المدخل إلى دراسة مصادر السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي
الباب الثالث : تعريف بالموسوعات التاريخية وأصولها ومصنفيها
الفصل الثاني: تراجم أصحاب الموسوعات التاريخية التي اعتمد عليها ابن أبي الحديد

الخطيب البغدادي (تـ463 هـ)

قال الذهبي : الإمام الأوحد ، العلامة المفتي ، الحافظ الناقد ، محدِّث الوقت أبو بكر ، أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي البغدادي ، صاحب التصانيف ، وخاتمة الحفَّاظولد سنة اثنتين وتسعين وثلاث مئة . وكان أبوه أبوالحسن خطيباً بقرية درزيجان  (1) .

سمع من الكثيرين ومنهم:الحسين بن محمد الصائغ حدَّثه عن نافلة (2) علي بن حرب.

قدم إلى دمشق في سنة خمس وأربعين ، فسمع من محمد بن عبدالرحمن بن أبي نصر التميمي ، وطبقته واستوطنها ، ومنها حجَّ .

قال أحمد بن صالح الجيلي : تفقَّه الخطيب ، وقرأ بالقراءات ، وارتحل وقُرِّب من رئيس الرؤساء  (3) ، فلمّا قبض عليه البساسيري استتر الخطيب ، وخرج إلى صور ، وبها عزُّ الدولة ، أحد الأجواد ، فأعطاه مالاً كثيراً .

قال ابن ماكولا : كان أبوبكر آخر الأعيان ، ممَّن شاهدناه معرفة ، وحفظاً ، وإتقاناً ، وضبطاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وآله ، وتفنناً في علله وأسانيده ، وعلماً بصحيحه وغريبه ، وفرده ومنكره ومطروحه ، ولم يكن للبغداديين - بعد أبي الحسن الدارقطني - مثله .

قال الحافظ أبوسعد السمعاني في "الذيل" : كان الخطيب مهيباً وقوراً ، ثقةً متحرياًحجَّة ، حسن الخط ، كثير الضبط ، فصيحاً ، ختم به الحفّاظ ،

رحل إلى الشام حاجّاً ، ولقي بصور أبا عبدالله القضاعي ، وقرأ "الصحيح" في خمسة أيّام على كريمة المروزية ، ورجع إلى بغداد ، ثمَّ خرج منها بعد فتنة البساسيري لتشويش الوقت إلى الشام ، سنة إحدى وخمسين ، فأقام بها ، وكان يزور بيت المقدس ، ويعود إلى صور ، إلى سنة اثنتين وستين ، فتوجَّه إلى طرابلس ، ثمَّ منها إلى حلب ، ثمَّ إلى الرحبة ، ثمَّ إلى بغداد ، فدخلها في ذي الحجة . وحدَّث بحلب وغيرها .

قال السمعاني : سمعت من ستة عشر نفساً من أصحابه ، وحدَّثنا عنه يحيى بن علي الخطيب ، سمع منه بالأنبار ، قرأت بخط أبي ، سمعت أبا محمد بن الآبنوسي ، سمعت الخطيب يقول : كلَّما ذكرت في التاريخ رجلاً اختلفت فيه أقاويل الناس في الجرح والتعديل فالتعويل على ما أخَّرت وختمت به الترجمة .

محمد بن طاهر : حدَّثنا مكي بن عبدالسلام الرميلي قال : كان سبب خروج الخطيب من دمشق إلى صور ، أنَّه كان يختلف إليه صبي مليح ، فتكلَّم الناس في ذلك ، وكان أمير البلد رافضيّاً متعصِّباً ، فبلغته القصّة فجعل ذلك سبباً إلى الفتك به ، فأمر صاحب شرطته أن يأخذ الخطيب بالليل ، فيقتله ، وكان صاحب الشرطة سنّياً ، فقصده تلك الليلة في جماعة ، ولم يمكنه أن يخالف الأمير ، فأخذه ، وقال : قد أمرت فيك بكذا وكذا ، ولا أجد لك حيلة إلاَّ أنِّي أعبر بك عند دار الشريف ابن أبي الجن  (4) ، فإذا حاذيت الدار ، اقفز وادخل ، فإنِّي لا أطلبك ، وأرجع إلى الأمير ، فأخبره بالقصّة . ففعل ذلك ، ودخل دار الشريف ، فأرسل الأمير إلى الشريف أن يبعث به ، فقال : أيُّها الأمير ! أنت تعرف اعتقادي فيه وفي أمثاله ، وليس في قتله مصلحة ، هذا مشهور بالعراق ، إن قتلته ، قتل به جماعة من الشيعة ، وخُرِّبت المشاهد . قال : فما ترى ؟ قال : أرى أن ينـزح من بلدك . فأمر بإخراجه ، فراح إلى صور ، وبقي بها مدة .

قال أبوالقاسم بن عساكر : سعى بالخطيب حسين بن علي الدمنشي  (5) إلى أمير الجيوش ، فقال : هو ناصبي يروي فضائل الصحابة وفضائل العباس في الجامع .

وقال أبوالحسين بن الطيوري : أكثر كتب الخطيب - سوى "تاريخ بغداد" - مستفادة من كتب الصوري  (6) ، كان الصوري ابتدأ بها ، وكانت له أخت بصور ، خلَّف أخوها عندها اثني عشر عدلاً من الكتب ، فحصَّل الخطيب من كتبه أشياء . وكان الصوري قد قسَّم أوقاته في نيف وثلاثين شيئاً .

قال الذهبي : ما الخطيب بمفتقر إلى الصوري ، هو أحفظ وأوسع رحلة وحديثاً ومعرفة .

قال ابن النجار : ولد الخطيب بقرية من أعمال نهر الملك ، وكان أبوه خطيباً بدرزيجانونشأ هو ببغداد وتوفي بها في سنة ثلاث وستين وأربعمائة .

قال غيث الأرمنازي : قال مكي الرميلي : كنت نائماً ببغداد في ربيع الأوّل سنة ثلاث وستين وأربع مئة ، فرأيت كأنّا اجتمعنا عند أبي بكر الخطيب في منـزله لقراءة "التاريخ" على العادة ، فكأنَّ الخطيب جالس والشيخ أبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي عن يمينه ، وعن يمين نصر رجل لم أعرفه ، فسألت عنه ، فقيل : هذا رسول الله صلى الله عليه وآله جاء ليسمع "التاريخ" ، فقلت في نفسي : هذه جلالة لأبي بكر إذ يحضر رسول الله مجلسه ، وقلت : هذا ردٌّ لقول من يعيب "التاريخ " ويذكر أنَّ فيه تحاملاً على أقوام .

