نشرة الحسين وارثـ العدد الاول /10 صفر 1435/ تاليف السيد سامي البدري ـ نشرة تعنى بتيسير الثقافة الاسلامية برواية أهل البيت (ع) لشباب العراق السائر بطريق الحسين (ع) ـ المقال الثالث.
اولا: ولاية علي (ع) يوم الغدير في 18 من ذي الحجة سنة 10هـ ضمانة الهداية والعمل بالسنة النبوية:
تمثل حادثة الغدير المرحلة الاخيرة في بناء المجتمع الاسلامي على عهد النبي ص وذلك حين بين ص لأمته ولاية علي (ع) وكونها امتدادا لولاية الله وولاية رسوله وضمانة لمن اراد ان يحافظ على طاعة النبي (ص) ومن ثم المحافظة على الهداية وعدم الوقوع في الضلال، قال تعالى ﴿قُل أَطيعوا اللهَ واَطيعوا الرَّسولَ فان تَوَلَّوا فاِنَّما عَلَيهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيكُم ما حُمِّلتُم واِن تُطيعوهُ تَهتَدوا وَما عَلَى الرَّسولِ إِلاَّ البَلاغُ المُبينُ﴾ النور/54، والضمير في قوله تعالى ﴿واِن تُطيعوهُ تَهتَدوا﴾ يعود الى الرسول وبخلاف ذلك فانهم ان يعصوه يضلوا ويهلكوا، قال تعالى ﴿فَكَيفَ إِذا جِئنا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهيدٍ وَجِئنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهيداً (41) يَومَئِذٍ يَوَدُّ الَّذينَ كَفَروا وَعَصَوُا الرَّسولَ لَو تُسَوَّى بِهِمُ الأَرضُ…﴾ النساء/41-42.
ومن هنا كانت الولاية يوم الغدير افضل الفرائض، روى زرارة عن أبي جعفر (ع) قال:
بني الاسلام على خمسة أشياء: على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية.
قال زرارة: فقلت: وأي شيء من ذلك أفضل ؟
فقال: الولاية أفضل، لأنها مفتاحهن والوالي هو الدليل عليهن…
ثم قال ذروة الامر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضا الرحمن الطاعة للإمام بعد معرفته، إن الله عز وجل يقول: “ من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا “ أما لو ان رجلا قام ليله وصام نهاره وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه ويكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على الله عز وجل حق في ثوابه ولا كان من أهل الايمان، ثم قال: أولئك المحسن منهم يدخله الله الجنة بفضل رحمته.
وقوله (ع) (ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه ويكون جميع أعماله بدلالته إليه الخ): أي ان الطريق لمعرفة هذه العبادات على وجهها الصحيح هو الامام مضافا الى ان اعتقاد الولاية هو بنفسه شرط في قبول العمل كالنية شرط في صحة الصلاة مثلا، والسر في ذلك انها مما امر به الرسول ثم الامام هو باب مدينة علم الرسول فلا يعرف علم الرسول الا من خلال ولا يأمر الا بما امر به الرسول.
ثانيا: الانقلاب على الاعقاب بعد وفاة النبي(ص) وتربية مسلمة الفتوح على سيرة الشيخين (11-26هـ).
يكشف الحوار في السقيفة بين ابي بكر والانصار بشكل واضح حالة الانقلاب على الاعقاب حين قال لهم ابو بكر:
لن يعرف هذا الامر الا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسبا ودارا.
ولم تعرف العرب هذا الامر الا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسبا ودارا. (مسند احمد 1/56).
ومراده من ذلك: ان العرب تدين لقريش في امر الدين، فهم افضلهم دارا وهي مكة، وافضلهم نسبا لانهم صريح اسماعيل.
وليس من شك ان هذا الميزة لقريش قد كانت في الجاهلية وقد انتحلت لقب (آل الله) بعد موت عبد المطلب وقد كان هذا اللقب خاص به منذ قصة الفيل.
ولما جاء الاسلام هدم مكانة قريش الدينية التي حرفت دين ابراهيم ورفع من شان محمد (ص) وأهل بيته (ع) ؛ قال النبي (ص) (إن الله عز وجل اختار العرب ثم اختار منهم النضر بن كنانة ثم اختار منهم قريشا ثم اختار من قريش بني هاشم ثم اختارني من بني هاشم) وقال تعالى ﴿إِنَّما يُريدُ اللهُ ليُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهيراً﴾ الأحزاب/33. واوجب محبة اهل بيته (ع) وقرن اتّباعهم باتّباع كتاب الله وجعل ذلك امانا من الضلالة. ومن الواضح ان منطق السقيفة قد تجاوز اهل بيت النبي (ص) ورجع يحتج باستحقاق قريش للإمامة بعد النبي (ص) بمكانتها في الجاهلية، وهذا هو الانقلاب المشار إليه في قوله تعالى ﴿وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسولٌ قَد خَلَت مِن قَبلِهِ الرُّسُلُ أَفاِن ماتَ أَو قُتِلَ انقَلَبتُم عَلى أَعقابِكُم وَمَن يَنقَلِب عَلى عَقِبَيهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيئاً وَسَيَجزي اللهُ الشّاكِرينَ﴾ آل عمران/144، بصيغة الاستفهام الانكاري للتوبيخ، ومعنى انقلبتم على اعقابكم أي ارتددتم ورجعتم الى خلفكم وهي الجاهلية، أي صرتم اهل جاهلية، وقد اخبرنا النبي (ص) انهم سوف ينقلبون بعده ويرتدون على ادبارهم القهقرى فيحلئون عن حوض الكوثر فلا يخلص منهم الا كهمل النًّعم. وقد روي عنه (ص):
(يا أهل المقابر ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح فيه الناس لو تعلمون ما نجاكم الله منه أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع أولها آخرها الآخرة شر من الأولى) (مسند احمد 3/489)
وروى علي (ع) عنه (ص):
(كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يربو فيها الصغير ويهرم فيها الكبير، يجري الناس عليها ويتخذونها سنة، فإذا غير منها شيء قيل: قد غيرت السنة وقد أتى الناس منكرا).
