غزوة تبوك
لما عاد رسول الله صلى الله عليه وآله أقام بالمدينة بعد عودته من الطائف ما بين ذي الحجة إلى رجب ثم أمر الناس بالتجهز لغزو الروم (1) يطلب بدم جعفر بن أبي طالب ، ووجه إلى رؤساء القبائل والعشائر ، يستنفرهم ويرغبهم في الجهاد ، وحضَّ رسول الله صلى الله عليه وآله أهل الغِنى على النَّفقة (2) .
وخرج صلى الله عليه وآله معه ثلاثون ألفا ، الخيل عشرة آلاف ، والإبل إثنا عشر ألف بعير ، وسمِّي جيش العسرة ، لأنهم أُمِروا بالخروج لما طابت الثِّمار واشتد الحرُّ وطاب لهم الظِّلال ، وشقَّ عليهم الخروج لبُعد المسافة وعُسرة من الماء وعسرة من النفقة والظَّهر (3) .
وتخلف عن النبي صلى الله عليه وآله عبد الله بن أُبَيّ مُعَسْكِراً في الموضع المعروف بالجُرْف في قطعة من الجيش (4) . وتخلَّف آخرون ولهذا استخلف الرسول صلى الله عليه وآله علياً على المدينة ، ولم يخلِّفه قبلها (5) ، قائلاً له : لا بُدَّ من أن أقيم أو تُقيم (6) ، إنَّ المدينة لا تصلُح إلاّ بي أو بك (7) .
وأرجف (8) المنافقون بالمدينة وفي عسكر رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقالوا : ما منعه أن يخرجه معه إلا أن كره قربه وساء فيه رأيُه ، فاشتدَّ ذلك على علي عليه السلام (9) فاتَّبع رسول الله صلى الله عليه وآله حتى انتهى إليه ، فقال : ما جاء بك (10) ؟ فقال : يا رسول الله زعمت قريش أنَّك إنَّما خلَّفْتَني أنَّك استثقلتني وكَرِهتَ صُحبتي (11) ، فقال النبي صلى الله عليه وآله لعلي : أما ترضى أن تكونَ منِّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنَّه لا نبَّي بعدي (12) .
وسار رسول الله صلى الله عليه وآله ، وحين مَرَّ بالحِجْر (13) وهو بطريقه وهو منزل ثمود قال : لأصحابه لا تشربوا من هذا الماء شيئاً .
ووقف بأبي ذر جَمَلُه فتخلَّف عليه فقيل : يا رسول الله صلى الله عليه وآله تخلف أبوذر فقال : ذَروهُ (14) فإن يك فيه خيراً فَسَيُلحِقُهُ الله بكم ، فكان يقولها لكل من تخلف عنه ، فوقف أبو ذر على جمله ، فلما أبطأ عليه أخذ رَحله عنه وحمله على ظهره وتبع النبي صلى الله عليه وآله ماشياً ، فنظر الناس فقالوا : يا رسول الله هذا رجل على الطريق وحده ، فقال صلى الله عليه وآله : كن أبا ذر ، فلما تأمله الناس قالوا : هو أبو ذر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يرحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده ويشهده عصابة من المؤمنين (15) . وانتهى رسول الله صلى الله عليه وآله إلى تبوك فأتى يوحنا بن رُؤْبَة صاحب أَيلة (16) فصالحه على الجزية وكتب له كتاباً ، وصالح كذلك أهل أَذرُح (17) وأهل جَرْباء (18) وأهل مِقْنا (19) .
وأقام رسول الله صلى الله عليه وآله بتبوك بضع عشرة ليلة ولم يجاوزها ولم يقدم عليه ملك الرُّوم والعرب المتنصرة ، فعاد إلى المدينة (20) .
مؤامرة المنافقين في العقبة: قال عروة : لما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله قافلاً من تبوك إلى المدينة حتى إذا كان ببعض الطريق مكر به أناس من المنافقين وائتمروا ان يطرحوه من عَقَبة في الطريق (21) ، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله تلك العقبة أرادوا أن يسلكوها معه فأُخبِرَ رسول الله صلى الله عليه وآله خبرهم فقال للناس : اسلُكوا بطن الوادي فإنَّه أسهل لكم وأوسع ، فسلك الناس بطن الوادي وسلك رسول الله صلى الله عليه وآله العقبة ، وأمر عمار بن ياسر أن يأخذ بزِمام الناقة يقودها وأمر حذيفة بن اليمان أن يسوق من خلفه .
فبينما رسول الله صلى الله عليه وآله يسير في العقبة إذا سمع حِسَّ (22) القوم قد غَشَوْه فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وأمر حذيفة أن يرُدَّهم ، فرجع حذيفة إليهم وقد رأوا غضب رسول الله صلى الله عليه وآله فجعل يضرب وجوه رواحلهم بمِحجَن (23) في يده ، وظن القوم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد اطلع على مَكرِهم ، فانحطُّوا من العقبة مسرعين حتى خالطوا الناس ، وأقبل حذيفة حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وآله فساقَ به ، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله من العقبة ونزل الناس قال النبي صلى الله عليه وآله : يا حذيفة هل عرفت أحداً من الرَّكْب الذي رددتهم ؟ قال يا رسول الله عرفت راحلة فلان وفلان ، وكان القوم متلثِّمين فلم أُبصِرْهم من أجل ظُلمة الليل . وكانوا قد أَنفَروا (24) برسول الله صلى الله عليه وآله فسقط بعض مَتاع رحله .
فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله قال له أُسَيْد بن حُضير : يا رسول الله صلى الله عليه وآله ما منعك البارحة من سلوك الوادي ، فقد كان أسهل من العقبة ؟ فقال : يا أبا يحيى أتدري ما أراد البارحة المنافقون وما اهتموا به ؟ قالوا : نتبعه في العقبة ، فإذا أظلم الليل عليه قطعوا أنساع (25) راحلتي ونخسوها (26) حتى يطرحوني من راحلتي .
فقال أُسَيْد : يا رسول الله فقد اجتمع الناس ونزلوا فمُرْ كلَّ بطن أن يقتل الرجل الذي هو به فيكون الرجل من عشيرته هو الذي يقتله وإن أحببت والذي بعثك بالحق فنبِّئني بهم فلا تبرح حتى آتيك برؤوسهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إنِّي أكره أن يقول الناس أنَّ محمداً لما انقضت الحرب بينه وبين المشركين وضع يده في قتل أصحابه (27) .
قال أبو سعيد الخدري : كان أهل العقبة الذين أرادوا بالنبي صلى الله عليه وآله ثلاثة عشر رجلاً ، قد سماهم رسول الله صلى الله عليه وآله لحذيفة وعمار رحمهما الله (28) وقيل أربعة عشر وقيل خمسة عشر (29) .
وكان من هؤلاء ابو موسى الاشعري كما في الروايات التالية :
قال عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله عن أبيه قال : تنازع عمار بن ياسر ورجل من المسلمين في شيء فاسْتَبّا (30) ، فلما كان الرجل يعلو عماراً في السِّباب (31) قال عمار : نَشَدتُّك الله كم تعلم كان أصحاب العقبة ؟ فقال : الله أعلم قال : أخبرني عن علمك بهم ، فسكت الرجل ، فقال : من حضر بيِّن لصاحبك ما سألك عنه ، وإنما يريد عمار شيئاً قد خفي عليهم ، فكرِهَ الرجل أن يحدِّثَه ، وأقبل القوم على الرجل فقال الرجل : كنا نتحدث أنهم كانوا أربعة عشر رجلاً ، قال عمار : فإنَّك إن كنت منهم فهم خمسة عشر رجلاً ، فقال الرجل : مَهلاً أُذكِّرُك الله ان تفضحني (32) .
قال أبو الطفيل : كان بين حذيفة وبين رجل من أهل العقبة ما يكون من الناس ... ثم ساق الرواية (33) .
وعن أبي الطفيل أيضاً قال : فسابَّ عمّار رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : نشدتك بالله كم تعلم كان أصحاب العقبة . . ثم ساق الحديث .
وروي أنَّ عماراً سُئِلَ عن أبي موسى الأشعري فقال : لقد سمعت فيه من حُذيفة قولاً عظيماً سمعته يقول صاحب البُرنُس (34) ، ثم كَلَحَ كُلوحاً (35) علمت منه أنَّه كان ليلة العقبة بين ذلك الرهط (36) .
وقال ابن عبد البر : كان أبو موسى الأشعري منحرفاً عن علي عليه السلام ، وكان لحذيفة قبل ذلك فيه كلام ، كرهت ذكره (37) .
ما نزل من القران في تبوك: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيء قَدِيرٌ (39)) التوبة/38-39 .
(إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُود لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (41) لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوْ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42)) التوبة/40-42 .
(عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43) لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) لَقَدِ ابْتَغَوا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (48)) التوبة/43-48
(وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْر لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61)
... يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَة مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66)
الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْض يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (69) أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوح وَعَاد وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70)) التوبة/61-70 .
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيّ وَلَا نَصِير (74))التوبة/73-74 .
(وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78)) التوبة/75-78 .
(فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلَى طَائِفَة مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّة فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83) وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَد مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85))التوبة/81-85 .
(وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (87)) التوبة/86-87 .
(لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ
وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89)) التوبة/88-89 .
(وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (90) لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيل وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ (92) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (93) يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (94) سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (96)) التوبة/90-96 .
(الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَات عِنْدَ اللهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99) وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَان رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّات تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)) التوبة/97-100 .
(وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا
تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَاب عَظِيم (101) وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102)) التوبة/101-102 .
مسجد الضِّرار: ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله حتى نزل بذي أوان (38) ، بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار وكان أصحاب مسجد الضِّرار قد أتوه وهو يتجهَّز إلى تبوك فقالوا : يا رسول الله إنّا قد بَنَيْنا مسجداً لذي العِلّة والحاجة والليلة المَطيرة والليلة الشاتية (39) وإنّا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إنِّي على جَناح سفر وحال شُغل ولو قد قدمنا إن شاء الله أتيناكم فصلّيْنا لكم فيه ، فلما نزل بذي أوان أتاه خبر المسجد وخبر أهله من السماء (40) فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله بهدمه وتحريقه .
ما نـزل من القـرآن في مسـجد الضـرار: قال تعالى : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْم أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللهِ وَرِضْوَان خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُف هَار فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110))التوبة/107-110 .
ثواب الذين حبسهم العذر: وقدم رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة في رمضان سنة تسع (41) وقال : إنَّ بالمدينة لأقواماً ما سرتم من مسير ولا قطعتم من واد إلاّ كانوا معكم فيه ، قال : يا رسول الله وهم بالمدينة ؟ قال : نعم ، وهم بالمدينة حبسهم العذر (42) .
المخلَّفون: وأتاه من تخلف عنه من المنافقين فجعلوا يحلفون له ويعتذرون فأعرض عنهم رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يُعذِرهم الله ولا رسوله ، وتخلَّف ثلاثة (43) من غير شك ولا نفاق ولكن أبطأت بهم النيَّة فنهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن كلامهم فاعتزلهم الناس فبقوا كذلك خمسين ليلة ثم أنزل الله توبتهم (44) فقال تعالى :
(وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) التوبة/118 .
وكانت غزوة تبوك آخر غزوات رسول الله صلى الله عليه وآله (45) .
|