دعوة إبراهیم و إسماعیل عند رفع القواعد من البیت والبشارة بالنبي (ص) والاثنا عشر اماما من بعده

مقال العلامة السيد سامي البدري المنشور في مجلة ميقات الحج العدد 1 سنة 1994م ـ 1414هـ


1062012-034516AM-3أ ـ من القرآن :

1: شروط الإمامة الهادية بأمر الله بعد إبراهيم :

قال تعالي : {ووهبنا له إسحق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب} 27/29.

إن أول ذرية إبراهيم هو إسماعيل فقد بُشرّ به قبل أن يبشّر بإسحق ويعقوب كما في قوله تعالي :

{فبشرناه بغلام حليم . فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أري في المنام أني أذبحك فانظر ماذا تري قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين . فلما أسلما وتلَّه للجبين . وناديناه ان يا ابرهيم . قد صدّقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين . إنّ هذا لهو البلاء المبين . وفديناه بذبح عظيم . وتركنا عليه في الآخرين . سلامٌ علي إبراهيم . كذلك نجزي المحسنين . إنّه من عبادنا المؤمنين . وبشّرناه بإسحق نبيا من الصالحين . وباركنا عليه وعلي إسحق ومن ذريتهما محسنٌ وظالم لنفسه مبين} 101 ـ 113/37.

قوله تعالي : {فبشرناه بغلام حليم} هو إسماعيل .

الحلم : الاناة والعقل وجمعه أحلام وحلوم، والحليم الصبور، وقد وصف

مجلة ميقات الحج العدد 1 (صفحه 246)


الله تعالي إسماعيل بكونه صابرا بقوله : {وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كلٌّ من الصابرين} 85/21.

والصبر: الحبس وكل من حبس شيئا فقد صبره، والحبس ضد التخلية، والحبس: الوقف وفي الحديث ذلك حبيس في سبيل الله أي موقوف علي الغزاة يركبونه في الجهاد والحبس: الحصر(1).

أقول: وقوله تعالي : {وسيدا وحصورا} أي حابسا نفسه علي طاعة الله وكذلك قوله تعالي: {فبشرناه بغلام حليم} أي بغلام صبور أي حبس نفسه علي طاعة الله .

قوله تعالي: {فلما بلغ معه السعي} أي أدرك معه العمل أي أطاق أن يعينه علي عمله(2) ومن ثمَّ عاونه علي بناء البيت كما في قوله تعالي : {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل} 127/2.

قوله تعالي : {إن هذا لهو البلاء العظيم} البلاء : الاختبار، وابتلاه الله : امتحنه(3).

قال تعالي :

{وإذ ابتلي إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين} 124/2.

قوله : {فاتمهن} أي وفي بهن كما في قوله تعالي : {وإبراهيم الذي وفَّي} 37/53 وفي اللغة وفي: تَمَّ ، وأوفي : أتم(4).

قوله تعالي : {لا ينال عهدي الظالمين} أي أني لا أعهد لظالم من ذريتك بالإِمامة والظالم من ذرية إبراهيم هو الفاسق كما في قوله تعالي : {ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون} 26/57.

الظالم : من قولهم لزموا الطريق فلم يظلموه أي لم يعدلوا عنه، وقولهم أخذ في طريق فما ظلم يمينا ولا شمالا وعدل عن الطريق مال عنه(5) فالظالم المنحرف

ميقات الحج(عربي) » شماره 1 (صفحه 247)


عن الاستقامة المائل عن العدل والحق .

الفاسق : من الفسق أي العصيان والخروج عن طريق الحق، والعرب تقول قد فسقت الرطبة من قشرها أي خرجت من قشرها وقوله تعالي : {الا إبليس كان من الجنّ ففسق عن أمر ربه} 50/18 أي جار ومال عن طاعته(6).

وفي قبال الظالم والفاسق، المهتد والمحسن .

المهتد: المستقيم، قال تعالي : {قل ان هدي الله هو الهدي} 120/2 أي أن الصراط الذي دعا إليه هو طريق الحق ويقال هَداه هُدي وهَدياً وهداية وهِدْية والمهدي من هداه الله إلي الحق، والهدي: الطاعة ويقال ذهب علي هِديته أي على قصده في الكلام، وخذ في هديتك : أي فيما كنت فيه من الحديث والعمل ولا تعدل عنه، والقصد استقامة الطريق وقوله طريق قاصد أي سهل مستقيم(7).

وقوله تعالي : {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدي} 82/20 أي استقام .

المحسن : من الإِحسان أي الاستقامة وقوله تعالي : {والذين اتبعوهم بإحسان} 100/9 أي باستقامة وسلوك الطريق الذي درج السابقون عليه(8) وقوله تعالي : {ومن يسلم وجهه إلي الله وهو محسن} 22/31 أي وهو مستقيم .

إن قوله تعالي : {لا ينال عهدي الظالمين} ليس إشارة إلي كلّ الظالمين الفاسقين في قبال كل المحسنين المهتدين سواء كانوا من ذرية إبراهيم أو لم يكونوا وذلك لان إمامة الهدي والاضطلاع بعبء الرسالة وحفظها ونشرها جعله الله تعالي في ذرية إبراهيم وعقبه كما في قوله تعالي {وجعلها كلمة باقية في عقبه} 28/43. وقوله تعالي : {وجعل في ذريته النبوة والكتاب} إنَّ جعل الكتاب في ذرية إبراهيم يراد به توريثهم علومه ومسؤولية حفظه وبيانه وهذه المسؤولية علي نوعين :

مجلة ميقات الحج العدد 1 (صفحه 248)


الأول: مسؤولية خاصة بأشخاص معينين من قبل الله تعالي وهؤلاء قد يكونون أنبياء وقد لا يكونون، ولكنهم علي كل حال لا بد من أن يكونوا مطهرين وهؤلاء لا يكونون إلا من ذرية إبراهيم .

الثاني : مسؤولية عامة من دون عهد إلهي خاص للشخص . القائم بحفظ الرسالة وبيانها وهذه لا تختص بذرية إبراهيم .

والإِمامة المذكورة في قوله تعالي : {إني جاعلك للناس إماما} هي الإِمامة المذكورة في قوله تعالي : {ولقد آتينا موسي الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدي لبني إسرائيل وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون} 23، 24/32 ولم يكن كل هؤلاء الأئمة الهادين بأمر الله تعالي أنبياء ولكنهم كلهم معينون من الله تعالي بأسمائهم أورثهم العلم بكتابه واعلن عن طهارتهم وعصمتهم بواسطة من سبقهم من الأنبياء .

لقد وضع القرآن الكريم أساسا واضحا للإِمامة الهادية بأمر الله بعد إبرهيم سواء كانوا أنبياء أو لم يكونوا، وقد تمثل هذا الأساس بكون الامام الهادي بأمر الله لا بدّ من أن يكون إبراهيميا أولا أي من نسل إبراهيم .

