضى يسوق الادلة على صحة نسبتها الى الامام علي عليه السلام ، فقال : حدثني شيخي ابو الخير مصدق بن شبيب الوسطي ، في سنة ثلاث وستمئة ، قال : قرأت هذه الخطبة على الشيخ ابي محمد عبد الله بن احمد المعروف بابن الخشاب (ابن ابي الحديد : شرح النهج 1/205) .

(6) اورد ابن ابي الحديد الخلاف في (نافلة رمضان) هل تصلي جماعة ، ام فرادى ، ثم قال : اجاز لي الشيخ ابو الفرج عبد الرحمن بن علي ابو الجوزي ، بروايته عن شيخه محمد بن ناصر عن شيوخه ورجاله ، عن احمد ابن حنبل ، ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلى نافلة شهر رمضان في جماعة يأتمون به ليالي ، ثم لم يخرج ، وقام في بيته (ابن ابي الحديد : شرح النهج 12/285) .

(7) أورد عنه طريفة خلافية ، فقال : حدثني يحيى بن سعيد بن علي الحنبلي المعروف بابن عالية ، من ساكني قَطَفْتا ، بالجانب الغربي من بغداد وأحد الشهود المعدَّلين بها ، فقال كنت حاضر الفخر اسماعيل بن علي الحنبلي الفقيه المعروف بغلام ابن المني وكان الفخر اسماعيل بن علي هذا مقدَّم الجنابلة في بغداد في الفقه والخلاف ويشتغل بشيء من علم المنطق ، وكان حلو العبارة ، وقد رايته أنا وحضرت عنده وسمعت كلامهوتوفي سنة عشر وستمائة - قال ابن عالية : ونحن نتحدث عنده ، اذ دخل شخص من الحنابلة ، قد كان له دين على بعض اهل الكوفة ، فانحدر اليه يطالبه به ، واتفق ان حضرت زيارة يوم الغدير والحنبلي المذكور في الكوفة انظر تكملتها في (ابن ابي الحديد : شرح النهج 9/307) .

(8) تقع على بعد نحو سبعين كيلو من شمال غربي بغداد .

(9) ابن الشعار الموصلي : عقود الجمان ، وهو مخطوط نقل عنه الدكتور احسان عباس ، ترجمة ابن ابي الحديد ونشرها في فوات ابن شاكر الكتبي1/519 .

(10) المنذري : التكملة 2/379 .

(11) أقول : قال ابن ابي الحديد عن النقيب انه لم يكن من الإمامية .

(12) ابن ابي الحديد : شرح نهج البلاغة 1/41 ، 15/23 . وقد تحرف اسمه هنا فجاء (محمد بن معد) بدل فخار بن معد او ربما هو غيره . البحراني : اللؤلؤة ص280 . الخونساري : الروضات 5/23 . الامين : الاعيان 42/263 . الاميني : الغدير 7/401 . الزركلي : الاعلام5/137 . بحر العلوم : هامش له على لؤلؤة البحراني ص281 .

(13) ابن ابي الحديد : شرح نهج البلاغة 14/83 . أقول : وابن معد هذا إمامي المعتقد .

(14) بحر العلوم : هامشه على لؤلؤة البحراني ص280-281 .

(15) ابن ابي الحديد : شرح نهج البلاغة 16/109 . المستنصريات أ-المخطوطة ، وصفحاتها غير مرقمة . ب- طبعة مجلة اليقين ص10 ، 14 . ج- كبعة العباسي ص 24-25 . ابن كثير : البداية والنهاية 13/199 . ابن الفوطي : تلخيص مجمع الاداب ص191 .

(16) المصدر السابق .

(17) المصدر السابق .

(18) المصدر السابق .

(19) المستنصريات : طبعة مجلة اليقين ، ص18 .

(20) ابن الفوطي : التلخيص م4 / ق1 / ص191 .

(21) مصطفى جواد : مقدمة الجامع ابن الساعي  .

(22) ابن الفوطي : التلخيص م4/ق1ص191 .

(23) ابن خلكان : الوفيات 1/456 . القمي : الهدية 2/433 . مصطفى جواد : هامشه على حوادث ابن الفوطي ص1 . معروف : تاريخ علماء المستنصرية 1/29 ، 96 ، 87 . 2/68 ، 76 .

(24) ابن الفوطي : التلخيص م4/ق1/ص191 .

(25) ابن الفوطي : التلخيص م4/ق1/ص191 . مصطفى جواد : هامشه على حوادث ابن الفوطي ص1 . ابن العماد : الشذرات 5/343 ، 344 . الحسيني : مصادر النهج 1/271 .

(26) لخصنا هذه الترجمة مع مصادرهاوتعليقات هوامشها من كتاب العذيق النضيد بمصادر ابن أبي الحديد للدكتور أحمد الربيعي ط بغداد 1986 وقد يسر لنا النسخة مشكورا العلامة السيد محمد رضا الجلالي.

صفحة مكتب العلامة المحقق السيد سامي البدري