علم آثار القرآن الكريم

مقال العلامة السيد سامي البدري الذي نشر في مجلة آفاق الحضارة الاسلامية ـ العدد 13 ـ سنة 1424هـ ـ 2004 م

القرآن وعلم الآثار ـ العلامة البدري
القرآن وعلم الآثار ـ العلامة البدري

آفاق الحضارة الاسلامية ـ العدد 13 (صفحه 27)


علم الآثار: (Archaeology) :

علم الآثار (Archaeology) علم جديد عمره قرن ونصف تقريباً يعني بمتبقيات الحضارات القديمة.

واعظم انجازات هذا العلم علي الإطلاق هو كشفه للكتابات المسمارية في العراق وسورية وإيران ومصر للفترة ما قبل التوراة،(1) واهم شيء في هذه الكتابات هو ما جاء فيها من مواضيع من قبيل قصة طوفان نوح(ع) واقدم النصوص السومرية والبابلية لها ترجع الي القرن السادس عشر قبل الميلاد، ومن قبيل مسلة حمورابي وهي اقدم مدونة تشريعية مدنية تفصيلية حيث اشتلمت علي ثلاثمائة مادة تقريباً، ومن قبيل أسماء مدن تلقي الضوء علي اسماء مدن واماكن وردت في التراث الديني اليهودي والاسلامي ولم يتفق علي موقعها بالضبط ويجيء ورودها في التراث المسماري عاملاً مساعداً علي ضبط مكانها.

آفاق الحضارة الاسلامية ـ العدد 13 (صفحه 28)


الرواد الأوائل من علماء الآثار :

كان الرواد الأوائل في هذا العلم هم من المسيحيين واليهود الاوروبيين وكتبوا نتائج حفرياتهم بلغاتهم القومية الإنكليزية والألمانية والانكليزية وغيرها، واثارت كشوفاتهم وكتاباتهم همم الباحثين في تاريخ الأديان وعلم اللاهوت والكتب المقدسة من لاهوتيي اليهود والمسيحيين أو من العلمانيين لدراسة تلك الكشوفات في ضوء أسفار الكتاب المقدس كان هدف بعضهم الحصول علي تأييدات للكتاب المقدس واستهدف البعض الآخر الحصول علي ارقام تضعف الثقة بالكتاب المقدس ونتج عن ذلك حركة فكرية واسعة وتأسس في ضوء ذلك (علم آثار الكتاب المقدس) (Biblical Archaeology) وتأسست للنهوض به جمعيات ومؤسسات كثيرة معروفة عالمياً.

تتلمذ طلبة علم الآثار من المسلمين في العراق وسوريا ومصر علي أيدي علماء الآثار الغربيين وتأثروا بالاتجاه العلماني خاصة ومن هنا كانت الوجهة التي تحرك بها هذا العلم في البلدان الإسلامية وجهة انفصالية عن التراث الاسلامي وفي بعض الاحيان حاول بعض المتخصصين في علم الآثار من أبناء المسلمين ان يستفيد من بعض القضايا التي يقدمها التراث المسماري المكتشف في تكريس وجهة نظره السلبية ازاء الدين فانطلق في تفسيره نشأة هذا التراث بمعزل عن حركة النبوات التي سبقته وواكبته وتقدمت عليه، وفي ضوء ذلك وغيره صار موقف علماء الدين بشكل عام من هذا العلم موقفاً سلبياً.

محاولتنا في دراسة التراث المسماري :

قمنا بمحاولة قراءة التراث المكتشف في ضوء تراثنا الاسلامي المكتوب خلال القرون الخمسة الهجرية الاولي (القرآن وتراث النبوة برواية اهل البيت) قراءة مقارنة وحاولنا تأسيس علم آثار القرآن في قبال ما يسمي بعلم آثار الكتاب المقدس، اعتمدنا في المحاولة علي اهم المصادر المعتبرة لدي أصحاب الاختصاص.

من قبيل:

آفاق الحضارة الاسلامية ـ العدد 13 (صفحه 29)


ـ القاموس الآشوري (The Assyrian Dictionary) اصدار جامعة شيكاغو (عشرون مجلداً)، وهو معجم الالفاظ الاكدية والآشورية مستخرج من النصوص المسمارية،

ـ قاموس سومري بالالمانية (Sumerisches lexikon) تأليف الراهب الالماني دايمل (I.ANTON DEIMEL S.P) سبع مجلدات.