ثم لا بدّ فيه من أن يكون متبعاً لملة إبراهيم اتباعا يجعله مع إبراهيم خطّاً واحدا لا اختلاف فيه، وحالة واحدة لا تفاوت فيها، قوامها التسليم التام لأمر الله تعالي : {وان هذه امتكم أمة واحدة} {ذرية بعضها من بعض} وهذا هو الأساس الثاني، وإليه يشير قوله تعالي علي لسان إبراهيم {واجنبني وبني ان نعبد الأصنام . رب إنهن اضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم} 35/36/14.

وقوله تعالي : {فمن تبعني فإنه منّي} لا يريد منه الإِشارة إلي قاعدة عامة تتناول كل اتباع إبراهيم من ذريته وغيرهم وإن كانت هذه القاعدة في نفسها صحيحة، ولكن عموم الاتباع حين يقال إنهم من إبراهيم فالمراد به أنهم منه من جهة الإِيمان والولاء المترتب عليه المشار إليه في قوله تعالي : {المؤمنون والمؤمنات بعضهم

مجلة ميقات الحج العدد 1 (صفحه 249)


أولياء بعض} بل تشير الآية إلي اتباع إبراهيم من ذريته بقرينة صدر الآية وهو دعاء إبراهيم لبنيه دون عموم اتباعه وليس لعموم بنيه، بل لخصوص ورثة إمامته منهم، فالآية ترسي الشرط الثاني لوارث إمامة إبراهيم وهو كون هذا الوارث متبعا لابراهيم اتباعا يجعل منه مع إبراهيم خطا رساليا واحدا فقوله: {فإنه منّي} لا يريد النسب إذ كلَّ بنيه منه نسباً . سواء المهتدي منهم أو الضال وإنما يريد جهة التسليم التام لأمر الله تعالي .

وهناك أساس ثالث يشير إليه القرآن الكريم وهو أن يكون هذا الإِمام الابراهيمي الهادي بأمر الله معهودا إليه من الله تعالي بواسطة إبراهيم سواء كان نبياً أو لم يكن قال تعالي : {ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين . إذ قال له ربه اسلم قال اسلمت لرب العالمين ووصّي بها إبراهيم بنيه ويعقوبُ يا بَني إن الله اصطفي لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون} 130 ـ 132/2.

قوله تعالي : {ملة إبراهيم} أي دين إبراهيم وطريقته وسيرته وسنته(9).

قوله تعالي : {الا من سفه نفسه} أي حمل نفسه علي السفه .

السَّفَه والسَّفاه والسفاهة: خِفة الحِلم وقيل نقيض الحلم ويقال سَفِه فلانٌ رأيه إذا جهله وكان رأيه مضطربا لا استقامة له، وهومن قولهم تسفهت الرياح أي اضطربت وتسفَّهت الريح الغصون : حركتها واستخفتها ومنه قول خلف بن إسحق البهراني :

بعثنا النواعج تحت الرحال

تسافه اشداقها في اللجم

فإنه أراد أنها تترامي بلغامها يمنة ويسرة(10).

واللغام زبد أفواه الإِبل(11).

أقول: لما كان السفه نقيض الحلم والحلم كما مر علينا هو الصبر والثبات علي الطاعة وحبس النفس عليها يكون السفيه المشار إليه في قوله تعالي : {سفه نفسه} معناه الذي حمل نفسه علي المعصية كما في قوله تعاالي : {وأنه كان يقول

مجلة ميقات الحج العدد 1 (صفحه 250)


سفيهنا علي الله شططا} 4/72 وسفيه الجن هو إبليس الذي فسق عن أمر ربه .

فالسفيه من ذرية إبراهيم هو الذي ترك ملة إبراهيم (عليه السلام) وأخذ يمينا وشمالا واتبع هواه: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضلّه اللهُ علي علم . . .}

والحليم من ذرية إبراهيم الذي اتبع إبراهيم وصبر عليها ولو كان بذبح النفس كاسماعيل الذي سلم لإِبراهيم في ذبحه.

قوله تعالي : {ووصي بها إبراهيم بنيه ويعقوبُ} . أي ووصي بها إبراهيم بنيه وكذلك وصّي بها يعقوب بنيه .

الوصية: العهد(12).

{بها} أي بالملة .

{بنيه} هم إسماعيل وإسحق ويعقوب(13) وكانوا أنبياء وأئمة كما في قوله تعالي : {ونجيناه ولوطا إلي الأرض التي باركنا فيها للعالمين . ووهبنا له إسحق ويعقوب نافلة وكلاّ جعلنا صالحين وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين} 71 ـ 73/21.

بنو يعقوب الذين كانت إليهم وصية يعقوب هم الأسباط المذكورون في قوله تعالي : {أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هوداً أو نصاري . . . } 140/2 وقوله تعالي : {قولوا آمنا بالله وما أُنزل الينا وما أنزل إلي إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط} 136/2 وهم يوسف والأئمة من ولده، وليسوا كل اخوة يوسف .

إن إسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط أوصياء لابراهيم في حفظ (الملة) والموت علي التسليم لأمر الله في شأنها، وعلي الرغم من شهادة القرآن لهم بأنهم كانوا عابدين لله، فاعلين للخيرات، يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، وأنهم أوحي إليهم، سواء مباشرة أو بواسطة الملائكة، علي الرغم من ذلك كان لا بد من العهد الإِلهي والوصية بواسطة إبراهيم لجميعهم، ومن بعضهم للبعض الآخر

مجلة ميقات الحج العدد 1 (صفحه 251)


ليكونوا أئمة بعد إبراهيم، كما هو الحال في إبراهيم نفسه، فققد كان نبيا رسولا ولم يكن إماما حتي عهد الله إليه بالإِمامة بعد الابتلاء .

وهكذا تتلخص إمامنا ثلاثة شروط في الإِمام الهادي بأمر الله تعالي بعد إبراهيم هي :

أولا: أن يكون من ذرية إبراهيم : {وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب} {وجعلها كلمة باقية في عقبه} .

ثانياً: أن يكون مجتنبا لعبادة الأصنام ومنها عبادة الهوي أي أن يكون متبعا لملة إبراهيم اتباعا يجعله مع إبراهيم في حالة واحدة وامتداد واحد يتصف بالإِسلام الذي كان لإِبراهيم نفسه : {فمن تبعني فإنه مني} وبعبارة أخري أن يكون محسنا مهتديا طاهرا .

ثالثا: الوصية والعهد من الله تعالي لشخصه بواسطة إبراهيم حتي ولو كان ذلك الشخص المصطفي من ذرية إبراهيم نبيا كإسحق ويعقوب .

2: إمامة إبراهيم في ذرية إسماعيل وإسحق:

قال الله تعالي حاكيا عن إبراهيم (عليه السلام): {الحمد لله الذي وهب لي علي الكبر إسماعيل وإسحق إن ربي لسميع الدعاء} 39/14.

وقال تعاالي : {وباركنا عليه وعلي إسحق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين} 113/37.

والآيتان تفيدان أنَّ عقب إبراهيم من إسماعيل وإسحق .

