<< السابق | التالي >> | المحتويات | بحث | الرئيسية شبهات وردود المورد الرابع : دلالة حديث الغدير عند السيد المرتضى (رحمهم الله)قوله: الشريف المرتضى يعتبر حديث الغدير نصا خفيا غير واضح بالخلافة. اقول : ليس كذلك بل قال الشريف المرتضى : قد دللنا ثبوت النص على امير المؤمنين (عليه السلام) باخبار النص عليه بغير احتمال ولا اشكال كقوله (صلى الله عليه وآله) (من كنت مولاه فعلي مولاه) . نص الشبهةقوله : « واذا كان حديث الغدير يعتبر اوضح واقوى نص من النبي بحق امير المؤمنين فان بعض علماء الشيعة الامامية الاقدمين كالشريف المرتضى يعتبره نصا خفيا غير واضح بالخلافة ، حيث يقول في (الشافي) : "انا لا ندعي علم الضرورة في النص ، لا لأنفسنا ولا على مخالفينا ، وما نعرف احدا من اصحابنا صرح بادعاء ذلك" » ص 14 وأيضا ص 58 . الرد على الشبهةاقول : ان مراد السيد المرتضى بـ (النص الخفي) هو ما يسمى عند الاصوليين بـ(المجمل) وعرََّفوه بـ (انه ما لم تتضح دلالته) ويقابله (المبيََّن) وقد ذكروا للاجمال والخفاء اسبابا كثيرة منها ان يكون اللفظ مشتركاً ولا توجد قرينة على أحد معانيه كلفظة (مولى) فانها موضوعة للاولى ، وللعبد المملوك ، وابن العم ، والحليف . ويتضح من ذلك ان (النص المجمل) و(الخفي) يحتاج إلى استدلال ونظر وذلك بالبحث عن القرائن من داخل النص أو من خارجه وهو ما يصنعه علماء الشيعة مع (حديث الغدير) ومنهم الشريف المرتضى حيث قال : « الوجه المعتمد في الاستدلال بخبر الغدير على النص هو ما نرتبه فنقول : ان النبي (صلى الله عليه وآله) استخرج من امته بذلك المقام الاقرار بفرض طاعته ووجوب التصرف بين أمره ونهيه بقوله (صلى الله عليه وآله) « الست أولى بكم من انفسكم ؟ » وهذا القول وان كان مخرجه مخرج الاستفهام فالمراد به التقرير وهو جار مجرى قوله تعالى (الست بربكم) الاعراف 172 ، فلما اجابوه بالاعتراف والاقرار رفع بيد أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال عاطفاً على ما تقدم (فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه) وفي روايات أخرى (فعلي مولاه اللهم والِ من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله) فاتى بجملة يحتمل لفظها معنى الجملة الأولى التي قدمها وان كان محتملا لغيره فوجب ان يريد بها المعنى المتقدم الذي قررهم به على مقتضى استعمال أهل اللغة وعرفهم في خطابهم ، وإذا ثبت انه صلى الله عليه واله أراد ما ذكرناه من ايجابه كون أمير المؤمنين عليه السلام أولى بالإمامة من انفسهم فقد اوجب له الإمامة ، لأنه لا يكون أولى بهم من انفسهم الا فيما يقتضي فرض طاعته عليهم ونفوذ أمره فيهم ولن يكون كذلك الا من كان إماما . فان قال : (دلوا على ان لفظة (مولى) محتملة لـ(أولى) وانه أحد اقسام ما يحتمله ثم ان المراد بهذه اللفظة في الخبر هو (الأولى) دون سائر الاقسام ، ثم ان(الأولى) يفيد معنى الإمامة . قيل له : انه من كان له ادنى اختلاط باللغة واهلها يعرف انهم يضعون هذه اللفظة أي (مولى) مكان (أولى) كما انهم يستعملونها في (ابن العم) وغيره وما المنكر لاستعمالها في (الأولى) الا كالمنكر لاستعمالها في غيره من اقسامها . ونتبرع بايراد جملة تدل على ماذهبنا إليه فنقول : قد ذهب أبو عبيدة معمر بن المثنى ومنزلته في اللغة منزلته وليس أبو عبيدة ممن يغلط في اللغة . ولا خلاف بين المفسرين في ان قوله تعالى (وَ لِكُل جَعَلْنَا مَوَالِىَ مِمََّا تَرَك الوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالََّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنََّ الله كَانَ عَلَى كُلِ شَىْء شَهِيدًا)النساء/33 ان المراد بالموالي (مفرد مولى) من كان املك بالميراث واولى بحيازته واحق به . فاصبحت مولاها من الناس بعده *** واحرى قريش ان تهاب وتحمدا وروي في الحديث (ايما امرأة تزوجت بغير اذن مولاها فنكاحها باطل) كل ما استشهدنا به لم يرد بلفظ (مولى) فيه الا معنى (أولى) دون غيره وقد تقدمت حكايتنا عن المبرد قوله (ان اصل تأويل الولي الذي هو أولى أي أحق ومثله المولى) وقال في هذا الموضع بعد ان ذكر تأويل قوله تعالى (ذَلِك بِأَنََّ الله مَوْلَى الََّذِينَ آمَنُوا وَأَنََّ الكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ) محمد/11 . وقال الفراء وقال أبو بكر محمد بن القاسم الانباري وقد ذكر أبو عمر وغلام ثعلب في تفسير بيت الحارث بن حلزة زعموا ان كل من ضر ب العَيْرَ *** موال لنا وأنا الولاءُ واما الذي يدل على ان المراد بلفظ (مولى) في خبر الغدير(الأولى) فهو : ان عادة أهل اللسان في خطابهم إذا رأوا جملة مصرِحة وعطفوا عليها بكلام محتمل لما تقدم التصريح به ولغيره لم يجز أن يريدوا بالمحتمل الا المعنى الأول ، يبين صحة ما ذكرناه ان أحدهم إذا قال مقبلا على جماعة ومفهما لهم وله عدة عبيد : الستم عارفين بعبدي فلان ؟ ثم قال عاطفا على كلامه : فاشهدوا ان عبدي حر لوجه الله تعالى ، لم يجز ان يريد بقوله : عبدي بعد ان قدم ما قدمه الا العبد الذي سماه في أول كلامه دون غيره من سائر عبيده ، ومتى أراد سواه كان عندهم مُلغِزا خارجاً عن طريقة البيان . فاما الدليل على ان لفظة (أولى) تفيد معنى الإمامة فهو انا نجد أهل اللغة لا يضعون هذا اللفظ الا فيمن كان يملك تدبيره ووصف بأنه أولى بتدبيره وتصريفه ينفذ فيه أمره ونهيه ، الا تراهم يقولون السلطان أولى باقامة الحدود من الرعية ، وولد الميت أولى بميراثه من كثير من اقاربه ، والزوج أولى بامرأته ، والمولى أولى بعبده ومرادهم من جميع ذلك ما ذكرناه ، ولا خلاف بين المفسرين في ان قوله تعالى (النََّبِىُُّ أَوْلَى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) الأحزاب/6المراد به انه أولى بتدبيرهم والقيام بأمورهم من حيث وجبت طاعته عليهم ، ونحن نعلم انه لا يكون أولى بتدبير الخلق وامرهم ونهيهم من كل أحد منهم الا من كان إماما لهم مفترض الطاعة عليهم » ويتضح بذلك أيضا ان حديث الغدير لم يبقَ على خفائه ولا اجماله في دلالته على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) مع هذا الاستدلال قال السيد المرتضى : « قد دللنا على ثبوت النص على أمير المؤمنينن (عليه السلام) باخبار مجمع على صحتها متفق عليها و ان كان الاختلاف واقعاً في تأويلها وبينا انها تفيد النص عليه بغير احتمال ولا إشكال كقوله (صلى الله عليه وآله) (انت مني بمنزلة هارون من موسى) و(من كنت مولاه فعلي مولاه) إلى غير ذلك مما دللنا على ان القرآن يشهد به كقوله تعالى (إِنََّمَا وَلِيُُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ وَ الََّذِينَ آمَنُوا الََّذِينَ يُقِيمُونَ الصََّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزََّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) المائدة/55 فلا بد ان نطرح كل خبر ناف ما دلت عليه هذه الادلة القاطعة ان كان غير محتمل للتأويل نحمله بالتأويل على ما يوافقها ويطابقها إذا ساغ ذلك فيه » اما مراد السيد المرتضى من قوله « أنا لا ندعي علم الضرورة من النص لا لانفسنا ولا على مخالفينا وما نعرف أحد من اصحابنا صرح بادعاء ذلك » . فهو ان نص الغدير لا يدل على تعيين علي (عليه السلام) إماما بالبداهة ، والضرورة ومن غير استدلال . نعم يقول المرتضى ويقول الشيعة القدماء ان النبي (صلى الله عليه وآله) لو لم يرد الإمامة لعلي في حديث الغدير مع ايجاب خطابه لها لكان ملغزا عادلا عن طريق البيان بل عن طريق الحكمة) وفي ضوء ذلك يتضح خطأ ما ذهب إليه (الاستاذ الكاتب) من سوء استفادة من كلام الشريف المرتضى (رحمهم الله) وتحميل كلامه ما لم يرده ولا يعنيه . ونرى من المفيد في آخر هذه التعليقة ان نضع بين يدي القارىء الكريم كلام الشريف المرتضى في النص الخفي والنص الجلي فيمايلى : قال الشريف المرتضى رح : « الذي نذهب إليه ان النبي صلى الله عليه وآله نص على أمير المؤمنين عليه السلام بالإمامة بعده ، ودل على وجوب فرض طاعته ولزومها لكل مكلف ، وينقسم النص عندنا في الاصل إلى قسمين احدهما يرجع إلى الفعل ويدخل فيه القول ، والآخر إلى القول دون الفعل . فأما النص بالفعل والقول ، فهو ما دلت عليه افعاله صلى الله عليه آله واقواله المبينة لأمير المؤمنين عليه السلام من جميع الأمة ، الدالة على استحقاقه من التعظيم والاجلال والاختصاص بما لم يكن حاصلاً لغيره كمؤاخاته صلى الله عليه وآله بنفسه وانكاحه سيدة نساء العالمين ابنته عليها السلام ، وانه لم يولِ عليه احداً من الصحابة ، ولا ندبه لأمر أو بعثه في جيش الا كان هو الوالي عليه المقدم فيه ، وانه لم ينقم عليه من طول الصحبة وتراخي المدة شيئاً ، ولا انكر منه فعلا ، ولا استبطاه في صغير من الأمور ولا كبير مع كثرة ماتوجه منه صلى الله عليه وآله إلى جماعة من أصحابه من العتب ، اما تصريحا أو تلويحاً . وقوله صلى الله عليه وآله فيه (علي مني وأنا منه) وقد قال قوم من اصحابنا ان دلالة الفعل ربما كانت آكد من دلالة القول : وابعد من الشبهة ، لان القول يدخله المجاز ، ويحتمل (ضروباً من التأويلات لا يحتملها الفعل . فأما النص بالقول دون الفعل فينقسم إلى قسمين : احدهما : ما عَلِمَ سامعوه من الرسول (صلى الله عليه وآله) مراده منه باضطرار ، وان كنا الان نعلم ثبوته والمراد منه استدلالاً وهو النص الذي في ظاهره ولفظه الصريح بالإمامة والخلافة ، ويسميه اصحابنا النص الجلي كقوله عليه السلام (سلموا على علي بإمرة المؤمنين) والقسم الآخر : لا نقطع على ان سامعيه من الرسول (صلى الله عليه وآله) علموا النص بالإمامة منه اضطراراً ولا يمتنع عندنا ان يكونواعلموه استدلالامن حيث اعتبار دلالة اللفظة ، وما يحسن ان يكون المراد أو لا يحسن . فأما نحن فلا نعلم ثبوته والمراد به الا استدلالاً كقوله (صلى الله عليه وآله) (انت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي) و(من كنت مولاه فعلي مولاه) وهذا الضرب من النص هو الذي يسميه اصحابنا النص الخفي . ثم النص بالقول ينقسم قسمة أخرى إلى ضربين : فضرب منه تفرد بنقله الشيعة الامامية خاصة ، وان كان بعض من لم يفطن بما عليه فيه من أصحاب الحديث قد روى شيئا منه ، وهو النص الموسوم بالجلي . والضرب الاخر رواه الشيعي والناصبي وتلقاه جميع الأمة بالقبول على اختلافها ، ولم يدفعه منهم أحد يحفل بدفعه يعد مثله خلافا وان كانوا قد اختلفوا في تأويله وتباينوا في اعتقاد المراد به وهو النص الموسوم بالخفي الذي ذكرناه ثانيا . ونحن الان نشرع في الدلالة على النص الجلي لأنه الذي تفرد اصحابنا به ، وكلام صاحب الكتاب في هذا الفصل : أنه مقصور عليه . فأما النصوص الباقية فسيجىء الكلام في تأويلها وابطال ما جرح المخالفون فيها فيما بعد بعون الله تعالى » ______________________ (1) ابو عبيدة معمر بن المثنى التيمي بالولاء من العلماء باللغة والشعر والادب وايام العرب واخبارها قال فيه الجاحظ (لم يكن في الارض اعلم بجميع العلوم منه وهو اول من صنف في غريب الحديث توفي سنة 209 . (السيد عبد الزهراء الخطيب) رح . (2) الاخطل : غياث برعوث التغلبي لقب بالاخطل لبذاءة لسانه نشأ بالحيرة ثم اتصل بالامويين فكان شاعرهم المفضل توفي سنة 90 والبيت من قصيدة له في مدح يزيد بن معاوية بعد توليه الخلافة . (3) سنن الترمذي 1/204 ابواب النكاح وفي نهاية ابن الاثير ج4/229 مادة (ولا) عن الهروي وقال بعد نقل الحديث (وليها) أي ولي امرها . (4) الفراء ابو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله الديلمي من ائمة اللغة والادب ومن تلامذة الكسائي قال فيه ثعلب (لولا الفراء ماتت اللغة) ولد بالكوفةونشأ بها ثم انتقل إلى بغدادفعهد اليه المأمون تأديب ولديه تـ سنة 207 . (5) اي تفسير عبد الله بن مسعود . (6) نسبة إلى الانبار كان من اعلم اهل زمانه بالادب واللغة ومعرفة ايام العرب ومن اكثرهم حفظا للاشعار وشواهد القرآن حتى قيل : كان يحفظ مائة وعشرين تفسيراً للقرآن وثلاث مائة الف شاهد من شواهده ، توفي ببغداد سنة 328 . (7) الحارث بن حلزة اليشكري شاعر جاهلي من اهل بادية العراق ومن اصحاب المعلقات ارتجل معلقته بين يدي عمرو بن هند ملك الحيرة . (8) العير : الوتد أو الحمار ، وغالبية الناس في زمانه من اهل الوبر يضربون الاوتاد عند اقامتهم . . وقوله (انا الولاء) أي نحن اهل الولاء . (9) الشافي ج2/260-282 اختصرنا ما اوردناه مع المحافظة على الفاظ المرتضى رح . (10) قال العلامة المظفر في دلائل الصدق ج2/57 المطلب الثاني في دلالة حديث الغدير على امامة امير المؤمنين (عليه السلام) . (11) الشافي ج3/99 . (12) الشافي ج2/283 . (13) اخرجه النسائي في الخصائص ص 16 بلفظ (ان عليا مني وانا منه وهو ولي كل مؤمن بعدى) ، والترمذي 2/297 ، واحمد في المسند ج 4/136 ، 437 . (14) جامع الترمذي ج2/299 ، خصائص النسائى/5 المستدرك 3/13 ، تاريخ بغداد 3/171 . (15) انظر شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد 1/12 وابن عساكر (ترجمة امير المؤمنين (عليه السلام) عن بريدة الاسلمي امرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان نسلم على علي بإمره المؤمنين . . . (16) هذا الحديث هو حديث يوم الدار اخرجه الطبري في التاريخ 2/321 واحمد في المسند 1/111/159 ، والحاكم في المستدرك 3/132 والحلبي في السيرة1/381 ، والسيوطي في جمع الجوامع 6/397 عن ابن اسحاق وابن جرير وابن ابي حاتم وابن مردويه وابي نعيم والبيهقي . (17) الشافي ج2/ص 65 - 68 . << السابق | التالي >> | المحتويات | بحث | الرئيسية |