المدخل إلى دراسة مصادر السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي
الباب الثالث : تعريف بالموسوعات التاريخية وأصولها ومصنفيها
الفصل الثاني: تراجم أصحاب الموسوعات التاريخية التي اعتمد عليها ابن أبي الحديد
قال الخطيب في تاريخه : واسم أبي طاهر طيفور وهو مروروذي الأصل ، كان أحد البلغاء الشعراء الرواة ومن أهل الفهم المذكورين بالعلم ، وله كتاب بغداد المصنَّف في أخبار الخلفاء وأيّامهم ، وحدَّث عن عمر بن شبة وأحمد بن الهيثم السامي وعبد الله بن أبي سعيد الوراق وغيرهم ، روى عنه ابنه عبيد الله ومحمد بن خلف بن المرزبان ، وذكر ابنه أنَّه مات في ليلة الأربعاء لأربع بقين من جمادى الأولى سنة ثمانين ومائتين ، ودفن في مقابر باب الشام ، وكان مولده ببغداد مدخل المأمون إليها من خراسان سنة أربع ومائتين
قال شاكر مصطفى : ابن طيفور أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر المروزي (204-280هـ) هو شاعر أوّلاً ، ثمَّ مؤرخ للآداب ، ثمَّ أخباري مؤرِّخ ، مروزي الأصل ، بدأ مؤدِّب صبيان ، ثمَّ لزم سوق الوراقين في بغداد حيث ولد ومات ، وعاش يرزق من شعره وعلمه ولهذا وجد بعض الهجاء على لسانه كما ظهر بعض العداء في مواقف الناس منهوقائمة المؤلَّفات وراءه طويلة تزيد حسب رواية ابن النديم وياقوت على 56 كتاباً معضمها في الشعر والشعراء وتاريخ الأدب . على أنَّ له منها بعض كتب التاريخ الهامَّة مثل : كتاب المعروفين من الأنبياء ، وكتاب بغداد (وهو كتاب في تاريخ المدينة) ، ومقاتل الفرسان ، ومقاتل الشعراء ، وأخبار المتظرفات ، وكتاب الحجاب ، وكتاب الجواهر ، وكتاب الهدايا ، وكتاب المؤنسوكتاب المؤلفين وقد سبق به ابن النديم .
وله مجموعة من الكتب تتَّصل بالتاريخ مثل فضل العرب على العجم ، أسماء الشعراء الأوائل ، الجامع في الشعراء وأخبارهم ، أخبار مروان وآل مروان واختيار أشعارهم ، أخبار وأشعار عدد من الشعراء منهم ابن النطاح ، العتأبي ، منصور النمري ، أبو العتاهية ، بشار ، ابن ميادة ابن هرمة ... الخ ، وله في هذا الباب أيضاً كتاب جمهرة بني هاشم وكتاب المختلف من المؤتلف . كما أنَّ له مجموعة من كتب التعليم السياسي على شكل القصص مثل : خبر الملك العالي في تدبير المملكة والسياسة ، كتاب الملك المصلح والوزير المعين ، كتاب الملك البابلي والملك المصري الباغين ، كتاب الملك الحكيم الرومي ... هذا إلى بعض كتب القصص والسمر والرواية التاريخية .