قال المؤتمن : تحاملت الحنابلة على الخطيب حتّى مال إلى ما مال إليه .

قال الذهبي : تناكد ابن الجوزي رحمه الله وغضَّ من الخطيب ، ونسبه إلى أنَّه يتعصب على أصحابنا الحنابلة .

قال الذهبي : ليت الخطيب ترك بعض الحطِّ على الكبار فلم يروه .

قال أبوسعد السمعاني : للخطيب ستة وخمسون مصنَّفاً .

أقول : منها تاريخ بغداد وشرف أصحاب الحديث والكفاية في معرفة أصول علم الرواية .

رواياته عند ابن أبي الحديد :

ج6/123 قوله في (تاريخ بغداد) : إنَّ القبر الذي تزوره الشيعة بالكوفة هو قبر المغيرة بن شعبة وردَّ نقيب الطالبيين أبي عبد الله الحسين بن الأفساسي على ذلك .

أقول :

أمّا ما ذكره ابن عساكر من تهمة النصب التي وجهت إليه فلعلَّ منشأها انكاره ان يكون قبر علي عليه السلام بالنجف ، وقد كرَّس الخطيب ترجمة علي عليه السلام لذلك ، ونحن ننقل فيما يلي ترجمة علي عليه السلام في تاريخ بغداد لنتبيَّن الحال :

ترجمة علي عليه السلام عند الخطيب البغدادي :

قال الخطيب : علي بن أبي طالب واسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب ، يكنّى أبا الحسن وأبا تراب وأمَّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف وهي أوّل هاشمية ولدت لهاشمي ، وعلي أوّل من صدَّق رسول الله صلى الله عليه وآله من بني هاشم وشهد المشاهد معه وجاهد بين يديه ومناقبه أشهر من أن تذكر وفضائله أكثر من أن تحصر وكان وروده المدائن في طريقه لمَّا قاتل الخوارج بالنهروان ولمَّا خرج إلى صفين أيضاً .

- أخبرنا الحسن بن أبي بكر بسنده عن ربعي بن حراش قال : سمعت عليّاً يقول وهو بالمدائن : جاء سهيل بن عمرو إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال : إنَّه قد خرج إليك ناس من أرقّائنا ليس بهم الدين تعيذاً فأرددهم علينا فقال له أبو بكر وعمر : صدق يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : لن تنتهوا يا معشر قريش حتّى يبعث الله عليكم رجلاً امتحن الله قلبه بالإيمان يضرب أعناقكم وأنتم مجفلون عنه إجفال النعم ، فقال أبو بكر : أنا هو يا رسول الله ؟ قال : لا ، قال له عمر : أنا هو يا رسول الله ؟ قال : لا ولكنَّه خاصف النعل ، قال : وفي كفِّ علىّ نعل يخصفها لرسول الله صلى الله عليه وآله .

- أخبرنا أبو الحسن علي بن القاسم بن الحسن الشاهد بالبصرة بسنده عن مسلم عن أنس قال : استنبى النبي صلى الله عليه وآله يوم الإثنين وأسلم علي عليه السلام يوم الثلاثاء .

- أخبرنا محمد بن علي الصلحي بسنده عن الهيثم بن عدي قال : نبّأنا جعفر بن محمد عن أبيه قال : بعث النبي صلى الله عليه وآله وعلي ابن سبع سنين .

- أخبرنا أبو نعيم الحافظ بسنده عن أبي الأسود عمّن حدَّثه أنَّ علي بن أبي طالب أسلم وهو ابن ثمان سنين .

- أخبرنا محمد بن الحسين بن الفضل القطّان بسنده عن يعقوب بن سفيان قال : سمعت سليمان بن حرب يقول : شهد علي عليه السلام بدراً وهو ابن عشرين سنة وشهد الفتح وهو ابن ثمان وعشرين سنة .

- أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عمر المقرئ قال : أنبانا علي بن أحمد بن أبي قيس الرفا قال : نبّأنا أبو بكر بن أبي الدنيا قال : نبّأنا عباس بن هشام عن أبيه قال : بويع علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بالمدينة يوم الجمعة حين قتل عثمان لاثنتي عشرة ليلة بقين من ذي الحجة ، فاستقبل المحرم سنة ست وثلاثين قال ابن عباس : وكانت بيعته في دار عمرو بن محصن الأنصاري ، ثمَّ أحد بني عمرو بن مبذول يوم الجمعة ، ثمَّ بويع بيعته العامّة ، من الغد يوم السبت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله .

- أخبرنا علي بن محمد المعدل قال : أنبأنا الحسين بن صفوان البرذعي قال : نبّأنا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا  (7) قال : نبّأنا محمد بن سعد قال : أنبأنا محمد بن عمر قال : نبّأنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة قال : سألت أبا جعفر محمد بن علي كم كان سنُّ علي عليه السلام يوم قتل ؟ قال : ثلاثاً وستين سنة قلت : ما كانت صفته ؟ قال : رجل آدم شديد الأدمة ثقيل العينين عظيمهما ذو بطن أصلع هو إلى القصر أقرب قلت : أين دفن ؟ فقال : بالكوفة ليلاً وقد عبي عني دفنه . قال محمد بن سعد : ودفن علي عليه السلامبالكوفة عند مسجد الجامع في قصر الإمارة أخبرنا ابن رزق قال : أنبأنا علي بن عبد الرحمن بن عيسى الكوفي قال : نبّأنا محمد بن منصور المرادي قال : حدَّثني أبو الطاهر يعني أحمد بن عيسى العلوي قال : حدَّثني أبي عن أبيه عن جده عن الحسن بن علي قال : دفنت أبي علي بن أبي طالب في حجلة أو قال في حجرة من دور آل جعدة بن هبيرة .

- أخبرنا حمزة بن محمد بن طاهر الدقّاق قال : أنبأنا الوليد بن بكر الأندلسي قال : حدَّثنا علي بن أحمد بن زكريا الهاشمي قال : حدَّثنا أبو مسلم صالح بن أحمد بن عبد الله العجلي قال : حدَّثني أبي قال : وعلي بن أبي طالب قتل بالكوفة ، قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي وقتل عبد الرحمن الحسن بن علي ، ودفن علي بالكوفة ، فلا يعلم أين موضع قبره .

- أخبرنا محمد بن الحسين القطّان قال : أنبأنا عبد الله بن إسحاق الخراساني قال : نبّأنا أبو زيد بن طريف قال : نبّأنا إسماعيل بن موسى قال : نبّأنا أبو المحياة عن عبد الملك بن عمير قال : لمّا حفر خالد بن عبد الله أساس دار يزيد ابنه استخرجوا شيخاً مدفوناً أبيض الرأس واللحية فقال : أتحبُّ أن أريك علي بن أبي طالب عليه السلام ؟ فكشف لي ، فإذا بشيخ أبيض الرأس واللحية كأنَّما دفن بالأمس طري ، وزاد في الحديث إسماعيل بن بهرام فقال : يا غلام علىَّ بحطب ونار ، فقال الهيثم بن العربان : أصلح الله الأمير ليس يريد القوم منك هذا كلَّه ، فقال : يا غلام علي بقباطي فلفَّه فيها وحنَّطه وتركه مكانه ، قال أبو زيد بن طريف : هذا الموضع بحذاء باب الورّاقين ممَّا يلي قبلة المسجد بيت إسكاف وما يكاد يقرُّ في ذلك الموضع أحد إلاَّ انتقل عنه .

- أخبرنا إبراهيم بن مخلد بن جعفر المعدل قال : حدَّثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم الحكيمي قال : حدَّثنا أبو قلابة وأخبرنا الحسن بن أبي بكر قال : أنبأنا عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم البغوي قال : حدَّثنا عبد الملك بن محمد وهو أبو قلابة الرقاشي قال : نبّأنا الحسن بن محمد النخعي قال : جاء رجل إلى شريك فقال : أين قبر علي بن أبي طالب ؟ فأعرض عنه حتّى سأله ثلاث مرات ، فقال له في الرابعة : نقله والله الحسن بن علي إلى المدينة ، هذا لفظ حديث البغوي قال : وقال عبد الملك : وكنت عند أبي نعيم فمرَّ قوم على حمير قلت : أين يذهب هؤلاء ؟ قال : يأتون إلى قبر علي بن أبي طالب ، فالتفت إليَّ أبو نعيم فقال : كذبوا نقله الحسن ابنه إلى المدينة .

- أخبرنا محمد بن علي بن مخلد الورّاق قال : أنبأنا أحمد بن محمد بن عمران قال : حدَّثنا إسماعيل الصفار قال : حدَّثنا المبرَّد عن محمد بن حبيب قال : أوّل من حوِّل من قبر إلى قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام حوَّله ابنه الحسن ، أخبرني الحسن بن أبي بكر قال : كتب إلىَّ محمد بن إبراهيم بن عمران الجوري من شيراز : أنَّ أحمد بن حمدان بن الخضر أخبرهم قال : حدَّثنا أحمد بن يونس الضبّي قال : حدَّثني أبو حسّان الزيادي قال : دفن علي عليه السلام بالكوفة عند قصر الأمارة عند المسجد الجامع ليلاً ، وعُمِّىَ موضع قبره ، ويقال : دفن في موضع القصر ، ويقال : في الرحبة التي تنسب إليه ويقال : في الكناسة وقال أبو حسان : حدَّثني النخعي عن شريك أنَّ الحسن بن علي حمله بعد صلح معاوية والحسن فدفنه بالمدينة ، ويقال : حمله فدفنه بالثوية ، ويقال : دفن بالبقيع مع فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله .

- أخبرني الحسن بن علي الجوهري قال : أنبأنا أبو حاتم محمد بن عبد الواحد الرازي قال : أخبرني أبو الحسين محمد بن عبد الله بن القاسم الأديب قال : حدَّثنا أبو الفيض صالح بن أحمد النحوي قال : حدَّثنا صالح بن شعيب عن الحسن بن شعيب الفروي عن عيسى بن دأب قال : عُمِّيَ قبر علي بن أبي طالب عليه السلام قال : وحدَّثني الحسن أنَّه صُيِّر في صندوق وأكثر عليه من الكافور وحمل على بعير يريدون به المدينة ، فلمّا كان ببلاد طى أضلُّوا البعير ليلاً ، فأخذته طى وهم يظنون أنَّ بالصندوق مالاً ، فلمَّا رأوا ما فيه خافوا أن يطلبوا ، فدفنوا الصندوق بما فيه ، ونحروا البعير فأكلوه .

- حكى لنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا بكر الطلحي يذكر أنَّ أبا جعفر الحضرمي مطيناً كان ينكر أن يكون القبر المزور بظاهر الكوفة غير علي بن أبي طالب عليه السلام وكان يقول : لو علمت الرافضة قبر من هذا لرجمته بالحجارة ، هذا قبر المغيرة بن شعبة ، وقال مطين : لو كان هذا قبر علي بن أبي طالب لجعلت منـزلي ومقيلي عنده أبداً .

- أخبرنا علي بن محمد القرشي قال : نبّأنا أبو عمر الزاهد محمد بن عبد الواحد قال : أخبرني السياري قال : أخبرني أبو العباس بن مسروق الطوسي قال : أخبرني عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : كنت بين يدي أبي جالساً ذات يوم ، فجاءت طائفة من الكرخيين فذكروا خلافة أبي بكر وخلافة عمر بن الخطاب وخلافة عثمان بن عفان فأكثروا وذكروا خلافة علي بن أبي طالب وزادوا فأطالوا ، فرفع أبي رأسه إليهم فقال : يا هؤلاء قد أكثرتم القول في علي والخلافة والخلافة وعلي إنَّ الخلافة لم تزيِّن عليّاً بل عليٌّ زيَّنها ، قال السياري : فحدَّثت بهذا بعض الشيعة فقال لي : قد أخرجت نصف ما كان في قلبي على أحمد بن حنبل من البغض .

- أخبرنا علي بن القاسم البصري قال : نبّأنا علي بن إسحاق المادرائي قال : أنبأنا الصغاني محمد بن إسحاق قال : نبّأنا إسماعيل بن أبان الوراق قال : حدَّثنا أبو عبد الله المحلمي عن سمّاك عن جابر بن سمرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لعلي من أشقى الأوّلين ؟ قال : عاقر الناقة ، قال : فمن أشقى الآخرين ؟ قال : الله ورسوله أعلم ، قال : قاتلك .

- أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق البزازبسنده عن أبي معشر قال : وحدَّثنا عاصم بن علي قال : حدَّثنا أبو معشر قال : وقتل علي بن أبي طالب في رمضان يوم الجمعة لسبع عشرة ليلة من رمضان سنة أربعين وكانت خلافته خمس سنين إلاَّ ثلاثة أشهر .

- أخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقرئ قال : أنبأنا علي بن أحمد بن أبي قيس قال : نبّأنا عبد الله بن محمد بن عبيد قال : نبّأنا الحسين بن علي العجلي قال : نبّأنا حسين الجعفي قال : سمعت سفيان بن عيينة يسأل جعفر بن محمد : كم كان لعلي يوم قتل ؟ قال : ثمان وخمسون سنة .

- أخبرنا ابن بشران قال : أنبأنا الحسين بن صفوان قال : حدَّثنا ابن أبي الدنيا قال : حدَّثنا محمد بن سعد قال : أنبأنا محمد بن عمر قال : حدَّثنا علي بن عمر بن علي بن حسين عن عبد الله بن محمد بن عقيل قال سمعت ابن الحنفية يقول : سنة الجحاف حين دخلت إحدى وثمانون هذه لي خمس وستون سنة قد جاوزت سنَّ أبي قلت : وكم كانت سنُّه يوم قتل ؟ قال : ثلاث وستون  (8) .

هذا كلُّ ما ذكره الخطيب في الترجمة وهي (19) خبراً تصنيفها كالآتي :

- خمسة منها لإثبات عمره عليه السلام حين صدَّق بالنبي صلى الله عليه وآله وأنه كان بين (7-8) سنوات .

- خبر واحد يفيد أنَّ عمره كان (13) سنة .

- خبر واحد يفيد أنَّ مدَّة خلافته كانت (5) سنوات .

- خبر واحد في قول أحمد بن حنبل إنَّ عليّاً زان الخلافة .

- خبر واحد يفيد أنَّ بيعته كانت على مرحلتين الأولى في دار عمرو بن محصن الأنصاري ، والثانية في المسجد النبوي .

- خبران في فضائله عليه السلام .

- ثمانية أخبار لإثبات أنَّ قبره عليه السلام ليس في النجف .

اقول : وليس من شك أنَّ الترجمة هزيلة لا تليق بعلي عليه السلام ويبدو منها أنَّ المقصود الأساس في الترجمة هو هذا الأمر الأخير طعناً في الشيعة حيث يزورون هذا القبر . ومنه يتَّضح لماذا اتُّهم بالنَّصب كما مرَّ في ترجمته .

ومما ينبغي ذكره ان قسما من فضائل علي عليه السلام وطرف من سيرته قد اوردها الخطيب ضمن تراجم اخرين نظير الخبرالاتي :

قال الخطيب : أخبرنا علي بن يحيى بن جعفر الإمام بأصبهان قال : أنبأنا أبو الحسن أحمد بن القاسم بن الريّان المصري بالبصرة قال : نبّأنا أحمد بن إسحاق بن إبراهيم بن نبيط بن شريط الأشجعي بمصر ، قال حدَّثني أبي عن أبيه عن جده قال : لمَّا فرغ علي بن أبي طالب عليه السلام من قتال أهل النهروان ، قفل أبو قتادة الأنصاري ومعه ستون أو سبعون من الأنصار ، قال : فبدأ بعائشة ، قال أبو قتادة : فلمَّا دخلت عليها قالت : ما وراءك ؟ ! فأخبرتها أنَّه لمَّا تفرَّقت المحكِّمة من عسكر أمير المؤمنين لحقناهم فقتلناهم ، فقالت : ما كان معك من الوفد غيرك ؟ قلت : بلى ستون أو سبعون ، قالت : أفكلهم يقول مثل الذي تقول ؟ قلت : نعم ، قالت : قصَّ علىَّ القصّة ، فقلت : يا أمَّ المؤمنين تفرَّقت الفرقة وهم نحو من اثني عشر ألفاً ينادون : (لا حكم إلاَّ الله) فقال علي عليه السلام : (كلمة حقّ يراد بها باطل) ، فقاتلناهم بعد أن ناشدناهم الله وكتابه فقالوا : كفر عثمان وعلي وعائشة ومعاوية ، فلم نزل نحاربهم وهم يتلون القرآن فقاتلناهم وقتلونا وولّى منهم من ولّى ، فقال علي عليه السلام : لا تتبعوا مولِّياً فأقمنا ندور على القتلى حتّى وقفت بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله وعليٌّ عليه السلام راكبها ، فقال أقلبوا القتلى فأتيناه وهو على نهر فيه القتلى فقلبناهم حتّى خرج في آخرهم رجل أسود على كتفه مثل حلمة الثدي .

فقال علي عليه السلام : الله أكبر والله ما كَذَبْتُ ، ولا كُذِبْتُ كنت مع النبي صلى الله عليه وآله وقد قسَّم فيئاً ، فجاء هذا فقال : يا محمد اعدل فوالله ما عدلت منذ اليوم ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : ثكلتك أمُّك ومن يعدل عليك إذا لم أعدل ، فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله ألا أقتله ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : لا دعه فإنَّ له من يقتله ، وقال : صدق الله ورسوله قال : فقالت عائشة : ما يمنعني ما بيني وبين علي عليه السلام أن أقول الحقَّ ، سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول : تفترق أمَّتي على فرقتين تمرق بينهما ، فرقة محلِّقون رؤوسهم محفون شواربهم أزرهم إلى أنصاف سوقهم يقرأون القرآن لا يتجاوز تراقيهم ، يقتلهم أحبُّهم إلىَّ وأحبُّهم إلى الله تعالى ، قال : فقلت : يا أمَّ المؤمنين فأنت تعلمين هذا فَلِمَ كان الذي منك ؟ ! ! قالت : يا أبا قتادة وكان أمر الله قدراً مقدوراً وللقدر أسباب ، وذكر بقية الحديث  (9) .

ماذكره الخطيب من تراجم الائمة من ذرية الحسين عليه السلام :

ترجم الخطيب لثلاث ائمة من ذرية الحسين عليهم السلام فقط وهم الامام موسى بن جعفر والامام علي الهادي بن محمد بن علي بن موسى ، وولده الحسن العسكري عليه السلام وهذه الاخيرة مقتضبة جدا وفيما يلي كل ما ذكره عنهم .

موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو الحسن الهاشمي :

يقال أنه ولد بالمدينة في سنة ثمان وعشرين وقيل سنة تسع وعشرين ومائة .

وأقدمه المهدي بغداد  (10) ثم رده إلى المدينة ، وأقام بها إلى أيام الرشيد ، فقدم هارون منصرفا من عمرة شهر رمضان سنة تسع وسبعين ، فحمل موسى معه إلى بغداد وحبسه بها إلى أن توفى في محبسه .

أخبرنا الحسن بن أبي بكر أخبرنا الحسن بن محمد بن يحيى العلوي حدثني جدي قال : كان موسى بن جعفر يدعي العبد الصالح من عبادته واجتهاده ، روى أصحابنا أنه دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسجد سجدة في أول الليل ، وسمع وهو يقول في سجوده : عظم الذنب عندي فليحسن العفو عندك يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة ، فجعل يرددها حتى أصبح .

وكان سخيا كريما ، وكان يبلغه عن الرجل أنه يؤذيه فيبعث إليه بصرة فيها ألف ديناروكان يصر الصرر ثلاثمائة دينار وأربعمائة دينار ومائتي دينار ثم يقسمها بالمدينةوكان مثل صرر موسى بن جعفر إذا جاءت الانسان الصرة فقد استغنى .

أخبرنا الحسن حدثني جدي حدثنا إسماعيل بن يعقوب حدثني محمد بن عبد الله البكري قال : قدمت المدينة أطلب بها دينا ، فأعياني ، فقلت : لو ذهبت إلى أبي الحسن موسى بن جعفر فشكوت ذلك إليه فأتيته في ضيعته فخرج إلي ومعه غلام له معه منسف فيه قديد مجزع ليس معه غيره ، فأكل وأكلت معه ثم سألني عن حاجتي فذكرت له قصتي فدخل فلم يقم إلا يسيرا حتى خرج إلي ، فقال لغلامه : اذهب ، فمد يده إليَّ فدفع إليَّ صرة فيها ثلاثمائة دينار ثم قام فولى ، فقمت فركبت دابتي وانصرفت .

قال جدي يحيى بن الحسن وذكر لي غير واحد من أصحابنا أن رجلا من ولد عمر بن الخطاب كان بالمدينة يؤذيه ويشتم عليا ، قال : وكان قد قال له بعض حاشيته : دعنا نقتله ، فنهاهم عن ذلك أشد النهي وزجرهم أشد الزجر ، وسأل عن العمري فذكر له أنه يزرع بناحية من نواحي المدينة ، فركب إليه في مزرعته ، فوجده فيها ، فدخل المزرعة بحماره فصاح به العمري : لا تطأ زرعنا ، فوطئه بالحمار حتى وصل إليه ، فنزل فجلس عنده وضاحكه وقال له : كم غرمت في زرعك هذا ؟ قال له : مائة دينار ، قال فكم ترجو أن يصيب ؟ قال : أنا لا أعلم الغيب ، قال : إنما قلت لك كم ترجو أن يجيئك فيه ، قال : أرجو أن يجيئني مائتا دينار ، قال : فأعطاه ثلاثمائة دينار ، وقال : هذا زرعك على حاله ، قال : فقام العمري فقبل رأسه وانصرف .

قال : فراح إلى المسجد فوجد العمري جالسا فلما نظر إليه ، قال الله أعلم حيث يجعل رسالته ، قال : فوثب أصحابه فقالوا له : ما قصتك ؟ قد كنت تقول خلاف هذا ، قال : فخاصمهم وشاتمهم ، قال وجعل يدعو لابي الحسن موسى كلما دخل وخرج .

قال : فقال أبو الحسن موسى لحاشيته الذين أرادوا قتل العمري : أيما كان خير ما أردتم أو ما أردت أن أصلح أمره بهذا المقدار ؟

أخبرنا سلامة بن الحسين المقرئ وعمر بن محمد بن عبيد الله المؤدب قالا أخبرنا علي بن عمر الحافظ حدثنا القاضي الحسين بن إسماعيل حدثنا عبد الله بن أبي سعد حدثني محمد بن الحسين بن محمد بن عبد المجيد الكناني الليثي قال : قال حدثني عيسى بن محمد بن مغيث القرظي وبلغ تسعين سنة ، قال : زرعت بطيخا وقثاء وقرعا في موضع بالجوانية على بئر يقال لها أم العظام ، فلما قرب الخير واستوى الزرع بغَتَني الجراد فأتى على الزرع كله ، وكنت غرمت على الزرع وفي ثمن جملين مائة وعشرين دينارا ، فبينما أنا جالس طلع موسى بن جعفر بن محمد فسلم ، ثم قال : أيش حالك ؟ فقلت أصبحت كالصريم بغتني الجراد فاكل زرعي ، قال : وكم غرمت فيه ؟ قلت مائة وعشرين دينارا مع ثمن الجملين ، فقال : يا عرفة زن لابي المغيث مائة وخمسين دينارا فربحك ثلاثين دينارا والجملين ، فقلت : يا مبارك ادخل وادع لي فيها ، فدخل ودعا ، وحدثني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : تمسكوا ببقايا المصائب ثم علقت عليه الجملين وسقيته فجعل الله فيها البركة ، زكت فبعت منها بعشرة آلاف .

