حوار مع العلامة المحقق السيد سامي البدري
قناة كربلاء الفضائية
20 / صفر / 1435هـ
المقدم: كيف تقيّمون رسالة الزيارة الأربعينية؟
السيد البدري: في الحقيقة، سنةً بعد سنةً تتألق هذه الزيارة ويتحرك شعب بأكمله؛ إذ إن حصة الأسد في الزيارة هي للعراقيين وهذا له ميزة خاصة، وأزفُّ البشرى للشعب العراقي، لغالبية هذا الشعب التي تتحرك نحو الحسين (ع)، وبحمد الله تعالى لم تقتصر هذه الزيارة على الشيعة وبدأ ينفتح عليها كثير من السنة بل من غير المسلمين أيضاً.
هذه الزيارة تمثل حاضنة لإعادة بناء الفرد العراقي، والشعب العراقي، بناءٌ على الطريقة الحسينية، تنتج نفساً شفافة وشعباً شفافاً. نعم! قد يُلاحظ على بعض الزوّار من الشباب أو غيرهم بعضَ التصرفات التي لا تنسجم مع هذه الظاهرة الحسينية، فأقول: انتظروا عليهم في السنوات القادمة، إذ هناك نمو عميق في المجتمع العراقي فضلاً عن المجتمع الشيعي الذي يأتي من العالم.
الشيعة ليسوا كما يصورهم الجاهلون، فكتب الشيعة وتراثهم بين أيدي الجميع، صحيح هناك من يكفّر من الاخرين كردِّ فعل، ولكن يجب أن نلاحظ الخط العام الذي يمثله العلماء، واليوم مرجعية النجف وقد أيدتها كلُّ المرجعيات في العالم بما فيها مرجعية إيران أيدوا هذا النهج الذي رفعته المرجعية في العراق في قيادة الامة، وهذا النهج هو الذي يعبر عن التشيع.
هي طريقة اللاعنف التي سلكتها هذه المرجعية بشكل لا نظير له، ولا يمكن أن يعدَّ هذا تكتيكاً أو تقيةً تمارسه المرجعية.
هناك محاولات لجرّ التشيع الى ما لا تُحمد عقباه، هناك خطوط شاذة في التشيع، والامام الصادق (ع) حينما يقول: (التقية ديني ودين آبائي) لا يدل على النفاق وانما يدلُّ على التعايش السلمي لان هناك من يعتقد بالخليفة الأول والثاني كرمز هداية، وقد أخالفه في ذلك، وبالتالي لا ينبغي أن أعبّر عن رأيي أمامه بسلبية.
لا بدَّ للمجتمع من التعايش، الإسلام أسس التعايش مع المسيحيين، والمسيحيون يُألهون المسيح، ولكننا حينما نلتقي بهم لا نعطي موقفاً سلبياً، وإنما نفتح معهم حواراً في جوّ المحبة.
إن مشروعنا واضح، العراقيُّ اليوم يتربى على منهج الحسين عبر منهج المرجعية الذي عرفه العالم ..
وأنا أخاطب العالم السياسي وأقول: لماذا هذا التردد من الانفتاح على المرجعية؟
إذا كنتم صادقين في تحرير الانسان من الدكتاتورية فو اللهِ لا توجد تجربة أنضج
وأفضل من تجربة العراق.
وأذكر ما قاله غسان سلامة (وزير الثقافة السابق في الحكومة اللبنانية): عندما كنا نتحدث مع بريمر بالدستور كان يضحك، لان العراق بلد لا فيه أمن ولا فيه كهرباء ولا فيه بنزين .. وعندما نتحدث مع العراقيين لم يكن أحد يذكر الدستور، ولكن حينا ذهبنا لزيارة السيد علي السيستاني /برفقة (سيرجيو دي ميلو)/ كان الموضوع الوحيد هو الدستور. وقال لنا بالعربية: أنا أريد دستور، هذا مطلبي الوحيد، ولكن أريد دستورا يكتبه عراقيون مُنتخبون من الشعب.
فدهشوا من سعة أفق هذه المرجعية.
إن الشيعة وهم يسيرون خلف المرجعية يعيشون هذه الأطروحة الواضحة، أطروحة (اللاعنف) وهي الخط العام الذي يمثله الشيعة وتمثله وتحمله وتعيشه هذه الزيارة المليونية. بدليل أن لا حادثةَ عنف تحصل في هذه الزيارة بل تُستهدف وهي عزلاء.
وهناك رسالة أخرى لأصحاب المسيرة أنفسهم، أنكم تمثلون خط الحسين (ع) وأنتم شعب يُبنى لاستقبال ابن الحسين (ع).
المقدم: ذكرتم أن هناك رسالة الهية عالمية هي رسالة الامام الحسين امتداداً لرسالة الأنبياء، رسالة لأعداء أهل البيت من النواصب أنهم سيأولون الى ما آل اليه معاوية ويزيد، ورسالة بيّنتم فيها ما في الزيارة الأخيرة من نموٍّ كمي ونوعي ورسالة إيجابية لمستقبل العراق الزاهر، مستقبل حسيني مؤيد من خلال محوره في مدرسة النجف الاشرف التي تحمل رسالة السلم واللا عنف.
ننتقل الى الأهداف، فما الذي ينبغي على طلبة العلم والخطباء والمبلغين لحمل هذه الرسالة وايصالها الى المجتمع؟
السيد البدري: بالنسبة لطلبة العلم، يتحرك التكليف العقلي (وأنا لست في مستوى أن أعطي تكليفاً شرعياً) باعتبار ما يحمله طالب العلم ومن موقع الارتباط بالمرجعية باعتبار أن الحوزة مرتبطة بالمرجعية والمرجعية تصدت /الى جنب مسؤوليتها العلمية/ للمسؤولية الاجتماعية والسياسية العامة فبينت الموقف.
طالب العلم الذي يتعاطى الدرس عليه أمران:
الأول: أن يحمل الرؤية الواضحة لمشروع اللاعنف في المجتمع ليوضحه في قضايا ثلاث: القضية الأولى: التركيز على الدستور والنزول للانتخابات وعدم التفريط بالصوت. والقضية الثانية: الحفاظ على الممتلكات العامة للدولة سواء المواطنين أو الموظفين. والقضية الثالثة: التعاون مع الأجهزة الأمنية، وايصال المعلومات اليها؛ إذ ان المرجعية أفتت بوجوب التعاون مع الأجهزة الأمنية فيما يتعلق بالامن.
الثاني: طلب العلم وهي وظيفته الأساسية، فعليه ان ينفتح على كل دراسة جديدة تتعلق بالحسين (ع)، ولا يحسب أحدٌ من طلاب العلم أن حقل سيرة النبي (ص) وأهل بيته (ع) وسيرة الأنبياء قد استغرق اغراضه، أبداً.
أنا من واقع حال تجربتي، إذ منذ خمسين عاماً وأنا أبحث، فقد اتخذت قراراً مع نفسي أن (يا سامي .. اجعل ذهنك بما يمتلك من طاقات وقفاً على الحسين في الأيام العشرة الأولى من محرم) وبعد خمسين عاماً من البحث أجد جديداً في هذا الحقل, منها زيارة (وارث) التي يقرؤها كل شيعة أهل البيت, فيها معاني جديدة.
الحسين (ع) وأخوه الحسن وأبوه على (ع) والتسعة من ذريته، هذه المنظومة التي ترتبط بمحمد (ص)، منظومة محمد (ص) وأهل بيته، هذه المنظومة التي ورثت تراث الأنبياء، عطاؤها الدراسي والاستنباطي لا ينفد كالقرآن الكريم، كما أن القرآن لا تنتهي خزائنه، سيرة النبي وأهل بيته لا تنتهي خزائنها وعلينا أن نبحث؛ لذلك ينبغي أن تولى أهمية لأي دراسة جديدة ويتم تمحيصها؛ فقد يكون صاحب الدراسة قد اشتبه فيها، وقد يكون قد وُفق لفتح ملف جديد علينا أن نواصل البحث فيه.
أما الخطباء: هم من جهة طلاب علم فيصدق عليهم ما يصدق على طالب العلم، ومن جهة أخرى أنهم اضطلعوا بمهمة (الإبكاء) و(إذكاء العاطفة) والنبي (ص) يقول: (ان لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد ابداً). فالمؤمن رقيق القلب غزير الدمعة، وهناك أناس يحتاجون الى شحن من خلال ابيات الشعر او وصف الواقعة، والخطباء بحمد الله نهضوا بذلك.
أنا في الحقيقة أدعوا الخطباء أن يَتَحرَّوا /خصوصاً في ابيات لسان الحال/ أن تكون معبرة ومنسجمة مع البحث العلمي، إذ إن الحسين (ع) في ذلك اليوم برز منه من الصمود والثبات والجرأة ما لم يُعهد من شخص آخر .. يقول الراوي (و الله ما رأيت مكثوراً قط قد قُتل ولدُهُ و أهلُ بيته وأصحابُهُ أربطَ جأشاً و لا أمضى جناناً و لا أجرأَ مقدماً منه؛ و الله ما رأيت قبله و لا بعده مثله).
فلا يجوز للشاعر ان يصوّر الحسين انه قد انهار من الحزن والعاطفة، لان مشهد الحسين (ع) مشهد جهاد، مشهد غلبة، مشهد إباء، لا يُسلِّم نفسه ذليلاً، بل يؤسس للجهاد.
أنا عندي متابعات للإمام الحسين (ع) في الاسفار القديمة، هناك نص يتحدث عن لسان الحسين يقول: (جعلت وجهي كالصوّان) (سفر إشعيا/اصح50 ف7) والصوان هو الحصى الذي لا يُقدُّ، وهو مثل يضرب للشجاعة وللصمود.
الخطباء هم حملة العاطفة، وظيفتهم تحريك العاطفة؛ لذا ينبغي أن يكون منبرهم قائماً على نتائج البحث العلمي، ونتمنى أن يكونوا كلهم باحثين، وفيهم مفكرون في الحقيقة؛ بل كل خطيب مفكر، أنا هكذا أعتقد، ولكن يحتاج الى أدوات وارضية صالحة من اجل ان يتحرك ذهنه باتجاه التفكير، وعليهم مسؤولية التعبئة الجماهيرية باتجاه الحسين وهو صاحب المنبر.
المقدم: ما الذي يجب على الحكومة والبرلمان في إيصال هذه الرسالة؟
السيد البدري: إذا أرادت القوى السياسية أن تبني العراق فعليها ان ترعى هذه الظاهرة؛ لان هذه الظاهرة والعقل العلمي المفكر لها الذي هو المرجعية، هؤلاء وجهان لحقيقة واحدة.
إذ إن الشيعة من وجهٍ هم الحوزة العلمية ورمزها المرجعية، ومن وجه آخر هم شعب يتمثل بالمواكب الحسينية، ويشكلان وجوداً متكاملاً.
الحكومة تتعامل بيد مع العلماء والوجوه المفكرة، وبيد أخرى مع الشعب، وعليهم أن يدرسوا هذا الشعب خلال عشر سنوات، وسوف يجدون تلاحماً واضحاً بين الشعب والمرجعية، وعلى الحكومة أن تضيف تلاحمها وتتبنى هذا التلاحم وترعاه وتستفيد منه. من وجه عليها أن تمدَّ يدها باستمرار للمرجعية لتستفيد من توجيهاتها؛ لأنها أثبتت جدارةً في توجيهاتها، وتمد يدها وقوتها لحماية هذه
الظاهرة.
والحمد لله، فإن قوى الامن والجيش قد وفقوا لحماية هذه المسيرة وهم مشكورون على ذلك، وقد وفقت الحكومة لوضع إمكاناتها في هذا الاتجاه، وندعوها الى المزيد، وسرُّ بقاء الحكومة إذا أرادت أن تبقى بذكرٍ خالد هو بمقدار ما تخدم شعبها، واليوم الشعب العراقي /لا أقول الشيعة فحسب/ يتبنى هذه المسيرة؛ أما الارهابيون فهم غرباء على الشعب العراقي، وهؤلاء وان انتسبوا الى العراق فهم انتسبوا الى طرف آخر يمثله الظلمة كصدام وهم عراقيون ولكنهم ليسوا من نسل الأنبياء الذين يحملون خطهم.
لعلمكم أن الشعب العراقي من نسل الأنبياء، نسل آدم ونوح وإبراهيم، وهم على خط الأنبياء الذي حفظه الحسين (ع) فالذي يواجه الظاهرة الحسينية ليسوا منه.
المقدم: ما هي الأهداف التي لا بد من الوصول اليها من خلال المواكب والهيئات والعتبات المقدسة في قضية حفظ رسالة الحسين (ع)؟
السيد البدري: في الواقع أن الهيئات والمواكب نهضت بدورها في احتضان وتوفير ما يحتاجه الزائر، وهذا نوع من البناء أيضاً فالإنسان حينما ينفق من أمواله ويخدم الزائر تشفُّ نفسه.
وأنا أدعوا لهم بالاستمرار في هذه الخدمة ويضيفوا اليها الانفتاح على الجانب الثقافي لا أن يفكروا فقط في الخدمة المادية، كما أن المرجعية في هذه السنة حثت على الصلاة في أوقاتها مع توصيات أخرى، وبالتالي تتبنى المواكب الحسينية والهيئات المدنية المختلفة مع خدمة الزائر المادية خدمةً ثقافية.
المقدم: ما هو دور المرأة في هذه الظاهرة؟
السيدالبدري: المرأة تمثل البُعد الأعمق والحاضنة الاعمق داخلياً، فهي تحتضن الطفل وتغذيه بالولاء، فننتظر من الام الموالية صاحبة الدمعة أن ترضع ولدها وتدمع على الحسين وتغذيه بحب الحسين وأن يتثقف بثقافة الحسين (ع).
المقدم: كلمة أخيرة لكم سماحة السيد.
السيد البدري: أنا يأسرني هذا المشهد، مشهد أن الحسين (سلام الله عليه) يُرفع رأسه على القناة ويُدار به، أراد الظالمون شيئاً وأراد الله شيئاً آخر ..
نرى اليوم كيف يحلق الحسين في سماء العالم، واللهِ لو أن هذا المشهد الذي يقصده الناس من كل مكان لو يصوَّر كما هو ويعلن للعالم فإنه سيحدث هزة في العالم.
فليُعرض للعالم مشهد العمرة والحج كيف يقصد الناسُ بيتَ الله من كل حدب وصوب لأربعة الاف سنة تقريباً وما انقطع، وتألق بعد الإسلام تألقاً عجيباً، واليوم بعد 1350 سنة في كربلاء، المشهد هو المشهد، القانون الذي جرى هناك (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) جرى في الحسين (ع).
وهذا الرسالة التي ينبغي أن يلتفت اليها المسلمون أولاً.
نقله عن الفيديو د. حسين عبد الله