قوله تعالي : {وباركنا عليه وعلي إسحق} الضمير في كلمة (عليه) يعود إلي إسماعيل .

والبركة علي إسماعيل وإسحق هي جعل كل منهما نبيا رسولا إماما يهدي بأمر الله تعالي .

مجلة ميقات الحج العدد 1 (صفحه 252)


قوله تعالي : {ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين} تفيد وجود متبع لملة إبراهيم في ذرية كل منهما حابس نفسه عليها، اصطفاه الله واستخلصه لنفسه وجعله إماما يهدي بأمره .

3: إسحق والهداة من ذريته نافلة:

ولد لاسحق ولدان هما يعقوب وعيسو ولقب بـ (ادوم) وكانا توأما(14) واصطفي الله تعالي يعقوب دون أخيه وجعله نبيا وإماما وجعل في ذريته النبوة والكتاب .

قال تعالي : {ونجيناه ولوطا إلي الأرض التي باركنا فيها للعالمين . ووهبنا له إسحق ويعقوب نافلة وكلاّ جعلنا صالِحين . وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات واقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين} 71 ـ 73/21.

قوله تعالي : {ووهبنا له إسحق ويعقوب نافلة} .

النافلة والنفل: ما كان زيادة علي الأصل(15) وصلاة النافلة في قبال صلاة الفريضة، وكذلك كل عبادة مستحبة من صوم وحج قبال الحج الواجب والصوم الواجب .

ويفهم من قوله تعالي : {وامرأته قائمة فضحكت فبشَّرناها بإسحق ومن وراء إسحق يعقوب} 71/11 أن البشري كانت بهما سوية وعلي هذا فإنهما قد وهبا معا لابراهيم نافلة أي زيادة علي الأصل، وكل الأنبياء وأئمة الهدي من ذرية يعقوب تشملهم صفة النافلة في قبال الأصل .

فما هو الأصل الموهب لإِبراهيم (عليه السلام)؟

4: إسماعيل والهداة من ذريته هم الأصل:

من الثابت قرآنيا وتوراتيا أن الموهوب لابراهيم أوّلا هو إسماعيل، ثم الأمة

مجلة ميقات الحج العدد 1 (صفحه 253)


المسلمة والنبي المبعوث فيها كوعد إلهي {ولمن يخلف الله وعده} وقد ورد هذا الوعد في القرآن بصيغة الدعاء من إبراهيم وإسماعيل، وفي التوراة بصيغة إجابة الدعاء ، وبذلك يكون الأصل هو إسماعيل والهداة من ذريته أي أن الله تعالي جعل إمامة إبراهيم في إسماعيل، ثم في اْلأُمّة المسلمة من ذريته والنبي المبعوث فيهم وذلك بموجب قوله تعالي : {إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين} وقوله تعالي حاكيا دعاء إبراهيم وإسماعيل عند رفع القواعد من البيت: {. . . ومن ذريتنا أمة مسلمة لك . . . ربنا وابعث فيهم رسولا منهم . . .} وفرض علي الناس الأخذ بذلك والاعتقاد به ولا بد أنها قد ذكرت في الصحف النازلة علي إبراهيم شأنها شأن كتب الله في ذكر طرف مهمة من أخبار الأنبياء السابقين والموعود بهم ثم بُينت من قبل إبراهيم نفسه ونحن نذكر أولا النص القرآني ومن بعده النص التوراتي . كما يلي:

5: الأُمة المسلمة والنبي المبعوث من ذرية إسماعيل:

ذكر القرآن الامة المسلمة، والنبي المبعوث فيها، من ذرية إبراهيم وإسماعيل في ثلاث آيات: جاءت الآية الأولي بشكل دعاء من إبراهيم وإسماعيل، وجاءت الآية الثانية بشكل خطاب مباشرة لهم في عصر النبي (صلّي الله عليه وآله وسلم)، أما الآية الثالثة فقد جاءت في سياق الحديث عن الحاسدين لهم في عصر النبي (صلّي الله عليه وآله وسلم) أيضاً .

الآية الأولي :

قال تعالي :

{وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك . . . ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة

مجلة ميقات الحج العدد 1 (صفحه 254)


ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم} 127 ـ 129/2.

قوله تعالي : {وجعلنا مسلمين لك} الإِسلام المدعو به هنا هو الاسلام بمعناه اللغوي، أي الانقياد والخضوع التام لا الاصطلاحي . والمعني وادم علينا حالة الانقياد والخضوع التام لك، وتوفنا عليها كما في دعاء يوسف بعد ان مكن الله تعالي له : {توفّني مسلماً وألحقني بالصالحين} 101/12.

قوله تعالي : {ومن ذريتنا أمة مسلمة لك} أي من ذرية إسماعيل / إذ لم يكن إسحق مولودا ولا مبشرا به كما هو واضح من سياق الآيات (99 ـ 113) من سورة الصافات(16) وذرية إسماعيل هي ذرية إبراهيم والإِسلام الذي وصفت به هذه الأمة هو من سنخ الاسلام الذي دعا به كل من إبراهيم وإسماعيل لنفسه، كما هو مقتضي الحال والسياق فهو غير الاسلام(17) في قوله تعالي : {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا .لكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإِيمان في قلوبكم} 14/49 وبغير ذلك لا تكون هذه الذرية المطلوبة قرة عين لإبراهيم ولا تكون منه، إذاً فقد دعا إبراهيم بأن يرزق إسماعيل من ذريته أُمة مسلمة، كإسلام إسماعيل وإبراهيم علي ملّة إبراهيم في البراءة من الشرك ، واجتناب عبادة الأصنام، فهي إذاً مشمولة بدعائه في قوله تعالي :

{وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام . ربّ إنهن اضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم . ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرّم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل افئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلّهم يشكرون} 35 ـ 37/14.

قوله تعالي : {ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم} 129/2.

أصل الزكاة في اللغة الطهارة والنماء والبركة والمدح، وأيضاً الزكاة صفوة الشيء والزكاء ما أخرجه الله من الثمر وزكاه الله : مدحه، وزكا الرجل نفسه

مجلة ميقات الحج العدد 1 (صفحه 255)


إذا وصفها وأثني عليها(18).

قوله تعالي : {رسولا منهم} لا يوجد خلاف علي أن الرسول المشار إليه في الآية هو خاتم الأنبياء ، وبذلك تكون الآية قرينة، علي أن المراد بالأمة المسلمة، التي طلبها إبراهيم وإسماعيل من الله تعالي، هي أمة ذات صلة مباشرة بخاتم الأنبياء، حيث يبعث فيهم لتعليمهم الكتاب والحكمة ولإعلان طهارتهم .

قوله تعالي : {ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم} .

