محاضرة ألقيت على كوكبة من الحجاج في مكة المكرمة بتاريخ 3 ذي الحجة سنة 1426 ـ السيد سامي البدري
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين
قال الله تعالى:
﴿يا أَيُّها الَّذينَ آمَنوا استَجيبوا لِلهِ وَلِلرَّسولِ إِذا دَعاكُم لِما يُحييكُم﴾ الأنفال/24.
﴿لَقَد مَنَّ اللهُ عَلَى المُؤمِنينَ إِذ بَعَثَ فيهِم رَسولاً مِن أَنفُسِهِم يَتلوا عَلَيهِم آياتِهِ وَيُزَكّيهِم وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ والحِكمَةَ﴾ آل عمران/164.
توضح الآيتان الكريمتان ان وظيفة الانبياء هي تزكية نفوس من يستجيب لهم وذلك من خلال تعليمهم الكتاب والحكمة وحثه على العمل بها.
والكتاب والحكمة هنا يراد بهما العقيدة والشريعة.
والعقيدة: هي الرؤية الشاملة عن أصل الكون والحياة والانسان وهدف الخلقة.
والشريعة: هي منهج الحياة اليومي للإنسان الذي يضمن له تحقيق هدف الخلقة، ويتضمن هذا المنهج العبادات والمعاملات، وهما ركنا الفقه الاسلامي.
أما العبادات: هي منهاج إلهي لتزكية النفس وتهذيبها لتكون لائقة للحياة الصالحة في الدنيا ولائقة لمرافقة الانبياء والصديقين في الاخرة.
واما المعاملات: فهي نظم شاملة لبناء المجتمع كمؤسسة كبيرة تضمن لكل افرادها حقوقهم وتعين لهم التزاماتهم ازاء الاخرين مع احكام اخرى تضمن اداءها الوقوف عندها.
وحين ننعم النظر في العبادات التي شرعها الاسلام نجد أبرزها: الصلاة والزكاة والصوم والحج، ولكل واحده منها أثرها الخاص على النفس.
ويهمنا في هذا البحث الحج، ونحاول ان نسلط الضوء على الاثر الذي يراد للمناسك ان تتركه على النفس، ولابد من التنبيه ان هذه الاستنباطات ليست كل ما يمكن استنتاجه من المناسك بل هو باب يتسع لما ذكرنا ولغيره.
هناك ثلاثة انواع من الحج هي:
الأول والثاني: حج الافراد وحج القران وهما فرض اهل مكة ومن يكون البعد بين مسكنه ومكة اقل من ستة عشر فرسخا (88 كم).
الثالث: حج التمتع هو فرض من كان البعد بين مسكنه ومكة أكثر من ثمانية وثمانين كيلومتر. ويتألف من عمرة التمتع (الحج الاصغر) وحج التمتع (الحج الاكبر).
ويختلف حج التمتع عن حج الافراد بتقديم العمرة على مناسك الحج وتبدأ عمرة التمتع بالإحرام من الميقات ثم الطواف وصلاته ثم السعي ثم التقصير، بينما في حج الافراد تؤخر العمرة الى ما بعد اتمام مناسك الحج ولا يشترط ان تقع في العام نفسه بل حسب ظروف المكلف التي تتيح له ذلك فيما بعد، ويختلف حج القران عن حج الافراد بسوق الهدي عند الاحرام وتفصيل ذلك في كتب الفقه.
وتشترك كل الانواع الثلاثة من الحج ب: الاحرام، ثم الوقوف بعرفة، ثم المبيت في المزدلفة (المشعر الحرام)، ثم الذهاب الى منى لرمي الجمرة الكبرى ثم الذبح ثم التقصير او الحلق ثم العود الى مكة للطواف وصلاته والسعي ثم طواف النساء ثم المبيت في منى ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر والنفر بعد ظهر الثاني عشر.