ـ مادة القاموس السومري بالالماني والانكليزية (LE×IKON MATERIALIEN ZUM SUMERISCHEN)، تأليف لاند بورجر (LANDSBERGER B.) ثلاثة عشر مجلداً.

ـ (Sumerian Dictionary) اصدار جامعة بنسلفانيا.

ـ كتب بالخط المسماري مع قراءة حرفية (Transliteration) تتناول شرعية حمورابي وغيرها من الشرائع العراقية القديمة وملحمة جلجامش وقصة الطوفان وغيرها مع ترجمات فرنسية والمانية وانكليزية وعربية.

ـ مستلت من اربعين مجلد من مجلة (سومر) التي تصدرها مديرية الآثار العراقية (1946ـ1986)، ودورة كاملة من مجلة علم آثار الكتاب المقدس (Biblical Archaeology) التي صدرت في لندن (1872ـ1920)، ودورة كاملة من مجلة العراق (IRAQ) متخصصة بآثار العراق تصدر في لندن (1932ـ1988) ومستلات من مجلات آثارية سورية واردنية وغيرها.

ـ كتب عربية وفارسية في علم الآثار والتاريخ القديم والحضارات القديمة في العراق ومصر وسوريا وايران.

ـ عشرون كتاب اطلس مع خرائط متفرقة باللغات العربية والعبرية والاغريقية واللاتينية.

بعض نتائج الدراسة :

كانت نتائج الدراسة مثيرة وفيما يلي طُرق منها:

آفاق الحضارة الاسلامية ـ العدد 13 (صفحه 30)


حول تعدد الارباب :

اكتشفنا ان الآلهة التي كان يعبدها السومريون والبابليون واسلافهم ثم انتشرت عنهم الي السوريين والمصريين واليونان والرومان واهل مكة هم الاب (آنو) (Anu) وابناؤه وبناته واحفاده اي اللّه‏ وملائكته وانبياؤه والجن حيث جعلوا من اللّه‏ أبا (تعالي عن ذلك) والبقية أبناء، وهذا هو عين ما يقوله القرآن عن المسيحيين واليهود والاقوام القديمة قال تعالي: «وَقالتْ اليهُودُ عُزَيرٌ ابنُ اللّه‏ِ وقالتْ النَّصاري المسيحُ ابنُ اللّه‏ِ ذلك قولُهُمْ بِأفْوَاهِهِمْ يضاهِئُونَ قولَ الَّذين كفرُوا من قبلُ قَاتَلُهمْ اللّه‏ُ أنَّي يؤْفَكون(30) ».

وقوله تعالي (يضاهئون) أي يشابهون. أي أن المسيحيين واليهود بقولهم ان عزير بن اللّه‏ والمسيح بن اللّه‏ يكررون قول المشركين من قبل الذين قالوا ان الانبياء السابقين والملائكة ابناء اللّه‏، والقول ببنوة الملائكة للّه‏ قول لمشركي العرب ايضاً قال تعالي: «أفَرَأيتُمْ اللاَّتَ والعُزَّي (19) وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَي (20) ألَكم الذّكرُ ولَهُ الأُنثي (21) تِلْك إذاً قِسْمَةٌ ضِيزَي (22)) النجم/ 19ـ22 أي قسمة جائرة.

حول حمورابي وشريعته :

واكتشفنا ايضاً أن لفظ (حمورابي) معناه (خليل الرب) وهو اسم ابراهيم عليه‏السلام وان الملك البابلي الذي يحمل اسم حمورابي الذي كتب الشريعة علي الحجر الكبير كان عصره بعد عصر ابراهيم خليل الرحمن بمائتين او ثلاثمائة سنة وفي منطقته نفسها وبالتالي فان ما في شريعة حمورابي من أحكام إنما هي بقايا شريعة ابراهيم اصابها التحريف.

قال بعض علماء الآشوريات: ان اسم حمورابي مركب من كلمتين الأولي: (حمو) وأنها اسم اله سامي غربي من الآلهة الشمسية كما يدل ذلك اسمه الذي يعني الحرارة. الثانية: (رابي) ومعناها عظيم أو كبير، ويجوز قراءتها (رافي) بمعني مكثر (طه باقر في كتابه تاريخ الحضارات ط2/429).

