احتجاج الإمام علي (ع) بحديث الغدير |
قال البغدادي :
ان عليا (ع) لم يحتج في ما ثبت عنه بأي قول يشير إلى النص عليه
يقال له:
لقد احتج الإمام علي (ع) بحديث الغدير وقد تواتر ذلك عنه في كتب الحديث
صفحة 55 |
نص الشبهة
قال البغدادي :
" والأغرب من ذلك كله .. ان الإمام علي (ع) لم يحتج لنفسه ـ فيما ثبت عنه ـ بأي قول يشير إلى هذا (التعيين) ".
الرد على الشبهة
أولا :
لقد ثبت تاريخيا ان الإمام علي (ع) قد احتج بحديث الغدير في اكثر من مناسبة كان اشهرها في المصادر التاريخية والحديثية الميسرة بين أيدينا هي مناشدته للناس في مسجد الكوفة بعد عودته من حرب الجمل .
صفحة 56 |
قال عبد الحق الدهلوي البخاري (1) في كتابه اللمعات في شرح المشكاة في تعليقه على حديث الغدير :
“ وهذا حديث صحيح لا مرية فيه وقد أخرجه جماعة كالترمذي والنسائي واحمد وطرقه كثيرة جدا رواه ستة عشر صحابيا (2) وفي رواية لاحمد انه سمعه من النبي (ص) ثلاثون صحابيا وشهدوا به لعلي (ع) لما نوزع أيام خلافته وكثير من أسانيده صحاح وحسان ولا التفات لمن قدح في صحته (3) ولا إلى قول بعضهم (ان
(1) عالم سني انظر ترجمته في كتاب سبحة المرجان ص 52 .
(2) بل سمعه من النبي(ص) كل من كان معه في حجة الوداع وهم مابين سبعين ألف إلى مائة ألف وقد أحصى العلامة الاميني في كتابه الغديرالجزء الأول مائة وعشرة من الصحابة في ضوء المصادر الحديثية والتاريخية التي تيسرت له . رجوع
(3) كان ممن قدح في صحة حديث الغدير ابن حزم الأندلسي في ما نقل عنه ابن تيمية في منهاج السنة ج4 : 86 ، وقال ابن تيمية في الصفحة نفسها عن حديث الغدير انه ليس في الصحاح ولكن هو مما رواه ا لعلماء وتنازع الناس في صحته ونقل عن البخاري وإبراهيم الحربي وطائفة من أهل العلم بالحديث انهم طعنوا فيه وضعفوه . وذهب إلى تضعيفه أيضا الايجي في المواقف ج8 : 391 ، والرازي في كتابه نهاية العقول ، وقد استوفى الرد عليهم صاحب العبقات ، انظر خلاصة عبقات الأنوار ج6 : 135ـ404 .
صفحة 57 |
زيادة اللهم وال من والاه إلى آخره) موضوع فقد ورد ذلك من طرق صحح الذهبي (1) كثيرا منها كذا قال الشيخ ابن حجر في الصواعق المحرقة ”.
(1) قال الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء ج14 : 277 : " جمع الطبري (ابن جرير) طرق حديث غدير خم في أربعة أجزاء رأيت شطره فبهرني لسعة رواياته وجزمت بوقوع ذلك . ونقل عنه ابن كثير في تاريخه ج5 : 214 انه قال " وصدر الحديث (من كنت مولاه فعلي مولاه) متواتر اتيقن ان رسول الله (ص) قاله ، واما (اللهم وال من والاه) فزيادة قوية الاسناد " .
أقول : وقد ذكر ياقوت في معجم الأدباء ج18 : 83ـ85 . ان بعض الشيوخ ببغدادقال بتكذيب حديث غدير خم وقال ان علي بن أبي طالب كان باليمنفي الوقت الذي كان رسول الله (ص) بغدير خم فبلغ أبا جعفر الطبري ذلك فابتدأ بالكلام في فضائل علي بنأبي طالب وذكر طرق حديث غدير خم ، قال ياقوت قال أبو بكر بن كامل حضرت أبا جعفر الطبري حين حضرته الوفاة فسألته ان يجعل كل من عاداه في حل فقال كل من عاداني وتكلم فيَّ إلا رجلا رماني ببدعة قال ياقوت ودفن ليلا خوفا من العامة لانهم كانوا يتهمونه بالتشيع .