وفيما يلي نحاول التعرف على الدلالات التربوية لأعمال العمرة التمتع بشكل مختصر:
اعمال عمرة التمتع الإحرام والطواف وصلاته والسعي والتقصير
دلالة الاحرام:
حين ننعم النظر في واجبات الاحرام ومحرماته يمكننا ان نستنبط منها فكرة ان الاحرام هو عملية التخلي عن المواقع المصطنعة في الدنيا ومظاهرها وزخارفها الفانية، والظهور بمظهر الفقر إزاء الله تعالى، حيث يلبس الوافد على الله تعالى الزائر لبيته قطعتين من القماش الطاهر الاولى يستر بها عورته والثانية يستر بها بدنه ﴿يا أَيُّها النّاسُ أَنتُمُ الفُقَراءُ إِلَى اللهِ واللهُ هوَ الغَنيُّ الحَميدُ﴾ فاطر/15ويلاحظ في الآية الكريمة اقران صفة الحمد مع الغنى لاقتضاء المقام الاشارة الى ان الله تعالى في الوقت الذي هو غني هو كريم ايضا، يعطي من يسأله ومن لم يسأله ومن لم يعرفه تحننا منه ورحمة) ومن كانت هذه حاله فهو حميد اي ممدوح يستحق الثناء،
فالإحرام في العمرة (الحج الاصغر) هو الاساس الذي يهيئ المكلف للاستفادة من دروس الخطوات التالية، وبمقدار ما ينجح في اتقانه له يكون ربحه واستفادته، اذ ان الانسان ما لم يبد فقره لخالقه فانه سوف لن يستقبله ليغنيه وما لم يبد ذلته له سوف لن يستقبله ليعزه وما لم يبد انقياده واسلامه التام له سوف لن يتولاه في مسيرته ليخرجه من الظلمات الى النور ﴿وَمَن يَرغَبُ عَن مِلَّةِ إِبراهيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفسَهُ وَلَقَدِ اصطَفَيناهُ في الدُّنيا واِنَّهُ في الآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحينَ ٭ إِذ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسلِم قالَ أَسلَمتُ لِرَبِّ العالَمينَ﴾ البقرة/112-132.
﴿وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلنا مَنسَكاً ليَذكُروا اسمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُم مِن بَهيمَةِ الأنعامِ فاِلهُكُم إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسلِموا وَبَشِّرِ المُخبِتينَ ٭ الَّذينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَت قُلوبُهُم والصّابِرينَ عَلى ما أَصابَهُم والمُقيمي الصَّلاةِ وَمِمّا رَزَقناهُم يُنفِقونَ﴾ الحج/34-35.
وتوكد فقرات التلبية المأثورة الواجب منها والمستحب على الحقيقة الانفة الذكر (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبيك، لبيك ذا المعارج لبيك، لبيك داعيا إلى دار السلام لبيك، لبيك غفار الذنوب لبيك، لبيك أهل التلبية لبيك، لبيك ذا الجلال والإكرام لبيك، لبيك تبدئ والمعاد إليك لبيك، لبيك تستغني ويفتقر إليك لبيك، لبيك مرهوبا ومرغوبا إليك لبيك، لبيك إله الحق لبيك، لبيك ذا النعماء والفضل والحسن الجميل لبيك، لبيك كشاف الكرب العظام لبيك، لبيك عبدك وابن عبديك لبيك، لبيك يا كريم لبيك).
