قال الخليفة المنصور العباسي :
(يا أهل الكوفة عليكم لعنة الله وعلى بلد انتم فيه . . .
لَلَعجب لبني أمية وصبرهم عليكم ، كيف لم يقتلوا مقاتلتكم ويسبوا ذراريكم ، ويخربوا منازلكم .
أما والله يا اهل المَدَرَة الخبيثة لئن بقيتُ لكم لأذلنكم)[1]
وكتب معاوية الى ولاته كما في رواية المدائني : (أن برئت الذمَّة ممَّن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته) . و(ألاَّ يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة)[2] .
قال المدائني : فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون عليَّاً(ع) ويبرؤون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته . وكان أشدَّ الناس بلاءً حينئذ أهلُ الكوفة ؛ لكثرة من بها من شيعة علي(ع) فاستعمل عليهم زياد بن سمية وضمَّ إليه البصرة . . . فقتلهم تحت كل حجر ومدر ، وأخافهم وقَطَّع الأيدي والأرجل وسَمَّلَ العيون وصلَّبهم على جذوع النخل وطردهم وشرَّدهم عن العراق فلم يبق بها معروف منهم .
وقال مصعب بن الزبير لما لقيه عبد الله بن عمر واعترض عليه مؤنبا أنت القاتل سبعة آلاف من أهل القبلة (من اهل الكوفة كانوا محصورين مع المختار) في غداة واحدة ، .
فقال مصعب : إنهم كانوا كفرة سحرة .
كلام عثمان المري والي الوليد على المدينة : والله ما سبرت عراقيا قط فوجدت عنده دينا . وإن أفضلهم حالا عند نفسه الذي يقول في آل أبي طالب ما يقول . . .
إن البلدان مصرها عمر بن الخطاب وهو مجتهد على ما يصلح رعيته ، فجعل يمر عليه من يريد الجهاد فيستشيره : الشام أحب إليك أم العراق ؟ فيقول :
الشام أحب إلي ، إني رأيت العراق داء عضالا وبها فرخ الشيطان ، . . . وأني لأراني سأفرقهم في البلدان ثم أقول لو فرقتهم لأفسدوا من دخلوا عليه مع جدل وحجاج ، وكيف ولم وسرعة وجيف[3] في الفتنة .
وقال ابن المعتز العباسي وقد نظم سياسة ابائه في الكوفة :
واستمع الآن حديث الكوفة *** مدينة بعينها معروفة
كثيرةُ الأديان والأئمة *** وهمُّها تشتيتُ أمر الامة
واخذوا وقتلوا عليا *** العادل ، البر ، التقي الزكيا
وقتلوا الحسين ، بعد ذاكا *** فأهلكوا أنفسهم إهلاكا
وجحدوا كتابهم إليه *** وحرفوا قرآنهم عليه
ثم بكوا من بعده وناحوا *** هلا ، كذاك يفعل التمساح
فقد بقوا في دينهم حيارى *** لا يهودٌ همْ ولا نصارى
والمسلمون منهمُ براءُ *** رافضةٌ ودينهم هباءُ
فبعضهم قد جَحَدَ الرسولا *** وغلَّطوا في فعله جبريلا
وقال امير المؤمنين علي(ع) لأهل الكوفة :
انتم الانصار على الحق ، والاخوان في الدين ، والجنن يوم البأس ، والبطانة دون الناس .[4]
وقال : الكوفة كنز الإيمان وحجة الإسلام وسيف الله ورمحه يضعه حيث يشاء ، والذي نفسي بيده لينتصرَنَّ الله بأهلها في شرق الأرض وغربها كما انتصر بالحجاز .[5]
وقال علي بن الحسين(ع)يأهل الكوفة أنتم الشعار دون الدثار .[6]
وقال الامام الصادق(ع) : ان الله عرض ولايتنا على اهل الامصار فلم يقبلها الا اهل الكوفة .[7]
وقال ايضا مخاطبا لجماعة من اهل الكوفة :
أما إنه ليس بلد من البلدان اكثر محبا لنا من أهل الكوفة .
إن الله هداكم لأمر جهله الناس ،
أحببتمونا وأبغضنا الناس ،
وصدقتمونا وكذبنا الناس ،
واتبعتمونا وخالفنا الناس .
فجعل الله محياكم محيانا ومماتكم مماتنا[8] .
نتيجتان من نتائج النهضة الحسينية
هناك نتائج كثيرة تحققت بالنهضة الحسينية نذكر منها ابرز نتيجتين :
الاولى : فضح بني امية في دعواهم خلافة النبي(ص) والامامة الالهية التي تقود الى الله فان خلافة مثل هذه لو كانت صحيحة لما صنعت ما صنعت مع الحسين(ع) بعد قتله من التمثيل به ورفع رأسه ورؤوس اصحابه على الرماح وتسييرهم مع سبي نسائه بين الجنود من بلد الى بلد الى الشام ، فان هذا الموقف جعل كل مسلم يبلغه الخبر يتألم ويراجع نفسه وأقل ما تنتجه هذه الحادثة هو البراءة من بني امية والترحم على الحسين(ع) حتى ولو لم يكن متفقا مع الحسين(ع) في منهجه الاصلاحي ، فان ابن الزبير كان منهجه ان يسير بسيرة الشيخين وكان عدوا لعلي(ع) ولا يحبه ، ومع ذلك لما بلغه خبر مقتل الحسين(ع) قام خطيبا وقال (رحم الله حسينا وأخزى قاتل الحسين(ع) . . .
لقد اختار الحسين(ع) الميتة الكريمة على الحياة الذميمة …
أفبعد الحسين(ع) نطمئن إلى هؤلاء القوم ونصدق قولهم ونقبل لهم عهدا ؟
لا ولا نراهم لذلك أهلا .
أما والله لقد قتلوه ، طويلا بالليل قيامه ، كثيرا في النهار صيامه ، أحق بما هم فيه منهم وأولى به في الدين والفضل .
أما والله ما كان يبدِّل بالقرآن الغناء ، ولا بالبكاء من خشية الله الحداء ، ولا بالصيام شرب الحرام ، ولا بالمجالس في حِلق الذكر الركض في تطلاب الصيد /يعرِّض بيزيد/ فسوف يلقون غيا . ) .
الثانية : انتشار احاديث النبي(ص) التي تدعو الى امامة اهل بيته واولهم علي ثم الحسن ثم الحسين ثم التسعة من ذرية الحسين(ع) ؛ وذلك بسبب تمزق وحدة الدولة بعد موت يزيد واقتتال اهل الشام على الملك وكذلك اقتتال اهل خراسان واهل اليمن ، وكان ذلك اجابة لدعاء الحسين(ع) ا(للهم اجعل باسهم بينهم) . ولم يستقر الامر لبني مروان الا سنة 83هـ .
الكوفيون يقتلون قتلة الحسين(ع) ويحاربون اهل الشام ويحيون سيرة علي(ع)
خرج الشيعة بعد موت يزيد من السجون وكانوا اكثر من عشرة الاف وقد سجنوا على الظن والتهم قبل قتل الحسين(ع) ومجيئه الى العراق . واستطاعوا بقيادة سليمان بن صرد والمحتار ان ينهضوا ويؤسسوا دولة في الكوفة على منهج علي بن ابي طالب(ع) ، وهو المنهج الذي اشار اليه الحسين(ع) في نهضته (واسير بسيرة جدي وابي علي) وقد قتلوا قتلة الحسين(ع) ممن كان في جيش اهل الشام الذي حاصر الحسين ، وشردت وجوههم ومنهم شبث بن ربعي وحجار بن ابجر وابن الاشعث الى البصرة ، واقنعوا مصعبا بان يسحب جيشه من قتال الخوارج ويتجهوا الى الكوفة واستطاعوا ان يحاصروا المختار ويسقطوا دولته وقتل شهيدا رحمة الله عليه مع سبعة الاف من الابرياء الذي كانوا محاصرين في قصر الامارة في الكوفة .
مصعب بن الزبير يكفر أهل الكوفة
وشوه الاعلام الزبيري سيرة المختار حين روج انه ادعى النبوة وان انصاره كفرة ولذلك ساغ قتلهم .
قال عبد الله بن عمر لمصعب بن الزبير لما لقيه : نعم أنت القاتل سبعة آلاف[9] من أهل القبلة في غداة واحدة ، عش ما استطعت . فقال مصعب : إنهم كانوا كفرة سحرة .
وافتى عبد الله بن الزبير في زوجة المختار التي لم تتبرأ منه ان تقتل ، فقتلت ورميت على المزبلة .
الحجاج وعبد الملك بن مروان يكفران اهل الكوفة
ولما نجح عبد الملك في القضاء على دولة ابن الزبير ولى الحجاج العراق سنة 75هـ واستمر عشرين سنة يحكم العراق
وثار العراقيون عليه في البصرة والكوفة ، وكانت اشد الثورات عليه ثورة عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث ، ولم يستطع الحجاج ان يقضي عليها الا بعد ان استعان بجيش الشام ، ثم بني مدينة واسط لأهل الشام لكي لا يختلطوا مع الكوفيين ويتأثرون بفكرهم .
وكان الحجاج قاسيا على اهل الكوفة ، فقد خطب فيهم بعد قتل ابن الاشعث قائلا :
( . . . انكم أهل بغي وخلاف وشقاق ونفاق ، طالما اوضعتم في
الضلال وسننتم سنن البغي . . .
يا اهل العراق ان الشيطان قد استبطنكم فخالط اللحم منكم والعصب والاعضاء والاطراف . . .
ثم التفت الى اهل الشام الذين معه فقال لهم :
يا اهل الشام انا لكم كالظليم[10] المحافظ على فراخه ، ينفي عنهن القذر ويباعد المدر ويحرسهن من الذباب ، انتم العُدَّة والجُنَّة ان حارب محارب وجانب مجانب[11] .
وكتب عبد الملك إلى الحجاج : أن أدع الناس إلى البيعة ، فمن أقر بالكفر فخل سبيله إلا رجلا نصب راية أو شتم أمير المؤمنين)[12] .
وأجلس مصقلة بن كرب بن رقبة العبدي إلى جنبه وكان خطيبا فقال اشتم كل امرئ بما فيه ممن كنا أحسنا إليه ، فاشتمه بقلة شكره ولؤم عهده ومن علمت منه عيبا فعبه بما فيه وصغِّر إليه نفسه ، وكان لا يبايعه أحد إلا قال له أتشهد انك قد كفرت فإذا قال نعم بايعه وإلا قتله .
وكتب عبد الملك الى الحجاج ايضا : ان جمِّر[13] اهل العراق وتابع عليهم البعوث واستعن عليهم بالفقر فانه جند الله الاكبر ففعل ذلك بهم سنتين . ثم اعطاهم بعد ذلك عطاءهم[14] .
كلام عثمان المري والى الوليدعلى المدينة
وفي عهد الوليد بن عبد الملك ايضا كانت السياسة نفسها . فهذا عثمان بن حيان المري والي الوليد على المدينة أخذ عبيدة بن رباح ومنقذ العراقي في أناس من أهل العراق فحبسهم ، ثم بعث بهم في جوامع[15] إلى الحجاج بن يوسف ولم يترك بالمدينة أحدا من أهل العراق تاجرا ولا غير تاجر من كل بلد إلا أخرجوا في الجوامع . . . و خطب على المنبر وهو يقول : أيها الناس إذا وجدنا أهل غش لأمير المؤمنين في قديم الدهر وحديثه وقرضوا إليكم من لا يزيدكم إلا خبالا ،
(أهل العراق هم أهل الشقاق والنفاق وهم والله عش النفاق وبيضته التي أنفلقت عنه .
والله ما سَبَرتُ عراقيا قط فوجدت عنده دينا .
وإن أفضلهم حالا عند نفسه الذي يقول في آل أبي طالب ما يقول وما هم لهم بشيعة إنهم لأعداء لهم ولغيرهم .
ولكن لما يريد الله من سفك دمائهم والتقرب إليه بذلك منهم وإني والله لا أؤتى بأحد منكم أكرى أحدا منهم منزلا ولا أنزله إلا هدمت منزله وأحللت به ما هو أهله .
إن البلدان مصرها عمر بن الخطاب وهو مجتهد على ما يصلح رعيته ، فجعل يمر عليه من يريد الجهاد فيستشيره : الشام أحب إليك أم العراق ؟ فيقول :
الشام أحب إلي إني رأيت العراق داء عضالا وبها فرخ الشيطان ، . . . وأني لأراني سأفرقهم في البلدان ثم أقول لو فرقتهم لأفسدوا من دخلوا عليه مع جدل وحجاج ، وكيف ولم وسرعة وجيف[16] في الفتنة فإذا خبروا عند السيف لم يخبر منهم طائل .
ولم يصلحوا على عثمان ولقي منهم الأمرين وكانوا هم أول الناس فتق هذا الفتق ونقضوا عرى الإسلام عروة عروة وانفلوا البلدان .
والله إني لأتقرب إلى الله بكل ما افعل بهم لما أعرف من رأيهم ومذاهبهم . . .
ثم يزيد بن معاوية فلم يصطلحوا .
ووليهم رجل الناس جلدا يعني عبد الملك فبسط عليهم السيف وأخافهم فاستقاموا له أحبوا أو كرهوا وذلك أنه خَبَرَهم فعرَفهم)[17] .
نهضة زيد بن علي وصنيع يوسف بن عمر بعد قتله باهل الكوفة
ونهض زيد بن علي لإنقاذ الكوفة من ظلم بني امية سنة 122هـ .
قال البلاذري : وكتب زيد الى أهل الآفاق كتبا يصف فيها جور بني أمية وسوء سيرتهم ويحضهم على الجهاد ويدعوهم إليه وقال : لا تقولوا خرجنا غضبا لكم ولكن قولوا خرجنا غضبا لله ودينه .
وكان (زيد) إذا بويع قال : أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه وجهاد الظالمين والدفع عن المستضعفين وإعطاء المحرومين وقسم هذا الفيء على أهله ورد المظالم وإقفال الُمجَمَّرة ونصرنا أهل البيت على من نصب لنا الحرب .
قال البلاذري : ولما فرغ يوسف من أمر زيد صعد منبر الكوفة فشتم أهلها وقال : (يا أهل المِدْرَة الخبيثة والله ما يقعقع لي بالشِّنآن ولا تُقرن بي الصعبة ، لقد هممت أن أخرب بلدكم وأن أحربكم بأموالكم ، والله ما أطلت منبري إلا لأسمعكم عليه ما تكرهون ، فإنكم أهل بغي وخلاف ، ولقد سألت أمير المؤمنين أن يأذن لي فيكم ولو فعل لقتلت مقاتلتكم وسبيت نساءكم إن يحيى بن زيد[18] ليتنقل في حجال نسائكم كما كان أبوه يفعل وما فيكم مطيع إلا حكيم بن شريك المحاربي ، والله لو ظفرت بيحياكم . . . )[19] .
قال البلاذري : وبعث يوسف بن عمر إلى ام امرأة لزيد أزدية فهدم دارها وحملت إليه فقال لها أزوَّجتِ زيدا ؟ قالت : نعم زوجته وهو سامع مطيع ولو خطب إليك إذ كان كذلك لزوَّجته . فقال شُقّوا عليها ثيابها فجلدها بالسياط وهي تشتمه وتقول : ما أنت بعربي تعرِّيني وتضربني لعنك الله ، فماتت تحت السياط ثم أمر بها فأُلقيت في العراء فسرقها قومها ودفنوها في مقابرهم .
وأخذ امرأة قوَّت زيدا على أمره فأمر بها أن تقطع يدها ورجلها . . . وضرب عنق زوجها . وضرب امرأة أشارت على أمها أن تؤوي ابنة لزيد خمسمائة سوط . وهدم دورا كثيرة .
وأُتِيَ يوسف بعبد الله بن يعقوب السلمي من ولد عتبة بن فرقد وكان زوَّجَ ابنته من يحيى بن زيد فقال له يوسف : ائتني بابنتك قال وما تصنع بها جارية عاتق[20] في البيت . قال أقسم لتأتيني بها أو لأضربنَّ عنقك ، وقد كان كتب إلى هشام يصف طاعته ، فأبى أن يأتيه بابنته فضرب عنقه ، وأمر العريف أن يأتيه بابنة عبد الله بن يعقوب فأبى فأمر به فدُقَّت يده ورجله .
العباسيون يحذون حذو بني امية مع اهل البيت(ع) والكوفة
لم تستقر الامور لبني امية بعد قتل زيد فقد نشطت حركة المعارضة بقيادة بني هاشم وعقدوا مؤتمر الابواء سنة 129 هـ وبايعوا لمحمد بن عبد الله بن الحسن المعروف بذي النفس الزكية ، وكان ممن بايعه الجناح العباسي ، وكان له تنظيمه الخاص وقد انشق عن بني هاشم في السر منذ سنة 100 هـ وكان يعمل لصالحه الخاص ، وقد جاء في كلام مؤسس الانشقاق محمد بن علي بن عبد الله بن عباس يوصي دعاته :
(اما اهل الكوفة فميلهم الى ولد علي بن ابي طالب ،
واما اهل البصرة فعثمانية . واما اهل الشام فسفيانية مروانية . واما اهل الجزيرة فخوارج . واما اهل المدينة فقد غلب عليهم حب ابي بكر وعمر ومنهم من يميل الى الطالبيين ، ولكن اهل خراسان قوم فيهم الكثرة والقوة والجلَد وفراغ القلوب من الاهواء فبعث الى خراسان)[21] .
وفي كلام له ايضا في حضور الدعاة ونزاع بينهم قال : (ان أهل الشام أعوان الظالمين ، وآفة هذا الدين ، وقد ابتعثوا بنصرة بني أمية ، وأغري أكثر أهل العراق بمشايعة بني أبي طالب ، وقد خصنا الله بأهل خراسان ، فهم أنصارنا وأعواننا وذخائرنا) .
وقدر لبني العباس ان يسقط حكم بني أمية على ايديهم بجيوش الخراسانيين وكان اغلبهم ذرية العراقيين المهجرين زمن زياد سنة 50هـ .
واحتكر العباسيون الحكم لأنفسهم واداروا ظهرهم لمحمد بن عبد الله بن الحسن(ع) وفي اعناقهم بيعة له ، وثار محمد بن عبد الله بن الحسن في المدينة واستطاع المنصور الدوانيقي ان يخمد الثورة ويقضي عليها ويقتل محمدا ، ثم ثار اخوه ابراهيم بالبصرة وتحرك بجيوشه الى الكوفة وكان الخليفة ابو جعفر المنصور قد اعتصم بها .
قال الطبري : لما ظهر محمد وابراهيم ابنا عبد الله ، أرسل أبو جعفر (المنصور) إلى (عمه) عبد الله بن علي ، وهو محبوس عنده ، ان هذا الرجل قد خرج فان كان عندك رأي فأشر به علينا ، وكان ذا رأى عندهم ، فقال ارتحل الساعة حتى تأتي الكوفة ، فاجثُم[22] على أكبادهم فانهم شيعة أهل هذا البيت وأنصارُهم ، ثم احفُفْها بالمسالح فمن خرج منها إلى وجه من الوجوه ، أو أتاها من وجه من الوجوه ، فاضرب عنقه .[23]
وجاء سهم طائش في المعركة واصاب ابراهيم وهكذا قدر للعباسيين ان يستقر حكمهم .
اقول :
ومن ثم اتجهت الدولة لبناء بغداد لتكون خالصة للعباسيين في الولاء ، ووضعت سياسة اعلامية خاصة لتبرير ما صنعه العباسيون مع اولاد عمهم الحسنيين قتلا وسجنا وتشريدا وشوهت سيرة الحسن الاب الذي ينتسب اليه الحسنيون ، وشوهت الكوفة قلعة النصرة لعلي(ع) والوفاء له بشهادة معاوية العدو اللدود لعلي(ع) حين قال لبعض الوفود العراقية التي زارت الشام في سنوات الصلح ، (هيهات يا اهل العراق والله لوفاؤكم له بعد موته اعجب الي من حبكم له في حياته) ليصبح العراقيون من خلال الاعلام اهل غدر وشقاق وخذلان في زمن علي(ع) ثم ليكونوا قتلة الحسين(ع) ايام الحسين(ع) ، ووضعت كثير من الاخبار على لسان علي والحسن والحسين وزينب (ع) .
خطب المنصور في الكوفة سنة 144هجرية بعد ان قبض على عبد الله بن الحسن والد محمد وابراهيم قبيل ان ينهضا ويثورا .
قال المسعودي : ولمـّا أخذ المنصور عبد الله بن الحسن وإخوته والنفر الذين كانوا معه من أهل بيته صعد المنبر بالهاشمية ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلى على محمد(ص) ، ثمَّ قال :
(يا أهل خراسان ، أنتم شيعتنا وأنصارنا ، وأهل دعوتنا ، ولو بايعتم غيرنا لم تبايعوا خيراً منّا . إنَّ وُلد أبي طالب تركناهم والذي لا إله إلاَّ هو والخلافة فلم نعرض لهم لا بقليل ولا بكثير .
فقام فيها علي بن أبي طالب(ع) فما أفلح ، وحكَّم الحكمين ، فاختلفت عليه الأمّة وافترقت الكلمة ، ثمَّ وثب عليه شيعته وأنصاره وثقاته فقتلوه .
ثمَّ قام بعدَهُ الحسن بن علي(ع) ، فوالله ما كان برجل ، عرضت عليه الأموال فقبلها ، ودسَّ إليه معاوية إنِّي أجعلك ولي عهدي ، فخلع نفسه وانسلخ له ممَّا كان فيه ، وسلَّمه إليه وأقبل على النساء يتزوج اليوم واحدة ويطلق غداً أخرى ، فلم يزل كذلك حتّى مات على فراشه .
ثمَّ قام من بعده الحسين بن علي8 ، فخدعه أهل العراق وأهل الكوفة أهل الشقاق والنِّفاق والإغراق في الفتن ، أهل هذه المِدرة السوء ، /وأشار إلى الكوفة/فوالله ما هي لي بحرب فأُحاربها ، ولا هي لي بسلم فأُسالمها ، فرَّق الله بيني وبينها/فخذلوه وأبرؤوا أنفسهم منه ، فأسلموه حتّى قتل .
ثمَّ قام من بعده زيد بن علي ، فخدعه أهل الكوفة وغرّوه ، فلمَّا أظهروه وأخرجوه أسلموه ، وقد كان أبي محمد بن علي ناشده الله في الخروج وقال له : لا تقبل أقاويل أهل الكوفة فإنّا نجد في علمنا أنَّ بعض أهل بيتنا يصلب بالكناسة ، وأخشى أن تكون ذلك المصلوب ، وناشده الله بذلك عمّي داود وحذَّره (رحمه الله) غدر أهل الكوفة ، فلم يقبل ، وتمَّ على خروجه ، فقتل وصلب بالكناسة)[24] .
ولما قتل ابراهيم بن عبد الله بن الحسن امر المنصور ان يطاف برأسه بالكوفة سنة 145 هجرية وخطب قائلا :
(يا أهل الكوفة عليكم لعنة الله وعلى بلد انتم فيه . . . سبئية[25] ، خشبية[26] ، قائل يقول : جاءت الملائكة ، وقائل يقول جاء جبريل . . . ، لَلَعجب لبني أمية وصبرهم عليكم ، كيف لم يقتلوا مقاتلتكم ويسبوا ذراريكم ، ويخربوا منازلكم .
أما والله يا اهل المَدَرَة الخبيثة لئن بقيتُ لكم لأذلنكم)[27] .
وفي سنة 148 قرر الخليفة العباسي ان يجعل مالك بن انس مرجعا فقيها للامة في قبال الامام الصادق الذي التف اهل العراق حوله واخذوا بعلمه وفقهه .
وبعث المنصور الى مالك بن انس قال القاضي عياض[28] قال مالك بن انس : فقلت له أي للمنصور يا امير المؤمنين : ولأهل العراق قولاً تعدَّوْا فيه طورَهم .
فقال : أما أهل العراق فلست أقبل منهم صرفاً ولا عدلا ، وانما العلم علم أهل المدينة فضع للناس العلم .
وفي رواية فقلت له : ان أهل العراق لا يرضون عِلمَنا . فقال أبو جعفر يضرب عليه عامَّتهم بالسيف وتقطع عليه ظهورهم بالسياط[29] .
تخطيط المنصور في الكوفة كتخطيط معاوية
دس المنصور السم للإمام الصادق(ع) ، واضطر الامام الكاظم ان يخفي امامته سنين ، ولوحق اصحاب الامام الصادق ، بل ضعَّفوا روايته وشوهت اخبار الوصية لعلي(ع) قائلين انها من وضع يهودي من صنعاء اسلم اسمه عبد الله بن سبأ ، وكانت سنوات الخليفة المنصور كسنوات معاوية في تشويه التاريخ وملاحقة الشيعة .
الطبري مؤرخ جمع روايات كتابه في ضوء هدف العباسيين ورضا العامة الموالية لمعاوية
ومن المؤرخين الذي سايروا الاعلام العباسي ابو مخنف المعروف ، كتب في مقتل الحسين(ع) ، وهو الكتاب المشهور وقد اعتمده الاعلام العباسي والمؤرخون العامة فيما بعد وسرى الاعتماد عليه إلى كثير من الخطباء .
قال فلهاوزن : وأَثْبَتُ حجة … في تاريخ الشيعة طالما اتصل بالكوفة هو ابو مخنف ، والطبري يكاد لا يعتمد على غيره في ذكر اخبارهم وما اطولها[30] .
أقول :
الطبري مؤرخ عباسي راعى في جمع روايات موسوعته التاريخ من مصادر كتبها مؤلفوها لتحقق اهداف الاعلام العباسي ورضا العامة التي توالي معاوية فقد ذكر الرواية العباسية الرسمية لقصة وفاة الامام علي الرضا(ع) وهي : انه اكثر من أكل العنب فمات فجأة[31] ولم يذكر غيرها ، وذكر في الخلاف بين معاوية وابي ذر رواية سيف التي تدين ابا ذر لان العامة لا تتحمل ذكر الروايات الاخرى وفيها طعن بمعاوية .
وقد اكثَرَ الطبري في تاريخه من روايات سيف بن عمر ت 191هـ في حروب الردة ومقتل عثمان وحرب الجمل ، وتبين لدى التحقيق ان اكثر اخبار سيف في هذه المواضيع اما محرفة او موضوعة[32] . وهو الذي اختلق فكرة ان التشيع اساسه عبد الله بن سبا .
كتاب ابي مخنف في مقتل الحسين(ع) وحركة المختار مكرس للرؤية العباسية في اهل الكوفة
تُعدُّ كتب أبي مخنف لوط بن يحي الازدي ت ما قبل 170هجرية في مقتل الحسين(ع) وحركة التوابين وحركة المختار ، من اقدم واشهر المصادر في موضوعه ، وقد تبنى روايتها محمد بن سعد في الطبقات الكبرى ، والطبري في التاريخ ، وابن اعثم في الفتوح ، والبلاذري في انساب الاشراف ، وروى المسعودي طرفا منها في مروج الذهب ، ثم اخذ ابن الاثير في كتابه الكامل ، وابن كثير ، وابن خلدون ، والذهبي ، برواية الطبري ، لأنه اوردها كاملة ، وعن هؤلاء اخذ المعنيون بالتاريخ الاسلامي ، من القدامى والمعاصرين شيعة كانوا او سنّة .
لم يكن ابو مخنف من القائلين بإمامه علي(ع) والنص عليه من النبي(ص) فهو ليس شيعيا بالمعنى الخاص للتشيع .
قال ابن أبي الحديد : وأبو مخنف من المحدثين وممن يرى صحة الامامة بالاختيار ، وليس من الشيعة ولا معدوداً من رجالها[33] .
وأكَّد ذلك الشيخ المفيد في كتابه عن حرب الجمل وقد اورد اخبار حرب الجمل عن ابي مخنف والواقدي وغيرهما قال بعدها : فهذه جملة من اخبار البصرة ، وسبب فتنتها ، ومقالات اصحاب الآراء في حكم الفتنة بها ، قد اوردناها على سبيل الاختصار ، واثبتنا ما أثبتنا من الاخبار عن رجال العامة دون الخاصة ، ولم نثبت في ذلك ما روته كتب الشيعة)[34] .
هذا وقد عاصر ابو مخنف اربعة من الائمة ، وهم السجاد والباقر والصادق والكاظم (ع) ، ولم يروِ عن واحد منهم بشكل مباشر الا رواية واحدة عن الامام الصادق (ع) في عدد الطعنات بالحسين وقد جاءت مخالفة لرواية احد اصحاب الامام الصادق الثقاة في العدد . ، نعم روى عن بعض اصحابهم بعض الروايات .
وقد وثَّقَ ابا مخنف في النقل عددٌ من اعلام الشيعة[35] ، الا ان ذلك قابل للمناقشة ، ونحن نحتاط على الاقل بل ونرفض قبول فقرات مبثوثة في رواياته التي ترتبط بسيرة بعض الائمة (ع) او سيرة شيعتهم في الكوفة او علاقة الائمة بهم في الفترة الواقعة من سنة حكم علي(ع) سنة 35هجرية وحروبه الى مقتل المختار سنة 67هجرية ، وذلك لأنها تعطي رؤية تخالف الثابت عن اهل البيت(ع) ، او الثابت من التاريخ عن شيعتهم في الكوفة وعلاقتهم بهم .
من قبيل : ان الحسين(ع) ندم على اخذ نسائه وبناته معه ، وأنه تذكَّر نصيحة ابن عباس يوم العاشر لما ارتفعت اصواتهن يوم العاشر من المحرم عند احتدام القتال وسقوط القتلى .[36]
او أن يزيد قال لعلي بن الحسين(ع) لما امر بإرجاعه والسبايا الى المدينة : لعن الله ابن مرجانة ، أما والله لو أني صاحبه ما سألني خصلة أبدا الا أعطيتها إياه ، ولدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت ، ولو بهلاك بعض ولدي ، ولكن الله قضى ما رأيت[37] .
وهناك من الرواة من اسفَّ الى اكثر من هذا كما فعل يزيد بن روح بن زنباغ الجذامي المعاصر لابي مخنف ، يروي عن الغاز بن ربيعة الجرشي من حمير قال : والله إنا لعند يزيد بن معاوية بدمشق إذ أقبل زُحَر بن قيس حتى دخل على يزيد بن معاوية فقال له يزيد : ويلك ما وراءك وما عندك ؟ فقال : أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله ونصره ، ورد علينا الحسين بن علي في ثمانية عشر من أهل بيته وستين من شيعته ، فسرنا إليهم فسألناهم أن يستسلموا وينزلوا على حكم الامير عبيد الله بن زياد ، أو القتال ، فاختاروا القتال على الاستسلام ، فَعَدَوْنا عليهم مع شروق الشمس ، فأحطنا بهم من كل ناحية حتى إذا اخذت السيوف مأخذها من هام القوم ، أخذوا يهربون إلى غير وَزَر ، ويلوذون منا بالآكام والحفر ، لواذا كما لاذ الحمائم من صقر ، فوالله يا أمير المؤمنين ما كان إلا جَزْرَ جَزور ، أو نومةََ قائل حتى أتينا على آخرهم ، فهاتيك أجسادهم مجردة ، وثيابهم مرملة ، وخدودهم معفرة ، تصهرهم الشمس ، وتسفي عليهم الريح ، زوارهم العقبان والرخم . . . قال : فدمعت عين يزيد وقال : قد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين ، لعن الله ابن سمية أما والله لو أني صاحبه لعفوت عنه فرحم الله الحسين[38] .
او أن شيعة علي في الكوفة امثال سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة وغيرهم كتبوا للحسين بالقدوم ثم خذلوه حتى قُتل ، ثم ندموا بعد ذلك ونهضوا للأخذ بثأره .
أقول :
وفي ضوء ذلك كان من الضروري التحقيق في الرواية التاريخية التي ظهرت في فترة الخمسين سنة من حكم المنصور وولده وما بعدها سواء كانت رواية ابي مخنف او رواية غيره وتجزئة الرواية الى اجزاء واستبعاد الجزء الذي يلتقي مع الهدف الاعلامي للعباسيين ان لم يكن لدينا غيرها .
ان كتابا وباحثين معاصرين امثال الشيخ محمود شاكر[39] والدكتور احمد شلبي[40] والشيخ الخضري ونظرائهم قد يكونون معذورين حين يعتمدون على رواية أبي مخنف دون ان يحققوا فيها بسبب خلفيتهم العقائدية التي تسوغ لهم قبول ذلك او الانس به ، اما ان يعتمد الكاتب الشيعي الامامي[41] على رواية ابي مخنف دون تحقيق اودون تجزئة فليس معذورا[42] .
لقد شحن كتاب ابي مخنف بأخبار تشوه الكوفيين وتجعلهم المسؤولين عن دعوة الحسين(ع) الى الكوفة وعن خذلانه وقتله ، وكذلك تشوه من سيرة المختار والثوار معه وتسميه التوابين ليكفروا عن خذلانهم للحسين ، في الوقت الذي كان هؤلاء في السجون ، قبل مجيء الحسين(ع) الى العراق .
اهل البيت يؤكدون ان اهل الشام هم قتلة الحسين(ع)
وتأتي روايات اهل البيت(ع) لتؤكد ان قتلة الحسين(ع) هم اهل الشام ، وان اهل الكوفة اوفياء في نصرتهم لأهل البيت .
في الكافي (ج 4 / 147) سئل ابو عبد الله الصادق(ع) عن صوم يوم تاسوعاء فقال : :
(تاسوعا يومٌ حوصِرَ فيه الحسين(ع) وأصحابه بكربلاء ، واجتمع عليه خيلُ أهلِ الشام وأناخوا عليه ، وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخيل وكثرتها ،
واستضعفوا فيه الحسين عليه السلام وأصحابه وأيقنوا أنه لا يأتي الحسين ناصر ولا يمده أهل العراق[43] ، بأبي المستضعف الغريب) .
وفي أمالي الطوسي (667)عن أبي عبد الله(ع) قال : سألته عن صوم يوم عاشورا فقال :
(ذاك يومُ قُتِلَ الحسين(ع) فان كنت شامتا فصم .
ثم قال :
(إن لآل أمية لعنهم الله ومن أعانهم على قتل الحسين من أهل الشام نذرا إن قتل الحسين عليه السلام وسلِم من خرج إلى الحسين ، وصارت الخلافة في آل أبي سفيان أن يتخذوا ذلك اليوم عيدا لهم يصومون فيه شكرا ، فصارت في آل أبي سفيان سنة إلى اليوم في الناس ، واقتدى بهم الناس جميعا لذلك ، فلذلك يصومونه ويدخلون على عيالاتهم وأهاليهم الفرح في ذلك اليوم) .
ونصوص التاريخ تؤيد ذلك :
قال الطبري : وكان معاوية حين أجمع عليه أهل العراق بعد علي عليه السلام يخرج من الكوفة المستغرب في أمر على وينزل داره المستغرب في أمر نفسه من أهل الشأم وأهل البصرة وأهل الجزيرة وهم الذين يقال لهم النواقل في الأمصار[44] .
اقول : روى البلاذري قال : سير زياد بأمر معاوية خمسا وعشرين الفا من الكوفة ومن البصرة مثلهم الى خراسان .
ومن ذلك يتبين ان الكوفة قد طعمها معاوية بعدد لا يستهان به من اهل الشام الموالين له . وكان هؤلاء واهل الجزيرة واهل البصرة هم مادة الجيش الذي خرج الى قتال الحسين فضلا عن الحمراء مرتزقة الجيش الفارسي الذين اعتمدهم زياد في بناء جهاز شرطته الداخلية في الكوفة .
وفي رواية الشيخ الصدوق قال (وحال بنو كلاب بين الحسين وبين الماء . . . واقبل عدو الله سنان بن انس الايادي وشمر بن ذي الجوشن العامري لعنهما الله في رجال من اهل الشام حتى وقفوا على راس الحسين عليه السلام . . . )[45] .
قال ابن خلدون : (وأما بنو كلاب بن ربيعة فمنهم بنو الضباب الذين منهم شمر بن ذي الجوش بن الأعور بن معاوية قاتل الحسين بن علي وكانت بلاد بنى كلاب حمى ضرية[46] والربذة في جهات المدينة وفدك والعوالي وحمى ضرية ، ثم انتقل بنو كلاب إلى الشام فكان لهم في الجزيرة الفراتية صيت وملك وملكوا حلب وكثيرا من مدن الشأم)[47] .
طرف من كلمات اهل البيت(ع) في الكوفيين
كان علي(ع) يخاطب الكوفيين : انتم الانصار على الحق ، والاخوان في الدين ، .
وكان يقول : الكوفة كنز الإيمان وحجة الإسلام وسيف الله ورمحه يضعه حيث يشاء ، والذي نفسي بيده لينتصرَنَّ الله بأهلها في شرق الأرض وغربها كما انتصر بالحجاز[48] .
وقال ايضا وهو بالكوفة : ما أشد بلايا الكوفة لا تسبوا أهل الكوفة فوالله إن فيهم لمصابيح الهدى وأوتاد ذكر . . . والله ليدقن الله بهم جناح كفر لا ينجبر أبدا ، إن مكة حرم إبراهيم والمدينة حرم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والكوفة حرمي ما من مؤمن إلا وهو من أهل الكوفة أو هواه لينزع إليها[49] .
وروى حنان بن سدير عن أبيه قال : دخلت أنا وأبي وجدي وعمي حمَّاما بالمدينة فإذا رجل في بيت المسلخ فقال لنا من القوم ؟ فقلنا من أهل العراق ، فقال وأي العراق ؟ قلنا كوفيون ، فقال مرحبا بكم يأهل الكوفة أنتم الشعار دون الدثار ، فسألنا عنه فإذا هو علي بن الحسين[50] .
وعن محمد الحلبي عن ابي عبد الله(ع) انه قال : ان الله عرض ولايتنا على اهل الامصار فلم يقبلها الا اهل الكوفة[51] .
وعن عبد الله بن الوليد قال : دخلنا على ابي عبد الله(ع) فسلمنا عليه وجلسنا بين يديه ،
فسألنا : من انتم ؟
فقلنا : من اهل الكوفة .
فقال : أما إنه ليس بلد من البلدان اكثر محبا لنا من أهل الكوفة .
إن الله هداكم لأمر جهله الناس ، أحببتمونا وأبغضنا الناس ، وصدقتمونا وكذبنا الناس ، واتبعتمونا وخالفنا الناس . فجعل الله محياكم محيانا ومماتكم مماتنا .
وقال ايضا وقد جاءه رجل قال بعت ضياعي وضربت على كل شيء لي ذهبا وفضة وقلت انزل مكة فقال لا تفعل فان اهل مكة يكفرون بالله جهرة ، فقلت ففي حرم رسول الله فقال هم شر منهم قلت فاين انزل قال عليك بالعراق الكوفة فان البركة منها على اثني عشر ميلا هكذا هكذا والى جانبها قبر ما اتاه مكروب قط ولا ملهوف قط الا فرج الله عنه[52] .
السيد سامي البدري
النجف الاشرف
محرم الحرام سنة 1432هـ
_____________________________
[1] انساب الاشراف 3/269 ،
[2] شرح ابن ابي الحديد ج3 ص15ـ16 .
[3] الوجيف : سرعة السير . كتاب العين .
[4] قال ابن ابي الحديد : الجَنَن : جمع جُنَّة ، وهى ما يستر به . وبطانة الرجل : خواصه وخالصته الذين لا يطوي عنهم سره .
[5] معجم البلدان 4/492 .
[6] الوسائل ج1/368عن الكافي ورواه الصدوق ايضا .
[7] البحار 60/209 .
[8] البحار ج25 ص 215
[9] قال ابن قتيبة في الامامة والسياسة ج2/20 انهم كانوا ثمانية الاف .
[10] الظليم ذَكَر النعامة .
[11] انساب الاشراف 7/345 ، شرح نهج البلاغة – ابن أبي الحديد ج 1 ص 344 ، والخطبة في البيان والتبيين 2 : 138 ، العقد 4 : 115 ، نهاية الارب 7 : 245 .
[12] تاريخ خليفة بن خياط العصفري ص 217 .
[13] التجمير : ترك الجند في مواجهة العدو وحبسهم عن العود الى اهلهم .
[14] انساب الاشراف 7/358 .
[15] : جوامع مفرده جامعة
[16] الوجيف : سرعة السير . كتاب العين .
[17] تاريخ دمشق 38/344 .
[18] ترجم البلاذري ليحيى بن زيد وحركته ومقتله في الجوزجان في ج3/453-458 .
[19] انساب الأشراف ج3 /448-450 .
[20] العاتق : الجارية أول ما أدركت .
[21] انساب الاشراف .
[22] جثُم يجثُم : لصق ولزم .
[23] تاريخ الطبري ج 6/194 .
[24] المسعودي : مروج الذهب ج3/301 ، وكانت بوادر التحسس من الكوفيين قبل ذلك روى البلاذري في انساب الاشراف 3/150 ، قال قال المدائني : (كتب ابو مسلم الى ابي العباس : أن اهل الكوفة قد شاركوا شيعة امير المؤمنين في الاسم ، وخالفوهم في الفعل ، ورأيهم في آل علي الذي يعلمه امير المؤمنين ، يؤتى فسادهم من قبلهم بإغوائهم اياهم واطماعهم فيما ليس لهم ، فالحظهم يا امير المؤمنين بلحظة بوار ، ولا تؤهلهم لجوارك ، فليست دارهم لك بدار . واشار عليه ايضا عبد الله بن علي بنحو من ذلك فابتنى مدينته بالأنبار وتحول اليها وبها توفي) .
[25] اي اتباع عبد الله بن سبأ الذي ادعي له انه مبتدع الوصية لعلي(ع) المشابهة لوصية موسى ليوشع(ع) الذي يترتب عليها البراءة ممن تجاوز على موقعه .
[26] في “ النهاية “ لابن الاثير : الخشبية : هم أصحاب المختار بن أبي عبيد ، ويقال لضرب من الشيعة : الخشبية . وفي “ المشتبه “ للذهبي : الخشبي : هو الرافضي في عرف السلف .
[27] انساب الاشراف 3/269 ،
[28] انظر تفصيل ذلك في كتابنا المدخل الى مصادر السيرة والتاريخ ص 470
[29] وكان المنصور قبل ذلك قد قال لابي حنيفة : يا أبا حنيفة ، ان الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد فهيء له من مسائلك الصعاب الكامل في الضعفاء لابن عدي 2/132
[30] الخوارج والشيعة يوليوس فلهوزن ترجمه عن الالمانية الدكتور عبد الرحمن بدوي /113ط 3 ، الكويت 1978 .
[31] تاريخ الطبري 7/15 . علق استاذنا العلامة المحقق السيد مرتضى العسكري حين قرأ هذه المعلومة من كتابنا الامام الحسين في مواجهة الضلال الاموي عند زيارته الى العراق سنة 2003 وكان نازلا عندنا مدة تلك الزيارة : لا يوجد مؤرخ من المتقدمين والمـتأخرين اكثر جناية على الحق والحقيقة عالما عامدا مثل الطبري فقد قال في ذكر ما جرى بين الصحابي البر ابي ذر والخليفة الداهية معاوية ( … ذكروا امورا كثيرة كرهت ذكر اكثرها اما العاذرون معاوية فقد ذكروا قصة رواها … ) وقال في ذكر ما جرى بين معاوية ومحمد بن ابي بكر … (لا تتحمل سماعها العامة) اقول : فصلنا الحديث عن منهج الطبري في كتابنا المدخل الى دراسة مصادر السيرة والتاريخ .
[32] انظر كتب العلامة العسكري : خمسون ومائة صحابي مختلق ثلاثة مجلدات ، وعبد الله بن سبأ مجدان فإنها مكرسة لدراسة اخبار سيف بن عمر وكشف الوضع والتحريف فيها .
[33] شرح نهج البلاغة 1/147 .
[34] الجمل ص 225 .
[35] انظر معجم رجال الحديث وقاموس الرجال .
[36] قال أبو مخنف حدثني عبد الله بن عاصم قال حدثني الضحاك المشرقي قال : لما سمع أخوات الحسين كلام الحسين يخاطب القوم يوم العاشر صحن وبكين وبكى بناته فارتفعت أصواتهن فأرسل اليهن أخاه العباس بن علي وعليا ابنه ، وقال لهما : أسكتاهن فلعمري ليكثرن بكاؤهن ، قال : فلما ذهبا ليسكتاهن ، قال : لا يبعد ابن عباس ، قال : فظننا أنه إنما قالها حين سمع بكاؤهن لأنه قد كان نهاه أن يخرج بهن . الطبري 4/321 وقال أبو مخنف وحدثني الحارث بن كعب الوالبي عن عقبة بن سمعان : أن حسينا لما أجمع المسير إلى الكوفة أتاه عبد الله بن عباس وقال له فإن كنت سائرا فلا تسر بنسائك وصبيتك فوالله إني لخائف أن تقتل كما قتل عثمان ونساؤه وولده ينظرون إليه الطبري 4/287 .
[37] تاريخ الطبري – الطبري ج 4 ص 353 .
[38] تاريخ الطبري – الطبري ج 4 ص 351 .
[39] كاتب مصري الف موسوعة في التاريخ الاسلامي في عدة مجلدات .
[40] كاتب مصري الف موسوعة التاريخ الاسلامي في عدة مجلدات وطبعت طبعات عديدة اخر ما رايته هو الطبعة السابعة سنة 1984م وعنها ننقل في كتابنا هذا .
[41] قد يعترض البعض علينا باعتماد مرجع الشيعة في وقته الشيخ المفيد رحمه الله على رواية ابي مخنف في كتابه الارشاد ، اوفي كتابه الجمل ، ولكنه اعتراض غير وارد لان الشيخ المفيد في الجمل يصرح انه انما اورد اخبار الجمل من مصادر غير امامية لأجل الاحتجاج .
[42] اشرنا الى طرف من هذا الموضوع في كتابنا المدخل الى دراسة مصادر السيرة النبوية ، /469- 480 ، نرجو ان نوفق الى تفصيلها في دراسة مستقلة .
[43] لانهم ما بين سجين ومختف ، فضلا عن قطع الطرق ووضع المراصد فيها .
[44] تاريخ الطبري – الطبري – ج 2 – ص 500 – 501
[45] الأمالي للشيخ الصدوق /266 .
[46] ضريّة بئر بالحجاز ينسب إليها حمى ضريّة في طريق مكة من البصرة و نجد .
[47] تاريخ ابن خلدون – ابن خلدون – ج 2 ق1 – ص 311 – 312
[48] معجم البلدان 4/492 .
[49] تاريخ مدينة دمشق – ابن عساكر – ج 1 – ص 297
[50] الوسائل ج1/368عن الكافي ورواه الصدوق ايضا .
[51] البحار 60/209 .
[52] البحار 60/209 .
رجوع إلى قائمة المكتبة الحسينية الميسرة