<< السابق | المحتويات | بحث | الرئيسية
شبهات وردود مستدرك الطبعة الرابعة
2- مستدرك حول عبد الله بن الحسن المثنى ص 334 تكملة الهامش رقم 1
وفي معجم رجال الحديث قال السيد الخوئي رحمه الله بعد ان نقل رواية ابن طاووس المادحة : ( هذه الرواية لو سلمت أنها منقولة عن الشيخ الطوسي بجميع طرق السيد ابن طاووس إليه التي بعضها صحيح ، فلا إشكال في أنها من شواذ الروايات ، ولا يمكن أن تقع معارضة للروايات المشهورة في ذم عبد الله بن الحسن ، على أنه كيف يمكن رواية المفيد لهذه الرواية مع روايته عن عبد الله بن الحسن مكالمته لأبي عبد الله (عليه السلام) بما تقشعر منه الجلود ، وقوله : هذا حديث مشهور لا تختلف العلماء بالآثار في صحته . والمتحصل مما ذكرناه : أن عبد الله بن الحسن مجروح مذموم ، ولا أقل من أنه لم يثبت وثاقته أو حسنه ، والله العالم ) .
أقول : من الواضح ان مسألة جرح عبد الله بن الحسن ترتبط بتصديه في قبال الصادق (عليه السلام)وصدوره منه ما لا يليق بمقامه وما اثر عنه (عليه السلام) من كلمات سلبية فيه ، ورأي ابن طاووس يرتبط بهذه المسألة ايضا حين حمل هذه المواقف على التقية وهو وجيه جدا .
إن استفاضة اخبار القدح وشذوذ اخبار المدح في قضية ما هو رهين الظرف الموجب للتقية ، فبزواله تكثر اخبار المدح وتتضائل امامها اخبار القدح ، وباستمراره يكون العكس حيث تكثر اخبار القدح وتتضاءل امامها اخبار المدح ، وفي ضوء ذلك يتضح السر في كثرة واستفاضة اخبار مدح حركة زيد وشذوذ اخبار قدحه اذ الظرف الموجب للتقية وهو الحكم الاموي كان قد انتهى اما الحكم العباسي الذي ثار الحسنيون ضده فهو قائم وقوي فلا يترقب والحال هذه ان تنمو اخبار المدح فيهم وتستفيض ما دام الظرف الموجب للتقية /وهو الحكم العباسي/ قائما وقويا (1) ، ورسالة يحيى بن عبد الله بن الحسن (2) التي يرويها الكليني في الكافي ( قال السيد ا لخوئي عنه : الرجل ممدوح وقد قتل مظلوما شهيدا ) مفيدة جدا في هذا المضمار اذ يقول فيها يخاطب الامام الكاظم ( خبرني من ورد علي من أعوان الله على دينه ونشر طاعته بما كان من تحننك مع خذلانك ... وقديما ادعيتم ما ليس لكم وبسطتم آمالكم إلى ما لم يعطكم الله ، فاستهويتم وأظللتم ) . فكتب إليه ( أتاني كتابك تذكر فيه أني مدع وأبي من قبل ... وذكرت إني ثبطت الناس عنك لرغبتي فيما في يديك ... أحذرك معصية الخليفة وأحثك على بره وطاعته وأن تطلب لنفسك أمانا قبل أن تأخذك الأظفار ويلزمك الخناق من كل مكان ) وقد وقع في يدي هارون فلما قرأه قال : الناس يحملوني على موسى بن جعفر وهو برئ مما يرمى به (3) .
ثم ان كثيرا من اخبار القدح المأثورة نسبت مضمونا الى عبد الله بن الحسن واخيه الحسن بن الحسن مفاده انهما يقولان ( ان اباهما علي لم يكن اماما )وهذا خلاف ما استفاض عن الحركة الحسنية ومن قبل الحركة الزيدية عمق اعتقاد قادتها بامامة علي (عليه السلام) .
روى ابن ابي الحديد كتاب امير المؤمنين الى اهل مصر حين ولى محمد بن ابي بكر مسندا الى عبد الله بن الحسن بن الحسن وفيه : وإياكم ودعوة الكذاب ابن هند . وتأملوا وأعلموا أنه لا سوى إمام الهدى ، وإمام الردى ، ووصى النبي وعدو النبي ، جعلنا الله وإياكم ممن يحب ويرضى (4) .
