المدخل إلى دراسة مصادر السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي
الباب الأول : بحوث تمهيدية
الفصل الأول : حول مصطلح السيرة والتاريخ
إنَّ لفظة الاسلام في القرآن الكريم أُطلقت إسماً لدين الله الذي جاء به الأنبياء من عند الله ، قال تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِندَ الله الإِسلامُ) آل عمران/19 كما أُطلقت لفظة المسلمين على الأنبياء والذين إتبعوهم منذ نوح عليه السلام .
قال الله تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوح إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بآيَاتِ الله فَعَلَى الله تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَىَّ وَلاَ تُنظِرُونَ (71) فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْر إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى الله وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المُسْلِمِينَ(72))يونس/71-72 .
وقال الله تعالى : (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِىَّ إِنَّ الله اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ) البقرة/132 .
وقال الله تعالى : (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِالله فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ)يونس/84 .
وقال الله تعالى حكاية عن سليمان عليه السلام : ( ... وَأُوتِينَا العِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ)النمل/42 .
وقال الله تعالى : (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إلى الله قَالَ الحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ الله آمَنَّا بِالله وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) آل عمران/52 .
وفي الحديث عن الامام الصادق عليه السلام : (دين الله اسمه الإسلام وهو دين الله قبل أن تكونوا حيث كنتم وبعد أن تكونوا ، فمن أقرَّ بدين الله فهو مسلم ومن عمل بما أمر الله عزّ َوجلَّ به فهو مؤمن)
ويبدو أنَّ هذا الإستعمال كان موجوداً ومتداولاً إلى القرن الثالث الهجري .
روى الطبري بسنده إلى ابن إسحاق : إنَّ عاداً لمَّا أصابهم من القحط ما أصابهم قالوا : جهزوا منكم وفداً إلى مكة فيستقوا لكم ، فبعثوا قيل : بن عتر ونعيم بن هزال إلى مرثد بن سعد وكان مسلماً يكتم إسلامه ، إلى أن قال : فقال مرثد إنَّكم والله لا تستقون بدعائكم ولكن إن أطعتم نبيكم وأنبتم إليه ُسقيتم ، فأظهر إسلامه عند ذلك
وقد جرت عادة المؤرخين القدامى من المسلمين ، أمثال اليعقوبي (ت278هـ) وأبي حنيفة الدينوري (ت282هـ) والطبري (ت310هـ) والمسعودي (ت346هـ) . ومسكويه (ت421هـ) أن يبدأوا تواريخهم بقصص الأنبياء منذ آدم عليه السلام .
وحذا حذو هؤلاء أيضاً من جاء بعدهم من المؤرخين المتأخرين أمثال ابن الأثير (ت630هـ) وسبط بن الجوزي (ت654هـ) وأبي الفداء (ت732هـ) وابن الوردي (ت749هـ) وابن كثير (ت774هـ) وابن خلدون (ت808هـ) .
وعلى الرغم من كثرة الموسوعات التاريخية التي كتبها المؤرخون المسلمون بالنهج الشامل الآنف الذكر ومن عرض القرآن قبل ذلك لقصص الأنبياء على أنَّها تاريخ الإسلام والمسلمين ، إقتصرت لفظة (التاريخ الإسلامي) في العصور المتأخرة في الدلالة على الحوادث التاريخية المبتدئة بسيرة الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله والمسلمين معه ومن جاء بعدهم .
______________________
(1) الكليني : الكافي ج2/38 الحديث الرابع .
(2) ابن جرير الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج1/219-221 .