الصحابة وحديث الغدير |
قوله:
ان الصحابة لم يفهموا من حديث الغدير او غيره من الاحاديث معنى النص والتعيين بالخلافة
اقول :
بل الصحابة فهموا ذلك وبسببه منعوا تداول تلك الاحاديث بين الناس خمساً وعشرين سنة
صفحة 71 |
نص الشبهة
قوله “ ان الصحابة لم يفهموا من حديث الغدير أو غيره من الأحاديث معنى النص والتعيين بالخلافة ولذلك اختاروا طريق الشورى وبايعوا أبا بكر كخليفة من بعد الرسول مما يدل على عدم وضوح معنى الخلافة من النصوص الواردة بحق الإمام علي أو عدم وجودها في ذلك الزمان ” ص 14 .
الرد على الشبهة
أقول :
بل الصحابة فهموا من الحديث معنى النص والتعيين ولم يكن لديهم شك في ذلك وادل دليل على فهمهم هو منعهم تداول هذه الأحاديث شفاها وتدوينا لما استقرت السلطة بايديهم بل عمدوا إلى ما كتبه هذا وذاك من الصحابة من أحاديث النبي فجمعوه واحرقوه ، وجرَّهم ذلك اخيراً إلى احراق المصاحف المنتشرة زمن النبي (ص) بسبب ما يوجد بهامشها من أحاديث النبي (ص) المفسِّرة للآيات النازلة في أهل البيت وقد ذكرنا طرفا من أخبار هذه المسألة في الحلقة الثانية من شبهات وردود ط 2ص 159- 163 .
صفحة 72 |
ويعضد ذلك ما رواه عامر بن واثلة أبو الطفيل الكناني من حديث المناشدة قال : جمع علي (ع) الناس في الرحبة ثم قال لهم انشد الله كل امريء سمع من رسول الله (ص) يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام فقام ثلاثون من الناس فشهدوا .
قال أبو واثلة فخرجت وكأنَّ في نفسي شيئا فلقيت زيد بن ارقم فقلت له اني سمعت عليا يقول كذا وكذا قال فما تنكر قد سمعت رسول الله (ص) يقول ذلك له (1) .
وقد كان أبو واثلة من صغار الصحابة وكان مقيما في مكة وتوفي النبي (ص) وعمره ثمان سنوات وفي ضوء ذلك يكون عمره لما بويع علي (ع) على الحكم ثلاثا وثلاثين سنة وكان مقيما في مكة ولم يسمع طوال هذه المدة بحديث الغدير بسبب منع السلطة روايته ورواية غيره من أحاديث النبي في أهل البيت (ع) ، والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو ما الذي استنكره أبو واثلة من حديث الغدير حين سمعه لاول مرة وما الذي وقع في نفسه منه ؟ ليس من شك ان الذي وقع في نفسه واستعظمه هو انَّ لعلي بحديث الغدير ولاية كولاية الرسول (ص) على الأمة وهي اعظم من ولاية الحكومة اذ ولاية الحكومة من اثارها
(1) انظر من روى حديث المناشدة هذا في الحلقة الثانية من شبهات وردود ص 59 .
صفحة 73 |
وفروعها وبالتالي فان كل من تقدم عليه في الحكم أو في غيره كان كأنه قد تقدَّم على رسول الله (ص) في ذلك .
اما قوله (ولذلك اختاروا اي الصحابة طريق الشورى وبايعوا ابا بكر) فقد المحنا في الحلقة الثانية من كتابنا هذا ان الذي جرى بعد وفاة النبي (ص) كان انقلاباً قد خطط له من قبل ، وقد أشار إليه قوله تعالى (وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على اعقابكم…) وقد اوضحت أحاديث الرسول (ص) الصحيحة المروية في كتب السنة والشيعة تلك الحقيقة المرة .
وإلى القاريء الكريم طرفا منها :
روى البخاري بسنده عن ابن عباس قال : قال رسول الله (ص) تحشرون حفاة عراة ... فاول من يكسى ابراهيم ثم يؤخذ برجال من اصحابي ذات اليمين وذات الشمال فاقول اصحابي فيقال انهم لم يزالوا مرتدين على اعقابهم منذ فارقتهم فاقول كما قال العبد الصالح عيسى بن مريم (و كنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت انت الرقيب عليهم ...) (1) .
