محتويات ـ الحلقة الأولى
«صفحة 53»
الحلقة الاولى ـ الرد على الشبهات التى اثارها احمد الكاتب حول العقيدة الاثني عشرية
«صفحة 54»
«صفحة 55»
مقدمة الطبعة الثانية للحلقة الأولى
صدرت الطبعة الاولى من هذا الكتاب في شهر ربيع الاول سنة (1417هـ) وتلقتها الاوساط العلمية والثقافية بإستحسان ورضا تجاوز ظني وكانت قد انطوت على اخطاء طباعية استدركتها في هذه الطبعة مع إضافات وإعادة صياغة بعض المطالب، ثم رأيت ان أضيف إلى بحوث الكتاب ملحقاً بترجمة عدد من الاعلام الذين ورد ذكرهم بأمل استيفائهم في المستقبل ان شاء الله.
المؤلف
جمادى الاولى 1417
«صفحة 56»
«صفحة 57»
المقدمة
هذه أوراق متواضعة تكفلت الرد على بعض الشبهات التي وجهت ضد الاسلام والتشيع.
وقصة إثارة الشبهات أمام التشيع بمفهومه الخاص(1) قديمة وهي لا تنقطع إلا بظهور المهدي محمد بن الحسن العسكري (عجل الله فرجه) مؤيَّداً بالبراهين الالهية ومصدِّقا لحركة آبائه (عليهم السلام) وشيعتهموهي في ذلك نظير قصة إثارة الشبهات أمام رسالة محمد (صلى الله عليه وآله) من قبل أهل الكتاب التي لا تنتهي إلا بظهور عيسى بن مريم (عليه السلام) مؤيداً بالبراهين الالهية ومصدِّقاً برسالة محمد (صلى الله عليه وآله) ومتعبداً بشريعته.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) ويتمثل هذا المفهوم بالاعتقاد باثني عشر حجة معصوما بعد النبي لهم منزلته في كل شىء إلا النبوة والازواج مع إلحاق الزهراء (عليها السلام) بهم في هذه المنزلة دون خصوصية الحكم، والاعتقاد بان المهدي المنتظر الذي بشَّر به النبي (صلى الله عليه وآله) هو محمد بن الحسن العسكري (عليه السلام) المولود سنة (255 هـ) وانه قد غاب بأمر الله تعالى غيبتين إحداهما صغرى كان له فيها نواب أربعة يعرف خبره وأمره بواسطتهم، توفي آخرهم سنة 329 هـ وبوفاته بدأت الغيبة الكبرى وانقطع خبره فيها، وقد أمر شيعته بالرجوع في عصر الغيبة الكبرى إلى رواة الاحاديث الفقهاء العدول حيث روي عنه (عليه السلام) انه قال «أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا فانهم حجتي عليكم وأنا حجة الله» وأمرهم أيضاً كما أمرهم آباؤه من قبل بانتظار الفرج بظهوره في آخر الزمان وإلى جانبه عيسى (عليه السلام) ليحقق الله بهما وعلى أيديهما أروع عهد ينتظره المؤمنون. (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الاَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ الصَّالِحُونَ) الانبياء/105 (وَإِن مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَ يَوْمَ القِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا) النساء/159. ويستلزم هذا المفهوم تولي هؤلاء الحجج والبراءة من أعدائهم وبخاصة الذين ناصبوهم العداوة ودفعوهم عن مقامهم ومنزلتهم التي أنزلهم الله ورسوله، بها وفي قبال هذا المفهوم الخاص للتشيع هناك مفهوم عام تبناه أهل السنة وأرادوا به تفضيل علي (عليه السلام) على عثمان، أو تفضيل علي (عليه السلام) على أبي بكر وعمر وقد وصفوا هذا التشيع بالبدعة الصغرى وسموا النوع الثاني منه بالتشيع الغالي، أما المفهوم الخاص فقد سموه بـ(الرفض) والبدعة الكبرى وسموا أصحابه بالرافضة وأسقطوا الاحتجاج برواياتهم بدعوى ان الرافضة يحُطّون من منزلة أبي بكر وعمر (أي يصغِّرون من منزلتهم. (انظر ميزان الاعتدال للذهبي ترجمة ابان ابن تغلب ومقدمة تهذيب التهذيب لابن حجر) .
«صفحة 58»
وكما لم يؤمن أكثر أهل الكتاب برسالة الاسلام على الرغم من وضوح دلائل صدقها، وراحوا يثيرون الشبهة تلو الشبهة على مر القرون وقابلهم علماء المسلمين بالرد على شبهاتهم إتماماً للحجة وإزاحةً للعقبة من طريق الحق ﴿لِّيَهْلِك مَنْ هَلَك عَن بَيِّنَة وَ يَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَة﴾ الانفال/42.
كذلك لم يتشيع أكثر المسلمين لاهل البيت (عليهم السلام) ولم يقفوا عليهم في الحلال والحرام على الرغم من تواتر حديث الغدير وحديث الثقلين وحديث المهدي (عليه السلام) وصحة حديث «الائمة من بعدي اثنا عشر» وغيرها. وراحوا يثيرون الشبهة تلو الاخرى تارة بتضعيف سند الحديث وأخرى بتحريف دلالته وثالثة بدفع واقعه التطبيقي، وقد قابلهم علماء الشيعة بالرد على شبهاتهم إتماماً للحجة وإزاحة للعقبة من طريق الحق ﴿لِّيَهْلِك مَنْ هَلَك عَن بَيِّنَة وَ يَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَة﴾ الانفال/42.
وعلى الرغم من دور الشبهة السلبي في تطويق انتشار الحق ومحاصرة أهله / وهو الهدف من إثارتها / فإن للشبهة دوراً إيجابياً في تحريك أهل الحق وبعث هممهم للبحث و التنقيب ومن ثم إغناء الساحة الفكرية بما يزيد الحقيقة جلاءً ووضوحاً وهو هدف غير مقصود من قبل أصحاب الشبهة.
فهل ينسى دور شبهات المبشرين في بعث همة العالم السني محمد رحمة الله العثماني(1) ليؤلف كتابه (إظهار الحق).
أو ينسى دور شبهاتهم وردودهم في كتابهم (الهداية) على كتابه (إظهار الحق) في بعث همة العالم الشيعي محمد جواد البلاغي ليؤلف (الهدى إلى دين المصطفى) و (الرحلة المدرسية).
أو ينسى دور شبهات الزيدية في فترة الغيبة الصغرى في بعث همة الشيخ النعماني (ت362هـ) ليؤلف كتاب (الغيبة) أو الشيخ محمد بن علي بن بابويه (ت381هـ) ليؤلف
ـــــــــــــــــــــــ
(1) وقد ألف كتابه بعد المحاورة بينه وبين أحد المبشرين النصارى في الهند ويدعى (فاندر) سنة (1270 هـ – 1854 م) . والكتاب من غرر الكتب في بابه مطبوع في مجلدين ثم ألف جماعة من المبشرين كتاب (الهداية) رداً عليه وقد طبع كتاب (الهداية) في مصر سنة 1899م، ثم كتب العلامة البلاغي رحمه الله (ت 1933م) (الهدى إلى دين المصطفى) في مجلدين و(الرحلة المدرسية) في مجلد واحد رداً على كتاب الهداية.
«صفحة 59»
كتابه (إكمال الدين).
أو ينسى دور شبهات كتاب (المغني) (1) للقاضي عبد الجبار في بعث همة السيد المرتضى (ت436هـ) ليؤلف كتابه (الشافي في الامامة) (2).
أو ينسى دور شبهات كتاب (التحفة الاثنا عشرية) تأليف شاه عبد العزيز الدهلوي الهندي(3) في بعث همة السيد مير حامد حسين الهندي (ت1306هـ) ليؤلف كتابه (عبقات الانوار) (4).
أو ينسى دور شبهات حاول أصحابها ربط ظهور التشيع بمفهومه الخاص بعبد الله بن سبأ في بعث همة العلامة الاميني ليؤلف موسوعته (الغدير) وفي بعث همة العلامة العسكري ليؤلف كتاب (خمسون ومأة صحابي مختلق) وكتاب (رواة مختلقون) وكتاب (عبد الله بن سبأ) (5).
وهكذا فان فرائد الكتب والدراسات في حقل النبوة والامامة والسيرة والتاريخ إنما هي نتائج البحث في رد الشبهات.
ولا أزعم أنني في هذه الاوراق سوف أقدم نظير ما قدمه أولئك الفطاحل ولكني أحاول ان أيسر للباحث عن الحقيقة بعض ما قدموه بشكل مختصر وبخاصة وان الشبهات هي الشبهات وان كتّابها ومثيريها يأخذ بعضهم من بعض في أغلب الاحيان.
اخترت قارئي الكريم للحلقات الاولى من أوراق الرد هذه شبهات وشكوكاً أثارها احمد الكاتب حول الشيعة والتشيع في نشرته (الشورى) (6) وكتبه الثلاثة المتداولة
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الجزء المتم للعشرين خاص بالامامة للرد على الشيعة.
(2) وهو مطبوع في أربعة أجزاء حققه العلامة عبد الزهراء الحسيني الخطيب.
(3) وهو مطبوع في أربعة أجزاء حققه العلامة عبد الزهراء الحسيني الخطيب.
(4) قال العلامة السيد محسن الامين (رح) في أعيان الشيعة ج18/371 (عبقات الانوار في إمامة الائمة الاطهار بالفارسية لم يكتب مثله في السَّلَف والخَلَف) وقد طبعت عدة من أجزائه، وجاء حديث الثقلين وحده في ستة مجلدات وقد عرّبه واختصره العلامة السيد علي الميلاني فكان حديث الثقلين في مجلدين، وحديث الغدير في أربعة مجلدات وقد بلغ المختصر المعرَّب من عبقات الانوار اثني عشر مجلداً ولمّا يكمل بعد.
(5) لا زال كتاب رواة مختلقون والجزء الثالث من عبد الله بن سبأ والجزء الثالث من خمسون ومائة صحابي مختلق لما تعد للطبع بعد لانشغال المؤلف – أمد الله في عمره – بغيرها.
(6) صدر منها لحد صدور الطبعة الاولى من هذا الكتاب أحد عشر عدداً.
«صفحة 60»
بالدسك الكومبيوتري. فقد انكر ولادة المهدي محمد بن الحسن العسكري (عليهما السلام) وغيبتة وجعل القول بذلك من ابتكار النواب الاربعة، ونفى أيضاً صحة الاحاديث النبوية في الائمة الاثني عشر الواردة عند الشيعة والسنة وادعى ان العقيدة باثني عشر إماماً لم يكن لها أثر في القرن الثالث الهجري وانها كانت وليدة القرن الرابع الهجري هذا مضافاً إلى نفيه القول بأصل الوصية والنص على الائمة المعصومين بعد النبي وربط ذلك بعبد الله بن سبأ.
وهذه الشبهات وغيرها وان كانت تكراراً لشبهات الزيدية والمعتزلة وأهل التسنن وقد كتب علماؤنا في الرد عليها آلاف الصفحات ومئات الكتب غير أني كما قلت آنفاً أحاول في هذه الاوراق ان اختصر الرد وأيسره لطلاب الحقيقة وبخاصة وان كثيراً منهم لا يتسع وقته لمراجعة مطولات الكتب ولا مختصراتها.
وقد كرست فاتحة هذه الحلقات لتسع شبهات مما أثاره حول العقيدة الاثني عشرية لنكات لا تخفى على القارىء اللبيب أرجو ان لا يذهب وقته معها سدىً وان يغتفر لي نواقصها والله ولي التوفيق.
سامي البدري
قم المشرفة
17 ربيع الاول 1417هجري
«صفحة 61»
الحلقة الأولى
الفصل الأول ـ متى عرف الشيعة العقيدة الاثني عشرية؟
قوله: ان تحديد الأئمة: باثني عشر لم يكن له أثر عند الشيعة في القرن الثالث الهجري إذ لم يشر إليه النوبختي في كتابه فرق الشيعة ولا علي بن بابويه في كتابه الإمامة والتبصرة من الحيرة!
أقول: بل أشار إلى ذلك علي بن بابويه في مقدمة كتابه الإمامة والتبصرة وأشار إلى ذلك أيضا إبراهيم بن نوبخت في كتابه ياقوت الكلام وهو معاصر للنوبخـتي، وفي ضوء ذلك فان العقيدة الاثني عشرية كانت معروفة في القرن الثالث الهجري بل قبل ذلك
«صفحة 62»
«صفحة 63»
نص الشبهة
قال: وهذا (أي الاستدلال بحديث الاثني عشر إماماً) دليل متأخر. . بدأ المتكلمون يستخدمونه بعد اكثر من نصف قرن من الحيرة، أي في القرن الرابع الهجري، ولم يكن له أثر في القرن الثالث عند الشيعة الامامية حيث لم يشر إليه الشيخ علي بن بابويه الصدوق في كتابه (الامامة والتبصرة من الحيرة) كما لم يشر إليه النوبختي في كتابه (فرق الشيعة) ولا سعد بن عبد الله الاشعري في (المقالات والفرق).
من هنا لم يكن الاماميون يقولون بالعدد المحدود في الائمة، ولم يكن حتى الذين قالوا بوجود (الامام محمد بن الحسن العسكري) يعتقدون في البداية انه خاتم الائمة، وهذا هو النوبختي يقول في كتابه (فرق الشيعة): (ان الامامة ستستمر في أعقاب الامام الثاني عشر إلى يوم القيامة) (انظر: المصدر: الفرقة التي قالت بوجود ولد للعسكري). ونقل الكفعمي في (المصباح) عن الامام الرضا (عليه السلام) الدعاء التالي حول (صاحب الزمان): (. . اللهم صل على ولاة عهده والائمة من بعده) (القمي: مفاتيح الجنان ص 542) (1).
الرد على الشبهة
أقول: في كلامه الانف الذكر عدة مواضع للتعليق:
أولا:
قوله: (ان علي بن بابويه الصدوق (ت329هـ) لم يشر إلى دليل الاثني عشرية في كتابه الامامة والتبصرة،).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الشورى العدد العاشر ص10-12.
«صفحة 64»
غير صحيح. .
إذ ان علي بن بابويه أشار إلى دليل الاثني عشرية في مقدمة كتابه وهي الطبعة التي نقل منها صاحب النشرة بعض النصوص فهو إما لم يقرأها أو تغافل عنها وأحال القارىء إلى متن الكتاب وهو ناقص إذ المخطوطة التي عثر عليها ثم طبعت كانت قد انتهت أحاديثها إلى إمامة الرضا (عليه السلام). وقد حاول محقق الكتاب إكمالها ببعض الروايات من كتب الصدوق بروايته عن أبيه وإلى القارىء الكريم نص كلام علي بن بابويه في مقدمة كتابه.
قال (رحمه الله): ولو كان أمرهم (أي الائمة (عليهم السلام) مهملاً عن العدد وغفلاً لما وردت الاخبار الوافرة بأخذ الله ميثاقهم على الانبياء وسالف الصالحين من الامة. ويدلك على ذلك قول أبي عبد الله عليه السلام حين سئل عن نوح عليه السلام لما ذكر (استوت سفينته على الجودي بهم): هل عرف نوح عددهم فقال: نعم وآدم (عليه السلام).
وكيف يختلف عدد يعرفه أبو البشر ومن درج من عترته والانبياء من عقبه… وأي تأويل يدخل على حديث اللوح وحديث الصحيفة المختومة والخبر الوارد عن جابر في صحيفة فاطمة عليها السلام(1).
فقوله (رحمه الله) «ولو كان أمرهم مهملاً عن العدد يردُّ فيه على الزيدية الذين قالوا ان حديث الاثني عشر موضوع وان عدد الائمة لا حصر له».
واستدلاله (رحمه الله) بحديث اللوح(2) وحديث الصحيفة المختومة والخبر الوارد عن جابر في صحيفة فاطمة (عليها السلام) يؤكد اعتقاده بصحتها وانه أوردها في متن كتابه وان خلت منها النسخة المطبوعة بسبب نقص المخطوطة التي عُثِرَ عليها.
ثانيا:
لقد أشار إلى العقيدة الاثني عشرية أيضاً إبراهيم بن نوبخت (ت 320هـ) في كتابه (ياقوت الكلام) وهو اقدم كتاب كلامي عند الشيعة ومؤلفه من أعلام القرن الثالث
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الامامة والتبصرة ص 11-12.
(2) سيأتي نصه في الفصل الثامن.
«صفحة 65»
الهجري وهو معاصر لعلي بن بابويه وقد تلقاه الشيعة عنه بالقبول جيلاً بعد جيل حتى وصل إلى العلامة الحلي فافرد كتاباً في شرحه سماه أنوار الملكوت في شرح الياقوت وإلى القارىء الكريم نص كلام صاحب ياقوت الكلام وشرح العلامة الحلي له.
قال إبراهيم بن نوبخت: «القول في إمامة الاحد عشر بعده (اي بعد علي (عليه السلام) نَقْلُ أصحابنا متواتراً النص عليهم بأسمائهم من الرسول (صلى الله عليه وآله) يدل على إمامتهم، وكذلك نقل النص من إمام على إمام وكتب الانبياء سالفاً يدل عليهم وخصوصاً خبر مسروق يعترفون به».
وقال العلامة الحلي في شرح هذا الكلام:
«أما إمامة باقي الائمة (عليهم السلام) فهي ظاهرة بعد إمامة علي (عليه السلام) وذلك من وجوه:
أحدها: النص المتواتر عن النبي (صلى الله عليه وآله) على تعيينهم، ونصبهم أئمة، فقد نقل الشيعة بالتواتر ان النبي (صلى الله عليه وآله) قال: للحسين (عليه السلام) هذا ابني إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة تسعة، تاسعهم قائمهم، وغير ذلك من الاخبار المتواترة.
الثاني: ما نُقِل من النص على إمام من إمام يسبِقُه بالتواتر من الشيعة.
الثالث: ان اساميهم والنص على إمامتهم موجودة في كتب الانبياء السالفة كالتوراة والانجيل.
الرابع: ان أخبار الخصوم مشهورة في النص عليهم من النبي (صلى الله عليه وآله) لخبر مسروق عن عبد الله بن مسعود انه قال… عهد إلينا نبينا (صلى الله عليه وآله) ان يكون بعده اثنا عشر خليفة عدد نقباء بني إسرائيل وكذا ما نقل عن غيره»(1)(2).
ثالثا:
ان مؤلِّفَيْ كتاب الفرق وكتاب المقالات على فرض تعددهما(3) كانا بصدد جمع
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سيأتي نصه في الفصل الثامن.
(2) انوار الملكوت ص229.
