محتويات الحلقة الثالثة
«صفحة 247»
الحلقة الثالثة ـ الرد على مواضع من كتاب احمد الكاتب
«صفحة 248»
«صفحة 249»
المقدمة
وبعد فهذه الحلقة الثالثة من (شبهات وردود) وقد كرستها للرد على الجزء الاول من كتاب احمد الكاتب الذي طبع مؤخراً باسم (تطور الفكر السياسي الشيعي من الشورى… الى ولاية الفقيه.
وهو ثلاثة اجزاء في مجلد واحد يبطل بزعمه في الجزء الاول نظرية الامامة الالهية وينكر في الجزء الثاني ولادة المهدي (عليه السلام) وينفي في الجزء الثالث مسألة ولاية الفقيه وقضايا اخرى.
وقد نهجنا في الرد عليه النهج الذي نهجناه في الحلقتين السابقتين وهو ان نقتطع فقرة تامة المعنى من كلماته ثم نرد عليها.
ان الانطباع العام الذي خرجنا به عند مطالعتنا للكتاب باجزائه الثلاثة هو ان الاستاذ الكاتب قد خلط بين قضيتين ترتبطان بأهل البيت (عليهم السلام).
الاولى: قضية كونهم قد نصبهم الرسول (صلى الله عليه وآله) بأمر الله تعالى شهداء على الناس وائمة هدى مطهرين يؤخذ بقولهم وفعلهم وتقريرهم وحفظة للشريعة وانهم في هذا الموقع امتداد للرسول (صلى الله عليه وآله) الا انهم ليسوا بأنبياء وانهم اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل، وان الثاني عشر منهم صاحب العمر الطويل كنوح، وصاحب الغيبتين(1)كعيسى، وانه صاحب الوعد الالهي الذي بشرت به الانبياء وهذه القضية لا مجال لغير النص او النص والمعجز فيها.
الثانية: قضية كونهم في زمانهم اولى الناس بالحكم وان هذه الاولوية اولوية
ـــــــــــــــــــــــ
(1) اشرنا اليهما في الحلقة الثانية الفصل الاول.
«صفحة 250»
اختصاص بمعنى انه لا يجوز لغيرهم التصدي لذلك الا بإذنهم، وانهم قد اذنوا للفقهاء من حملة علومهم ان يمارسوا ذلك في زمان الغيبة، وهذه القضية لا مجال فيها ايضا لغير النص ولكن فرقها عن القضية الاولى ان للامة هنا دور ومشاركة في الحكم من جهة ان الامة لها الدور الاساسي في تمكين المنصوص عليه ليقيم الحكم في المجتمع على اساس الكتاب والسنة وان الحاكم حتى لو كان نبيا او وصيا يأخذ برأي الامة في القضايا التنفيذية العامة وقد بيَّن علماء كبار امثال الشهيد الصدر (رحمهم الله) ذلك(1) وفي ضوء ذلك فانه في هذه الزاوية لا تعارض بين النص والشورى، حيث يضطلع النص بتشخيص من له حق الحكم وتضطلع الامة بنصرة المنصوص عليه والبيعة له والمشورة عليه في القضايا التنفيذية العامة بالحدود التي بينتها سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) واستنبطها الفقهاء.
وليس من شك ان القضية الاولى قضية عقائدية دلت عليها نصوص القرآن والسنة وتكون الامامة المعروضة لاهل البيت (عليهم السلام) فيها نظير امامة ابراهيم (عليه السلام)، حيث حصرت في ذريته وفي عدد محدد منهم وهم الذين طهرهم الله تعالى، ونظير الامامة في ذرية هارون حيث حصرت فى ذريته وكون الائمة المتأخرين منهم بعضهم اضطلع بموقع الامامة والشهادة على الناس وهو صبي دون العاشرة وهو يحيى (عليه السلام)، وبعضهم اضطلع بموقع الحجة على الناس وهو دون ذلك كعيسى (عليه السلام) صاحب الغيبتين والظهور في آخر الزمان، كذلك الحال في امامة النبي (صلى الله عليه وآله) حيث حصرت في عدد محدود من اسرته وكون الائمة المتأخرين منهم نظراء ليحيى وعيسى (عليه السلام) في صغر السن والغيبة والظهور آخر الزمان.
اما القضية الثانية فهي قضية فقهية الا فيما يرتبط بانحصار حق الحكم بالاثني عشر (عليهم السلام) فانها من لواحق المسألة العقائدية اما ما عدى ذلك من قبيل ما هي حدود القضايا العامة التي يأخذ المعصوم الحاكم فيها برأي الامة؟ وما هي شروط انعقاد البيعة على الحكم او الامر بالمعروف والنهي عن المنكر واسقاط الحكومة الظالمة؟ وغير ذلك فهي مسائل فقهية تستنبط من سيرة المعصوم.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) انظر كتابه الاسلام يقود الحياة ص 162.
«صفحة 251»
لقد خلط الاستاذ الكاتب بين هاتين القضيتين كما خلط اغلب علماء السنة فى ذلك، واعتبر المسألة التي ترتبط بأهل البيت (عليهم السلام) ورفع شعارها الشيعة انما هي القضية الثانية ومن هنا جاءت اشكالاته واشكالات غيره حول تحديد الائمة بعدد معين، وكيف يكون الجوادوالهادي والمهدي (عليهم السلام) ائمة وهم دون العاشرة؟ او كيف تحصر باسرة معينة؟ وغير ذلك.
والى جانب قضية الخلط هذه وهي قضية مركزية في الكتاب باجزائه الثلاثة هناك ظواهر اخرى من قبيل:
ظاهرة الخطأ في فهم بعض الروايات وكلمات الاقدمين من علماء الشيعة.
وظاهرة الاشتباه بالرواية العامية التي توجد في الكتاب الشيعي على انها رواية شيعية وقد اوردها المؤلف الشيعي كالسيد المرتضىرحمه الله في كتابه الشافي للرَّد عليها لا على انه يعتقد بها.
وظاهرة استغفال القارىء بايراد روايات دون الاشارة الى ما يعارضها من روايات اخرى.
وظاهرة بتر النص وايراد ما يؤيد مدعاه.
وغير ذلك مما نبهنا عليه في الحلقتين الماضيتين وفي هذه الحلقة القائمة بين يديك ايها القارئ الكريم، أرجو ان تحقق غرضها في الانتصار لمذهب اهل البيت وارجو ان يجعلها ذخراً وزاداً يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم.
سامي البدري
قم / 14 رجب /1418 هجـ.
«صفحة 252»
«صفحة 253»
الحلقة الثالثة
الفصل الأول ـ مواضع من الكتاب والرد عليها
«صفحة 254»
«صفحة 255»
الحلقة الثالثة / الفصل الاول
المورد الأول ـ علي (عليه السلام) خليفة النبي (صلى الله عليه وآله)
قال: تقول رواية يذكرها الشريف المرتضى وهو من ابرز علماء الشيعة في القرن الخامس الهجري ان عليا (عليه السلام) والعباس (رضي الله عنه) دخلا على النبي (صلى الله عليه وآله) وسألاه ان يستخلف فقال لا…
أقول: الرواية التي ذكرها المرتضى ليست من تراث الشيعة وانما نقلها عن القاضي عبد الجبار للرد عليها! ! !
«صفحة 256»
«صفحة 257»
نص الشبهة
قال: « وبالرغم مما يذكر الإماميون من نصوص حول تعيين النبي (صلى الله عليه وآله) للإمام علي بن ابي طالب كخليفة من بعده، إلا ان تراثهم يحفل بنصوص أخرى تؤكد التزام الرسول الأعظم وأهل البيت بمبدأ الشورى وحق الأمة في انتخاب أئمتها.
تقول رواية يذكرها الشريف المرتضى – وهو من ابرز علماء الشيعة في القرن الخامس الهجري – ان العباس بن عبد المطلب خاطب أمير المؤمنين في مرض النبي (صلى الله عليه وآله) ان يسأله عن القائم بالأمر بعده، فان كان لنا بينه وان كان لغيرنا وصى بنا. وان أمير المؤمنين قال: “دخلنا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين ثقل، فقلنا: يا رسول الله. . استخلف علينا، فقال: لا، إني أخاف ان تتفرقوا عنه كما تفرقت بنو إسرائيل عن هارون، ولكن ان علم الله في قلوبكم خيرا اختار لكم”.
و يقول الكليني في (الكافى) نقلا عن الإمام جعفر بن محمد الصادق: انه لما حضرت رسول الله (صلى الله عليه وآله) الوفاة دعا العباس بن عبد المطلب وامير المؤمنين فقال للعباس: ، يا عم محمد. . تأخذ تراث محمد وتقضي دينه وتنجز عداته؟ . . فرد عليه فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي إني شيخ كبير كثير العيال قليل المال من يطيقك وأنت تباري الريح. قال فاطرق هنيهة ثم قال: يا عباس أتأخذ تراث محمد وتنجز عداته وتقض دينه؟ . . فقال كرر كلامه. . قال: أما إني سأعطيها من يأخذها بحقها. ثم قال: يا علي يا أخا محمد أتنجز عدات محمد وتقضي دينه وتقبض تراثه؟ . . فقال: نعم بأبي أنت وأمي ذاك عليَّ ولي.
وهذه الوصية، كما هو ملاحظ وصية عادية شخصية آنية، لا علاقة لها بالسياسة والإمامة، والخلافة الدينية، وقد عرضها الرسول في البداية على العباس بن عبد المطلب، فأشفق منها، وتحملها الإمام أمير المؤمنين طواعية. وهناك وصية أخرى نقلها
«صفحة 258»
الشيخ المفيدفي بعض كتبه عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) تقول ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أوصى بها إليه قبل وفاته، وهي أيضا وصية أخلاقية روحية عامة، وتتعلق بالنظر في الوقوف والصدقات. واذا القينا بنظرة على هذه الروايات التي يذكرها أقطاب الشيعة الإمامية كالكلينيوالمفيد والمرتضى، فإننا نرى إنها تكشف عن عدم وصية رسول الله للإمام علي بالخلافة والإمامة، وترك الأمر شورى »(1).
الرد على الشبة
أقول: أما الرواية التي نسبها إلى الشريف المرتضى فهي مما أورده في كتابه الشافي ج3/91 كجزء من كلام القاضي عبد الجبارالمعتزلي في كتابه (المغنى الذي أورد عدة روايات تنفي ان يكون النبي (صلى الله عليه وآله) قد أوصى لعلي أو ان علياً (عليه السلام) قد أوصى للحسن (عليه السلام) وعقب عليها المرتضى (رحمهم الله) بقوله:
« والاخبار التي ادعاها (صاحب المغنى) لم تنقل الا من جهة واحدة (أي جهة أهل السنة) وجميع شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) على اختلاف مذاهبهم يدفعها وينكرها ويكذب رواتها فضلا عن ان ينقلها ولا شىء منها الا ومتى فتشت عن ناقله واصله وجدته صادراً عن متعصب مشهور الانحراف عن أهل البيت (عليهم السلام) والاعراض عنهم »(2).
وفي ضوء ذلك يتضح ان هذه الرواية ليست من تراث الشيعة وان الشريف المرتضى حين أوردها لم يكن مصدقاً بها بل رادا عليها فهل حقا غفل الاستاذ الكاتب عن ذلك؟
اما رواية الكليني فهي رواية ضعيفة ومعارضة لروايات كثيرة جداً في الكافي نفسه تؤكد انَّ عليا وارث تراث محمد (صلى الله عليه وآله) قبل حادثة وفاة النبي (صلى الله عليه وآله).
اما رواية الشيخ المفيد في اماليه /المجلس السادس والعشرون/ ص 220-221 فهي وصية أخلاقية عامة من النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) ومن علي لولده الحسن وليس معنى ذلك عدم وجود وصية أخرى في موضوع آخر فلا تعارض بينهما أصلا.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) احمد الكاتب – تطور الفكر السياسي الشيعي: 11-12.
(2) الشافي ج3/98.
«صفحة 259»
لقد كان ينبغي على (الاستاذ الكاتب) ان يبحث المسألة بحثاً علميا فيورد كل روايات الوصية في المصادر الشيعية والسنية ويناقشها مناقشة علمية سندا ودلالة أما ان يكتفي بما ذكر ليقول بعده « وإذا القينا نظرة على هذه الروايات التي يذكرها اقطاب الشيعة الامامية كالكليني والمفيد والمرتضى فاننا نرى انها تكشف عن عدم وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) للامام علي بالخلافة والامامة. . وترك الأمر شورى »فهو مما لا يرتضيه منه قارىء يحترم عقله ووقته.
والى القارىء الكريم نموذج من روايات الوصية التي ذكرها المفسرون والمؤرخون والمحدثون.
روى الطبري في تفسير قوله تعالى ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَك الأَقْرَبِينَ﴾ الشعراء/214 عن ابن حميد قال « ثنا سلمة قال: ثني محمد بن اسحق عن عبد الغفار بن القاسم عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب عن عبد الله بن عباس عن علي بن ابي طالب قال:
لمانزلت هذه الآية على رسول الله (صلى الله عليه وآله) (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَك الأَقْرَبِينَ) دعاني رسول الله فقال لى: يا علي ان الله امرني ان انذر عشيرتي الأقربين، قال: فضقت بذلك ذرعاً، وعرفت اني متى ما أُبادِهُّم بهذا الامر أرَ منهم ما اكره فَصَمَتُُّ، حتى جاء جبرئيل فقال: يا محمد، انك الا تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك، فاصنع لنا صاعاً من طعام، واجعل عليه رجل شاة واملأ لنا عساً من لبن ثم اجمع بني عبد المطلب حتى اكلمهم، وابلغهم ما امرت به، ففعلت ما امرني به، ثم دعوتهم له وهم يومئذ اربعون رجلاً يزيدون رجلاً او ينقصونه، فيهم اعمامه ابو طالب وحمزة والعباس وابو لهب فلما اجتمعوا اليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم، فجئت به فلما وضعته تناول رسول الله (عليه السلام) حذية من اللحم فشقها بأسنانه ثم القاها في نواحي الصحفة، وقال: خذوا باسم الله، فأكل القوم حتى ما لهم بشىء حاجة، وما ارى الا مواضع ايديهم، وايم الله الذي نفس علي بيده، ان كان الرجل الواحد ليأكل ما قدمت لجميعهم، ثم قال: اسق الناس، فجئتهم بذلك العس، فشربوا حتى رووا منه جميعاً وايم الله ان كان الرجل الواحد منم ليشرب مثله، فلما اراد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان يكلمهم، بدره ابو لهب الى الكلام فقال لشد
«صفحة 260»
ما سحركم به صاحبكم، فتفرق القوم، ولم يكلمهم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال من الغد: يا علي، ان هذا الرجل قد سبقني الى ما قد سمعت من القول، فتفرق القوم قبل ان اكلمهم، فعد لنا من الطعام مثل الذي صنعت، ثم اجمعهم لي، قال، ففعلت، ثم جمعتهم، ثم دعاني بالطعام فقربته لهم، ففعل كما فعل بالامس، فأكلوا حتى ما لهم بشىء حاجة، قال: اسقهم، فجئتهم بذلك العس، فشربوا حتى رووا منه جميعاً.
ثم تكلم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا بني عبد المطلب، اني والله ما اعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به. اني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد امرني الله ان أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني
على هذا الامر على ان يكون اخي وكذا وكذا.
قال فأحجم القوم عنها جميعاً وقلت واني لاحدثهم سناً، وارمصهم عيناً، واعظمهم بطناً، واحمشهم ساقاً انا يا نبي الله انا اكون وزيرك.
فأخذ برقبتي ثم قال: ان هذا اخي وكذا وكذا فاسمعوا له واطيعوا.
قال: فقام القوم يضحكون، ويقولون لابي طالب قد امرك ان تسمع لابنك وتطيع »(1).
اقول: قوله (كذا وكذا) في الموردين حذف لأصل الكلام من النساخ الاوائل كما يظهر من رواية الطبري الآتية حيث أوردها في تاريخه بالسند نفسه وفيها « على ان يكون اخي ووصيي وخلفيتي فيكم » « ان هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم »(2).
ورواها ابن عساكر بسنده إلى نصر بن سليمان قال انبأنا محمد بن اسحق عن عبد الغفار بن القاسم عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث بن عبد المطلب عن عبد الله بن عباس عن علي بن ابي طالب (عليه السلام) وفيها « فايكم يؤازرني على هذا الامر على ان يكون اخي ووصيي وخليفتي فيكم »(3).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تفسير الطبري. ج19/121-122.
(2) تاريخ الطبري 2/319-321، وقد رواها مختصرة في ص321 بسند اخر هو زكريا بني يحيى الضرير قال حدثنا عفان بن مسلم قال حدثنا ابو عوانة عن عثمان بن المغيرة عن ابي صادق عن ربيعة بن ناجذ. وفيها (ويكون اخي وصاحبي ووارثى) .
(3) تاريخ دمشق ترجمة علي (عليه السلام) .
«صفحة 261»
ورواها ابن كثير في تفسيره عن ابن جرير الطبري وفيها « على ان يكون اخي وكذا و كذا » في الموردين.
ثم علق عليها ابن كثير بقوله: « تفرد بهذا السياق عبد الغفار بن القاسم ابي مريم وهو متروك كذاب شيعي اتهمه علي بن المدينيوغيره بوضع الحديث »(1).
اقول: وعبد الغفار بن القاسم كنيته ابو مريم الانصاري النجاري عداده في اهل الكوفة يروي عنه شعبة والكوفيون وقد اتهموه ايضا بشرب الخمر كما اتهموا السيد الحميري الشاعر المعروف بولائه لأهل البيت بذلك.
والسر في ذلك هو روايته لهذا الحديث ونظائره في فضائل علي (عليه السلام)، وروايته في مثالب عثمان.
قال احمد بن حنبل: « كان ابو مريم يحدث ببلايا في عثمان »(2).
قال ابن حبان: « وكان ممن يروي المثالب في عثمان بن عفان »(3).
وقال الدار قطنى: « متروك، وهو شيخ شعبة اثنى عليه شعبة وخفي على شعبة امره »(4).
ونُقِلَ عن شعبة قوله: « لم أَرَ احفظ منه ».
قال الذهبي: « بقي الى قريب الستين ومائة وكان ذا اعتناء بالعلم والرجال وقد اخذ عنه شعبة ولما تبيَّن له انه ليس بثقة تركه »(5).
اقول: أي اخذ عنه شعبة وتعلم منه لماعندما لم يكن يحدث ببلايا عن عثمان فلما حدث بها تركه كما يظهر من قول ابن المديني الاتي.
قال علي ابن المديني: « وكان لشعبة (في عبد الغفار) رأيٌ وتعلَّمَ منه زعموا توقيف الرجال ثم ظهر منه رأي ردىء في الرفض فترك حديثه »(6).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تفسير ابن كثير الآية (وانذر عشيرتك الأقربين) .
(2) ميزان الاعتدال ترجمة عبد الغفار الانصاري ج2/640.
(3) كتاب المجروحين لابن حبان2/143.
(4) لسان الميزان ج4/412 -414 تحقيق المرعشلي.
(5) ميزان الاعتدال.
(6) اقول وموقفهم من عبد الغفار نظير موقفهم من جابر بن يزيد الجعفي قال الذهبى: جابر احد علماء الشيعة، روى عن ابي الطفيل وخلق وروى عنه شعبة وابو عوانة وعدة. وقال ابن حجر في ترجمته: قال ابن مهدي عن سفيان: ما رأيت اورع في الحديث من جابر، وقال ابن علية عن شعبة: جابر صدوق في الحديث، وقال ايضا: كان جابر اذا قال حدثنا وسمعت فهو من اوثق الناس وقال زهير بن معاوية كان اذا قال سمعت او سألت فهو من اصدق الناس وقال وكيع: مهما شككتم في شىء فلا تشكوا في ان جابراً ثقة.
اقول: غير انهم اتهموه بالكذب وتكلموا فيه لما اظهر الايمان بالرجعة.
قال ابن عدي في الكامل في ترجمة جابر: وقد احتمله الناس ورووا عنه وعامة ما قذفوه انه كان يؤمن بالرجعة.
وقال زائدة: كان جابر الجعفي كذاباً يؤمن بالرجعة.
وقال يحيى بن معين وكان جابر كذاباً لا يكتب حديثه ولا كرامة ليس بشىء.
وقال سفيان لشعبة لما بدأ يتكلم في جابر وتغير رأيه فيه: لان تكلمت في جابر الجعفي لاتكلمنَّ فيك. وقال معلى بن منصور قال لي ابو عوانة كان سفيان (ابن عيينة) وشعبة ينهياني عن جابر الجعفي، وقال وكيع قيل لشعبة لم طرحت فلانا وفلانا ورويت عن جابر قال لانه جاء باحاديث لم نصبر عنها.
وقال ابن حبان: كان جابر سبائياً من اصحاب عبد الله بن سبأ وكان يقول ان عليا يرجع الى الدنيا فان احتج محتج بان شعبة والثوري رويا عنه قلنا الثوري ليس من مذهبه ترك الرواية عن الضعفاء و أما شعبة وغيره فرأوا عنده اشياء لم يصبروا عنها وكتبوها ليعرفوها فربما ذكر احدهم عنه الشىء بعد الشىء على جهة التعجب. (ميزان الاعتدال. الكامل في الضعفاء تهذيب التهذيب) .
«صفحة 262»
وقال ابن عدى: « وسمعت احمد بن محمد بن سعيد (ابن عقدة) (1) (تـ 332) يثني على ابي مريم ويطريه وتجاوز الحد في مدحه حتى قال: لو انتشر علم ابي مريم وخرج حديثه لم يحتج الناس الى شعبة »(2).
وقد فات ابن كثير ان قريباً من سياق حديث الطبري قد رواه احمد بن حنبل في مسنده ج1/159 بسند آخر من غير طريق عبد الغفار قال احمد حدثنا عفان بن مسلم قال حدثنا ابو عوانة عن عثمان بن المغيرة عن ابي صادق عن ربيعة بن ناجذ عن علي (عليه السلام) وفيها « ويكون اخي وصاحبي ووارثي ».
وروى احمد في مسنده 1/111 بسند آخر قال: حدثنا اسود بن عامر قال حدثنا شريك عن الاعمش عن المنهال عن عباد بن عبد الله الاسلامي عن علي (عليه السلام) وفيها « ويكون خليفتي ».
ـــــــــــــــــــــــ
(1) قال ابن عدي في ترجمته: لولا اني شرطت ان اذكر من تكلم فيه لم اذكره للفضل الذي كان فيه من الفضل والمعرفة.
(2) الكامل في الضعفاء ترجمة عبد الغفار الانصاري ج5/327 والملاحظ ان الذهبي لم يذكر ما نقله ابن عدي من ثناء ابن عقدة على ابي مريم مع ان كتاب ابن عدي هو المتن المعتمد لديه في تأليف ميزان الاعتدال.
«صفحة 263»
وقد رواها قريباً من هذا السياق ايضاً ابو الحسن الثعلبي في تفسيره بسنده عن الحسين بن محمد بن الحسين قال: حدثنا موسى بن محمد حدثنا الحسن بن علي بن شعيب العمري حدثنا عباد بن يعقوب حدثنا علي بن هاشم عن صباح بن يحيى المزني عن زكريا بن ميسرة عن ابي اسحق عن البراء بن عازب.
ورواها ايضا قريباً من هذا السياق الثعلبي في تفسيره وابن عساكرفي تاريخ دمشق بسندهما عن ابي رافع.
اقول: وقد يشكل بعد الاذعان بصحتها بانها معارضة بما رواه الطبري واحمد واصحاب الصحاح عن عائشة وابن عباس وابي هريرة من انه لما نزل قوله تعالى ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَك الأَقْرَبِينَ﴾. واللفظ لاحمد « دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) قريشاً فعمَّ وخص فقال يا معشر قريش انقذوا انفسكم من النار يا معشر بني كعب انقذوا انفسكم من النار يا معشر بني عبد مناف انقذوا انفسكم من النار يا معشر بني هاشم انقذوا انفسكم من النار يا بني عبد المطلب انقذوا انفسكم من النار يا فاطمة بنت محمد انقذي نفسك من الله فاني والله لا املك لكم من الله شيئا، الا ان لكم رحما سأبلها ببلالها » (المسند 2/360).
ويرد عليه ان عائشة وابن عباس كانا طفلين في ذلك الوقت او لم يكونا قد ولدا بعد اما ابو هريرة فلم يكن قد اسلم انذاك وكان في اليمن فلم يكن اذن من شهود الواقعة بخلاف علي (عليه السلام) حيث شهدها وجرت على يديه ورواها عنه ابن عباس وعباد بن عبيد الله الاسديوربيعة بن ناجذوالبراء بن عازب وابو رافع وابنه عبيد الله الذي كان كاتبا لعلي (عليه السلام).
هذا مضافاً الى ان لفظ العشيرة على فرض التسليم بانه مشترك بين بني الاب الادنين او القبيلة فان لفظة (الاقربين) قرينة صريحة في ارادة معنى بني الاب الادنين وهم بنو هاشم دون قريش ومما يؤكد هذا ما رواه البخاريعن جبير بن مطعم قال: « مشينا وعثمان بن عفان الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقلنا يا رسول الله اعطيت بني المطلب وتركتنا ونحن وهم منك بمنزلة واحدة فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) انما بنو المطلبوبنو هاشم شىء واحد »، ويؤكد ذلك ما ذكروه ايضا في (ذوي القربى) انه لفظ عام خُصَّ ببني
«صفحة 264»
هاشم والمطلب(1).