وروى الصدوق في علل الشرائع ج 1 / 178 2 عن ابيه قال : حدثنا علي بن ابراهيم ، عن محمد بن عيسى قال : حدثنا محمد بن زياد مولى بني هاشم قال : حدثنا شيخ لنا ثقة يقال له نجية بن اسحاق الفزاري قال : حدثنا عبد الله بن الحسن بن الحسن قال : قال لى أبو الحسن لم سميت فاطمة فاطمة ، قلت : فرقا بينه وبين الاسماء قال ان ذلك لمن الاسماء ولكن الاسم الذي سميت به ان الله تبارك وتعالى علم ماكان قبل كونه فعلم ان رسول الله صلى الله عليه وآله يتزوج في الاحياء وانهم يطمعون في وراثة هذا الامر فيهم من قبله فلما ولدت فاطمة سماها الله تبارك وتعالى فاطمة لما اخرج منها وجعل في ولدها فقطعهم عما طمعوا ، فبهذا سميت فاطمة لانها فطمت طمعهم . ومعنى فطمت : قطعت .
وروي عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبي البختري ، قال حدثنا عبد الله بن الحسن بن الحسن : أن بلالا أبى أن يبايع أبا بكر ، وأن عمر أخذ بتلابيبه فقال له : يا بلال ! هذا جزاء أبي بكر منك أن اعتقك فلاتجيئ تبايعه . فقال : إن كان أبو بكر اعتقني لله ، فليدعني لهوإن كان اعتقني لغير ذلك ، فها أناذا ! ! أما بيعته ، فما كنت أبايع أحدا لم يستخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي استخلفه بيعته في أعناقنا إلى يوم القيمة . فقال عمر لا أبا لك ، لا تقم معنا ! فارتحل إلى الشام وتوفى بدمشق (5) .
وروى ابن ابي الحديد عن أبي بكر الجوهري : قال حدثني المؤمل بن جعفر قال حدثنى محمد بن ميمون عن داود بن المبارك قال : أتينا عبد الله بن موس ى بن عبد الله بن حسن بن الحسن ونحن راجعون من الحج في جماعة فسألناه عن مسائل وكنت أحد من سأله فسألته عن أبى بكر وعمر فقال : سئل جدي عبد الله بن الحسن بن الحسن عن هذه المسألة فقال : كانت أمي صدِّيقة بنت نبي مرسل فماتت وهى غضبى على إنسان فنحن غضاب لغضبها وإذا رضيت رضينا (6) .
وقد روى ابن ابي الحديد ايضا بواسطة الجوهري خطبة الزهراء بعدة طرق احدها طريق عبد الله بن الحسن (7) .
وهذا الموقف هو موقف زيد بن علي (عليه السلام) قبل ذلك مؤسس الحركة التي حمل لواءها الحسنيون بعده (8) حين سأله سالم بن ابي حفصة وغيره انهم يتولون ابا بكر وعمر ويتبرأون من اعدائهم قال لهم زيد ويلكم اتتبرأون من فاطمة ؟ بترتم امرنا بتركم الله بتركم فيومئذ سموا البترية .
ومن هذه الروايات يتضح كذب ما نسب الى عبد الله بن الحسن انه يقول بالمسح على الخفين اقتداء بعمر وان عمر خير منه ومل الا رض مثله كما في رواية شبابة التي ذكرناها في المتنوروايات الفضيل بن مرزوق وحفص بن قيس وغيرهما من الضعفاء ممن روى عنه ابن عساكر تلك المناكير بحق عبد الله بن الحسن .
ثم ان قضية التنزه عن المسح عن الخفين بوصفها سيرة عملية لعبد الله بن الحسن ومذهب لأهل البيت تؤكده رواية الكافي التي يستند اليها القادحون من ان عبد الله يفتي بغير ما انزل الله في جواب سؤال الكلبي النسابة حين ساله عن المسح : فقال : ( قد مسح قوم صالحون ، ونحن أهل البيت لا نمسح ) . وفوق ذلك هي من خصائص الفقه الزيدي الى اليوم وقد جاء في مسند زيد بن علي ص 82 : قال انا ولد فاطمة عليها السلام لا نمسح على الخفين ، وفي الأحكام للامام يحيى بن الحسين ج 1/78 : باب القول في المسح على الخفين والشراكين والرجلين والخمار والعمامة والقلنسوة قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه : أجمع آل رسول الله صلى الله عليه وآله أنه لا مسح على شئ من ذلك (9) .