(3) هناك جدل حول تعدد الكتابين ويرى أكثر من باحث أنهما كتاب واحد فقد ذهب العلامة الشيخ فضل الله الزنجاني إلى ان الكتاب للنوبختي ويرى الاستاذ عباس إقبال الاشتياني انه تأليف سعد بن عبد الله الاشعري المعاصر للنوبختي وذلك قبل العثور على كتاب المقالات والفرق للاشعري الذي نشره الدكتور جواد مشكور وبعد ان انتشر الكتابان كتب السيد محمد رضا الحسيني مقالا نشره في مجلة تراثنا العدد الاول السنة الاولى 1405 ص 29-51 يؤيد فيه رأي الاشتياني وذهب إلى ان كتاب فرق الشيعة المطبوع باسم النوبختي هونسخة مختصرة من كتاب المقالات والفرق للاشعري. أقول ان كون الكتابين كتابا واحدا أمر لا ينبغي التردد فيه وإنما الكلام حول مؤلفه هل هوالنوبختي أم الاشعري أو شخص آخر.
«صفحة 66»
الاقاويل في الفرق وما ينسب إليها ولم يكونا بصدد المناقشة والاستدلال ومن هنا لا ينبغي عد الكتابين مرآة تعكس الفكر الاستدلالي عند الفرق المذكورة وبالتالي فعدم ورود حديث الاثني عشر فيهما لا يعني شيئاً في قبال وروده في كتاب ياقوت الكلام وكتاب الامامة والتبصرة المعاصرين لهما المعدين للاستدلال على العقيدة الاثني عشرية.
رابعا:
أما ما ينسبه صاحب النشرة إلى النوبختي في فرق الشيعة من انه يقول باستمرار الامامة في أعقاب الامام الثاني عشر إلى يوم القيامة.
فهو محض ادعاء. .
وهو مبني على التوهم في فهم عبارة النوبختي، ونصها: «وقالت الفرقة الثانية عشرة وهم (الامامية) لله عز وجل في الارض حجة من ولد الحسن بن علي وأمر الله بالغ وهو وصي أبيه على المنهاج الاول والسنن الماضية ولا تكون الامامة في أخوين بعد الحسن والحسين (عليهما السلام) ولا يجوز ذلك ولا تكون إلا في عقب الحسن بن علي إلى ان ينقضي الخلق متصلاً ذلك ما اتصلت أمور الله تعالى».
وقد وضح النوبختي نفسه ما يريد حين قال بعد ذلك: «فنحن مستسلمون بالماضي وإمامته مقرون بوفاته معترفون بان له خلفاً قائماً من صلبه وان خلفه هو الامام من بعده حتى يظهر ويعلن امره كما ظهر وعلن أمر من مضى قبله من آبائه ويأذن الله في ذلك »، وفي لفظ الكتاب المنسوب لسعد بن عبد الله الاشعري: «فنحن متمسكون بإمامة الحسن بن علي مقرون بوفاته مؤمنون بان له خلفاً من صلبه متدينون بذلك وانه الامام من بعد أبيه الحسن بن علي وانه في هذه الحالة مستتر خائف مغمور مأمور بذلك حتى يأذن الله عز وجل له فيظهر ويعلن امره… وقوله بعد ذلك وقد
«صفحة 67»
رويت الاخبار الكثيرة الصحيحة ان القائم تخفى على الناس ولادته ويخمل ذكره»…
ولو فرض صحة قول صاحب النشرة ان يكون للنوبختي صاحب كتاب فرق الشيعة مثل ذلك الرأي الذي افتراه عليه لعُرِف عنه وسُجِّل عليه من قبل علماء الشيعة كالشيخ الصدوق والشيخ المفيد وهما قريبان من عصر النوبختي وكلاهما كان قد تصدى للشبهات التي أثيرت على العقيدة بالاثني عشر إماماً، وبخاصة ان الشيخ المفيد قد ذكر في كتابه العيون و المحاسن (ص321) الفرقة التي تقول بأن الامام بعد الحسن العسكري هو ابنه محمد ولكنه قد مات وسيحيى في آخر الزمان ويقوم بالسيف.
نعم ذكر ابن النديم ان أبا سهل إسماعيل بن علي النوبختي كان يرى ان الامام هو محمد بن الحسن ثم مات في الغيبة واستمرت في ولده إلى يوم القيامة وذكر ان رأيه هذا لم يسبقه إليه أحد(1) غير ان المحقق التستري «رحمه الله» يبرىء ساحة أبي سهل من ذلك الرأي لعدم اعتبار ابن النديم في ما ينفرد به(2)، ويؤيد قول التستري عدم ذكر الشيخ الصدوق ذلك عن أبي سهل مع العلم انه كان معاصراً لابن النديم وكان معنياً برد الشبهات حول الغيبة وكذلك الحال في الشيخ المفيد مع أنه كان معنياً بأمثالها.
خامسا:
أما ما نقله صاحب النشرة عن الكفعمي من دعاء منسوب للامام الرضا (عليه السلام) فهو دعاء غير محقَّق النسبة للامام الرضا (عليه السلام)، والاصل فيه رواية موضوعة سيأتي الكلام عليها.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الفهرست لابن النديم ص 225.
(2) انظر قاموس الرجال ج2/ص87 ترجمة إسماعيل بن علي (أبي سهل النوبختي) . وفي الفصل العشرين من مقدمته قال التستري (رح) ان فهرست ابن النديم لا يكون بذاك الاعتبار لانه كان وراقا ينقل عن الكتب والكتب يقع فيها التصحيف كثيرا فبدل أبا بكر الجعابي محمد بن عمر بـ عمر بن محمد، وتوهم في علي بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم انه علي بن اسماعيل بن ميثم، وتوهم انه أول متكلمي الشيعة مع انه كان من تلاميذ هشام بن الحكم وتوهم في يقطين والد علي بن يقطين انه كان إماميا يحمل الاموال إلى الامام الصادق (عليه السلام) ونُمَّ خبره إلى المنصور والمهدي فصرف الله كيدهما عنه مع ان ابنه علي بن يقطين إنما كان إماميا يحمل الاموال إلى الكاظم (عليه السلام) ونم خبره إلى هارون وأما يقطين فكان من وجوه الدعاة إلى بني العباس ومن الناصبين للصادق (عليه السلام) ، وتوهم في الفضل بن شاذان الرازي العامي هو الفضل بن شاذان النيشابوري الامامي. قاموس الرجال ج1ص51.
«صفحة 68»
الخلاصة:
وهكذا يتضح خطأ دعوى صاحب النشرة من كون العقيدة الاثني عشرية لم يكن لها أثر عند الشيعة في القرن الثالث الهجري، إذ أغفل أو تغافل عن مقدمة كتاب علي بن بابويه وعن كتاب إبراهيم بن نوبخت وكلا المؤلفين من علماء الشيعة ومن رجال القرن الثالث الهجري، حيث وردت في هذين الكتابين بشكل صريح وواضح الاشارة إلى العقيدة الاثني عشرية، هذا مضافاً إلى فهمه لعبارة النوبختي كما يرغب ويشتهي وسيأتي في الفصل السابع والثامن ما يثبت وجود أحاديث الاثني عشر عند الشيعة في عهد الائمة الاحد عشر ويأتي أيضاً في الفصل التاسع ان تحديد الائمة بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) باثني عشر مما بشرت به الكتب السابقة جنباً الى جنب مع البشارة بالنبي (صلى الله عليه وآله).
«صفحة 69»
الحلقة الأولى
الفصل الثاني ـ الوصية لكل إمام من الاثني عشر بعهد خاص من النبي (صلى الله عليه وآله)
قوله: ان الأئمة لم يكونوا يعلمون بأسماء أوصيائهم من بعدهم إلا قرب وفاتهم!
أقول: قد جاء في الروايات الصحيحة عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال لأصحابه: أترون ان الأمر إلينا نضعه فيمن شئنا؟ كلا والله انه عهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى علي (ثم) إلى رجل فرجل إلى ان ينتهي إلى صاحب هذا الأمر.
«صفحة 70»
«صفحة 71»
نص الشبهة
قال: تشير روايات كثيرة يذكرها الصفار في بصائر الدرجات والكليني في (الكافي) والحميري في (قرب الاسناد) والعياشي في (تفسيره) والمفيد في (الارشاد) والحر العاملي في (إثبات الهداة) وغيرهم إلى ان الائمة أنفسهم لم يكونوا يعرفون بحكاية القائمة المسبقة المعدة منذ زمان رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعدم معرفتهم بإمامتهم أو بإمامة الامام اللاحق من بعدهم إلا قرب وفاتهم. فضلا عن الشيعة أو الامامية أنفسهم الذين كانوا يقضون في حيرة واختلاف بعد وفاة كل إمام وكانوا يتوسلون بكل إمام ان يعين اللاحق بعده ويسميه بوضوح لكي لا يموتوا وهم لا يعرفون الامام الجديد. يروي الصفار في (بصائر الدرجات) ص 473 باب (ان الائمة يعلمون إلى من يوصون قبل وفاتهم مما يعلمهم الله): حديثا عن الامام الصادق يقول فيه: (ما مات عالم حتى يعلمه الله إلى من يوصي)، كما يرويه الكليني في الكافي ج1ص 277، ويروي أيضا عنه (عليه السلام): (لا يموت الامام حتى يعلم من بعده فيوصي إليه) وهو ما يدل على عدم معرفة الائمة من قبل بأسماء خلفائهم، أو بوجود قائمة مسبقة بهم وقد ذهب الصفار والصدوق والكليني ابعد من ذلك فرووا عن أبي عبد الله انه قال: (ان الامام اللاحق يعرف إمامته وينتهي إليه الامر في آخر دقيقة من حياة الاول) (البصائر 478 والامامة والتبصرة من الحيرة باب 19 ص 84 والكافي ج1 ص 275) (1).
الرد على الشبهة
أقول: لقد أخطأ صاحب النشرة في فهم بعض الروايات التي ذكرها، وحمل بعضها الاخر بسبب إجماله على ما يشتهي وكان ينبغي ان يفهمه في ضوء مجموعة أخرى من
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الشورى العدد العاشر ص11.
«صفحة 72»
الاحاديث أوضح منه وأكثر صراحة.
أما الرواية التي أخطأ في فهمها خطأً فاحشاً فهي رواية صفوان الاتية:
قال صفوان: قلت للرضا (عليه السلام) اخبرني عن الامام متى يعلم انه إمام أحين يبلغه ان صاحبه قد مات أو حين يمضي مثل أبي الحسن قبض ببغداد وأنت هنا قال يعلم ذلك حين يمضي صاحبه، قلت بأي شىء قال يلهمه الله(1).
فمن الواضح ان قول الرضا (عليه السلام) يعلم حين يمضي صاحبه جواب لسؤال عن الامام اللاحق كيف يعرف ان الامر انتهى إليه ومراد السائل حالة التصدي للامامة من اللاحق باعتبار لا يكون إمامان إلا وأحدهما صامت وباعتبار ان الامام السابق قد يموت في مكان بعيد ويستغرق وصول خبر موته مدة طويلة كما في حالة موت الامام الكاظم (عليه السلام) في السجن في بغداد وكان وصيه الرضا (عليه السلام) في المدينة، أو موت الرضا (عليه السلام) في خراسان وكان وصيه الجواد (عليه السلام) في المدينة، وهكذايتضح ان الرواية تتحدث عن جواب سؤال متى يتصدى الامام اللاحق للامامة ويضطلع بمهماتها؟ ولم تكن تتحدث عن سؤال متى يعرف الامام اللاحق انه قد جاءت النصوص فيه والوصية عليه من الامام السابق.
وبعبارة أخرى توجد قضيتان:
الاولى: قضية النص على الامام اللاحق من الامام السابق وهذه قد تحصل في سن مبكرة من عمر الامام السابق كما ستأتي الامثلة على ذلك.
الثانية: قضية اضطلاع الوصي بمهمات الامامة وتحصل في اللحظة التي يتوفى فيها الامام اللاحق وليس في اللحظة التي يصل فيها خبر موته مهما بعدت المسافات التي تفصل بينهماويحصل علمه بموت الامام السابق بإلهام من الله تعالى.
أما الرواية المجملة التي كان يجب عليه ان يفهمها في ضوء غيرها فهي قوله (عليه السلام): لا يموت الامام حتى يعلم من بعده فيوصي إليه وهذه ونظائرها ينبغي ان يرجع في
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي ج1 /381 ج4.
«صفحة 73»
فهمها إلى الروايات الاكثر وضوحاً وتفصيلاً وهي كثيرة منها رواية الكليني والصفار عن عمرو بن مصعب وعمرو بن الاشعث وأبي بصير وسدير ومعاوية بن عمار ان أبا عبد الله (عليه السلام) قال لهم ولغيرهم «أترون ان الموصي منا يوصي إلى من يريد لا والله ولكنه عهد معهود من رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى رجل فرجل حتى انتهى إلى نفسه». وفي لفظ آخر إلى ان ينتهي إلى صاحب هذا الامر(1).
وفي ضوء ذلك يكون معنى الرواية المجملة هو ان الامام السابق لا يموت من دون وصية وتعريف بالامام الذي يكون بعده.
أما قول صاحب النشرة: (ان الامام السابق لا يعرف إمامة الامام اللاحق من بعده إلا قرب وفاته).
فهو غير صحيح. .
وتكذبه رواية العهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله) على رجل رجل الآنفة الذكر.
وتكذبه أيضاً روايات النص على أبي الحسن موسى (عليه السلام) من أبيه الصادق (عليه السلام) كما في رواية صفوان الجَمّال، قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن صاحب هذا الامر فقال ان صاحب هذا الامر لا يلهو ولا يلعب(2) واقبل أبو الحسن موسى وهو صغير ومعه عَناق(3) مكية وهو يقول لها: أسجدي لربك فأخذه أبو عبد الله (عليه السلام) وضمه إليه وقال: بأبي وأمي من لا يلهو ولا يلعب ورواية يعقوب السراج التي تشير إلى النص على الامام الكاظم وهو في المهد(4) وقريب من معناها روايات آخر.
وكذلك روايات النص على الرضا (عليه السلام) وولده الجواد من الامام الكاظم (عليه السلام)، بعضها كان منه (عليه السلام) وهو في الحبس كما في رواية الحسين بن المختار(5) وبعضها قبل الحبس كما في رواية محمد بن سنان (ت220 هـ) قال دخلت على أبي الحسن موسى (عليه السلام) من قبل ان يقدم العراق بسنة وعلي ابنه جالس بين يديه فنظر اليَّ فقال يا محمد أما انه
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي ج 1 ص 277 الروايات 1-4. وأيضا بصائر الدرجات للصفار ص470 الروايات 1-10، 12.
(2) الكافي ج1 ص 311 الرواية 15.
(3) العَناق بفتح العين الانثى من المعز وخصصها بعضهم بما لم يتم له سنة (لسان العرب) .
(4) الكافي ج1ص 310 الرواية 11.
(5) الكافي ج1 ص 313.
«صفحة 74»
سيكون في هذه السنة حركة فلا تجزع قال قلت وما يكون جعلت فداك فقال أصير إلى الطاغية أما انه لا يبدأني منه سوء ولا من الذي يكون بعده (المراد بالطاغية المهدي العباسي وبالذي يكون بعده الهادي العباسي) ثم أشار إلى ابنه علي (عليه السلام) وقال من ظلم ابني هذا حقه وجحد إمامته من بعدي كان كمن ظلم علي بن أبي طالب (عليه السلام) حقه وجحد إمامته بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال ابن سنان فقلت والله لئن مدَّ الله لي في العمر لاسلمن له حقه ولاقِرَّنَّ له بإمامته قال صدقت يا محمد يمد الله في عمرك وتسلم له حقه وتقر بإمامته وإمامة من يكون من بعده قال قلت ومن ذاك قال محمد ابنه: قلت له الرضا والتسليم(1).
فالامام الكاظم (عليه السلام) هنا لا ينص على الرضا (عليه السلام) فقط بل يخبر باسم الامام بعد الرضا (عليه السلام).
وكذلك روايات النص على الجواد من أبيه الرضا (عليهما السلام) كما في رواية الحسن بن بشار قال كتب ابن قياما إلى أبي الحسن (عليه السلام) كتابا يقول فيه كيف تكون إماماً وليس لك ولد؟ فأجابه أبو الحسن الرضا: وما علمك انه لا يكون لي ولد! والله لا تنقضي الايام والليالي حتى يرزقني الله ولداً ذكراً يفرق به بين الحق والباطل(2).
وفي رواية أبي يحيى الصنعاني قال: كنت عند أبي الحسن الرضا (عليهما السلام) فجيء بابنه أبي جعفر (عليه السلام) وهو صغير فقال: هذا المولود الذي لم يولد مولود اعظم بركة على شيعتنا منه(3).
وفي رواية صفوان بن يحيى قال قلت للرضا (عليه السلام) قد كنا نسألك قبل ان يهب الله لك أبا جعفر (عليه السلام) فكنت تقول يهب الله لي غلاما فقد وهبه الله لك فاقر عيوننا فلا أرانا إليه يومك فان كان كون فإلى من؟ فأشار بيده إلى أبي جعفر (عليه السلام) وهو قائم بين يديه، فقلت جعلت فداك هذا ابن ثلاث سنين! فقال: «وما يضره من ذلك فقد قام عيسى (عليه السلام) بالحجة وهو ابن ثلاث سنين» (وفي نسخة إرشاد المفيد وإعلام الورى ابن اقل من ثلاث سنين) (4).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي ج1 319 الرواية 16.
(2) الكافي ج1 ص 230 الرواية4.
(3) الكافي ج1ص321 الرواية 9.
(4) الكافي ج1. ص 321 الرواية رقم 10.
«صفحة 75»
الخلاصة:
ان الذي ادعاه صاحب النشرة من (ان الائمة (عليه السلام) لم يكونوا يعلمون بأسماء أوصيائهم من بعدهم إلا قرب وفاتهم) قد بناه على فهم خاطىء لرواية صفوان الذي كان قد سأل الرضا (عليه السلام) عن الامام اللاحق متى يعلم انه قداضطلع بالامامة فعلاً هل منذ اللحظة الاولى لموت الامام السابق أو حين يبلغه خبر موته؟ كما لو كان الامام السابق فى بلد والامام اللاحق فى بلد آخر بعيد عنه كما في حالة الامامين الكاظم والرضا (عليهما السلام) أو الامامين الرضا والجواد (عليهما السلام)، ولكن صاحب النشرة حمل الرواية على حالة الوصية والنص، هذا مضافاً إلى إغفاله الروايات الكثيرة التى رواها الصفار فى بصائر الدرجات والكليني في الكافي التي تنص على ان وصية كل إمام للذي من بعده إنما هي بعهد معهود من النبي (صلى الله عليه وآله) واغفاله أيضاً الروايات الكثيرة التي تنص على ان الامام السابق يشير إلى إمامة الامام اللاحق وينص عليه في سن مبكرة من حياته كما في نص الصادق (عليه السلام) على الكاظم (عليه السلام) فى طفولته ونص الرضا (عليه السلام) على الجواد (عليه السلام) وهو ابن ثلاث سنين.