وقال آخر أنها (امورابي) وأن (امو) تعني (محبوب) وان (عمو) (همو) تعني (العم)

آفاق الحضارة الاسلامية ـ العدد 13 (صفحه 31)


(المعبود) (وهو ما ذهب اليه Knut L. Tallqvistفي كتابه. (names p.84 and 268 (1966 )

Assyrian Personal )

[وهناك من يفسرها بأنها من (حمو) بمعني رب الاسرة و(رابي) بمعني الكبير، والمعني رب الاسرة الكبير.

وهناك رأي آخر في تفسيرها انها من (حمو) بمعني حارس، حامي و(راب) بمعني آلهة او اله، والمعني حامي الالهة.] (عبدالحق فاضل في كتابه تاريخهم من لغتهم ص 18).

اما رأينا فنقول:

اسم حمورابي بالرموز المسمارية يكتب كما يلي:

(Ha-am-mu-ra-bi)

(حا-آم-مو-را-بي)

والعبارة تتألف من مقطعين الاول (حا-آم-مو) (حآمو) الثاني (را-بي) (رابي) ولا خلاف في ذلك.

وحين نراجع لفظة (حآمو) (Hammu) في القاموس الاشوري (The Assyrian Dictionary) للالفاظ البابلية والاكدية نجده يذكر ان اللفظة بابلية قديمة تعني (Master) أي سيد، رئيس، وتعني أيضاً (Head of Family) أي رأس الاسرة وسيدها، ويذكر ايضاً انها وردت ايضاً بصيغة (حامة) (Hammatu) (Assyrian Dic vol 6 pp.69)، ولفظة (حامة) (Hammatu) تعني في اللغة العربية (خاصة الرجل من اهله واصدقائه) (or relatives Particular or special friends) وهو معني للفظة البابلية لم يذكره معجم شيكاغو ولكنه ورد فيه لفظة (حامو) (Hamu).

(be come confident) (to rely) بمعني يثق بـ…، يمكن الاعتماد عليه، صديق حميم. وفيه ايضاً لفظة (حمو) (Hummu) (give confidence to) بمعني ثقة.

وفي ضوئه فان (حامو) (Hammu) في (حمورابي) لا تعدوا احد معنين الاول الرئيس

آفاق الحضارة الاسلامية ـ العدد 13 (صفحه 32)


الثاني الثقة، الصديق الحميم، الخليل.

اما لفظة (راب) فتأتي بمعني كبير، الرب المعبود، وهذه اللفظة البابلية قد تجيء مرفوعة ومنونة (مع ملاحظة ان نون التنوين عند البابلين هي ميم) (رابم) او منصوبة (رابم) او مجرورة (رابم) وفي اسم (حمورابي) جاءت مجرورة لانها مضاف اليه فهي اذن جاءت بمعني الرب المعبود لانها لو جاءت صفة لكانت مرفوعة.

وفي ضوء ذلك فأن معني (حمورابي) هو (ثقة الرب) (خليل الرب). وليس من شك ان هذا اللقب قد ذكره القرآن لابراهيم(ع) كما في قوله (واتخذ اللّه‏ إبراهيم خليلاً) (النساء/ 125) ولا نريد من ذلك ان حمورابي الملك الآمر بكتابة المسلة هو ابراهيم اذ مما لا شك فيه ان زمان ابراهيم عليه‏السلام قبل زمان هذا الملك بما لا يقل عن ثلاثة قرون، نعم نستفيد منه كقرينة تضاف الي غيرها علي ان الاحكام التي تضمنتها مسلة الملك حمورابي وروح مقدمتها وخاتمتها مستمدة من شريعة ابراهيم عليه‏السلام وصحفة في قليل او كثير.

حول مكان هبوط سفينة نوح :

اكتشفنا أن لفظ (اراراط) الوارد في التوراة العبرية اسماً لجبل سفينة نوح (واستقر الفلك علي جبال أراراط في اليوم السابع عشر من الشهر السابع للطوفان. تكوين الفقرة 4 الاصحاح 8)، وفي التوراة الآرامية والسريانية (قردو) انهما اسمان لمدينة بابل، وهذا يتطابق مع ما ذكرته رواية أهل البيت من أن سفينة نوح قد استقرت في هذه المنطقة، ومن أطراف ما اكتشفناه في هذا الموضوع هو حديث الامام الصادق عليه‏السلام (ان الجودي هو فرات الكوفة) وقد علق العلامة المجلسي (رح) علي ذلك بأنه مصحف والصحيح (قرب الكوفة) غير أننا وجدنا في (القاموس الآشوري) الذي أصدرته جامعة شيكاغو ان (جادو) اسم للفرات القديم. وهو عين رواية المفضل عن الصادق عليه‏السلام .