وهناك شواهد اخرى على رأي ابن طاووس من قبيل :
ما رواه الكليني عن علي بن ابراهيم ، عن أبيه ، وحميد بن زياد ، عن عبيدالله بن أحمد جميعا ، عن ابن أبى عمير ، عن زيد النرسي ، عن علي بن فرقد صاحب السابري قال : أوصى إلى رجل بتركته وأمرني أن أحج بها عنه فنظرت في ذلك فإذا شئ يسير لا يكفى للحج فسألت أبا حنيفة وفقهاء أهل الكوفة فقالوا : تصدق بها عنه فلما حججت لقيت عبد الله بن الحسن في الطواف فسألته وقلت له : إن رجلا من مواليكم من أهل الكوفة مات وأوصى بتركته إلي وأمرني أن أحج بها عنه فنظرت في ذلك فلم يكف للحج فسألت من قبلنا من الفقهاء فقالوا : تصدق بها فتصدقت بها فما تقول ؟ فقال لي : هذا جعفر بن محمد في الحجر فأته وسله قال : فدخلت الحجر فإذا أبو عبد الله عليه السلام تحت الميزاب مقبل بوجهه على البيت يدعو ثم التفت الي فرآني فقال : ما حاجتك ؟ قلت : جعلت فداك إني رجل من أهل الكوفة من مواليكم قال : فدع ذا عنك ، حاجتك ؟ قلت : رجل مات وأوصى بتركته أن أحج بها عنه فنظرت في ذلك فلم يكف للحج فسألت من عندنا من الفقهاء فقالوا : تصدق بها ، فقال : صنعت ؟ قلت تصدقت بها ، فقال : ضمنت إلا أن يكون لا يبلغ أن يحج به من مكة فإن كان لا يبلغ أن يحج به من مكة فليس عليك ضمان وإن كان يبلغ به من مكة فأنت ضامن (10) .
وما رواه الكليني ايضا عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن يزيد بن خليفة قال : كان في جانب بيتي مكتل فيه بيضتان من حمام الحرم فذهب الغلام يكب المكتل وهو لا يعلم أن فيه بيضتين فكسرهما فخرجت ، فلقيت عبد الله بن الحسن فذكرت ذلك له فقال : تصدق بكفين من دقيق ، قال : ثم لقيت أبا عبد الله ( عليه السلام ) بعد فأخبرته فقال : ثمن طيرين تعلف به حمام الحرم ، فلقيت عبد الله بن الحسن فأخبرته ، فقال : صدقك حدث به فإنما أخذه عن آبائه (11) .
وليس من شك ان هذين الموقفين يكشفان عن تأييد خاص من قبل عبد الله بن الحسن لمرجعية الامام الصادق وفناء فيها اذ ان عبد الله بن الحسن يعتبر اسن بني فاطمة( عليها السلام ) في عهد الصادق (عليه السلام)وهو معدود من فقهاء المدينة والهاشميين (12) وله اتباع ياخذون بفتواه (13) وهو مع ذلك يرجح رواية الصادق على فتواه شخصيا ويرجع اليه من استفتاه .
وموقف عبد الله بن الحسن هو موقف يحيى بن زيد نفسه الذي نقله المتوكل بن هارون راوي الصحيفة السجادية قا ل : لقيت يحيى ابن زيد ابن علي عليه السلام وهو متوجه إلى خراسان بعد قتل ابيه فسلمت عليه فقال لي : من اين اقبلت ؟ قلت من الحج ، فسألني عن اهله وبني عمه بالمدينة واحفى السؤال عن جعفر ابن محمد عليه السلام فاخبرته بخبره وخبرهم وحزنهم على ابيه زيد ابن علي عليه السلام فقال لي : قد كان عمي محمد بن علي عليه السلام اشار على ابي بترك الخروج وعرفه إن هو خرج وفارق المدينة ما يكون إليه مصير امره فهل لقيت ابن عمي جعفر ابن محمد عليه السلام ؟ قلت : نعم قال فهل سمعته يذكر شيئا من امري ؟ قلت : نعم ، قال : بم ذكرني ؟ خبرني ، قلت : جعلت فداك ما احب ان استقبلك بما سمعته منه ، فقال : ابا الموت تخوفني هات ما سمعته ، فقلت : سمعته يقول : انك تقتل وتصلب كما قتل ابوك وصلب فتغير وجهه وقال : يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب ، يا متوكل ان الله عزوجل ايد هذا الامر بنا وجعل لنا العلم والسيف فجمعا لنا وخص بنو عمنا بالعلم وحده فقلت جعلت فداك اني رايت الناس إلى ابن عمك جعفر عليه السلام اميل منهم اليك والى ابيك ، فقال ان عمي محمد ابن علي وابنه جعفرا عليهما السلام دعوا الناس إلى الحيوة ونحن دعوناهم إلى الموت فقلت : يا ابن رسول الله اهم اعلم ام انتم ؟ فاطرق إلى الارض مليا ثم رفع رأسه وقال : كلنا له علم غير انهم يعلمون كلما نعلم ولا نعلم كلما يعلمون .