لقد بويع الخليفتان من قريش ورفعا شعار (حسبنا كتاب الله) في قبال السنة النبوية حيث تصرفوا فيها باجتهاداتهم منعا وكتمانا وتغييرا وسمي ذلك ب (سيرة الشيخين) وبويع عثمان على التقيد بها. وفتحت البلاد شرقا وغربا على ذلك.
قال الامام علي (ع) يشرح ما جرى بعد النبي (ص):
(انّما بدء وقوع الفتن اهواء تتّبع واحكام تبتدع يخالف فيها حكم اللّه يتولّى فيها رجال رجالا، الا انّ الحقّ لو خلص لم يكن اختلاف، ولو انّ الباطل خلص لم يخف على ذى حجى، لكنّه يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فيجتمعان فيجلّلان معا فهنا لك يستولى الشّيطان على اوليائه، ونجا الّذين سبقت لهم من اللّه الحسنى.
(انّي سمعت رسول اللّه (ص) يقول: كيف أنتم اذا لبستكم فتنة يربو فيها الصّغير ويهرم فيها الكبير يجرى النّاس عليها ويتّخذونها سنّة فاذا غيّر منها شيء قيل قد غيّرت السّنّة وقد اتى النّاس منكرا،
ثمّ تشتدّ البليّة وتسبى الذُّريّة.
ثمّ اقبل بوجهه وحوله ناس من اهل بيته وخاصّته وشيعته فقال:
(قد عملت الولاة قبلى اعمالا خالفوا فيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم متعمّدين لخلافه ناقضين لعهده مغيّرين لسنّته).
و كان من ابرز معالم تغيير السنة: المنع من نشر احاديث النبي (ص) في اهل بيته (ع)، والنهي عن السؤال عن تفسير القرآن تحريم متعة الحج ومتعة النساء ومعاقبة المخالف وتغيير مقام ابراهيم، وامضاء التطليقات، واحداث الطبقية في المناكح، والعطاء، وحصر الحكم ببطون قريش، وفسح المجال لمسلمة اهل الكتاب ان يبثوا قصص التوراة ومواعظهم بين المسلمين، ومسائل اخرى كثيرة.
وكان نتيجة ذلك: ان جَهِلَ مسلمةُ الفتوح اهل البيت(ع)، وسنن النبي (ص)، وتولوا الخلفاء من قريش بصفتهم انهم يقودون الى الله، وتثقفوا بثقافة التوراة التي نقلها اليهم مُسلمة اهل الكتاب حين فسح لهم المجال الخلفاء من قريش وهي ثقافة قد اصابها الكثير من التحريف.
ثالثا: 27هـ 40هـ نهضة علي (ع) الاحيائية للسنة النبوية وهداية النصف الشرقي من مسلمة الفتوح الى سنة النبي (ص) وولاية علي (ع).
قال الامام علي (ع) (أيها الناس، أنا الذي فقأت عين الفتنة ولم يكن ليجترئ عليها غيري. وأيمُ الله لو لم أكن فيكم لما قوتلَ أهلُ الجمل ولا أهلُ صفين ولا أهلُ النهروان. وأيم الله لولا أن تتكلموا وتدعوا العمل لحدثتكم بما قضى الله على لسان نبيه صلى الله عليه وآله لمن قاتلهم مستبصرا في ضلالتهم عارفا بالهدى الذي نحن عليه).
(الفتنة) هي اشار اليها النبي (ص) بقوله (كيف أنتم إذا لبستكم فتنة… ).
وقوله (ع) (ولم يكن ليجترئ عليها غيري) أي لم يكن الانصار ولا مسلمة الفتوح ليستطيعوا ان يقفوا امام عملية تعطيل السنن وتحريفها من قبل قريش الحاكمة باسم الاسلام ولا مسلمة الفتوح من قبيل تحريم متعة الحج والعقوبة عليها، فانه ليس يقدر ان يحي متعة الحج ويعلن للامة انها سنة النبي وان التحريم راي شخصي من عمر ثم عثمان الا علي (ع) الذي عينه النبي (ص) وليا على الامة بأمر الله تعالى ؛ وجعل ولايته كولايته (ص). الذي كلفه بالنهضة لإحياء سنته من بعده وهداية مسلمة الفتوح اليها، روي عن ابن عباس، قال: لما نزلت ﴿إِنَّما أَنتَ مُنذِرٌ وَ لِكُلِّ قَومٍ هادٍ﴾ وضع (ص) يده على صدره، فقال: “ أنا المنذر ولكل قوم هاد”، وأومأ بيده إلى منكب علي، فقال: “ أنت الهادي يا علي، بك يهتدي المهتدون بعدي”.
وقوله (وأيم الله لو لم أكن فيكم لما قوتل أهل الجمل ولا أهل صفين ولا أهل النهروان): والسر في ذلك ان الذي يقود معركة الجمل هي ام المؤمنين عائشة وطلحة والزبير وصحابة قرشيون اخرون كان مسلمة الفتوح يرونهم اولياء نعمتهم في الدين، وكذلك اهل صفين اما اهل النهروان فهم القراء واصحاب الجباه السود من العبادة ولكنهم بالقياس الى علي (ع) فانه اكثر عبادة منهم، واسبقهم طرا الى التصديق بالنبي (ص)، مضافا الى ذلك فان عليا كانت لديه عهود من النبي بقتال هذه الاصناف. وقد اخبر القرآن بذلك في قوله تعالى ﴿يا أَيُّها الَّذينَ آمَنوا مَن يَرتَدَّ مِنكُم عَن دينِهِ فَسَوفَ يأتي اللهُ بِقَومٍ يُحِبُّهُم وَيُحِبّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤمِنينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكافِرينَ يُجاهِدونَ في سَبيلِ اللهِ وَلا يَخافونَ لَومَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضلُ اللهِ يُؤتيهِ مَن يَشاءُ واللهُ واسِعٌ عَليمٌ﴾ المائدة/ 54، وقوله (من يرتد منكم عن دينه) [1] أي من ينقلب على عقبيه، وهم الذين قال عنهم النبي (ص) في احاديث الحوض (فيحلؤون عن الحوض فأقول أي رب اصحابي فيقال انك لا تدري ما احدثوا بعدك انهم لا يزالون مرتدين على ادبارهم القهقرى… ) قوله (فسوف يأت الله بقوم يحبهم ويحبونه) قال الطبرسي في مجمع البيان (هم أمير المؤمنين علي عليه السلام وأصحابه، حين قاتل من قاتله من الناكثين، والقاسطين، والمارقين، وروي ذلك عن عمار، وحذيفة، وابن عباس، وهو المروي عن أبي جعفر، وأبي عبد الله عليه السلام).
قوله (مستبصرا في ضلالتهم عارفا بالهدى الذي نحن عليه) (ضلالتهم) هي تغييرهم للسنة النبوية بتحريمهم متعة الحج ومتعة النساء وتغييرهم مكان مقام ابراهيم وغيرها وبدعهم في صلاة التراويح والطلاق والوضوء والصلاة وغيرها. و(الهدى الذي عليه علي (ع) واصحابه) هو عملهم بالسنة النبوية وتقيدهم بها.
قال مالك الاشتر يخطب في اصحابه في معركة صفين يحثهم على الاستبسال القتال: (إن هؤلاء القوم والله لن يقارعوكم إلا عن دينكم، ليطفئوا السنة، ويحيوا البدعة، ويدخلوكم في أمر قد أخرجكم الله منه بحسن البصيرة) (ابن مزاحم المنقري، وقعة صفين ص251). وقوله (لن يقارعوكم الا عن دينكم) أي يقاتلونكم لأجل ان يردوكم عن دينكم القهقرى ويدخلوكم في ضلالتهم التي اخرجكم الله منها، وقوله (بحسن البصيرة) يشير الى قوله تعالى ﴿قَد جاءَكُم بَصائِرُ مِن رَبِّكُم فَمَن أَبصَرَ فَلِنَفسِهِ وَمَن عَميَ فَعَلَيها وَما أَنا عَلَيكُم بِحَفيظٍ﴾ الأنعام/104، وقد ابصر اصحاب علي (ع) الحق مع علي (ع) لان شعاره (ما كنت لأدع سنة رسول الله لقول احد من الناس) واولئك شعارهم حسبنا كتاب الله مفصولا عن السنة وقد غيروها باجتهاداتهم وآرائهم.
نجح علي (ع) في احياء السنة النبوية حين نهض سنة 27هـ واحياء حج التمتع واحاديث النبي (ص) في اهل بيته(ع) وانكشف للناس في النصف الشرقي من البلاد الاسلامية مدى مخالفة السلطة القرشية لسنة النبي (ص)، وصارت الكوفة مركز هذه النهضة الاحيائية، وبرز علي (ع) في النصف الشرقي من مجتمع مسلمة الفتوح اماما ووليا هاديا كما نصبه النبي (ص) في الغدير يدعو الى سنة النبي (ص)، وبرز معاوية في الشام قائدا يدعو الى سيرة الشيخين وتطبيقات عثمان لها.
رابعا: 41 هـ ـ 50 هـ صلح الامام الحسن (ع) يعالج الانشقاق الاموي ويهدي النصف الغربي من مسلمة الفتوح الى سنة النبي وولاية علي (ع)
استشهد علي (ع) على يد الخوارج وبايع اهل العراق الحسن بن علي سبط رسول الله على الكتاب والسنة، وبايع اهل الشام معاوية على سيرة الشيخين وتطبيقات عثمان لها. ثم عرض معاوية على الامام الحسن (ع) صيغة من الصلح هي ان يبقى كل واحد على بلده وان يجمد القتال، ورأى الامام الحسن (ع) انَّ اجابة معاوية على ذلك سوف يكرس الانشقاق في الامة، ويبقى اهل الشام على جهلهم بسنة النبي (ص) وولاية علي (ع) الهادية، ولم يجد الحسن (ع) طريقا لتفهيم اهل الشام بذلك الا بتوحيد الدولة ليختلط الناس مع بعضهم البعض مع امان الجميع، وليس من طريق الى تحقيق ذلك الا بتنازله المشروط عن الحكم لمعاوية، ومن ثم عرض على معاوية ان يسلمه حكم العراق لتكون الامة موحدة بشرط ان يحكم بالكتاب والسنة فقط دون سيرة الشيخين، وان يكون الحكم للحسن (ع) من بعده وان حدث حدث بالحسن فيكون الامر للحسين (ع) وليس لمعاوية ان يعهد الى احد من بعده، وشروط اخرى تضمن لشيعة علي (ع) حقوقهم. وطار معاوية فرحا بذلك.
وتحقق الامان للناس عشر سنوات وصار كل واحد منهم يتعبد بالطريقة التي يعتقد بها، فهناك من يحج حج التمتع وهناك من يمتنع عنه فيح حج الافراد، وعرف وجوه اهل الشام من خلال استضافات معاوية لوجوه شيعة علي في العراق وحواراته معهم في بلاطه كما عرف عامة اهل الشام من خلال مواسم الحج والعمرة واختلاطهم مع العراقيين احاديث النبي (ص) في اهل بيته(ع). منها حديثه ص يوم الغدير: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله). وحديث المنزلة. وحديث الكساء. كما عرفوا أخبار حج التمتع التي حاولت السلطات القرشية والإعلام الأموي الكاذب التعتيم عليها ووصف حركة علي (ع) باتجاه إحياء حج التمتع بالإفساد في الدين، وعرفوا أنَّ علياً قد أحيا الحج الذي جاء به النبي (ص) وهو حج التمتع. كما عرفوا أخبار أخرى كثيرة تتصل بسنن النبي (ص) التي عملت قريش المسلمة على تغييرها أو التعتيم عليها.
وعرفوا وصف ضرار له بل سمعوه منه في بلاط معاوية حين طلب منه أن يصفه قائلاً: (كان واللهِ بعيدَ المدى، شديدَ القِوى، يقول فصلاً، ويحكم عدلا، يتفجَّرُ العلمُ من جوانِبِه، وتنطِقُ الحِكمَةُ من نواحيه، يستوحشُ من الدنيا وزَهرتها، ويأنسُ بالليلِ ووحشتِه، غزيرَ العَبرة، طويلَ الفكرة، يُعجِبُه من اللِّباس ما قَصُر، ومن الطعام ما خَشُن. كان فينا كأحِدِنا، يجيبُنا إذا سألناه، وينبئُنا إذا استفتيناه، ونحن واللهِ مع تقريبِه إيانا وقُربِه منّا لا نكاد نكلِّمه هيبةً له. يعظِّم أهلَ الدين ويُقرِّب المساكين. لا يطمع القَويُّ في باطله، ولا ييأَسُ الضعيفُ من عدله، وأشهدُ لقد رأيتُه في بعض مواقفه، وقد أرخى الليلُ سدولَه، وغارت نجومُه، قابضاً على لحيته، يتململُ تململَ السَّليم، ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا غُرّي غيري، أبي تَعرضَّتِ أم إليَّ تَشوَّفتِ. هيهات هيهات قد باينتُك ثلاثاً لا رجعة لي فيها، فعُمرك قصير وخطرك حقير. آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق. ) وشهدوا من معاوية بعد هذا الوصف نزف دموعه على لحيته وقوله: رحم الله أبا حسن كان والله كذلك. وسمعوا جواب ضرار حين سأله معاوية: عن حزنه على علي. قال: حزن من ذبح ولدها في حجرها (ابن عبد البر في الاستيعاب، ج2ص52) . وشهد معاوية للعراقيين بالوفاء لعلي وبفقههم وجرأتهم.
وهكذا تجانست رؤية المسلمين لعلي (ع) من خلال انتشار الاحاديث النبوية فيه ومن خلال سيرته العملية التي احيا فيها سنة النبي (ص) وصار مسلمة الفتوح متساوين في ذلك مع مجتمع الصحابة سنة عشر هجرية يوم الغدير ليهلك من هلك عن بينة ويحي من حي عن بينة.
وخلاصة الامر في مفاصل الفترة الزمنية الآنفة 10هـ – 50هـ:
ان المسلمين في غدير خم /وهم مائة الف او يزيدون/ في الثامن عشر من ذي الحجة سنة 10 للهجرة قد سمعوا مباشرة وصية النبي (ص) في قوله: (يوشك ان ادعى فأجيب اني تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي اهل بيتي، ثم قال الله مولاي وانا مولى المؤمنين ثم اخذ بيد علي فرفعها وقال: فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه). وفهموا منها ان وليهم الله عز وجل ورسوله (ص) وعلي (ع) وان طاعة علي (ع) هي طاعة النبي (ص) وان طاعة النبي (ص) هي طاعة الله عز وجل، وبعبارة اخرى ان القرآن يدعو الى طاعة اوامر الله عز وجل ولا تعرف الكثير منها الا من خلال سنة النبي (ص) فيجب اطاعة النبي (ص) وبها تكون الهداية، وان ادامة هذه الهداية تتم باتباع علي (ع)، لان عليا (ع) باب مدينة العلم المتقيد حرفيا باتباع اوامر النبي (ص) مع طهارته المنصوص عليها، ومن ثم كان النبي (ص) يدعو لمن يتبع عليا (ع) بان يتولاه الله عز وجل ولمن يخالف عليا (ع) بان يعاديه الله عز وجل، كما عرفوا ان الاسلام قد هدم الطبقية الدينية القرشية ورفع شعار (ان اكرمكم عند الله اتقاكم) وساوى بينهم في الحقوق المدنية، فالكل سواء في العطاء والمؤمن كفئ المؤمنة فلا اعتبار للأحساب والانساب.
في اواخر صفر سنة 11هجرية أي بعد سبعين يوما من واقعة الغدير اعرض نفر من الامة قريش المسلمة ومن معها من الانصار عن علي (ع) بصفته الولي بعد النبي (ص) بنص منه (ص) واجتمعوا في سقيفة بني ساعدة والنبي (ص) بعد لما يدفن يتداولون من يكون خلفا له وغلبت قريش الانصار بقول ابي بكر: (ان هذا الامر لن تعرفه العرب في غير قريش) مع ان الاسلام جاء بهدم مكانة قريش في الجاهلية وشيد بيت النبي (ص) وعترته، وهكذا ارتدوا على ادبارهم القهقرى الى الجاهلية وغيروا سنن النبي (ص) وفتحت البلاد شرقا غربا على الضلال، وتربى مُسلمة الفتوح على تولي سيرة الشيخين بدلا من سنة النبي (ص) ونُسي امر اهل بيته(ع)، فبرزت الطبقية الدينية من جديد لقريش واضيفت اليها الطبقية السياسية وصار الذي يليهم في الفضل هم العرب وجعلوهم جنود الفتح وولوهم الولايات الصغرى وتركوا الاعمال الخدمية والمهنية لأهل المدن بشكل عام.
نهض علي (ع) سنة 27هجرية واحيا حج التمتع وحديث الغدير ثم بويع في 18 من ذي الحجة سنة 35هـ بعد ان قتلت قريش الخليفة عثمان لاختلافها معه وانشقاقها عليه. وألغى الطبقية بين الناس وساوى بينهم في العطاء والزواج، والمسلمون حيثما كانوا هم طبقة واحدة: اكرمهم عند الله اتقاهم.
واجتمعت قريش واتباعها على حرب علي (ع) في الجمل وصفين والنهروان، واستشهد علي (ع) وقد انفتح النصف الشرقي من البلاد الاسلامية على علي (ع) بصفته امام الهدى يهدي الى سنة النبي (ص) فاخذ بقوله من شاء ان يتخذ الى ربه سبيلا وصارت الكوفة مركز الهداية، وبقيت الشام مركز الضلالة وقد رفع معاوية شعار سيرة الشيخين مع لعن علي (ع) والبراءة منه مع احاديث كذب وضعها القصاصون لتكريس رؤية ان عليا (ع) وشيعته مفسدون في الدين والدين يهدر دماءهم ويحل اموالهم، ثم حول معاوية جيش الشام الى سرايا تغير على اطراف الكوفة تنهب وتقتل وتشرد.
استشهد علي (ع) سنة 40 هجرية، وبايع اهل العراق واهل الحجاز واليمن وايران وما والاها ولده الحسن (ع) بصفته الامام الهادي بعد النبي (ص)، وبايع اهل الشام وأهل مصر وما والاها معاوية / بصفته ثقة عمر وعثمان /على سيرة الشيخين، ثم بادر معاوية في عرض الصلح على الحسن (ع) وحقن الدماء بان يحكم كل طرف البلاد التي بايعته وراى الحسن (ع) ان ذلك سوف يكرس الانشقاق في الامة وجهلها بسنة النبي(ص) واحاديثه (ص) في علي (ع) مضافا الى تكريس الطبقية الدينية والسياسية فعرض الحسن (ع) على معاوية صيغة اخرى تجعل الحكم واحدا على الكتاب والسنة فقط، وعلى ذِكرِ علي (ع) وترك لعنه وامان الناس، وحريتهم في التعبد، والرواية عن النبي (ص). واستجاب معاوية عشر سنوات وصار مسلمة الفتوح في الشرق والغرب سنة 50هـ كمجتمع الصحابة سنة 10هجرية بلحاظ حديث الغدير ومعرفة ولاية علي الهادية الى سنة النبي (ص) وان الخلفاء كانوا قد غيروا سنن النبي (ص) عن عمد.
وهكذا استطاع علي (ع) بنهضته مدة ثمان سنوات وحكومته مدة خمس سنوات وابنه الحسن (ع) بصلحه مدة عشر سنوات أي مدة ثلاث وعشرين سنة ان ينشرا سنة النبي (ص) في مجتمع مسلمة الفتوح ويحررا الناس من الطبقية المقيتة لقريش المسلمة ويعالجا فتنتها، كما نشر النبي (ص) سنته في مجتمع الصحابة خلال ثلاث وعشرين سنة ويعالج فتنة قريش المشركة وطبقيتها الدينية بعد موت عبد المطلب حين غيرت دين ابراهيم.
وصار علي (ع) في مجتمع مسلمة الفتوح رمزا للهداية الى سُنة النبي (ص) كما كان موقعه زمن النبي (ص) شريك النبي في رمزية الهداية الى دين ابراهيم (الا ان موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاته كموضعي منه أيام حياته) (انا من رسول الله كالصنو من الصنو والذراع من العضد. ).
خامسا: 50هـ-60هـ معاوية يغدر بالحسن (ع) ويفرض سيرة الشيخين ويضل الجيل الجديد من الامة عن سنة النبي (ص) ويربيه على لعن علي (ع) بوصفه ملحدا في الدين وعلى تولي بني امية بوصفهم هداة الى الله.
لم يكن معاوية لتخفى عليه اهداف الحسن (ع) من وراء الصلح، ولكنه اضمر الغدر ثم احياء سيرة الشيخين في الحكم مع اضافة لعن علي (ع) وطمس ذكره الا بسوء مع رفع شأن معاوية ويزيد ووصفهم انهم الهداة بعد الخلفاء الثلاثة.
ولم يُطِق معاوية نجاح خطة الحسن (ع) وظهور اثارها خلال عشر سنوات في الامة كلها فقد برز الحسن في مدينة جده مرجعا دينيا واماما في عمل الخير لا يدانيه احد في عصره، قال محمد بن إسحاق: ما بلغ احد من الشرف بعد رسول الله (ص) ما بلغ الحسن بن علي(ع). كان يبسط له على باب داره فإذا خرج وجلس انقطع الطريق فما يمر احد من خلق الله الا جلس إجلالا له فاذا علم قام ودخل بيته فيمر الناس. ونزل عن راحلته في طريق مكة فمشى فما من خلق الله احد الا نزل ومشى حتى سعد بن أبي وقاص فقد نزل ومشى إلى جنبه. (المجلسي، بحار الانوار ج43 ص254 نقل عن المناقب) لقد احيا الحسن (ع) سيرة ابيه علي (ع) وتميزه في العلم وكل اعمال الخير الذي كان يقول (ينحدر عني السيل ولا يرقى الي الطير).
وادرك معا وية انه اذا توفي وتسلم الحسن (ع) بعده حكم الامة سوف لن يبقى له ولا للثلاثة من قبله اثر في المجتمع الا الذكر السيء، فقرر معالجة الموقف، وليس امامه الا الغدر بالحسن (ع) فدس له السم ثم نقض شروطه شرطا شرطا واحيا سيرة الشيخين في الحكم واعاد لعن علي (ع) في الامة بصفته مفسدا في الدين، ويريد به سيرة الخليفتين التي ادخلت في الدين قهرا على الامة، وهو واقع حال نهضة علي (ع) فقد كشف للامة ان سيرة الشيخين هي آراء شخصية خالف بها الشيخان سنة النبي (ص) فتخلى عنها من تخلى زمن النبي (ص) وبقي من شاء ان يبقى عليها، واي افساد في دين الخليفتين اكثر من هذا واستعار معاوية دور علي (ع) الاحيائي للسنة، فتقمصه في احياء سيرة الشيخين واصفا عليا (ع) بما كان علي يصف الخلفاء من قبله به، قال أبو عثمان الجاحظ أن معاوية كان يقول في آخر خطبة الجمعة: اللهم إن أبا تراب الحد في دينك، وصد عن سبيلك فالعنوه لعنا وبيلا، وعذبه عذابا أليما وكتب بذلك إلى الآفاق، فكانت هذه الكلمات يشاربها على المنابر) (شرح النهج 4/56).
واضاف الى ذلك المنع من نشر فضائل علي ومعاقبة الممتنع اشد عقوبة، ووضع احاديث في فضائل الشيخين وعثمان ومعاوية ويزيد.
قال المدائني: كتب معاوية الى قضاته وولاته في الامصار ان لا يجيزوا لاحد من شيعة علي (ع) الذين يروون فضله ويتحدثون بمناقبه شهادة. ثم كتب ايضاً: انظروا من قامت عليه البينة انه يحب علياً واهل بيته فامحوه من الديوان. ثم كتب كتابا آخر من اتهمتموه ولم تقم عليه بينة فأقتلوه !. ثم كتب: (أن برئت الذمَّة ممَّن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته) ثم كتب إلى عُمّاله: (إنَّ الحديث في عثمان قد كَثُر وفَشا في كل مِصر وفي كل وجه وناحية فإذا جاءكم كتابي هذا فأدعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأوّلين ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلاَّ وتأتوني له في الصحابة فإنَّ هذا أحبُّ إلىَّ وأقرُّ لعيني وأدحض لِحُجَّة أبي تراب وشيعته وأشدُّ الهكم عليهم من مناقب عثمان وفضله). فقُرئت كتبه على الناس فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها. حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان فقبلوه ورووها وهم يظنون إنها حق، ولو علموا إنها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها. (ابن ابي الحديد شرح نهج البلاغة ج11ص45ـ46). وتربى على ذلك الجيل الجديد من المسلمين شرق الارض وغربها الا من رحم ربك.
واخيرا فرض على الامة بيعة ولده يزيد خليفة يقودهم الى الله ويشفع لهم عنده مستعيرا ما جرى في غدير خم من تعيين علي (ع) اماما وهاديا وشفيعا يقودهم الى الله ونصب خيمة لبيعته.
تربى الجيل الجديد من عمر 15 سنة الى عمر ثلاثين سنة على ان ائمة الهدى هم الخلفاء الثلاثة من قريش ثم معاوية مقرونا بلعن علي بوصفه رمز الضلالة. ثم انضاف اليهم يزيد سنة 56هـ حين اخذت له البيعة من غالبية الناس من كل الاعمار.
صار معاوية بذلك نظير السامري في بني اسرائيل حين صنع لهم العجل وقال لهم هذا الهكم واله موسى. كذلك معاوية قال للامة هذا يزيد خليفتكم خليفة الله عليكم وعليكم وعلى الحسين (ع) مبايعته [2] ومن مات من دون بيعته مات ميتة جاهلية. ولم يكن عند يزيد اثارة من علم ولا سابقة من جهاد ولا تأييد الهي ليكون قائدا الى الله، بل حب ابيه له دفعه الى ترشيحه لهذا الموقع (قال معاوية وقد ضربه اللقو اخشى ان تكون عقوبة عجلت لي ولولا هواي في يزيد لأبصرت رشدي).
وقد انبأ امير المؤمنين علي (ع) عن فتنة بني امية بما عنده من اخبار نبويّة عنها بكلمات كثيرة منها:
قال امير المؤمنين: (الا وان اخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أمية، فإنها فتنة عمياء مظلمة: عمت خطتها، وخصت بليتها، واصاب البلاء من ابصر فيها، واخطأ البلاء من عمي عنها… . ترد عليكم فتنتهم شوهاء مخشية، وقطعا جاهلية، ليس فيها منار هدى، ولا علم يرى نحن اهل البيت منها بمنجاة، ) (نهج البلاغة /الخطبة 93).
وقال (ع): (وَ إِنَّهُ سَياتي عَلَيكُم مِن بَعدي زَمانٌ- لَيسَ فيهِ شَيءٌ أَخفَى مِنَ الحَقِّ- وَ لا أَظهَرَ مِنَ الباطِلِ- وَ لا أَكثَرَ مِنَ الكَذِبِ عَلَى اللهِ وَ رَسولِهِ- وَ لَيسَ عِندَ أَهلِ ذَلِكَ الزَّمانِ سِلعَةٌ أَبوَرَ مِنَ الكِتابِ- إِذا تُليَ حَقَّ تِلاوَتِهِ- وَ لا أَنفَقَ مِنهُ إِذا حُرِّفَ عَن مَواضِعِهِ- وَ لا في البِلادِ شَيءٌ أَنكَرَ مِنَ المَعروفِ- وَ لا أَعرَفَ مِنَ المُنكَرِ- فالكِتابُ يَومَئِذٍ وَ أَهلُهُ طَريدانِ مَنفيّانِ- وَ صاحِبانِ مُصطَحِبانِ في طَريقٍ واحِدٍ لا يُؤويهِما مُؤوٍ- فالكِتابُ وَ أَهلُهُ في ذَلِكَ الزَّمانِ في النّاسِ وَ لَيسا فيهِم- وَ مَعَهُم وَ لَيسا مَعَهُم- لِأَنَّ الضَّلالَةَ لا توافِقُ الهُدَى وَ إِنِ اجتَمَعا- فاجتَمَعَ القَومُ عَلَى الفُرقَةِ- وَ افتَرَقوا عَلَى الجَماعَةِ كاَنَّهُم أَئِمَّةُ الكِتابِ- وَ لَيسَ الكِتابُ إِمامَهُم- فَلَم يَبقَ عِندَهُم مِنهُ إِلّا اسمُهُ- وَ لا يَعرِفونَ إِلّا خَطَّهُ وَ زَبرَهُ- وَ مِن قَبلُ ما مَثَّلوا بِالصّالِحينَ كُلَّ مُثلَةٍ- وَ سَمَّوا صِدقَهُم عَلَى اللهِ فِريَةً وَ جَعَلوا في الحَسَنَةِ عُقوبَةَ السَّيِّئَةِ. ). .
سادسا: 60هـ -61 نهضة الحسين (ع) لإحياء الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وهداية الجيل الذي اضله معاوية. وتحرير الكوفة من سيطرة بني امية لتنطلق بمشروع علي (ع) من جديد.
كان الحسين (ع) هو المعد الهيا في مواجهة فتنة معاوية وضلالته كما كان ابوه علي (ع) من قبل معد اليها ليقف امام ضلالة قريش المسلمة حين قال (ع) (انا فقأت عين الفتنة ولم يكن ليجترئ عليها غيري).
وفي الزيارة قال الامام الصادق (ع): (اللهم إني أشهد ان هذا الحسين وليك وابن وليك وصفيك وابن صفيك الفائز بكرامتك، أكرمته بالشهادة… وأعطيته مواريث الأنبياء وجعلته حجة على خلقك، فأعذر في الدعاء ومنع النصح وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة، وقد توازر عليه من غرته الدنيا وباع حظه بالأرذل الأدنى وشرى آخرته بالثمن الأوكس وتغطرس وتردى في هواه وأسخطك وأسخط نبيك وأطاع من عبادك أهل الشقاق والنفاق وحملة الأوزار المستوجبين للنار فجاهدهم فيك صابرا محتسبا، حتى سفك في طاعتك دمه واستبيح حريمه، اللهم ! فالعنهم لعنا وبيلا وعذبهم عذابا أليما). وتفصيل ذلك في بحث قادم ان شاء الله تعالى.
nnn
[1] قال الطبري في تفسيره جامع البيان 6/381: يقول: من يرجع منكم عن دينه الحق الذي هو عليه اليوم، فيبدله ويغيره بدخوله في الكفر، إما في اليهودية أو النصرانية أو غير ذلك من صنوف الكفر، فلن يضر الله شيئا، وسيأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه يقول: فسوف يجئ الله بدلا منهم المؤمنين الذين لم يبدلوا ولم يغيروا ولم يرتدوا، بقوم خير من الذين ارتدوا وبدلوا دينهم، يحبهم الله ويحبون الله. وكان هذا الوعيد من الله لمن سبق في علمه أنه سيرتد بعد وفاة نبيه محمد 9، روى ابن كثير في تفسيره 2/72قال محمد بن كعب نزلت في الولاة من قريش. وقال الحسن البصري نزلت في أهل الردة أيام أبي بكر. قال البدري وقد شخص مصداق المرتدين باهل الردة الذين حاربهم ابو بكر، قال الطبري: وقد علم أن سيرتد مرتدون من الناس. فلما قبض الله نبيه محمدا 9،
ارتد عامة العرب عن الاسلام إلا ثلاثة مساجد: أهل المدينة، وأهل مكة، وأهل البحرين من عبد القيس قالوا: نصلي ولا نزكي، والله لا تغصب أموالنا فكلم أبو بكر في ذلك، فقيل له: إنهم لو قد فقهوا لهذا، أعطوها وزادوها. فقال: لا والله، لا أفرق بين شيء جمع الله بينه، ولو منعوا عقالا مما فرض الله ورسوله، لقاتلناهم عليه) روى البخاري 8/141 (عن أبي هريرة قال لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر بعده وكفر من كفر من العرب قال عمر لأبي بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت ان أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه الا بحقه وحسابه على الله فقال والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فان الزكاة حق المال والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه فقال عمر فوالله ما هو الا ان رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت انه الحق). قال البدري فمن الواضح ان هؤلاء الذين سموا بالمرتدين كانوا يؤمنون بالله ورسوله ويقيمون الصلاة ولكنهم منعوا اموالهم فسموا مرتدين عن الدين واهدروا دماءهم بأهوائهم. قال ابن عبد ا لبر في الاستذكار 3/215 (وكانت الردة على ثلاثة أنواع قوم كفروا وعادوا إلى ما كانوا عليه من عبادة الأوثان وقوم آمنوا بمسيلمة وهم أهل اليمامة وطائفة منعت الزكاة وقالت ما رجعنا عن ديننا ولكن شححنا على أموالنا وتأولوا ما ذكرناه، بدأ أبو بكر رضي الله عنه قتال الجميع ووافقه عليه جميع الصحابة بعد أن كانوا خالفوه في ذلك لأن الذين منعوا الزكاة قد ردوا على الله قوله تعالى (فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) [ البقرة 43 ] وردوا على جميع الصحابة الذين شهدوا التنزيل وعرفوا التأويل في قوله عز وجل (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم) [ التوبة 103 ] ومنعوا حقا واجبا لله على الأئمة القيام بأخذه منهم واتفق أبو بكر وعمر وسائر الصحابة على قتالهم حتى يؤدوا حق الله في الزكاة كما يلزمهم ذلك في الصلاة إلا أن أبا بكر رضي الله عنه لما قاتلهم أجرى فيهم حكم من ارتد من العرب تأويلا واجتهادا، فلما ولي عمر بن الخطاب رأى أن النساء والصبيان لا مدخل لهم في القتال الذي استوجبه مانع الزكاة حق الله وفي الأغلب أنهم لا رأي لهم في منع الزكاة فرأى أنه لا يجوز أن يحكم فيهم بحكم المانعين للزكاة والمقاتلين دونها الجاحدين لها وعذر أبا بكر باجتهاده ولم يسعه في دينه أو بان له ما بان من ذلك أن يسترقهم بعدائهم وأطلق سبيلهم وذلك أيضا بمحضر الصحابة من غير نكير وهذا يدل على أن كل مجتهد معذور. وقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فدا كل امرأة وصبي كان بأيدي من سباه منهم وخير المرأة إن أرادت أن تبقى على نكاحه ينكحها الذي سباها بعد الحكم بعتقها
وأما العقال فقال أبو عبيدة معمر بن المثنى هو صدقة عام وقال غيره هو عقال الناقة التي تعقل به وخرج كلامه على التقليل والمبالغة).
[2] قال تعالى ﴿وَ ما أَعجَلَكَ عَن قَومِكَ يا موسى (83)… قالَ فاِنّا قَد فَتَنّا قَومَكَ مِن بَعدِكَ واَضَلَّهُمُ السّامِريُّ (85)… فاَخرَجَ لَهُم عِجلاً جَسَداً لَهُ خوارٌ فَقالوا هذا إِلهُكُم واِلهُ موسى فَنَسيَ (88) أَ فَلا يَرَونَ أَلاَّ يَرجِعُ إِلَيهِم قَولاً وَلا يَملِكُ لَهُم ضَرًّا وَلا نَفعاً (89) وَ لَقَد قالَ لَهُم هارونُ مِن قَبلُ يا قَومِ إِنَّما فُتِنتُم بِهِ واِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحمنُ فاتَّبِعوني واَطيعوا أَمري (90) قالوا لَن نَبرَحَ عَلَيهِ عاكِفينَ حَتَّى يَرجِعَ إِلَينا موسى (91) قالَ يا هارونُ ما مَنَعَكَ إِذ راَيتَهُم ضَلّوا (92) أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيتَ أَمري (93) قالَ يا بنَ أُمَّ لا تاخُذ بِلِحيَتي وَلا بِراسي إِنّي خَشيتُ أَن تَقولَ فَرَّقتَ بَينَ بَني إِسرائيلَ وَلَم تَرقُب قَولي (94) قالَ فَما خَطبُكَ يا سامِريُّ (95) قالَ بَصُرتُ بِما لَم يَبصُروا بِهِ فَقَبَضتُ قَبضَةً مِن أَثَرِ الرَّسولِ فَنَبَذتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَت لي نَفسي (96) قالَ فاذهَب فاِنَّ لَكتَ في الحَياةِ أَن تَقولَ لا مِساسَ واِنَّ لَكَ مَوعِداً لَن تُخلَفَهُ وانظُر إِلى إِلهِكَ الَّذي ظَلتَ عَلَيهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ في اليَمِّ نَسفاً (97) إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ الَّذي لا إِلهَ إِلاَّ هوَ وَسِعَ كُلَّ شَيءٍ عِلماً (98) كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيكَ مِن أَنباءِ ما قَد سَبَقَ وَقَد آتَيناكَ مِن لَدُنّا ذِكراً (99) مَن أَعرَضَ عَنهُ فاِنَّهُ يَحمِلُ يَومَ القيامَةِ وِزراً (100) خالِدينَ فيهِ وَساءَ لَهُم يَومَ القيامَةِ حِملاً (101)﴾ طه/83-101.
(فاَخرَجَ لَهُم عِجلاً جَسَداً لَهُ خوارٌ)
(فَقالوا هذا إِلهُكُم واِلهُ موسى فَنَسيَ): أي فنسي موسى وراح يبحث عن الهه في الجبل.
(أَ فَلا يَرَونَ أَلاَّ يَرجِعُ إِلَيهِم قَولاً وَلا يَملِكُ لَهُم ضَرًّا وَلا نَفعاً): أي الا يرون هذا العجل صنم لاغير.
(وَ لَقَد قالَ لَهُم هارونُ مِن قَبلُ يا قَومِ إِنَّما فُتِنتُم بِهِ) أي قال لهم هارون في بداية امرهم ان صنم اوزريس فتنة وان ربكم الرحمن.
(فَقَبَضتُ قَبضَةً مِن أَثَرِ الرَّسولِ فَنَبَذتُها) أي تمسكت ببعض كلمات موسى فحرفتها عن موضعها
(قالَ فاذهَب فاِنَّ لَكَ في الحَياةِ أَن تَقولَ لا مِساسَ) (أي اصبح ملعونا).
(وانظُر إِلى إِلهِكَ الَّذي ظَلتَ عَلَيهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ في اليَمِّ نَسفا).