الصفوة من ذرية إبراهيم
تحولت مكة قبيل بعثة النبي صلى الله عليه وآله من مركز للتوحيد إلى مركز للشرك ، ولم يبق على التوحيد والإسلام الذي كان عليه إبراهيم وإسماعيل إلا آباء النبي وعمّه أبو طالب ، ولم يكونوا مكلفين بمحاربة البدع .
قال تعالى : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَال مُبِين (2) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4) مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5)) الجمعة/2-5 .
وقوله تعالى (في الأميين) : هم أهل مكة .
وقوله تعالى (وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين) : أي كان اهل مكة في ضلال واضح وهو شركهم بعبادة الله .
وقوله تعالى (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم) : أي وآخرين من أهل مكة لم يتابعوا قومهم على عبادة الأصنام بل بقوا متمسكين بملة إبراهيم إلى وقت بعثة النبي الموعود (1) وهم دعوة إبراهيم حين قال : (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ)إبراهيم/35 ، وحين قال هو وإسماعيل (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ ... رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129))البقرة/128-129 (2) .
فالآيات تفيد أن ذرية ابراهيم في مكة قُبَيل بعثة النبي صلى الله عليه وآله كانوا على صنفين :
الأول : من رغب عن مِلَّة إبراهيم وسفِهَ (3) نفسه وعَبَدَ الأصنام وهذا الصنف يشكِّل اغلب أهل مكة ومن حولها .
الثاني : من اتبع ملة إبراهيم وبقي مسلماً وهم آباء النبي وأبو طالب والنبي وعلي وآخرون من بني هاشم لا نعلمهم (4) .
وقوله تعالى (وهو العزيز الحكيم) : أي أنَّ الله تعالى لا يمتنع عليه أن يحقق ما وعد إبراهيم من بقاء خط من ذريته على التوحيد الى زمن بعثة النبي الأُمي فيهم .
وقوله تعالى : (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) : أي توفيق الإنسان ليكون محسناً باراً بابيه متمسكاً بخطه هو فضل إلهي يؤتيه من يشاء .
وقوله تعالى (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها) : أي ثم لم يعملوا بها وذلك إشارة إلى أن علماء اليهود الذين حملوا علم التوراة وفيها خبر دعاء إبراهيم وإسماعيل والبشارة بمحمد صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام (5) ولم يؤمنوا بهم مثلهم مثل الحمار الذي يحمل كتب العلم .
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله انّه قال : (لم يزل ينقلني الله من أصلاب الطاهرين إلىأرحام المطهرات حتى أخرجني في عالمكم هذا ، لم يدنسني بدنس الجاهلية) (6) .
وروي عن علي عليه السلام انّه قال :
(فاستودعهم أي الأنبياء في أفضل مستودع ، وأقرَّهم في خير مستقَرّ ، تناسختهم كرائم الأصلاب إلى مطهَّرات الأرحام ، كلما مضى منهم سَلَف قام منهم بدين الله خَلَف ، حتى أفضت كرامة الله سبحانه وتعالى إلى محمد صلى الله عليه وآله فأخرجه من أفضل المعادن مَنْبَتاً ، وأعزّ الأرومات مَغْرَساًمن الشجرة التي صَدَعَ منها أنبياءَه ، وانتجب منها أمناءَه . عِترتُه خير العِتَر وأُسرته خيرُ الأُسر ، وشجرته خير الشجر ، نبتت في حَرَم ، وبسَقت في كرم ، لها فروع طوال وثمر لا يُنال ، فهو إمام من اتقى وبصيرة من اهتدى) (7) .
وروي عنه أيضاً انّه قال : " والله ما عَبَدَ أبي ولا جدي عبد المطلب ولا هاشمولا عبد مناف صنماً قط . فقيل له : وما كانوا يعبدون ؟ قال : كانوا يصلُّون إلى البيت على دين إبراهيم عليه السلام متمسِّكين به " (8) .
|