ويتحصل من ذلك كله ان شأن الروايات القادحة في عبد الله بن الحسن ومن يرتبط به ممن قاد حركة المعارضة ضد العباسيين شان نظيراتها في زيد بكون الاطار العام لها هو التقية . وتكون حركة الحسنيين امتدادا لحركة زيد وابنه يحيى حركة مشروعة كانت تدعو للرضا من ال محمد ولو ظفرت لوفت كما قال الصادق (عليه السلام)عن عمه زيد .
ومن القرائن الاخرى على كون حركة الحسنيين كحركة زيد خروج الحسين بن زيد بن علي مع محمد وابراهيم حين خرجا . وقد تربى في بيت الامام الصادقوكتب عنه كتابا رواه عنه الشيخ الصدوق بواسطة محمد بن ابي عمير وشعيب بن واقد عنه ورواه الشيخ الطوسي بواسطة ابراهيم بن سليمان عنه ورواه النجاشي عنه بواسطة عباد بن يعقوب عنه ، وقد روى كتابه اخرون منهم ولداه القاسم بن الحسين ومحمد بن الحسين وابان بن عثمان ومحمد بن ابراهيم الكوفي والحسن بن الحسين الانصاري وعبد الله بن عبدالرحمن هؤلاء من رواة الامامية وروى حديثه من العامة كثير (14) ، وبقي محافظا على ارتباطه بمدرسة الامام الصادق والقول بامامة ولده الكاظم ، ولم يسجل على الحسين بن زيد كلام سلبي من قبل الائمة ولا من قبل رواة أحاديثهم .
قال النجاشي : " الحسين بن زيد بن علي بن الحسين أبو عبد الله ، يلقب ذا الدمعة ، كان أبو عبد الله عليه السلام تبناه ورباه ، وزوجه بنت الارقط ، وروى عن أبي عبد الله ، وأبي الحسن عليهما السلام له كتاب ... وقال الشيخ الطوسي : له كتاب ، رواه حميد ، عن إبراهيم ابن سليمان عن الحسين بن زيد .
قال ابو الفرج : شهد الحسين بن زيد بن حرب بن محمد وإبراهيم بني عبد الله بن الحسن بن الحسن ثم توارى . وكان مقيما في منزل جعفر بن محمد . وكان جعفر رباه ونشأ في حجره منذ قتل ابوه واخذ عنه علما كثيرا . فلما لم يذكر فيمن طلب ظهر لمن يأنس به من اهله وإخوانه . وكان أخوه محمد بن زيد مع ابي جعفر مسودا لم يشهد مع محمد وإبراهيم حربهما فكان يكاتبه بما يسكن منه ، ثم ظهر بعد ذلك بالمدينة ظهورا تاما إلا أنه كان لا يجالس احدا ولا يدخل إليه إلا من يثق به . وكان الحسين بن زيد يلقب ذاالدمعة لكثرة بكائه (15) . وقد نقل ابن حجر عن الذهبي : ان وفاته بحدود التسعين وله اكثر من ثمانين سنة (16) .
وفي قرب الاسناد عن الحسن بن ظريف ، عن أبيه ظريف بن ناصح قال : كنت مع الحسين بن زيد ومعه ابنه علي ، إذ مر بنا ابو الحسن موسى بن جعفر صلى الله عليه فسلم عليه ثم جاز فقلت : جعلت فداك ، يعرف موسى قائم آل محمد ؟ قال : فقال لي : إن يكن أحد يعرفه فهو . ثم قال : وكيف لا يعرفه وعنده خط علي بن أبي طالب صلى الله عليه وإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله . فقال : علي ابنه : يا أبه كيف لم يكن ذاك عند أبي زيد بن علي ؟ فقال : يا بني ، إن علي بن الحسين ومحمد بن علي سيدا الناس وإماماهم ، فلزم يا بني ابوك زيد أخاه فتأدب بأدبه وتفقه بفقهه . قال : فقلت : فأراه يا أبه إن حدث بموسى حدث يوصى إلى أحد من أخوته ؟ قال : لا والله ما يوصي إلا إلى ابنه ... (17) .
نكتفي بهذا القدر من التعليق ولعلنا اذا وفق الله تعالى نفرد هذه المسألة في بحث مستقل في فرصة اخرى .
<< السابق | المحتويات | بحث | الرئيسية
صفحة مكتب العلامة المحقق السيد سامي البدري
|