«صفحة 76»
«صفحة 77»
الحلقة الأولى
الفصل الثالث ـ الشيخ الصدوق والعقيدة الاثني عشرية
قوله: ولم تكن النظرية الاثنا عشرية مستقرة في العقل الإمامي حتى منتصف القرن الرابع الهجري. . حيث أبدى الشيخ محمد بن علي الصدوق شكه بتحديد الأئمة في اثني عشر إماما فقط وقال: (لسنا مستعبدين في ذلك إلا بالإقرار باثني عشر إماما، واعتقاد كون ما يذكره الثاني عشر بعده).
أقول: ان قول الشيخ الصدوق هذا لا يدل على ما فهمه صاحب النشرة من عدم استقرار النظرية الإمامية الاثني عشرية حتى منتصف القرن الرابع لان كلام الصدوق هذا كان يتناول فترة ما بعد ظهور الثاني عشر 7 ولم يكن نظره الى فترة القرن الرابع الهجري! !
«صفحة 78»
«صفحة 79»
نص الشبهة
قال: «ولم تكن النظرية الاثنا عشرية مستقرة في العقل الامامي حتى منتصف القرن الرابع الهجري. . حيث أبدى الشيخ محمد بن علي الصدوق شكه بتحديد الائمة في اثني عشر إماماً فقط / وقال: (لسنا مستعبدين في ذلك إلا بالاقرار باثني عشر إماماً، واعتقاد كون ما يذكره الثاني عشر بعده) إكمال الدين» ص 77(1).
الرد على الشبهة
اقول:
أولا:
قوله: (ولم تكن النظرية الاثنا عشرية مستقرة في العقل الامامي حتى منتصف القرن الرابع الهجري. .) مر الكلام في بيان خطأ ذلك في الفصل الاول وسيأتي المزيد من البحث في الفصل السابع.
ثانيا:
ان ما اسنده إلى الصدوق من شك في غير محله بل افتراء عليه. .
إذ ان كلامه (رحمه الله) يدل على عكس ما ذكره عنه واليك أيها القارىء الكريم نص كلام الشيخ الصدوق.
قال: «قالت الزيدية لا يجوز ان يكون من قول الانبياء ان الائمة اثنا عشر لان الحجة باقية على هذه الامة إلى يوم القيامة، والاثنا عشر بعد محمد (صلى الله عليه وآله) قد مضى منهم
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الشورى العدد العاشر ص12.
«صفحة 80»
أحد عشر، وقد زعمت الامامية ان الارض لا تخلو من حجة.
فيقال لهم: ان عدد الائمة (عليهم السلام) اثنا عشر والثاني عشر هو الذي يملا الارض قسطاً وعدلاً، ثم يكون بعده ما يذكره من كون إمام بعده أو قيام القيامة ولسنا مستعبدين في ذلك إلا بالاقرار باثني عشر إماماً واعتقاد كون ما يذكره الثاني عشر (عليه السلام) بعده.
ويقال للزيدية: أفيكذب رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قوله (ان الائمة اثنا عشر)؟
فان قالوا: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يقل هذا القول. .
قيل لهم: ان جاز لكم دفع هذا الخبر مع شهرته واستفاضته وتلقي طبقات الامامية إياه بالقبول فما أنكرتم ممن يقول: ان قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) (من كنت مولاه) ليس من قول الرسول (صلى الله عليه وآله)؟»(1).
وقول الصدوق «لسنا مستعبدين في ذلك إلا بالاقرار باثني عشر إماماً واعتقاد كون ما يذكره الثاني عشر بعده يؤكد عقيدته باثني عشر اماماً من أهل البيت أولهم علي (عليه السلام) وثاني عشرهم المهدي (عليه السلام) ثم تكون غيبته على مرحلتين إحداهما صغرى دامت تسعا وستين سنة والاخرى كبرى لا يعلم مداها إلا الله تعالى. ثم يبدي الصدوق تردده عن الحالة بعد ظهور المهدي (عليه السلام) واستتباب أمره هل سيعهد إلى إمام من بعده أو يكون يوم القيامة ثم يجيب عن ذلك: أننا مستعبدون بالاقرار والتسليم لما يذكره الثاني عشر بعد ظهور».
ومنشأ تردد الصدوق فيما يجري بعد ظهور المهدي (عليه السلام) من أمر الامامة هو الرواية التي أوردها الطوسي في كتابه الغيبة(2) انه سيكون بعد الاثني عشر إماماً اثنا عشر مهدياً وهي رواية وحيدة وضعيفة السند بل إمارات الوضع ظاهرة عليها وهي معارضة من قبل الروايات التي تجعل من عهد ظهور المهدي وظهور عيسى (عليه السلام) آخر شوط من الحياة الدنيا.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) إكمال الدين ص 77-78. وسيأتي نظير ذلك من كلامه في الفصل الثالث.
(2) ص150. قال اخبرنا جماعة، عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن سفيان البزوفري عن علي بن سنان الموصلي العدل، عن علي بن الحسين، عن أحمد بن محمد بن الخليل عن جعفر بن أحمد المصري، عن عمه الحسن بن علي، عن أبيه، عن أبي عبدالله جعفر بن محمد (عليه السلام) .
«صفحة 81»
وتوجد أيضا روايتان أخريان في المهديين الاثني عشر:
الأولى: رواها الشيخ الصدوق: عن الدقاق، عن الاسدي، عن النخعي عن النوفلي، عن علي بن أبى حمزة، عن ابي بصير قال: قلت للصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) سمعت من ابيك انه قال يكون بعد القائم اثني عشر مهديا؟ قال: إنما قال: اثنا عشر مهديا ولم يقل اثنا عشر إماما، ولكنهم قوم من شيعتنا يدعون الناس الى موالاتنا ومعرفة حقنا(1).
الثانية: رواها الشيخ الطوسي: عن محمد الحميري، عن أبيه، عن محمد بن عبد الحميد ومحمد بن عيسى، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل انه قال: يا أبا حمزة ان منا بعد القائم احد عشر مهديا من ولد الحسين (عليه السلام) (2).
وقد أورد الشيخ الحر العاملي صاحب وسائل الشيعة الروايتين الانفتي الذكر إضافة الى ما رواه صاحب المصباح من دعاء الرضا (عليه السلام) هذا مضافا الى الرواية التي أوردناها في صدر البحث فيكون المجموع أربع روايات وقد علق على الرواية الأخيرة بقوله إنها من طرق العامة، ثم علق عليها جميعا بقوله: وأما أحاديث الاثني عشر (أي بعد المهدي (عليه السلام)) فلا يخفى أنها غير موجبة للقطع أو اليقين لندورها وقلتها وكثرة معارضتها(3)… وقد تواترت الأحاديث بان الأئمة الاثنا عشر وان دولتهم ممدودة الى يوم القيامة وان الثاني عشر خاتم الأوصياء والأئمة والخلف وان الأئمة من ولد الحسين الى يوم القيامة ونحو ذلك من العبارات فلو كان يجب علينا الإقرار بإمامة اثني عشر بعدهم لوصلت إلينا نصوص متواترة تقاوم تلك النصوص ينظر في الجمع بينهما(4)(5).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) إكمال الدين ج2 /27، البحار ج53 / 145.
(2) غيبة الشيخ الطوسي /478 ط مؤسسة المعارف الإسلامية.
(3) يريد رحمه الله الروايات التي تقول ان المهدي (عليه السلام) يموت قبل يوم القيامة بأربعين يوما.
(4) الايقاظ من الهجعة للحر العاملي ص 401.
(5) وقد ذكر العلامة المجلسي في البحار وجهين في تأويل تلك الروايات كما اورد الحر العاملي في كتابه ستة تأويلات.
«صفحة 82»
الخلاصة:
ان صاحب النشرة قد فهم من كلام الشيخ الصدوق ما لم يُرِده الصدوق، ولا تساعده على فهمه الخاطىء هذا ولو قرينة ضعيفة فى أي كتاب من كتب الصدوق المطبوعة الكثيرة الميسرة لكل باحث، هذا مضافاً إلى ان الصدوق كان بصدد رد شبهة الزيدية على حديث الاثني عشر الذين كانوا يشككون في صدوره عن النبي (صلى الله عليه وآله).
«صفحة 83»
الحلقة الأولى
الفصل الرابع ـ هل مات زرارة ولم يكن قد عرف إمام زمانه؟
قوله: ان زرارة وهو فقيه الشيعة مات ولم يعرف خليفة الإمام الصادق!
أقول: وردت الرواية عن الامام الرضا (عليه السلام) انه قال: ان زرارة كان يعرف أمر أبي (عليه السلام) ونص أبيه عليه وإنما بعث ابنه ليتعرف من أبي (عليه السلام) هل يجوز له ان يرفع التقية في إظهار أمره ونص أبيه عليه… وانه لما أبطأ عنه ابنه طولب بإظهار قول في أبي (عليه السلام) فلم يحب ان يقدم على ذلك دون أمره فرفع المصحف وقال: اللهم ان إمامي من اثبت هذا المصحف إمامته من ولدجعفر بن محمد (عليه السلام).
«صفحة 84»
«صفحة 85»
نص الشبهة
قال: «وقد كان زرارة من اعظم تلاميذ الامامين الباقر والصادق، ولكنه لم يعرف خليفة الامام الصادق فأرسل ابنه عبيد الله إلى المدينة لكي يستطلع له الامام الجديد، فمات قبل ان يعود إليه ابنه ومن دون ان يعرف من هو الامام، وانه وضع المصحف على صدره قائلا (اللهم إني ائتم بمن اثبت إمامته هذا المصحف»(1).
الرد على الشبهة
أقول:
لا يخفى ان هذه الشبهة هي للزيدية أيضاً كانوا قد أثاروها أمام خبر الائمة الاثني عشر حيث قالوا: «لو كان خبر الائمة الاثني عشر صحيحاً لما كان الناس يشُكُّون بعد الصادق جعفر بن محمد في الامام… ولَما مات فقيه الشيعة زرارة وهو يقول والمصحف على صدره اللهم… ».
لقد أجاب الشيخ الصدوق (رحمه الله) عن هذه الشبهة بقوله:
«ان هذا كله غرور من القول وزخرف وذلك أنا لم ندَّع انَّ جميع الشيعة في ذلك العصر عرف الائمة الاثني عشر (عليهم السلام) بأسمائهموإنما قلنا: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) اخبر ان الائمة بعده اثنا عشر، الذين هم خلفاؤه وان علماء الشيعة قد رووا هذا الحديث بأسمائهم ولا ينكر ان يكون فيهم واحد أو اثنان أو اكثر لم يسمعوا بالحديث.
فأما زرارة بن أعين(2) فإنه مات قبل انصراف من كان بعثه ليعرف الخبر ولم يكن
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الشورى العدد العاشر ص11.
(2) اسمه عبد ربه و يكنى أبا الحسن وأبا علي وزرارة لقب له، وله عدة أولاد منهم الحسن والحسين ورومي وعبيد وعبد الله ويحيى، ولزرارة اخوة منهم حمران وله ابنان حمزة بن حمران ومحمد بن حمران، وبكير بن أعين وابنه عبد الله بن بكير وعبد الرحمن بن أعين وعبد الملك بن أعين وابنه ضريس بن عبد الملك، ولهم روايات كثيرة وأصول وتصانيف قال النجاشي: زرارة شيخ أصحابنا في زمانه ومتقدمهم وكان قاريا فقيها متكلما شاعرا أديبا قد اجتمعت فيه خلال الفضل والدين صادقا فيما يرويه مات سنة خمسين ومائة. وقد روى عن الامام الصادق (عليه السلام) قوله ما أحد أحيا ذكرنا وأحاديث أبي إلا زرارة وأبو بصير ليث المرادي ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية العجلي ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا، هؤلاء حفاظ الدين وأمناء ابي عليه السلام على حلال الله وحرامه وهم السابقون إلينا في الدنيا والسابقون إلينا في الاخرة، وعنه (عليه السلام) أيضا قال هم نجوم شيعتي أحياء وأمواتا يحيون ذكر أبي (عليه السلام) بهم يكشف الله كل بدعة ينفون عن هذا الدين انتحال المبطلين وتأويل الغالين. وعنه (عليه السلام) قال رحم الله زرارة بن أعين لولا زرارة ونظراؤه لاندرست أحاديث أبي. قال ابن أبي عمير قلت لجميل بن دراج ما احسن محضرك وازين مجلسك قال أي والله ما كنا حول زرارة بن أعين إلا بمنزلة الصبيان في الكتاب حول المعلم.
أقول: وقد وردت روايات عن الامام الصادق تذم زرارة وتلعنه وقد صدرت منه تقية للمحافظة على زرارة من السلطة العباسية في عهد المنصور لما قلب ظهر المجن على الامام الصادق (عليه السلام) وصار يتتبع شيعته. قال عبد الله بن زرارة قال لي أبو عبد الله عليه السلام اقرأ مني على والدك السلام وقل له إني إنما أعيبك دفاعا مني عنك فان الناس والعدو يسارعون إلى كل من قربناه وحمدنا مكانه لادخال الاذى في من نحبه وقتله ويحمدون كل من عبناه وإنما أعيبك لانك قد اشتهرت بنا ولميلك إلينا وأنت في ذلك مذموم عند الناس غير محمود الاثر بمودتك لنا فأحببت ان أعيبك ليحمدوا أمرك في الدين ويكون بذلك دافع شرهم عنك بقول الله عز وجل: (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي البَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَ كَانَ وَرَاءَهُم مَّلِك يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَة غَصْبًا) الكهف/79 أما والله ما عابها إلا لكي تسلم عن الملك ولا تعطب على يديه فافهم المثل يرحمك الله فانك والله احب الناس إلىَّ واحب أصحاب أبي (عليه السلام) إلىَّ حياً وميتاً. . .) . قال أبو غالب الزراري روي ان زرارة كان وسيما جسيما ابيض وكان يخرج إلى الجمعة وعلى رأسه برنس اسود وبين عينيه سجادة في يديه عصا يقوم الناس له سماطين وينظرون إليه لحسن هيئته وكان خصما جدلا لا يقوم أحد بحجته صاحب إلزام وحجة قاطعة إلا ان العبادة شغلته عن الكلام والمتكلمون من الشيعة تلاميذه ويقال انه عاش تسعين سنة.
«صفحة 86»
سمع بالنص على موسى بن جعفر (عليهما السلام) من حيث قطع الخبر عذره فوضع المصحف الذي هو القرآن على صدره، وقال: اللهم إني ائتم بمن يثبت هذا المصحف إمامته، وهل يفعل الفقيه المتدين عند اختلاف الامر عليه إلا ما فعله زرارة، على انه قد قيل ان زرارة قد كان علم بأمر موسى بن جعفر (عليهما السلام) وبإمامته وإنما بعث ابنه عبيداً ليتعرف من موسى بن جعفر (عليهما السلام) هل يجوز له إظهار ما يعلم من إمامته أو يستعمل التقية في كتمانه، وهذا أشبه بفضل زرارة بن أعين وأليق بمعرفته.
حدثنا احمد بن زياد بن جعفر الهمداني قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم قال: حدثني محمد بن عيسى بن عبيد، عن إبراهيم بن محمد الهمداني قال: قلت للرضا (عليه السلام) يا ابن رسول الله اخبرني عن زرارة هل كان يعرف حق أبيك فقال: نعم،
«صفحة 87»
فقلت له: فلم بعث ابنه عبيداً ليتعرف الخبر إلى من أوصى الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام)؟
فقال (عليه السلام): ان زرارة كان يعرف أمر أبي ونص أبيه عليه وإنما بعث ابنه ليتعرف من أبي هل يجوز له ان يرفع التقية في إظهار أمره ونص أبيه عليه وانه لما أبطأ عنه ابنه طولب بإظهار قول في أبي فلم يحب ان يقدم على ذلك دون أمره فرفع المصحف وقال: اللهم ان إمامي من اثبت هذا المصحف إمامته من ولد جعفر بن محمد (عليهما السلام).
والخبر الذي احتجت به الزيدية ليس فيه ان زرارة لم يعرف إمامة موسى بن جعفر (عليهما السلام) وإنما فيه انه بعث ابنه عبيدا ليسأل عن الخبر.
حدثنا أبي قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن احمد بن يحيى بن عمران الاشعري، عن احمد بن هلال، عن محمد بن عبد الله بن زرارة، عن أبيه قال: لما بعث زرارة عبيدا ابنه إلى المدينة ليسأل عن الخبر بعد مضي أبي عبد الله فلما اشتد به الامر اخذ المصحف وقال من اثبت إمامته هذا المصحف فهو إمامي.
وهذا الخبر لا يوجب انه لم يعرف، على ان راوي هذا الخبر احمد بن هلال وهو مجروح عند مشايخنا رضى الله عنهم.
وقد روى الصدوق أيضاً عن محمد بن الحسن بن احمد بن الوليد(1) قال سمعت سعد بن عبد الله(2) يقول ما رأينا ولا سمعنا بمتشيع رجع عن التشيع إلى النصب إلا
ـــــــــــــــــــــــ
(1) قال النجاشي (هو أبو جعفر شيخ القميين وفقيههم ومتقدمهم ووجههم ويقال انه نزيل قم وما كان اصله منها ثقة ثقة عين مسكون إليه) . وقال الشيخ الطوسي في الفهرست (جليل القدر عارف بالرجال موثوق به) وقال أيضا (بصير بالفقه ثقة) مات سنة 343هـ. قال الصدوق في ذيل خبر صلوة الغدير (ان ابن الوليد لم يصححه وكلما لم يحكم بصحته فهو عندنا متروك غير صحيح) قال العلامة التستري «رحمه الله»: (وكذا اتبعه في من استثناه من رجال نوادر محمد بن احمد بن يحيى كما صرح به ابن نوح ولنعم نقاد الاخبار كان ولم أر مثله في الاجلاء ولم يرو بصائر شيخه الصفار لاشتماله على نوادر ولم يرو منتخبات سعد ولم يرو اصلي الزيدين وكتاب خالد بن عبد الله واستثنى من روايات محمد بن سنان وابن اورمة وابن الجمهور ما فيها من تخليط أو غلط وتدليس ومن كتب يونس ما تفرد به العبيدي.
(2) قال الشيخ الطوسي في الفهرست سعد بن عبد الله القمي يكنى أبا القاسم جليل القدر واسع الاخبار كثير التصانيف ثقة وقال النجاشى: هو شيخ الطائفة فقيهها ووجهها وكان سمع من حديث العامة شيئا كثيرا وسافر في طلب الحديث لقي من وجوههم الحسن بن عرفة ومحمد بن عبد الملك الدقيقي وأبا حاتم الرازي وعباس البرقعي توفي سنة 299 وقيل مات سنة ثلاثمائة
«صفحة 88»
احمد بن هلال وكانوا يقولون ما تفرد بروايته احمد بن هلال فلا يجوز استعماله».