ولم يبق من هذا الجهد كلَّه سوى جزء من كتاب هو القسم السادس من كتاب بغداد وقد طبع
روى له ابن أبي الحديد خبرين هما :
1 . قال : روى أحمد بن أبي طاهر في (كتاب أخبار الملوك) : أنَّ معاوية سمع المؤذِّن يقول : أشهد أن لا إله إلاَّ الله ، فقالها ثلاثاً فقال : أشهد أنَّ محمداً رسول الله فقال : لله أبوك يابن عبد الله ، لقد كنت عالي الهمَّة ما رضيت لنفسك إلاَّ أن يقرن اسمك باسم ربِّ العالمين
2 . وقال : روى ابن عباس (رضي الله عنه) قال : دخلت على عمر في أوّل خلافته وقد ألقي له صاع من تمر على خصفة فدعاني إلى الأكل فأكلت تمرة واحدة وأقبل يأكل حتّى أتى عليه ثمَّ شرب من جر كان عنده واستلقى على مرفقة له وطفق يحمد الله يكرر ذلك ، ثمَّ قال : من أين جئت يا عبد الله ؟ قلت : من المسجد ، قال : كيف خلَّفت ابن عمِّك فظننته يعني عبد الله بن جعفر ، قلت : خلَّفته يلعب مع أترابه ، قال : لم أعن ذلك إنَّما عنيت عظيمكم أهل البيت ، قلت : خلَّفته يمتح بالغرب على نخيلات من فلان وهو يقرأ القرآن قال : يا عبد الله عليك دماء البدن إن كتمتنيها هل بقي في نفسه شى من أمر الخلافة قلت : نعم قال : أيزعم أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآلهنصَّ عليه ؟ قلت : نعم ، وأزيدك سألت أبي عمّا يدَّعيه فقال : صدق ، فقال عمر : لقد كان من رسول الله صلى الله عليه وآله في أمره ذرو من قول لا يثبت حجَّة ولا يقطع عذراً ولقد كان يربع في أمره وقتاً ما ولقد أراد في مرضه أن يصرِّح باسمه فمنعت من ذلك إشفاقاً وحيطة على الإسلام لا وربِّ هذه البنية لا تجتمع عليه قريش أبداً ولو وليها لانتقضت عليه العرب من أقطارها فعلم رسول الله صلى الله عليه وآله أنِّي علمت ما في نفسه فأمسك وأبى الله إلاَّ إمضاء ما حتَّم .
قال ابن ابي الحديد ذكر هذا الخبر أحمد بن أبي طاهر صاحب (كتاب تاريخ بغداد) في كتابه مسنداً
أقول : يوجد كتاب باسم بلاغات النساء
قال : لما كان من امر الحسين بن علي عليهم السلام الذي كان وانصرف عمر بن سعد لعنه الله بالنسوة والبقية من آل محمد صلى الله عليه وآله ووجهن الى ابن زياد لعنه الله فوجهن هذا إلى يزيد لعنه الله وغضب عليه فلما مثلوا بين يديه أمر برأس الحسين فأبرز في طست فجعل ينكت ثناياه بقضيب في يده وهو يقول :
يا غراب البين اسمعت فقل انما تذكر شيئا قد فعل
ليت اشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل
حين حكت بقباء بركها واستحر القتل في عبد الأشل
لأهلوا واستهلوا فرحا ثم قالوا يايزيد لا تشل
فجزيناهم ببدر مثلها وأقمنا ميل بدر فاعتدل
لست للشيخين ان لم اثأَر من بني أحمد ما كان فعل
فقالت زينب بنت علي :
صدق الله سبحانه (حيث يقول) "ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤون" . أظننتَ يا يزيد حيث أخذتَ علينا أقطار الارض ، وآفاق السماءفأصبحنا نساق كما يساق الاسارى ؟ ان بنا على الله هوانا ، وبك عليه كرامة ، وان هذا لعظيم خطرك عنده فشمخت بأنفك ، ونظرت في عطفك ، جذلان فرحا ، حين رأيت الدنيا مستوسقة لك ، والامور متسقة عليك وقد أمهلت ونفست وهو قول الله تبارك وتعالى : "ولا تحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خيرا لانفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثما ولهم عذاب مهين" .
أمن العدل يا ابن الطلقاء ، تخديرك نساءك وإماءك ، وسوقك بنات رسول الله صلى الله عليه ، قد هتكت ستورهن ، وأصحلت
وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت من نظر الينا بالشنف والشنآن ، والإحن والاضغان أتقول ليت أشياخي ببدر شهدوا ، غير متأثم ولا مستعظم وأنت تنكت ثنايا أبي عبد الله بمخصرتك ، (وكيف لا تقول ذلك) وقد نكأت القرحة ، واستاصلت الشأفة ، باهراقك دماء ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله ونجوم الارض من آل عبد المطلب وتهتف بأشياخك زعمت أنك تناديهم ولتردن وشيكا موردهم ولتودن أنك عميت وبكمت (ولم تكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت) . "اللهم خذ بحقنا ، وانتقم لنا ممن ظلمنا .
فو الله ما فريت الا جلدك ، ولا حززت الا لحمك ، وسترد على رسول الله صلى الله عليه وآلهبرغمك وعترتُه ولحمتُه ، في حظيرة القدس يوم يجمع الله شملهم ، (ويلم شعثهم ويأخذ بحقهم) (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون)" .
وسيعلم من بوأك ومكَّنك من رقاب المؤمنين إذا كان الحكم الله والخصم محمد صلى الله عليه وجوارحك شاهدة عليك (فبِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا) (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا) ، مع اني والله يا عدو الله وابن عدوه استصغر قدرك واستعظم تقريعك ، غير ان العيون عبرى ، والصدور حرى وما يجزي ذلك أو يغني عنا وقد قتل الحسين عليه السلام .
(ألا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباء ، بحزب الشيطان الطلقاء)
أقول : روى هذه الخطبة ابن نما الحلي في كتابه مثيرالأحزان والسيد ابن طاووس الحسني في كتابه اللهوف في قتلى الطفوف ولم يذكرا مصدرهما ومن المفيد اثبات رواية ابن طاووس للمقارنة :
قال : وجعل يزيد يتمثل بأبيات ابن الزبعرى :
ليت أشياخى ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الاسل
لأهلوا واستهلوا فرحا ثم قالوا يا يزيد لا تشل
قد قتلنا القرم من ساداتهم وعدلناه ببدر فاعتدل
لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحى نزل
لست من خندف إن لم أنتقم من بنى أحمد ما كان فعل
قال الراوى : فقامت زينب بنت على بن أبى طالب عليه السلام فقالت الحمد لله رب العالمين وصلى الله على رسول الله وآله أجمعين ، صدق الله سبحانه كذلك يقول ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوء أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤن أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الارض وآفاق السماء فأصبحنا نساق كما تساق الاسراء إن بنا هوانا على الله وبك عليه كرامة وإن ذلك لعظم خطرك عنده فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك جذلان مسرورا حين رأيت الدينا لك مستوثقة والامور متسقة وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا فمهلا مهلا أنسيت قول الله تعالى (ولايحسبن الذين كفروا أنمانملى لهم خير لأنفسهم إنما نملى لهم ليزداد وا إثما ولهم عذاب مهين) أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك وإمائك وسوقك بنات رسول لله صلى الله عليه وآله سبايا قد هتكت ستور هن وأبديت وجوههن تحدوا بهن الاعداء من بلد إلى بلد ويستشرفهن أهل المناهل والمناقل ويتصفح وجوههن القريب والبعيد والدنى والشريف ليس معهن من رجالهن ولي ولا من حماتهن حمى وكيف يرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الأذكياء ونبت لحمه من دماء الشهداء وكيف ويستبطأ في بغضاء أهل البيت من نظر إلينا بالشنف والشنان والاحن والاضغان ثم تقول غير متأثم ولا مستعظم .