أقول : اتهم الطبري بالتشيع لروايته حديث الغدير في كتابه الذي ذكره الذهبي وحديث الوصية في كتابه التاريخ وكانت عقيدته كما ذكر ياقوت هي الاعتقاد بإمامة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي (ع) وما عليه أصحاب الحديث في التفضيل وكانيكفر من كفَّر أصحاب رسول الله من الروافض والخوارج ولا يقبل أخبارهم ولا شهاداتهم (معجم الأدباء ج18 : 83ـ85) .
صفحة 58 |
أقول: روى احمد بن حنبل عن عبد الله بن عمر الجشمي البصري (ت235) عن عبيد الله بن عمر القواريري عن يونس بن أرقم عن يزيد بن زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى (ت 83) قال شهدت عليا في الرحبة (1) قال :
“ انشد الله رجلا سمع رسول الله وشهد يوم غدير خم إلا قام ولا يقوم إلا من رآه فقام اثنا عشر بدريا فقالوا نشهد انا سمعنا رسول الله (ص) يقول يوم غدير خم (الست أولى بالمؤمنين من أنفسهموأزواجه أمهاتهم فقالوا بلى يا رسول الله قال فمن كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) ” (2) .
وفيه أيضا بسند آخر قال “ واخذل من خذله ” (3) .
وفيه أيضا بسنده عن أبي الطفيل عامر بن واثلة (ت100) (4) قال :
“ جمع علي (ع) الناس في الرحبة ثم قال لهم :
انشد الله كل امرئ سمع من رسول الله (ص) يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام فقام ثلاثون من الناس فشهدوا .
(1) الرحبة : ساحة مسجد الكوفة ألأرض الواسعة المخصصة للاجتماعات الواسعة .
(2) ج1 : 119 قال في الفتح الرباني إسناده صحيح .
(3) ج1 : 119 وفيها (إلا ثلاثة لم يقوموا فأصابتهم دعوته) .
(4) صحابي ولد في أحد وأدرك من عمره ثماني سنوات مع النبي (ص) .
صفحة 59 |
قال أبو واثلة فخرجت وكأن في نفسي شيئا فلقيت زيد بن أرقمفقلت له إني سمعت عليا (ع) يقول كذا وكذا .
قال فما تنكر قد سمعت رسول الله يقول ذلك له ” (1) .
وقوله (فخرجت وكأن في نفسي شيئا) يبدو منه ان أبا الطفيل استعظم النتائج المترتبة على حديث الغدير وهي هلاك وضلالة من خالف عليا أو خذله أو قاتله أو قدَّم نفسه عليه لذلك راح يستزيد عن القضية اكثر (2) .
ومن الجدير ذكره هنا ان حديث الغدير الذي استنشده علي (ع) لم يكن يتضمن ذكر علي (ع) فقط بل تضمن أيضا ذكر أهل بيته ، وقد روى الحاكم النيسابوري الرواية كاملة عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال :
(1) ج4 : 370 .
(2) وقد روى حديث المناشدة هذا من التابعين منهم سعيد بن وهب ، وزيد بن يثيع ، وعبد خير ، وحبة العرني ، وعمرو بن ذي مر ، وسعيد بن حدان ، وأبو سليمان ، وزاذان ، وعميرة بن سعد ، وغيرهم وقد اخرج أحاديث هؤلاء أبو نعيم في حلية الأولياء وابن كثير في البداية والنهاية والخطيب في تاريخ بغداد والنسائي في الخصائص وابن المغازلي في المناقب وابن حجر العسقلاني في الإصابة وابن الأثير في أسد الغابة وغيرهم .