اقول: مضافا الى ذلك فإن قول النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي في هذه المناسبة انه اخوه ووصيه وصاحبه ووارثه ووزيره وخليفته تصدقه احاديث النبي (صلى الله عليه وآله) الاخرى كحديث المؤاخاة حيث اخى النبي (صلى الله عليه وآله) بينه وبين علي فقال له: « انت اخي في الدنيا والاخرة »، وقال له: « انت اخي وصاحبي »، وان عليا كان يقول: « والله اني لأخو رسول الله ووليه ». ويقول: « انا عبد الله وأخو رسوله لم يقلها قبلي ولا يقولها احد بعدي الا كذاب مفتر »(2).
وحديث المنزلة حيث قال النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي: « انت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي » رواه البخاري وغيره، وهذا الحديث من اقوى الشواهد على صدق ما روي عن علي (عليه السلام) في قصة الانذار.
والقرآن يقول عن موسى: ﴿وَاجْعَل لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي، هَارُونَ أَخِي، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي، وَ أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي… قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَك يَا مُوسَى﴾ طه/29-36.
وقد كان هذا قبل مجىء موسى الى مصر واجتماعه بأهل بيته فلما قدم مصر و اجتمع معهم ابلغهم شأن هارون وموقعه من رسالته وانه نبي ووزير وخليفة ووصي.
ولما كان موقع علي (عليه السلام) من محمد (صلى الله عليه وآله) ورسالته كموقع هارون من موسىورسالته الا ان عليا لم يكن نبيا، فقد شاءت الحكمة الإلهية ان يكون انذار محمد (صلى الله عليه وآله) لعشيرته الاقربين شبيها بانذار موسى لعشيرته الاقربين.
ففي القرآن الكريم قوله تعالى ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ﴾ الأحقاف/10 والضمير في (مثله) يعود الى الشاهد من بني اسرائيل وهو موسى.
وفي التوراة في سفر التثنية الإصحاح 18 الفقرات 15-22 « يقيم لك الرب من اقرباء اخيك نبياً مثلي » « سأقيم لهم من اقرباء اخيهم نبيا مثلك واضع كلامي في فمه لكي يبلغهم جميع ما امره به ».
ـــــــــــــــــــــــ
(1) فتح الباري ج6/186-178.
(2) الدرر في اختصار المغازي والسير ابن عبد البر تحقيق شوقي ضعيف /90-91.
«صفحة 265»
وفي القرآن الكريم ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً﴾ المزمل/15.
ان هذه المثلية بين محمد (صلى الله عليه وآله) وموسى (عليه السلام) قد تحققت بشكلها الكامل من خلال قصة انذار الغشيرة وابلاغ الناس ان لمحمد (صلى الله عليه وآله) منذ البدء وزيراً وخليفة وهو اخوه علي كما ان لموسى وزيراً وخليفة هو اخوه هارون، ولم يعرض القرآن الكريم في قصص انبيائه نبيا له وزير كموسى من هذه الناحية.
وقد اقترن شخص محمد (صلى الله عليه وآله) بشخص علي لدى قريش في العهد المكي فضلا عن العهد المدني روى ابن الأثير في اسد الغابة « ان النبي (صلى الله عليه وآله) قال لعلي ليلة الهجرة: ان قريشا لم يفقدوني ما رأوك، فلما أصبح ورأوا عليا قالوا: لو خرج محمد لخرج بعلي معه »(1).
وقد بلغ موسى ووزيره هارون الرسالة الى فرعون وتحمل موسى وهارون من فرعون ومن قومهما ما تحملا وقد جعل الله الامامة من بعد موسى في ذرية هارون.
وقال تعالى: ﴿وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِ وَبِهِ يَعْدِلُونَ، وَقَطَّعْنَاهُمْ اثْنَتَىْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا﴾ الاعراف / 159 -160.
وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اثْنَىْ عَشَرَ نَقِيبًا﴾ المائدة/12.
وكذلك بلَّغ محمد (صلى الله عليه وآله) ووزيره عليٌ الرسالة الى قريش ومن آمن منهم ومن غيرهم وتحملا من قومهما ما تحملا، وقد جعل الله الامامة من بعد النبي (صلى الله عليه وآله) في ذرية علي وقال تعالى: ﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالحَقِ وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ الأعراف/181 وقد ذكر المفسرون ان هذه الاية في امة محمد (صلى الله عليه وآله) وقال تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالخَيْرَاتِ بِإِذْنِ الله ذَلِك هُوَ الفَضْلُ الكَبِيرُ﴾ فاطر/32 وقد تظافرت الروايات عن اهل البيت (عليهم السلام) انهم هم الذي اورثهم الله الكتاب وعلومه وجعلهم سابقين بالخيرات باذن الله أي جعلهم ائمة
ـــــــــــــــــــــــ
(1) اسد الغابة ج4/96.
«صفحة 266»
هدى للناس(1).
وقد تظافرت الروايات من اهل السنة والشيعة ان النبي (صلى الله عليه وآله) قال: « ان الأئمة من بعده اثنا عشر عدتهم عدة نقباء بني اسرائيل »(2).
اما صفة علي كوصي للنبي (صلى الله عليه وآله) الواردة في حديث الانذار فقد تكررت منه (صلى الله عليه وآله) في مناسبات عدة منها جوابه (صلى الله عليه وآله) لسلمان لما سأله عن وصيه اجابه ان وصيي علي (عليه السلام) (3).
ومنها ما رواه ابن حبان بسنده عن خالد بن عبيد الله العتكي من اهل البصرة سكن مرو عن انس بن مالك عن النبي (صلى الله عليه وآله) « هذا (علي) وصيي وموضع سري وخير من اترك بعدي »(4).
وقد عُرِفَت عن علي (عليه السلام) هذه الصفة واشتهرت له حتى صارت مختصة به فاذا قيل الوصي انصرف الذهن الى علي (عليه السلام) وقد نظمها الشعراء منذ صدر الاسلام والى اليوم.
قال ابن ابي الحديد: « ومما رويناه من الشعر القول في صدر الاسلام المتضمن كونه (عليه السلام) وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله) قول عبد الله بن ابي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب:
ومنا علي ذاك صاحب خيبر***وصاحب بدر يوم سالت كتائبه
وصي النبي المصطفى وابن عمه***فمن ذا يدانيه ومن ذا يقاربه وقال ابو الهيثم بن التيهان وكان بدريا:
ان الوصي امامنا وولينا***برح الخفاء وباحت الاسرار
الى غيرها مما نقله عن كتاب وقعة الجمل، لابي مخنف ثم علق عليها ابن ابي الحديد قائلا: ذكر هذه الاشعار والاراجيز باجمعها ابو مخنف لوط بن يحيى في كتاب وقعة الجمل، وابو مخنف من المحدِّثين وممن يرى صحة الامامة بالاختيار وليس من الشيعة ولا معدوداً من رجالها.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) انظر تفسير نور الثقلين وتفسير البرهان الآية.
(2) وقد مرت مصادر ذلك في الحلقة الأولى الفصل الثامن.
(3) وقد مرت مصادر الحديث في الحلقة الاولى الفصل التاسع.
(4) كتاب المجروحين ج1.
«صفحة 267»
ثم ذكر ابن ابي الحديد نماذج اخرى من اشعار صفين تتضمن تسميته (عليه السلام) بالوصي مما ذكره ابن مزاحم ثم قال ابن ابي الحديد: والاشعار التي تتضمن هذه اللفظة كثيرة جداً ولكنا ذكرنا منها ها هنا بعض ما قيل فاما ما عداها فانه يجل عن الحصر ويعظم عن الاحصاء والعد ولولا خوف الملالة والاضجار لذكرنا من ذلك ما يملأ اوراقا كثيرة »(1).
ومن الطريف ان الاستاذ الكاتب فى الوقت الذي يجعل من وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لعلىوصية شخصية وعادية يستشهد برسالة محمد بن عبد الله بن الحسن الى ابي جعفر المنصور فيذكر قوله « فان الحق حقناوانما ادعيتم هذا الامر بنا، وخرجتم له بشيعتنا وحضيتم بفضلنا وان ابانا علي كان الوصي وكان الامام فكيف ورثتم ولايته وولده احياء؟ » الكتاب ص 35.
وليس من شك ان هذه الوصية التي يذكرها محمد بن عبد الله بن الحسن هنا ليست وصية عادية اذ لو كانت كذلك فلا مزية فيها خاصة لعلي وهو فى مقام الاحتجاج على المنصور بان الحق حقهم، وقوله « ان ابانا علي كان الوصي وكان الامام فكيف ورثتم ولايته وولده احياء؟ » صريح في ان هذه الوصية ذات جنبة سياسية ترتبط بولاية الحكم.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) شرح النهج ج1/143-150 وقد بحث العلامة العسكري صفة علي (عليه السلام) كوصي النبى (صلى الله عليه وآله) في كتابه القيم معالم المدرستين ج1/295-328.
«صفحة 268»
«صفحة 269»
الحلقة الثالثة / الفصل الاول
المورد الثاني ـ منهج علي (عليه السلام) في قبول البيعة
قوله: عدم وجود الوصية يفسر لنا احجام الامام علي عن اخذ البيعة من العباس او ابي سفيان
اقول: بل الذي يفسر احجام علي (عليه السلام) عن اخذ البيعة من العباس او ابي سفيان هو انهما عرضا البيعة على اساس قبلي مضافا الى ان عليا ينظر الى بيعة من به الكفاية من اهل السابقة والجهاد ممن عرف النص ووعاه ولم يكن ابو سفيان او العباس كذلك
«صفحة 270»
«صفحة 271»
نص الشبهة
قوله: « وهو -أي عدم وجود وصية من النبي لعلي بالخلافة- ما يفسر احجام الامام علي عن المبادرة الى اخذ البيعة لنفسه بعد وفاة الرسول، بالرغم من الحاح العباس بن عبد المطلب عليه بذلك، حيث قال له: “امدد يدك ابايعك، وآتيك بهذا الشيخ من قريش – يعني ابا سفيان – فيقال: “ان عم رسول الله بايع ابن عمه” فلا يختلف عليك من قريش احد، والناس تبع لقريش”. فرفض الامام علي ذلك.
وقد روى الامام الصادق عن ابيه عن جده: انه لما استخلف ابو بكر جاء ابو سفيان الى الامام علي وقال له: أرضيتم يا بني عبد مناف ان يلي عليكم تيم؟ ابسط يدك ابايعك، فوالله لأملأنها على ابي فصيل خيلا ورجالا، فانزوى عنه وقال: ويحك يا ابا سفيان هذه من دواهيك، وقد اجتمع الناس على ابي بكر. ما زلت تبغي للاسلام العوج في الجاهلية والاسلام، ووالله ما ضر الاسلام ذلك شيئا… مازلت صاحب فتنة. “(1).
الرد على الشبهة
أقول:
أحجم علي (عليه السلام) عن اخذ البيعة من العباس أو من أبي سفيان لان دافعهما في عرض النصرة والبيعة لعلي (عليه السلام) هو العصبية القبلية وليس النص، مضافا الى ان عليا (عليه السلام) ينظر في تصديه للحكم إلى بيعة ذوي السابقة من المهاجرين والأنصار ممن سمع النص ووعاه وان تكون في المسجد على مشهد من عامة الناس لا خفية.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) احمد الكاتب – تطور الفكر السياسي الشيعي: 12.
«صفحة 272»
أما الرواية التي نسبها إلى الإمام الصادق (عليه السلام) وهي قوله: (انه لما استخلف ابو بكر جاء ابو سفيان الى الامام علي وقال له: أرضيتم يا بني عبد مناف ان يلي عليكم تيم؟ ابسط يدك ابايعك، فوالله لأملأنها على ابي فصيل خيلا ورجالا، فانزوى عنه وقال: ويحك يا ابا سفيان هذه من دواهيك، وقد اجتمع الناس على ابي بكر. ما زلت تبغي للاسلام العوج في الجاهلية والاسلام، ووالله ما ضر الاسلام ذلك شيئا… ما زلت صاحب فتنة) فهي رواية موضوعة رواها القاضي عبد الجبار المعتزلي في كتابه “المغنى” ص 12289 وذلك لان عرض أبي سفيان على علي (عليه السلام) إنما كان في بدء أمر السقيفة وامتناع بني هاشم مع عدد من المهاجرين في المدينة، وآخرين خارج المدينة منهم مالك بن نويرة وقومه وليس بعد اجتماع الناس على ابي بكر.
أما مسلكه (عليه السلام) في البيعة لجهاد أهل السقيفة فهو ان يكون المبايعون له اربعين مجتمعين ذوي عزم أي ذوي ثبات وصبر في إيمانهم ولم يكن أبو سفيان منهم، والعباس نفر واحد لا تتحقق به بيعة كهذه، مضافا الى الأساس القبلي الذي انطلقا منه وعلي لا يقبل به.
«صفحة 273»
الحلقة الثالثة / الفصل الاول
المورد الثالث ـ احقية علي (عليه السلام) بالحكم ليست من باب الأفضلية
قوله: بالرغم من شعور الامام علي بالأحقية والأولوية (الأفضلية) في الخلافة الا انه عاد فبايع
اقول: كلمات علي (عليه السلام) صريحة في ان الحكم حق خاص به وليست المسألة مسألة افضلية
«صفحة 274»
«صفحة 275»
نص الشبهة
قوله: « ويجمع المؤرخون السنة والشيعة على ان الإمام علي (عليه السلام) امتنع عن بيعة أبي بكر. . وبالرغم من شعور الإمام علي (عليه السلام) بالاحقية والاولوية في الخلافة الا انه عاد فبايع… ولا يشير إلى مسألة النص عليه » ص 13.
الرد على الشبهة
اقول:
يذهب (الاستاذ الكاتب) إلى ان علياً (عليه السلام) أولى بالخلافة أولوية تفضيل لا أولوية اختصاص وهو رأي ابن أبي الحديد ومدرسته في تفضيل علي (عليه السلام) على أبي بكر وتصحيح بيعة أبي بكر وانكار النص.
وهذا الرأي مدفوع بالنص وقد تحدثنا عنه، وبكلمات علي (عليه السلام) التي أوردها (الكاتب) نفسه فان قوله (عليه السلام) « بايع الناس أبا بكر وأنا أولى بهم مني بقميصي هذا. . » معناه أولوية اختصاص لا أولوية تفضيل، اذ لا معنى لمقارنته (عليه السلام) بين اولويته بالامر واولويته بقميصه غير الاختصاص، فانه مما لا شك فيه ان اولويته بقميصه هي أولوية اختصاص لأنه مالكه، وهو (عليه السلام) يقول ان اولويته بالناس اشد وأأكد من اولويته بقميصه، وذلك لان القميص الذي يلبسه قد يحتمل فيه انه مسروق ثم اشتراه من السارق وهو لا يعلم به اما اولويته بالحكم فلا يحتمل فيها شىء من ذلك البتة بل هي نص من النبي (صلى الله عليه وآله) وبأمر من الله تعالى.
وكذلك قوله (عليه السلام): « و طفقت ارتأي بين ان اصول بيد جذاء أو اصبر على طخية عمياء يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه فرأيت ان الصبر على هاتا احجى فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى ارى تراثي نهبا »
«صفحة 276»
ومعناه اخذت أُخَيِّرُ نفسي بين ان اصول بقوة غير كافية كما في قوله (عليه السلام) « فلم اجد غير أهل بيتي فضننت بهم عن الموت ». فلو توفرت له القوة الكافية لقاتل أهل السقيفة وهو المعروف عنه من قوله (عليه السلام) « لو وجدت اربعين ذوي عزم لناهضت القوم ».
ان هذا الموقف من علي (عليه السلام) لا ينسجم مع فكرة أولوية التفضيل بل ينسجم مع فكرة اولوية الاختصاص.
وكذلك قوله (عليه السلام) « أو اصبر على طخية عمياء. . » فان معناه ان الذي حصل لم يكن مجرد غصب سلطة دنيوية حسب بل كان ذلك بداية انقلاب فكري وضلالة تعم الأمة، وهو ما اكده (عليه السلام) بعد مقتل عثمان حين جاؤوه يطلبون البيعة فقال لهم « دعوني والتمسوا غيري فان المحجة قد اغامت والحجة قد تنكرت » وقوله (عليه السلام): « قد ملتم ميلة لم تكونوا عندي محمودين واخشى ان تكونوا في فترة »(1).
اما الرواية التي أوردها (الكاتب) ونسبها إلى (شافي) المرتضىوهي قوله (عليه السلام) لابي بكر: « والله ما نَفَسْنا عليك ما ساق الله اليك من فضل وخير ولكنا كنا نظن ان لنا في هذا الامر نصيبا استبد به علينا » فقد رواها المرتضى عن البلاذري وهو يرويها عن المدائني عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة، إنما أوردها للاحتجاج بان عليا تأخر عن البيعة ولم يوردها من اجل الاعتقاد بصحتها، ودلائل الوضع عليها ثم ان حق علي (عليه السلام) في الامرة ليس هو الظن بل هو اليقين كما اسلفنا آنفا، وقد لعب الزهري وعروة بل عائشة أيضا دوراً مهماً في تحريف كثير من النصوص والحوادث.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) اراد (عليه السلام) بـ(الفترة) ما اراده القرآن منها في قوله تعالى (. . . على حين فترة من الرسل) اي اخشى ان تكون في الجاهلية.
«صفحة 277»
الحلقة الثالثة / الفصل الاول
المورد الرابع ـ دلالة حديث الغدير عند السيد المرتضى (رحمهم الله)
قوله: الشريف المرتضى يعتبر حديث الغدير نصا خفيا غير واضح بالخلافة
اقول: ليس كذلك بل قال الشريف المرتضى: قد دللنا ثبوت النص على امير المؤمنين (عليه السلام) باخبار النص عليه بغير احتمال ولا اشكال كقوله (صلى الله عليه وآله) (من كنت مولاه فعلي مولاه)
«صفحة 278»
«صفحة 279»
نص الشبهة
قوله: « واذا كان حديث الغدير يعتبر اوضح واقوى نص من النبي بحق امير المؤمنين فان بعض علماء الشيعة الامامية الاقدمين كالشريف المرتضى يعتبره نصا خفيا غير واضح بالخلافة، حيث يقول في (الشافي): “انا لا ندعي علم الضرورة في النص، لا لأنفسنا ولا على مخالفينا، وما نعرف احدا من اصحابنا صرح بادعاء ذلك” » ص 14 وأيضا ص 58.
الرد على الشبهة
اقول:
ان مراد السيد المرتضى بـ (النص الخفي) هو ما يسمى عند الاصوليين بـ(المجمل) وعرَّفوه بـ (انه ما لم تتضح دلالته) ويقابله (المبيَّن) وقد ذكروا للاجمال والخفاء اسبابا كثيرة منها ان يكون اللفظ مشتركاً ولا توجد قرينة على أحد معانيه كلفظة (مولى) فانها موضوعة للاولى، وللعبد المملوك، وابن العم، والحليف.
ويتضح من ذلك ان (النص المجمل) و(الخفي) يحتاج إلى استدلال ونظر وذلك بالبحث عن القرائن من داخل النص أو من خارجه وهو ما يصنعه علماء الشيعة مع (حديث الغدير) ومنهم الشريف المرتضى حيث قال:
« الوجه المعتمد في الاستدلال بخبر الغدير على النص هو ما نرتبه فنقول:
ان النبي (صلى الله عليه وآله) استخرج من امته بذلك المقام الاقرار بفرض طاعته ووجوب التصرف بين أمره ونهيه بقوله (صلى الله عليه وآله) « الست أولى بكم من انفسكم؟ » وهذا القول وان كان مخرجه مخرج الاستفهام فالمراد به التقرير وهو جار مجرى قوله تعالى (الست بربكم) الاعراف 172، فلما اجابوه بالاعتراف والاقرار رفع بيد أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال عاطفاً
«صفحة 280»
على ما تقدم (فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه) وفي روايات أخرى (فعلي مولاه اللهم والِ من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله) فاتى بجملة يحتمل لفظها معنى الجملة الأولى التي قدمها وان كان محتملا لغيره فوجب ان يريد بها المعنى المتقدم الذي قررهم به على مقتضى استعمال أهل اللغة وعرفهم في خطابهم، وإذا ثبت انه صلى الله عليه واله أراد ما ذكرناه من ايجابه كون أمير المؤمنين عليه السلام أولى بالإمامة من انفسهم فقد اوجب له الإمامة، لأنه لا يكون أولى بهم من انفسهم الا فيما يقتضي فرض طاعته عليهم ونفوذ أمره فيهم ولن يكون كذلك الا من كان إماما.
فان قال: (دلوا على ان لفظة (مولى) محتملة لـ(أولى) وانه أحد اقسام ما يحتمله ثم ان المراد بهذه اللفظة في الخبر هو (الأولى) دون سائر الاقسام، ثم ان(الأولى) يفيد معنى الإمامة.
قيل له: انه من كان له ادنى اختلاط باللغة واهلها يعرف انهم يضعون هذه اللفظة أي (مولى) مكان (أولى) كما انهم يستعملونها في (ابن العم) وغيره وما المنكر لاستعمالها في (الأولى) الا كالمنكر لاستعمالها في غيره من اقسامها.
ونتبرع بايراد جملة تدل على ماذهبنا إليه فنقول: قد ذهب أبو عبيدة معمر بن المثنى ومنزلته في اللغة منزلته(1) في كتابه القرآن المعروف بالمجاز لما انتهى إلى قوله: ﴿مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِىَ مَوْلاكُمْ وَ بِئْسَ المَصِيرُ﴾ الحديد/15 أولى بكم.
وليس أبو عبيدة ممن يغلط في اللغة.
ولا خلاف بين المفسرين في ان قوله تعالى ﴿وَ لِكُل جَعَلْنَا مَوَالِىَ مِمَّا تَرَك الوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ الله كَانَ عَلَى كُلِ شَىْء شَهِيدًا﴾ النساء/33 ان المراد بالموالي (مفرد مولى) من كان املك بالميراث واولى بحيازته واحق به.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) ابو عبيدة معمر بن المثنى التيمي بالولاء من العلماء باللغة والشعر والادب وايام العرب واخبارها قال فيه الجاحظ (لم يكن في الارض اعلم بجميع العلوم منه وهو اول من صنف في غريب الحديث توفي سنة 209. (السيد عبد الزهراء الخطيب) رح.
«صفحة 281»
وقال الاخطل(1):
فاصبحت مولاها من الناس بعده***واحرى قريش ان تهاب وتحمدا
وروي في الحديث (ايما امرأة تزوجت بغير اذن مولاها فنكاحها باطل) (2).
كل ما استشهدنا به لم يرد بلفظ (مولى) فيه الا معنى (أولى) دون غيره وقد تقدمت حكايتنا عن المبرد قوله (ان اصل تأويل الولي الذي هو أولى أي أحق ومثله المولى) وقال في هذا الموضع بعد ان ذكر تأويل قوله تعالى ﴿ذَلِك بِأَنَّ الله مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ﴾ محمد/11.
وقال الفراء(3) في كتاب (معاني القرآن) الولي والمولى في كلام العرب واحد وهو قراءة(4) عبد الله بن مسعود (إنما مولاكم الله ورسوله) مكان وليكم.
وقال أبو بكر محمد بن القاسم الانباري(5) في كتابه المعروف بـ (المشكل) (المولى في اللغة ينقسم على ثمانية اقسام، اولهن المولى المنعم المعتق، ثم المنعم عليه المعتق، والمولى الولي، والمولى الأولى بالشىء) وذكر شاهدا عليه الآية التي قدمنا ذكرها (والمولى الجار، والمولى ابن العم، والمولى الصهر، والمولى الحليف).
وقد ذكر أبو عمر وغلام ثعلب في تفسير بيت الحارث بن حلزة(6).
زعموا ان كل من ضر ب العَيْرَ***موال لنا وأنا الولاءُ(7)
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الاخطل: غياث برعوث التغلبي لقب بالاخطل لبذاءة لسانه نشأ بالحيرة ثم اتصل بالامويين فكان شاعرهم المفضل توفي سنة 90 والبيت من قصيدة له في مدح يزيد بن معاوية بعد توليه الخلافة.
(2) سنن الترمذي 1/204 ابواب النكاح وفي نهاية ابن الاثير ج4/229 مادة (ولا) عن الهروي وقال بعد نقل الحديث (وليها) أي ولي امرها.
(3) الفراء ابو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله الديلمي من ائمة اللغة والادب ومن تلامذة الكسائي قال فيه ثعلب (لولا الفراء ماتت اللغة) ولد بالكوفةونشأ بها ثم انتقل إلى بغدادفعهد اليه المأمون تأديب ولديه تـ سنة 207.
(4) اي تفسير عبد الله بن مسعود.
(5) نسبة إلى الانبار كان من اعلم اهل زمانه بالادب واللغة ومعرفة ايام العرب ومن اكثرهم حفظا للاشعار وشواهد القرآن حتى قيل: كان يحفظ مائة وعشرين تفسيراً للقرآن وثلاث مائة الف شاهد من شواهده، توفي ببغداد سنة 328.
(6) الحارث بن حلزة اليشكري شاعر جاهلي من اهل بادية العراق ومن اصحاب المعلقات ارتجل معلقته بين يدي عمرو بن هند ملك الحيرة.