أقول: قدم التعليم علي التزكية لكونهم مسلمين طاهرين طهارة الإِسلام، التي يتوقف عليها تعليم الكتاب والحكمة، أما في قوله تعالي : {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين } 2/62، وقوله تعالي : {لقد من الله علي المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين } 164/3 فإنه قدم التزكية علي التعليم لأن هؤلاء اْلأُميين المذكورين في الآية الأولي مُشركون . وكذلك المؤمنون المذكورون في الآية الثانية كانوا من قبل في ضلال مبين وهو الشرك أيضاً، والمشركون نجس ولا تزول نجاستهم إلا بالإِسلام الاصطلاحي .

قوله تعالي : {في الأميين} نسبة إلي أم القري وهي مكة .

وقوله تعالي : {رسولا منهم} أي من أهل مكة .

وأهل مكة هم ذرية إسماعيل وهم قسمان :

الأول: اْلأُمة المسلمة التي اجتنبت عبادة الأصنام، ومن هؤلاء آباء النبي (صلّي الله عليه وآله وسلم) الذين أشار إليهم قوله تعالي : {الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين} 218 ـ 219/26(19)

الثاني : ذرية إبراهيم التي سفهت نفسها وانحرفت .

إنّ العلاقة التي ترسمها الآية بين الأمة المسلمة والنبي المبعوث فيها، هي

مجلة ميقات الحج العدد 1 (صفحه 256)


علاقة تلاوة آيات الله عليهم، أي إنذارهم، ثم تعليمهم الكتاب والحكمة ثم إعلان طهارتهم، ومدحهم والثناء عليهم، وإخراجهم للناس ليكونوا شهداءه وقد أثني الله تعالي علي هذه الأمة بقوله : {كنتم خير أمة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله . . .} 110/3.

الآية الثانية:

قال تعالي :

{يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون . وجاهدوا في الله حقّ جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدّين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبلُ وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء علي الناس فأقيموا الصلاة واتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولي ونعم النصير} 77 ـ 78/22.

قوله تعالي : {هو اجتباكم} أي هو اصطفاكم كما في قوله تعالي : {وكذلك يجتبيك ربك} أي وكذلك يصطفيك ويختارك . وفي الحديث أنه اجتباه لنفسه أي اختاره واصطفاه وهو مشتق من جبيت الشيء إذا خلصته لنفسك(20).

قوله تعالي : {وما جعل عليكم في الدين من حرج} أقول: الدين هنا بمعني الطاعة .

والحرج : قال ابن الأثير: الحرج في الأصل الضيق و يقع علي الاثم والحرام(21) أي ما جعل في طاعتكم له ضيقا مهما كان أمره، حتي لو أمركم بذبح أنفسكم، أي شرح صدركم للطاعة التامة، كما في قوله تعالي : {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصّعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس علي الذين لا يؤمنون} 125/6.

قوله تعالي : {ملة أبيكم إبراهيم} أي دين أبيكم وطاعته حيث لم يكن منه ضيق وحرج حتي عندما أمرناه بذبح ولده اسماعيل اختباراً، والآية تشير إلي

مجلة ميقات الحج العدد 1 (صفحه 257)


تسمية هذه اْلأُمة المسلمة والنبي والمبعوث فيها من ذرية إسماعيل بـ (بني إبراهيم) و (آل إبراهيم) .

قوله تعالي : {هو سماكم المسلمين من قبل} .

ذكر المفسرون في مرجع الضمير (هو) إحتمالين : الأول الله تعالي، الثاني إبراهيم .

وقد رجع أغلبهم الاحتمال الأول، وذلك لأنهم حملوا المخاطب في قوله : {يا أيها الذين آمنوا} في صدر الآية علي عموم المؤمنين ، سواء كانوا من ذرية إبراهيم أو لم يكونوا، ومعه اضطروا إلي أن يقدموا تعليلا لوصف إبراهيم بأنه (أبّ للمسلمين) أي لكل المسلمين بالمعني الاصطلاحي للإسلام .

قال العلاّمة الطباطبائي (ره): وإنما سمي إبراهيم أبا للمسلمين لأنه أوّل أسلم(22).

قلت: ويرد علي هذا التعليل، أن نوحاً أمره الله تعالي بالإسلام قبل إبراهيم قال تعالي حاكيا عنه: {وأُمرت أن أكون من المسلمين} 72/10. وأخبر عن إبراهيم أنه من شيعة نوح كما في قوله: {وإنّ من شيعته لإبراهيم} 83/الصافات، أي أن إبراهيم كان من ذرية نوح التي سارت علي ملته وطريقته وهي الإِسلام، وقال عن إبراهيم (عليه السلام) : {ومن يرغب عن ملّة إبراهيم الا من سفه نفسه . . . إذ قال له ربُّه أسلم قال أسلمت لرب العالمين} 130 ـ 131/2.

ونحن نرجح الاحتمال الثاني، وهو أن يكون مرجع الضمير إبراهيم فتكون الآية إشارة إلي دعاء إبراهيم المشار إليه في قوله تعالي : {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل . . . ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أُمّة مسلمة لك . . . ربَّنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم . . .} 127 ـ 129/2. والإِسلام في كلا الموردين هو الإِسلام بمعناه اللغوي دون الاصطلاحي، ويحمل المخاطب في قوله: {يا

مجلة ميقات الحج العدد 1 (صفحه 258)


أيها الذين آمنوا} علي إرادة خصوص الذين جعلهم الله شهداء علي الناس من ذرية إبراهيم بعد خاتم الأنبياء، دون كلّ المؤمنين به من ذرية إبراهيم، ولا عموم من أسلم بالمعني الاصطلاحي .

قوله تعالي : {وفي هذا} .

قال اغلب المفسرين : المراد به وفي القرآن ، وذلك إنسجاماً مع إرجاعهم الضمير (هو) إلي الله تعالي . وقد تبين لنا أن الصحيح هو رجوع الضمير إلي إبراهيم، وحينئذ لا وجه للمعني الذي ذكروه .

ونحن نري أن المراد بـ (هذا) هنا معني (ذلك) أي وفي ذلك الدعاء الإِبراهيمي الذي سماكم به مسلمين .

قال الفراء : [(هذا) و (ذلك) يصلحان في كل كلام إذا ذكر، ثم اتبعته بأحدهما بالاخبار عنه ألا تري أنك تقول: قد قدم فلان فيقول السامع: قد بلغنا ذلك، وقد بلغنا هذا الخبر، فصلحت فيه (هذا)؛ لأنه قد قرب من جوابه فصار كالحاضر الذي نشير إليه، وصلحت فيه (ذلك) لانقضائه، والمنقضي كالغائب . وقد قال الله عزّ وجلّ : {وعندهم قاصرات الطرف أتراب} ثم قال: {هذا ما توعدون ليوم الحساب} 52 ـ 53/38 وقال جلّ ذكره : {وجاءت سكرة الموت بالحق} ثم قال: {ذلك ما كنت منه تحيد} 19/50 فلو قيل في مثله من الكلام : في موضع (ذلك) (هذا) أو في موضع (هذا) (ذلك) لكان صوابا](23).