أقول:
بعد هذا فهل يصح قول صاحب النشرة: (ان الزيدية اعترضوا على الامامية وقالوا ان الرواية التي دلت على ان الائمة اثنا عشر قول أحدثه الامامية قريباً وولَّدوا فيه أحاديث كاذبة. . وان الصدوق لم ينف التهمة ولم يرد عليها)؟! و (ان الصدوق قال باحتمال علم زرارة بالحديث وإخفائه للتقية وانه تراجع عن هذا الاحتمال؟)
ان قول الشيخ الصدوق في زرارة واضح جداً فهو حين أورد الخبر عن الامام (عليه السلام) الذي يفيد ان زرارة كان قد بعث ابنه عبيداً ليتعرف من الامام موسى بن جعفر (عليهما السلام) هل يجوز له إظهار ما يعلم من إمامته أو يستعمل التقية في كتمانه؟ قال بعده: «وهذا أشبه لفضل زرارة بن أعين وأليق بمعرفته، فالصدوق إذن يرجِّح هذا الخبر في امر زرارة ولا يعرضه كخبر مجرد عن الترجيح».
الخلاصة:
ان صاحب النشرة استشهد بشبهة الزيدية حول موت زرارة وعدم اعلانه عن إمامة الكاظم (عليه السلام) عندما سئل وهو على فراش الموت ثم مات ولم يعرف إمام زمانه، وانه لو كانت ثمة قائمة مسبقة بأسماء الائمة الاثني عشر لكان زرارة وهو فقيه الشيعة قد عرف بها، وادعى صاحب النشرة أيضاً ان الصدوق لم يرد على هذه الشبهة، وقد اتضح من خلال البحث ان الشيخ الصدوق قد رد عليها بما لا لُبس فيه ولا غموض ثم بين ان زرارة مات عارفاً بامامة الكاظم (عليه السلام) وانه لم يفصح بها لما سألوه وهو على فراش الموت بسبب التقية الشديدة والظرف السياسي العصيب الذي أحاط بإمامة الكاظم (عليه السلام) وفي أيامها الاولى.
«صفحة 89»
الحلقة الأولى
الفصل الخامس ـ كتاب الكافي وروايات عدد الائمة (عليهم السلام)
قوله: عندما نشأت فكرة تحديد عدد الأئمة (عليهم السلام) بعد القول بوجود وغيبة الإمام الثاني عشر (عليهم السلام) كان الشيعة الأمامية يختلفون فيما بينهم حول تحديد عددهم باثني عشر أو ثلاثة عشر، إذ برزت في ذلك الوقت روايات تقول: بان عدد الأئمة ثلاثة عشر، وقد نقلها الكليني في الكافي.
أقول: أثبت المحققون من علماء الشيعة ان تلك الروايات الـتـي اشار اليها صاحب النشرة قد تعرضت لأخطاء غير متعمدة من النساخ الاوائل. ولم يقل أحد من الشيعة بأن الأئمة ثلاثة عشر إلا هبة الله بن احمد حفيد العمري وكان قد قال ذلك ليستميل جانب أبي شيبة الزيدي طمعا في دنياه
«صفحة 90»
«صفحة 91»
نص الشبهة
قال: «وعندما نشأت فكرة تحديد عدد الائمة، بعد القول بوجود وغيبة الامام الثاني عشر (عليه السلام) كان الشيعة الامامية يختلفون فيما بينهم حول تحديد عددهم باثني عشر أو ثلاثة عشر، إذ برزت في ذلك الوقت روايات تقول، بان عدد الائمة ثلاثة عشر، وقد نقلها الكليني في (الكافى) (ج1ص534) ووجدت في الكتاب الذي ظهر في تلك الفترة ونسب إلى سليم بن قيس الهلالي، حيث تقول إحدى الروايات، ان النبي (صلى الله عليه وآله) قال لامير المؤمنين (عليه السلام): (أنت واثنا عشر من ولدك أئمة الحق). وهذا ما دفع هبة الله بن احمد بن محمد الكاتب، حفيد أبي جعفر محمد بن عثمان العمري، الذي كان يتعاطى (الكلام) لان يؤلف كتابا في الامامة، يقول فيه، ان الائمة ثلاثة عشر، ويضيف إلى القائمة المعروفة (زيد بن علي) كما يقول النجاشي في (رجاله) »(1).
الرد الشبهة
في كلامه عدة مواضع للتعليق:
أولا:
قوله: (كادت الشيعة الامامية يختلفون فيما بينهم حول تحديد عددهم باثني عشر أو ثلاثة عشر).
دعوى منه كاذبة. .
إذ لم يقل أحد من الشيعة / في ضوء المصادر الشيعية / بان الائمة ثلاثة عشر إلا هبة الله بن احمد حفيد العمري وقد قال عنه النجاشي: كان يتعاطى الكلام وحضر مجلس أبي الحسين بن أبي شيبة العلوي الزيدي المذهب فعمل له كتاباً وذكر ان الائمة
ـــــــــــــــــــــــ
(1) قال الشيخ الطوسي في الفهرست سعد بن عبد الله القمي يكنى أبا القاسم جليل القدر واسع الاخبار كثير التصانيف ثقة وقال النجاشى: هو شيخ الطائفة فقيهها ووجهها وكان سمع من حديث العامة شيئا كثيرا وسافر في طلب الحديث لقي من وجوههم الحسن بن عرفة ومحمد بن عبد الملك الدقيقي وأبا حاتم الرازي وعباس البرقعي توفي سنة 299 وقيل مات سنة ثلاثمائة
«صفحة 92»
ثلاثة عشر مع زيد بن علي بن الحسين واحتج بحديث في كتاب سليم بن قيس الهلالي ان الائمة اثنا عشر من ولد أمير المؤمنين.
وحفيد العمري هذا كما قال عنه التستري (رحمه الله) «الظاهر ان الرجل إمامي غير ورع أراد استمالة جانب ابن أبي شيبة الزيدي بدرج زيد في الائمة عليهم السلام لا انه زيدي وكيف يكون زيديا والزيدي لا يرى إمامة السجاد (عليه السلام) ومن بعده لانهم يشترطون في الامامة الخروج بالسيف»(1).
ثانيا:
قوله: (إذ برزت في ذلك الوقت روايات تقول بان الائمة ثلاثة عشر وقد نقلها الكليني في الكافي ج1 /534).
أقول:
روايات الكافي التي يفهم منها ان الائمة بعد النبي (صلى الله عليه وآله) ثلاثة عشر هي خمس روايات نذكرها كما يلي:
الرواية الاولى:
رواها الكليني بسنده عن أبي سعيد العصفري عن عمرو بن ثابت عن أبي الجارود عن أبي جعفر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) «إني واثنا عشر من ولدي وأنت يا علي زر الارض يعني أوتادها وجبالها… ».
الرواية الثانية:
رواها عن أبي سعيد العصفري أيضا مرفوعا عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) «من ولدي اثنا عشر نقباء نجباء محدَّثون مفهَّمون آخرهم القائم بالحق يملاها عدلاً كما ملئت جورا».
ـــــــــــــــــــــــ
(1) قاموس الرجال ج9/300.
«صفحة 93»
وأبو سعيد العصفري اسمه عَبّاد له كتاب كما قال الشيخ الطوسي في الفهرست والنجاشي في رجاله وكتابه ويقال له (أصل) موجود كما قال صاحب الذريعة ثم وصل إلى الشيخ النوري وقال عنه ان فيه تسعة عشر حديثا، وتوجد نسخة منه في المكتبة المركزية لجامعة طهران ضمن مجموعة بإسم الاصول الاربعمائة. وفي هذه النسخة كان لفظ الرواية الاولى كالاتي: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) «إني وأحد عشر من ولدي وأنت يا علي زر الارض… »، وكان لفظ الرواية الثانية كالاتي قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) «من ولدي أحد عشر نقباء نجباء محدثون مفهمون آخرهم القائم بالحق».
وفي ضوء ذلك فإن اللفظ الموجود في رواية الكافي خطأ من النساخ.
الرواية الثالثة:
رواها الكليني عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) عن جابر بن عبد الله الانصاري قال: «دخلت على فاطمة (عليها السلام) وبين يديها لوح فيه أسماء الاوصياء من ولدها فعددت اثني عشر آخرهم القائم».
وقد رواه الصدوق في إكمال الدين وعيون أخبار الرضا والخصال بأسانيد ولا ينقلها عن الكافي ثم يجتمع مع سند الكافي إلى جابر ثم يروي عنه انه قال: «دخلت على فاطمة (عليها السلام) وبين يديها لوح فيه أسماء الاوصياء فعددت اثني عشر آخرهم القائم… » بدون كلمة (من ولدها) فهي إذن زيادة من النساخ.
الرواية الرابعة:
رواها الكليني بسنده عن زرارة قال: «سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول الاثنا عشر إماماً من آل محمد (عليهم السلام) كلهم محدث من ولد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن ولد علي (عليهم السلام) فرسول الله وعلي هما الوالدان».
«صفحة 94»
وقد نقل هذه الرواية عن الكافي الشيخ المفيد في الارشاد والطبرسي في اعلام لورى ولفظهما: «الاثنا عشر الائمة من آل محمد كلهم محدث علي بن أبي طالب واحد عشر من ولده ورسول الله وعلي هما الوالدان».
وفي ضوئه يتضح ان عبارة (علي بن أبي طالب واحد عشر من ولده) وحرف العطف (الواو) بعدها قد سقطت من رواية الكليني ثم أضيفت إلى ما بعد لفظة (رسول الله) الاولى عبارة (ومن ولد علي) وهو من سهو النساخ أيضا ومثله كثير.
الرواية الخامسة:
رواها الكليني بسنده إلى أبي سعيد الخدري في قصة سؤالات يهودي ان أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «ان لهذه الامة اثني عشر أمام هدى من ذرية نبيها وهم مني».
وقد روى مضمون هذا الخبر النعماني في كتابه الغيبة والصدوق في إكمال الدين ان أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «ان لهذه الامة اثني عشر أمام هدى وهم مني» بدون (من ذرية نبيها) (1)، فهي من إضافة النساخ أيضا.
قال العلامة العسكري:
«ومع تسلسل الاسناد في جوامع الحديث بمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) إلى رسول الله فان فقهاء مدرستهم لم يسموا أي جامع من جوامع الحديث لديهم بالصحيح كما فعلته مدرسة الخلفاء حيث سمت بعض جوامع الحديث لديهم بالصحاح ولم يحجروا بذلك على العقول ولم يوصدوا باب البحث العلمي في عصر من العصور وإنما يعرضون كل حديث في جوامعهم على قواعد دراية الحديث لان رواة تلك الاحاديث غير معصومين عن الخطأ والنسيان اللذين يعرضان على كل بشر لم يعصمه الله وفعلا وقع الخطأ في أشهر كتب الحديث بمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) وهو كتاب الكافي. مثل ما ورد في الاحاديث المرقمة 7، 9، 14، 17، 18 من كتاب الحجة في الكافي باب النص على الائمة الاثني عشر»، ثم فصل البحث فيها بما نقلناه عنه مختصراً آنفاً.
ثالثا:
قول صاحب النشرة: (ووجدت روايات يفهم منها ان الائمة بعد النبي ثلاثة عشر
ـــــــــــــــــــــــ
(1) استفدنا اصل البحث في الروايات الخمس من كتاب قاموس الرجال للعلامة التستري ج4/2 45-453وكتاب معالم المدرستين للعلامة العسكري ج 3/329-333.
«صفحة 95»
في الكتاب الذي ظهر في تلك الفترة ونسب إلى سليم بن قيس منها ان النبي (صلى الله عليه وآله) قال لاميرالمؤمنين (عليه السلام) انت واثنا عشر من ولدك أئمة الحق.
أقول:
قد عدَّ ابن الغضائري وجود هذه الرواية في كتاب سليم بن قيس إحدى العلامات على وضعه وأجاب عنه العلامة التستري بقوله «انه من سوء تعبير الرواة وإلا فمثله في الكافي أيضاً موجود» ثم ساق الروايات الخمس التي أوردناها آنفاً مع تحقيق الحال فيها.
ومما يؤكد أنها من سوء تعبير الرواة أو خطأ النساخ سواء كانت في الكافي أو في كتاب سليم هو: ان كتاب سليم بن قيس مكرس لبيان العقيدة باثني عشر إماماً مع النص على أسمائهم وكذلك كتاب الكافي ولو فرض أنها لم تكن من خطأ النساخ فهل يعقل من مؤلف كتاب سليم مهما كان امره وقد كرس كتابه لاجل العقيدة باثني عشر إماماً يفسد خطته فيه بذكر رواية تفيد ان الائمة ثلاثة عشر؟
وهل يعقل من الكليني وهو يريد ان يثبت النص على الاثني عشر إماماً ويعقد باباً يعنونه بذلك ثم يدرج تحته خمسة روايات تنص على ان الائمة ثلاثة عشر؟
الخلاصة:
اتضح من البحث ان أحداً من الشيعة لم يقل بأن الائمة ثلاثة عشر الا هبة الله حفيد العمري وكان قد قال ذلك طمعاً في دنيا ابن ابي شيبة الزيدي وأراد بالثالث عشر من الائمة زيد بن علي.
أما دعواه وجود روايات فى الكافي وكتاب سليم تفيد ان الائمة ثلاثة عشر فقد اتضح من خلال البحث انها من اخطاء النساخ الاوائل وقد بحثها المحققون من علماء الشيعة وأشاروا إلى مواضع الخطأ وكان ينبغي على صاحب النشرة ان يشير إلى بحث هؤلاء المحققين ويرد عليه ان كانت لديه أدلة تساعده.
«صفحة 96»
«صفحة 97»
الحلقة الاولى
الفصل السادس ـ وصية الامام الهادي (عليه السلام) والبَداء
قوله: ان روايات عديدة يذكرها الكليني في الكافي والمفيد في الإرشاد والطوسي في الغيبة ان الإمام الهادي أوصى في البداية إلى ابنه السيد محمد ولكنه توفي في حياة أبيه فأوصى للإمام الحسن.
أقول: ان هذه الروايات قد حملها العلماء على غير ظاهرها إضافة إلى انها معارضة بروايات أخرى صريحة بالنص من الإمام الهادي (عليه السلام) على إمامة ولده الحسن العسكري (عليه السلام) في حياة ولده ابي جعفر(رح). وكان على صاحب النشرة ان يشير إليها ولا يوهم القارىء أن ما ذكره أعلاه هو الروايات الوحيدة.
«صفحة 98»
«صفحة 99»
نص الشبهة
«وتقول روايات عديدة يذكرها الكليني في (الكافي ج1 ص 326و328) والمفيد في (الارشاد ص 336 و337) والطوسي في (الغيبة ص 120 و122)، ان الامام الهادي أوصى في البداية إلى ابنه السيد محمد، ولكنه توفي في حياة أبيه، فأوصى للامام الحسن وقال له: «لقد بدا لله في محمد كما بدا في إسماعيل. . يابني احدث لله شكرا فقد احدث فيك أمرا، أو نعمة» وهو ما يدل على عدم وجود روايات القائمة المسبقة بأسماء الائمة الاثني عشر من قبل، ولذا لم يعرفها الشيعة الامامية الذين اختلفوا واحتاروا بعد وفاة الامام الحسن العسكري، ولم يشر إليها المحدثون أو المؤرخون الامامية في القرن الثالث الهجري»(1).
الرد على الشبهة
أقول: ان الروايات التي أشار إليها هي كما يلي:
الرواية الاولى:
رواها الطوسي في الغيبة عن سعد بن عبد الله عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، قال: «كنت عند أبي الحسن العسكري (عليه السلام) وقت وفاة ابنه أبي جعفر، وقد كان أشار إليه ودل عليه وإني لافكر في نفسي وأقول هذه قصة أبي أبراهيم (عليه السلام) وقصة إسماعيل فأقبل علىَّ أبو الحسن (عليه السلام) وقال: نعم يا أبا هاشم بدا لله في أبي جعفر وصيَّر مكانه أبا محمد كما بدا له في إسماعيل بعدما دَّل عليه أبو عبد الله (عليه السلام) ونصبه وهو كما
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الشورى العدد العاشر ص 12.
«صفحة 100»
حدثتك نفسك وان كره المبطلون، أبو محمد ابني الخلف من بعدي، عنده ما تحتاجون إليه، ومعه آلة الامامة والحمد لله»(1).
وقد رواها في الكافي في باب الاشارة والنص على أبي محمد الحسن العسكري (عليه السلام) مختصرة كما يلي: «بعد ما مضى ابنه أبو جعفر وإني لأفكر في نفسي أريد ان أقول: كأنهما أعني أبا جعفر وأبا محمد في هذا الوقت كأبي الحسن موسى وإسماعيل ابني جعفر بن محمد (عليهما السلام) وان قصتهما كقصتهما، إذ كان أبو محمد المرجى بعد أبي جعفر فأقبل علىَّ أبو الحسن قبل ان انطق فقال: نعم يا أبا هاشم بدا لله في أبي محمد بعد أبي جعفر مالم يكن يُعرَف له كما بدا له في موسى عند مضي إسماعيل ما كشف به عن حاله وهو كما حدثتك نفسك وان كره المبطلون وأبو محمد ابني الخلف من بعدي، عنده علم ما يحتاج إليه ومعه آلة الامامة».
وقد رواها الشيخ المفيد في الارشاد عن الكليني بدون عبارة (وكان أبو محمد المرجى بعد أبي جعفر).
الرواية الثانية:
رواها الكليني في الكافي عن علي بن محمد عن اسحق بن محمد عن شاهويه عن عبد الله الجلاب قال: «كتب إليَّ أبو الحسن في كتاب أردت ان تسأل عن الخلف بعد أبي جعفر وقلقت لذلك فلا تغتم فان الله عز وجل يقول: ﴿وَمَا كَانَ الله لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ﴾ وصاحبك بعدي أبو محمد ابني وعنده ما تحتاجون إليه، يقدم الله ما يشاء ويؤخر ما يشاء ﴿مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْر مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا﴾ قد كتبت بما فيه بيان وقناع لذي عقل يقظان»(2).
وقد رواها الطوسي في كتابه الغيبة عن الكليني بالسند نفسه وفيها إضافة وهي قول الراوي: «كنت رويت عن أبي الحسن العسكري (عليه السلام) في أبي جعفر ابنه روايات تدل عليه، فلما مضى أبو جعفر قلقت لذلك وبقيت متحيراً لا أتقدم ولا أتأخر، وخفت
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الشورى العدد العاشر ص 12.
(2) الكافي ج1/328.
«صفحة 101»
ان اكتب إليه في ذلك فلا ادري ما يكون فكتبت إليه اسأله الدعاء وان يفرِّج الله تعالى عنا في أسباب من قِبَل السلطان كنا نغتم بها في غلماننا. فرجع الجواب بالدعاء ورد الغلمان علينا»(1).
غير ان هاتين الروايتين يرد عليهما:
اولا: أنهما معارضتان بروايات أخرى صريحة بالنص من الهادي (عليه السلام) على إمامة ولده الحسن العسكري في حياة أخيه ابي جعفر، وروايات أخرى صريحة في ان الإمام الهادي (عليه السلام) لم يخص أحدا بالنص قبل وفاة ولده أبي جعفر.