(7) العير: الوتد أو الحمار، وغالبية الناس في زمانه من اهل الوبر يضربون الاوتاد عند اقامتهم. . وقوله (انا الولاء) أي نحن اهل الولاء.
«صفحة 282»
فذكر من جملة الاقسام: ان المولى السيد وان لم يكن مالكا، والمولى الولي.
واما الذي يدل على ان المراد بلفظ (مولى) في خبر الغدير(الأولى) فهو: ان عادة أهل اللسان في خطابهم إذا رأوا جملة مصرِحة وعطفوا عليها بكلام محتمل لما تقدم التصريح به ولغيره لم يجز أن يريدوا بالمحتمل الا المعنى الأول، يبين صحة ما ذكرناه ان أحدهم إذا قال مقبلا على جماعة ومفهما لهم وله عدة عبيد: الستم عارفين بعبدي فلان؟ ثم قال عاطفا على كلامه: فاشهدوا ان عبدي حر لوجه الله تعالى، لم يجز ان يريد بقوله: عبدي بعد ان قدم ما قدمه الا العبد الذي سماه في أول كلامه دون غيره من سائر عبيده، ومتى أراد سواه كان عندهم مُلغِزا خارجاً عن طريقة البيان.
فاما الدليل على ان لفظة (أولى) تفيد معنى الإمامة فهو انا نجد أهل اللغة لا يضعون هذا اللفظ الا فيمن كان يملك تدبيره ووصف بأنه أولى بتدبيره وتصريفه ينفذ فيه أمره ونهيه، الا تراهم يقولون السلطان أولى باقامة الحدود من الرعية، وولد الميت أولى بميراثه من كثير من اقاربه، والزوج أولى بامرأته، والمولى أولى بعبده ومرادهم من جميع ذلك ما ذكرناه، ولا خلاف بين المفسرين في ان قوله تعالى ﴿النَّبِىُّ أَوْلَى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ الأحزاب/6المراد به انه أولى بتدبيرهم والقيام بأمورهم من حيث وجبت طاعته عليهم، ونحن نعلم انه لا يكون أولى بتدبير الخلق وامرهم ونهيهم من كل أحد منهم الا من كان إماما لهم مفترض الطاعة عليهم »(1)
ويتضح بذلك أيضا ان حديث الغدير لم يبقَ على خفائه ولا اجماله في دلالته على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) مع هذا الاستدلال(2).
قال السيد المرتضى:
« قد دللنا على ثبوت النص على أمير المؤمنينن (عليه السلام) باخبار مجمع على صحتها متفق عليها و ان كان الاختلاف واقعاً في تأويلها وبينا انها تفيد النص عليه بغير احتمال
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الشافي ج2/260-282 اختصرنا ما اوردناه مع المحافظة على الفاظ المرتضى رح.
(2) قال العلامة المظفر في دلائل الصدق ج2/57 المطلب الثاني في دلالة حديث الغدير على امامة امير المؤمنين (عليه السلام) .
«صفحة 283»
ولا إشكال كقوله (صلى الله عليه وآله) (انت مني بمنزلة هارون من موسى) و(من كنت مولاه فعلي مولاه) إلى غير ذلك مما دللنا على ان القرآن يشهد به كقوله تعالى ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ المائدة/55 فلا بد ان نطرح كل خبر ناف ما دلت عليه هذه الادلة القاطعة ان كان غير محتمل للتأويل نحمله بالتأويل على ما يوافقها ويطابقها إذا ساغ ذلك فيه »(1).
اما مراد السيد المرتضى من قوله « أنا لا ندعي علم الضرورة من النص لا لانفسنا ولا على مخالفينا وما نعرف أحد من اصحابنا صرح بادعاء ذلك ». فهو ان نص الغدير لا يدل على تعيين علي (عليه السلام) إماما بالبداهة، والضرورة ومن غير استدلال.
نعم يقول المرتضى ويقول الشيعة القدماء ان النبي (صلى الله عليه وآله) لو لم يرد الإمامة لعلي في حديث الغدير مع ايجاب خطابه لها لكان ملغزا عادلا عن طريق البيان بل عن طريق الحكمة) (2).
وفي ضوء ذلك يتضح خطأ ما ذهب إليه (الاستاذ الكاتب) من سوء استفادة من كلام الشريف المرتضى (رحمهم الله) وتحميل كلامه ما لم يرده ولا يعنيه.
ونرى من المفيد في آخر هذه التعليقة ان نضع بين يدي القارىء الكريم كلام الشريف المرتضى في النص الخفي والنص الجلي فيمايلى:
قال الشريف المرتضى رح: « الذي نذهب إليه ان النبي صلى الله عليه وآله نص على أمير المؤمنين عليه السلام بالإمامة بعده، ودل على وجوب فرض طاعته ولزومها لكل مكلف، وينقسم النص عندنا في الاصل إلى قسمين احدهما يرجع إلى الفعل ويدخل فيه القول، والآخر إلى القول دون الفعل.
فأما النص بالفعل والقول، فهو ما دلت عليه افعاله صلى الله عليه آله واقواله المبينة لأمير المؤمنين عليه السلام من جميع الأمة، الدالة على استحقاقه من التعظيم والاجلال والاختصاص بما لم يكن حاصلاً لغيره كمؤاخاته صلى الله عليه وآله بنفسه وانكاحه سيدة نساء العالمين ابنته عليها السلام، وانه لم يولِ عليه احداً من الصحابة،
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الشافي ج3/99.
(2) الشافي ج2/283.
«صفحة 284»
ولا ندبه لأمر أو بعثه في جيش الا كان هو الوالي عليه المقدم فيه، وانه لم ينقم عليه من طول الصحبة وتراخي المدة شيئاً، ولا انكر منه فعلا، ولا استبطاه في صغير من الأمور ولا كبير مع كثرة ماتوجه منه صلى الله عليه وآله إلى جماعة من أصحابه من العتب، اما تصريحا أو تلويحاً.
وقوله صلى الله عليه وآله فيه (علي مني وأنا منه) (1) و(علي مع الحق والحق مع علي) و(اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر) (2) إلى غير ما ذكرناه من الافعال والاقوال الظاهرة التي لا يخالف فيها ولي ولا عدو، وذِكْرُ جميعها يطول، وإنما شهِدَتْ هذه الافعال والاقوال باستحقاقه عليه السلام الإمامة ونبَّهتْ على انه أولى بمقام الرسول من قبل انها إذا دلَّت على التعظيم والاختصاص الشديد، فقد كشفت عن قوة الاسباب إلى اشرف الولايات، لان من كان ابهر فضلا، واعلى في الدين مكاناً فهو أولى بالتقديم واقرب وسيلة إلى التعظيم، ولأن العادة فيمن يرشح لشريف الولايات، ويؤهل لعظيمها ان يصنع به وينبه عليه ببعض ما قصصناه.
وقد قال قوم من اصحابنا ان دلالة الفعل ربما كانت آكد من دلالة القول: وابعد من الشبهة، لان القول يدخله المجاز، ويحتمل (ضروباً من التأويلات لا يحتملها الفعل.
فأما النص بالقول دون الفعل فينقسم إلى قسمين:
احدهما: ما عَلِمَ سامعوه من الرسول (صلى الله عليه وآله) مراده منه باضطرار، وان كنا الان نعلم ثبوته والمراد منه استدلالاً وهو النص الذي في ظاهره ولفظه الصريح بالإمامة والخلافة، ويسميه اصحابنا النص الجلي كقوله عليه السلام (سلموا على علي بإمرة المؤمنين) (3) و(هذا خليفتي فيكم من بعدي فاسمعوا له واطيعوا) (4).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) اخرجه النسائي في الخصائص ص 16 بلفظ (ان عليا مني وانا منه وهو ولي كل مؤمن بعدى) ، والترمذي 2/297، واحمد في المسند ج 4/136، 437.
(2) جامع الترمذي ج2/299، خصائص النسائى/5 المستدرك 3/13، تاريخ بغداد 3/171.
(3) انظر شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد 1/12 وابن عساكر (ترجمة امير المؤمنين (عليه السلام) عن بريدة الاسلمي امرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان نسلم على علي بإمره المؤمنين. . .
(4) هذا الحديث هو حديث يوم الدار اخرجه الطبري في التاريخ 2/321 واحمد في المسند 1/111/159، والحاكم في المستدرك 3/132 والحلبي في السيرة1/381، والسيوطي في جمع الجوامع 6/397 عن ابن اسحاق وابن جرير وابن ابي حاتم وابن مردويه وابي نعيم والبيهقي.
«صفحة 285»
والقسم الآخر: لا نقطع على ان سامعيه من الرسول (صلى الله عليه وآله) علموا النص بالإمامة منه اضطراراً ولا يمتنع عندنا ان يكونواعلموه استدلالامن حيث اعتبار دلالة اللفظة، وما يحسن ان يكون المراد أو لا يحسن.
فأما نحن فلا نعلم ثبوته والمراد به الا استدلالاً كقوله (صلى الله عليه وآله) (انت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي) و(من كنت مولاه فعلي مولاه) وهذا الضرب من النص هو الذي يسميه اصحابنا النص الخفي.
ثم النص بالقول ينقسم قسمة أخرى إلى ضربين:
فضرب منه تفرد بنقله الشيعة الامامية خاصة، وان كان بعض من لم يفطن بما عليه فيه من أصحاب الحديث قد روى شيئا منه، وهو النص الموسوم بالجلي.
والضرب الاخر رواه الشيعي والناصبي وتلقاه جميع الأمة بالقبول على اختلافها، ولم يدفعه منهم أحد يحفل بدفعه يعد مثله خلافا وان كانوا قد اختلفوا في تأويله وتباينوا في اعتقاد المراد به وهو النص الموسوم بالخفي الذي ذكرناه ثانيا.
ونحن الان نشرع في الدلالة على النص الجلي لأنه الذي تفرد اصحابنا به، وكلام صاحب الكتاب في هذا الفصل: أنه مقصور عليه.
فأما النصوص الباقية فسيجىء الكلام في تأويلها وابطال ما جرح المخالفون فيها فيما بعد بعون الله تعالى »(1).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الشافي ج2/ص 65 – 68.
«صفحة 286»
«صفحة 287»
الحلقة الثالثة / الفصل الاول
المورد الخامس ـ احتجاج علي (عليه السلام) بحديث الغدير
قوله: لو كان حديث الغدير يحمل معنى التعيين لاشار الامام علي (عليه السلام) الى ذلك ولحاجج اصحاب الشورى بما هو اقوى من الفضائل
اقول: لقد احتج علي (عليه السلام) بحديث الغدير وقد فصلنا ذلك في الحلقة الثانية /الفصل الثالث
«صفحة 288»
«صفحة 289»
نص الشبهة
قوله: « ولو كان حديث الغدير يحمل هذا المعنى (معنى التعيين) لاشار الإمام إلى ذلك وحاججهم (أصحاب الشورى السداسية) بما هو اقوى من ذكر الفضائل » ص 14.
الرد على الشبهة
1. أقول ان الهدف من جعل عمر الشورى في ستة أحدهم علي (عليه السلام) هو نفس الهدف من الاجتماع في السقيفة من دون حضور علي (عليه السلام)، لقد استهدف المخططون لكلا الحدثين مسألة الحكم مع استهداف أمر اضافي آخر في الشورى اريد تحقيقه وهو ان يخرج علي من الشورى وقد بايع لعثمان ولو جبراً وكرها ليؤمَن قيامه عليهم وقد فصلنا الحديث عن ذلك في الحلقة الثانية من هذا الكتاب(1).
ولما كان الأمر كذلك فان الاجواء غير صالحة في كلا الموردين للاحتجاج لان القوم مصرين على تحقيق هدفهم بكل وسيلة ممكنة، حتى لو كان ذلك بإحراق باب بيت فاطمة (عليها السلام) أو تهديد علي بالقتل إذا لم يبايع أبا بكر أو لم يبايع عثمان قبل ان يخرج من بيت اجتماع أهل الشورى الستة.
ومع ذلك فقد سجلت بعض المصادر احتجاجاً لعلي (عليه السلام) بحديث الغدير على أهل الشورى السداسية كما في مناقب الخوارزمي ص 217 وفرائد السمطين للحمويني الباب الثامن والخمسين والدر النظيم لابن حاتم الشامي من طريق الحافظ ابن مردويه(2).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) انظر فصل الشورى السداسية من كتاب شبهات وردود ح2.
(2) انظر الغدير للاميني (رحمهم الله) ج1/ 159-162.
«صفحة 290»
2. ان دخول علي (عليه السلام) للشورى السداسية لم يكن بمحض اختياره بل اجبر على ذلك ويدل عليه ان عمر امر بقتل المخالف من الستة، اما سبب اكراههم عليا (عليه السلام) على الدخول في الشورى فهو انهم كانوا يخشون منه (عليه السلام) انه إذا لم يدخل سوف يمتنع عن بيعة عثمان كما امتنع عن بيعة أبي بكر من قبل وسوف يلتحق هذه المرة به أناس كانوا قد قصروا في قصة السقيفة أو وقعوا في الشبهة، ومعنى ذلك احتمال تكامل العدد الذي يرجوه علي (عليه السلام) من الانصار فيقوم في وجه عثمان.
3. لو لم يكن حديث الغدير يحمل هذا المعنى (معنى التعيين والنصب لعلي (عليه السلام) من موقع خلافة الرسول الخاصة التي تفرض ان يكون حق الحكم خاصاُ به كما كان زمن الرسول (صلى الله عليه وآله) خاصا بالرسول) لما احتج علي (عليه السلام) به ايام خلافته بعد قتل عثمان وقد مر تفصيل ذلك في الحلقة الثانية ص 55-65.
«صفحة 291»
الحلقة الثالثة / الفصل الاول
المورد السادس ـ الصحابة وحديث الغدير
قوله: ان الصحابة لم يفهموا من حديث الغدير او غيره من الاحاديث معنى النص والتعيين بالخلافة
اقول: بل الصحابة فهموا ذلك وبسببه منعوا تداول تلك الاحاديث بين الناس خمساً وعشرين سنة
«صفحة 292»
«صفحة 293»
نص الشبهة
قوله: « ان الصحابة لم يفهموا من حديث الغدير أو غيره من الأحاديث معنى النص والتعيين بالخلافة ولذلك اختاروا طريق الشورى وبايعوا أبا بكر كخليفة من بعد الرسول مما يدل على عدم وضوح معنى الخلافة من النصوص الواردة بحق الإمام علي أو عدم وجودها في ذلك الزمان » ص 14.
الرد على الشبهة
أقول: بل الصحابة فهموا من الحديث معنى النص والتعيين ولم يكن لديهم شك في ذلك وادل دليل على فهمهم هو منعهم تداول هذه الأحاديث شفاها وتدوينا لما استقرت السلطة بايديهم بل عمدوا إلى ما كتبه هذا وذاك من الصحابة من أحاديث النبي فجمعوه واحرقوه، وجرَّهم ذلك اخيراً إلى احراق المصاحف المنتشرة زمن النبي (صلى الله عليه وآله) بسبب ما يوجد بهامشها من أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) المفسِرة للآيات النازلة في أهل البيت وقد ذكرنا طرفا من أخبار هذه المسألة في الحلقة الثانية من شبهات وردود ط 2ص 159- 163.
ويعضد ذلك ما رواه ابو الطفيل عامر بن واثلة من حديث المناشدة قال: « جمع علي (عليه السلام) الناس في الرحبة ثم قال لهم انشد الله كل امرىء سمع من رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام فقام ثلاثون من الناس فشهدوا.
قال أبو الطفيل فخرجت وكأنَّ في نفسي شيئا فلقيت زيد بن ارقم فقلت له اني سمعت عليا يقول كذا وكذا قال فما تنكر قد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول ذلك له »(1).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) انظر من روى حديث المناشدة هذا في الحلقة الثانية من شبهات وردودص 59.
«صفحة 294»
وقد كان ابو الطفيل من صغار الصحابة وكان مقيما في مكة وتوفي النبي (صلى الله عليه وآله) وعمره ثمان سنوات وفي ضوء ذلك يكون عمره لما بويع علي (عليه السلام) على الحكم ثلاثا وثلاثين سنة وكان مقيما في مكة ولم يسمع طوال هذه المدة بحديث الغدير بسبب منع السلطة روايته ورواية غيره من أحاديث النبي في أهل البيت (عليهم السلام)، والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو ما الذي استنكره أبو واثلة من حديث الغدير حين سمعه لاول مرة وما الذي وقع في نفسه منه؟ ليس من شك ان الذي وقع في نفسه واستعظمه هو انَّ لعلي بحديث الغدير ولاية كولاية الرسول (صلى الله عليه وآله) على الأمة وهي اعظم من ولاية الحكومة اذ ولاية الحكومة من اثارها وفروعها وبالتالي فان كل من تقدم عليه في الحكم أو في غيره كان كأنه قد تقدَّم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ذلك.
اما قوله « ولذلك اختاروا اي الصحابة طريق الشورى وبايعوا ابا بكر » فقد المحنا في الحلقة الثانية من كتابنا هذا ان الذي جرى بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) كان انقلاباً قد خطط له من قبل، وقد أشار إليه قوله تعالى ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أفَإنْ مَاتَ أو قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلىَ أعْقَابِكُمْ…﴾ وقد اوضحت أحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله) الصحيحة المروية في كتب السنة والشيعة تلك الحقيقة المرة.
وإلى القارىء الكريم طرفا منها:
روى البخاري بسنده عن ابن عباس قال: « قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): تحشرون حفاة عراة… فاول من يكسى ابراهيم ثم يؤخذ برجال من اصحابي ذات اليمين وذات الشمال فاقول اصحابي فيقال انهم لم يزالوا مرتدين على اعقابهم منذ فارقتهم فاقول كما قال العبد الصالح عيسى بن مريم: ﴿وَ كُنْتَ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَيْتَنِي كُنْتَ أنْتَ الرَّقِيبُ عَلَيْهِمْ…﴾ (1).
قال البخاري: « قال محمد بن يوسف ذكر عن ابي عبد الله عن قبيصة قال: هم المرتدون الذي ارتدوا على عهد ابي بكر فقاتلهم ابو بكر ».
ـــــــــــــــــــــــ
(1) البخاري كتاب بدء الخلق باب (واذكر في الكتاب مريم) وباب قوله تعالى واتخذ الله ابراهيم خليلا) وكتاب تفسيرالقرآن /المائدة. وكتاب الدعوات باب كيفية الحشر.
«صفحة 295»
اقول: لقد حاول البخاري ومن قبله ان يوجهوا احاديث الحوض ويصرفوها عن الصحابة الى غيرهم ولكن حديث البراء بن عازب يؤكد خلاف ذلك فقد روى البخاري بسنده عن العلاء بن المسيب عن ابيه قال: « لقيت البراء بن عازب فقلت طوبى لك صحبت النبي (صلى الله عليه وآله) وبايعته تحت الشجرة، فقال: يا ابن اخي انك لا تدري ما احدثنا بعده »(1).
وروى البخاري بسنده عن ابن المسيب انه كان يحدث عن اصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) ان النبي (صلى الله عليه وآله) قال: « يرد على الحوض رجال من اصحابي فيحلؤون عنه فاقول يارب اصحابي فيقول انك لاعلم لك بما احدثوا بعدك انهم ارتدوا على ادبارهم القهقرى »(2).
وروى البخاري بسنده عن سهل بن سعد قال قال النبي (صلى الله عليه وآله): « اني فَرَطُكُم على الحوض من مرَّ عليَّ شرب ومن شرب لم يضمأ ابداً ليردن عليَّ اقوام اعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم »(3).
قال ابو حازم: فسمعني النعمان بن ابي عياش فقال، هكذا سمعت من سعد فقلت نعم. فقال اشهد على ابي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها: « فأقول (أي النبي(صلى الله عليه وآله)) انهم مني فيقال انك لا تدري ما احدثوا بعدك فاقول سحقا سحقاً لمن غير بعدي »(4).
وروى البخاري بسنده عن ابي هريرة قال النبي (صلى الله عليه وآله): « بينما انا قائم اذا زمرة حتى اذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلم: فقلت اين؟ قال الى النار، قلت وما شأنهم؟ قال انهم ارتدوا على ادبارهم فلا اراه يخلص منهم الا مثل همل النعم(5) ».
وروى احمد في مسنده بسنده عن ام سلمة انه (صلى الله عليه وآله) قال: « ايها الناس بينما انا على الحوض جىء بكم زمراً فتفرقت بكم الطرق فناديتكم الا هلموا الى الطريق فناداني مناد: انهم قد بدلوا بعدك فقلت: الا سحقا سحقا »(6).
وروى احمد ايضا بسنده عن ابي سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله) انه قال: « تزعمون
ـــــــــــــــــــــــ
(1) البخاري كتاب المغازي باب غزوة الحديبية.
(2) البخاري كتاب الدعوات باب ذكر الحوض.
(3) البخاري كتاب الرقاق.
(4) البخاري كتاب الدعوات باب الصراط جهنم، وكتاب الفتن باب قوله (واتقوا فتنة لا تعيبن) .
(5) البخاري كتاب الدعوات باب الحوض وقوله تعالى انا اعطيناك الكوثر.
(6) مسند احمد ج6/297.
«صفحة 296»
ان قرابتي لا تنفع قومي؟ والله ان رحمي موصولة في الدنيا والآخرة اذا كان يوم القيامة يرفع لي قوم يؤمر بهم ذات اليسار فيقول الرجل يا محمد انا فلان بن فلان، ويقول الاخر انا فلان بن فلان، فاقول اما النسب قد عرفت ولكنكم احدثتم بعدي وارتددتم على اعقابكم القهقرى »(1).
اما قوله « او عدم وجودها في ذلك الزمان » فان كان يريد بذلك احتمال ان يكون حديث الغدير موضوعاً فلنقرأ على كل الاحاديث النبوية السلام وذلك لانه لم يتوفر لاي حديث نبوي ما توفر لحديث الغدير من رواة فاذا احتملنا انَّ حديث الغدير موضوع كان كل حديث بعده اولى بهذا الاحتمال وحينئذ لا يثبت لدينا شئ من السنة النبوية المطهرة.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) مسند احمد ج3/39.
«صفحة 297»
الحلقة الثالثة / الفصل الاول
المورد السابع ـ رواية مكذوبة على علي (عليه السلام)
قوله: ان عليا (عليه السلام) قال انا دخلنا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقلنا استخلف فقال لا، اخاف ان تفرقوا عنه. . وان وصية علي (عليه السلام) للحسن وصية اخلاقية روحية
اقول: الرواية التي اوردها لم تكن من تراث الشيعة وقد ردَّ عليها الشريف المرتضى وقال ان عليا (عليه السلام) وصى الى ابنه الحسن واشار اليه واستخلفه
«صفحة 298»
«صفحة 299»
نص الشبهة
قوله: « ويتجلى ايمان الامام علي بالشورى دستورا للمسلمين بصورة واضحة، في عملية خلافة الامام الحسن، حيث دخل عليه المسلمون، بعدما ضربه عبدالرحمن بن ملجم، وطلبوا منه ان يستخلف ابنه الحسن، فقال: لا، انا دخلنا على رسول الله فقلنا: استخلف، فقال: لا: اخاف ان تفرقوا عنه كما تفرقت بنو اسرائيل عن هارون، ولكن ان يعلم الله في قلوبكم خيرا يختر لكم ». ص 15.
الرد على الشبهة
اقول:
ان الرواية التي أوردها ونسبها إلى السيد المرتضى في كتابه الشافي رواية عامية رواها القاضي عبد الجبار المعتزلي في كتابه (المغني)، وقد أورد القاضي المعتزلي رواية أخرى رواها عن أبي وائل شقيق بن سلمة والحكم عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) انه قيل له ألا توصي. قال: ما أوصى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأوصي، ولكن ان أراد الله بالناس خيرا فسيجمعهم على خيرهم كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم) الشافي ج3/91 نقلا عن المغني وقد أجاب عنهما السيد المرتضى بقوله:
« ان الخبر الذي رواه عن أمير المؤمنين، لما قيل له ألا توصي فقال: (ما أوصى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأوصي، ولكن ان أراد الله تعالى بالناس خيرا فسيجمعهم على خيرهم كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم)، فمتضمن لما يكاد يعلم بطلانه ضرورةً.
والظاهر من أحوال أمير المؤمنين، والمشهور من اقواله وأفعاله جملةً وتفصيلاً
«صفحة 300»
يقتضي انه كان يقدم نفسه على أبي بكر وغيره من الصحابة، وانه كان لا يعترف لأحدهم بالتقدم عليه.
ومن تصفح الأخبار والسير، ولم تمل به العصبية والهوى، يعلم هذا من حاله علىوجه لا يدخل فيه شك.
ولا اعتبار بمن دفع هذا ممن يفضَّل عليه لأنه بين أمرين.
إما ان يكون عاميا أو مقلِداً لم يتصفح الأخبار والسير وما روي من أقواله وأفعاله ولم يختلط بأهل النقل، فلا يعلم ذلك.
أو يكون متأملا متصفحاً إلا ان العصبية قد استولت عليه، والهوى قد ملكه واسترقه، فهو يدفع ذلك عناداً، وإلا فالشبهة مع الإنصاف زائلة في هذا الموضع.
على انه لا يجوز ان يقول هذا من قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيه باتفاق (اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر) (1) فجاء عليه السلام من بين الجماعة فأكل معه.
ولا من يقول النبي (صلى الله عليه وآله) لابنته فاطمة (عليها السلام) (ان الله عز وجل اطلع على أهل الأرض اطلاعة فاختار منها رجلين جعل احدهما أباك والآخر بعلك) (2).
وقال صلى الله عليه وآله فيه (علي سيد العرب) (3).
و(خير أمتي) (4).
و(خير من اخلف بعدي) (5).
ولا يجوز ان يقول هذا من تظاهر الخبر عنه بقوله صلوات الله عليه وقد جرى بينه
ـــــــــــــــــــــــ
(1) حديث الطير رواه جماعة من العلماء كالترمذي ج2/229 والنسائي في خصائصه ص 5 والحاكم في مستدركه ص/130و131 وابو نعيم في حليته 6/339، والخطيب في تاريخه 3/171، والمتقي في كنزه 6/406 والهيثمي في مجمعه 9/125 و126.
(2) انظر كنز العمال 6/153 ومستدرك الحاكم 3/129، وفي مسند احمد 5/26 (واما ترضين ان زوجتك خير امتي) .
(3) مستدرك الحاكم 3/124، حلية الاولياء 1/63 و5/38 وفيهما (فقالت عائشة الست سيد العرب؟ قال: انا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب) .
(4) مسند الامام احمد.
(5) كنز العمال 6/154.
«صفحة 301»
وبين عثمان كلام فقال له: أبو بكر وعمر خير منك، فقال (أنا خير منك ومنهما عبدت الله قبلهما وعبدته بعدهما) (1).
ومن قال: (نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد) (2).
وروى عن عائشة في قصة الخوارج لما سألها مسروق فقال لها بالله يا أمه لا يمنعك ما بينك وبين علي ان تقولي ما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيه وفيهم قالت سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (هم شر الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق والخليقة).
إلى غير ذلك من أقواله (صلى الله عليه وآله) فيه التي لو ذكرناها اجمع لاحتجنا إلى مثل جميع كتابنا ان لم يزد على ذلك.
وكل هذه الأخبار التي ذكرناها فهي مشهورة معروفة، قد رواها الخاصة والعامة بخلاف ما ادعاه مما يتفرد به بعض الأمة ويدفعه باقيها.
وبعد، فبإزاء هذين الخبرين الشاذين اللذين رواهما في ان أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يوص كما لم يوص رسول الله (صلى الله عليه وآله) الأخبار التي ترويها الشيعة من جهات عدة، طرق مختلفة المتضمنة انه عليه السلام وصى إلى الحسن ابنه، وأشار إليه واستخلفه، وارشد إلى طاعته من بعده، وهي اكثر من ان نعدها ونوردها.
فمنها ما رواه أبو الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) ان أمير المؤمنين لما ان حضره الذي حضره قال لأبنه الحسن (عليه السلام): (ادن مني حتى اسر إليك ما اسر إلي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وائتمنك على ما ائتمنني عليه).
وروى حماد بن عيسى عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: « أوصى أمير المؤمنين عليه السلام إلى الحسن عليه السلام واشهد على وصيته الحسين ومحمداً عليهما السلام وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته، ثم دفع إليه الكتب والسلاح ».
في خبر طويل يتضمن الأمر بالوصية في واحد بعد واحد إلى أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي عليهم السلام.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد 20/262.
(2) كنز العمال 6/218.
«صفحة 302»
وأخبار وصية أمير المؤمنين عليه السلام إلى ابنه الحسن عليه السلام واستخلافه له ظاهرة مشهورة بين الشيعة واقل أحوالها واخفض مراتبها ان يعارض ما رواه ويخلص ما استدللنا به »(1).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الشافي ج3/99-102.
«صفحة 303»
الحلقة الثالثة / الفصل الاول
المورد الثامن ـ الحسن (عليه السلام) لم يتنازل عن حقه
قوله: لو كانت الخلافة بالنص من الله والرسول لم يكن يجوز للامام الحسن ان يتنازل عنها تحت اي ظرف.
اقول: النص على اهل البيت ومنهم الحسن (عليه السلام) يفيد ان لهم مقامين: الاول: انهم شهداء على الناس بالقول والفعل والتقرير كالنبي (صلى الله عليه وآله) الا انهم ليسوا بانبياء وهذا المقام لا ينفك عن شخصهم وغير قابل للتعطيل من قبلهم وهو ثابت لهم سواء حكموا او لم يحكموا.
الثاني: أنهم أحق بالحكم احقية اختصاص وعلى الناس ان يبايعوهم.
وصلح الحسن (عليه السلام) مع معاوية انما جرى حول الحكم حسب ولم يتنازل عن حقه فيه وانما جمَّد القيام به مؤقتا لقاء شروط منها خضوع اهل الشام للحسن (عليه السلام) بعد موت معاوية، ومع ذلك فان الصلح لم يجعل من معاوية حاكما شرعيا.
«صفحة 304»
«صفحة 305»
نص الشبهة
قوله: « ولو كانت الخلافة بالنص من الله والتعيين من الرسول، كما تقول النظرية الامامية، لم يكن يجوز للامام الحسن ان يتنازل عنها لأي احد تحت اي ظرف من الظروف. ولم يكن يجوز له بعد ذلك ان يبايع معاوية او ان يدعو اصحابه وشيعته لبيعته. ولم يكن يجوز له ان يهمل الامام الحسين ولاشار الى ضرورة تعيينه من بعده. . ولكن الامام الحسن لم يفعل اي شىء من ذلك وسلك مسلكا يوحي بالتزامه بحق المسلمين في انتخاب خليفتهم عبر نظام الشورى ». ص17-18.
الرد على الشبهة
1. قد بينا في الحلقة الثانية ان استخلاف النبي (صلى الله عليه وآله) لأهل بيته الاثني عشر (عليهم السلام) يفيد أمرين وليس أمرا واحداً:
الأول: كونهم حججاً إلهيين شهداء على الناس بقولهم وفعلهم في الدنيا شفعاء لمن اخذ عنهم في الآخرة وهذا الموقع لا يتنازلون عنه ولو كلفهم ذلك حياتهم الشريفة.
الثاني: كونهم الأحق بحكم الناس أحقية اختصاص بمعنى ان حق الحكم خاص بهم في زمان حضورهم، وتصديهم لممارسة هذا الحق في الأمة مرهون بشروط بينتها سيرة أمير المؤمنين (عليه السلام) كما ان قعودهم عنه لفترة مؤقتة وبشروط معينة بينتها سيرة الحسن (عليه السلام) إذ كان من شروط الحسن (عليه السلام) ان يخضع اهل الشام للحسن بعد موت معاوية وإن حدث به حدث فليس لمعاوية ان يعهد لأحد وانما الأمر للحسين (عليه السلام) وان لا
«صفحة 306»
يسميه امير المؤمنين وان لا يقيم عنده شهادة وعلى أمان شيعة علي (عليه السلام) وغير ذلك من الشروط.
ومن الجدير ذكر هنا هو ان عدم تصدي الأئمة (عليهم السلام) للحكم لعدم توفر الشروط أو تنازلهم عنه او تجميدهم لممارستهم له لمصلحة ليس معناه شرعية حكومة المتصدي في قبالهم بل يبقى ذلك المتصدي في قبالهم غاصبا لحقهم وتبقى الأمة المقصرة عن نصرتهم والتي بايعت غيرهم بغير اذنهم آثمة.
2. ان قوله « ولم يكن يجوز للحسن ان يهمل الإمام الحسين ولا أشار إلى ضرورة تعينه من بعده ولكن الحسن لم يفعل أي شىء من ذلك » تخالفه عقيدة الشيعة والنصوص النبوية التي أشارت إلى علي والحسن والحسين، هذا مضافا إلى ان ابن المهنا في كتابه عمدة الطالب قد ذكر ان الحسن (عليه السلام) نص على الحسين في المعاهدة(1).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) انظر عمدة الطالب لابن المهنا ص 86 طبعة بيروت.
«صفحة 307»
الحلقة الثالثة / الفصل الاول
المورد التاسع ـ الوصية في رسالة الحسين (عليه السلام)
قوله: لا توجد اية اثار لنظرية النص في قصة كربلاء سواء في رسائل الشيعة او رسائل الحسين (عليه السلام)
اقول: بل رسالة الإمام الحسين (عليه السلام) الى اهل البصرة برواية الطبري عن ابي مخنف تذكر الوصية (علما ان الطبري وابا مخنف كلاهما يذهب الى ان الإمامة بالاختيار)
«صفحة 308»
«صفحة 309»
نص الشبهة
قوله: « ولا توجد اية آثار لنظرية النص في قصة كربلاء سواء في رسائل شيعة الكوفة إلى الإمام الحسين ودعوته للقدوم عليهم أو في رسائل الإمام الحسين لهم » ص18.
الرد على الشبهة
أقول: إذا كان الاستاذ الكاتب يريد أخبار قصة كربلاء كما رواها الطبري عن أبي مخنف صاحب كتاب مقتل الحسين (عليه السلام) فان أبا مخنف كان من رجال العامة ويرى الإمامة بالشورى وينكر النص فكيف يترقب منه ان يروي كلمات الحسين (عليه السلام) أو أصحابه التي تشير إلى قول النبي (صلى الله عليه وآله) فيه وفي أخيه وأبيه من قبل؟
ومع ذلك كله فقد روى الطبري عن أبي مخنف عن رجاله كتاب الحسين (عليه السلام) إلى اهل البصرة « أما بعد، فإن الله اصطفى محمداً (صلى الله عليه وآله) على خلقه، وأكرمه بنبوته، واختاره لرسالته، ثم قبضه الله إليه وقد نصح لعباده، وبلغ ما أرسل به (صلى الله عليه وآله)، وكنا أهله وأولياءه وأوصياءه وورثته واحق الناس بمقامه في الناس، فاستأثر علينا قومنا بذلك، فرضينا وكرهنا الفرقة، وأحببنا العافية، ونحن نعلم أنا أحق بذلك الحق المستحق علينا ممن تولاه، وقد احسنوا واصلحوا، وتحروا الحق، فرحمهم الله، وغفر لنا ولهم. وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله)، فإن السنة قد أميتت، وان البدعة قد أحييت، وان تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ». (1) وليس من شك ان قوله (عليه السلام) « وكنا
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ الطبري ج5 ص. .
«صفحة 310»
أهله وأولياءه وأوصياءه وورثته واحق الناس بمقامه » وقوله « ونحن نعلم أنا أحق بذلك الحق المستحق علينا ممن تولاه » يشير إلى النص والوصية وأولوية الاختصاص بحق الحكم، ولكن الرواة اضافوا إلى ذلك عبارة (عليه السلام) في الثناء على الخلفاء الثلاثة قوله « فاستأثر علينا قومنا بذلك فرضينا وكرهنا الفرقة… وقد احسنوا واصلحوا وتحروا الحق فرحمهم الله » وهذا الكلام واضح التزوير فان عليا (عليه السلام) لم يبايع من سبقه إلا كرها.
لقد اضاف الرواة هذا القول ليجعلوا الأولوية التي أشار إليها الحسين (عليه السلام) بقوله « وكنا. . أحق الناس بمقامه (صلى الله عليه وآله) » أولوية تفضيل وقد مر الكلام على ان اولوية اهل البيت(عليهم السلام) هي أولوية اختصاص في المورد الاول من الفصل الثاني.
«صفحة 311»
الحلقة الثالثة / الفصل الاول
المورد العاشر ـ علي بن الحسين (عليه السلام) والوصية
قوله: لم يوص الحسين الى ابنه الوحيد علي زين العابدين وانما اوصى الى اخته زينب.
اقول: روايات اهل البيت (عليهم السلام) تؤكد ان علي بن الحسين وارث ابيه ومقامه بوصية منه وبوصية من النبي (صلى الله عليه وآله).
«صفحة 312»
«صفحة 313»
نص الشبهة
قوله: « ولم يكن (الامام الحسين) يقدم اية نظرية حول (الامام المعصوم المعين من قبل الله) ولم يكن يطالب بالخلافة كحق شخصي له لأنه ابن الامام علي او انه معين من قبل الله. ولذلك فانه لم يفكر بنقل (الامامة) الى احد من ولده، ولم يوص الى ابنه الوحيد الذي ظل على قيد الحياة: (علي زين العابدين)، وانما اوصى الى اخته زينب او ابنته فاطمة، وكانت وصيته عادية جدا تتعلق باموره الخاصة، ولا تتحدث ابدا عن موضوع الامامة والخلافة » ص 19 وأيضا ص 60.
الرد على الشبهة
أقول:
1. اقول مرَّ في التعليق على المورد التاسع قول الحسين في كتابه إلى رؤساء الأخماس بالبصرة « أما بعد فأن الله اصطفى محمداً على خلقه… وكنا أهله وأولياءه وأوصياءه وورثته واحق الناس بمقامه في الناس » وهذا النص منسجم كل الانسجام مع قول أبيه علي (عليه السلام) في أهل البيت (عليهم السلام) « هم موضع سره ولجأ أمره… وفيهم الوصية والوراثة »(1).
2. لم يخرج الحسين (عليه السلام) مطالبا بالخلافة، وإنما خرج من المدينة ممتنعا عن بيعة يزيد آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر ثم استقر في مكة ولما عرض أهل الكوفة نصرته على جهاد الظالمين ووجد فيهم الشروط متوفرة هاجر إليهم لينطلق بهم في حركة الجهاد ضد الأمويين وشاء الله تعالى ان يحال بينه وبين أنصاره وان يسجن قسم منهم وان يقتل القسم الآخر بين يديه وان يكرمه الشهادة وان يجعل حبس النصر عنه لما هو
ـــــــــــــــــــــــ
(1) نهج البلاغة الخطبة رقم 2 وشرح النهج ج1/138.
«صفحة 314»
أرضى وكان الأمر كذلك فقد صارت شهادة الحسين باذن الله الباب الاوسع لحفظ الاسلام وحفظ حيوية الامة وسر قدرتها على النهوض في وجه الظالمين الى آخر الدنيا.
3. لقد كان التفاف أهل الكوفة حول الحسين (عليه السلام) امتداداً لالتفافهم حول أخيه الحسن (عليه السلام) ومن قبل أبيهما علي (عليه السلام) وقد بني هذا الالتفاف في عهد حكومة علي (عليه السلام) على أساس الأحاديث النبوية التي كانت قد كتمت في عهد الثلاثة ثم انتشرت في عهد علي (عليه السلام) كقوله (صلى الله عليه وآله) لما نزلت آية التطهير: « اللهم هؤلاء /أي علي وفاطمة والحسن والحسين وقد أدار الكساء عليهم / أهل بيتي وحامتي وخاصتي اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم وعدوٌ لمن عاداهم »(1).
وقوله (صلى الله عليه وآله) « حسين مني وأنا من حسين احب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط »(2).
والأسباط الذين عناهم النبي (صلى الله عليه وآله) إما هم المشار إليهم في قوله تعالى ﴿أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى﴾ البقرة/140 وهؤلاء هم يوسف والأئمة من ذريته أو هم المشار إليهم في قوله تعالى ﴿وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالحَقِ وَبِهِ يَعْدِلُونَ وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَىْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا﴾ الأعراف/159-160 وهم النقباء بعد موسى وهم يوشع بن نون، وولدا هارون والأئمة من ذريتهما وكلا الاحتمالين يؤدي الغرض لان الأسباط في كليهما هم الأحفاد الذين امتدت بهم الرسالة الإلهية بأمر الهي، ولكن الاحتمال الثاني هو الأقرب حيث شبَّه النبي (صلى الله عليه وآله) الأئمة بعده و عددهم بنقباء بني إسرائيل بعد موسى وعددهم كما
ـــــــــــــــــــــــ
(1) ذخائر العقبى ص58 اخرجه عن الغساني في معجمه عن ام سلمة.
(2) ذخائر العقبى ص 231، وقد أخرجه الترمذي وقال حسن، وأخرجه ايضا ابو حاتم في صحيحه (6971) واحمد في مسند 4/172 وابن ماجة (144) في المقدمة وابن عساكر في تاريخه (مختصره 7/120) والمزي في تهذيب الكمال (10/426-427) وايضا سير اعلام النبلاء 3/283، وتقريب صحيح ابن حبان 15/427 -428.
«صفحة 315»
في رواية ابن مسعود « اثنا عشر عدة نقباء بني إسرائيل »(1).
4. أما قوله « ولم يوصِ الحسين إلى ابنه الوحيد على زين العابدين وإنما أوصى إلى أخته زينب وابنته فاطمة وكانت وصية عادية جداً » هذا النفي منه محض ادعاء، لان الروايات عن أهل البيت (عليهم السلام) تؤكد ان أمر الإمامة عهد معهود من رسول الله (صلى الله عليه وآله) الى علي (عليه السلام) ثم إلى رجل فرجل الى ان ينتهي إلى القائم (عليه السلام) (2) وان كتب علي (عليه السلام) التي أملاها عليه النبي (صلى الله عليه وآله) وكتبها علي بيده صارت من بعد الحسين (عليه السلام) إلىولده علي بوصية منه، نعم لم يصطحبها الحسين (عليه السلام) معه لما خرج إلى مكة وإنما استودعها عند أم سلمة كما روى أبو بكر الحضرمي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: « ان الحسين صلوات الله عليه لما صار إلى العراق استودع أم سلمة رضى الله عنها الكتب والوصية فلما رجع علي بن الحسين (عليه السلام) دفعتها اليه »(3).
وفي بصائر الدرجات: عن معلى بن خنيس عن أبي عبد الله الإمام الصادق (عليه السلام) – قال: ان الكتب كانت عند علي (عليه السلام) فلما سار إلى العراق استودع الكتب أم سلمة فلما مضى علي كانت عند الحسن، فلما مضى الحسن كانت عند الحسين، فلما مضى الحسين كانت عند علي بن الحسين، ثم كانت عند أبي -الإمام الباقر-(4).
وفي الكافي عن سليم بن قيس قال: « شهدتُ وصية أمير المؤمنين حين أوصى إلى ابنه الحسن (عليه السلام) واشهد على وصيته الحسين ومحمداً وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته ثم دفع إليه الكتاب والسلاح وقال لابنه الحسن: يا بني امرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان أوصي إليك وان ادفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إلىَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ودفع إلىَّ كتبه وسلاحه، وأمَرَني ان آمرك إذا حضرك الموت ان تدفعها إلى أخيك الحسين ثم اقبل على ابنه الحسين، فقال له: وأمرك رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان تدفعها إلى ابنك هذا ثم اخذ بيد علي بن الحسين ثم قال لعلي بن الحسين: وأمرك رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان تدفعها إلى ابنك محمد بن علي واقرأه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومني السلام »(5).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) انظر اسانيده في الحلقة الثانية من شبهات وردود.
(2) انظر الحلقة الأولى الفصل الثاني.
(3) الكافي ج1/304.
(4) بصائر الدرجات ص 162، ص 167 ح 21.
(5) الكافي والوافى2/79.
«صفحة 316»
قال العلامة العسكري: « ما سلمه الإمام هنا إلى ابنه الحسن كتاب واحد وهو غير الكتب التي أودعها أم المؤمنين أم سلمة بالمدينة عند هجرته من المدينة، والتي تسلمها الإمام الحسن منها عند عودته إلى المدينة »(1).
وفي غيبة الشيخ الطوسي، ومناقب ابن شهر آشوب، والبحار: عن الفضيل قال:
« قال لي أبو جعفر الإمام الباقر (عليه السلام): لما توجه الحسين (عليه السلام) إلى العراق، دفع إلى أم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله) الوصية والكتب وغير ذلك، وقال لها: إذا أتاك اكبر ولدي فادفعي إليه ما دفعت إليك، فلما قتل الحسين (عليه السلام) أتى علي بن الحسين أم سلمة فدفعت إليه كل شىء أعطاها الحسين (عليه السلام) »(2).
وفي الكافي وأعلام الورى ومناقب ابن شهر آشوب والبحارواللفظ للأول، عن أبي بكر الحضرمي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: « ان الحسين (عليه السلام) لما سار إلى العراق استودع أم سلمة (رحمهم الله) الكتب والوصية، فلما رجع علي بن الحسين (عليه السلام) دفعتها إليه »(3).
قال العلامة العسكري: « وكان ذلك غير الوصية التي كتبها في كربلاء ودفعها مع بقية مواريث الإمامة إلى ابنته فاطمة فدفعتها إلى علي بن الحسين وكان يوم ذاك مريضاً لا يرون انه يبقى بعده »(4).
وفي الكافي واعلام الورى وبصائر الدرجات والبحار واللفظ للأول عن عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جده قال: « التفت علي بن الحسين إلى ولده وهو في الموت وهم مجتمعون عنده، ثم التفت إلى محمد بن علي بأنه، فقال: يا محمد! هذا الصندوق، فأذهب به إلى بيتك، ثم قال – أي علي بن الحسين- أما انه ليس فيه دينار ولا درهم ولكنه كان مملوء علماً »(5).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) معالم المدرستين ج2 ص 329
(2) غيبة الشيخ الطوسي ط تبريز سنة 1323 هجـ، ومناقب ابن شهر آشوب 4/172، والبحار 46/18، ح 3 وقد اخذنا اللفظ من الاخير.
(3) انظر اصول الكافي 1/304، واعلام الورى ص 152، والبحار 46/16، ومناقب ابن شهر آشوب 4/172. ابو بكر الحضرمي عبد الله بن محمد روى عن الامام الصادق (عليه السلام) قاموس الرجال 16/15.
(4) مالم المدرستين ج2 ص 330.
(5) اصول الكافي 1/305 ح2، واعلام الورى ص 260، وبصائر الدرحات باب 1ص44، والبحار 46/229 ح 1، والوفي 2/83. وعيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي ابن ابي طالب وقد يقال له: الهاشمي، روى عن الصادق قاموس الرجال 7/275-276.
«صفحة 317»
وفي بصائر الدرجات والبحار: عن عيسى بن عبد الله بن عمر، عن جعفر بن محمد – الإمام الصادق (عليه السلام) – قال: « لما حضر علي بن الحسين الموت قبل ذلك اخرج السفط أو الصندوق عنده فقال: يا محمد احمل هذا الصندوق، قال: فحُمِل بين أربعة رجال فلما توفي جاء اخوته يدَّعون في الصندوق، فقالوا: اعطنا نصيبنا من الصندوق، فقال: والله مالكم فيه شىء، ولو كان لكم فيه شىء ما دفعه إليَّ، وكان في الصندوق سلاح رسول الله وكتبه »(1).
وفي بصائر الدرجات عن زرارة عن أبي عبد الله قال: « ما مضى أبو جعفر حتى صارت الكتب إليَّ »(2).
وفيه – أيضا- عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله يقول: « ما مات أبو جعفر حتى قبض -أي ابو عبد الله- مصحف فاطمة »(3).
وفي الكافي وبصائر الدرجات: عن حمران عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: « سألته عما يتحدث الناس انه دُفِعَت إلى أم سلمة صحيفة مختومة فقال: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما قبض ورث علي (عليه السلام) علمه وسلاحه وما هناك، ثم صار إلى الحسن (عليه السلام)، ثم صار إلى الحسين (عليه السلام) فلما خشينا ان نغشى استودعها أم سلمة ثم قبضها بعد ذلك علي بن الحسين (عليه السلام). قال: فقلت: نعم ثم صار إلى أبيك، ثم انتهى إليك وصار بعد ذلك إليك؟ قال نعم ».
وعن عمر بن أبان: قال: « سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عما يتحدث الناس انه دفع إلى أم سلمة صحيفة مختومة، فقال: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما قبض ورث علي (عليه السلام) علمه وسلاحه وما هناك ثم صار إلى الحسن (عليه السلام)، قال: قلت ثم صار إلى علي بن الحسين ثم
ـــــــــــــــــــــــ
(1) اصول الكافي 1/305 ح 1/ بصائر الدرجات ج4 باب 4 ص 165 واعلام الورى ص 260 والبحار 46/229.
(2) بصائر الدرجات ص 158، وراجع ص 186، 180 و181. زرارة ابو الحسن واسمه عبد ربه ابن اعين مولى بني شيبان بكوفي روى عن الامام الصادق (ت: 150 هـ () قاموس الرجال 4/154.
(3) بصائر الدرجات ص 158.
«صفحة 318»
صار إلى ابنه ثم انتهى إليك فقال: نعم »(1).
اقول: ويؤكد مسألة وجود تراث علمي خاص ورثه الصادق (عليه السلام) عن أبيه الباقر عن أبيه علي زين العابدين عن أبيه الحسين عن أخيه الحسن عن أبي علي (عليه السلام) ما ذكره ابن عدي قال: « ولجعفر بن محمد حديث كبير عن أبيه عن جابر وعن أبيه عن آبائه ونسخا لأهل البيت يرويه جعفر بن محمد »(2).
وليس من شك ان الميراث العلمي هذا والذي يتقرر صاحبه بالوصية الإلهية هو المشار اليه في قوله تعالى ﴿وَ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْك مِنَ الكِتَابِ هُوَ الحَقُّ مُصَدِقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ الله بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ*ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سَابِقٌ بِالخَيْرَاتِ بِإِذْنِ الله ذَلِك هُوَ الفَضْلُ الكَبِيرُ﴾ فاطر/31-32.
ان الآية تقرر بصراحة ان الكتاب الإلهي وبيانه الإلهي من خلال قول النبي وفعله وتقريره يكون ميراثاً خاصاً بوصية إلهية للمصطفين من عباد الله من أتباع محمد (صلى الله عليه وآله) إلى يوم القيامة وهؤلاء المصطفون هم فئة خاصة وهم أهل البيت الذين طهرهم الله تعالى واذهب عنهم الرجس وجعلهم النبي (صلى الله عليه وآله) عدلاً للقرآن في حديثه المعروف بحديث الثقلين وجعل التمسك بهما معاً أمانا وعصمة من الضلالة.
وتقرر الآية أيضا ان هؤلاء المصطفين الوارثين جعلهم الله تعالى أئمة هدى بعد الرسول (صلى الله عليه وآله).
ان هذه الوراثة الخاصة للكتاب الالهي وعلومه من قبل اهل البيت (عليه السلام) وجعلهم ائمة هدى نظير وراثة آل هارون لكتاب موسى وعلومه وجعلهم ائمة بعد موسى.
قال الله تعالى ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَة مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بآيَاتِنَا يُوقِنُونَ، إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ السجدة/23-25
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي كتاب الحجة ح3/48 والوافي 2/133 وبصائر الدرجات 177، 186، 188 وقد اخذنا روايات هذه التعليقة من كتاب معالم المدرستينج2/329-332.
(2) الكامل في الضعفاء ومثله ابن حجر في تهذيب التهذيب.
«صفحة 319»
وقال تعالى ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ البقرة/248 أئمة بعد موسى.
«صفحة 320»
«صفحة 321»
الحلقة الثالثة / الفصل الاول
المورد الحادي عشر ـ حديث النبي (صلى الله عليه وآله): من جاءكم يريد ان يتولى من غير مشورة فاقتلوه
قوله: لقد كان ائمة اهل البيت يعتقدون بحق الامة في اختيار اوليائها، وادانة الاستيلاء بالقوة
اقول: بل كان ائمة اهل البيت يعتقدون بالمبدأ القرآني للحكم الذي يشخص:
« ان الحكم للنبي ثم الوصي ثم الفقيه العادل »
﴿إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَانِيًًّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ الله﴾ المائدة
وقد بحثنا الآية مفصلا في الحلقة الثانية الفصل الأول
وفي ضوء هذا المبدأ فان الآئمة (عليهم السلام) يدينون استيلاء غير هؤلاء على الحكم
قال علي (عليه السلام): انا اولى الناس بالناس من قميصي هذا
وقال أيضا: لو وجدت اربعين ذوي عزم لناهضت القوم
«صفحة 322»
«صفحة 323»
نص الشبهة
قوله: « لقد كان أئمة اهل البيت يعتقدون بحق الامة الأسلامية في اختيار اوليائها وبضرورة ممارسة الشورى، وادانة الاستيلاء على السلطة بالقوة. ولعلنا نجد في الحديث الذي يرويه الصدوق في (عيون اخبار الرضا) عن الامام الرضا عن ابيه الكاظم عن ابيه جعفر الصادق عن ابيه محمد الباقر عن علي بن الحسين عن الحسين بن علي عن ابيه عن جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) والذي يقول فيه: “من جاءكم يريد ان يفرق الجماعة ويغصب الامة امرها ويتولى من غير مشورة فاقتلوه، فان الله عزوجل قد اذن بذلك” لعلنا نجد في هذا الحديث افضل تعبير عن ايمان اهل البيت بالشورى والتزامهم بها، واذا كانوا يدعون الناس الى اتباعهم والانقياد اليهم فانما كانوا يفعلون ذلك ايمانا بأفضليتهم واولويتهم بالخلافة في مقابل “الخلفاء” الذين كانوا لا يحكمون بالكتاب ولا يقيمون القسط ولا يدينون بالحق » ص 4421.
الرد على الشبهة
أقول:
1. ان كان يريد بأهل البيت (عليهم السلام) المصطلح الإسلامي الذي يفيد انهم علي والحسن والحسين والتسعة من ذرية الحسين (عليه السلام) فان ما نسبه اليهم غير صحيح لان قولهم الوصية والنص القرآني الذي يحدد حق الحكم للنبي والوصي والفقيه العادل وقد بحثناه مفصلا قي الحلقة الثانية الفصل الأول.
2. قوله « ان أهل البيت يدينون الاستيلاء على السلطة بالقوة »، ان كان يريد البيعة على الحكم في مرحلتها الأولى فهو صحيح اما اذا كان يريد البيعة على الجهاد ودفع الغاصبين فهو غير صحيح وقد مر بيانه.
«صفحة 324»
3. ثم ان الحديث الذي استشهد به على فرض صحة صدوره عن الإمام (عليه السلام) له عدة معان:
الأول: ان يريد الرسول (صلى الله عليه وآله) بالجماعة، الجماعة بعد أي بيعة تحققت سواء كان المبايع هو المنصوص عليه أم لا.
الثاني: ان يريد بالجماعة الجماعة بعد البيعة المشروعة حيث اجتمع أهل السابقة والجهاد على المنصوص عليه شرعا.
الثالث: ان يريد بالجماعة الأمة قبل البيعة حيث الأمة واحدة بلحاظ الكتاب والسنة.
وليس من شك ان الاحتمال الأول لا يريده الإمام الرضا (عليه السلام) لما عرف عنه بالضرورة ان مذهبه مذهب آبائه وهو القول بالوصية والنص ووجوب مجاهدة المغاصبين لو وجد صاحب الحق الشرعي عدة كافية من الانصار، كما اثر عن علي (عليه السلام) قوله: « انا اولى بالناس من قميصي هذا » وقوله: « لو وجدت اربعين دوي عزم لناهضت القوم ».
يبقى المعنى الثاني والثالث كلاهما محتمل وكلاهما لا يؤيد دعوى (الاستاذ احمد الكاتب).
لان المعنى الثاني، يريد بالجماعة الجماعة التي بايعت المنصوص عليه، وفي ضوئه فان الذي يقوم في وجه هذه الجماعة وجب قتاله ومن هنا قاتل علي (عليه السلام) اهل الجمل واهل صفين.
والمعنى الثالث: يريد بالجماعة الامة قبل البيعة وهي واحدة بلحاظ الكتاب والسنة وامرها وشأنها كأمة مؤمنة بالكتاب والسنة ان تبايع من نصبه واراده الكتاب والسنة فاذا اكرهت على بيعة شخص لم يرده الكتاب والسنة تكون قد غصب امرها وحقها، وفي مثل هذه الحالة يجب قتال المتولي غير القانوني ومن هنا قال علي (عليه السلام) « لو وجدت اربعين ذوي عزم لقاتلت القوم » وذلك لان اهل السقيفة فرضوا على الامة شخصاً في قبال من عينه الله ورسوله، ولما لم يجد هذه العدة استجاب للبيعة بعد الاكراه والاستضعاف.
«صفحة 325»
4. أما قول الاستاذ الكاتب: « وإذا كان أهل البيت (عليهم السلام) يدعون الناس الى اتباعهم والانقياد اليهم فانما كانوا يفعلون ذلك ايمانا بافضليتهم واولويتهم بالخلافة » فهو يريد ان حق أهل البيت (عليهم السلام) في الحكومة إنما هو حق أفضلية وليس حق اختصاص، وقد مرَّ الكلام في إبطال هذا المعنى من الأولوية الحكم فى حقهم وقلنا هناك ان أحقية أهل البيت (عليهم السلام) واولويتهم بالحكومة إنما هي أحقية واولوية اختصاص.
«صفحة 326»
«صفحة 327»
الحلقة الثالثة / الفصل الاول
المورد الثاني عشر ـ عقيدة الأجيال الأولى من الشيعة بالإمامة
قوله: النوبختي يقول: كانت اجيال من الشيعة الاول تقول ان عليا اولى الناس ومع ذلك اجازوا امامة ابي بكر.
وان عبد الله بن الحسن يقول: “ليس لنا في هذا الامر ما ليس لغيرنا” وان اخاه الحسن يقول: “لو كان يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقوله في الغدير الإمرة لا فصح لهم”
اقول: والنوبختي يقول ايضا: وهناك أجيال من الشيعة الاوائل يقولون: ان عليا مفروض الطاعة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا يجوز لهم غيره.
وان الصادق (عليه السلام) كان يندد بالحسن بن الحسن بن الحسن.
«صفحة 328»
«صفحة 329»
نص الشبهة
قوله: « وتبعا لمفهوم (الاولوية) قالت اجيال من الشيعة الاوائل، وخاصة في القرن الاول الهجري:
“ان عليا كان اولى الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لفضله وسابقته وعلمه، وهو افضل الناس كلهم بعده واشجعهم واسخاهم واورعهم وأزهدهم. واجازوا مع ذلك امامة ابي بكر وعمر وعدوهما اهلا لذلك المكان والمقام، وذكروا ان عليا سلم لهما الامر ورضي بذلك وبايعهما طائعا غير مكره وترك حقه لهما، فنحن راضون كما رضي المسلمون له، ولمن بايع، لا يحل لنا غير ذلك ولا يسع منا احدا الا ذلك، وان ولاية ابي بكر صارت رشدا وهدى لتسليم علي ورضاه”.
بينما قالت فرقة اخرى من الشيعة:
“ان عليا افضل الناس لقرابته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولسابقته وعلمه ولكن كان جائزا للناس ان يولوا عليهم غيره اذا كان الوالي الذي يولونه مجزئا، أحب ذلك او كرهه، فولاية الوالي الذي ولوا على انفسهم برضى منهم رشد وهدى وطاعة لله عزوجل، وطاعته واجبة من الله عزوجل “.
وقال قسم آخر منهم: “ان امامة علي بن الي طالب ثابتة في الوقت الذي دعا الناس واظهر امره”.
و قد قيل للحسن بن الحسن بن علي الذي كان كبير الطالبيين في عهده وكان وصي ابيه وولي صدقة جده: « ألم يقل رسول الله: من كنت مولاه فعلي مولاه؟ فقال: بلى ولكن – والله – لم يعن رسول الله بذلك الامامة والسلطان، ولو اراد ذلك لأفصح لهم به.
وكان ابنه عبد الله يقول: “ليس لنا في هذا الامر ما ليس لغيرنا، و ليس في احد
«صفحة 330»
من اهل البيت امام مفترض الطاعة من الله، وكان ينفي امامة اميرالمؤمنين انها من الله.
مما يعني ان نظرية النص وتوارث السلطة في اهل البيت فقط، لم يكن لها رصيد لدى الجيل الاول من الشيعة، ومن هنا فقد كانت نظرتهم الى الشيخين ابي بكر وعمر نظرة ايجابية، اذ لم يكونوا يعتبرونهما “غاصبين” للخلافة التي تركها رسول الله (صلى الله عليه وآله) شورى بين المسلمين ولم ينص على أحد بالخصوص. وهذا ما يفسر أمر الامام الصادق لشيعته بتوليهما.
الرد على الشبهة
اقول:
يقال للاستاذ الكاتب ان المقولة التي نقلتها ونسبتها إلى أجيال من الشيعة الأوائل إنما هي مقولة أوائل البترية من الزيدية.
وفي قبال مقولتهم مقولة شيعة أوائل أيضا تبعا لمفهوم أولوية الاختصاص كانوا يقولون: « ان علي ابن أبي طالب إمام ومفروض الطاعة من الله ورسوله بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) يجب على الناس القبول منه والأخذ منه ولا يجوز لهم غيره، من أطاعه أطاع الله ومن عصاه عصى الله لما أقامه رسول الله علما لهم وأوجب إمامته وموالاته وجعله أولى بهم منهم بأنفسهم، والذي وضع عنده من العلم ما يحتاج إليه الناس من الدين والحلال والحرام وجميع منافع دينهم ودنياهم ومضارها وجمع العلوم كلها جليلها ودقيقها واستودعه ذلك كله واستحفظه إياه، وانه استحق الإمامة ومقام النبي (صلى الله عليه وآله) لعصمته وطهارة مولده وسبقه وعلمه وشجاعته وجهاده وسخائه وزهده وعدالته في رعيته، وان النبي (صلى الله عليه وآله) نص عليه وأشار إليه، باسمه ونسبه، وعينه وقلد الأمة إمامته وإقامة ونصبه لهم علما، وعقد له عليهم إمرة المؤمنين، وجعله وصيه وخليفته ووزيره في مواطن كثيرة، اعلمهم ان منزلته منه منزلة هارون من موسى، إلا انه لا نبي بعده، وإذ جعله نظير نفسه في حياته، وانه أولى بهم بعده، كما كان هو (صلى الله عليه وآله) أولى بهم منهم بأنفسهم ».
«صفحة 331»
قال النوبختي والاشعري: « فلم تزل هذه الفرقة ثابتة قائمة لازمة لإمامته وولايته على ما ذكرنا ووصفنا إلى ان قتل صلوات الله عليه »(1).
وقد المح الاستاذ الكاتب إلى قول هذه الفئة من الشيعة في الفصل الثاني من الجزء الأول ولكنه سماها بـ (الفئة السبئية) وقال عنها « أنها جماعة قليلة من الشيعة في عهد الإمام علي وان الإمام نفسه قد رفض مقولتهم وزجرهم » (ص 25) وسيأتي التعليق عليه.
2. أما ما نسبه إلى الحسن بن الحسن بن علي (عليه السلام) من كلام فهو جزء رواية رواها ابن عساكر تحت ترجمة الحسن بن الحسن بن علي (عليه السلام) غير أنها للحسن بن الحسن بن الحسن.
قال الفضيل بن مرزوق: سمعت الحسن بن الحسن أخا عبد الله بن الحسن يقول لرجل من الرافضة « ولو كان الأمر كما تقولون ان الله ورسوله اختار عليا لهذا الأمر والقيام على الناس بعده، ان كان علي لأعظم الناس في ذلك خطيئة وجرما في ذلك ان ترك أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان يقوم فيه كما أمره أو يعذر فيه إلى الناس.
فقال الرافضي ألم يقل رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (من كنت مولاه فعلي مولاه).
قال أم والله، ان لو يعني رسول الله بذلك الإمرة والسلطان والقيام على الناس لأفصح لهم بذلك كما افصح لهم بالصلاة والزكاة وصيام رمضان وحج البيت وقال لهم أيها الناس ان هذا ولي أمركم بعدي فاسمعوا له وأطيعوا »(2).
والحسن بن الحسن بن الحسن أخو عبد الله بن الحسن هو الذي قال فيه الصادق (عليه السلام) كما في خبر الاحتجاج للطبرسي: « ان الحسن لو توفي بالزنا وشرب الخمر كان خيراً مما توفي عليه ».
وفي خبر الاحتجاج أيضا عن ابن أبي يعفور قال: « لقيت أنا والمعلى الحسن بن الحسن فقال يا يهودي فاخبرنا بما قال جعفر بن محمد (عليه السلام) فقال: هو والله
ـــــــــــــــــــــــ
(1) 07: 10 ص.
(2) مختصر تاريخ دمشق ج6/329-333، تاريخ دمشق ج13 وقد خلط ابن عساكر في الروايات بين الحسن بن الحسن بن علي والحسن بن الحسن بن الحسن بن علي، ولعل الخلط من الناسخ.
«صفحة 332»
أولى باليهودية منكما ان اليهودي من شرب الخمر »(1).
وقد روى ابن عساكر عن فضيل بن مرزوق قال: « سمعت الحسن بن الحسن يقول لرجل من الرافضة: والله ان قتلك لقربة إلى الله عز وجل، فقال له الرجل: انك تمزح! فقال: والله ما هذا بمزاح ولكنه مني الجد »(2).
وفيه أيضا عن فضيل بن مرزوق قال: « سمعت الحسن بن الحسن يقول لرجل من الرافضة: والله لئن أمكننا الله منكم لنقطعن أيديكم وأرجلكم ثم لا تقبل منكم توبة »(3).
وقد روى ابن عساكر في ترجمة عبد الله بن الحسن بن الحسن روايات تكشف عن وحدة موقف بينهما من الرافضة.
فقد روى عن أبي بكر بن عياشعن سليمان بن قرم قال: « قلت لعبد الله بن الحسن في أهل قبلتنا كفار؟ قال نعم، الرافضة.
وروى عن أبي خالد الأحمر قال سألت عبد الله بن الحسن عن أبي بكر وعمر فقال صلى الله عليهما ولا صلى على من لم يصل عليهما ».
وروى عن عمار بن زريق عن عبد الله بن الحسن قال: « ما أرى رجلا يسب أبا بكر وعمر تيسر له توبة أبدا ».
وروى عن شبابة عن حفص بن قيس قال: « سألت عبد الله بن الحسن عن المسح على الخفين؟ فقال امسح فقط مسح عمر بن الخطاب، فقلت إنما أسألك أنت أتمسح؟ قال ذلك اعجز لك حين أخبرك عن عمر وتسألني عن رأيي فعمر كان خير مني وملء الأرض مثلي، قلت يا أبا محمد ان ناساً يقولون ان هذا منكم تقية فقال لي ونحن بين القبر والمنبر: اللهم ان هذا قولي في السر والعلانية فلا تسمعن قول أحد بعدي، ثم قال هذا الذي زعم ان عليا كان مقهوراً وان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمره بأمر فلم ينفذه فكفى بهذا إزراء على علي (عليه السلام) ومنقصة ان يزعم قوم ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمره بأمر فلم ينفذه »(4).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) قاموس الرجال ترجمة الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي (عليه السلام) وترجمة الحسن بن الحسن بن علي (عليه السلام) ، قال التستري رح والمراد بشربه الخمر النبيذ الذي هو خمر عند ائمتنا (عليهم السلام) ويحله غيرهم.
(2) مختصر تاريخ دمشق ج6/331.
(3) مختصر تاريخ دمشق ج6 /332.
(4) تاريخ دمشق ج27 ترجمة عبد الله بن الحسن بن الحسن ص 373-376.
«صفحة 333»
وروى الصفار في بصائر الدرجات عن علي بن سعيد وكان عند الصادق (عليه السلام) « ان رجلا قال له: جعلت فداك ان عبد الله بن الحسن يقول ليس لنا في هذا الأمر ما ليس لغيرنا؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام) بعد كلام: أما تعجبون من عبد الله يزعم ان أباه علي لم يكن إماما ويقول انه ليس عندنا علم، وصدق والله ما عنده علم ولكن والله وأهوى بيده إلى صدره ان عندنا سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسيفه ودرعه وعندنا والله مصحف فاطمة ما فيه آية من كتاب الله وانه لإملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخط علي بيده »(1).
قال العلامة التستري رح: « ونقل البحار عن (الإقبال) تصديه للاعتذار لآبائه بني الحسن ولهذا (اي لعبد الله بن الحسن) فأورد كتاب الصادق (عليه السلام) إليه تسلية له عند حمله وأهل بيته ذاكرا في عنوان المكتوب (إلى الخلف الصالح والذرية الطيبة من ولد أخيه وابن عمه) ثم أورد المكتوب وقال اشتملت هذه التعزية على وصف عبد الله بالعبد الصالح والدعاء له ولبني عمه بالسعادة وهذا يدل على ان جماعة المحمولين كانوا عند مولانا الصادق معذورين وممدوحين ومظلومين وبحقه عارفين، وقد يوجد في الكتب انهم كانوا للصادق مفارقين وذلك محتمل للتقية لئلا ينسب اظهارهم لإنكار المنكر إلى الأئمة ثم ساق أخبارا كثيرة مؤيدة لما ذكره من عذرهم ومعرفتهم واعتراف عبد الله بان ولده ليس هو المهدي الموعود وتصديقه للصادق (عليه السلام) بان المهدي من ولده ونقل رواية عن الصادق عن أبيه عن فاطمة بنت الحسين (عليه السلام) أنها سمعت أباها يقول (يقتل منك أو يصاب منك بشط الفرات ما سبقهم الأولون ولا يعدلهم الآخرون) وهؤلاء المقتولون منهم عبد الله وهو رأسهم وشيخ بني هاشم. قال (المصنف) (2) كلما أمعنت النظر في أخبار المدح والقدح لم اهتد إلى وجه جميع ».
وقال العلامة التستري (رحمهم الله) ايضا: « بل أخبار القدح مستفيضة وأخبار المدح شاذة ومن طرق الزيدية، وقرر القادحة القدماء فرواها محمد بن الحسن الصفار ومحمد بن يعقوب الكليني ونظرؤهما عن الائمة ساكتين عن تأويلها، والتاريخ أيضا يعضدها، ولم تنحصر الأخبار بما نقل بل لو أريد الاستقصاء لطال الكلام، وقد رويت عنه أمور
ـــــــــــــــــــــــ
(1) بصائر الدرحات ص 253 ومثله في 156، 160.
(2) يريد العلامة المامقاني (رحمهم الله) صاحب كتاب تنقيح المقال.
«صفحة 334»
منكرة فوق عدم استبصاره ففي خبر انه قال للصادق (عليه السلام) ان الحسين كان ينبغي له إذا عدل ان يجعلها في الاسن من ولد الحسن، وروى الطبري في ذيله بإسناده عن سليمان بن قرم قال قلت لعبد الله بن الحسن أفي قبلتنا كفار قال نعم الرافضة، وقال ابن قتيبة روى عبد الله بن الحسن يوما يمسح على خفيه فقال مسح عمر ومن جعله بينه وبين الله فقد استوثق »(1).
3: قوله: « ومن هنا فقد كانت نظرتهم -أي اهل البيت- الى الشيخين ابي بكر وعمر نظرة ايجابية إذ لم يعتبروهما غاصبين للخلافة…، وهذا يفسر امر الامام الصادق (عليه السلام) لشيعته بتوليهما ».
اقول: ان كان يريد بـ(اهل البيت) الائمة المعصومين فقد اخطأ القول فيما نسب اليهم، وذلك لان موقفهم (عليهم السلام) منهما هو موقف ابيهم علي (عليه السلام) وجدتهم الزهراء (عليه السلام).
اما موقف ابيهم علي (عليه السلام) فقد اتضح من خلال اقواله التي نقلناها عنه فيما مضى كقوله (عليه السلام) في خطبته المعروفة بالشقشقية « اما والله لقد تقمصها ابن ابي قحافة وانه ليعلم ان محلي منها محل القطب من الرحا… وطفقت ارتئي بين ان اصول بيد جذاء او اصبر على طخية عمياء… فرأيت ان الصبر على هاتا احجى » وقوله (عليه السلام) « اللهم اني استعديك على قريش… فنظرت فاذا ليس لي رافد ولا ذاب ولا مساعد الا اهل بيتي فضننت بهم عن المنية… وصبرت من كظم الغيظ على امر من العلقم وآلم للقلب من حز الشفار » وقوله (عليه السلام) « لو وجدت اربعين ذوي عزم لناهضت القوم » ولازم هذه الأقوال انهما اغتصبا حقه، وكان يرى استرجاع حقه بالقوة لو كانت له قوة.
اما موقف جدتهم الزهراء (عليه السلام): فهو واضح من خلال ما ثبت عنها انها غضبت عليهما ثم اصرت على ابراز غضبها هذا عليهما حتى بعد موتها حيث اوصت ان لا يشهدا جنازتها وان لا يصليا عليها وان تدفن ليلا حرصا على تحقيق ذلك، وقد نفذ علي (عليه السلام) وصيتها ودفنها ولم يؤذن ابا بكر بدفنها.
روى البخاري عن الزهري عن عروة عن عائشة « ان فاطمة (عليه السلام) وجدت على ابي
ـــــــــــــــــــــــ
(1) قاموس الرجال ترجمة عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي (عليه السلام)
«صفحة 335»
بكر فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت… دفنها زوجها علي (عليه السلام) ليلا ولم يؤذن بها ابا بكر وصلى عليها »(1).
قال العيني وابن حجر في شرح البخاري(2): « قوله: (ليلا) أي في الليل وذلك بوصية منها لارادة الزيادة في التستر ».
اقول:
ليس الامر كذلك بل حرصا على ان لا يشهداها ويصليا عليها بقرينة ان عليا (عليه السلام) لم يُعلِمْ ابا بكر بها.
وفي دلائل الامامة للطبري عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: « لما دخلا عليها قالا لها: كيف انت يا بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت بخير والحمد لله. ثم قالت لهما: اما سمعتما النبى (صلى الله عليه وآله) يقول فاطمة بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد اذى الله؟ قالا: بلى، قالت: والله لقد آذيتماني فخرجا من عندها وهي ساخطة عليهما »(3).
وفي رواية زرارة عن الباقر (عليه السلام) « ان زيداً لما قال له سالم بن ابي حفصة وكثير النوا وابو الجارود انهم يتولون ابا بكر وعمر ويتبرءون من اعدائهم قال لهم زيد ويلكم أتتبرءون من فاطمة؟ بترتم امرنا بتركم الله فيومئذ سموا البترية »(4).
وقد سئل الرضا (عليه السلام) عن الشيخين فقال: « كانت لنا امة بارة خرجت من الدنيا وهي عليهما غضبى ونحن لانرضى حتى ترضى »(5).
اما ما نسب الى الباقر والصادق (عليه السلام) من روايات الترضي والتولي فهي من باب التقية في العهد الاموي اما مانسب الى علي (عليه السلام) فهي روايات موضوعة عليه في العهد العباسي نرجىء بحثها الى فرصة قادمة.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) صحيح البخاري كتاب المغازي باب غزوة خيبر، وباب قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) (لا نورث) ، وصحيح مسلم كتاب الجهاد والسير، ومشكل الآثار ج1: 48، وتاريخ الطبري ج3: 208.
(2) عمدة القاري ج17/259، فتح الباري 9/34.
(3) بحار الانوار ج43/170.
(4) قاموس الرجال ج4/599.
(5) القاب النبي وعترته ضمن مجموعة نفيسة ص44، والطرائف لابن طاووس ص252.
«صفحة 336»
«صفحة 337»
الحلقة الثالثة / الفصل الاول
المورد الثالث عشر ـ الاشعري واخبار عبد الله بن سبأ
قوله: يسجل المؤرخون الشيعة الاوائل النوبختي والاشعري والكشي أول تطور ظهر في صنوف الشيعة على يد عبد الله بن سبأ
اقول: بل سجله الاشعري فقط وقد اخذ ذلك عن غير الشيعة وعنه اخذ الكشي وغيره
«صفحة 338»
«صفحة 339»
نص الشبهة
قوله: « يسجل المؤرخون الشيعة الامامية الاوائل: (النوبختيوالاشعري القمي والكشى) اول تطور ظهر في صفوف الشيعة في عهد الامام اميرالمؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) على يدي المدعو (عبدالله بن سبأ) الذي يقولون: انه كان يهوديا واسلم، والذي يقول النوبختي عنه: انه اول من شهر القول بفرض امامة علي، وكان يقول في يهوديته بيوشع بن نون وصيا لموسى فقال كذلك في اسلامه في علي بعد رسول الله، واظهر البراءة من اعدائه وكاشف مخالفيه واظهر الطعن على ابي بكر وعمر وعثمان والصحابة.
وسواء كان عبد الله بن سبأ شخصية حقيقية أم اسطورية فان المؤرخين الشيعة يسجلون بوادر ظهور اول تطور فى الفكر السياسي الشيعي اعتمادا على موضوع (الوصية) الروحية والشخصية، الثابتة من الرسول الاكرم الى الامام علي، واضفاء المعنى السياسي عليها، وذلك قياسا على موضوع (الوصية) من النبي موسى (عليه السلام) الى يوشع بن نون وتوارث الكهانة في ابناء يوشع.
ومع ان هذا القول كان ضعيفا ومحصورا في جماعة قليلة من الشيعة في عهد الامام علي، وان الامام نفسه قد رفضه بشدة وزجر القائلين به، الا ان ذلك التيار وجد في تولية معاوية لابنه يزيد من بعده ارضا خصبة للنمو والانتشار، ولكن المشكلة الرئيسية التي واجهته هو عدم تبني الامام الحسن والحسين له واعتزال الامام على بن الحسين عن السياسة، مما دفع القائلين به الى الالتفاف حول محمد بن الحنفية باعتباره وصي امير المؤمنين ايضا، خاصة بعد تصديه لقيادة الشيعة في اعقاب مقتل الامام الحسين، وقد اندس السبئية في الحركة الكيسانية التي انطلقت للثأر من مقتل الامام
«صفحة 340»
الحسين بقيادة المختار بن عبيدة الثقفي »(1).
الرد على الشبهة
اقول:
1. اقول دار جدل في الأوساط العلمية الشيعية حول كتابَيْ (المقالات والفرق) و(فرق الشيعة) هل هما نسختان لكتاب واحد ومؤلف واحد أو هما كتابان لمؤلفين مختلفين والاتجاه الراجح هو الأول وهو الحق، ويبقى الكلام حول المؤلف من هو؟
وقد ذهب الأستاذ عباس إقبال الاشتياني انه تأليف سعد بن عبد الله الاشعري المعاصر للنوبختي وقد كتب رأيه هذا قبل العثور على كتاب المقالات والفرق للاشعري الذي نشره الدكتور جواد مشكور، وبعد ان انتشر الكتابان كتب السيد محمد رضا الحسيني مقالا نشره في مجلة تراثنا العدد الأول السنة الأولى 1405 ص 29-51 يؤيد فيه رأي الاشتياني وذهب إلى ان كتاب فرق الشيعة المطبوع باسم النوبختي هو نسخة مختصرة من كتاب (المقالات والفرق) لـ (سعد الاشعرى) (2).
2. ما ذكره الكشي عن ابن سبأ أمران:
الأول: خمس روايات رواها الكشي عن محمد بن قولويه عن سعد بن عبد الله الاشعري عن رواة شيعة ينتهي سند احداها إلى علي بن الحسين (عليه السلام) والاخرى إلى الباقر (عليه السلام) وثلاث إلى الإمام الصادق (عليه السلام) وهذه الروايات تدور حول قضية واحدة هي ادعاء ابن سبأ الربوبية في علي (عليه السلام)، وكون علي (عليه السلام) احرق ابن سبأ لأجل ذلك(3).
الثاني: قوله (أي الكشي) « وذكر بعض أهل العلم ان عبد الله بن سبأ كان يهودياً فاسلم ووالى عليا (عليه السلام) وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصي موسى بالغو، فقال في إسلامه بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في علي (عليه السلام) مثل ذلك وكان أول من شهر بالقول بفرض إمامة علي واظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه وأكفرهم.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تطور الفكر السياسي الشيعي ص25.
(2) انظر شبهات وردود الحلقة الاولى ص 25.
(3) انظر اختيار معرفة الرجال الروايات (170، 171، 173، 174 وهذه الاخيرة جزء من رواية رقم 549) .
«صفحة 341»
فمن هيهنا قال من خالف الشيعة اصل التشيع والرفض مأخوذ من اليهودية »(1).
اقول: وهذا القول بنصه هو جزء مما أورده سعد الاشعري في كتابه المقالات وفيما يلي كل ما أورده سعد الاشعري في كتابه.
قال سعد الاشعري في كتابه المقالات والفرق:
« فلما قتل علي صلوات الله عليه افترقت الأمة التي أثبتت له الإمامة من الله ورسوله فرضا واجبا فصاروا فرقاً ثلاثة:
فرقة منها قالت:
ان عليا لم يقتل ولم يمت ولا يموت حتى يملك الأرض ويسوق العرب بعصاه ويملأ الأرض قسطاً وعداً كما ملئت ظلما وجوراً.
وهي أول فرقة قالت في الإسلام بالوقف بعد النبي من هذه الأمة. وأول من قال بينها بالغلو. وهذه الفرقة تسمى السبائية أصحاب عبد الله بن سبأ، وهو عبد الله بن وهب الراسبي الهمداني وساعده على ذلك عبد الله بن حرس وابن اسود وهما من اجلة أصحابه.
وكان أول من اظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم.
وادعى ان عليا عليه السلام أمره بذلك، وان التقية لا تجوز ولا تحل، فاخذه علي فسأله عن ذلك فاقرَّ به وامر بقتله. فصاح الناس اليه من كل ناحية يا أمير المؤمنين أتقتل رجلا يدعو إلى حبكم أهل البيت وإلى ولايتك والبراءة من أعدائك فسيره على إلى المدائن.
وحكى جماعة من أهل العلم ان عبد الله بن سبأ كان يهوديا فاسلم ووالى عليا، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نونوصى موسى بهذه المقالة، فقال في إسلامه بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في علي بمثل ذلك. وهو أول من شهر بالقول بفرض إمامة علي بن أبي طالب، واظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه وأكفرهم.
فمن هاهنا قال من خالف الشيعةان اصل الرفض مأخوذ من اليهودية.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) اختيار معرفة الرجال تصحيح وتعليق ميرداماد تحقيق السيد مهدي الرجائي ج 1/324. وايضا تحقيق وتعليق حسن المصطفوي ص 108.
«صفحة 342»
ولما بلغ ابن سبأ وأصحابه نعي علي وهو بالمدائن وقدم عليهم راكب فسأله الناس. فقال ما خبر أمير المؤمنين قال ضربه اشقاها ضربة قد يعيش الرجل من اعظم منها ويموت من وقتها، ثم اتصل خبر موته فقالوا للذي نعاه كذبت يا عدو الله أو جئتنا والله بدماغه في صرة فأقمت على قتله سبعين عدلا ما صدقناك، ولعلمنا انه لم يمت ولم يقتل. وانه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ويملك الأرض(1).
ثم مضوا يومهم حتى اناخوا بباب علي فاستأذنوا عليه استئذان الواثق بحياته الطامع في الوصول إليه، فقال لهم من حضره من أهله وأصحابه وولده سبحان الله ما علمتم ان أمير المؤمنين قد استشهد قالوا أنا لنعلم انه لم يقتل ولا يموت حتى يسوق العرب بسيفه وسوطه كما قادهم بحجته وبرهانه. وانه ليسمع النجوى ويعرق تحت الدثار الثقيل ويلمع في الظلام كما يلمع السيف الصقيل الحاسم.
فهذا مذهب السبائية ومذهب الحربية وهم أصحاب عبد الله بن سبأ واصحاب عمر بن الحرب الكندي في علي (عليه السلام). وقالوا بعد ذلك في علي انه اله العالمين وانه توارى عن خلقه سخطاً منه عليهم وسيظهر »(2).
هذا هو كل ما اورده سعد الاشعري القمي عن فرقة السبائية.
ولابد ان نذكر القارئ الكريم بنكتة أساسية تتعلق بمنهج سعد الاشعري ذكرها في مقدمة كتابه حيث قال:
« ان فرق الامة كلها المتشيعة وغيرها اختلفت في الإمامة في كل عصر ووقت كل إمام بعد وفاته وفي عصر حياته منذ قبض الله محمداً (صلى الله عليه وآله)، وقد ذكرنا في كتابنا هذا ما يتناهى إلينا من فرقها وآرائها واختلافها »(3).
ومعنى ذلك ان الذي ذكره سعد في كتابه هو ما تناهى إليه من القول فيها من كتب المقالات والفرق المكرسة لذلك أو التي تطرقت إلى ذلك عرضاً التي كانت قبله أو التي عاصر مؤلفيها.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) إلى هنا ينتهي الحديث عن فرقة السبأية في كتابه فرق الشيعة للنوبختي.
(2) المقالات والفرق للاشعري ص 19-21.
(3) 07: 10 ص.
«صفحة 343»
ومن اجل التأكد من هذه الحقيقة نحاول ان نتتبع المعلومات التي وردت في كلام الاشعري في كتب المقالات والفرق والحديث والتاريخ السنية والشيعية وسنكتشف ان أصولها منحصرة في الكتب السنية دون الشيعية ما عدى قضية ادعاء ابن سبأ الالوهية في علي (عليه السلام) فأنها ذكرت في كتاب شيعي واحد هو كتاب الكشي ثم انتشرت منه إلى الكتب الشيعية التي جاءت بعده.
ونحن من اجل تسهيل عملية التتبع نصنف المعلومات التي وردت في نص الاشعري إلى المفردات التالية:
1. قوله « ان عبد الله بن سبأ كان يهوديا فاسلم ووالى عليا. . وهو أول من شهر بالقول بفرض إمامة علي (عليه السلام) واظهر البراءة من أعدائه ».
2. ان عليا أمر بقتل ابن سبأ بسبب ما أظهره من الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة والبراءة منهم.
3. ان الناس تشفعوا في ابن سبأ فرفع عنه القتل ونفاه إلى المدائن.
4. ان ابن سبأ وأصحابه في المدائن لما بلغهم قتل علي (عليه السلام) لم يصدقوه وقالوا لو جئتنا بدماغه في صرة(1) فأقمت على قتله سبعين عدلاً ما صدقناك ولعلمنا انه لم يمت ولم يقتل وانه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ويملك الأرض.
5. ان أصحاب ابن سبأ وهم السبائية وأصحاب عمر بن حرب الكندي وهم الحربية قالوا بعد ذلك في انه إله العالمين.
وفيما يلي الحديث عن مصادر كل واحدة منها:
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الصرة: للدراهم، خررت الصرة: شددتها (الصحاح للجوهري) .
«صفحة 344»
وردت المفردة الأولى وهي قوله (ان عبد الله بن سبأكان يهودياً فأسلم…) في حديث سيف بن عمر عن حوادث الثورة على عثمان وهو أول من روى ذلك قال سيف في كتابه الجمل ومسير عائشة وعلي عن عطية عن يزيد الفقعسي: « كان ابن سبأ يهوديا من أهل صنعاء من أمة سوداء فاسلم زمن عثمان بن عفان ثم تنقل في بلاد المسلمين يحاول ضلالتهم فبدأ بالحجاز ثم بالبصرة ثم الكوفة ثم الشام فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام فأخرجوه حتى أتى مصر فاعتمر فيهم فقال لهم فيما كان يقول: … انه كان ألف نبي ولكل نبي وصي وكان علي وصي محمد (صلى الله عليه وآله) ثم قال محمد (صلى الله عليه وآله) خاتم النبيين وعلى خاتم الأوصياء ثم قال بعد ذلك من اظلم ممن لم يجز وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووثب على وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله)… »(1).
ومن كتاب سيف أخذها الطبري (تـ 310) في تاريخه، وابن عساكر (تـ 571) في كتابه تاريخ دمشق والذهبي تـ 748 في كتابه تاريخ الإسلام وابن أبي بكر (تـ 741) في كتابه التمهيد والبيان في مقتل عثمان، وعن هؤلاء اخذ من جاء بعدهم كما فصل ذلك العلامة العسكري في كتابه القيم (عبد الله بن سبأ) ج1.
ووردت معلومة (ان عبد الله بن سبأ يهودي من صنعاء) في رواية عبد الرحمن بن مالك بن مغول تـ 195 عن الشعبي في كتاب العقد الفريد لابن عبد ربه (تـ 327) ج2 وفي كتاب اللطيف في السنة لابن شاهين(تـ 385 هجـ) كما نقل ذلك عنه ابن تيمية في منهاج السنة ج1 المقدمة.
ووردت المفردة الثانية وهي (ان عليا (عليه السلام) أمر بقتل ابن سبأبسبب طعنه على أبي بكر وعمر) في رواية ابن عساكر في تاريخ دمشق ج 629/7-9 بسنده عن مرزوق عن شعبة عن سلمة بن كهيل عن زيدقال قال علي بن أبي طالب مالي ولهذا الحميت الأسود؟ يعني عبد الله بن سبأ وكان يقع في أبي بكر وعمر.
ووردت المفردة الثانية والثالثة في رواية أبي اسحق الرازي (أو الفزارى) عن شعبة عن سلمة بن كهيل عن أبي الزعراء (أو) عن زيد بن وهب « ان سويد بن غفلة دخل على علي (عليه السلام) في إمارته فقال: أني مررت بنفر يذكرون أبا بكر وعمر يرون انك تضمر لهما مثل ذلك، منهم عبد الله بن سبأ، وكان عبد الله أول من اظهر ذلك، فقال
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ الطبري ج4: 340، ايضا كتاب الردة والفتوح تأليف سيف بن عمر تحقيق السامرائي ط2 ص139.
«صفحة 345»
علي مالي ولهذا الحميت الأسود (أو الخبيث الأسود)، ثم قال معاذ الله ان أضمر لهما إلا الحسن الجميل، ثم أرسل إلى عبد الله بن سبأ فسيره إلى المدائن وقال لا تساكنّي في بلدة أبدا، ثم نهض إلى المنبر حتى اجتمع الناس وقال إلا لا يبلغني عن أحد يفضلني عليهما (أي أبا بكر وعمر) إلا جلدته حد المفتري »(1).
وفي رواية أخرى لابن عساكر بسنده عن مغيرة عن سماك قال: « بلغ عليا ان ابن السوداء ينتقص أبا بكر وعمر، فدعا به، ودعا بالسيف أو قال فهمَّ بقتله، فكُلِّم فيه فقال لا يساكني ببلد أنا فيه، قال فسيره إلى المدائن »(2).
ووردت المفردة الرابعة (وهي ان ابن سبأ وأصحابه في المدائن لما بلغهم قتل علي (عليه السلام) أنكروه) في رواية الجاحظ عن مجالد(تـ 144) عن الشعبي(تـ101) عن جرير بن قيس قال: « قدمت المدائن بعدما ضرب علي بن ابي طالب كرم الله وجهه فلقيني ابن السوداء وهو ابن حرب فقال لي ما الخبر فقلت ضرب أمير المؤمنين ضربة يموت الرجل من ايسر منها ويعيش من اشد منها، قال لو جئتمونا بدماغه في مائة صُرَّة لعلمنا انه لا يموت حتى يذودكم بعصاه »(3).
وقد روى رواية مجالد هذه الخطيب البغدادي (تـ 462) وفيها زحر بن قيس بدلا من جرير بن قيس.
وفيها أيضا عبد الله بن وهب السبائي بدلاً من ابن السوداء(4).
ووردت معلومة (ان ابن سبأ احدث النص والطعن في الصحابة) في حديث أبي علي الجبائي تـ 303 كما حكاه عنه القاضي عبد الجبار المعتزلي (تـ 413) قال: « قال أبو علي الجبائي:
ثم حدث في آخر أيام علي بن أبي طالب (عليه السلام) قول ابن سبأ وإفراطه في وصفه
ـــــــــــــــــــــــ
(1) ابن حجر لسان الميزان تحقيق المرعشلي ج4/24.
(2) ابن عساكر تاريخ دمشق ج29/7-9.
(3) البيان والتبيين ج3/46.
(4) تاريخ بغداد ج8/488.
«صفحة 346»
وتعظيمه واستنقاص كبار الصحابة فبلغ ذلك عليا فدعاه وزجره ونفاه عن الكوفة فصار إلى المدائن وأقام بها إلى ان مات علي فرجع إلى الكوفة واستدعى قوما من أهلها فبقيت مضرته إلى الآن وهي الوقيعة في أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله) وان عليا (عليه السلام) منصوص عليه »(1).
اقول: في هذا الذي أوردناه كفاية لتأييد ما أشرنا إليه من ان سعداً الاشعري إنما أورد ما تناهى إليه من كلمات حول ابن سبأ والسبائية قد أخذها من كتب المقالات والفرق التي قبله او اخذ بعضها من هذه و بعضها من تلك الروايات التي اشرنا اليها. كما يوحي قوله « وحكى جماعة من أهل العلم » بذلك وتعبير (أهل العلم) منه لا يريد به الشيعة إذ لو أراده لقال جماعة من أصحابنا.
ويؤكد ذلك انك لن تجد شيعياً واحدا ممن مضى أو بقي يقول ويعتقد بشىء من ذلك، كما انك لن تجد في التراث الشيعي على ضخامته رواية واحدة حتى ولو كانت ضعيفة تسند القول بالوصية الى عبد الله بن سبأ.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) فضائل الاعتزال وطبقات المعتزلة للقاضي عبد الجبار ص 143.
«صفحة 347»
الحلقة الثالثة / الفصل الاول
المورد الرابع عشر ـ ليس سواءٌ القول باسطورية ابن سبأ وعدمه
قوله: وسواء كان عبد الله بن سبأ شخصية حقيقية ام اسطورية
اقول: بل ليس سواء لان القول باسطورية عبد الله بن سبأ الذي ينسب اليه القول بالوصية ذات الاثر السياسي سوف يقلب الموازين بشهادة الباحثين من اهل السنة انفسهم
«صفحة 348»
«صفحة 349»
نص الشبهة
قوله: « وسواء كان عبد الله بن سبأ شخصية حقيقية أم أسطورية… »
الرد على الشبهة
أقول:
1. بل ليس سواء، لان القول بأسطورية عبد الله بن سبأ الذي ينسب اليه القول بالوصية سوف يقلب ويزلزل موازين النظر إلى اصل القول بالوصية لعلي عند من يربط نشأة ذلك بعبد الله بن سبأ.
وقد صرح بزلزلة وانقلاب الموازين اثنان من الأساتذة الجامعيين من أهل السنة في المملكة العربية السعودية.
الاول: الدكتور سليمان العودة وقد كانت رسالته في الماجستير عن شخصية عبد الله بن سبأ وهو من القائلين بوجوده ومتحمس جداً لتثبيت ما رواه سيف بن عمر بشأنه.
قال العودة:
« ان في هذا الرأي /أي القول بأسطورية عبد الله بن سبأ/ نسف لكتب بأكملها تعد من مفردات كتب التراث ويعتمد عليها في النقل والتوثيق من قرون متطاولة فكتاب منها ج السنة(1) مثلا لشيخ الإسلام ابن تيمية ينطلق من اعتبار عبد الله بن سبأ اصل الرافضة فهو أول من قال بالوصية والرجعة وغيرها من معتقدات،
ـــــــــــــــــــــــ
(1) انظر ج1/11، 3-6، ج8/251 وفي هذا المورد الاخير قوله (قد علم اهل العلم ان اول ما ظهرت الشيعة الامامية المدعية للنص في اواخر ايام الخلفاء الراشدينن وافترى ذلك عبد الله بن سبأ) وانظر ايضا ج 9/479.
«صفحة 350»
وإنكار هذه الشخصية أو التشكيك فيها تشكيك في الكتاب كله ونسف من أصوله، بل ربما تجاوز الأمر إلى التشكيك في أصول الرافضة وتاريخ نشأتهم »(1).
ومراده من عبارته الأخيرة ان التشكيك بعبد الله بن سبأ معناه التشكيك بالقول المعروف لديهم ان اصل الرافضة ونشأتهم إنما كان على يد ابن سبأ، هذا القول الذي تبناه ابن تيمية تـ 728 ومن قبله أبو علي الجبائي تـ 303 شيخ المعتزلة ومن بعد ابن تيمية من اخذ بقوله في اصل التشيع وهم كثير في عصرنا ومنهم الدكتور سليمان العودة المذكور آنفاً قال في رسالة الماجستير « ان عبد الله بن سبأ اصل التشيع »(2).
وليس من شك ان نسف هذا القول عند هؤلاء وغيرهم سيؤدي بهم إلى الانفتاح على الأطروحة الصحيحة في نشأة التشيع والقول بالوصية، وهي الأطروحة المبنية على روايات صحيحة سنداً عند أهل السنة أنفسهم كحديث الثقلين وحديث المنزلة وحديث الكساء وحديث الدار وغيرها.
الثاني: الدكتور حسن بن فهد الهويمل قال في معرض تقييم نتائج كتابات الدكتور الهلابي والأستاذ حسن المالكي حول عبد الله بن سبأ حيث ذهب الأول إلى نفي وجوده ودوره في أحداث الثورة على عثمان وذهب الثاني الى نفي دوره في احداث الثورة على عثمان:
« ومع قراءتي لما كتبا ووقوفي على الجهد المبذول في التقصي إلا انني لا اطمئن لما ذهبا إليه ولا ارتاح له لان في نسف هذه الشخصية (أي شخصية عبد الله بن سبأ) نسف لأشياء كبيرة وتفريغ لكتب تراثية لكبار العلماء من أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية وابن حجروالذهبي وغيرهما فابن سبا أو ابن السوداء يشكل مذهبا عقديا ويشكل مواقف أخرى لو تداعت لكنا أمام زلزلة تمس بنايات كثيرة »(3).
ويريد الدكتور الهويمل بقوله « فابن سبأ يشكل مذهبا عقديا… » المذهب الشيعي
ـــــــــــــــــــــــ
(1) صحيفة المسلمون التي تصدر في السعودية العدد (654) الجمعة 12 ربيع الاخر سنة 1416.
(2) عبدالله بن سبأ واثره في احداث الفتنة في صدر الاسلام ص 232.
(3) جريدة الرياض التي تصدر في السعودية العدد 4 ربيع الاول سنة 1418.
«صفحة 351»
المبني على القول بالوصية لعلي ولكنه لم يشأ ان يصرح بذلك.
2. أقول مخاطبا الاستاذ احمد الكاتب: ليس من المناسب لشخص يدعي البحث العلمي في موضوع معين يهمل بحوثا علمية تتصل بموضوع بحثه بشكل صميمي، والبحوث حول عبد الله بن سبأ التي تدور منذ مائة سنة تقريبا نفيا وإثباتا في قليل أو كثير من قبل المستشرقين والباحثين الشيعة والباحثين السنة هي من هذا القبيل و(الاستاذ احمد الكاتب) حاول ان يتغاضى عن ذلك كله فيقول: « سواء كان عبد الله بن سبأ شخصية حقيقية أم أسطورية فان المؤرخين الشيعة (يريد النوبختي والأشعري والكشى) يسجلون بوادر ظهور اول تطور في الفكر السياسي الشيعي. . »، والطريف منه حين يتهرب عن تحديد موقف من تلك البحوث يعود ليؤكد وجود فرقة السبائية القائلة بالوصية وان هذا القول كان ضعيفا، محصورا في جماعة قليلة من الشيعة في عهد الإمام علي (عليه السلام) وان الإمام نفسه قد رفضه بشدة وزجر القائلين به وان هذا التيار (الضعيف) وجد في تولية معاوية لابنه يزيد من بعده أرضا خصبة للنمو والانتشار… وقد اندس السبئية في الحركة الكيسانية(1).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكتاب ص 25.
«صفحة 352»
«صفحة 353»
الحلقة الثالثة / الفصل الاول
المورد الخامس عشر ـ النص والبيعة
قوله: لو كانت نظرية النص ثابتة لعلي لم يكن بحاجة الى بيعة المسلمين
اقول: دور النص تثبيت الحق الشرعي ودور البيعة توفير القدرة السياسية
«صفحة 354»
«صفحة 355»
نص الشبهة
قوله: « لقد كان الامام علي يؤمن بنظام الشورى. وان حق الشورى بالدرجة الاولى هو من اختصاص المهاجرين والانصار، ولذلك فقد رفض – بعد مقتل عثمان – الاستجابة للثوار الذين دعوه الى تولي السلطة وقال لهم: ليس هذا اليكم. . هذا للمهاجرين والانصار من امره اولئك كان اميرا. وعندما جاءه المهاجرون والانصار فقالوا: امدد يدك نبايعك. دفعهم، فعاودوه، ودفعهم ثم عاودوه فقال: “دعوني والتمسوا غيري واعلموا اني ان اجبتكم ركبت بكم ما اعلم. . وان تركتموني فأنا كأحدكم، ولعلي اسمعكم واطوعكم لمن وليتموه امركم وانا لكم وزيرا خير لكم مني اميرا”.
ومشى الى طلحة والزبير فعرضها عليهما فقال: من شاء منكما بايعته، فقالا: لا. . الناس بك ارضى، واخيرا قال لهم: “فان ابيتم فان بيعتي لا تكون سرا، ولا تكون الا عن رضا المسلمين ولكن اخرج الى المسجد فمن شاء ان يبايعني فليبايعنى”. ولو كانت نظرية النص والتعيين ثابتة ومعروفة لدى المسلمين، لم يكن يجوز للامام ان يدفع الثوار وينتظر كلمة المهاجرين والانصار، كما لم يكن يجوز له ان يقول: “انا لكم وزيرا خير لكم مني اميرا”، ولم يكن يجوز له ان يعرض الخلافة على طلحة والزبير، ولم يكن بحاجة لينتظر بيعة المسلمين ». ص 14-15.
الرد على الشبهة
أقول:
1. (الاستاذ احمد الكاتب) كغيره من منكري النص لم يميز بين (البيعة) التي هي عقد بين المنصوص عليه وثلة خَيِّرة من الأمة كافية لان ينهض بها امر الحكم والجهاد وبين (الشورى) وهي ان يأخذ الحاكم برأي اكثرية الأمة في مجالات التنفيذ وما لا
«صفحة 356»
نص فيه، وكلاهما كان النبي قد فعله، ومن بعده علي (عليه السلام). ثم ان البيعة والشورى لا تتعارض مع النص، نعم الشورى في تعيين الحاكم في قبال المنصوص عليه بشخصه لم يكن علي (عليه السلام) يؤمن بها لانها خلاف الواقع إذ نص النبي (صلى الله عليه وآله) عليه شخصياً بأمر الله تعالى.
2. لم يقبل علي (عليه السلام) من الثوار البيعة في أول الأمر لان هؤلاء الثوار تصوروا ان البيعة على الحكم في مرحلتها الأولى تقع كيفما اتفقت، ونبههم علي (عليه السلام) بسلوكه ازاءهم ان الأمر ليس كذلك فان البيعة على الحكم أو الجهاد في مرحلتها الأولى تتقوَّم بأهل السابقة في الايمان والجهاد وهم في ذلك الوقت المهاجرون والانصار كما ان البيعة على الحكم لا تكون خُفْيَةً وانما تكون في المسجد وعلى ملأ من الناس ورضا منهم نعم البيعة على جهاد الظالمين تكون في بدء أمرها سرية كما حصل بين النبي (صلى الله عليه وآله) والانصار في العقبة الثانية.
3. ان نص النبي (صلى الله عليه وآله) على علي (عليه السلام) يوجب البيعة لعلي وحرمة التخلف عنه، فاذا اقدم أهل السابقة والجهاد على بيعة علي (عليه السلام) واخذها علي (عليه السلام) منهم صارت هذه البيعة المنعقدة موضوعا لوجوب آخر وحرمة أخرى على بقية المسلمين وهو وجوب اتباع سبيل المؤمنين والدخول فيما دخلوا فيه وحرمة الرد عليهم اضافة إلى حرمة نكث البيعة من كل المبايعين، ويترتب عليه أيضا وجوب مقاتلة الرادين والناكثين كما قاتل علي (عليه السلام) أهل الجمل لنكثهم البيعة وأهل صفين لردهم البيعة.
وفي ضوء ذلك يتضح لماذا احتج علي بالبيعة على طلحة والزبير، لقد (عليه السلام) طالبهما بالوفاء بالبيعة التي ان كانت واجبة عليهما واقدما عليها باختيارهما.
ويتضح من ذلك أيضا ان الذي طلبه (عليه السلام) من معاوية، هو ان يدخل فيما دخل فيه المسلمون ولم يكن قد طلب منه البيعة لاقامة الحكم قال (عليه السلام) في كتابه اليه « فادخل فيما دخل فيه المسلمون ثم حاكم القوم اليَّ احملك واياهم على كتاب الله » « ان بيعتي بالمدينة لزمتك وانت بالشام »(1).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) نهج البلاغة الكتاب السادس من باب المختار من كتب مولانا امير المؤمنين (عليه السلام) .
«صفحة 357»
4. ان وجود النص على علي (عليه السلام) والاحد عشر من ذريته من فاطمة ليس معناه يجب عليهم ان يقبلوا البيعة على الحكم أو البيعة على الجهاد كيفما اتفقت ومن دون تقدير من طرفهم لتكامل شروط النهوض وقبول بيعة المبايعين. وقد كان في تقدير علي (عليه السلام) ان قبوله للبيعة بعد قتل عثمان وفي ظروف مثل تلك الظروف يحتاج إلى إحكام الشروط، اما قوله (عليه السلام) « لا تفعلوا فاني اكون وزيرا خير من ان اكون اميراً » فهو موضوع ومدسوس في كلامه من قبل الرواة إذ لم يكن وزيراً لأي واحد من الخلفاء الثلاثة الذين سبقوه، نعم كان وزيراً لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ووزارته لرسول الله (صلى الله عليه وآله) كانت تشبه وزارة هارون لموسى وقد نصَّ النبي (صلى الله عليه وآله) على هذا الشبه في قوله لعلي (عليه السلام) « أما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدى »(1) ونص القرآن على ان هارون كان وزيراً لموسى وشريكا له في أمر الرسالة، وبسبب ختم النبوة بمحمد (صلى الله عليه وآله) نص النبي (صلى الله عليه وآله) ان عليا وزير وليس بنبي.
5. أما كونه (عليه السلام) مشى إلى طلحة والزبير وعرض عليهما البيعة قائلا: من شاء منكما بايعته… فهي رواية غير صحيحة. ومعارضة بقوله (عليه السلام) « متى اعترض الريب في مع الأول منهم حتى صرت اقرن إلى هذه النظائر » ويريد بالنظائر عثمان وسعد وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف، انه (عليه السلام) يتبرم من قرنه بهم فكيف يتوقع منه ان يعرض البيعة على أحدهم.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) صحيح البخاري 2/200 باب مناقب علي بن ابي طالب، وصحيح مسلم 7/120 باب فضائل علي وكذلك رواه الترمذي والطيالسي وابن ماجة ومسند احمد بن حنبل وغيرها.
«صفحة 358»
«صفحة 359»
الحلقة الثالثة / الفصل الاول
موارد اخرى من الكتاب رددنا عليها سابقا
«صفحة 360»
«صفحة 361»
من الجدير ذكره لفت نظر القارىء الكريم الى ملاحظة قبل ان اشير الى الموارد الاخرى وهي ان قسما من فصول كتاب الاستاذ احمد الكاتب كان قد نشرها في نشرة الشورى ومنها المبحث الثالث من الفصل الثاني من الجزء الثاني من الكتاب (193-202) وكان قد نشره في العدد العاشر من نشرة الشورى ص 10-12 الصادرة في رمضان 1416- شباط 1996 وكنا قد نشرنا ردودنا على الشبهات المثارة في هذا المقال في العددين الاول والثاني من نشرتنا شبهات وردود وقد صدر العدد الاول منها في 17 ربيع الاول 1417 هجـ الموافق للشهر الثالث من سنة 1996 اما كتاب الاستاذ الكاتب فقد طبع سنة 1997 أي بعد عدة شهور من صدور ردنا على افكاره المنشورة في الشورى، ولم يشر الى الرد مع انه قد اطلع عليه وكتب رسالته الينا المؤرخة 23 رمضان 1417 التي يقول فيها (لا اريد ان اخوض معك في جدال مفصل حول ما نشرت ضدي من ردود قبل ان انشر كتابي الذي سوف يطلع القراء الكرام عليه في المستقبل القريب… ولكني اريد ان اتوقف عند بعض الردود العجيبة…) ويقول (وكان ردك ضعيفا) وهي تعني ان الاستاذ الكاتب قد اطلع على ردودنا قبل ان يدفع كتابه للمطبعة ولكنه آثر الصمت.
اما الموارد التي وعدنا القارىء الكريم الاشارة اليها فهي:
1. ماذكره في الصفحة 195- 196 « ان تحديد الأئمة (عليه السلام) باثني عشر لم يكن له أثر عند الشيعة في القرن الثالث الهجري إذ لم يشر إليه النوبختي في كتابه فرق الشيعة ولا علي بن بابويه في كتابه الإمامة والتبصرة من الحيرة! ».
رددنا عليه في الحلقة الاولى الفصل الاول وقلنا هناك: أن علي بن بابويه أشار إلى ذلك في مقدمة كتابه الإمامة والتبصرة وان إبراهيم بن نوبخت أشار إليذلك أيضا في كتابه ياقوت الكلام وهو معاصر للنوبخـتي، وفي ضوء ذلك فان العقيدة الاثني عشرية
«صفحة 362»
كانت معروفة في القرن الثالث الهجري بل قبل ذلك.
2. ما ذكره في الصفحة 196 من ان الائمة انفسهم لم يكونوا يعرفون من هو وصيهم الا قرب وفاتهم.
رددنا عليه في الحلقة الاولى في الفصل الثاني وقلنا هناك: قد جاء في الروايات الصحيحة عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال لأصحابه: « أترون ان الأمر إلينا نضعه فيمن شئنا! كلا والله انه عهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى علي (ثم) إلى رجل فرجل إلى ان ينتهي إلى صاحب هذا الأمر ». .
3. ماذكره في الصفحة 198: « ان النظرية الاثني عشرية لم تكن مستقرة في العقل الامامي حتى منتصف القرن الرابع الهجري وان الشيخ الصدوقابدى شكه بتحديد الائمة باثني عشر ».
رددنا عليه في الحلقة الاولى الفصل الثالث وقلنا هناك: ان قول الشيخ الصدوق هذا لا يدل على ما فهمه صاحب النشرة من عدم استقرار النظرية الإمامية الاثني عشرية حتى منتصف القرن الرابع لان كلام الصدوق هذا كان يتناول فترة ما بعد ظهور الثاني عشر (عليه السلام) ولم يكن نظره الى فترة القرن الرابع الهجري! ! .
4. ماذكره في الصفحة 198 « وقد كان زرارة من اعظم تلاميذ الامامين الباقر والصادق ثم مات ولم يعرف من هو الامام بعد الصادق (عليه السلام). . ».
رددنا عليه في الحلقة الاولى الفصل الرابع وقلنا هناك: وردت الرواية عن الامام الرضا (عليه السلام) انه قال: « ان زرارة كان يعرف أمر أبي (عليه السلام) ونص أبيه عليه وإنما بعث ابنه ليتعرف من أبي (عليه السلام) هل يجوز له ان يرفع التقية في إظهار أمره ونص أبيه عليه… وانه لما أبطأ عنه ابنه طولب بإظهار قول في أبي (عليه السلام) فلم يحب ان يقدم على ذلك دون أمره فرفع المصحف وقال: اللهم ان إمامي من اثبت هذا المصحف إمامته من ولد جعفر بن محمد (عليه السلام) ».
5. ماذكره في الصفحة 198-199 « من اختلاف الشيعة في تحديد عدد الائمة باثني عشر أو ثلاثة عشر، وروايات الكليني في الكافي بهذا القدر ورواية كتاب سليم ».
«صفحة 363»
رددنا عليه في الحلقة الاولى الفصل الخامس: وقلنا هناك: اثبت المحققون من علماء الشيعة ان تلك الروايات الـتـي اشار اليها صاحب النشرة قد تعرضت لأخطاء غير متعمدة من النساخ الاوائل. ولم يقل أحد من الشيعة بأن الأئمة ثلاثة عشر إلا هبة الله بن احمد حفيد العمري وكان قد قال ذلك ليستميل جانب أبي شيبة الزيدي طمعا في دنياه.
6. ما ذكره في الصفحة 198: « من ان روايات عديدة يذكرها الكليني في الكافي والمفيد في الارشاد والطوسي في الغيبة ان الامام الهادي اوصى في البداية الى ابنه السيد محمد ولكنه توفي في حياة ابيه فاوصى الى ابنه الحسن العسكري… ».
رددنا عليه في الحلقة الاولى الفصل السادس وقلنا هناك: ان هذه الروايات قد حملها العلماء على غير ظاهرها إضافة إلى انها معارضة بروايات أخرى صريحة بالنص من الإمام الهادي (عليه السلام) على إمامة ولده الحسن العسكري (عليه السلام) في حياة ولده ابي جعفر (عليهما السلام). وكان على صاحب النشرة ان يشير إليها ولا يوهم القارئ أن ما ذكره أعلاه هو الروايات الوحيدة.
7. ما ذكر في الصفحة 199 « من ان عامة الشيعة في القرن الرابع الهجري يشكون في وضع واختلاق كتاب سليم بن قيس وذلك لروايته من طريق محمد بن علي الصيرفي ابو سمينة الكذاب المشهور واحمد بن هلال العبرتائي الغالي الملعون… ».
رددنا عليه في الحلقة الاولى الفصل السابع: لا تنحصر رواية كتاب سليم بن قيس او احاديثه في الاثني عشر بالصيرفي والعبرتائي وهناك روايات صحيحة تثبت وجود كتاب سليم او احاديثه في الاثني عشر عند محمد بن ابي عمير (تـ217) وحماد بن عيسى (تـ206) وعمر بن أذينة (تـ168).
8. ماذكره في الصفحة 200 « من ان الزيدية قالوا ان الرواية التي دلت على ان الائمة اثنا عشر قول احدثه الامامية قريبا وولدوا فيه احاديث كاذبة… ».
رددنا عليه في الحلقة الاولى الفصل الثامن وقلنا هناك: البحث السندي في روايات الاثني عشر إماما عند الفريقين يكذب دعواه تلك. وان الأحاديث الشيعية في الاثني عشر كانت معروفة لدى الثقات من الشيعة قبل ولادة المهدي (عليه السلام) بل منذ القرن
«صفحة 364»
الثاني الهجري.
9. قوله الصفحة 194 « مادام في الارض مسلمون ويحتاجون الى دولة وامام وكان محرما عليهم اللجوء الى الشورى والانتخاب كما تقول النظرية الامامية وكان لابد ان يعين الله لهم اماما معصوما منصوصا عليه فلماذا اذن يحصر عدد الائمة في اثني عشر واحدا فقط… ».
رددنا عليه في الحلقة الثانية الفصل الاول وقلنا هناك: الإمامة المحصورة باثني عشر بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) ليست هي منصب الحكم فقط بل هي منزلة الحجة على الخلق بالقول والفعل والتقرير ومن لوازم هذه المنزلة حصر حق الحكم بصاحبها في زمان حضوره أما في عصر الغيبة فإن منصب الحكم حق للفقهاء العدول.
«صفحة 365»
الحلقة الثالثة
الفصل الثاني ـ رسائل القراء
«صفحة 366»
«صفحة 367»
الحلقة الثالثة / الفصل الثاني
أولا ـ رسالة احمد الكاتب
احمد الكاتب: في رسالته الى نشرة (شبهات وردود):
لماذا اهمل البدري موضوع الامامة والمهدي في ردوده وتعلق فقط بموضوع (الاثني عشرية)؟
لماذا مارس ما اتهمني به من سياسة استغفال القراء حيث لم يشر في حديثه ابدا الى قول الشيخ المفيد بضعف كتاب سليم وحاول الصمت والهروب؟
دعوة لمواصلة البحث في الاصول قبل الدخول في الجزئيات.
البدري: ما كتبناه في الحلقة الاولى والثانية من نشرتنا شبهات وردود تناول موضوع (الامامة) و(تحديد الائمة باثني عشر) اما بحث موضوع ولادة المهدي ونشاطه في عصر الغيبة الصغرى فهو متأخر رتبة عنهما ثم لا بد من بحث سيرة الائمة الاحد عشر قبل المهدي (عج) ونشاطاتهم وتكوين الوجود الشيعي قبل ذلك ايضاً ومن هنا فان الطريق طويل فلماذا هذه العجلة! ! !
ما كتبناه حول كتاب سليم قد استوفى اقوال العلماء فيه ومنهم قول الشيخ المفيد فيه انظر الحلقة الأولىص15 من الطبعة الاولى وص 95 من الطبعة الثانية! !
دخولنا في الجزئيات معه سببه انه بنى استنتاجاته اما على فهم خاطىء للرواية او فهم خاطىء لكلام علماء الشيعة الاقدمين و اغفال روايات كان لابد ان ينظر اليها ومع ذلك فحيهل لدعوته، فلنبحث اولاً الامامة في القرآن الكريم ثم في احاديث النبي (صلى الله عليه وآله) ثم في احاديث اهل البيت؟
«صفحة 368»
«صفحة 369»
مقتطفات من رسالة احمد الكاتب
كتب احمد الكاتب رداً على الحلقة الاولى والثانية من شبهات وردود (في نشرته الشورى العدد 12 بثلاث صفحات) نقتطف منه مواضع صالحة للتعليق عليها:
قال متسائلاً: لماذا اهملت في ردي موضوع الامامة والمهدي وتعلقت فقط بموضوع الاثني عشرية؟
ثم قال: ان اثبات موضوع الاثني عشرية لايتم عبر اثبات صحة كتاب سليم بن قيس أو هذه الرواية أو تلك وانما يتم عبر اثبات وجود ولد للامام الحسن العسكري الذي كان ينفي حدوث ذلك في حياته.
ثم قال: ان الشبهة تتمثل في منهج التأويل الباطني المخالف لسيرة أهل البيت والاستبراد من الاسرائيليات.
ثم وجه عتاباً اليَّ حول عرض أفكاره ضمن الشبهات ضد الاسلام والتشيع.
ثم قال: « أخي العزيز السيد سامي البدري. . انك لا تدافع عن مذهب اهل البيت وانما عن نظريات المتكلمين الوهمية التي اكل الدهر عليها وشرب، والتي تسببت في اخراج الشيعة عن مسرح التاريخ قرونا طويلة من الزمن، والتي تخلوا عنها في القرون الاخيرة عندما قالوا بمبدأ الاجتهاد وولاية الفقيه او الشورى، فهل تريد ان تعيدنا الى ما ذهب اليه المتكلمون السابقون والاخباريون من حرمة الثورة على الظالم وحرمة الجهاد في سبيل الله واقامة الدولة (عصر الغيبة) وتعطيل الخمس والزكاة واباحة الانفال وتحريم صلاة الجمعة الا بشرط حضور الامام المعصوم المعين من قبل الله تعالى ».
ثم قال: « ولو رجعت الى تاريخ الائمة من اهل البيت واطلعت على رواياتهم الكثيرة الاخرى، او رجعت الى فكر الامامية في القرن الثاني والثالث الهجري لوجدتهم يتحدثون عن استمرار الامامة الى يوم القيامة وعدم تحديد عدد الائمة في
«صفحة 370»
رقم معين، وذلك لامتداد نظرية (الامامة الالهية) في موازاة نظرية الشورى كنظام سياسي للامة الاسلامية، لا يقبل التحديد في اشخاص معينين او فترة محددة ».
ثم قال: « واذا كنت حرا فيما تريد ان تترك او تختار من مواضيع للرد، فلماذا تمارس ما اتهمتني به من سياسة استغفال القراء وعدم احترامهم وتجنب اصول البحث العلمي، وذلك في معرض مناقشتك لصحة (كتاب سليم بن قيس الهلالى) الذي يعتبر معتمد و اساس النظرية الاثني عشرية، حيث ذهبت انا الى ضعفه واختلافه وذهبت انت الى صحته، ولكنك لم تشر في حديثك ابدا الى ما استشهدت به انا من قول الشيخ المفيد بضعف هذا الكتاب وحدوث الوضع والتدليس فيه. وكان من المفترض بك على الاقل ان تشير الى موقف الشيخ المفيد وهو شيخ الطائفة فترفضه او تؤوله بعد ذلك ولكنك فضلت الصمت والهروب من مواجهة الحقيقة كانك تريد ان تختم معركتك بليل على صفحات كتابك بسرعة ».
ثم قال اخيرا: « لا اريد ان اخوض معك في جدال مفصل حول مانشرت ضدي من ردود قبل ان انشر كتابي الذي سوف يطلع القراء الكرام عليه في المستقبل القريب ان شاء الله، وانا غير مسؤول عن الاشرطة الكمبيوترية المسربة والمعرضة للزيادة والنقصان، والتي كانت تشكل المسودة الاولى البدائية للكتاب، ولكني اريد ان اتوقف عند بعض الردود العجيبة التي حاولت ان ترد بها عليَّ حيث وصفت بعض الروايات كدعاء القائم الذي يرويه الكفعمي بالضعف جزافاً، وطرحت روايات البداء تعسفا، واولت روايات الثلاثة عشر اماما بخطأ النساخ رغم مرور اكثر من الف سنة عليها، وسمحت لنفسك بالاقتباس من الاسرائيليات المتعارضة مع تراث اهل البيت ورواياتهم، ورفضت الاحاديث الصحيحة بالتأويلات الباطنية السرية، وادعيت فهم سر بعض الروايات في حين لمتني على الاخذ بظاهرها… واضافة الى ذلك فقد ادعيت امتلاكك للحقيقة ومعرفتك الواقعية بمذهب اهل البيت واتهمتني باثارة الشبهات، فمن الذي وقع في الشبهة؟ ومن خرج منها؟ ». .
وكان قد دعا في مقدمة الرسالة الى مواصلة البحث العلمي في الاصول قبل الفروع الجزئية.
«صفحة 371»
وقال: « ان منهجنا هو التمسك بالكتاب والسنة والسير على هدي أهل البيت ».
وقال: « لابد من احترام جميع وجهات النظر الاجتهادية داخل الاطار الاسلامي واحترام اصحابها وعدم تكفيرهم وإخراجهم من الدين ».
«صفحة 372»
الجواب على الرسالة
وجوابي على ذلك:
اما بالنسبة لسؤاله: لماذا ابتدأت بالرد على موضوع الاثني عشرية واهملت موضوع الإمامة والمهدي؟
فأقول: اني لم اكتب الرد حين كتبته ردا على كتبه غير المنشورة وانما كتبته ردا على مقاله الذي يناقش فيه دليل الإثني عشرية في العدد العاشر من نشرة الشورى وقد استوعب الرد الحلقة الأولى والفصل الأول من الحلقة الثانية من (شبهات و وردود) ثم أكملت الحلقة الثانية بالرد على مقال البغدادي الذي يرد فيه على الشهيد الصدر رحمه الله حول النص على علي (عليه السلام) وانا حر ايضا في اختيار موضوع الرد.
اما في العدد الثالث فقد ابتدأت في الرد على بعض كلماته في الجزء الأول من كتابه المنشور أخيرا وهي تخص نظرية الإمامة الإلهية.
اما قوله: « ان اثبات موضوع الاثني عشرية لايتم عبر اثبات صحة كتاب سليم بن قيس أو هذه الرواية أو تلك… »
فأقول: اذاً لماذا أثار الشبهات على كتاب سليم او على هذه الرواية او تلك؟
اما قوله: « ان اثبات موضوع الاثني عشرية يتم عبر اثبات وجود ولد للامام الحسن العسكرى ».
أقول: لا ادري ماذا يريد به؟ هل يريد ان احاديث الاثني عشر لا تصح الا باثبات وجود ولد للعسكرى؟ ام يريد ان انطباق الحديث على دعوى الشيعة لا يتم الا باثبات ولد للامام الحسن العسكري (عليه السلام).
والاحتمال الاول: لا وجه له لان صحة الحديث تتم من خلال رواته وقد رواه
«صفحة 373»
الثقات واثبتوه في مصنفاتهم كما بحثنا ذلك في الحلقة الاولى.
اما الاحتمال الثاني: فلا وجه له ايضاً لان التشيع الاثني عشري برمته يقوم على الايمان بان الحسن العسكري قد ولد له ولد هو المهدي وتلقوه ذلك جيلاً بعد جيل ولم يبنوا اعتقادهم بذلك على هذه الرواية أو تلك في قصة ولادته (عليه السلام)، ولا يضرهم انكار الكاتب ولا انكار غيره من اهل السنة كما لم يضر من قبل انكار اغلب بني اسرائيل ولادة عيسى (عليه السلام) حيث انكرتها فرق اليهود السامرية و العبرانية الا فرقة صغيرة من اليهود العبرانيين وهي فرقة زكريا ويحيى (عليه السلام) وقد كان بنو اسرائيل (ينتظرون عذراء تلد ولدا) ولا زالوا الى اليوم ينتظرون ذلك.
اما ماعتب به من عرض افكارك ضمن عنوان: (شبهات ضد الاسلام والتشيع)
اقول: فقد نبهنا في مقدمة الكتاب ان النشرة معنية بالشبهات التي وجهت ضد الاسلام والتشيع، وقلنا اننا اخترنا للحلقات الاولى الشبهات التي اثارها احمد الكاتب ضد الشيعة والتشيع، فليراجع المقدمة مرة اخرى.
اما قوله تخاطبني: « أتريد ان تعيدنا الى القول بحرمة الثورة على الظالم… الى آخره ».
فأقول: هدانا الله وإياه للتي هي ازكى… الا يعلم انه لا يوجد اي تلازم بين القول بـ (نظرية الامامة الالهية وعصمة الائمة (عليه السلام) وتحديدهم باثني عشر وولادة المهدي (عليه السلام) وغيبتة الطويلة والبداء والرجعة) وبين القول بـ (حرمة الثورة على الظالم او تعطيل الجهاد واباحة الانفال وتحريم صلاة الجمعة)، فقد قال بكل تلك العقيدة الامام الخميني ومع ذلك فجر الثورة الاسلامية في ايران وقادها، وكذلك قال بكل تلك العقيدة الشهيد الصدر ومع ذلك قاد الثورة الاسلامية في العراق واستشهد في سبيل ذلك.
اما قوله: « ان روايات اهل البيت (عليهم السلام) تتحدث عن استمرار الامامة الى يوم القيامة وعدم تحديد الائمة في رقم معين وذلك لامتداد نظرية الامامة الالهية في موازاة نظرية الشورى كنظام سياسي لا يقبل التحديد في اشخاص معينين أو فترة محددة ».
فجوابه: ان روايات النبي (صلى الله عليه وآله) والائمة قد حددت عدد الائمة باثني عشر وقد بحثناه مفصلا في الحلقة الاولى الفصل الثامن، ارجو مراجعته.
«صفحة 374»
اما قوله: « ان الامامة الالهية في موازاة نظرية الشورى ».
فقد بحثناه مفصلا في الحلقة الثانية الفصل الاول، ارجو مراجعته.
اما قوله: « انني لم اذكر تضعيف الشيخ المفيد لكتاب سليم وانني استغفلت قرائي… الى آخره ».
فاقول: لو رجع الاستاذ الكاتب الى كتابي شبهات وردود الحلقة الاولى ص 94 لوجدني اقول بقول العلامة التستري « ومن هنا اوجب الشيخ المفيد عدم الاعتماد على كل ما ورد في الكتاب (أي كتاب سليم) دون تحقيق » وفي صفحة 95 اقول بقول العلامة التستري ايضاً: « والحق في كتاب سليم بن قيس ان اصله كان صحيحا قد نقل عنه الاجلة المشايخ الثلاثة والنعماني والصفار وغيرهم الا انه حدث فيه تخليط وتدليس من المعاندين فالعدو لا يألو خبالا كما عرفت من المفيد… وحيئذ فلا بد ان يراعى القرائن في اخباره كما عرفت من المفيد ».
بعد هذا اسأله.
من الذي يريد ان يختم المعركة بليل انا ام هو؟!
اما قوله: « لا اريد ان اخوض معك في جدال مفصل… الى آخره ».
فجوابي: ان هذه الطريقة من الرد ليست من البحث العلمي في شىء، حبذا لو نهجت في الرد عليَّ ا لمنهج الذي نهجته معه، فقد اوردتُ قطعة من كلامه ثم علقتُ عليها وناقشتُها، ليقتطع هو فقرة تامة شاء ومن أي موضوع من المواضيع التي حفِلتْ بها نشراتي الثلاث، وليبيّن الضعف والخلل الذي يراه، وهذا هو الموقف المقبول والمترقب للرد من قبله.
اما دعوتك: « الى مواصلة البحث العلمي في الاصول قبل الفروع وان يكون المنهج هو التمسك بالكتاب والسنة وهدي اهل البيت (عليهم السلام) ».
أقول: فحيهل…
فما رأيه ان نبدأ ببحث مسألة: هل يوجد شهداء بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) شهادتهم على الناس كشهادة الرسول وانهم ائمة هدى يؤخذ بقولهم وفعلهم وتقريرهم كما يؤخذ بقول الرسول وفعله وتقريره وان الناس ملزمون بالأخذ عنهم والاقتداء بهم والطاعة
«صفحة 375»
لهم وانهم موكلون الهيا بحفظ الرسالة بعد الرسول.
نبدأ اولا بذكر الايات القرآنية الكريمة الدالة على ذلك ثم احاديث النبي (صلى الله عليه وآله) ثم احاديث اهل البيت (عليهم السلام).
ارجو ان يعلمني ان كان يوافقني على ذلك.
ومن المفيد قبل ذلك ان يبين مصادر السنة النبوية وحديث أهل البيت (عليهم السلام) المعتمدة لديه.
اما ما قال من « وجوب احترام جميع وجهات النظر الاجتهادية واحترام اصحابها ».
أقول: فهو مقولة شائعة و لكنها غير صحيحة، والصحيح هو عكسها، وهو ان الاصل احترام الاشخاص وليس احترام وجهات نظرهم الخاطئة، ومن هنا نلاحظ ان الاسلام احترم اهل الكتاب وسمح لهم بالعيش ضمن المجمع الاسلامي بشروط معينة مع انه لم يحترم كثيراً من عقائدهم ووجهات نظرهم وانتقدها وعرَّض بها وكشف زيفها.
اما بخصوص الأستاذ احمد الكاتب حين تحوَّل من صف القائلين بالنص إلى صف المنكرين له بل صف خصوم اهل البيت (عليهم السلام) لان شعارهم النص فيما بين ايدينا من تراثهم الصحيح المنسوب اليهم فنحن لا نراه قد خرج من الدين، نعم لا شك بخروجه من التشيع الاثني عشري وانتحاله رأي ابن ابي الحديد المعتزلي في الامامة وموقفه السلبي من شيعة اهل البيت.
أكتفي بهذا القدر من التعليق واكرر دعائي ان يهدينا الله واياه للتي هي ازكى انه سميع مجيب.
سامي البدري
«صفحة 376»
«صفحة 377»
الحلقة الثالثة / الفصل الثاني
ثانيا ـ رسائل اخرى
احمد عثمان (من السودان): حقا لقد فوجئنا بالتدليس الذي كان يمارسه صاحب الشورى
منتظر احمد (من السودان): كنا نتوقع ان يبرز من يناقش احمد الكاتب فيما يقول ونحكم نحن بين المتناظرين
«صفحة 378»
«صفحة 379»
الرسالة الأولى ـ من السودان
الحمد لله رب العاملين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد واله الطيبين الطاهرين.
سماحة سيدنا العلامة الحجة السيد سامي البدري ايدك الله بتأييده.
السلام عليكم سيدي ورحمة الله وبركاته. لعلكم بخير نسأل الله لكم ولجميع العاملين في الدفاع عن التشيع التوفيق والسلام والقبول والرضوان.
اكتب اليك سيدي بعد ان اطلعت على ردكم على صاحب الشورى اللندنية احمد الكاتب في الحلقتين الاولى والثانية ولا ادري اصدرت الثالثة ام لا وقد اطلعني على ردودكم هنا الاخ الفاضل هـ. ط فله الشكر ولكم الشكر في المقام الاول.
اني قد قرأت كتاب احمد الكاتب وكان على الدسك الكمبيوتري في ثلاثة اجزاء وذكر المؤلف ان الجزء الرابع سيعنى بدراسة الزيارات للائمة بالذات لمولانا صاحب العصر والزمان (عج) والتي يتضح منها كما يقول التخبط في عدد الائمة عليهم الصلاة والسلام ليخلص الى القول بان عقيدة الاثني عشر اماما انما هي طارئة على الفكر الشيعي ولم تعرف عند الائمة وزعماء الطائفة حتى القرن الثالث.
ثم جاءت الشورى ووصلتنا بالسودان منذ العدد الاول وقرأت منها حتى العاشر ولا ادري اتوقف نهائيا ام انها اصبحت لا تصل الينا وعلى كل حال اصبحنا نلتقي مع بعض الاخوة المؤمنين ونتباحث في ما تقوله النشرة ولم نكن نصل الى رؤية واضحة اذ ان المصادر التي يشير اليها لم تكن متوفرة لدينا وعلى افتراض وجود واحد منها فما كنا اهل تخصص ولا من علماء الدراية ولا دارسي الاصول لنرجح بين نصوص يدعى صاحب النشرة انها متعارضة وما لم يتم الجمع بينها بوجه مقبول فلا يمكن القطع بصدورها عن الائمة (عليهم السلام) بل يستحيل ذلك وبما انا لا نملك الادوات التي تجعلنا نرجح
«صفحة 380»
رواية على الاخرى ومع يقيننا بعدم صدور الشىء وحتى عن الائمة (عليهم السلام) فانا كنا نتوقف في الامر ونسلي انفسنا بان اهل الاختصاص هم الذين يهبون لرد الشبهات والدفاع عن ساحة الحق الاقدس، ونصطدم احيانا كثيرة بان الاصول لا يجوز فيها التقليد وانها ليست من القضايا الفقهية التي يترك امرها لمراجعنا رضوان الله عليهم وانما يتعلق الامر بقضية عقائدية يلزم تبينها بعد البحث والاستيقان، وكنا نقول لبعضنا بعضنا ان هذه النصوص على فرض انها غير موجودة فلم تكن لتعطل الناس عن اللجوء الى اهل البيت (عليهم السلام) باعتبارهم افضل من غيرهم في كل عصر عاشوا فيه وعلى افتراض انه لا نصوص تطلب من الناس مباشرة الانقياد لهم والتسليم بهم فان العقل السليم المتحرر عن الاهواء يحكم بتقديمهم على من سواهم ويأتينا العقل قائلا بان خلافة النبوة يلزم ان تتحلى بصفات النبوة وان لم تكن هنا باطلاقاتها فاستثناءات محدودة ونبحث في تاريخ خلفاء النبي (صلى الله عليه وآله) الذين اتت بهم السقيفة لنجد انه ما من عمل نبه النبي (صلى الله عليه وآله) الى اهميته وخطورته وضرورة الاتيان به او اكد على النهي عنه الا اتوا عليه ثلاثتهم بلا استثناء وكأنما عمدوا الى كل امر فخالفوه وإلى أي نهى فاصروا على الاتيان به وكنا نقول للاخوة ان هؤلاء لن يحكم العقل اصلا بصحة خلافتهم للنبي وان اجتمع الناس عليهم لانه سيكون اجتماعا على فرض تحققه طاعنا في النبوة معارضا لما رسخ من اعتقاد بان النبوة لطف رباني وهؤلاء لم يكونوا ابداً لطفا، ومن جانب ندرس تاريخ اهل البيت (عليهم السلام) كما درسنا تاريخ هؤلاء لنجد انه ما من امر صدر عن النبوة الا التزموه وما من نهي جاء به الشرع الا كانوا ابعد الناس عنه بل ما ارتكبوه اصلا حتى قبل النهى عنه.
وكنا كثيرا ما نخرج من المداولات بعد صدور الشورى من اول كل شهر بان يقيننا باق مع التأمين على ان هناك شبهات يلزم التصدي لها والرد عليها وسمعنا ان حاضرة العلم وعش آل محمد مدينة قم المقدسة تتناول هذه القضية من مجالسها الفكرية ومنتدياتها الثقافية ووعدنا احد الاخوة الافاضل في زيارة له الى قم بأنه سيسعى الى من يعلم انه ناقش صاحب الشورى.
وبعد فترة طويلة من ذهاب الاخ جاءت الحلقة الاولى منكم الى بعض الاخوة ثم
«صفحة 381»
مؤخرا جاءت الحلقة الاولى في شكلها الجديد الانيق ومعها الحلقة الثانية وحمدنا الله تعالى ان وفق بعض العلماء للقيام بهذا العمل المقدس.
وحقا لقد فوجئنا بالتدليس الذي كان يمارسه صاحب الشورى مما جعلنا نشك من هدفية طرحه اذ اطلعنا يراعكم الشريف على ان احمد الكاتب يتجاهل بعض الروايات التي تتعارض مع مدعاه وكان الاليق لصاحب البحث العلمي النزيه ان يطرح ما يدعم به رأيه ثم يطرح ما يعارض رأيه من نفس المصادر ويناقشه ويرد عليه او يطرح فهما اخر للروايات التي لا يدل ظاهرها على مدعاه معللا ذلك، وللجميع ابداء الآراء فيما يطرح سلبا او ايجابا وبذا يكون محترما ويعتبر باحثا كغيره من اهل العلم على طول الزمان وعرضه.
فلكم الشكر سيدي اجزله على وقفتكم الشجاعة بوجه هذه الشبهات ونسأله تعالى ان يجعله عملا مقبولا عنده ويحشركم مع أجدادكم الطاهرين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وصلى الله على مولانا محمد واله المعصومين المظلومين.
الخرطوم في يوم الاثنين 17 صفر 1418 هجـ 23 /6/1997م.
احمد عثمان
«صفحة 382»
الرسالة الثانية ـ من السودان
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سادة الخلق محمد واهل بيته المعصومين
سماحة سيدنا المحقق العلامة السيد سامي البدري
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وادفع دعواتي الى الله مخلصا ان يجزيكم عن خدماتكم الجليلة التي قمتم تقومون بها دفاعاً عن الحق وايضاحاً للحقيقة واظهاراً لها بعد ارجاف المرجفين وتحريف المبطلين فجزاكم الله بما قدمتم احسن جزاء المجاهدين في سبيل الحق وسدد حجتكم واوضع حجتكم انه سميع مجيب.
وبعد فأنني من المستبصرين لطريق آل محمد (عليهم السلام) منذ سنين عديدة وكانت امور التشيع عندنا متسقة ولا نجد من الشبهات الا اباطيل ضعافاً واعتراضات هشة يعترضنا بها اهل النصب والعداوة لاهل بيت العصمة والطهارة صلوات الله وسلامه عليهم حتى جاءنا الزمان بشبهات احمد الكاتب وكنا في السابق نعرفه من خلال كتبه التي كانت ولازالت جيدة مثل (10-1 = صفر) (يوميات فاطمة الزهراء(ع ». وغيرها ونعرفه كذلك من خلال بعض الاخوة السودانيين الذي التقوه في الخرطوم وسوريا وايران وكان ممدوح السيرة محمود النقيبة الى ان اطلع بما احبط عمله واركسه في هوة الضلال، وكان لنا السبق في قراءة كتابه المكتوب على الكمبيوتر (لا ندري انه كان طبع ام لا) ثم النشرة (الشورى) والتي قرأنا منها اكثر من عشرة اعداد، وطوال هذه الفترة كنا نتوقع من علمائنا حراس العقيدة بنور العلم ان يتصدوا للرد عليه وتفنيد حججه وازاحة الشبهات التي اثارها خاصة وانه كان يتبحج في نشرته بأنه طالب علماء النجف وقم بان يردوا على ما جاء به من حجج دامغة وبراهين ساطعة (على حسب قوله) ويتهكم على ان الشيخ لطف الله الصافي الكلبايكانيوالشيخ ناصر
«صفحة 383»
مكارم الشيرازيحفظهم الله كوَّنوا لجنة للرد عليه وايضاح الحق في الموضوع.
ثم انه زاد في الطنبور نغمة حين زعم انه تحدى العلامة المحقق الحجة سيدي مرتضى العسكري ابقاه الله للمسلمين ذخراً وكهفاً وحصنا (لا استطيع لو ملأت الاوراق مديحاً ان أكافئ ولو حسنة صغيرة من حسناته علىَّ وعلى المسلمين). ان يرد على ما جاء به، وكدنا نظن لولا علمنا اليقين والقاطع ببطلان بعض حججه من كتابه ونشرته حول حديث الائمة الاثني عشر والنص على امامة الامام علي عليه السلام والائمة من ولده (عليه السلام) ولكن تبقى هناك بعض القضايا التي لا نستطيع ان نستوثق من صحتها او عدمها لانا لا نملك المصادر التي رجع اليها فنرجع اليها كالغيبة للنعماني وللطوسي وعيون اخبار الرضا (عليه السلام) والارشاد والامامة والتبصرة من الحيرة والمقالات والفرق وغيرها.
فانتظرنا رد المتخصصين على هذه الاشكالات التي طرحها احمد الكاتب فلم نجد احداً حتى جائني الاخ الولي الناصح هـ. ط (جزاء الله عنا كل خير) بنشرة قال ان فيها رداً على احمد الكاتب فما ان فتحتها حتى رأيت فيها علماً جماً وتحقيقاً دقيقاً عميقا وبحثا جاداً في اصل كل شبهة والرد عليها بما هو الحكمة وفصل الخطاب.
وقد اتاحت لي العناية الالهية ان اقرأ الحلقتين اللتين صدرت اولاهما في جمادى الاولى 1417 والثانية في رجب من العام نفسه وقد قرأت الحلقتين بعناية حتى استفيد من دقائق التحقيق ونفائس البحوث ولم اجدكم الا ملتزمين بالمنهج العلمي والموضوعي في كل ما رددتم به على المشتبه مع نَفَس علمي واسع وباع طويل في التنقيب و التمحيص، ولكن استأذن سماحتكم في ان اطرح على سيدنا سؤالاً انتظر الاجابة عليه.
لقد حققتم بما لا مزيد في امر كتاب سليم بن قيس واثبات صحته من ناحية رواية غيرطريق احمد بن هلال العبرتائيومحمد بن علي الصيرفي الكاذبان وروايته من طريق محمد بن ابي عمير عن عمر بن اذينة عن ابان عن سليم وطريق علي بن ابراهيم بن هاشم والصفاروسعد بن عبد الله الاشعريعن ابراهيم بن هاشمويعقوب بن يزيد عن حماد بن عيسى عن عبد الله بن مسكان وابراهيم بن عمركلاهما عن ابان عن سليم.
«صفحة 384»
وانا الى الان لا اعاني من مشكلة الصيرفي الواقع في طريق محمد بن احمد بن الوليد عن محمد بن علي بن ماجيلوية المنتهي الى النجاشي في الرجال والشيخ الطوسي في الفهرست كما لا اعاني من مشكلة العبرتائي الواقع في طريق الكليني في الكافي عبد علي بن محمد عبد العبرتايئي عبد الله ان ابي عمير عن عمر بن اذينة عن ابان… الخ ولكني ارى المشكلة كلها في ابان وان كانت الرحمة الالهية لم تنعم علي برؤية كتاب العلامة المحقق محمد باقر الانصاريعن كتاب سليم بن قيس والذي ذكرتم انه قضى اثنتي عشرة سنة في التحقيق فيه والامر الذي زاد شوقنا الى اقتنائه والاستفادة من نتيجة بحوثه وتحقيقاته. اعود فأقول ان المشكلة كل المشكلة عندي هي في ابان بن فيروز بن عياش لان الطرق الى سليم تنحصر فيه فقط وهو عامي المذهب كذاب وضاع حتى عند اهل الجرح والتعديل من اهل السنة. امثال شعبة بن الحجاج واحمد بن حنبل وغيرهم كما في ميزان الاعتدال لشمس الدين الذهبي وتهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني وكما في كتب اعلامنا الامامية مثل الخلاصة للعلامة الحليورجال المجلسي هذا ما اتيح لي الاطلاع عليه).
انا في انتظار ردكم.
منتظر احمد
«صفحة 385»
جواب الرسالتين
الاستاذ احمد عثمان والاستاذ منتظر احمد السلام عليكما وبعد:
أشكر لكما عواطفكما ومحبتكما.
سألتما ايدكما الله تعالى لماذا يتم الاطمئنان الى كتاب سليموقد انحصرت روايته بـ ابان بن ابي عياش الموصوف بالضعف وهل رواه بعد استبصاره؟
جوابه: ان ابان قد استبصر على يد سليم قبيل وفاته، ثم رواه عنه، وقد انحصرت الرواية به لان سليم رحمه الله قد كتبه في فترة اختفائه هاربا من الحجاج الثقفي في بيت ابان بن ابي عياش، وهو امر طبيعي لمن يعيش حالة التشرد والمطاردة من السلطة وفي موضوع تعاقب السلطة عليه اشد العقوبات وبين ايدينا عشرات من ابرار اصحاب امير المؤمنين لم تصلنا رواياتهم بسبب ذلك امثال حجر بن عدي الذي عرف عنه انه لم يرو عن غير علي (عليه السلام) وكانت له صحف فيها حديث علي (عليه السلام) ومالك الاشتر وعمر و بن الحمق وغيرهم.
قال الذهبي في ميزان الإعتدال: « قال حماد بن زيد قال لي سلم العلوي: يا بني عليك بأبان، فذكرت ذلك لايوب السختياني فقال: ما نزال نعرفه بالخير منذ كان ». وقال ابن حبان: « كان ابان من العباد يسهر الليل بالقيام ويطوي النهار بالصيام ».
ومن الجدير ذكره ان اول من اسس الوقيعة بأبان (وكان قد اتخذ البصرة موطنا له بعد هجرته من فارس) هو شعبة البصري كان يقول: « لان اشرب من بول حمار حتى اروي احب اليَّ من ان اقول حدثنا ابان بن ابي عياش »(1).
وقال البخاري في تاريخه في ترجمة أبان: « كان شعبة سيء الراي فيه »(2).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) ميزان الاعتدال للذهبي ترجمة ابان.
(2) وللمزيد عن موقف شعبة وامثاله من رجاليي السنة الاوائل ازاء رجال الشيعة الاوائل انظر الفصل الاول المورد الاول من هذه الحلقة.
«صفحة 386»
قال العلامة الاسترابادي (رحمهم الله) في منهج المقال: « اني رأيت اصل تضعيفه من المخالفين من حيث التشيع ».
وقال العلامة السيد محسن الامين (رحمهم الله) في اعيان الشيعة: « يدل على تشيعه قول احمد بن حنبل (قيل انه كان له هوى) لتشيعه كما هو العادة ».
وقال العلامة الشيخ موسى الزنجاني في (الجامع في الرجال): « الاقرب عندي قبول رواياته تبعاً لجماعة من متأخري اصحابنا المحدثين كالصفار وابن بابويه وابن الوليد وغيرهم والرواة الذين يروون عنه ».
وقد استوعب العلامة الشيخ محمد باقر الانصاري الحديث عن ابان في كتابه القيم (كتاب سليم بن قيس).
هذا مضافا الى ان مضمون كتاب سليم لا ينحصر به، وعلى فرض اصرار الخصم على اسقاط اعتباره لمشكلة ابان او غيرها فان مضمون رواياته مما تظافرت به روايات الشيعة والسنة.
شكر وتقدير
وقد وردتنا رسائل اخرى تحمل المودة والتقدير من اخوة آخرين منهم (الدكتور عباس الترجمان) الأستاذ بجامعة طهران والشاعر العراقي الكبير الأستاذ (جواد جميل) والأستاذ السيد (ثامر العميدي) والأستاذ (ابي آمال) من قم وطهران، والأستاذ (هشام الطيب) من السودان، والأخ (عباس السامرائي) من هولندا نشكرهم جميعا على عواطفهم ومحبتهم ونسأل الله تعالى ان يجعلنا واياهم من الذابين عن مذهب اهل البيت (عليهم السلام) وان يرزقنا جميعاً شفاعتهم.
سامي البدري
«صفحة 387»
الفهرس الاجمالي لكتاب شبهات وردود
- تقريضات العلماء ومقدمة المؤلف ـ ص1 الى 20
- بحث تمهيدي حول الامامة الالهية ونظام الحكم ـ ص21 الى 52
- الحلقة الأولى ـ الرد على الشبهات التى اثارها احمد الكاتب حول العقيدة الاثني عشرية ص 53 الى 138
- الحلقة الثانية ـ الرد على الشبهات التي أثارتها نشرة الشورى حول النص على الإمام علي(ع) ـ ص 139 الى 246
- الحلقة الثالثة ـ الرد على مواضع من كتاب احمد الكاتب ـ ص247 الى 386
- الحلقة الرابعة ـ الرد على شبهات أحمد الكاتب حول ولادة ووجود الإمام المهدي(ع) ـ ص 387 الى 567
هوية الكتاب:
اسم الكتاب: شبهات وردود ـ الرد على شبهات احمد الكاتب حول إمامة اهل البيت (ع) ووجود المهدي المنتظر (ع).
المؤلف: السيد سامي البدري.
الطبعة: الرابعة 1428هـ.ق.
مكان الطبع: قم المقدسة.
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر.
طبعت الطبعة الرابعة بطلب من المجمع العالمي لاهل البيت (ع)، وطبعت الطبعة الخامسة سنة 1431هـ
ISBN: 964-6909-54-x
ترقيم الصفحات مواقف للمطبوع
الفهرس الاجمالي لكتاب شبهات وردود
- تقريضات العلماء ومقدمة المؤلف ـ ص1 الى 20
- بحث تمهيدي حول الامامة الالهية ونظام الحكم ـ ص21 الى 52
- الحلقة الأولى ـ الرد على الشبهات التى اثارها احمد الكاتب حول العقيدة الاثني عشرية ص 53 الى 138
- الحلقة الثانية ـ الرد على الشبهات التي أثارتها نشرة الشورى حول النص على الإمام علي(ع) ـ ص 139 الى 246
- الحلقة الثالثة ـ الرد على مواضع من كتاب احمد الكاتب ـ ص247 الى 386
- الحلقة الرابعة ـ الرد على شبهات أحمد الكاتب حول ولادة ووجود الإمام المهدي(ع) ـ ص 387 الى 567
هوية الكتاب:
اسم الكتاب: شبهات وردود ـ الرد على شبهات احمد الكاتب حول إمامة اهل البيت (ع) ووجود المهدي المنتظر (ع).
المؤلف: السيد سامي البدري.
الطبعة: الرابعة 1428هـ.ق.
مكان الطبع: قم المقدسة.
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر.
طبعت الطبعة الرابعة بطلب من المجمع العالمي لاهل البيت (ع)، وطبعت الطبعة الخامسة سنة 1431هـ
ISBN: 964-6909-54-x
ترقيم الصفحات مواقف للمطبوع