آفاق الحضارة الاسلامية ـ العدد 13 (صفحه 33)


كربلاء في التراث اللغوي الشرقي القديم :

هناك ثلاثة احتمالات للأصل الذي تكونت منه لفظة (كربلاء) كتسمية للمنطقة قبل العهد الإسلامي:

الاحتمال الأول: أنها متألفة من (كرب – ايل):

اما لفظة (كرْب) فهي لهجة ثانية للفظة (قُرْب) العربية، وهي في اللغات العبرية والسريانية بالقاف مثل العربية، أما في الأكدية والبابلية فهي بالكاف.(2)

وفي ضوء ذلك:

فان (كربلاء) تعني: التقرب للرب.

ومدينة كربلاء تعني أيضاً: (مدينة التقرب للرب)، أو (مدينة حرم الرب).(3)

وهذا المعني ينسجم كل الانسجام مع الرواية عن الامام الصادق عليه‏السلام اذ يقول: ان اللّه‏ تعالي اتخذ بفضل قبر الحسين عليه‏السلام الي كربلاء حرماً آمناً مباركاً قبل ان يتخذ مكة حرماً.(4)

الاحتمال الثاني: هو ان تكون مؤلفة من (كار ـ بلات):

أما لفظة (كار) (KAR) فهي علامة مسمارية يقابلها بالأكدية (eteru)(5) (etteru) (ettertu) (ايطيرو) (اطيرو) (ايطيرتو) وتعني (انقاذ).

أما لفظة (بلات (balat) وهي قريبة من لفظة (باليتو) (balittu) الأكدية وهي مؤنث للكلمة (بالطو) (baltu) و(بالاطو) (balatu) وتعني (الحياة) و(الأمان) وتكتب بالعلامة المسمارية (DIN) (TI).(6)

آفاق الحضارة الاسلامية ـ العدد 13 (صفحه 34)


وفي ضوء هذا الاحتمال:

فان لفظة (كربلات) تعني (انقاذ الحياة) نظير لفظة (أورشليم) التي تتألف من (اور) لفظة سومرية و(شاليم) لفظة أكدية.

وفي ضوء ذلك:

فان مدينة كربلاء تعني مدينة انقاذ الحياة، وهذا المعني ينسجم كل الانسجام مع الرواية عن علي عليه‏السلام التي تقول: ان كربلاء هي البقعة التي نجا اللّه‏ تعالي عليها المؤمنين الذين آمنوا مع نوح.(7)

الاحتمال الثالث: هو أن تكون مؤلفة من (كور ـ بلات):

أما (كور) (Kur) فهي علامة مسمارية تعني (هيكل العبادة)، (بيت العبادة الكبير)، أو (بلد)، أو (ربوة).(8)

وفي ضوئه تكون (كوربلات) معناها (بلد الأمان)، أو (معبد الأمان) أو (بيت السلام).

وهذا المعني ينسجم مع الروايتين الآنفتي الذكر أيضاً.

واقعية الاحتمالات الثلاثة:

وليس من البعيد ارتباط هذه المعاني الثلاثة المحتملة باللفظة (كربلاء) في مراحل تاريخية مختلفة.

فهي (كرب ـ ايل) من ناحية كونها بيتاً لعبادة اللّه‏ تعالي والتقرب إليه.

وهي (كر ـ بلات) من ناحية كونها المكان الذي أنقذت فيه الحياة من الطوفان.

وهي (كور ـ بلات) من ناحية كونها معبد الأمان وهو وصف لبيوت اللّه‏ كما في قول إبراهيم «واذ قال ابراهيم رب اجعل هذا بلد آمناً وارزق اهله من الثمرات »

آفاق الحضارة الاسلامية ـ العدد 13 (صفحه 35)


قردو: قردو:

والذي يؤيد تحليلنا اللغوي الآنف الذكر:

أننا لو استبدلنا لفظة (بلات) الموجودة في (كر ـ بلات) بمعادلها (Din) (Di) فاننا نحصل علي كلمة (كردين) (كردي).

اما (كردي) فهي قريبة من (قردي) التي ورد ذكرها في معجم البلدان تأليف ياقوت الحموي(9) قال (قردي) بالفتح ثم السكون ثم دال مهملة والقصر، قرية قريبة من (جبل الجودي) بالجزيرة وبقربها (قرية الثمانين) وعندها رست سفينة نوح.