روى الكليني(2) عن علي بن محمد عن جعفر بن محمد الكوفي عن بشار بن احمد البصري عن علي بن عمر النوفلي قال: «كنت مع أبي الحسن (عليه السلام) في صحن داره فمر بنا محمد ابنه فقلت له جعلت فداك هذا صاحبنا بعدك فقال لا، صاحبكم بعدي الحسن».
وروى أيضاً(3) عن علي بن محمد عن أبي محمد الاسبارقيني عن علي بن عمرو العطار قال: «دخلت على أبي الحسن العسكري (عليه السلام) وأبو جعفر ابنه في الاحياء وأنا أظن انه هو فقلت جعلت فداك من أخص ولدك فقال لا تخصوا أحدا حتى يخرج إليكم أمري قال فكتبت إليه بعد(4): في من يكون هذا الامر قال فكتب إليَّ في الكبير من ولدي قال وكان أبو محمد (عليه السلام) اكبر من جعفر »(5).
ثانيا: في الروايتين ألفاظ من غير الممكن الاخذ بظاهرها لانها تجعل البداء الذي يقول به الشيعة هو البداء المستحيل في حق الله تعالى وهم لا يقولون بهذا النحو من البداء.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) كتاب الغيبة ص201.
(2) الكافي ج1 ص325 رواية 1.
(3) الكافي ج1 ص 326 الرواية 7.
(4) وقوله (فكتبت إليه بعد) أي بعد موت أبي جعفر ابن الامام الهادي (عليه السلام) .
(5) أي المعروف بالكذاب والرواية في المصدر (ابوجعفر) بدلا من (جعفر) ولكننا اثبتنا في المتن ما جاء في رواية الطبرسي في اعلام الورى وابن شهراشوب في مناقب آل أبي طالب والمفيد في الارشاد وكلهم قد رووها عن الكليني وهي عندهم بلفظ (جعفر) بدلا من أبي جعفر.
«صفحة 102»
ان الشيعة يعتقدون تبعاً للروايات الثابتة عن أئمتهم كما مر قسم منها في مناقشة الشبهة الثانية ان الامام السابق حين ينص على الامام اللاحق إنما هو بعهد معهود لرجل فرجل من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأمر الله تعالى.
فلو فرضنا ان الامام الهادي (عليه السلام) قد نص على ولده محمد بالامامة فإنما ينص عن الله تعالى بواسطة رسوله فإذا مات محمد ونص الامام الهادي (عليه السلام) على الحسن (عليه السلام) وهو عن الله تعالى بواسطة رسوله أيضاً ثم نسب ذلك إلى البداء من الله في الحسن (عليه السلام) بعد موت أخيه محمد (رحمه الله) كان معناه ان الله تعالى قد قضى شيئاً قضاء محتوماً على لسان نبيه ثم غيَّره وهو مما يجمع الامامية على رفضه وقد ثبت في تراث أهل البيت (عليهم السلام) ان البداء لا يكون في القضاء المحتوم بل يقع في القضاء الموقوف(1).
وليس من شك ان إمامة الائمة الاثني عشر (عليهم السلام) من القضاء الالهي المحتوم وذلك للاخبار بعددهم وبأسمائهم وبكبريات الحوادث المرتبطة بهم منذ عهد النبي (صلى الله عليه وآله) ولذكرها في كتب الانبياء السابقين(2).
وبسبب ذلك كان لا بد من حمل الالفاظ الآنفة الذكر على غير ظاهرها ان أمكن أو طرح الروايتين من الاعتبار وقد ذهب الشيخ الطوسي (رحمه الله) إلى الأمر الاول إذ قال بعد ان اورد الخبرين: «ما تضمنه الخبر المتقدم من قوله (بدا لله في محمد كما بدا له في إسماعيل) معناه ظهر من أمر الله وأمره في أخيه الحسن ما أزال الريب والشك في إمامته فان جماعة من الشيعة كانوا يظنون ان الامر في محمد من حيث كان الاكبر كما كان يظن جماعة ان الامر في إسماعيل بن جعفر دون موسى (عليه السلام) فلما مات محمد ظهر أمر الله فيه وانه لم ينصبه إماما كما ظهر في إسماعيل مثل ذلك لا انه كان نصَّ عليه ثم بدا له في النص على غيره فان ذلك لا يجوز على الله تعالى العالم بالعواقب(3)، وهذا التأويل صحيح ولا غبار عليه ولكنه لا يرفع الاشكال عن بقية عبارات الرواية.
ونحن نرى ان الموقف الصحيح من هاتين الروايتين بالالفاظ التي أوردهما الشيخ
ـــــــــــــــــــــــ
(1) انظر كتاب البيان في تفسير القرآن للسيد الخوئي رحمه الله بحث البداء ص409.
(2) كما مرت الاشارة إليه في الفصل الاول وستأتي أيضاً في الفصل التاسع.
(3) الغيبة للطوسي ص 201.
«صفحة 103»
الطوسي هو الطرح لا التأويل، وذلك لاشتمالها على ما يوجب ذلك وهو قول الراوي (وقد كان أشار إليه ودلَّ عليه) أي وكان الهادي (عليه السلام) قد أشار إلى ولده محمد (رحمه الله) ودلَّ عليه كما أشار أبو عبد الله (عليه السلام) من قبل إلى إسماعيل ونصبه. ومما لا شك فيه ان أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) لم ينصب ولده إسماعيل للامامة بل ان هذه الدعوى هي دعوى الاسماعيلية ثم ربطت بالبداء وجعلت مثالاً له من قبل المغرضين لتشويه مسألة البداء عند الشيعة وتشويه مسألة القائمة المعدة بأسماء الائمة الاثني عشر من قبل الله تعالى بواسطة رسوله، وقد أجمع الشيعة على تكذيبهم في تلك الدعوى. كما أجمعوا على تكذيب من يقول ان الهادي (عليه السلام) كان قد نصب ولده أبا جعفر للامامة فلما مات نصب ولده الحسن (عليه السلام).
قال الشيخ المفيد: «وأما (أمر) الامامة فإنه لا يوصف الله فيه بالبداء وعلى ذلك إجماع الامامية ومعهم فيه أثر عنهم عليهم السلام انهم قالوامهما بدا لله في شىء فلا يبدو له في نقل نبي عن نبوته ولا إمام عن إمامته»(1).
الخلاصة:
اتضح من خلال البحث ان صاحب النشرة أورد من الروايات ما يناسب هدفه ثم حمل ضاهرها على ما يريد ولم يشر إلى موقف الشيخ الطوسي من حمل الرواية على غير ظاهرها وكان ينبغي عليه ان يشير إلى ذلك ويناقشه ان كانت لديه مناقشة، ثم كان ينبغي عليه أيضاً ان يورد الروايات الاخرى التي تنص على خلاف مقصوده ويرحج بعضها على بعض بمرجح علمي وبذلك يكون بحثه بحثاً علمياً ومن ثم يكون قارئه على بينة من أمره أما ما قام به فليس من البحث العلمي في شىء مع ما فيه من استغفال القارىء وعدم احترامه.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) العيون والمحاسن ص309.
«صفحة 104»
«صفحة 105»
الحلقة الأولى
الفصل السابع ـ كتاب سليم بن قيس الهلالي
قوله: ان كتاب سليم لم يكن معروفا عند أحد من الشيعة في زمن الأئمة الأحد عشر مما يؤكد اختلاقه في عصر الغيبة الصغرى (260-329) من قبل العبرتائي والصيرفي.
أقول: لاتنحصر رواية كتاب سليم بن قيس او احاديثه في الاثني عشر بالصيرفي والعبرتائي وهناك روايات صحيحة تثبت وجود كتاب سليم او احاديثه في الاثني عشر عند محمد بن ابي عمير (تـ217) وحماد بن عيسى (تـ206) وعمر بن أذينة (تـ168).
«صفحة 106»
«صفحة 107»
نص الشبهة
«ولكن عامة الشيعة في ذلك الزمان كانوا يشكّون في وضع واختلاق كتاب سليم، وذلك لروايته عن طريق (محمد بن علي الصيرفي أبو سمينة) الكذاب المشهور، و(احمد بن هلال العبرتائي) الغالي الملعونوقد قال ابن الغضائري: (كان أصحابنا يقولون: أن سليما لا يعرف ولا ذكر له. . والكتاب موضوع لا مرية فيه وعلى ذلك علامات تدل على ما ذكرنا. .) (الحلي: الخلاصة 83) (1).
وقد كانت المشكلة الكبرى التي تواجه الكتاب هو انه خبر واحد ولم يكن معروفاً في عصور الائمة الاحد عشر من الشيعة مما يؤكد وضع الكتاب في عصر الغيبة الصغرى من قبل أصحاب نظرية الاثني عشرية وخاصة احمد بن هلال ومحمد بن علي الصيرفي (أبو سمية) الكذاب المشهور واختلاقه أساساً أو إضافة روايات (الاثني عشرية) إليه خاصة وانه لم تكن هناك نسخ ثابتة ومعروفة منه… ولم يصل الكتاب إلى الاجيال المتعاقبة بصورة موثقة ومروية»(2).
الرد على الشبهة
أقول: وفي كلامه عدة مواضع للتعليق:
أولا:
قوله: (ان كتاب سليم أو إضافة روايات الاثنا عشرية لم يكن معروفا في عصر الائمة الاحد عشر عند أحد من الشيعة مما يؤكد وضعه في عصر الغيبة من قبل العبرتائي والصيرفي).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الشورى العدد العاشر ص 12.
(2) كتابه عن المهدي.
«صفحة 108»
دعوى منه كاذبة. .
فان رواية الكليني والطوسي والصدوق لاحاديث سليم في الاثني عشر إماما وكون التسعة المتأخرين منهم من ذرية الحسين (عليه السلام) لا تنحصر بالعبرتائي والصيرفي.
فالكليني (رحمه الله) (1) روى حديث سليم بثلاثة طرق:
الطريق الأول: عن محمد بن يحيى(2) عن احمدبن محمد(3) عن محمد بن أبي عمير(4)
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي ج1 ص529.
(2) هو العطار القمي قال النجاشي شيخ اصحابنا في زمانه ثقة عين كثير الحديث، قال السيد البروجردي(ح) هو اوسع شيوخ الكليني في كتابه الكافي رواية وشيوخاً فقد روى عن خمسين شيخا تقريبا (ترتيب اسانيد الكافي) .
(3) هو احمد بن محمد بن عيسى بن عبد الله بن سعد بن مالك بن الاحوص بن السائب الاشعري القمي يكنى أبا جعفر وكان السائب وفد إلى النبي واسلم وهاجر إلى الكوفة وأقام بها، وكان أول من سكن قم من آباء احمد هو عبد الله بن سعد بن مالك هاجر إليها هو وأخوه الاحوص من الكوفة سنة 94 هـ وكان بيت سعد من أجلِّ بيوت الامامية إذ نشأ فيه من العلماء والفقهاء وحملة أحاديث المعصومين (عليهم السلام) ما يعسر إحصاؤه فقلما يوجد حديث لا يكون في سنده واحدا أو اكثر منهم وأبو جعفر هذا كان أكثرهم حديثا وأوسعهم علما وله في الكافي ما يقرب من ثلاثة آلاف وثمانمائة حديث وروى عن مائتي رجل تقريبا من أصحاب الائمة وهو شيخ قم ووجهها وفقيهها وكان أيضا الرئيس الذي يلقى السلطان، ولقي الرضا (عليه السلام) وأبا جعفر الثاني (محمد الجواد) وأبا الحسن العسكري (علي الهادي) (عليه السلام) توفي بعد سنة 280 هجرية (ترتيب اسانيد الكافي للسيد الروجردي رحمه الله) .
(4) محمد بن ابي عمير: يكنى أبا احمد كان من أوثق الناس عند الخاصة والعامة وانسكهم واورعهم واعبدهم وقد ذكره الجاحظ في كتابه (فخر قحطان على عدنان) بهذه الصفة وذكر انه كان واحد أهل زمانه في الاشياء وقال في كتابه (البيان والتبيين) (كان ابن ابي عمير وجها من وجوه الرافضة) أدرك من الائمة ثلاثة أبا إبراهيم موسى بن جعفر (عليهما السلام) ولم يرو عنه وروى عن ابي الحسن الرضا والجواد (عليهما السلام) وروى عنه احمد بن محمد بن عيسى كتب مائة رجل من رجال ابي عبد الله (عليه السلام) وله مصنفات كثيرة ذكر ابن بطة ان له أربعة وتسعين كتابا. وكان حبس في أيام الرشيد ليدل على مواضع الشيعة وأصحاب موسى بن جعفر (عليه السلام) وروي انه ضرب اسواطا بلغت منه فكاد ان يقر لعظيم الالم فسمع محمد بن يونس بن عبد الرحمن وهو يقول اتق الله يا محمد بن أبي عمير فصبر ففرج الله عنه وروي أيضا انه حبسه المأمون، وقيل ان أخته دفنت كتبه في حال استتاره وكونه في الحبس أربع سنين فهلكت الكتب فحدَّث من حفظه ومما كان سلف له في أيدي الناس، وروى الكشي عن نصر ان ابن ابي عمير أُخِذ وحبس وأصابه من الجهد والضيق والضرب أمر عظيم وأُخذ كل شىء كان له وصاحبه المأمون وذلك بعد موت الرضا (عليه السلام) وذهبت كتب بن ابي عمير فكان يحفظ أربعين مجلدا فسماه نوادر فلذلك يوجد في أحاديثه أحاديث منقطعة الاسانيد. وعن القتيبي عن الفضل بن شاذان قال سأل ابي من محمد بن ابي عمير فقال انك لقيت مشايخ العامة فكيف لم تسمع منهم فقال سمعت منهم غير إني رأيت كثيرا من أصحابنا قد سمعوا علم العامة وعلم الخاصة فاختلط عليهم حتى كانوا يروون حديث العامة عن الخاصة وحديث الخاصة عن العامة فكرهت ان يختلط علىَّ فتركت ذلك وأقبلت على هذا. وعن الفضل بن شاذان أيضا قال سُعِىَ بمحمد بن أبي عمير إلى السلطان وانه يعرف اسامي الشيعة بالعراق فأمره السلطان ان يسميهم فامتنع فجرد وعلق بين القفازين فضُرب مائة سوط قال الفضل فسمعت ابن ابي عمير يقول لما ضرب فبلغ الضرب مائة سوط ابلغ الضرب فكدت ان اسمي فسمعت نداء محمد بن يونس بن عبد الرحمن يقول يا محمد بن ابي عمير اذكر موقفك بين يدي الله تعالى فتقويت بقوله فصبرت ولم اخبر والحمد لله قال الفضل فاضرَّ في هذا الشأن اكثر من مائة ألف درهم. وروى الكشي في ترجمة جميل: قال دخلت على محمد بن ابي عمير وهو ساجد فأطال السجود فلما رفع رأسه ذكر له الفضل طول سجوده فقال كيف لو رأيت جميل بن دراج. وروى الصدوق في كتابه من لا يحضره الفقيه عن إبراهيم بن هاشم ان محمد بن ابي عمير كان رجلا بزازا فذهب ماله وافتقر وكان له على رجل عشرة آلاف درهم فباع دارا له كان يسكنها بعشرة آلاف درهم وحمل المال إلى بابه فخرج إليه فقال ما هذا قال بعتُ داري التي اسكنها لاقضي ديني فقال محمد بن ابي عمير «رحمه الله» حدثني ذريح المحاربي عن ابي عبد الله (عليه السلام) (لا يخرج الرجل عن مسقط رأسه بالدين) ارفعها فلا حاجة لي فيها والله إني محتاج في وقتي هذا إلى درهم ولا يدخل ملكي منها درهم.
«صفحة 109»
عن عمر بن أذينة(1) عن أبان بن أبي عياش عن سليم وهذا الطريق صحيح إلى أبان لا غبار عليه.
الطريق الثاني: فهو عن علي بن إبراهيم(2) عن أبيه(3) عن حماد بن
ـــــــــــــــــــــــ
(1) عمر بن أذينة قال النجاشي (هو شيخ أصحابنا البصريين ووجههم) وقال الكشي كان هرب من المهدي ومات باليمن فلذلك لم يرو عنه كثير.
(2) علي بن إبراهيم بن هاشم أبو الحسن القمي: من شيوخ الكليني وأكثرهم رواية عنه إذ روى له ثلاثة آلاف وسبعمائة حديث سوى ما رواه عن الاحمدين في ضمن عدتهما وجل رواياته عن أبيه وعن محمد بن عيسى وقد روى عن أبيه فيما يظهر من أسانيده قريبا من ثلاثة آلاف ومائة وخمسين، قال النجاشي ثقة في الحديث ثبت معتمد صحيح المذهب سمع فاكثر واضرَّ في وسط عمره ويظهر من بعض أسانيده انه كان حيا سنة سبع وثلاثمائة (ترتيب أسانيد الكافي للبروجردي) .
(3) هو والد علي بن ابراهيم شيخ الكليني وأوسعهم رواية عنه، وقد تحمَّل ولده علي بن إبراهيم الحديث عنه قال النجاشي اصله كوفي وانتقل إلى قم وله كتاب النوادر وقضايا أمير المؤمنين (عليه السلام) . . روى عن نيف ومائة من حملة الحديث من أصحاب الائمة (عليهم السلام) واكثر رواياته عن ابن ابي عمير وبعده عن النوفلي وابن محبوب وحماد بن عيسى وروى عنه غير ابنه علي، احمد بن إدريس وسعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري ومحمد بن احمد بن يحيى ومحمد بن الحسن الصفار ومحمد بن علي بن محبوب ومحمد بن يحيى العطار قال السيد البروجردي «رحمه الله» ولم اظفر بتاريخ ولادته ولا وفاته واحتملهما بين 190 و 265هجرية (انظر ترتيب أسانيد الكافي ترجمة إبراهيم بن هاشم للسيد البروجردي رحمه الله) . قال السيد أبو القاسم الخوئي رحمه الله في معجم رجال الحديث ج 1 / 291: أن العلامة في الخلاصة قال: “لم أقف لاحد من أصحابنا على قول في القدح فيه، ولا على تعديل بالتنصيص والروايات عنه كثيرة. والارجح قبول روايته “. أقول: لا ينبغي الشك في وثاقة إبراهيم بن هاشم، ويدل على ذلك عدة أمور: 1 – أنه روى عنه ابنه علي في تفسيره كثيرا، وقد التزم في أول كتابه بأن ما يذكره فيه قد انتهى إليه بواسطة الثقات. وتقدم ذكر ذلك في (المدخل) المقدمة الثالثة. 2 – أن السيد ابن طاووس ادعى الاتفاق على وثاقته، حيث قال عند ذكره رواية عن أمالي الصدوق في سندها إبراهيم بن هاشم: ” ورواة الحديث ثقات بالاتفاق “. فلاح السائل: الفصل التاسع عشر، الصفحة 158. 3 – أنه أول من نشر حديث الكوفيين بقم. والقميون قد اعتمدوا على رواياته، وفيهم من هو مستصعب في أمر الحديث، فلو كان فيه شائبة الغمز لم يكن يتسالم على أخذ الرواية عنه، وقبول قوله) . وقد وقع إبراهيم بن هاشم في إسناد كثير من الروايات تبلغ ستة الآف وأربعمائة وأربعة عشر موردا، ولا يوجد في الرواة مثله في كثرة الرواية) انتهى. أقول: وجل ثروة ولده علي بن ابراهيم الثقة الثبت عنه وذلك فإن علي بن إبراهيم قد ورد في أسانيد سبعة آلاف ومائة وأربعين رواية منها ستة آلاف ومأتين وأربع عشرة رواية عن ابيه ابراهيم.
«صفحة 110»
عيسى(1) عن إبراهيم بن عمر(2) عن أبان وهو طريق صحيح إلى أبان أيضاً.
الطريق الثالث: فهو عن علي بن محمد عن احمد بن هلال العبرتائي عن محمد بن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن أبان وهو طريق ضعيف باحمد بن هلال العبرتائي.
والطوسي (رحمه الله) رواه في كتابه الغيبة(3) عن رجاله عن محمد بن يعقوب الكليني بالسند الآنف الذكر.
أما الصدوق (رحمه الله): فقد رواه عن أبيه(4) عن سعد بن عبد الله(5) عن احمد بن محمد
ـــــــــــــــــــــــ
(1) حماد بن عيسى الجهني غريق الجحفة ثقة له كتاب النوادر كان كوفيا سكن البصرة مات في حياة أبي جعفر الثاني (عليه السلام) وكان ثقة في حديثه صدوقا مات غريقا بوادي قناة وهو واد يسيل من الشجرة إلى المدينة سنة (209) وله نيف وتسعون سنة. عن حمدويه عن العبيدي قال حماد بن عيسى دخلت على ابي الحسن الاول فقلت جعلت فداك ادع الله لي ان يرزقني دارا وزوجة وولدا وخادما والحج فقال اللهم صل على محمد وآل محمد وارزقه دارا وزوجة وولدا وخادما والحج خمسين سنة قال حماد فلما اشترط خمسين سنة علمت إني لا أحج اكثر من خمسين سنة قال حماد وحججت ثماني وأربعين سنة وهذه داري وقد رزقتها وهذه زوجتي وراء الستر تسمع كلامي وهذا ابني وهذا خادمي قد رزقت كل ذلك فحج بعد هذا الكلام حجتين ثم خرج بعد الخمسين حاجا فزامل أبا العباس النوفلي القصير فلما صار في موضع الاحرام دخل يغتسل فجاء الوادي فحمله فغرقه الماء رحمه الله وأباه قبل ان يحج زيادة على الخمسين عاش إلى وقت الرضا (عليه السلام) وتوفي سنة تسع ومائتين.
(2) قال النجاشي: شيخ من أصحابنا ثقة روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام) ذكر ذلك أبو العباس وغيره له كتاب يرويه عنه حماد بن عيسى وغيره.
قال العلامة التستري: وان المراد بابي العباس في كلام النجاشي خصوص ابن عقدة واعتبار جرحه وتعديله.
وقال ابن الغضائري إبراهيم بن عمر اليماني ضعيف جدا روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام) وله كتاب.
قال السيد الخوئي (رحمه الله) في معجم رجال الحديث: الرجل يعتمد على روايته لتوثيق النجاشي له ولوقوعه في اسناد تفسير القمي ولا يعارضه التضعيف عن ابن الغضائري لما عرفت في المدخل من عدم ثبوت نسبة الكتاب إليه وطريق الصدوق إليه أبوه رضي الله عنه عن سعد بن عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني والطريق صحيح.
(3) ص137.
(4) هو علي بن الحسين بن موسى بن بابويه يكنى أبا الحسن والد الشيخ الصدوق المشهور شيخ القميين في عصره و متقدمهم و فقيههم وثقتهم كان قدم العراق واجتمع مع ابي القاسم الحسين بن روح «رحمه الله» وسأله مسائل ثم كاتبه بعد ذلك على يد محمد بن علي الاسود يسأله أن يوصل له رقعة إلى صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه) ويسأله فيها الولد فكتب (عليه السلام) إليه قد دعونا الله لك بذلك وسترزق ولدين ذكرين خيرين فولد له أبو عبد الله و أبو جعفر (وهو المشهور بالصدوق) وقد مات علي بن الحسين سنة (329) وكانت له كتب منها كتاب الامامة والتبصرة من الحيرة مطبوع وكانت النسخة التي عثر عليها ناقصة.
(5) هو الأشعري القمي وقد مرت ترجمته.
«صفحة 111»
بن عيسى عن محمد بن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن أبان عن سليم(1).
ورواه أيضا عن ابيه عن سعد عن يعقوب بن يزيد(2) عن حماد بن عيسى عن عبد الله بن مسكان(3) عن أبان عن سليم(4).
ورواه أيضا عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار(5) عن يعقوب بن يزيد وإبراهيم بن هاشم جميعا عن حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني عن أبان(6).
وهي أيضا أسانيد صحيحة إلى أبان(7).
وفي ضوء ذلك:
يتبين ان كتاب سليم أو أحاديث الاثني عشر بروايته قد كانت متداولة عند الشيعة في النصف الثاني من القرن الثاني والربع الأول من القرن الثالث.
وذلك لان محمد بن أبي عمير قد توفي سنة 217 وقد عاصر الامام الكاظم والرضا (عليهما السلام) وهو من فقهاء أصحابهما.
أما حماد بن عيسى فقد توفي سنة (209هـ).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) كتاب الخصال ص477.
(2) قال النجاشي: يعقوب بن يزيد بن حماد الانباري السلمي، أبويوسف، من كتاب المنتصر، روى عن أبي جعفر الثاني عليه السلام، وانتقل إلى بغداد، وكان ثقة صدوقا (رجال النجاشي /450) . وعنونه الشيخ الطوسي في الفهرست (الكاتب الانباري) قال كثير الرواية وهو ثقة.
(3) قال النجاشي عبد الله بن مسكان أبومحمد مولى [ عنزة ]، ثقة، عين، روى عن أبي الحسن موسى عليه السلام. (رجال النجاشي ص 214) .
(4) إكمال الدين 262.
(5) مولى عيسى بن موسى الاشعري قال النجاشي: كان وجها في أصحابنا القميين ثقة عظيم القدر راجحا قليل السقط في الرواية توفي بقم سنة 290 رحمه الله وقال الشيخ الطوسي في الفهرست (له كتب مثل كتب الحسين بن سعيد وزيادة كتاب بصائر الدرجات وغيره) .
(6) كتاب الخصال 477.
(7) توجد طرق أخرى ورواة آخرون لكتاب سليم وأحاديثه أحصاها العلامة الانصاري في كتابه سليم بن قيس ج1ص204-253.
«صفحة 112»
أما عمر بن أذينة وهو من أصحاب الكاظم أدرك أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) وروى عنه وكان قد هرب من المهدي العباسي ومات باليمن في حدود سنة (168هـ).
انظر الجدول التوضيحي بذلك على الصفحة التالية.
ثانيا:
قوله: (ولكن عامة الشيعة في ذلك الزمان كانوا يشكون في وضع واختلاق كتاب سليم).
أقول: ليس الامر كما ذكر. .
وتحقيق الامر: ان ابن الغضائري وهو معاصر للشيخ الطوسي قال في ترجمته لـ (أبان بن أبي عياش): «لا يلتفت إليه وينسب أصحابنا وضع كتاب سليم بن قيس إليه»، وقال المفيد في شرحه لاعتقادات الصدوق: «وأما ما تعلق به من حديث سليم الذي رجع فيه إلى الكتاب المضاف إليه برواية أبان بن أبي عياش فالمعنى فيه صحيح غير ان الكتاب غير موثوق به»(1).
وان اغلب المحققين من علماء الشيعة لم يعتنوا بتضعيفات ابن الغضائري.
قال السيد الخوئي (رحمه الله) في معجم رجال الحديث: «أما الكتاب المنسوب إلى ابن الغضائري فهو لم يثبت ولم يتعرض له العلامة في إجازاته وذكر طرقه إلى الكتب. بل أن وجود هذا الكتاب في زمان النجاشي والشيخ أيضا مشكوك فيه، فإن النجاشي لم يتعرض له مع انه قدس سره بصدد بيان الكتب التي صنفها الامامية حتى انه يذكر مالم يره من الكتب و ان ما سمعه من غيره أو رآه في كتابه، فكيف لا يذكر كتاب شيخه الحسين بن عبيد الله أو ابنه احمد! وقد تعرض قدس سره لترجمة الحسين بن عبيد الله ولم يذ كر فيها كتاب الرجال كما انه حكى عن احمد بن الحسين في عدة موارد ولم يذكر انه له كتاب الرجال. نعم أن الشيخ تعرض في مقدمة فهرسته: أن احمد بن الحسين كان له كتابان ذكر في أحدهما المصنفات وفي الاخر الاصول ومدحهما غير انه ذكر عن بعضهم أن بعض ورثته أتلفهما ولم ينسخهما أحد.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) قاموس الرجال ج1/ترجمة ابان بن أبي عياش.
«صفحة 113»
«صفحة 114»
والمتحصل من ذلك أن الكتاب المنسوب إلى ابن الغضائري لم يثبت بل جزم بعضهم بأنه موضوع وضعه بعض المخالفين ونسبه إلى ابن الغضائري بل أن الاختلاف في النقل عن هذا الكتاب يؤيد عدم ثبوته بل توجد في عدة موارد ترجمة شخص في نسخة ولا توجد في نسخة أخرى إلى غير ذلك من المؤيدات»(1).
وقال العلامة الطهراني (رحمه الله) في الذريعة (. . جرت سيرة الاصحاب على عدم الاعتناء بتضعيفات كتاب الضعفاء على فرض معلومية مؤلفه فضلا على انه مجهول المؤلف فكيف يسكن إلى جرحه».
وقال في كتابه المشيخة أيضاً: «ذكر السيد احمد بن طاووس. . انه وجد نسخة منسوبة إلى ابن الغضائري من دون إسناد له إليه، فأدرج ما في تلك النسخة أيضا ضمن ما جمعه من تلك الاصول الاربعة أي رجال النجاشي ورجال الكشي والشيخ وفهرست الشيخ في المواضع اللائقة بعين ألفاظه. . وهو أقوى سبب لضعف تضعيفات ابن الغضائري حيث أن كتابه لم يكن مسندا للناقل عنه وهو السيد ابن طاووس الذي اخذ من كلامه بعده تلميذه العلامة الحلي وابن داود في كتابي الخلاصة والرجال ثم من تأخر عنه حتى اليوم. فكل ما ينسب إلى ابن الغضائري من الاقوال لم يصل إلينا بأسانيد معتبرة عنه، بل الناقل عنه أولا أعلمنا بعدم الاسناد وخلص نفسه»(2).
أقول:
وعلى فرض الاعتناء بتضعيفات الغضائري والاخذ بها عند التعارض كما ذهب إلى ذلك نفر من علمائنا كالعلامة الحلي (رحمه الله) (ت726هـ) والعلامة التستري (رحمه الله) (ت1416هـ) صاحب قاموس الرجال، فان ذلك لا يضر بكتاب سليم بن قيس لان جهة حكم ابن الغضائري على الكتاب بالوضع معلومة وهي وجود خبرين الاول خبر وعظ محمد بن أبي بكر أباه عند الموت (وهو خبر محقق الكذب) والثاني خبر يفهم منه أن الائمة ثلاثة عشر(وهو خبر اشتبه فيه راويه قطعا) ووجود هذين الخبرين ونظائرهما ان وجدت وهي قليلة غير كافية في الحكم على اصل الكتاب بالوضع فان
ـــــــــــــــــــــــ
(1) معجم رجال الحديث: ج1ص102.
(2) كتاب سليم بن قيس للانصاري ج1ص162 نقلا عن كتاب المشيخة للطهراني ص 36.
«صفحة 115»
قصارى ما تدل عليه هو ان نسخة الكتاب قد لحقها تخليط وتحريف ومن هنا أوجب الشيخ المفيد عدم الاعتماد على كل ما ورد في الكتاب دون تحقيقونظير ذلك كتاب مقتل الحسين (عليه السلام) لابي مخنف فان الاصل المتداول عند عامة الناس فيه زيادة وتحريف وهي لا توجب الحكم على اصل الكتاب بالوضع وقد روى الطبري في تاريخه اكثر أخباره ومن يقارن بين روايات الطبري عن أبي مخنف وروايات النسخة المتداولة يكتشف مواضع التحريف.
القول الحق في كتاب سليم:
قال العلامة التستري (رحمه الله): «والحق في كتاب سليم بن قيس ان اصله كان صحيحاً قد نقل عنه الاجلة المشايخ الثلاثة والنعماني والصفار وغيرهم، إلا انه حدث فيه تخليط وتدليس من المعاندين فالعدو لا يألو خبالا كما عرفت من المفيد، لا كما قال ابن الغضائري من كون الكتاب موضوعا لخبر وعظ محمد بن أبي بكر أباه، فالكتاب الموضوع ان اشتمل على شىء صحيح يكون في الاقلية كما في التفسير الذي افتروه على العسكري (عليه السلام)، والكتاب بالعكس، بل لم نقف فيه على كذب محقق سوى خبر الوعظ، أما خبر عدد الائمة فقد عرفت انه سوء تعبير من بعض الرواة، ووقوع أخبار خمسة مثله في الكافي، وحينئذ فلا بد ان يراعى القرائن في أخباره كما عرفت من المفيد»(1).
قول النعماني في كتاب سليم:
أما قول ابن الغضائري /وهو من رجال القرن الخامس الهجري/: «ينسب أصحابنا وضع كتاب سليم بن قيس إليه أي إلى أبان بن أبي عياش فيعارضه قول النعماني وهو من رجال القرن الرابع الهجري (ت362هـ) (وليس بين جميع الشيعة فيمن حمل العلم ورواه عن الائمة خلاف في كتاب سليم بن قيس الهلالي اصله من اكبر كتب الاصول التي رواها أهل العلم وحملة حديث أهل البيت (عليهم السلام) وأقومها لان
ـــــــــــــــــــــــ
(1) قاموس الرجال للتستري ترجمة أبان بن أبي عياش.
«صفحة 116»
جميع ما اشتمل عليه هذا الاصل إنما هو عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) وسلمان والمقداد وأبي ذر ومن جرى مجراهم ممن شهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين وسمع منهم وهو من الاصول التي ترجع الشيعة إليها ويُعوَّل عليها»(1).
ومراد النعماني من كلمة (الاصل) مراد أهل العلم منها قال الطهراني: «الاصل من كتب الحديث هو ما كان المكتوب فيه مسموعا لمؤلفه من المعصوم (عليه السلام) أو عمن سمع منه لا منقولا من مكتوب»(2).
قول ابن النديم في كتاب سليم:
ويؤيد كلام النعماني ما ذكره ابن النديم (ت380هـ) في كتابه الفهرست قال: «سليم بن قيس من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) وكان هارباً من الحجاج لانه طلبه ليقتله فلجأ إلى أبان بن أبي عياش فآواه فلما حضرته الوفاة قال لابان ان لك عليَّ حقاً وقد حضرتني الوفاة يا ابن أخي انه كان من أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) كيت وكيت وأعطاه كتابا وهو كتاب سليم بن قيس المشهور رواه عنه أبان بن أبي عياش ولم يروه عنه غيره. . وهو أول كتاب ظهر للشيعة(3).
ان ابن النديم حين ذكر كتاب سليم بن قيس إنما ذكره بصفته أول كتاب واقدم كتاب عند الشيعة ثم ذكر بعده مؤلفي الشيعة الاخرين وكتبهم ولو كانت شبهة الوضع تلاحق الكتاب وتقترن به في القرن الرابع الهجري كما يدعي صاحب النشرة لما فاتت على ابن النديم وهو خبير عصره بالكتب التي اشتهرت في زمانه.
وفي ضوء ذلك:
يتضح خطأ قول صاحب النشرة (وكان عامة الشيعة في ذلك الزمان يشكُّون في وضع واختلاق كتاب سليم وذلك لروايته عن طريق محمد بن علي الصيرفي أبو سمينة
ـــــــــــــــــــــــ
(1) النعماني كتاب الغيبة ص102.
(2) الذريعة ج2/125.
(3) ابن النديم ص 276.
«صفحة 117»
الكذاب المشهور واحمد بن هلال العبرتائي الغالي الملعون).
فانه ان كان يقصد شيعة القرن الرابع الهجري فان كلام النعماني الانف الذكر يكذبه وان كان يقصد الشيعة في عصر الشيخ المفيد فقد تبين الحال من مناقشة العلامة التستري.
أما قوله (ان الواضع للكتاب هو أبو سمينة واحمد بن هلال العبرتائي).
فهو قول جزاف(1). . كان شاهده الوحيد عليه دعواه ان الكتاب لم يكن معروفا عند واحد من الشيعة في عصر الائمة وقد تبين سقوط هذه الدعوى.
نعم كانت الشبهة تحوم على أبان بن أبي عيّاش(2) كما ذكر ذلك ابن الغضائري وتبناها وقدَّم عليها شاهدين تبيَّن حالهما، وان وجودهما في الكتاب يؤدي إلى القول بوضعهما ودسهما فيه لا القول بوضع كل أخبار الكتاب.
ثالثا:
ما نقله صاحب النشرة من كلام ابن الغضائري من قوله: «وكان أصحابنا يقولون ان سليماً لا يُعرف ولا ذِكرَ له يوحي للقارىء ان سليماً لا يعرف من الرجاليين وليس له ذكر عندهم وان ابن الغضائري كان يقول بذلك».
ولكن واقع الحال ان ابن الغضائري ينفي ذلك وعبارته بتمامها هي كان أصحابنا
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الجُزاف: هو بيعك الشىء واشتراؤكه بلا وزن ولا كيل (لسان العرب) .
(2) قال العلامة الحلي في الخلاصة في ترجمة ابان بن أبي عياش: لا يلتفت إليه وعن الغضائري انه ينسب أصحابنا وضع كتاب سليم بن قيس إليه وقال السيد علي بن احمد العقيقي في كتاب الرجال (أبان بن ابي عياش كان فاسد المذهب ثم رجع كان سبب تعرفه هذا الامر سليم بن قيس الهلالي حيث طلبه الحجاج ليقتله حيث هو من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) فهرب إلى ناحية من ارض فارس ولجأ إلى أبان فلما حضرته الوفاة قال لابان ان لك علي حقا وقد حضرني الموت يا ابن أخي انه كان بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كيت وكيت وأعطاه كتابا فلم يرو عن سليم بن قيس أحد من الناس سوى أبان. أقول يبدو ان سليم بن قيس كان قد دوَّن كتابه في فترة طلب الحجاج له واختفائه عنه ومن ثم انحصرت رواية كتابه بأبان الذي لجأ اليه واختفى عنده. وهناك بقية في ترجمة أبان اوردناها في جواب رسالة أحد الأخوة القراء من السودان اوردناها في آخر الكتاب
«صفحة 118»
يقولون ان سليما(1) لا يعرف ولا ذُكِرَ في خبر، وقد وجدت ذكره في مواضع من غير جهة كتابه ولا رواية أبان بن أبي عياش(2).
رابعا:
قوله: (ولم يصل الكتاب (كتاب سليم) إلى الاجيال المتعاقبة بصورة موثقة ومروية).
أقول: أغنانا في الجواب على هذه الدعوى ما كتبه العلامة الشيخ محمد باقر الانصاري الذي صرف اثنتي عشرة سنة في تحقيق الكتاب وقد أخرجه في ثلاثة مجلدات استوعب كل جوانب التحقيق فيه، ومما جاء فيه قوله مختصراً:
«ان نسخة كتاب سليم كانت موجودة عند ابن أبي عمير وحماد بن عيسى وعبد الرزاق بن همام.
وان نسخة عبد الرزاق قد وصلت إلينا بأربعة طرق:
الاول: طريق ابن عقدة (ت333هـ).
الثاني: طريق محمد بن همام بن سهيل (ت332هـ).
الثالث: طريق الحسن بن أبي يعقوب الدينوري.
الرابع: طريق أبو طالب محمد بن صبيح بن رجاء بدمشق سنة 334وبهذا الطريق اصبح الكتاب متداولا حيث كانت عدة نسخ خطية منه موجودة عند كبار علمائنا كما توجد اليوم مخطوطات منها في مكتبات إيران والعراق والهند.
وان نسخة حماد بن عيسى وصلت إلينا عن طريق الشيخ الطوسي والشيخ النجاشي بأسانيد متصلة.
وان نسخة ابن أبي عمير وصلت إلينا عن طريق الشيخ الطوسي بأسانيد متصلة ووصلت إلى العلامة الحر العاملي والعلامة المجلسي وهي المتداولة اليوم.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) قال السيد الخوئي «رحمه الله» في معجم رجال الحديث: (ان سليم بن قيس في نفسه ثقة جليل القدر عظيم الشأن ويكفي في ذلك شهادة البرقي بأنه من الاولياء من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) المؤيدة بما ذكره النعماني في شأن كتابه) . (ت77هـ) .
(2) الخلاصة 83.
«صفحة 119»
وان نسخة الشيخ الطوسي برواية ابن أبي عمير وصلت إلى المحدِّث شهر آشوب جد صاحب المناقب والفقيه محمد بن أبي احمد بن شهريار والشيخ أبو علي الطوسي بن الشيخ الطوسي، وأما شهر آشوب فقد انتقلت نسخته إلى محمد بن علي بن شهر آشوب صاحب المناقب وقد اخبر بالكتاب صاحب المناقب بالحلة قراءة عليه سنة (567هـ) وأما ابن شهريار الخازن فقد رواه للشريف أبي الحسن العريضي ومنه للشيخ الفقيه محمد بن الكال المتوفى سنة 597، أما نسخة الشيخ ابي علي بن الشيخ الطوسي فقد وصلت بواسطة الشيخ الفقيه الحسن بن هبة الله بن رطبة السوراوي وهو قد اخبر بالكتاب في كربلاء سنة (560هـ) وأيضا بواسطة الشيخ الحسن بن احمد بن طحال المقدادي ومنه إلى الرئيس أبي البقاء هبة الله بن نما قراءة عليه بالنجف سنة 520. ثم وصلت نسخة الشيخ الطوسي هذه إلى العلامة المجلسي صاحب البحار وقد أوردها بتمامها في موسوعته بحار الانوار، وكذلك وصلت إلى الشيخ الحر العاملي صاحب وسائل الشيعة وقد وصلت نسخته بعد ذلك إلى العلامة السماوي وعنها طبع المطبوع المتداول(1).
الخلاصة:
اتضح من خلال البحث بطلان دعوى صاحب النشرة من (كون كتاب سليم بن قيس أو روايات الاثني عشر عنه لم تكن معروفة عند أحد من الشيعة زمن الائمة الاحد عشر) وكذلك دعواه (ان كتاب سليم أو روايات الاثني عشر عند الشيعة من اختلاق العبرتائي والصيرفي) وتبين لنا عدم انحصار الرواية بهما، وان الشبهة في اختلاق كتاب سليم إنما كانت تحوم حول أبان بن أبي عياش الراوي الذي انحصرت به رواية كتاب سليم، واختلاف رجاليي الشيعة في وثاقته وقد قلنا في البحث ان هذا الاختلاف لا يضر في الرد على مقولة صاحب النشرة والزيدية من ان احاديث الاثني عشر قد اختلقها الشيعة في عصر الغيبة، إذ المطلوب اثبات وجودها عند الشيعة في
ـــــــــــــــــــــــ
(1) كتاب سليم تحقيق الانصاري ج1/69.
«صفحة 120»
عصر الائمة (عليهم السلام) وقد اثبتنا ذلك.
وان أدلة ابن الغضائري في التشكيك بأصل كتاب سليم مردودة ومعارضة بكلام النعماني الذي نقل لنا رأي الشيعة في زمانه، هذا مضافاً إلى انه لو كانت شبهة الوضع تلاحق كتاب سليم لما فاتت على ابن النديم الذي ترجم للكتاب وصاحبه.
أما دعوى صاحب النشرة من (ان كتاب سليم لم يصل إلى الاجيال المتعاقبة بصورة موثقة ومروية فقد أجاب عنها مفصلاً محقق كتاب سليم بن قيس كما أشرنا إليه).
«صفحة 121»
الحلقة الاولى
الفصل الثامن ـ أسانيد روايات الاثني عشر عند السنة والشيعة
قوله: ان روايات حصر الأئمة باثني عشر عند السنة والشيعة ضعيفة السند!
أقول: البحث السندي في روايات الاثني عشر إماما عند الفريقين يكذب دعواه تلك. وان الأحاديث الشيعية في الاثني عشر كانت معروفة لدى الثقات من الشيعة قبل ولادة المهدي (عليه السلام) بل منذ القرن الثاني الهجري.
«صفحة 122»
«صفحة 123»
نص الشبهة
«ومن هنا فقد اعترض الزيدية على الامامية وقالوا (ان الرواية التي دلت على ان الائمة اثنا عشر قول أحدثه الامامية قريبا وولدوا فيه أحاديث كاذبة(1). وقام أصحاب النظرية (نظرية الاثني عشر) باستيراد أحاديث من (أهل السنة) مروية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) تشير إلى عدد الخلفاء والامراء من بعده وتذكر رقم (اثني عشر) وأضافوا إليها أحاديث اختلقوها بعد ذلك تشير إلى حصر الامامة في (اثني عشر إماماً) فقط… استعار الذين قالوا بوجود المهدي محمد بن الحسن العسكري وولادته سرا في حياة أبيه بعض الاحاديث الضعيفة والمضطربة والمشوشة والغامضة من السنة والتي تذكر مجىء اثني عشر أميرا أو خليفة بعد رسول الله وهذبوها وشذبوها وطبقوها على عدد الائمة الذين كانوا قد بلغوا مع ابن الحسن المفترض وحسب العد الامامي: اثني عشر واحدا فقالوا بان الائمة اثنا عشر وعرف هؤلاء (الاثني عشر). (ولكن عملية الاستدلال بتلك الاخبار على صحة النظرية (الاثنا عشرية) كانت تواجه ضعف سند تلك الاخبار حيث أنها ضعيفة عند السنة ولا يلتزم أحد منهم بمضمونها. كما أنها اضعف عند الشيعة(2). ولا توجد بينها رواية واحدة صحيحة حسب مقاييس علم الرجال الشيعي»(3).
الرد على الشبهة
اقول ولنا على كلامه الانف الذكر تعليقتان:
الاولى:
قوله: (أنها ضعيفة السند عند السنة ولا يلتزم أحد بمضمونه).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الشورى العدد العاشر ص12.
(2) كتابه عن المهدي (عليه السلام) .
(3) كتابه نظرية الامامة الالهية.
«صفحة 124»
أقول: ليت صاحب النشرة جاء بكلام واحد من علماء أهل الحديث المعتبرين عند السنة يضعِّف حديث الاثني عشر، وأنى له بذلك وقد روى الحديث كل من البخاري ومسلم في صحيحيهما وأبو داود والترمذي في سننهما ومن قبلهم رواه احمد بن حنبل في مسنده بأسانيد صحيحةورواه آخرون أيضاً.
روى البخاري عن جابر بن سمرة قال سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: «يكون بعدي اثنا عشر أميرا… كلهم من قريش».
وفي رواية لمسلم «لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش»(1).
وفي رواية «لا تضرهم عداوة من عاداهم»(2).
وفي رواية «يكون لهذه الامة اثنا عشر قيِّماً لا يضرهم من خذلهم كلهم من قريش»(3).
وفي رواية مسروق قال: «سأل رجل عبد الله بن مسعود قال له يا أبا عبد الرحمن هل سألتم رسول الله كم يملك هذه الامة من خليفة فقال عبد الله سألناه فقال: اثنا عشر عدة نقباء بني إسرائيل»(4).
وفي رواية أخرى «يكون بعدي من الخلفاء عدة أصحاب موسى»(5).
وفي رواية أخرى «كلهم تجتمع عليه الامة»(6).
قال ابن كثير «وقد روي مثل هذا عن عبد الله بن عمر وحذيفة وابن عباس»(7).
أقول: وقد روى مثله الهيثمي في مجمع الزوائد عن الطبراني في الاوسط والكبير،
ـــــــــــــــــــــــ
(1) جامع الاصول لابن الاثير ج4/45-46.
(2) فتح الباري 16/338.
(3) كنز العمال 13/27.
(4) مسند احمد 1/398، 406 قال احمد شاكر في هامش الحديث الاول: (اسناده صحيح) ومستدرك الحاكم 4/501 وفتح الباري 16/339 مجمع الزوائد 5/190، كنز العمال 13/27.
(5) البداية والنهاية لابن كثير 6/248 وكنز العمال 13/27.
(6) سنن أبي داود ج2 /423.
(7) البداية والنهاية 6/248. وحذيفة هو حذيفة بن أسيد ممن بايع تحت الشجرة سكن الكوفة وتوفي بها، ورواية عبد الله بن عمر رواها أبو القاسم البغوي بسند حسن كما ذكر ذلك السيوطي في تاريخ الخلفاء ص61 طبعة السعادة بمصر.
«صفحة 125»
والبزار، عن أبي جحيفة(1).
ويتبين من ذلك ان حديث الاثني عشر عند السنة لا تنحصر روايته بالصحابي جابر بن سمرة بل يرويه صحابة آخرون ذكرت الكتب السنية الميسرة فعلا خمسة منهم.
لقد ظن علماء الحديث من أهل السنة ان المراد بهؤلاء الاثني عشر هم الحكام الذين جاءوا بعد الرسول واتفقوا على تسمية الاربعة الاوائل منهم وحاروا في تكملة العدد، فمنهم من عد معاوية بن أبي سفيان ويزيد بن معاوية وعبد الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك وسليمان بن عبد الملك ثم يزيد بن عبد الملك ثم هشام بن عبد الملك وبين سليمان ويزيد عمر بن عبد العزيز والثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك) وقد رجح هذا القول ابن حجر(2) ومنهم من قال ان هؤلاء الاثني عشر مفرقين في الامة إلى آخر الدنيا(3).
وهذا التفسير بعيد عن الصحة تماماً وذلك لان تشبيه النبي (صلى الله عليه وآله) لهؤلاء الاثني عشر بأصحاب موسى ونقباء بني إسرائيل يفيد انهم من سنخهم وقد أخبرنا الله تعالى عن نقباء بني إسرائيل بقوله ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَىْ عَشَرَ نَقِيبًا﴾ المائدة/12-13.
وقال تعالى ﴿وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ، وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَىْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا﴾ الاعراف/159-160.
وقد كان أول هؤلاء الاثني عشر بعد موسى هو يوشع بن نون وكان آخرهم داود، وكان ما بينهم النبي إشموئيل وطالوت ولم يكن نبياً بل كان عالماً اصطفاه الله ونص عليه بواسطة نبيه إشموئيل، وكانت تكملة الاثني عشر من آل هارون ولم يكونوا انبياء
ـــــــــــــــــــــــ
(1) مجمع الزوائد ج 5 ص190 وأبو جحيفة هو وهب بن عبد الله السوائي كان من صغار الصحابة، نزل الكوفة، وكان علي (عليه السلام) قد جعله على بيت المال بالكوفة وشهد معه مشاهده كلها (الاستيعاب ج4 ص1619) .
(2) فتح الباري 16/341.
(3) انظر كتاب معالم المدرستين للعلامة العسكري ج1/541-547حيث اورد كلمات علماء السنة التي تكشف عن اضطرابهم وحيرتهم في تفسير الحديث.
«صفحة 126»
أيضا بل كانوا علماء اصطفاهم الله وطهرهم ونص عليهم بواسطة نبيه موسى وقد ذُكِروا في القرآن كعنوان للنقباء بعد موسى وقبل النبي إشموئيل ولم يدخل في تفاصيلهم(1).
وهم المشار إليهم في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ فَلاَ تَكُنْ فِي مِرْيَة مِّن لِّقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ السجدة/23-24.
وكذلك الامر في الائمة الاثني عشر بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) هم أئمة هدى لا يصلح الحكم إلا لهم في زمانهم ولا تتأثر منزلتهم من الله ورسوله سواء أقبل الناس عليهم أم أعرضوا عنهم.
ويؤيد ذلك قول النبي (صلى الله عليه وآله) عنهم انهم «لا تضرهم عداوة من عاداهم» «لا يضرهم من خذلهم» لان ولايتهم لا تستند إلى الناس بل إلى الله تعالى، هذا بخلاف ولاية الحاكم التي تتضرر بخذلان من يخذل لان قوته وسلطته تستند إلى الناس.
ويؤيد ذلك أيضاً ما ورد عن علي (عليه السلام) قوله أين الذين زعموا انهم الراسخون في العلم دوننا كذبا وبغيا علينا ان رفعنا الله ووضعهم وأعطانا وحرمهم وأدخلنا وأخرجهم بنا يستعطى الهدى ويستجلى العمى ان الائمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم لا تصلح على سواهم ولا تصلح الولاة من غيرهم(2).
فهو (عليه السلام) هنا يتحدث عن أئمة هدى بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) لهم منزلة الرسول في الهداية وفي اختصاص الحكم في زمانهم بهم وكونهم منحصرين في بني هاشم، ومما لاشك فيه انه ليس كل بني هاشم لهم هذه الخصوصية بل هم علي (عليه السلام) والاحد عشر من ولده من فاطمة (عليها السلام). ومن الواضح ان كلامه (عليه السلام) يشير إلى حديث النبي (صلى الله عليه وآله) «الائمة من بعدي اثنا عشرفهم إذن نظراء أئمة الهدى من بني إسرائيل الذين جعلهم الله تعالى بعد موسى وجعلهم اثني عشرة أسباطا أي أحفاداً ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْض﴾ آل عمران /32 ».
وفي ضوء ذلك يحمل قوله (صلى الله عليه وآله): «كلهم تجتمع عليه الامة» أي كلهم ينبغي أن
ـــــــــــــــــــــــ
(1) انظر الايات 246 – 248 من سورة البقرة.
(2) نهج البلاغة خ 144.
«صفحة 127»
تجتمع عليهم أمتي الى آخر الدنيا يأخذون بقولهم وفعلهم وتقريرهم.
الثانية:
قوله: (انها عند الشيعة اضعف) وقوله (أنها مختلقة في عصر الغيبة).
أقول: ليس الامر كما قال. .
إذ الروايات التي أوردها الكليني والصدوق توجد فيها روايات صحيحة السند واشهرها الروايات التي تنتهي إلى سليم بن قيس وقد مضى الحديث عنها في الفصل السابع،
وقد قلنا هناك: بان الطرق إلى كتاب سليم لم تنحصر بالعبرتائي وابي سمينة.
ولا يضر رواية سليم اختلاف علماء الشيعة في وثاقة أبان بن أبي عياش الراوي عن سليم لان المطلوب في أحاديث الاثني عشر وذكر أسماء الائمة (عليهم السلام) من أجل رد شبهة المستشكل هو إثبات وجودها عند الشيعة قبل الغيبة الصغرى.
وليس من شك ان طائفة من أسانيد الكليني والصدوق إلى أبان بن أبي عياش (ت128هـ) صحيحة ويرويها عن أبان كل من محمد بن أبي عمير (ت217هـ) وحماد بن عيسى (ت209هـ).
أما ابن ابي عمير فيرويها عن عمر بن أذينة (ت168هـ).
وأما حمّاد فيرويها عن عمر بن أذينة وإبراهيم بن عمر اليماني المعاصر لابن إذينة.
ومعنى ذلك ان أحاديث الاثني عشر التي تنتهي إلى سليم بن قيس كانت معروفة عند ثقاة الشيعة في القرن الثاني الهجري.
ويضاف إلى ذلك:
الحديث المعروف بحديث اللوح(1) الذي رواه الكليني في باب ما جاء في الاثني
ـــــــــــــــــــــــ
(1) ونصه: قال جابر دخلت على فاطمة (عليها السلام) وبين يديها لوح فيه اسماء الاوصياء من ولدها فعددت اثني عشر اخرهم القائم ثلاثة منهم محمد وثلاثة منهم علي (ومراده بقوله ثلاثة منهم على أي ثلاثة من الاولاد) إذن مجموع من اسمه علي من الائمة الاثني عشر هم اربعة علي (عليه السلام) وثلاثة من ولده. وقد رواه الشيخ الصدوق في الخصال عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن الحسن بن محبوب السراد عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) .
«صفحة 128»
عشر إماماً عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن ابن محبوب عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) فان سند الكليني إلى الحسن بن محبوب السراد المتوفى سنة (224 هـ) صحيح.
ويضاف إليه أيضا الحديث الاول والثاني عند الكليني في الباب نفسه إذ لا غبار على سندهما في مقياس علم الرجال عند الشيعة.
يضاف إلى ذلك أيضا: الرواية رقم (20) من الباب نفسه في الكافي رواها عن محمد بن يحيى واحمد بن محمد عن محمد بن الحسين عن أبي طالب عن عثمان بن عيسى عن سماعة بن مهران قال كنت أنا وأبو بصير ومحمد بن عمران مولى أبي جعفر (عليه السلام) في منزله بمكة فقال محمد بن عمران سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول «نحن اثنا عشر محدَّثاً فقال له أبو بصير سمعت من أبي عبد الله (عليه السلام) فحلفته مرة أو مرتين انه سمعه فقال أبو بصير لكني سمعته من أبي جعفر (عليه السلام) ورجال السند ثقاة، ولا يضره واقفية عثمان بن عيسى لانه رجع وتاب عنها».
وقد رواها الشيخ الصدوق في اكمال الدين ص335 عن محمد بن علي بن ماجيلوية ومحمد بن موسى بن المتوكل قال حدثنا محمد بن يحيى العطار عن محمد بن الحسن الصفار عن أبي طالب عبد الله ابن الصلت القمي عن عثمان بن عيسى عن سماعة بن مهران ورواها أيضا عن محمد بن الحسن بن احمد بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن أبي طالب، وفيها لفظ (مهديا) بدلاً من (محدثاً).
وأيضاً الرواية رقم (15) من الباب نفسه في الكافي رواها عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن سعيد بن غزوان عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال «يكون تسعة أئمة من ذرية الحسين بن علي تاسعهم قائمهم» والسند صحيح.
ويتلخص من ذلك:
ان الذي رواه الكليني والصدوق والطوسي والنعماني باسانيدهما الصحيحة إلى
«صفحة 129»
سماعة بن مهران وابن أبي عمير وحماد بن عيسى وعمر بن أذينة وإبراهيم بن عمر اليماني والحسن بن محبوب السراد و عبد الله بن الصلت القمي وأبي هاشم داود بن القاسم الجعفري تفيد ان احاديث الاثني عشر إماما كانت معروفة لدى الثقاة من الشيعة قبل ولادة المهدي (عليه السلام) بل منذ القرن الثاني الهجري.
وهي كذلك عند السنة اذ رواها أحمد بن حنبل في مسنده وقد توفي سنة 240هـ أي قبل ولادة المهدي (عليه السلام) بخمسة عشر عاما.
ولسنا بحاجة لابطال مقولة صاحب النشرة ومقولة الزيدية من قبل في كون أحاديث الاثني عشر عند الامامية مختلقة في القرن الرابع الهجري إلى اكثر من اثبات وجودها في كتبهم أو عند وجوه رواتهم في القرن الثاني للهجرة او قبل ولادة المهدي (عليه السلام).
«صفحة 130»
«صفحة 131»
الحلقة الأولى
الفصل التاسع ـ الاستدلال على إمامة أهل البيت (عليهم السلام) بنصوص التوراة
قوله: يلاحظ اعتماد بعض الكتاب المتأخرين على التوراة والإنجيل لتعزيز نظرية الإمامة ونظرية الاثني عشرية… وربما كان عبد الله بن سبأ على فرض وجوده قد أساء إلى الشيعة والتشيع بمقارنته المشهورة بين وصية النبي موسى (عليه السلام) ليوشع بن نون ووصية النبي محمد (صلى الله عليه وآله) لعلي بن أبي طالب حيث قدم بهذه المقارنة مادة لاتهام الشيعة باستيراد نظرياتهم من الإسرائيليات.
اقول: ان الاستدلال بالتوراة على مسألة إمامة أهل البيت: لم تكن من ابتداع المتأخرين بل هو استدلال قديم دأب علماء الشيعة على ذكره ضمن الأدلة الأخرى على الإمامة… وقد اخذ الشيعة الأوائل هذا المنهج عن أئمتهم: ومنهج أهل البيت: هو منهج القرآن نفسه حيث كان يستدل على نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) بأدلة متنوعة منها وجود خبر بعثته في التوراة. . ثم ان المؤسس للمقارنة هو رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقوله (يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي) وقوله (الخلفاء بعدي اثنا عشر عدتهم كنقباء بني إسرائيل).
«صفحة 132»
«صفحة 133»
نص الشبهة
كتب صاحب النشرة مقالا يستنكر فيه الاستدلال بالتوراة على إمامة أهل البيت (عليهم السلام) وعنون المقال بمانشيت عريض يقول فيه (المنهج السبئي في البناء الفكري) ومما جاء في مقاله هذا قوله:
«يلاحظ اعتماد بعض الكتاب المتأخرين على التوراة والانجيل لتعزيز نظرية الامامة ونظرية الاثني عشرية. وقد نقل السيد مرتضى العسكري في كتاب: (معالم المدرستين) الجزء الاول ص 539 فقرة من سفر التكوين، الاصحاح 17، الرقم 2018 تقول: (وإسماعيل أباركه وأثمره وأكثره جدا جدا، اثنا عشر إماما يلد واجعله أمة كبيرة) وعلق عليها قائلا: (يتضح من هذه الفقرة ان التكثير والمباركة إنما هما في صلب إسماعيل (عليه السلام) مما يجعل القصد واضحا في الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) باعتبارهم امتدادا لنسل إسماعيل). كما استشهد بتلك الفقرة كاتب هو: تامر مير مصطفى في كتاب له صدر تحت عنوان: (بشائر الاسفار بمحمد وآله الاطهار) عن دار التوحيد بقم سنة 1414. وفسر الكاتب (الاثني عشر رئيسا) الذين وعد الله في التوراة إسماعيل بولادتهم منه بأن المقصود منها ليس هم أبناؤه الاثني عشر المذكورة أسماؤهم في التوراة (سفر التكوين 25، 13، 16) وإنما المقصود هم الائمة الاثنا عشر من ذرية الرسول، وذلك بعد حساب كلمة (كثيرا جدا) بحساب الجمل واثبات ان مجموعها يعادل رقم 92 وهو مجموع كلمة (محمد)، وقال: كما أثبتنا ان مباركة الله الاولى لاسماعيل قد تحققت بمحمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فان المباركة الثانية قد تحققت بظهور اثني عشر إماما مباركا جعلهم الله خلفاء لرسوله وامتدادا طبيعيا لدعوته المباركة (المصدر ص 62). ولا نريد هنا ان نناقش الكاتبين في مدى دلالة الفقرة الاسرائيلية على المطلوب، أو صراحتها، وهل تشمل (الاثنا عشر) لا تحتاج إلى كل هذا التكلف
«صفحة 134»
والمقارنة والاستعانة بالمصادر الاسرائيلية، ويكفي ان يتم بحثها وإثباتها عن طريق القرآن الكريم والاحاديث النبوية وأحاديث أهل البيت (عليهم السلام) إذا ثبتت فبها ونعمت، وإذا لم تثبت بعض معانيها وتفاصليها فلا بد ان نقتصر على الاحاديث الصحيحة. وربما كان عبد الله بن سبأ على فرض وجوده قد أساء إلى الشيعة والتشيع بمقارنته المشهورة بين وصية النبي موسى (عليه السلام) ليوشع بن نون ووصية النبي محمد (صلى الله عليه وآله) لعلي بن أبي طالب حيث قدم بهذه المقارنة مادة لاتهام الشيعة باستيراد نظرياتهم من الاسرائيليات»(1).
الرد على الشبهة
ويؤاخذ على كلامه الانف الذكر:
أولا:
ان الاستدلال بالتوراة على مسألة إمامة أهل البيت (عليهم السلام) لم تكن من ابتداع المتأخرين بل هو استدلال قديم دأب علماء الشيعة على ذكره ضمن الادلة الاخرى على الامامة وقد مر في الشبهة الاولى ان اقدم كتاب كلامي عند الشيعة هو ياقوت الكلام لابراهيم بن نوبخت قد ذكر ذلك كما ذكره أيضا النعماني (ت361هـ) في كتابه الغيبة وفيما يلي نص كلامه:
قال النعماني رحمه الله «ويزيد بإذن الله تعالى هذا الباب دلالة وبرهانا وتوكيدا تجب به الحجة على كل مخالف. . ما ثبت في التوراة مما يدل على الائمة الاثني عشر (عليهم السلام) ما ذكره في السفر الاول فيها من قصة إسماعيل قوله عز وجل (وقد أجبت دعاءك في إسماعيل وقد سمعتك ما باركته وسأكثره جدا جدا وسيلد اثني عشر عظيما اجعلهم أئمة كشعب عظيم) أقرأني عبد الحليم بن الحسين السمري رحمه الله ما أملاه عليه رجل من اليهود، ثم أورد النص العبري وهو (وليشمعيل شمعتيخا هني برختي اوتو وهفرتي اوتو وهربيتي اوتو بمئد مئد شنيم عاسار نسيئم يولد ونتتيوا لغوي غادول »، ثم فسره بما ذكره في أول كلامه.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الشورى العدد الثالث ص6.
«صفحة 135»
ثم قال (رحمه الله) بعد ذلك: «فما بعد شهادة كتاب الله عز وجل ورواية الشيعة عن نبيِّها وأئمتها ورواية العامة من طرقها عن رجالها وشهادة الكتب المتقدمة وأهلها بصحة أمر الائمة الاثني عشر لمسترشد مرتاد طالب أو معاند جاحد من حجة تجب وبرهان يظهر وحق يلزم ان في هذا كفاية ومقنعا ومعتبرا ودليلا وبرهانا لمن هداه الله إلى نوره»(1).
وقد اخذ الشيعة الاوائل هذا المنهج عن أئمتهم (عليهم السلام) حين كانوا يحاجُّون أهل الكتاب ويدلونهم على مواضع ذكرهم مع الرسول (صلى الله عليه وآله) في التوراة والانجيل.
ففي حوار الجاثليق مع الرضا (عليه السلام): قال الرضا (عليه السلام) لنسطاس الرومي: كيف حفظك للسفر الثالث من الانجيل قال ما احفظني له ثم التفت إلى رأس الجالوت فقال أتقرأ الانجيل قال: بلى لعمري، قال فخذ على السفر الثالث فان كان فيه ذكر محمد وأهل بيته وأمته فاشهدوا لي وان لم يكن ذكره فلا تشهدوا(2)…
ومنهج أهل البيت (عليهم السلام) هو منهج القرآن نفسه حيث كان يستدل على نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) بأدلة متنوعة منها وجود خبر بعثته في التوراة كقوله تعالى ﴿أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ وقوله ﴿يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَ الاِنْجِيلِ﴾ وقد اجمع علماء الاسلام على الاستدلال بالتوراة والانجيل على نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) في مقام الاحتجاج على أهل الكتاب وكتبوا بذلك عشرات الكتب.
وإذا كان الله تعالى قد أكرم أهل البيت (عليهم السلام) بان ذكرهم في كتبه الاولى جنباً إلى جنب مع رسوله المكي الموعود فما وجه الغرابة ان يستدل بذلك على إمامتهم؟
والذي ينعم النظر في عدد من نصوص البشارة بمحمد (صلى الله عليه وآله) في الكتب السابقة يجد فيها النبي مقرونا بأهل بيته وليس من شك ان الفقرة (20) من الاصحاح (17) من سفر التكوين(3) هي اشهر نص وأوضحه في الحديث عن النبي وأهل بيته وعددهم، وكان يدركها علماء اليهود بوضوح وكانوا حين ينشرح صدرهم للاسلام يختارون الائتمام بأهل البيت (عليهم السلام) سواء في زمانهم أو في عصر الغيبة.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الغيبة للنعماني /109-110.
(2) كتاب التوحيد للصدوق /314.
(3) بحثنا هذا النص بشكل مفصل في مقال نشر في مجلة ميقات الحج العدد الاول.
«صفحة 136»
قال ابن تيمية في تعليقه على حديث الاثني عشر: «وهؤلاء المبشر بهم في حديث جابر بن سمرة وقرر انهم يكونون مفرقين في الامة ولا تقوم الساعة حتى يوجدوا، و (قد) غلط كثير ممن تشرف بالاسلام من اليهود فظنوا انهم الذين تدعوا إليهم فرقة الرافضة فاتبعوهم»(1).
وكلامه وان كان سلبياً من ناحية تطبيق النص على أهل البيت (عليهم السلام) ولكنه من ناحية أخرى يؤكد ما ذكره النعماني وما ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) من وجود نصوص في أمر أهل البيت (عليهم السلام) كما هو الحال في خاتم الانبياء (صلى الله عليه وآله).
وقد فات ابن تيمية ونظراءه ان علماء اليهود الذين أسلموا وتشيعوا لاهل البيت (عليهم السلام) كانوا قد وجدوا أنفسهم أمام ظاهرة من النصوص التوراتية بعضها يعضد بعضاً باتجاه أهل البيت (عليهم السلام) دون غيرهم(2).
ثانيا:
قوله: (وربما كان ابن سبأ على فرض وجوده قد أساء إلى التشيع بمقارنته بين وصية النبي موسى ليوشع ووصية النبي محمد (صلى الله عليه وآله) لعلي)…
أقول:
ان المؤسس للمقارنة بين الوصيتين هو رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقوله «يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي» وهو حديث صحيح مروي في الكتب المعتبرة عند السنة فضلاً عن الشيعة(3).
و بقوله (صلى الله عليه وآله) لسلمان لما سأله يا رسول الله لكل نبي وصي فمن وصيك فسكت عنه ثم بعد ذلك دعاه فقال ياسلمان تعلم من وصي موسى قال سلمان قلت نعم يوشع بن نون، قال ولم قلت لانه كان أعلمهم، قال: «فان وصيي وموضع سري وخير من اترك بعدي وينجز عدتي ويقضي ديني علي بن ابي طالب»(4).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) البداية والنهاية ج6/250.
(2) وقد قمنا بدراسة تفصيلية لهذه النصوص نرجوا ان نوفق لنشرهافي فرصة قريبة.
(3) رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما واحمد بن حنبل في مسنده وغيرهم.
(4) المعجم الكبير للطبراني ج6/221/رقم 6063. قال حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي حدثنا ابراهيم بن الحسن الثعلبي حدثنا يحيى بن يعلى عن ناصح بن عبد الله عن سماك بن حرب عن ابي سعيد الخدري عن سلمان. وقد علق الطبراني على الحديث بقوله (قوله وصيي يعني انه اوصاه في اهله لا بالخلافة وقوله خير من اترك بعدي يعني من اهل بيته (ص» وجاء بهامشه كلام محقق الكتاب حمدي السلفي يخاطب الطبراني (من اين لك هذا يا ابا القاسم (يريد الطبراني) والحديث ليس بصحيح ولو كان صحيحا لم يقبل التأويل وهو بمعنى الخلافة لا كما قلت انت، قال ابن حجر الهيثمي في مجمع الزوائد وفي اسناده ناصح بن عبد الله وهو متروك) . أقول: انما تركوا حديث ناصح لاجل حديثه الانف الذكر لما علموا من دلالته الصريحة ولما رواه اسماعيل بن ابان عنه عن سماك عن جابر قال قالوا يا رسول الله من يحمل رايتك يوم القيامة قال من عسى ان يحملها الا من حملها في الدنيا. (رواه الذهبي في ميزان الاعتدال بترجمة ناصح) . وقد قال عنه الذهبي في ترجمته انه كان من العابدين ذكره الحسن بن صالح فقال رجل صالح نعم الرجل. وقد روى حديث سلمان هذا ايضا سبط بن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص ورواه أيضا المحب الطبري في الرياض النضرة ج2/178.
«صفحة 137»
وبقوله (صلى الله عليه وآله): الخلفاء بعدي اثنا عشر عدتهم كنقباء بني إسرائيل.
وكذلك قوله (صلى الله عليه وآله) في الحسن والحسين إني سميتهما باسم شبر وشبير ولدي هارون.
فهل يقال في حق النبي (صلى الله عليه وآله) انه قدَّم مادة لاتهام الاسلام باستيراد نظرياته من الاسرائيليات؟
وقبل ذلك فان القرآن الكريم هو المؤسس لهذه المقارنة وغارس بذرتها، حين ضرب الامثال للاخِرين بما جرى على الاولين، وقد عني عناية خاصة بقصص بني إسرائيل للتشابه الكبير بينها وبين نظيراتها في بني إسماعيل بعد بعثة محمد (صلى الله عليه وآله) إلى آخر الدنيا. وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله): كل ما كان في الامم السالفة فإنه يكون في هذه الامة مثله حذو النعل بالنعل والقُذَّة بالقذة(1) وفي رواية «لتركبن سنن من كان قبلكم حلوَها ومرَّها»(2).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) اكمال الدين للصدوق /576 (والقذة ريش السهم) .
(2) فتح الباري 17/64، مسند احمد 3/94، ج2/327، 367، 450، 511، 527، ج3/94ج4/125، ج5/218، 340.
«صفحة 138»
«صفحة 139»
الفهرس الاجمالي لكتاب شبهات وردود
- تقريضات العلماء ومقدمة المؤلف ـ ص1 الى 20
- بحث تمهيدي حول الامامة الالهية ونظام الحكم ـ ص21 الى 52
- الحلقة الأولى ـ الرد على الشبهات التى اثارها احمد الكاتب حول العقيدة الاثني عشرية ص 53 الى 138
- الحلقة الثانية ـ الرد على الشبهات التي أثارتها نشرة الشورى حول النص على الإمام علي(ع) ـ ص 139 الى 246
- الحلقة الثالثة ـ الرد على مواضع من كتاب احمد الكاتب ـ ص247 الى 386
- الحلقة الرابعة ـ الرد على شبهات أحمد الكاتب حول ولادة ووجود الإمام المهدي(ع) ـ ص 387 الى 567
هوية الكتاب:
اسم الكتاب: شبهات وردود ـ الرد على شبهات احمد الكاتب حول إمامة اهل البيت (ع) ووجود المهدي المنتظر (ع).
المؤلف: السيد سامي البدري.
الطبعة: الرابعة 1428هـ.ق.
مكان الطبع: قم المقدسة.
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر.
طبعت الطبعة الرابعة بطلب من المجمع العالمي لاهل البيت (ع)، وطبعت الطبعة الخامسة سنة 1431هـ
ISBN: 964-6909-54-x
ترقيم الصفحات مواقف للمطبوع
الفهرس الاجمالي لكتاب شبهات وردود
- تقريضات العلماء ومقدمة المؤلف ـ ص1 الى 20
- بحث تمهيدي حول الامامة الالهية ونظام الحكم ـ ص21 الى 52
- الحلقة الأولى ـ الرد على الشبهات التى اثارها احمد الكاتب حول العقيدة الاثني عشرية ص 53 الى 138
- الحلقة الثانية ـ الرد على الشبهات التي أثارتها نشرة الشورى حول النص على الإمام علي(ع) ـ ص 139 الى 246
- الحلقة الثالثة ـ الرد على مواضع من كتاب احمد الكاتب ـ ص247 الى 386
- الحلقة الرابعة ـ الرد على شبهات أحمد الكاتب حول ولادة ووجود الإمام المهدي(ع) ـ ص 387 الى 567
هوية الكتاب:
اسم الكتاب: شبهات وردود ـ الرد على شبهات احمد الكاتب حول إمامة اهل البيت (ع) ووجود المهدي المنتظر (ع).
المؤلف: السيد سامي البدري.
الطبعة: الرابعة 1428هـ.ق.
مكان الطبع: قم المقدسة.
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر.
طبعت الطبعة الرابعة بطلب من المجمع العالمي لاهل البيت (ع)، وطبعت الطبعة الخامسة سنة 1431هـ
ISBN: 964-6909-54-x
ترقيم الصفحات مواقف للمطبوع