قلت والنكتة واضحة في عدول القرآن عن استعمال (ذلك) في هذا المورد ومجيئه بـ (هذا) بدلا عنه وهي الاشارة إلي تحقق دعاء إبراهيم . وإذاً قوله: {هو سماكم المسلمين من قبل} إشارة إلي دعاء إبراهيم عند رفع القواعد من البيت، لذرية إسماعيل في مكة في المستقبل البعيد جدا، (إذ بين إبراهيم حين دعا وبعثة محمد (صلّي الله عليه وآله وسلّم) ما يقرب من 2500 سنة) وقوله:

مجلة ميقات الحج العدد 1 (صفحه 259)


{وفي هذا} إشاره إلي تحقق الدعاء وظهور النبي وأول الأمة المسلمة . وقوله: {لتكونوا شهداءَ علي الناس ويكون الرسولُ عليكم شهيداً . . .} 143/2 قرينة علي إرادة هذا المعني من المجيء بلفظ (هذا) بدلا من لفظ (ذلك). فقد انتقل الحديث من ذكر دعاء إبراهيم ـ بأن يرزق الله إسماعيل أمة مسلمة، يبعث فيها نبياً يتلو عليهم آياته ـ إلي خطابٍ لهذه الأمة التي أخرجها الله إلي الوجود .

الآية الثالثة :

قال تعالي : {ألم تر إلي الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا . أُنظر كيف يفترون علي الله الكذب وكفي به إثما مبينا. ألم تر إلي الذين أُتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجِبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدي من الذين آمنوا سبيلاً . أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيراً . أم لهم نصيب من الملك فإذاً لا يؤتون الناس نقيراً . أم يحسدون الناس علي ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما. فمنهم مَن آمن به ومنهم مَن صدَّ عنه وكفي بجهنم سعيراً . إنّ الذين كفروا بآياتنا سوف نُصليهم ناراً كلما نضِجت جلودهم بدّلناهم جلوداً غيرها ليذقوا العذاب إنّ الله كان عزيزاً حكيماً. والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا . إنّ الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلي أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إنّ الله نعما يعظكم به إنّ الله كان سميعاً بصيراً . يا أَيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلي الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً . أَلم تر إلي الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أُنزل إليك وما أُنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلي الطاغوت

مجلة ميقات الحج العدد 1 (صفحه 260)


وقد أُمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلّهم ضلالا بعيداً . وإذا قيل لهم تعالوا إلي ما أنزل الله وإلي الرسول رأيت المنافقين يصدّون عنك صدوداً} 49 ـ 61/4.

قوله تعالي : {يزكون أنفسهم} أي يثنون عليها ويصفونها بالفضل علي الناس وهم اليهود والنصاري كما في قوله تعالي : {وقالت اليهود والنصاري نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء . . .} 18/5 وقريش أيضاً وقد كانت تسمي نفسها (آل الله) و (أهل الله)(24).

قوله تعالي : {بل الله يزكي من يشاء} بإجراء آياته الخارقة علي يديه أو بالثناء عليه وتفضيله مباشرة في كتابه أو بواسطة نبيه .

قوله تعالي : {أم يحسدون الناس} الحسد أن تتمني زوال نعمة المحسود إليك، وحَسَدَه يحسِدَه ويحسُدُه حَسَداً إذا تمني أن تتحول إليه نعمته وفضيلته(25).

قوله تعالي : {آل إبراهيم} هم الأمة المسلمة والنبي المبعوث فيهم .

قوله تعالي : {من فضله} الفضل في الآية هو إيتاء الله تعالي آل إبراهيم الكتاب والحكمة والملك العظيم، أي بعثة الرسول إليهم وتعليمهم الكتاب والحكمة؛ ليؤدوا عنه ويكونوا شهداء علي الناس، وفرض ولايتهم وطاعتهم علي الناس، أي جعلهم أئمة عليهم .

قوله تعالي : {فمنهم من آمن به ومنهم من صدّ عنه} أي من الناس المكيين وأهل الكتاب، وغيرهم من آمن بهذا الفضل لآل إبراهيم واتخذهم أئمة هداة، ومنهم من اعرض عنه .

قوله تعالي : {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} أولوا الأمر المقرونة طاعتهم بطاعة الله ورسوله، هم أصحاب الملك العظيم، المذكورون في الآية السابقة، وهم آل إبراهيم الشهداء علي الناس

مجلة ميقات الحج العدد 1 (صفحه 260)


بواسطة الرسول (صلّي الله عليه وآله وسلّم) . فآل إبراهيم صنفان :

الأول: النبي (صلّي الله عليه وآله وسلّم) .

الثاني : شهداؤه علي الناس، وهم أولوا الأمر الذين قرنت طاعتهم بطاعة الله تعالي ورسوله .

ب: من التوراة :

1. اثنا عشر رئيسا من ذرية إسماعيل:

جاء في سفر التكوين 17: 9 ـ 10 (وقال الله لابراهيم . . . يختن منكم كل ذكر) وفي 17: 23 ـ 25 (فاخذ إبراهيم إسماعيل ابنه وجميع ولدان بيته وجميع المبتاعين بفضته . . . وختن لحم غرلتهم في ذلك اليوم عينه كما كلمه الله وكان إبراهيم ابن تسع وتسعين سنة حين ختن وكان إسماعيل ابنه ابن ثلاث عشرة سنة حين ختن) .

وفي 22: 1 ـ 2 (وحدث بعد هذه الأمور أن الله امتحن إبراهيم فقال: خذ ابنك وحيدك الذي تحبه (إسحق)، واذهب إلي أرض المريا واصعده هناك محرقة علي أحد الجبال التي أقول لك) .

وفي 22: 10 ـ 13 (. . . ثم مدّ إبراهيم يده وأخذ السكين لذبح ابنه فناداه ملاك الرب من السماء وقال . . . لا تمد يدك إلي الغلام ولا تفعل شيئاً؛ لاني الان علمت أنك خائف الله فلم تمسك ابنك وحيدك عني، فرفع إبراهيم يمينه ونظر وإذا كبش وراءه ممسكا في الغابة بقرنيه) .

وفي 17: 1 ـ 7 (ولما كان ابرام ابن تسع وتسعين سنة ظهر الرب (ملاك الرب) لابرام وقال له: أنا الله القدير سر امامي وكن كاملا ، فاجعل عهدي، بيني وبينك وبين نسلك من بعدك في أجيالهم، عهداً أبدياً لأكون إلهاً لك ولنسلك من بعدك) .

وفي 17: 18 ـ 21 (وقال إبراهيم لله : ليت إسماعيل يعيش أمامك فقال

مجلة ميقات الحج العدد 1 (صفحه 262)


الله . . . وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه (في نسخة الترجوم) سمعت دعاءك له) ها أنا أباركه وأثمره وأكثره جداً جداً(26) اثني عشر رئيساً يلد واجعله أمةً كبيرة ولكن عهدي أقيمة مع إسحق الذي تلده لك سارة في هذا الوقت في السنة الآتية) .

قوله : (وجميع المبتاعين بفضته) أي المبتاعين بسكته وهم القبائل الذين آمنوا به، ومنهم قبائل جرهم الذين استأذنوا إبراهيم أن يسكنوا بجوار الحرم عندما نبعت زمزم .

قوله : (خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحق) ابنه الوحيد هو إسماعيل حيث إن ولادة إسحق تمت في السنة الثانية من حادثة الابتلاء كما ذكر في الاصحاح 17 نفسه : الفقرة 21 فذكر اسم إسحق هنا بوصفه الذبيح من التحريفات المفضوحة للتوراة وقد تسربت إلي بعض الروايات الإِسلامية التي تذكر أن الذبيح إسحق وليس إسماعيل .

قوله : (ارض المريا) المريا هو جبل المروة .

قوله : (سر أمامي وكن كاملا فاجعل عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك) يقابل قوله تعالي : {إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين} ولكن النص التوراتي جعل العهد في كل نسل إبراهيم وفي نص آخر جعله في كلِّ ذرية إسحق وكلاهما تحريف .

قوله : (أنا أباركه واثمره جدا جدا اثني عشر رئيسا يلد) :

قوله : (جداً جداً) وفي بعض الترجمات (كثيراً جداً) أصله العبري (بماد ماد) وهو تحريف لاسم محمد (صلّي الله عليه وآله وسلّم) وسيأتي الكلام علي ذلك .

(الرئيس) : سيد القوم والجمع رؤساء يقال رئيس مثل قيم بمعني رئيس، ورأس القوم صار رئيسهم ومقدَّمتهم، ورأس عليهم فضلهم، ورأس كل شيء أعلاه، ورأس النهر والوادي أعلاه، وسحابة مرائس ورائس متقدمة

مجلة ميقات الحج العدد 1 (صفحه 263)


السحاب، وفي التهذيب سحابة رائسة وهي التي تقدَّم السحاب وهي الروائس(27).

وجملة (اثني عشر رئيسا يلد) ترجمة للأصل العبري ولفظه (شنيم عسر نسئيم يولد) وعبارة (شنيم عسر) تعني (اثني عشر).

ولفظة (نسئيم) جمع ومفردها (ناسي) وهي بمعني رئيس دولة . ورئيس الجمع الديني، وقائد، وزعيم، وأيضا تأتي بمعني سام، عال، محترم، موقر، عظيم، وأصلها من (ناسي) ( ) بمعني : رفع ومنها (نسّي) بمعني : مرتفع، محترم، موقر.

وفي النسخة الأرامية التي تسمي بـ (ترجوم اونقيلونس) ترجم الأحبار لفظة (نسئيم) إلي (ربربين) وهي جمع ومفردها (ربربا) بمعني رجل عظيم، رئيس، زعيم، من الفعل (ربرب) بمعني رفع، عظم .

ويرادفها أيضاً (ربان) بمعني رئيس، معلم الشريعة (ولقب للعالم) وجمعها (ربانيم) (وتلفظ في العربية ربانيين) والأصل لكليهما معا هو لفظة (راب) ومعناها واحد في العبرية والأرامية وتعني رئيس، عظيم، كبير(28).

وفي النسخة السريانية الغربية (روربنين) بمعني أمراء، اشراف، رؤساء، عظماء(29).

وفي النسخة السريانية الشرقية (ميرا) بمعني أمراء وسادة(30).

وفي الترجوم الفارسي المكتوب بالخط العبري (مهتران) أي رؤساء وقادة(31).

وفي النسخة الفارسية الحديثة بالخط العربي (رئيس) ولكنهم لما ترجموا

مجلة ميقات الحج العدد 1 (صفحه 264)


الفقرة 23: 6 وفيها وصف إبراهيم بأنه (نسئ) جاءوا بلفظة (سرور) أي رئيس، قائد، زعيم، إمام(32).

وفي النسخ العربية التي نقل عنها علماء المسلمين كالشيخ المفيد (تـ 413) وابن كثير(33) (تـ 774) (اثني عشر عظيما) و(العظيم) في العربية الذي له حرمة عند الناس يعظم لها و(عظمات القوم) سادتهم وذو شرفهم(34).

وفي النسخة السبعينية المعروفة بـ (السبتوجنتا) (اثني عشر امة) واللفظ اليوناني (دوديكا اثني) ولفظة اثني جمع ومفردها (ايثنوس) وتعني بالأغريقية(35):

1. جماعة من الناس تعودوا علي الحياة معاً .

2. حشد من الناس، أو الحيوانات، ثم اكتسب اللفظ بعد هو ميروس معني الأمة، الناس، وفي العهد الجديد أراد بـ (الأمم) كل الناس ما عدا اليهود والنصاري .

3. صنف خاص متميز من الناس أو الرجال (طبقة)، (قبيلة، عمارة) .

أقول: والترجمة تحريف لمعني النص الأصلي، إذا كان المراد من (الأمة) القبيلة والعمارة حيث أراد المترجمون منه الاحبار والرهبان تفسير الفقرة موضع البحث (20: 17) بما ورد في سفر التكوين الاصحاح 25: 13 من ذكر أسماء أولاد إسماعيل الاثني عشر وإن كل واحد منهم صار قبيلة تمشيا مع أولاد يعقوب الاثني عشر حيث صار كل واحد منهم عشيرة سميت باسمه .

والذي نحتمله جدا أن لفظة (اثينوس) الإِغريقية أصلها (ادون) العبرية (36) وتعني : السيد، القيم، المولي، الأمر، الزوج والرب(37)، ولذلك تطلق علي الله تعالي وعلي النبي والملك وشيخ القبيلة والزوج والأستاذ .

وفي ضوء ذلك يكون معني العبارة (اثني عشر اثينوس) أي اثني عشر سيدا، قيما، آمرا، فتكون الترجمة عندئذ صحيحة ودقيقة جدا ومتطابقة مع

مجلة ميقات الحج العدد 1 (صفحه 265)


الاستعمال القرآني للفظة (امة) بمعني الإِمام، القيم، في قوله تعالي : {إن إبراهيم كان أُمّةً قانتاً لله . . .} 120/16 أي كان اماماً، قيماً، رئيساً، قانتا لله تعالي كما مرّ بحثه في الفصل الأول تحت لفظة إمام .

وفي النسخ الانجليزية المعاصرة ترجمت عبارة (اثني عشر نسئيم) في بعضها إلي ( TWELVE RULERS ) وتعني (اثني عشر حاكما) ولفظة (رولر) (RULER ) اسم فاعل وأصلها (رول) (RULE ) وتعني القانون والدستور، الحكم والسلطة، المسطرة والمقياس، يوجه، يهدي، يحكم، يأمر(38).

وفي بعضها الآخر ترجمت إلي (TWELVE PRINCES ) أي (اثني عشر ملكا، أميرا)(39).