أخبرنا الحسن بن أبي بكر أخبرنا الحسن بن محمد العلوي حدثنا جدي قال : وذكر إدريس بن أبي رافع عن محمد بن موسى قال خرجت مع أبي إلى ضياعه بساية ، فأصبحنا في غداة باردة وقد دنونا منها وأصبحنا على عين من عيون بساية وخرج إلينا من تلك الضياع عبد زنجي فصيح مستذفر بخرقة على رأسه ، قدر فخار يفور ، فوقف على الغلمان ، فقال : أين سيدكم ؟ قالوا : هو ذاك ، قال : أبو من يكنى ؟ قالوا له : أبو الحسن ، قال : فوقف عليه فقال : يا سيدي يا أبا الحسن هذه عصيدة أهديتها إليك ، قال : ضعها عند الغلمان فاكلوا منها ، قال : ثم ذهب فلم نقل بلغ حتى خرج على رأسه حزمة حطب حتى وقف فقال له : يا سيدي هذا حطب أهديت إليك ، قال : ضعه عند الغلمان وهب لنا نارا فذهب فجاء بنار ، قال : وكتب أبو الحسن اسمه واسم مولاه فدفعه الي ، وقال : يا بني احتفظ بهذه الرقعة حتى أسألك عنها ، قال : فوردنا إلى ضياعه وأقام بها ما طاب له ، ثم قال : امضوا بنا إلى زيارة البيت ، قال : فخرجنا حتى وردنا مكة ، فلما قضى أبو الحسن عمرته دعا صاعدا فقال : اذهب فاطلب لي هذا الرجل فإذا علمت بموضعه فاعلمني حتى أمشي إليه فاني أكره أن أدعوه والحاجة لي ، قال : لي صاعد فذهبت حتى وقفت على الرجل ، فلما رآني عرفني وكنت أعرفه وكان يتشيع ، فلما رآني سلم علي وقال : أبو الحسن قدم ؟ قلت : لا ، فقال : فايش أقدمك قلت حوائج ، وقد كان علم بمكانه بساية فتتبعني وجعلت أتقصى منه ويلحقني بنفسه ، فلما رأيت أني لا أنفلت منه مضيت إلى مولاي ومضى معي حتى أتيته فقال : ألم أقل لك لاتعلمه فقلت جعلت فداك لم أعلمه ، فسلم عليه فقال له أبو الحسن : غلامك فلان تبيعه ؟ قال له : جعلت فداك الغلام لك والضيعة وجميع ما أملك ، قال أما الضيعة فلا أحب أن أسلبكها ، وقد حدثني أبي عن جدي أن بائع الضيعة ممحوق ومشتريها مرزوق ، قال : فجعل الرجل يعرضها عليه مدلا بها ، فاشترى أبو الحسن الضيعة والرقيق منه بألف دينار ، وأعتق العبد ووهب له الضيعة .

قال إدريس بن أبي رافع فهو ذا ولده في الصرافين بمكة .

حدثني الحسن بن محمد الخلال حدثنا أحمد بن محمد بن عمران حدثنا محمد بن يحيى الصولي حدثنا عون بن محمد قال : سمعت إسحاق الموصلي غير مرة يقول : حدثني الفضل بن الربيع عن أبيه : أنه لما حبس المهدي موسى بن جعفر رأى المهدي في النوم علي بن أبي طالب وهو يقول يا محمد (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) ، قال الربيع : فأرسل لي ليلا فراعني ذلك فجته فإذا هو يقرأ هذه الآية وكان أحسن الناس صوتا ، وقال : علىَّ بموسى بن جعفر ، فجئته به فعانقه وأجلسه إلى جانبه وقال : با أبا الحسن إني رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في النوم يقرأ علي كذا فتؤمنني أن تخرج علي أو على أحد من ولدي ، فقال : آلله لا فعلت ذاك ولا هو من شأني ، قال : صدقت يا ربيع أعطه ثلاثة آلاف دينار ، ورده إلى أهله إلى المدينة .

قال الربيع : فاحكمت أمره ليلا فما أصبح إلا وهو في الطريق خوف العوائق .

أخبرنا القاضي أبو العلاء محمد بن علي الواسطي حدثنا عمر بن أحمد الواعظ حدثنا الحسين بن القاسم حدثني أحمد بن وهب أخبرنا عبد الرحمن بن صالح الازدي قال : حج هارون الرشيد فأتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم زائرا له ، وحوله قريش وأفياء القبائل ومعه موسى بن جعفر ، فلما انتهى إلى القبر قال : السلام عليك يا رسول الله يا بن عمي افتخارا على من حوله ، فدنا موسى بن جعفر فقال : السلام عليك يا أبة فتغير وجه هارون وقال : هذا الفخر يا أبا الحسن حقا .

أخبرنا الحسن بن أبي بكر أخبرنا الحسن بن محمد العلوي حدثني جدي حدثني عمار بن أبان قال : حبس أبو الحسن موسى بن جعفر عند السندي شاهك فسألته أخته أن تتولى حبسه وكانت تتدين ، ففعل فكانت تلي خدمته ، فحكى لنا أنها قالت كان إذا صلى العتمة : حمد الله ومجده ودعاه فلم يزل كذلك حتى يزول الليل فإذا زال الليل قام يصلي حتى يصلي الصبح ، ثم يذكر قليلا حتى تطلع الشمس ثم يقعد إلى ارتفاع الضحى ، ثم يتهيأ ويستاك ويأكل ثم يرقد إلى قبل الزوال ، ثم يتوضأ ويصلي حتى يصلي العصر ثم يذكر في القبلة حتى يصلي المغرب ثم يصلي ما بين المغرب والعتمة فكان هذا دأبه ، فكانت أخت السندي إذا نظرت إليه قالت : خاب قوم تعرضوا لهذا الرجل وكان عبدا صالحا .

أخبرنا الجوهري حدثنا محمد بن عمران المرزباني حدثنا عبد الواحد بن محمد الخصيبي حدثني محمد بن إسماعيل قال : بعث موسى بن جعفر إلى الرشيد من الحبس رسالة كانت : إنه لن ينقضي عني يوم من البلاء إلا انقضى عنك معه يوم من الرخاء حتى نقضي جميعا إلى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون .

أخبرنا الحسن بن أبي بكر أخبرنا الحسن بن محمد بن العلوي قال : حدثني جدي قال : قال أبو موسى العباسي حدثني إبراهيم بن عبد السلام بن السندي بن شاهك عن أبيه قال : كان موسى بن جعفر عندنا محبوسا ، فلما مات بعثنا إلى جماعة من العدول من الكرخ فادخلناهم عليه فأشهدناهم على موته ، وأحسبه قال ودفن بمقابر الشونيزي .

أخبرنا أبو سعيد الحسن بن محمد بن عبد الله الاصبهاني حدثنا القاضي أبو بكر محمد بن عمر بن سلم الحافظ حدثني عبد الله بن أحمد بن عامر حدثنا علي بن محمد الصنعاني قال : قال محمد بن صدقة العنبري : توفى موسى بن جعفر بن محمد بن علي سنة ثلاث وثمانين ومائة ، وقال غيره توفى لخمس بقين من رجب .

اقول : وذكر الخطيب في الجزء الاول من كتابه هذا في باب ما ذكر في مقابر بغداد المخصوصة بالعلماء والزهاد بالجانب الغربي في أعلا المدينة مقابر قريش ، قال : دفن بها موسى بن جعفر بن محمد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وجماعة من الافاضل معه .

أخبرنا القاضي أبو محمد الحسن بن الحسين بن محمد بن رامين الاستراباذي قال : أنبأنا أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي قال : سمعت الحسن بن إبراهيم أبا علي الخلال يقول : ما همني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر فتوسلت به الا سهل الله تعالى لي ما أحب  (11) .

علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو الحسن الهاشمي .

أشخصه جعفر المتوكل على الله من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بغداد ثم إلى سر من رأى فقدمها واقام بها عشرين سنة وتسعة اشهر إلى ان توفي ودفن بها في أيام المعتز بالله وهو أحد من يعتقد الشيعة والامامية فيه ويعرف بابي الحسن العسكري .

أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق أخبرنا محمد بن الحسن بن زياد المقرئ النقاش حدثنا الحسين بن حماد المقرئ بقزوين حدثنا الحسين بن مروان الانباري حدثني محمد بن يحيى المعاذي قال : قال يحيى بن أكثم في مجلس الواثق والفقهاء بحضرته : من حلق رأس آدم حين حج ؟ فتعايى القوم عن الجواب ، فقال الواثق : انا احضركم من ينبئكم بالخبر ، فبعث إلى علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فأحضر ، فقال : يا أبا الحسن من حلق رأس آدم ؟ فقال : سألتك بالله يا أمير المؤمنين الا اعفيتني ، قال : اقسمت عليك لتقولن ، قال : اما إذا أبيت فان أبي حدثني عن جدي عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمر جبريل ان ينزل بياقوتة من الجنة فهبط بها فمسح بها رأس آدم فتناثر الشعر منه فحيث بلغ نورها صار حرما .

أخبرني الازهري حدثنا أبو أحمد عبيد الله بن محمد المقرئ حدثنا محمد بن يحيى النديم حدثنا الحسين بن يحيى قال : اعتلَّ المتوكل في أول خلافته ، فقال : لئن برئت لاتصدقن بدنانير كثيرة فلما برئ جمع الفقهاء فسألهم عن ذلك فاختلفوا ، فبعث إلى علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر فسأله فقال : يتصدق بثلاث وثمانين دينارا ، فعجب قوم من ذلك وتعصب قوم عليه وقالوا : تسأله يا أمير المؤمنين من أين له هذا ، فرد الرسول إليه فقال : له قل لامير المؤمنين في هذا الوفاء بالنذر ، لان الله تعالى قال لقد نصركم الله في مواطن كثيرة فروى اهلنا جميعا ان المواطن في الوقائع والسرايا والغزوات كانت ثلاثة وثمانين موطنا ، وان يوم حنين كان الرابع والثمانين وكلما زاد أمير المؤمنين في فعل الخير كان انفع له واجر عليه في الدنيا والآخرة .

أخبرني الازهري أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن محمد بن عرفة قال : وفي هذه السنة يعني سنة أربع وخمسين ومائتين توفي علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بسر من رأى في داره التي ابتاعها من دليل بن يعقوب النصراني .

أخبرني التنوخي أخبرني الحسن بن الحسين النعالي أخبرنا أحمد بن عبد الله الذارع حدثنا حرب بن محمد حدثنا الحسين بن محمد العمي البصري وحدثنا أبو سعيد الازدي سهل بن زياد قال : ولد أبو الحسن العسكري علي بن محمد في رجب سنة مائتين وأربع عشرة من الهجرة ، وقضى في يوم الاثنين لخمس ليال بقين من جمادى الآخرة سنة مائتين وأربع وخمسين من الهجرة .

الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو محمد العسكري

كان ينزل بسر من رأى وهو أحد من يعتقد فيه الشيعة الامامة ، وكان مولده على ما أخبرني علي بن أبي علي حدثنا الحسن بن الحسين النعالي أخبرنا أحمد بن عبد الله الذارع حدثنا حرب بن محمد حدثنا الحسن بن محمد العمى البصري حدثنا أبو سعيد سهل بن زياد الازدي قال : ولد أبو محمد الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى في سنة إحدى وثلاثين ومائتين ، وتوفي في يوم الجمعة ، قال بعض الرواة في يوم الاربعاء لثمان خلون من ربيع الاول سنة مائتين وستين ، قلت وبسر من رأى مات وبها قبره إلى جنب أبيه .

لم يترجم الخطيب لعلي بن موسى الرضا : غير انه روى عنه خبرا موضوعا ذكره في ترجمة عبد الله بن عمرو بن الحكم أبو الطيب قال الخطيب : أخبرنا القاضى أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الاصبهاني أخبرنا أبو الحسن أحمد بن إبراهيم بن على بن فراس المعدل بمكة حدثنا أبو عبد الله جعفر بن إدريس القزويني حدثنا أبو الطيب عبد الله بن عمرو بن الحكم البغدادي حدثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي حدثني أبى أحمد بن عامر بسر من رأى في اليوم الذي مات فيه الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى الرضى حدثنا أبو الحسن علي بن موسى حدثني أبي موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هبط على جبريل وعليه قباء اسود وعمامة سوداء ، فقلت : ما هذه الصورة التي لم ارك هبطت على فيها قط ، قال : هذه صورة الملوك من ولد العباس عمك ، قلت : وهم على حق ، قال جبريل : نعم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم اغفر للعباس ولولده حيث كانوا وأين كانوا ، قال جبريل ليأتين على أمتك زمان يعز الله الاسلام بهذا السواد ، قلت : رئاستهم ممن ؟ قال : من ولد العباس ، قال قلت : وأتباعهم ؟ قال : من أهل خراسان ، قلت : وأي شيء يملك ولد العباس ؟ قال : يملكون الاصفر والاخضر والحجر والمدر والسرير والمنبر والدنيا إلى المحشر والملك إلى المنشر .

اقول: وليس من شك ان الخبر من الموضوعات .

______________________

(1) قال ياقوت : هي قرية كبيرة تحت بغداد على دجلة بالجانب الغربي ، وأصلها درريندان ، فعرِّبت على درزيجان . وقد تحرَّفت في "البداية والنهاية" 12 / 101 إلى درب ريحان ، وفي "تهذيب ابن عساكر" إلى "دريحان" ، والخبر بنحوه في "معجم البلدان" 2 / 450 .

(2) النافلة : ولد الولد ، وهو الحفيد .

(3) هو أبوالقاسم علي بن الحسن بن المسلمة وترجمته في سير أعلام النبلاء .