صفحة 60 |
“ خرجنا مع رسول الله (ص) حتى انتهينا إلى غدير خم عند شجيرات خمس ودوحات عظام فكنس الناس ما تحت الشجيرات ثم استراح رسول الله (ص) عشية فصلى ثم قام خطيبا فحمد الله واثنى عليه ثم قال :
أيها الناس إني تارك فيكم أمرين (1) لن تضلوا ان اتبعتموهما وهما كتاب الله وأهل بيتي عترتي ثم قال أتعلمون أني أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم ثلاث مرات قالوا نعم فقال رسول الله (ص) من كنت مولاه فعلي مولاه … ” (2) .
(1) في رواية مسلم واحمد (ثقلين) .
(2) المستدرك على الصحيحين 3 : 110 ، 3 : 533 تاريخ دمشق ترجمة علي(ع) ج2 : 36 الحديث رقم 534 وقد رواه البلاذري أيضا في الحديث رقم 48 من ترجمة علي (ع) ص110 تحقيق المحمودي وفيه قول النبي (ص) (كأني قد دعيت فأجبت وان الله مولاي وانا مولى كل مؤمن وانا تارك فيكم ...) ورواه ابن كثير في البداية والنهاية ج2 ص206 عن سنن النسائيورواه أيضا محمد بن جرير الطبري عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقموعن عطية عن أبي سعيد الخدري ورواه أيضا ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة ص23 . كماورواه أيضا في كنز العمال ج 13 : 104الحديث رقم (36340) تصحيح الشيخ صفوة السقا .
صفحة 61 |
وفي رواية الطبراني بعد قوله عترتي “ وان اللطيف الخبير نَبَّأَني انهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض وسألت ذلك لهما ، فلا تَقدَّموهُما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلموهم فانهم اعلم منكم ” (1) .
وقد ورد حديث النبي (ص) في أهل بيته في مناسبات شتى ولم يكن مقتصرا على مناسبة غدير خم .
قال ابن حجر الهيثمي : “ اعلم ان لحديث التمسك بذلك طرقا عديدة كثيرة وردت عن نيف وعشرين (2) صحابيا وفي بعض تلك الطرق انه قال ذلك بحجة الوداع بعرفة (3) وفي أخرى انه قاله بالمدينة في مرضه وقد امتلأت الحجرة بأصحابه (4) وفي أخرى انه
(1) المعجم الكبير ج5 :ص167 الحديث رقم4971 وقال في مجمع الزوائد 9 :164 فيه حكيم بن جبير وهو ضعيف قال ابن حجر في التقريب ضعيف رمي بالتشيع .
(2) في غاية المرام للبحراني وصلت الأحاديث من طرق السنة إلى 39 حديثا .
(3) كما روى ذلك الترمذي في ج5 : 621 والمزي في تهذيب الكمال ج10 : 51 والخطيب التبريزي في المشكاة ج3 : 258 والطبراني في المعجم الكبيرج3 : 63 ح 2679 .
(4) أخرجه العصامي في سمط النجوم العوالي ج2 : 502 برقم 136 عن أبي بكر بن أبي شيبة ، وذكره أيضا البزار في زاوئده .
صفحة 62 |
قال ذلك بغدير خم وفي آخر انه قال ذلك لما قام خطيبا بعد انصرافه من الطائف (1) " (2) .
ثانيا:
وفي ضوء حديث الثقلين وحديث الولاية كان علي (ع) أيام حكومته يوضح للناس حقيقة منزلته ومنزلة أهل البيت (ع) .
فمن كلماته قوله (ع) : “ لا يقاس بآل محمد (ص) من هذه الأمةأحد ولا يُسَوّى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا هم أساس الدين وعماد اليقين إليهم يفىء الغالي وبهم يلحق التالي ، ولهم خصائص حق الولاية وفيهم الوصية والوراثة الاَّن إذ رجع الحق إلى أهله ونقل إلى منتقله ”(خ2) .
وقوله (ع) : “ أين الذين زعموا انهم الراسخون في العلم دوننا كذبا وبغيا علينا ، ان رفعنا الله ووضعهم ، وأعطانا وحرمهم ، وأدخلنا وأخرجهم ، بنا يستعطى الهدى ، ويستجلى العمى ، ان الأئمة من قريش غُرسوا في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ، ولا
(1) أخرجه في الصواعق ص75 عن ابن أبي شيبة .
(2) الصواعق المحرقة 79ـ90 .
صفحة 63 |
تصلح الولاة من غيرهم ”(خ 152) .
وقوله (ع) : “ وخلف فينا راية الحق ، من تقدمها مرق ، ومن تخلَّف عنها زهق ، ومن لزمها لحق ”.
وقوله (ع) : “ هم عيش العلم وموت الجهل .. لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه ، وهم دعائم الإسلام ، وولائج الاعتصام ، بهم عاد الحق إلى نصابه ، وانزاح الباطل عن مقامه وانقطع لسانه عن منبته ”(خ 239) .
وقوله (ع) عن نفسه : “ وأنا من رسول الله كالضوء من الضوءوالذراع من العضد ”(الكلام رقم 451) .
وقوله (ع) : “ لقد علمتم اني أحق بها من غيري ”خ 74 .
وقوله (ع) : “ أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة وانه ليعلم ان محلي منها محل القطب من الرحى ينحدر عني السيل ولا يرقى إلىَّ الطير ”(خ3) .
وفي ضوء ذلك يتضح ان الولاية لعلي (ع) في حديث الرسول (ص) لا تعني المحبة والنصرة (1) ، لان هذين الأمرين من حق
(1) كما ذهب إلى ذلك الدهلوي صاحب التحفة الاثني عشرية والشيخ النبهانيفي كتابه الشخصية الإسلامية ج2 : 69 وغيرهما من علماء السنة .
صفحة 64 |
كل مؤمن ، و علي (ع) أول المؤمنين ، وليست لغيره سوابق في الإيمان والجهاد كسوابقه بل ليست لغيره من الطاعة والانقياد لله ورسوله كانقياده وطاعته ، وحقه في المحبة والنصرة محفوظ من هذه الناحية ، وإنما أراد بالولاية تلك الولاية الخاصة بالرسول دون غيره من المؤمنين ، هذه الولاية التي تجعل المؤمنين إلى آخر الدنيا في جانب والرسول في جانب آخر ، وولاية الرسول التي ينفرد بها هي ولاية الله تعالى ، وولاية الله تعالى لا تقف عند حدود المحبة والنصرة ، بل تمتد إلى جانب الإتباع والطاعة والاحتكام إليه ، والوقوف عند أمره ونهيه حيا كان او ميتا (1) ، وهذا هو المعنى الذي فهمه أبو واثلة واستعظمه ، لان معناه عليه ان يرتبط بعلي (ع) كارتباطه برسول الله (ص) حتى بعد موته وهكذا كان أمره إذ عرف أبو الطفيل عامر بن واثلة انه من شيعة علي (ع) وشهد مشاهده كلها ، وبقي أبو الطفيل بعد علي (ع) وقد سأله معاوية يوما كيف وَجْدُك على خليلك أبي الحسن يا بن واثلة قال : كحب الفاقد لأخيها
(1) قال السيد كاظم الحائري : ان ولاية المعصوم غير مخصوصة بأيام حياته ونفهم ذلك من قوله تعالى(النبي اولا بالمؤمنين من انفسهم) ومن قوله (صلى الله عليه وآله) من كنت مولاه فهذا علي مولاه . (الامامة وقيادة المجتمع للحائري ص213) .
صفحة 65 |
وزوجها وولدها وإلى الله تعالى أشكو التقصير (1) .
ثالثا:
وإذا أراد القارئ الكريم مزيدا من التفصيل عن حديث الغدير وما أثير حوله من اشكالات سندية ودلالية وأجوبة علماء الشيعةعلى ذلك فعليه بكتاب الغدير ج 1 للعلامة الاميني (رح) وكتاب عبقات الأنوار ج6 ـ 9 تعريب وتلخيص العلامة الميلاني فأنهما أوسع وافضل ما كتب في هذا الباب .
(1) كتاب الوافدين من الرجال على معاوية للعباس بن بكار الضبي ص 26 .