(1) البخاري كتاب بدء الخلق باب (واذكر في الكتاب مريم) وباب قوله تعالى واتخذ الله ابراهيم خليلا) وكتاب تفسير القرآن /المائدة . وكتاب الدعوات باب كيفية الحشر.
صفحة 74 |
قال البخاري قال محمد بن يوسف ذكر عن ابي عبد الله عن قبيصة قال هم المرتدون الذي ارتدوا على عهد ابي بكر فقاتلهم ابو بكر .
اقول : لقد حاول البخاري ومن قبله ان يوجهوا احاديث الحوض ويصرفوها عن الصحابة الى غيرهم ولكن حديث البراء بن عازب يؤكد خلاف ذلك فقد روى البخاري بسنده عن العلاء بن المسيب عن ابيه قال لقيت البراء بن عازب فقلت طوبى لك صحبت النبي (ص) وبايعته تحت الشجرة فقال : يا ابن اخي انك لا تدري ما احدثنا بعده (1) .
وروى البخاري بسنده عن ابن المسيب انه كان يحدث عن اصحاب النبي (ص) ان النبي (ص) قال يرد على الحوض رجال من اصحابي فيحلؤون عنه فاقول يارب اصحابي فيقول انك لاعلم لك بما احدثوا بعدك انهم ارتدوا على ادبارهم القهقرى (2) .
وروى البخاري بسنده عن سهل بن سعد قال قال النبي (ص) : اني فَرَطُكُم على الحوض من مرَّ علي شرب ومن شرب لم يضمأ ابداً
(1) البخاري كتاب المغازي باب غزوة الحديبية .
(2) البخاري كتاب الدعوات باب ذكر الحوض .
صفحة 75 |
ليردن عليَّ اقوام اعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم (1) .
قال ابو حازم فسمعني النعمان بن ابي عياش فقال ، هكذا سمعت من سعد فقلت نعم . فقال اشهد على ابي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها فأقول (أي النبي (ص)) انهم مني فيقال انك لا تدري ما احدثوا بعدك فاقول سحقا سحقاً لمن غير بعدي (2) .
وروى البخاري بسنده عن ابي هريرة قال النبي (ص) : بينما انا قائم اذا زمرة حتى اذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلم : فقلت اين ؟قال الى النار ، قلت وما شأنهم ؟ قال انهم ارتدوا على ادبارهم فلا اراه يخلص منهم الا مثل همل النعم (3) .
وروى احمد في مسنده بسنده عن ام سلمة انه (ص) قال : ايها الناس بينما انا على الحوض جيء بكم زمراً فتفرقت بكم الطرق فناديتكم الا هلموا الى الطريق فناداني مناد : انهم قد بدلوا بعدك فقلت : الا سحقا سحقا (4) .
(1) البخاري كتاب الرقاق .
(2) البخاري كتاب الدعوات باب الصراط جهنم ، وكتاب الفتن باب قوله (واتقوا فتنة لا تعيبن) .
(3) البخاري كتاب الدعوات باب الحوض وقوله تعالى انا اعطيناك الكوثر .
(4) مسند احمد ج6/297 .
صفحة 76 |
وروى احمد ايضا بسنده عن ابي سعيد الخدري عن النبي (ص) انه قال : تزعمون ان قرابتي لا تنفع قومي ؟ والله ان رحمي موصولة في الدنيا والآخرة اذا كان يوم القيامة يرفع لي قوم يؤمر بهم ذات اليسار فيقول الرجل يا محمد انا فلان بن فلان ، ويقول الاخر انا فلان بن فلان ، فاقول اما النسب قد عرفت ولكنكم احدثتم بعدي وارتددتم على اعقابكم القهقرى (1) .
اما قوله (او عدم وجودها في ذلك الزمان) فان كان يريد بذلك احتمال ان يكون حديث الغدير موضوعاًً فلنقرأ على كل الاحاديث النبوية السلام وذلك لانه لم يتوفر لاي حديث نبوي ما توفر لحديث الغدير من رواة فاذا احتملنا انَّ حديث الغدير موضوع كان كل حديث بعده اولى بهذا الاحتمال وحينئذ لا يثبت لدينا شئ من السنة النبوية المطهرة .
(1) مسند احمد ج3/39 .