لأهلّوا واستهلّوا فرحا ثم قالوا يا يزيد لاتشل
منتحيا على ثنايا أبى عبد الله عليه السلام سيد شباب أهل الجنة تنكتها بمخصرتك وكيف لاتقول ذلك وقد نكأت القرحة وإستأصلت الشأفة باراقتك دماء ذرية محمد صلى الله عليه وآله ونجوم الارض من آل عبد المطلب وتهتف بأشياخك ، وزعمت إنك تناديهم فلتردن وشيكا موردهم ولتودن إنك شللت وبكمت ولم تكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت اللهم خذ لنا بحقنا وانتقم ممن ظلمنا وأحلل غضبك بمن سفك دمائنا وقتل حماتنا فوالله ما فريت إلا جلدك ولا حززت إلا لحمك ولتردن على رسول اللهصلى الله عليه وآله بماتحملت من سفك ذريته وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته وحيث يجمع الله شملهم ويلم شعثهم ويأخذ بحقهم . (ولاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) وحسبك بالله حاكما وبمحمد صلى الله عليه وآلهخصيما وبجبرائيل ظهيرا وسيعلم من سول لك ومكنك من رقاب المسلمين بئس للظالمين بدلا وأيكم شر مكانا وأضعف جندا ولئن جرت على الدواهى مخاطبتك إنى لأستصغر قدرك وأستعظم تقريعك وأستكثر توبيخك لكن العيون عبرى والصدور حرى الا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء فهذه الايدى تنطف من دمائنا والافواه تتحلف من لحومنا وتلك الجثث الطواهر الزواكى تتنابها العواسل وتعفرها أمهات الفراعل ولئن اتخذتنا مغنما لتجدنا وشيكا مغرما حين لا تجد الا ما قدمت يداك وما ربك بظلام للعبيد : فإلى الله المشتكى وعليه المعول فكد كيدك وأسع سعيك وناصب جهدك والله لا عنك عارها وهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد وجمعك إلا بدد يوم ينادى المنادى الا لعنة الله على الظالمين فالحمد لله رب العالمين الذى ختم لأَولنا بالسعادة والمغفرة ولآخرنا بالشهادة والرحمة ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب ويوجب لهم المزيد ويحسن علينا الخلافة إنه رحيم ودود وحسبنا الله ونعم الوكيل .
______________________
(1) الخطيب البغدادي : تاريخ بغداد 4/211 .
(2) طبع ثلاث مرّات أوّلها على يد المستشرق (كيلر) في ليبزيغ سنة 1908م ثمَّ في القاهرة سنة 1946 وأخيراً في بغداد بعنوان (بغداد في تاريخ الخلافة العباسية) سنة 1968م مكتبة المثنى .
(3) شاكر مصطفى : التاريخ والمؤرخون ج1/245-246 . أقول: قد ذكر ابن النديم (163) قائمة كتب ابن ابي طاهر .
(4) ابن ابي الحديد : شرح نهج البلاغة ج10 / 101 .
(5) ابن ابي الحديد : شرح نهج البلاغة ج12 / 20 .
(6) قال ناشر الكتاب أحمد الألفي في المقدمة : الأصل الذي رجعت اليه في الطبع موجود بدار الكتب الخديوية بمصر استنسخ سنة 1297 هجرية من المدينة المنورة للمرحوم محمود باشا سامي البارودي وبدار الكتب أصل آخر للمرحوم الشيخ الشنقيطي الكبير الحافظ الثقة في اللغة والأدب ويظهر من مقابلة النسختين المذكورتين انهما نقلتا عن أصل واحد .
(7) صحل صوته : بحَّ .
(8) تخدي بهن الأباعر : تسرع .
(9) استعرنا هذه العبارة من النص الذي نقله ابن طاووس فهو اوفق من نسخة ابن طيفور حيث فيها (وحزب الشيطان يقربنا الى حزب السفهاء ليعطوهم أموال الله على انتهاك محارم الله) .
(10) استعرنا هذه العبارة من النص الذي نقله ابن طاووس بدلا من نص ابن طيفور وهو (لتتخذن مغرما) .
(11) في نص ابن طاووس بعدها : (فو الله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا) .
(12) في نص ابن طاووس بعدها : وهل رأيك الا فند وأيامك الا عدد ، وجمعك إلا بدد ، يوم ينادى المنادي ألا لعنة الله على الظالمين .