مارية
قال البلاذري : وكانت لرسول الله أم ولد وهي مارية القبطية ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله قد بعث حاطب بن ابي بلتعة إلى المقوقس صاحب الاسكندية بكتاب منه يدعوه فيه إلى الإسلام وذلك سنة سبع ، فأعظم كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وقال : لولا الملك يعني ملك الروم لأسلمت ، واهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله مارية واختها شيرينوالف مثقال ذهبا ، وعشرين ثوبا ، وبغلة النبي صلى الله عليه وآله التي تعرف بدُلْدُلوحمارَه يعفورا . واهدى مع ذلك خصياً (1) فلما خرج حاطب بمارية ، عرض عليها الإسلام ، فأسلمت واسلمت اختها . واقام الخصي على دينه ، حتى اسلم بالمدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ، ومات فدفن بالبقيع سنة ستين وكان شيخاً كبيراً .
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله معجباً بمارية ، وكانت بيضاء ، جميلة ، جَعِدة الشعروكانت أمها رومية . فأنزلها رسول الله صلى الله عليه وآله بالعالية في المال الذي يعرف بمشربة أم إبراهيم ، وكان يختلف إليها هناك ، وضرب عليها الحجاب ، وكان يطؤها . فحملت وولدت فقبلتها (2) سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وآله . وجاء زوجها أبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وآله ، فبشر بولادتها غلاماً سويًّا فوهب له عبداً (3) وسماه يوم سابعه إبراهيم . وأمر فحلق رأسه أبو هند البياضي ، من الانصار . وتصدق بزنة شعره وَرِقا (4) ، وعَقَّ عنه (5) بكبش ، ودفن شعره في الأرض .
وتنافست الأنصار في إبراهيم عليه السلام أَيُّهم يحضنه وترضعه امرأته ، حتى جاءت أمُّ بردة ، وهي كبشة (6) بنت المنذر بن زيد بن لبيد بن خداش ، من بني النجار ، فدفعه إليها لترضعه ، وزوج أمِّ بردة البراء بن أوس بن خالد ، من بني مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار . فكان إبراهيم في بني مازن ، الا أنَّ أمَّه تؤتى به ، ثم يعاد منزل ظئره (7) أم بردة . وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يأتي أم بردة ، فيقيل (8) عندها ، وتخرج إليه إبراهيم ، فيحمله ويقبله . وكان لرسول الله صلى الله عليه وآله لقائح ، وقطعة غنم فكانت مارية تشرب من البانها وتسقي ولدها .
قالوا : وأتي رسول الله صلى الله عليه وآله يوماً بإبراهيم ، وهو عند عائشة ، فقال : انظري إلى شبهه . فقالت : ما أرى شبهاً . فقال : ألا ترين بياضه ولحمه ؟ فقالت : من قصرت عليه اللقاح (9) ، وسُقي البان الضأن ، سَمِنَ وابيضّ .
وكانت عائشة تقول : ما غِرْتُ على امرأة غيرتي على مارية ، وذلك لانّها كانت جميلة ، جعدة الشعر ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله معجباً بها ، ورزق منها الولد وحُرِمناه .
وكان مولد إبراهيم عليه السلام في ذي الحجة سنة ثمان . وتوفي إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وآله في بيت أم بردة ، وهو ابن ثمانية عشر شهراً ، ويقال : ابن ستة عشر شهراً ، وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وآله (10) .
وروى الواقدي في أسناده قال : كان الخصي الذي بعث به المقوقس مع مارية يدخل إليها ويحدثها ، فتكلم بعض المنافقين في ذلك ، وقال : أنه غير مجبوب (11) وأنه يقع عليها . فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله علي بن أبي طالب ، وأمره أن يأتيه فيقرره وينظر فيما قيل فيه ، فان كان حقاً ، قتله فطلبه علي ، فوجده فوق نخلة فلما رأى علياً يؤمُّهُ (12) ، احس بالشر ، فألقى أزراره . فاذا هو مجبوب ممسوح . وقال بعض الرواة : إنه الفاه يُصلِحُ خباءً له ، فلما دنا منه القى أزراره وقام متجرِّداً . فجاء به علي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأراه إياه ، فحمد الله على تكذيبه المنافقين بما اظهر من براءة الخصي واطمأن قلبه .
مانزل من القرآن في براءة مارية : (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12)) النور/11-12 (13) .
|