دلالة الطواف:
الكعبة من الناحية التاريخية هي بيت الله الذي رفع قواعده نبي الله ابراهيم وولده اسماعيل. وقد اقترن هذا البيت بإمامة ابراهيم واسماعيل والطاهرين من ذرية اسماعيل واوكل الله تعالى اليهم مسؤولية تطهير البيت وتعليم الناس مناسك حجهم واحكام دينهم ﴿واِذِ ابتَلى إِبراهيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فاَتَمَّهُنَّ قالَ إِنّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً قالَ وَمِن ذُرّيَّتي قالَ لا يَنالُ عَهدي الظّالِمينَ ٭ وَ إِذ جَعَلنا البَيتَ مَثابَةً لِلنّاسِ واَمناً واتَّخِذوا مِن مَقامِ إِبراهيمَ مُصَلًّى وَعَهِدنا إِلى إِبراهيمَ واِسماعيلَ أَن طَهِّرا بَيتيَ لِلطّائِفينَ والعاكِفينَ والرُّكَّعِ السُّجودِ﴾ البقرة/124-125، ﴿واِذ يَرفَعُ إِبراهيمُ القَواعِدَ مِنَ البَيتِ واِسماعيلُ رَبَّنا تَقَبَّل مِنّا إِنَّكَ أَنتَ السَّميعُ العَليمُ ٭ رَبَّنا واجعَلنا مُسلِمَينِ لَكَ وَمِن ذُرّيَّتِنا أُمَّةً مُسلِمَةً لَكَ واَرِنا مَناسِكَنا وَتُب عَلَينا إِنَّكَ أَنتَ التَّوّابُ الرَّحيمُ ٭ رَبَّنا وابعَث فيهِم رَسولاً مِنهُم يَتلوا عَلَيهِم آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ والحِكمَةَ وَيُزَكّيهِم إِنَّكَ أَنتَ العَزيزُ الحَكيمُ﴾ البقرة/127-129.
والآيات تفيد عدة امور:
- ان الامامة الالهية منصب إلهي خاص يورث بالنص، وان الاشخاص الذين تتمثل بهم الامامة معصومون وانه لابد من المعجزة او النص لمعرفتهم.
- ان الامامة الالهية تدعو الى التوحيد الخالص، وتعليم الناس مناسك حجهم واحكام دينهم.
- ان الاشخاص الذين تتمثل بهم الامامة الالهية زمن ابراهيم(ع) هم نبي الله ابراهيم ثم الطاهرون من ذرية ابراهيم وهؤلاء لا يُعرَفون الا بالنص من النبي وممن نص عليه النبي.
- ان الوارث الابدي لإمامة ابراهيم هم الطاهرون من ذرية اسماعيل وهم بقية عترة ابراهيم يختار الله تعالى احدهم ليجعله النبي الخاتم يبعثه خاصة اليهم ثم يبعثه الى الناس عامة ﴿رَبَّنا واجعَلنا مُسلِمَينِ لَكَ وَمِن ذُرّيَّتِنا أُمَّةً مُسلِمَةً لَكَ واَرِنا مَناسِكَنا وَتُب عَلَينا إِنَّكَ أَنتَ التَّوّابُ الرَّحيمُ ٭ رَبَّنا وابعَث فيهِم رَسولاً مِنهُم يَتلوا عَلَيهِم آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ والحِكمَةَ وَيُزَكّيهِم إِنَّكَ أَنتَ العَزيزُ الحَكيمُ﴾، والتزكية هنا تعني المدح والثناء والمعنى ان الرسول بعد ان يعلم هذه الامة المسلمة الطاهرة الكتاب والحكمة ويورثهم اياه بأمر من الله تعالى يعلن عن عظيم فضلهم وموقعهم من الرسالة وهو موقع الامامة الالهية الابراهيمية. وتؤكد الآيات ان الرسول الموعود مبعوث لتلك الأمة المسلمة بشكل خاص ثم للناس بشكل عام (يا بني هاشم ان بعثت اليكم خاصة والى الناس عامة).
- يبعث الله تعالى ذلك الرسول الموعود في زمن سيادة عبادة الاصنام وتشويه صورة بيت الله الذي شيده ابراهيم واسماعيل يبعثه لتطهير البيت من الاصنام ولنشر ملة ابراهيم من جديد. ﴿هوَ الَّذي بَعَثَ في الأمّيّينَ رَسولاً مِنهُم يَتلوا عَلَيهِم آياتِهِ وَيُزَكّيهِم وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ والحِكمَةَ واِن كانوا مِن قَبلُ لَفي ضَلالٍ مُبينٍ ٭ واخَرينَ مِنهُم لَمّا يَلحَقوا بِهِم وَهوَ العَزيزُ الحَكيمُ ٭ ذلِكَ فَضلُ اللهِ يُؤتيهِ مَن يَشاءُ واللهُ ذو الفَضلِ العَظيمِ﴾ الجمعة/2-4، وقوله تعالى (في الاميين) اي في اهل مكة، وقوله (واخرين منهم لما يلحقوا بهم) اي واخرين من اهل مكة لم يتابعوا اهل مكة ولم يشاركوهم في ضلالهم المبين بل بقوا على دين ابيهم ابراهيم، جاء بهذا التعقيب لكي لا يتكون لدى القارئ تصور خاطئ مفاده ان جميع اهل مكة كانوا في ضلال مبين، وهذه الامة المسلمة الموحدة هم المشار اليهم في الآية (128-129) من سورة البقرة الانفة الذكر وهم: محمد(ص) وعلي وفاطمة(ع)، ثم فيما بعد التسعة من ذرية الحسين(ع) يرثون الامامة الابراهيمية بواسطته عليه السلام، وقد يقال من اين تعلم النبي(ص) دين ابراهيم ؟ الجواب تعلمه من البيت المسلم الذي نشأ فيه بيت جده عبد المطلب ثم بيت كافله عمه ابي طالب، وتربى علي (ع) في حجر النبي قبل النبوة واخذ عنه دين ابراهيم، وقد ورد في تفسير الآية عن الامام الصادق(ع) ان الامة المسلمة في الآية هم بنو هاشم وهي تؤكد ما بيناه انفا. ويؤكد ذلك ايضا الفقرة 20 من الاصحاح 17 من سفر التكوين قول الله تعالى لإبراهيم: (اما اسماعيل فقد اجبتك فيه ها انا ذا اباركه واثمره وانميه بمحمد واثني عشر اماما من اهل بيته…)([1]).
وخلاصة الكلام: ان بيت الله يرمز الى نبي الله ابراهيم وولده اسماعيل ونسلهما الطاهر محمد(ص) والامة المسلمة بقية آل ابراهيم الاثني عشر الذين نصت عليهم التوراة الورثة الأبديين للإمامة الابراهيمية ﴿إِنَّ أَولَى النّاسِ بِإِبراهيمَ لَلَّذينَ اتَّبَعوهُ وَهذا النَّبيُّ والَّذينَ آمَنوا واللهُ وَليُّ المُؤمِنينَ﴾ آل عمران/68 وهم ايضا ورثة تراث النبوة الخاتمة القرآن الكريم وسنة النبي(ص) التي كتبها علي(ع) بإملاء النبي(ص) في لقاءاته المعهودة مع علي(ع) يوميا([2])، وقد اشار القرآن الى هذه الوراثة ﴿ثُمَّ أَورَثنا الكِتابَ الَّذينَ اصطَفَينا مِن عِبادِنا فَمِنهُم ظالِمٌ لِنَفسِهِ وَمِنهُم مُقتَصِدٌ وَمِنهُم سابِقٌ بِالخَيراتِ بِإِذنِ اللهِ ذلِكَ هوَ الفَضلُ الكَبيرُ﴾ فاطر/32.
وحين يطوف المحرم حول بيت الله بحركة دائرية تعني منه إعلانا عن ارتباطه بهذه الرموز وبذلك يكتسب هويته في الحياة كعبد لله تعالى مسلم يواليه ويوالي رسوله واولي الامر من بعده ﴿يا أَيُّها الَّذينَ آمَنوا أَطيعوا اللهَ واَطيعوا الرَّسولَ واولي الأمرِ مِنكُم فاِن تَنازَعتُم في شَيءٍ فَرُدّوهُ إِلَى اللهِ والرَّسولِ إِن كُنتُم تُؤمِنونَ بِاللهِ واليَومِ الآخِرِ ذلِكَ خَيرٌ واَحسَنُ تاويلاً﴾ النساء/59 ويتقيد بكتابه وسنة رسوله(ص) برواية أهل بيته (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما)([3])، والحركة الدائرية ترمز الى الوقوف عند هذا الولاء و المنهج والانقطاع اليه.
والطواف سبعة اشواط يعني الحركة في سبع مدارات حول المحور.
والعدد سبعة يذكر المحرم بعدة مصاديق له ذكرت في القرآن اكثرها انسجاما مع ما ذكرنا انفا هو (السبع المثاني) التي اقرنت مع القرآن الكريم ﴿وَ لَقَد آتَيناكَ سَبعاً مِنَ المَثاني والقُرآنَ العَظيمَ﴾ الحجر/87 وقد اكدت الروايا ت الواردة عن الائمة (ع) من ذرية الحسين(ع) انهم السبع المثاني وبالتالي فهي تشير الى الائمة الاثني عشر ورثة الامامة الابراهيمية بواسطة الرسول الاكرم محمد(ص) ﴿وَكَذلِكَ جَعَلناكُم أُمَّةً وَسَطاً لِتَكونوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ وَيَكونَ الرَّسولُ عَلَيكُم شَهيداً وَما جَعَلنا القِبلَةَ الَّتي كُنتَ عَلَيها إِلاَّ لِنَعلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلى عَقِبَيهِ واِن كانَت لَكَبيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذينَ هَدَى اللهُ وَما كانَ اللهُ ليُضيعَ إيمانَكُم إِنَّ اللهَ بِالنّاسِ لَرَؤُفٌ رَحيمٌ﴾ البقرة/143 ﴿وَجاهِدوا في اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هوَ اجتَباكُم وَما جَعَلَ عَلَيكُم في الدّينِ مِن حَرَجٍ مِلَّةَ أَبيكُم إِبراهيمَ هوَ سَمّاكُمُ المُسلِمينَ مِن قَبلُ وَفي هذا ليَكونَ الرَّسولُ شَهيداً عَلَيكُم وَتَكونوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ فاَقيموا الصَّلاةَ واتوا الزَّكاةَ واعتَصِموا بِاللهِ هوَ مَولاكُم فَنِعمَ المَولى وَنِعمَ النَّصيرُ﴾ الحج/78 ([4])،
يتضح من ذلك ان الطواف حول بيت الله الابراهيمي يرمز الى ان الطائف قد اتخذ الله تعالى ربا والها وآمن بالرسول الذي اوحى الله تعالى اليه ملة ابراهيم وباهل بيته الذين ورثوا الامامة الابراهيمية وتراث النبوة الخاتمة ووقف عندهم يتعلم منهم ويقتدي بهم ﴿قُل إِنَّني هَداني رَبّي إِلى صِراطٍ مُستَقيمٍ ديناً قيَماً مِلَّةَ إِبراهيمَ حَنيفاً وَما كانَ مِنَ المُشرِكينَ ٭ الأنعام/161ثُمَّ أَوحَينا إِلَيكَ أَنِ اتَّبِع مِلَّةَ إِبراهيمَ حَنيفاً وَما كانَ مِنَ المُشرِكينَ﴾ النحل/123.
ويؤكد التحليل الانف الذكر:
ما روي عن الامام الصادق (ع): من نظر إلى الكعبة بمعرفة فعرف من حقنا وحرمتنا مثل الذي عرف من حقها وحرمتها غفر الله له ذنوبه، وكفاه هم الدنيا والآخرة) ([5]).
و ما روي عن الامام عن االإمام الباقر (ع) انه قال: تمام الحج لقاء الإمام([6]).
وعن سدير قال: سمعت أبا جعفر (ع) وهو داخل وأنا خارج وأخذ بيدي، ثم استقبل البيت، فقال: يا سدير، إنما أمر الناس أن يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا بها، ثم يأتونا فيعلمونا ولايتهم لنا ([7]).
وعن الإمام الباقر (ع) انه قال: إنما أمر الناس أن يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا بها، ثم يأتونا فيخبرونا بولايتهم ويعرضوا علينا نصرهم ([8]).
وعن الفضيل قال: نظر [ أبو جعفر (ع)] إلى الناس يطوفون حول الكعبة، فقال: هكذا كانوا يطوفون في الجاهلية، إنما أمروا أن يطوفوا بها، ثم ينفروا إلينا فيعلمونا ولايتهم ومودتهم، ويعرضوا علينا نصرتهم. ثم قرأ هذه الآية: (فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم) ([9]).
وعن الإمام الصادق (ع) انه قال: إذا حج أحدكم فليختم حجه بزيارتنا ؛ لان ذلك من تمام الحج([10]).
وعن الإمام الباقر (ع) في قوله تعالى: (فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم) :… ينبغي للناس أن يحجوا هذا البيت ويعظموه لتعظيم الله إياه، وأن يلقونا حيث كنا، نحن الأدلاء على الله([11]).
دلالة ركعتي الطواف:
ان ايجاب المبادرة الى اقامة ركعتين من الصلاة بعد الانتهاء من الطواف يوحي ان الصلاة هي افضل عمل يقوم به الانسان بعد معرفة ربه ونبيه(ص) وائمته(ع) وهو ما اشارت اليه الاحاديث عن اهل البيت(ع).
روى في الكافي عن معاوية بن وهب، قال: سئلت ابا عبد الله (ع) عن أفضل ما يتقرب به العباد إلى ربهم ما هو ! فقال: ما اعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة،
وفي امالي الشيخ الطوسي عن محمد بن همام، عن عبد الله بن جعفر الحميري عن محمد بن خالد الطيالسي، عن زريق عن أبي عبد الله (ع)، قال: قلت له: اي الاعمال أفضل بعد المعرفة ؟ قال: مامن شئ بعد المعرفة يعدل هذه الصلاة، ولا بعد المعرفة، والصلاة شئ يعدل الزكاة، ولا بعد ذلك شئ يعدل الصوم، ولا بعد ذلك شئ يعدل الحج، وفاتحة ذلك كله معرفتنا، وخاتمته معرفتنا ([12]).
وروى الشيخ الطوسي في التهذيب عن أبي بصير وعن إسحاق بن عمار عن أبي بصير وعثمان بن عيسى، عن يونس بن ظبيان كلهم عن أبي عبد الله (ع) قال: صلاة فريضة أفضل من عشرين حجة وحجة خير من بيت من ذهب يتصدق به حتى لا يبقى منه شيء.
دلالة السعي:
السعي بين الصفا والمروة تذكير للمسلم بحركة هاجر لما نفد الماء الذي كان معها وبدأ إسماعيل يصرخ من العطش، وكان ابراهيم خليل الله قد جاء بهما الى مكة يوم كان البيت كومة من تراب احمر تسليما لامر الله تعالى حين امره بذلك، ولم تتبرم هاجر حين نفد الماء بل اخذت تسعى للحصول على الماء وبعد انهاء الشوط السابع من حركتها ويأسها رجعت الى ولدها واذا بالماء يسيح عند قدميه، نتعلم من هذه التجربة ان السعي مطلوب وترتيب النتيجة بيد الله تعالى وانه كاف عبده وانه ليس من الضروري ان يرتب النتيجة له من الجهة التي شخصها صاحب الحاجة نفسه بل قد يرتبها الله له من طريق اخر. وتخليد سعي هاجر ابد الدهر يكشف عن عمق اخلاص هاجر حين كانت تسعى وهي مسلمة لله تعالى دون تردد ولا تضجر ويكشف ان المرأة قد تصل في حركتها مع الله تعالى موقعا لا يبلغه الآلاف المؤلفة من الرجال.
دلالة التقصير:
التقصير هو أن يأخذ المحرم من شعر رأسه او من لحيته ليخرج من حالة الاحرام ليرجع الى حالته الطبيعية ليستانف حياته وفق كتاب الله وسنة نبيه التي تعلمها من اهل بيت نبيه يكون قد انهى عمرة التمتع الحج الاصغر واستفاد من درسها العظيمة وعطاءاتها الكبيرة وبقي عليه الحج الاكبر حج التمتع ينتظر وقته يوم الثامن او صبح يوم التاسع ثم ينطلق الى عرفة ويواصل بقية الاعمال ليعيش في رحاب التجربة الاعمق مع الله تعالى وآثار حججه ليحرم على خلقه.
٭ ٭ ٭
([1]) وقد درسنا النص دراسة وافيه في بحثنا المنشور في مجلة ميقات الحج العدد الاول بعنوان دعوة ابراهيم واسماعيل عند رفع القواعد من البيت. وكذلك في كتابنا السيرة النبوية تدوين مختصر.
([2]) انظر خصائص علي (ع) للنسائي حيث ذكر خبر هذه اللقاءات.
([3]) صحيح الترمذي 5 / 663 رقم 3788 دار إحياء التراث العربي – بيروت.
([4]) فصلنا البحث في احدى محاضراتنا عن كيفية اشارة السبع المثاني الى الاثني عشر وخلاصته في الرواية عن يونس بن عبد الرحمن عمن رفعه قال: سألت أبا عبد الله عن قول الله: ” ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ” قال: إن ظاهرها الحمد، وباطنها ولد الولد، والسابع منها القائم عليه السلام (تفسير نور الثقلين – الشيخ الحويزي – ج 3 – ص 27 – 28 ونحن حين نبدأ الحساب من المهدي(ع) بصفته ولد الولد اي الثني جمعه مثاني فهو الثني السابع للامام السجاد(ع) فالسبع المثاني هم الائمة التسعة من ذرية الحسين(ع) وقد جعلهم الله بازاء القرآن لانهم حملة التراث النبوي الذي دمره وحرفه بنو امية ولولا نشاط الائمة التسعة من ذرية الحسين(ع) لما عرفت الامة سنة نبيها ولاتفاصيل دينها.
([5]) الكافي: 4 / 241 / 6 عن علي بن عبد العزيز، الفقيه: 2 / 204 / 2142.
([6]) الكافي: 4 / 549 / 2، علل الشرائع: 459 / 2 كلاهما عن جابر، وراجع الفقيه: 2 / 484 / 3031.
([8]) الكافي: 1 / 392 / 3. الكافي: 4 / 549 / 1، الفقيه: 2 / 558 / 3139 كلاهما عن زرارة، علل الشرائع: 406 / 8 و ص 459 / 4 عن أبي حمزة الثمالي، دعائم الإسلام: 1 / 293 كلاهما نحوه.
([9]) الكافي: 1 / 392 / 1، تفسير العياشي: 2 / 234 / 43
([10]) علل الشرائع: 459 / 1 عن إسماعيل بن مهران.
([12]) جامع أحاديث الشيعة للسيد البروجردي ج4 ص 9.
One Response
السلام عليكم
هناك سؤال يطرح علي ولكن للاسف لا اعرف الاجابة . وارجو من سماحة السيد الاجابة وهو ان اول الخلق هم آدم وحواء وتزوجا وانجبا ذرية كقابيل وهابيل وشيت والخ والسؤال هو كيف تكاثر البشر بعد ذلك. حسب نظرية السنة يقولون ان الله قد رخص الزواج بين الاخوة لفترة وهذا يناقض طهارة الدين ويرفضه العقل وسمعت كلام غير مقنع للشيخ المهاجر وللسيد باقر الفالي حفظهما الله في ان الله انزل حوريات من الجنة وتزوجن ابناء آدم والاخر قال بدل الحوريات جنيات اي نساء من الجن وهكذا وهذا ايضا غير مقنع ولا نستطيع الرد بهذا الجواب. البعض قال ان هناك تجارب لخلق البشر قبل ادم عليه السلام واحنمال هناك نساء وهكذا وهذا ينطبق على ذرية نوح ايضا بعد الطوفان ؟ والسلام عليكم