ولنعد إلي اللفظ العبري (ناسي) فإنها قد وردت في التوراة العبرية وصفا لإِبراهيم كما في سفر التكوين 23: 5 ـ 6 قال له بنوحث لما أراد أن يشتري مقبرة منهم لدفن سارة زوجته قالوا له (اسمعنا يا سيدي أنت رئيس من الله بيننا) في أفضل قبورنا أدفن ميتك واللفظ العبري لما بين القوسين (شماعينو ادوني نسئ ايلوهيم اتا) .

ومن الواضح أن مقام الرئاسة والإِمامة لابراهيم لم يكن له في بداية حياته الرسالية ولا حينما كان في المنفي، بل كان له في أخريات أيامه، والذي يذكره القرآن الكريم لإِبراهيم في أخريات أيامه هو (إمامة الناس) التي جعلها الله له، إذن الفقرة التوراتية (أنت رئيس من الله بيننا) يقابلها في التعبير القرآني {إني جاعلك للناس إماما} .

وفي ضوء ذلك تكون بركة الله لإِسماعيل بـ (اثني عشر رئيسا) يراد بها (اثني عشر رئيسا من الله) أي (اثني عشر إماما هاديا بأمر الله) وذلك لأن صاحب الوعد بهم هو الله تعالي وصاحب الطلب من الله تعالي هو إبراهيم، وإبراهيم لا يري في ولده قرة عين إلا إذا كان مستحقا للإِمامة الهادية التي تتقوم بصفة

ميقات الحج(عربي) » شماره 1 (صفحه 266)


الاسلام بمعناه اللغوي أي التسليم التام لله تعالي كما لا يري لاسماعيل قرة عين من ولده إلاّ إذا كانوا كذلك : {ربّنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما} 74/25.

فالرئاسة لهؤلاء الاثني عشر من ذرية إسماعيل الموعود بهم هي (رئاسة الهية)، أي بعهد منه تعالي لأشخاصهم كما عهد لابراهيم وتعبير (العهد) ورد في القرآن في قوله تعالي : {قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين} وفي التوراة أيضا في قوله (واجعل عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك) ولكن النص القرآني أكثر دقة حيث نصّ علي أن عهد الله تعالي بالإِمامة لا ينال ظالما من ذرية إبراهيم، بينما التعبير التوراتي لم يورد هذا القيد، وجعل العبارة مطلقة، ولكنه في مورد آخر خصصها بذرية إسحق دون إسماعيل حسدا وبغضا للنبي وآله كما أشار قوله تعالي : {أم يحسدون الناس علي ما آتاهم اللهُ من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم مُلكاً عظيماً} 54/4 والملك العظيم هو الإِمامة كما في قوله تعالي : {أَلم تر إلي الملإِ من بني إسرائيل من بعد موسي إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله . . . . وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا . . . ان الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء . . . } 246 ـ 247/2.

2. هل يخلو النصُّ التوراتي من ذكر محمّد (صلّي الله عليه وآله وسلّم) حقّاً ؟

النصّ التوراتي موضوع الدراسة يذكر أنّ الله تعالي بارك إسماعيل وثمّره وكثّره (جدّاً جدّاً اثني عشر رئيساً يلد)، إجابةً لدعاء إبراهيم . ولكنه لم يذكر ما هو دعاء إبراهيم، وقد ذكره القرآن الكريم علي لسان إبراهيم وإسماعيل {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع

مجلة ميقات الحج العدد 1 (صفحه 267)


العليم . ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك . . . . ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم} وفي ضوء ذلك يكون النص التوراتي محرفا باسقاط ذكر النبي (صلّي الله عليه وآله) منه .

وقد ذكر علماء اليهود الذين أسلموا(40) أن لفظة (جداً جداً) وأصلها العبري (بمادماد) تدل علي اسم النبي الآتي من إسماعيل بحساب الجمل، وكلمة (محمد) (صلّي الله عليه وآله وسلّم) بحساب الجمل عددها (92) وكلمة (بمادماد) بحساب الجمل تساوي (92) .

وحساب الجمل هو حساب الاعداد للحروف الهجائية في اللغة العبرانية في هذه الكلمات: (ابجد ـ هوز ـ حطي ـ كلمن ـ سعفص ـ قرشت)، والألف بواحد والباء باثنين والجيم بثلاثة والدال بأربعة والهاء بخمسة والواو بستة والزاي بسبعة والحاء بثمانية والطاء بتسعة والياء بعشرة والكاف بعشرين واللام بثلاثين والميم بأربعين والنون بخمسين والسين بستين والعين بسبعين والفاء بثمانين والصاد بتسعين والقاف بمائة والراء بمائتين والشين بثلاثمائة والتاء بأربعمائة والحروف تنتهي عند التاء(41).

ونقل علي بن عيسي الأربلي(42) أنه حكي له بعض اليهود أن (بمادماد) معناه بـ (محمد) .

أقول وفي العبرية يوجد (ماحماد) و(ماحمود)(43) كصيغتين لاسم الفاعل واسم المفعول للفعل (حمد) ومعناهما (المرغوب فيه جدا، المحبوب، الحبيب، . . .)(44).

وفي ضوئه تكون الكلمة الأصلية في النص هي (بماحماد) أو (بماحمود) ولا تحتاج لتحريفها إلي (بمادماد) أكثر من إسقاط الجناح الأيسر لحرف الحاء العبري

مجلة ميقات الحج العدد 1 (صفحه 268)


( P ) ليكون حرف الدال العبري (G ) .

جاي اسكن تصوير

وفي ضوئه أيضاً يكون النص الأصلي هو:

(أما إسماعيل فقد (أجبت دعاءك له)(45)ها أنا أباركه وأثمره وأكثره بـ (محمد واثني عشر إماما سيولدون له) .

3. خطأ اليهود في تفسير النص :

فسرّ علماء اليهود(46) وتابعهم علماء النصاري علي ذلك / الفقرة 20: 17 بالفقرات 12 ـ 16: 25 وهي سفر التكوين وهي (وهذه هي أسماء بني

مجلة ميقات الحج العدد 1 (صفحه 269)


إسماعيل حسب مواليدهم نبايوت بكر إسماعيل وقيدار وأدبيل ومبسام ومشماع أسماؤهم بديارهم وحصونهم، اثنا عشر رئيسا حسب قبائلهم) (47).

ولكن واقع حال القبائل الإِسماعيلية قبل بعثة النبي لا يوجد فيه ما يشعر بأنهم كانوا بركة إسماعيل، وهي بركة عظيمة جدا كما ذكرها النصّ (أما إسماعيل . . . فها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرا جدا اثني عشر رئيسا يلد واجعله أمة كبيرة) ولم يرد هذا الوصف لاسحق، نعم ورد لإِبراهيم (عليه السلام) وأكثرك كثيراً جداً) 17: 2 (وأكثرك كثيراً جداً واجعلك أمما. وملوك منك يخرجون) 17: 6 ثم حرفوا النص بقولهم : ان هذا العهد والبركة جعلها الله في إسحق، وكانت بركة إسحق أَن جعل الله في ذريته أنبياء وأئمة هدي، فلا بد من أن تكون بركة إسماعيل العظيمة كذلك، مضافاً إلي كونها الأصل المرهوب لإِبراهيم وبركة وإسحق ويعقوب نافلة .

4. حديث النبي (صلّي الله عليه وآله وسلّم) : الأئمة من بعدي اثنا عشر:

رأينا فيما مضي أن نسخ التوراة كلها العبرية والسامرية والأرامية، والسريانية الغربية، والسريانية الشرقية واليونانية، والأرامية الفارسية والفارسية الحديثة، والعربية والانجليزية، ذكرت العدد (اثني عشر رئيساً) في بركة الله لإِسماعيل . ولكن القرآن لم يذكر العدد نعم ذكره النبي (صلّي الله عليه وآله وسلّم) في حديثه الذي روته كتب الحديث لدي السنة والشيعة .

جاء في صحيح البخاري(48) عن جابر بن سمرة أن النبي (صلّي الله عليه وآله وسلّم) قال لا يزال الدين قائما حتي تقوم الساعة أو يكون عليكم (إثنا عشر أميراً كلهم من قريش) وفي رواية مسلم في صحيحة(49)(اثنا عشر خليفة).

وفي رواية فتح الباري (لا تضرهم عداوة من عاداهم) .

مجلة ميقات الحج العدد 1 (صفحه 270)


وفي رواية كنز العمال (يكون لهذه الأمة اثنا عشر قيماً لا يضرهم من خذلهم كلّهم من قريش) .

وقد اتّفقت الروايات علي ذكر عبارة (كلهم من قريش) و (قريش) هو لقب لأحد أجداد النبي (صلّي الله عليه وآله وسلّم) وهو فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان من ذرية إسماعيل بن إبراهيم، وقد اتفقت علي هذا النسب لفهر كل كتب الانساب ولم يخالف أحد في ذلك(50).

وقد حار علماء السنة في بيان المقصود من الاثني عشر في الروايات التي رووها وسلموا بها، فذكروا الخلفاء الأربعة وعدداً من خلفاء بني أمية وعدداً من خلفاء بني العباس(51).

أما الإِمام علي (عليه السلام) فقد بين أن الائمة من قريش قد غرسوا في (هاشم) وهاشم هو ابن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر وهو قريش قال (عليه السلام) :

(إن الائمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم)(52).

وسيأتي البحث لاثبات ذلك من القرآن الكريم أيضا إن شاء الله .

5. نتيجة البحث :

والذي نخلص إليه من البحث هو أن قوله تعالي : {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك . . . ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم} يقابله في التوراة الفقرة (20) من الاصحاح (17) من سفر التكوين وهي بعد تصحيح النص (أما إسماعيل فقد أجبت دعاءك له ها أنا أُباركه وأكثره بـ محمد واثني عشر إماما، سيولدون له).

مجلة ميقات الحج العدد 1 (صفحه 271)


وان هذه الأمة المسلمة من ذرية إسماعيل والنبي المبعوث فيها ومنها قد أورثهم الله إمامة إبرهيم في صلب أبيهم إسماعيل وذلك قبل أن يولد إسحق .يعقوب ويبشر بهما وبالأئمة والأنبياء من ذرية يعقوب .

وإن هؤلاء الاثني عشر إماما من ذرية إسماعيل هم من قريش (فهر) ثم من هاشم .

وإنهم يكونون بعد النبي (صلّي الله عليه وآله وسلّم) كما ثبتت الرواية عنه (صلّي الله عليه وآله وسلّم) ان الائمة من بعده اثنا عشر لاا تضرهم عداوة من عاداهم .

وان هؤلاء الاثني عشر شهداؤه علي الناس يؤدون عنه ما حملهم إياه من علوم الكتاب والسنة بعهد الهي خاص وسيأتي تفصيل ذلك من القرآن الكريم إن شاء الله .

مجلة ميقات الحج العدد 1 (صفحه 272)


مصادر البحث :

1. القرآن الكريم .

2. الكتاب المقدس باللغة العربية .

3. الكتاب المقدس باللغة العبرية .

4. الترجمة الأرامية لأسفار التوراة المعروفة بترجوم اونقيلوس .

5. الترجمة اليونانية لأسفار التوراة المعروفة بـ (السبتوجنتا) .

6. الترجوم الفارسي .

7. التوراة السامرية، أحمد حجازي، السقا.

8. الترجمة الفارسية الحديثة للكتاب المقدس .

9. الكتاب المقدس باللغة السريانية الغربية .

10. الكتاب المقدس باللغة السريانية الشرقية .

11. الكتاب المقدس الترجمة الانجليزية اليهودية .

12. الكتاب المقدس الترجمة الانجليزية النصرانية .

13. لسان العرب، ابن منظور .

14. قاموس قوجمان عبري عربي .

15. قاموس جزينوس عبري انجليزي :

A HBREW AND ENGISH

LEXICON OF THE OLD

TETSAMENT.

W . GESENIUS

16. معجم جاسترو لألفاظ الترجوم :

HBREW ARAMAIC NEGLISH

DICTIONARY

JASTROW

مجلة ميقات الحج العدد 1 (صفحه 273)


17. القاموس الآشوري (بابلي واكدي) انجليزي :

THE ASSYRIAN DICTIONARY

VOL . 11

18. القاموس اليوناني انجليزي :

GREEK DICTIONARY

SIDDELL AND SCOTT”S

19. قاموس السريانية الغربية .

20. قاموس السريانية الشرقية .

21. معجم اللغة الفارسية .

22. القاموس الهيروغليفي هيروغليفي انجليزي .

THE EGYPTIAN HIEROGL YPHIC

DICTIONARY . BUDGE

23. معجم العلامات الآشورية ـ البابلية :

ASSYRISCH – BABYLINISCHE

ZEICHENLIST , RYKLE BORGER

24. دروس في اللغة العبرية، ربحي كمال .

25. المورد قاموس انجليزي عربي .

26. تاريخ اللغات السامية، أ . ولفنسون .

27. نبوة محمد في الكتاب المقدس، عبد الأحد داود ترجمة فهمي شمّا .

28. المسائل السروية، الشيخ المفيد .

29. البداية والنهاية، ابن كثير .

30. نبوءة محمد في الكتاب المقدس، السقا .

31. أنيس الأعلام في نصرة الاسلام .

32. منقول الرضائي .

مجلة ميقات الحج العدد 1 (صفحه 274)


33. شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد .

34. الاستيعاب، ابن عبد البر القرطبي .

35. سيرة ابن إسحق تحقيق سهيل زكار .

36. سيرة ابن هشام تحقيق الابياري والسقا .

37. كشف الحق للشيخ رحمة الله الكيرانوي .

38. الميزان في تفسير القرآن .

39. الدر المنثور للسيوطي .

40. صحيح البخاري .

41. أعلام الوري بأعلام الهدي للطبرسي .

42. صحيح مسلم .

43. معالم المدرستين للعسكري .

44. معاني القرآن للفراء .

نهاية المقال

الزيارات : 433

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *