محاضرة القيت حول الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام ـ تفضل بها سماحة العلامة البدري في دار السيدة رقية للقرآن الكريم سنة 1431هـ ـ 2010م.
المحاضرة
الملخص
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ (37) هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء (38) فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ (39) قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء (40) قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ (41) وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ (42) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44) إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (47) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ (48) وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (49)} سورة آل عمران.
حيث کانت هذه المحاضرة في الأصل جزءً من بحث أعم وأشمل ألا وهو التناظر بين آل محمد (صلى الله عليه وآله) وبين آل يعقوب تفصلهما مدة زمنية تزيد عن الألف سنة من آباء النبي (صلى الله عليه وآله) وآباء موسی (عليه السلام).
وطرحت هذه البحوث تحت عنوان ( علم التاريخ والحضارة ) أو ( علم السيرة النبوية )، والانفتاح علی هذا العلم يحتاج الی توفر مستلزمات الحضارة .
فکانت أهم محاور المحاضرة ملخصةً فيما يلي:
1-آل محمد (صلى الله عليه وآله) هم المشار إليهم في قوله تعالی: {فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} آل عمران: 61.
فقد أخرج مسلم والترمذي وابن المنذر والحاكم والبيهقي في سننه عن سعد بن أبي وقاص قال : ((لما نزلت هذه الآية : { فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ} دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال : اللهم هؤلاء أهلي)) .
وکذلک هم المشار إليهم في قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} الأحزاب: 33؛ فهم إذن مطهرون ومصطفون .
وهم أيضاً المشار إليهم في قوله تعالی: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} آل عمران: 33، 34.
2- زکريا (عليه السلام) هو زوج أخت مريم، وعمران هو معصوم بالدليل القرآني في قوله تعالی: { وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ* وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } الأنعام: 88، فعمران(عليه السلام) يقع تحت سلسلة عنوان الآباء الواردة في الآية الکريمة؛ خمسة من آل عمران وخمسة من آل محمد .
ففي قوله تعالی : {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} ، إن إبراهيم(عليه السلام) إذا جاء مقابل آل عمران وآل إسرائيل يريد بهم القرآن آل محمد (صلى الله عليه وآله) وهو عنوان خاص يراد به ذرية إبراهيم وإسماعيل (عليه السلام).
وبلحاظ التقسيم والمقابلة بين آل عمران والذين هم من طرف إسحاق ويعقوب وبين آل إبراهيم فليس من باب التفصيل والتأكيد على آل يعقوب بل من جهة المقابلة فيكون المقصود بهم آل إسماعيل.
وقال تعالی: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} البقرة: 127 – 182، وهنا نقطة أخرى نشير إليها وهي مسألة أن السياق في الآية الكريمة يقتضي أن يکون إسلام الذرية المطلوبة بالدعاء بمعنى نفس إسلام إبراهيم وإسماعيل، والإسلام الذي دعا إليه إبراهيم ليس الإسلام الذي نحن فيه؛ لأن هذا الدعاء وقع بعد طيّ المراحل الأولية من الإسلام من كسر الأصنام والاحتجاج على بطلان عبادة الشمس فهو عبارة عن العبودية المحضة وتسليم الأمر إليه تعالى وهو الذي يلازم الاصطفاء في الدنيا والصلاح في الآخرة.
3- قوله تعالی: {يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ} آل عمران: 42، نلاحظ هنا أن ( الاصطفاء ) ورد مرتين؛ حين جعل منها عيسی صاحب الغيبتين وهو آخر الأئمة من آل هارون وعيسی لم يأتِ لينسخ التوراة بل ليصدقها ويحقق نبوءة موسی فيه .
حين قصد اليهود قتل عيسی غيّب الله عيسی وأنجاه من هؤلاء وبقي يمارس عمله في الخفاء بين الحواريين وتقول الأناجيل إن عيسی التقی بالحواريين فخافوا وارتهبوا فطلبوا آية لتثبت لهم أنه عيسی ، وإذا کان عيسی لا بد أن يسلّموا له في کل شيء فطلبوا مائدة {نَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا} وهي سبب آيات المائدة .
ثم غيب الغيبة الکبری وننتظر ظهوره آخر الزمان .
4- ثم تعرّض إلى الحقيقة الحقّة بين الصدّيقتين .
فلقد صدرت الحقيقة الحقّة بلحاظ مريم وعيسی ومن افترى على مريم بهتاناً عظيماً يكون محلاً للبراءة؛ فمريم (عليها السلام) وابنها آية للولاء والبراءة وانقسمت الأمة علی أساس ذلک الی يهود يکفرون بهما ومسيح يؤمنون بهما .
وأما فاطمة (عليها السلام)، فهي مطهرة كما في آية التطهير في قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} ، فلقد جاء في حديث ابن عباس: إن الله قسم الخلق قسمين، فجعلني في خيرهما قسماً، إلى أن قال: ثم جعل القبائل بيوتاً: فجعلني في خيرها بيتاً؛ فذلك قوله تعالى: {إنما يريد…}، فأنا وأهل بيتي مطهرون من الذنوب. (الدر المنثور: 5، 199 عن الحكيم الترمذي).
واصطفی الله تعالی فاطمة (عليها السلام) حين جعل منها المهدي (عجل الله تعالى فرجه) كما ورد عن نعيم بن حماد المروزي عن أبي هارون عن عمرو بن قيس الملائي عن المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش سمع عليا (رضي الله عنه) يقول المهدي رجل منا من ولد فاطمة رضى الله عنها (كتاب الفتن ص 231).
والأمر لا يقف عند ذلك … فاصطفاء فاطمة (عليها السلام) إضافة إلی ذلك اثنتی عشرة مرة .
وصار الاصطفاء لفاطمة وبعلها وذريتها الأحد عشر المعصومين والبراءة ممّن افتری عليها حين فسروا أن موقفها إنما لأجل بعلها وإنه عاطفة وحين ردوا شهادتها .
حيث کانت هذه المحاضرة في الأصل جزءً من بحث أعم وأشمل ألا وهو التناظر بين آل محمد (صلى الله عليه وآله) وبين آل يعقوب تفصلهما مدة زمنية تزيد عن الألف سنة من آباء النبي (صلى الله عليه وآله) وآباء موسی (عليه السلام).
وطرحت هذه البحوث تحت عنوان ( علم التاريخ والحضارة ) أو ( علم السيرة النبوية )، والانفتاح علی هذا العلم يحتاج الی توفر مستلزمات الحضارة .
فکانت أهم محاور المحاضرة ملخصةً فيما يلي:
1-آل محمد (صلى الله عليه وآله) هم المشار إليهم في قوله تعالی: {فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} آل عمران: 61.
فقد أخرج مسلم والترمذي وابن المنذر والحاكم والبيهقي في سننه عن سعد بن أبي وقاص قال : ((لما نزلت هذه الآية : { فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ} دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال : اللهم هؤلاء أهلي)) .
وکذلک هم المشار إليهم في قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} الأحزاب: 33؛ فهم إذن مطهرون ومصطفون .
وهم أيضاً المشار إليهم في قوله تعالی: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} آل عمران: 33، 34.
2- زکريا (عليه السلام) هو زوج أخت مريم، وعمران هو معصوم بالدليل القرآني في قوله تعالی: { وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ* وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } الأنعام: 88، فعمران(عليه السلام) يقع تحت سلسلة عنوان الآباء الواردة في الآية الکريمة؛ خمسة من آل عمران وخمسة من آل محمد .
ففي قوله تعالی : {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} ، إن إبراهيم(عليه السلام) إذا جاء مقابل آل عمران وآل إسرائيل يريد بهم القرآن آل محمد (صلى الله عليه وآله) وهو عنوان خاص يراد به ذرية إبراهيم وإسماعيل (عليه السلام).
وبلحاظ التقسيم والمقابلة بين آل عمران والذين هم من طرف إسحاق ويعقوب وبين آل إبراهيم فليس من باب التفصيل والتأكيد على آل يعقوب بل من جهة المقابلة فيكون المقصود بهم آل إسماعيل.
وقال تعالی: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} البقرة: 127 – 182، وهنا نقطة أخرى نشير إليها وهي مسألة أن السياق في الآية الكريمة يقتضي أن يکون إسلام الذرية المطلوبة بالدعاء بمعنى نفس إسلام إبراهيم وإسماعيل، والإسلام الذي دعا إليه إبراهيم ليس الإسلام الذي نحن فيه؛ لأن هذا الدعاء وقع بعد طيّ المراحل الأولية من الإسلام من كسر الأصنام والاحتجاج على بطلان عبادة الشمس فهو عبارة عن العبودية المحضة وتسليم الأمر إليه تعالى وهو الذي يلازم الاصطفاء في الدنيا والصلاح في الآخرة.
3- قوله تعالی: {يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ} آل عمران: 42، نلاحظ هنا أن ( الاصطفاء ) ورد مرتين؛ حين جعل منها عيسی صاحب الغيبتين وهو آخر الأئمة من آل هارون وعيسی لم يأتِ لينسخ التوراة بل ليصدقها ويحقق نبوءة موسی فيه .
حين قصد اليهود قتل عيسی غيّب الله عيسی وأنجاه من هؤلاء وبقي يمارس عمله في الخفاء بين الحواريين وتقول الأناجيل إن عيسی التقی بالحواريين فخافوا وارتهبوا فطلبوا آية لتثبت لهم أنه عيسی ، وإذا کان عيسی لا بد أن يسلّموا له في کل شيء فطلبوا مائدة {نَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا} وهي سبب آيات المائدة .
ثم غيب الغيبة الکبری وننتظر ظهوره آخر الزمان .
4- ثم تعرّض إلى الحقيقة الحقّة بين الصدّيقتين .
فلقد صدرت الحقيقة الحقّة بلحاظ مريم وعيسی ومن افترى على مريم بهتاناً عظيماً يكون محلاً للبراءة؛ فمريم (عليها السلام) وابنها آية للولاء والبراءة وانقسمت الأمة علی أساس ذلک الی يهود يکفرون بهما ومسيح يؤمنون بهما .
وأما فاطمة (عليها السلام)، فهي مطهرة كما في آية التطهير في قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} ، فلقد جاء في حديث ابن عباس: إن الله قسم الخلق قسمين، فجعلني في خيرهما قسماً، إلى أن قال: ثم جعل القبائل بيوتاً: فجعلني في خيرها بيتاً؛ فذلك قوله تعالى: {إنما يريد…}، فأنا وأهل بيتي مطهرون من الذنوب. (الدر المنثور: 5، 199 عن الحكيم الترمذي).
واصطفی الله تعالی فاطمة (عليها السلام) حين جعل منها المهدي (عجل الله تعالى فرجه) كما ورد عن نعيم بن حماد المروزي عن أبي هارون عن عمرو بن قيس الملائي عن المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش سمع عليا (رضي الله عنه) يقول المهدي رجل منا من ولد فاطمة رضى الله عنها (كتاب الفتن ص 231).
والأمر لا يقف عند ذلك … فاصطفاء فاطمة (عليها السلام) إضافة إلی ذلك اثنتی عشرة مرة .
وصار الاصطفاء لفاطمة وبعلها وذريتها الأحد عشر المعصومين والبراءة ممّن افتری عليها حين فسروا أن موقفها إنما لأجل بعلها وإنه عاطفة وحين ردوا شهادتها .
الزيارات : 1٬520