(4) هو الشريف حيدرة بن إبراهيم أبوطاهر ابن أبي الجن العلوي المتوفّى سنة 462 هـ ، مترجم في "النجوم الزاهرة" 5 / 85 ، وقد تحرَّف في "تذكرة الحفّاظ" و"ياقوت الحموي : معجم الأُدباء" و"الوافي بالوفيات" إلى ابن أبي الحسن . وهو خطأ .

(5) الدمنشي : نسبة إلى دمنش ، قال ياقوت : كذا وجدت صورة ما ينسب إليه الحسين بن علي أبوعلي المقرئ ، المعروف بابن الدمنشي ، ذكره الحافظ أبوالقاسم في "تاريخ دمشق" : وقال .. وساق هذا الخبرأنظر في ياقوت الحموي : معجم البلدان 2 / 471 ، والذهبي : تذكرة الحفاظ 3 / 1142 .

(6) هو أ بوعبدالله محمد بن علي بن عبدالله الصوري الحافظ ، المتوفى سنة 441 هـ .

(7) قال الذهبي في تذكرة الحفاظ 2/677 ابن أبي الدنيا المحدِّث العالم الصدوق أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان بن أبي الدنيا القرشي الأموي مولاهم البغدادي ، صاحب التصانيف ولد سنة ثمان ومائتين قال ابن أبي حاتم : كتبت عنه مع أبي وهو صدوق ، وقال الخطيب أدَّب غير واحد من أولاد الخلفاء ، قال ابن كامل : هو مؤدِّب المعتضد ، قال أبو بكر بن شاذان : أنا أبو ذر القاسم بن داود حدَّثني بن أبي الدنيا قال : دخل المكتفي على الموفَّق ولوح بيده ، فقال : ما لك ؟ لوحك بيدك . فقال : مات غلامي واستراح من الكتاب . قال : ليس هذا من كلامك ، كان الرشيد أمر أن يعرض عليه ألواح أولاده فعرضت . فقال لابنه : ما لغلامك ليس لوحك معه ؟ قال : مات واستراح من الكتاب . قال : وكأنَّ الموت أسهل عليك من الكتاب . قال : نعم . قال : فدع الكتاب . قال : ثمَّ جئته ، فقال : كيف محبتك لمؤدِّبك ؟ قلت : كيف لا أحبُّه وهو أوّل من فتق لساني بذكر الله وهو مع ذاك إذا شئت أضحكك وإذا شئت أبكاك ؟ ! قال : يا راشد أحضرني هذا . قال : فأحضرني ثمَّ ابتدأت في أخبار الخلفاء ومواعظهم ، فبكى بكاء شديداً . قال : وابتدأت فذكرت نوادر الأعراب فضحك ضحكاً كثيراً ، ثمَّ قال لي : شهرتني شهرتني . مات في جمادي الأولى سنة إحدى وثمانين ومائتين . وفي تاريخ بغداد 10/89 قال الخطيب عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان بن قيس : أبو بكر القرشي مولى بنى أمية المعروف بابن أبي الدنيا صاحب الكتب المصنَّفة في الزهد والرقائق ، وقال ابن أبي حاتم : كتبت عنه مع أبي وسئل عنه ، فقال : بغدادي صدوق قلت وكان ابن أبي الدنيا يؤدِّب غير واحد من أولاد الخلفاء أخبرني محمد بن علي المقرى أخبرنا أبو مسلم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن مهران أخبرنا عبد المؤمن بن خلف النسفي قال : سألت أبا علي صالح بن محمد عن بن أبي الدنيا ، فقال : صدوق وكان يختلف معنا إلاَّ أنَّه كان يسمع من إنسان يقال له محمد بن إسحاق بلخي وكان يضع للكلام إسناداً وكان كذّاباً يروي أحاديث من ذات نفسه مناكير ، حدَّثني الأزهري قال : بلغني عن القاضي أبي الحسين بن أبي عمر محمد بن يوسف قال : سمعت إبراهيم الحربي يقول : رحم الله أبا بكر ابن أبي الدنيا كنّا نمضي إلى عفّان نسمع منه فنرى ابن أبي الدنيا جالساً مع محمد بن الحسين البرجلاني خلف شريجة ، فقال : تكتب عنه وتدع عفان .

(8) الخطيب البغدادي : تاريخ بغداد 1/133 .

(9) الخطيب البغدادي : تاريخ بغداد 1/159 وفيه : قال الخطيب في ترجمة أبي قتادة الأنصاري : أبو قتادة الأنصاري أحد بني سلمة بن سعد بن الخزرج كان من أفاضل الصحابة لم يشهد بدراً وشهد ما بعدها ، وعاش إلى خلافة علي بن أبي طالب عليه السلام وحضر معه قتال الخوارج بالنهروان ، وورد المدائن في صحبته ، ومات في خلافته وقيل : بل بقي بعده زماناً طويلاً .
عن حنبل بن إسحاق قال : وبلغني توفي أبو قتادة الحارث بن ربعي سنة ثمان وثلاثين في خلافة عليوصلّى عليه علي عليه السلام بالكوفة .
عن موسى بن عبد الله بن يزيد أنَّ عليّاً صلّى على أبي قتادة فكبَّر عليه سبعاً ، وكان بدرياً قال الشيخ أبو بكر : قوله وكان بدرياً خطأ لا شبهة فيه ، لأنَّ أبا قتادة لم يشهد بدراً ولا نعلم أهل المغازي اختلفوا في ذلك .
عن ابن أبي الدنيا نبّأنا محمد بن سعد نبّأنا محمد بن عمر نبّأنا يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة قال : توفي أبو قتادة بالمدينة سنة أربع وخمسين وهو ابن سبعين سنة .
قال ابن سعد : وأنبأنا الهيثم بن عدي قال : توفي أبو قتادة بالكوفة وعلي عليه السلام بها وهو صلّى عليه .
عن علي بن داود عن سعيد بن عفير قال : وفيها يعني سنة أربع وخمسين مات أبو قتادة الحارث بن ربعي ويقال النعمان بن ربعي وهو ابن سبعين بالمدينة . قال الليث : قال ابن بكير : وفيها يعني سنة أربع وخمسين مات أبو قتادة الحارث بن ربعي بن النعمان الأنصاري .

(10) ثم حبسه ثم اطلقه كما سياتي في خبر اخر .

(11) الخطيب البغدادي : تاريخ بغداد 1 /132 .

صفحة مكتب العلامة المحقق السيد سامي البدري