أقول: وهذا التشخيص لمكان (قردي) هو تشخيص اتبع فيه الحموي للمأثور عن جملة من أهل الكتاب.

وقد جاء في التوراة الآرامية المعروفة بـ (ترجوم اونقيلوس)(10) (قردو) (قردو) وفي التوراة السريانية المعروفة بـ (البشيطا)(11)(قردو) (قردو) ايضاً جاء هذا الاسم كمعادل لاسم الجبل الذي ذكرته التوراة العبرية(12) (أراراط) (اررط) علي انه المكان الذي استقرت عليه سفنية نوح.

وقد ذكر مفسروا التوراة القدامي والمحدثون من اليهود والنصاري أن جبل (اراراط) (قردو) يقع في شمال آشور وأنها اليوم جنوب تركيا.

أراراط: اررط:

وقالوا عن لفظة (اراراط) أن اصلها لفظة أكدية هي (اورارطو) ولكنهم لم يواصلوا البحث في اللفظة.

ونحن نراها أنها تتألف من مقطعين هما:

1ـ (اور) ومعناه مدينة كما في (اورشليم) (مدينة السلام) وكما في (اربيل) التي تتألف من مقطعين هما (ار) واصله (اور) و(بيل) واصله (بعل) ومعناه (الرب) (مدينة الرب).

2ـ (ارطو) أو (ارطو) أو (اراط) أو (اراد) أو (اردو) أو (اريدو) للابدال بين حرف الطاء

آفاق الحضارة الاسلامية ـ العدد 13 (صفحه 36)


والدال والالف والياء. وقد جاء هذا اللفظ في الوثائق المسمارية بمعان عديدة منها كونه اسماً من اسماء نهر الفرات(13) ومنها ايضاً كونه اسماً قديماً من اسماء مدينة بابل.(14)

وفي ضوء هذا يكون المعني اللغوي للفظة الاكدية (اورارطو) الآنفة الذكر وهي اصل لفظة (اراراط) الواردة في التوراة العبرية هو (مدينة بابل).

وفي ضوء هذا ايضاً يكون معني العبارة (جبال اراراط) في التوراة العبرية والعبارة (جبال قردو) في التوراة الآرامية والسريانية هو (جبال مدينة بابل).

الطارات :

ويؤيد ذلك ايضاً: أن (قردو) اسم من اسماء مدينة بابل في العهد الكشي.(15)

[به تصوير صفحه مراجعه شود.]

آفاق الحضارة الاسلامية ـ العدد 13 (صفحه 37)


أما جبال مدينة بابل فيراد بها سلسلة المرتفعات الصخرية المتمزقة الكائنة غرب فرات الكوفة، وهذا ما لا يشك فيه أحد من البلدانيين القدامي والجغرافيين المحدثين ولا احد من أبناء النجف وكربلاء المطلعين علي جغرافية المنطقة.

ان هذه المرتفعات الصخرية الممزقة المتناثرة هي جرف صخري ممزق يبدأ من النجف حيث يوجد عليه ثلاث ربوات يبلغ ارتفاعها 65 متر عن سطح البحر ثم يمتد الي الشمال الغربي حتي يصل الي كربلاء وتعرف هذه المرتفعات بـ (الطارات) او (الطار) وقد اجرت احدي بعثات الآثار اليابانية عمليات تنقيب في اكثر من موسم في أحد هذه الطارات المسمي بـ (طار أم الجمال) الواقع شمال شرق النجف وجنوب غرب كربلاء وقد نشرت عدة صور له.

ان لفظة (الطار) و(الطارات) قريبة جداً من اللفظة الاكدية (eteru) (etteru) (ettertu) (ايطيرو) (اطيرو) (ايطيرتو) التي مرت علينا والتي تعني الانقاذ.

وهذا الجبل قد اخبر عنه الامام الصادق عليه‏السلام حيث قال:

«إن النجف كان جبلاً عظيماً وهو الذي قال عنه ابن نوح (ساوي الي جبل) فتقطع قطعاً قطعاً باتجاه الشام».

الطف :

ويؤيد ذلك ايضاً: وجود اسم آخر لمدينة بابل يكتب بالعلامة المسمارية ( ) رقم (308) وقد قرأه علماء الكتابات القديمة بالصوت المقابل للحرف الانكليزي (E) وفي بحث أحدهم ان هذه العلامة‏لفظها الصحيح حرف العين، وتقابل هذه العلامة بالأكدية لفظة (situ) وتعني المشرق وبلاد المشرق، ولو دققنا النظر في العلامة لوجدناها تتالف من علامتين هما:

1ـ ( ) وتقرأ (TAP) وهي علامة مسمارية يقابلها بالأكدية (esepu) (asapu) وتعني المضاعف ويقابلها بالعبرية (كيفل) (كفل).

2ـ ( ) وتقرأ (A) ويقابلها بالأكدية (mu) وتعني ماء.

وتقرأ العلامتان (طافا) (tapa) وهذا اللفظ قريب من لفظ (الطف) احد اشهر اسماء

آفاق الحضارة الاسلامية ـ العدد 13 (صفحه 38)


مدينة كربلاء.

ان (طافا) قريبة مما ورد في اللغة الاكدية (tepu) (طيفو) وتعني الغرق والغمر، هذا مضافاً الي ان المعني الحرفي للمقطعين بالأكدية هو (المياه المضاعفة او الكثيرة).

وفي اللغة العربية الطوفان: الغرق والفيضان.

وفي الآرامية (طفا) (طفا) بمعني طاف وغرق بمعني الغرق ايضاً.

أقول:

وفي ضوء ذلك فان مدينة (الطف) تعني (مدينة الطوفان).

عمورا :

ويؤيد استنتاجنا هذا: ورود اسم تاريخي آخر لكربلاء هو (عمورا) وهو قريب جداً من لفظة (أمارو) أو (عمارو) (A.MA.RU) السومرية التي تعني الطوفان المدمر.

اذن مدينة (عمورا) تعني مدينة الطوفان ايضاً.

واذا قرأناها (taba) بالتاء والباء (تابا) تكون اللفظة قريبة جداً من اسم السفينة التي ذكرت في التوراة العبرية وهي (تبة) (تيبا) وهي ليست عبرية ويحتمل العلامة جزينوس في كتابه معجم الفاظ التوراة أنها (مصرية) وهي باللغة الهيروغليفية تعني (صندوق).

أقول: وفي العربية (تابوت) بمعني الصندوق.

وفي العربية ايضاً: الطوف: قرب ينفخ فيها ويشد بعضها ببعض فتجعل كهيئة سطح فوق الماء يحمل عليها الميرة والناس، والطوف خشب يشد ويركب عليه في البحر.

اقول وفي اللغة الهيروغليفية (tep) (طيف) بمعني صندوق (tpet) (طيفت) بمعني سفينة او مركب كبير.(16)

وفي ضوء ذلك يتضح:

إن مدينة الطف معناها مدينة السفينة (أي سفينة نوح) حيث لم يرد في التوراة تسمية (تيبا) (تبه) لغير سفينة نوح.

ويؤيد ذلك كله:

آفاق الحضارة الاسلامية ـ العدد 13 (صفحه 39)


ما جاء في المعجم الآشوري من أن (Gadu) (جادو) اسم للفرات الأوسط(17) وهو تصديق مثير لما جاء في الرواية عن الصادق عليه‏السلام : أن (الجودي) في قوله تعالي (واستوت علي الجودي) هو (فرات الكوفة).

تنبيه:

ان التحليل اللغوي الآنف الذكر قد يثير البعض امامه مشكلة وهي اننا حين نجد انفسنا امام محتملات متعددة او قراءات متعددة للفظة او للمقطع الصوتي المراد بحثه، فلم نأخذ بالقراءة او الاحتمال الذي يصب في صالح الهدف الذي نريده.

والجواب: ان هذه المشكلة اساساً تثار امام الباحثين الذين فكوا الرموز المسمارية ولازالوا يمارسون فكها وقراءتها فانهم حين يقرأون رمزاً مسمارياً فيه كلمة اكدية مثلاً نراهم يختارون من الاحتمالات ما يجعل الكلمة ذات معني في الاكدية او اللغات القريبة منها كالعربية او العبرية ويسيرون بهذا الاتجاه حتي تتكون لديهم جملة واضحة المعني وقد يرجعون مرة ثانية فيستبدلون قراءة بأخري اذا رأوا ان القراءة الاخيرة تنتج لفظة اكثر انسجاماً مع الالفاظ السابقة في الجملة او اكثر انسجاماً مع الجمل السابقة.

وهذا الاصل نفسه قد اخذنا به في تحليلنا اللغوي الآنف الذكر.

اما دليلنا علي صحة الاحتمال او القراءة التي رجحناها فهي المؤيدات التي ذكرناها بعد التحليل هذا خلاصة ما ذكرناه في العدد الاول من نشرة القرآن وعلم الآثار العدد الاول، وهناك بحث اكثر تفصيلاً ووفاءاً حو المكان الذي استقرت عليه سفينة نوح بعد الطوفان

آفاق الحضارة الاسلامية ـ العدد 13 (صفحه 40)


سيأتي ان شاء اللّه‏ في العدد القادم.

اهمية علم الآثار عند المسيحيين واليهود :

عني علماء اللاهوت المسيحي واليهود بعلم الآثار عناية خاصة بل يذكر بعضهم ان الهدف الاساس لكثير من الجهود التنقيبية هو الكتاب المقدس.

قال عالم الآثار الألماني (فريد ديليتش) في محاضرته التي القاها في كانون الثاني سنة 1903م في برلين بعد رجوعه من موسم تنقيبي في بابل:

«ما الداعي لبذل هذا الجهد في تلك البلاد البعيدة والوعرة والخطرة؟

لماذا هذا التنقيب المكلف عن الآثار المتراكمة منذ آلاف السنين الي عمق المياه الجوفية حيث لا ذهب ولا فضة؟

لماذا التنافس بين أمم في حجز حق التنقيب في هذه البلاد المقفرة؟

ثم ماذا يدفع بالناس الي الاهتمام المتزايد والاستعداد للتضحية في سبيل الحفريات في مناطق مملكة بابل والآشوريين؟

ان جواباً واحداً يشير ولو بشكل غير كاف الي السبب والغرض انه الكتاب المقدس؟

وقال ايضاً:

«إن نتائج الحفريات الجارية في منطقة بابل وآشور هي قبل كل شيء ستفتح مرحلة جديدة في فهم العهد القديم (التوراة) وان الكتاب المقدس وبابل سيضلان مرتبطان الي الابد».

وقال أيضاً:

«كان الكتاب المقدس المصدر الوحيد لمعرفتنا للشرق الوسط منذ عام 550ق.م. وما قبله ولما كانت دائرته تمتد علي مساحة كبيرة (أي بين البحر الابيض المتوسط والخليج وبين أراراط واثيوبيا) كانت تكثر فيه الألغاز التي كان من الممكن ان يستحيل حلها اما الآن فتسقط فجأة الجدران التي كانت تحيط بمسرح أحداث العهد القديم لاسيما نحو الوراء.

وريح آتية من الشرق تنعش الكتاب القديم مع نور ساطع ينيره وذلك لان العصور

آفاق الحضارة الاسلامية ـ العدد 13 (صفحه 41)


العبرية القديمة ترتبط من أولها الي آخرها ببابل وآشور».(18)

اهمية علم الآثار من الناحية الاسلامية :

اقول:

بمثل هذا الاندفاع القوي بل وباقوي منه يمكننا القول بان علم آثار القرآن ضرورة ملحة وبخاصة بعد ان توفرت مادة وفيرة من النصوص واستقرت قراءتها بشكل عام ولعل الجهد الذي بذله الآثاريون المسيحيون واليهود والنتائج الايجابية التي حققوها علي ضآلتها بلحاظ الكتاب المقدس وما قدمته محاولتنا من خلال بعض النتائج التي اعلنا عنها من خلال العدد الاول من نشرة القرآن وعلم الآثار وما قام به باحثون آخرون امثال الباحث العراقي الدكتور بهاء الدين الوردي المقيم في المغرب من خلال كتابه رموز القرآن تعتبر بداية جيدة لانطلاقة علم آثار القرآن، هذا العلم الذي سوف يكون عامل اختيار ايجابي للقرآن وتراث اهل البيت اذ كيف يتاح لمحمد صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم اذا لم يتلقي الوحي ان يذكر عن قوم نوح وقوم هود وصالح وابراهيم معلومات تخالف ميراث اهل الكتاب ومعلومات عصره ويربط مصير دعوته بتلك المعلومات علي آنهاالحق والواقع في افق الزمن الممتد الذي ينطوي علي كثير من المفاجئات ومنها مفاجأة الكشف عن حضارات تلك الامم الغابرة؟ وكذلك الحال في تراث اهل البيت الذي انفردوا به واكدوا ان تراثهم هو تراث خاص وصلهم من النبي.

ان التطابق بين المعلومات القرآنية او الحديثية مع كشوفات علم الآثار يأتي تصديقاً لقوله تعالي (تلك من انباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر ان العاقبة للمتقين. (هود/49).

آفاق الحضارة الاسلامية ـ العدد 13 (صفحه 42)


الهوامش :

______________________________

1. التاريخ التقريبي لنزول التوراة هو القرن الرابع عشر قبل الميلاد.

2. انظر المعجم الآشوري مجلد الحرف (K) لفظة (Karabu).

3. نقل الاستاذ سلمان هادي الطعمة في كتابه (تراث كربلاء) ص 22 عن السيد عبدالرزاق الحسيني في كتابيه (موجز تاريخ البلدان العراقية) ص 61ـ62 وكتابه (العراق قديماً وحديثاً) ان فريقاً من المؤرخين يري ان لفظة (كربلاء) مركبة من كلمتين اشوريتين هما (كرب) و(ايلا) ومعناهما (حرم اللّه‏) وذهب آخرون الي ان الكلمة فارسية المصدر فهم يرون انها مركبة من كلمتين هما (كار) و(بالا) ومعناها (العمل الأعلي، أي (العمل السماوي) وبعبارة أخري (محل العبادة والصلاة). وفي (موسوعة العتبات المقدسة قسم كربلاء) ص 9ـ10 نقل الاستاذ جعفر الخليلي عن السيد هبة الدين الشهرستاني في كتابه نهضة الحسين عليه‏السلام ص 66 ان (كربلاء) منحوتة من كلمتين (كور بابل) بمعني مجموعة قري بابلية. نقل عن الاب انستاس الكرملي في (لغة العرب) ج5 ص178 قوله (والذي نتذكره فيما قرأناه في بعض كتب الباحثين ان كربلاء منحوتة من (كرب) و(ال) أي (حرم اللّه‏) أو (مقدس اللّه‏).

اقول وقد رأيت في كتاب (ASSYRIAN PERSONAL NAMES) الاسماء الشخصية الآشورية تأليف (KNUTL. TALLQUIST) (باللغة الانجليزية) مدنا باسم (قربان آشور) (Kur-ban-a-sur) قربان – عشتار) (Kurban-Istar) وفي كتاب (ARCHNES OF ASSYRIAN STATE) الجزء الاول ص 37 الرسالة 36 السطر (5) مدينة باسم (كوربائيل) (Kurbail) تقع في آشور.

وفي (معجم العلامات الآشورية) تحت العلامة رقم (366) ذكرت مدينة ( uru) وتقرأ أيضاً (كرب ـ آتو).

4. بحار الانوار ج101/33 اقول كان ذلك بعد الطوفان وقبل ابراهيم.

5. (ASSYRIAN DIC) لفظة (eteru).

6. (ASSYRIAN DIC) لفظة (balatu).

7. كامل الزيارات لابن قولوية.

8. معجم العلامات الآشورية العلامة رقم (366).

9. معجم البلدان ج4 ص 322.

10. التوراة الآرامية سفر التكوين الاصحاح 8 الفقرة 4.

11. التوراة السريانية سفر التكوين الاصحاح 8 الفقرة 4.

12. التوراة العبرية سفر التكوين الاصحاح 8 الفقرة 4.

13. انظر معجم العلامات الآشورية العامة رقم (579) حيث ذكر (A-RAD) (اراد) اسماً للفرات.

14. انظر معجم العلامات الآشورية العلامة رقم (87) حيث ذكر (Eridu) (اريدو) اسماً لمدينة بابل.

15. سيأتي تفصيل اكثر عن ذلك في بحوث قادمة.

16. المعجم الهيروغليفي.

17. Ass. Dic. vol. 5p9 وفيه ان (Gadu) (جادو) يقع بين (اورانتو) (Urantu) (وتقرأ ايضاً (بورانتو) (Purantu)) ونهر (اراختو) (Arahtu) وكلاهما في بابل وبالتالي فان هذا الفرع الثالث (جادو) يقع في بابل ايضاً. انظر معجم العلامات المسمارية العلامة (381) وايضاً.

Repertoire Gaeographique texes Cuniformes vol. I-II

18. بابل والكتاب المقدس تأليف فريدريك ديليتش ترجمة ايرينا داود.

نهاية المقال

الزيارات : 1٬646

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *