المدخل إلى دراسة مصادر السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي
الباب الأول : بحوث تمهيدية
الفصل الخامس : دوافع التحريف

لا يختلف اثنان من الباحثين الإسلاميين في تفسير ظاهرة التعارض والإختلاف في روايات السيرة والتاريخ ، بأنَّ مرجع ذلك بشكل أساسي إلى الكذب من الرواة المعروفين بذلك أو إلى الإشتباه ممَّن لا يتعمد الكذب منهم .

ويمكننا إجمال دوافع الوضع والكذب عند رواة السيرة والتاريخ حسب أهميتها إلى ما يلي :

الدافع الأوّل : رغبة السلطات في الوضع ، وقد يلتقي معها غالبا الدافع الثاني أو الثالث الآتيان .

الدافع الثاني : رغبة الزنادقة في التحريف .

الدافع الثالث : رغبة بعض الرواة في نصرة معتقده أو الإنتقاص من أحد بغضاً وحسداً له .

وقد أُبتليت أخبار السيرة والتاريخ أيضاً بعامل آخر هو الكتمان في قليل أو كثير خوفاً من السلطة ، وأحياناً حسداً وبغضاً وأحياناً خوفاً من العامة وغوغاء الناس ، وأحياناً كراهةً وإستبشاعاً لكونه خلاف المعتقد أو المذهب وأحياناً خوفاً من إستفادة الخصم منها .

وفيما يلي طرف من وثائق هذه العوامل أو الدوافع :

الدافع الأول : رغبة السلطات في الوضع أو الكتمان

إنَّ أبرز مَثَل على هذا الدافع لتحريف الإخبار هو ما جرى على عهد بني أمية وفيما يلي أربع روايات تحدِّثنا عن ذلك :

1 . رواية المدائني في كتابه الأحداث :

روى ابن أبي الحديد عن علي بن محمد بن أبي سيف المدائني (ت225هـ)  (1) في كتابه (الأحداث) قال :

كتب معاوية نسخة واحدة إلى عُمَّاله بعد عام الجماعة .

(أن برئت الذمَّة ممَّن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته) .

فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون عليَّاً عليه السلام ويبرءون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته .

وكان أشدَّ الناس بلاءً حينئذ أهلُ الكوفة لكثرة من بها من شيعة علي عليه السلام فإستعمل عليهم زياد بن سمية وضمَّ إليه البصرة فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف ، لأنه كان منهم أيام علي عليه السلام فقتلهم تحت كل حجر ومدر ، وأخافهم وقَطَّع الأيدي والأرجل وسَمَّلَ العيون وصلَّبهم على جذوع النخل وطردهم وشرَّدهم عن العراق فلم يبق بها معروف منهم .

وكتب معاوية إلى عُمَّاله في جميع الآفاق :

(ألاَّ يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة) .

وكتب إليهم :

(أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته والذين يروون فضائله ومناقبه فأدنوا مجالسهم وقرِّبوهم وأكرموهم واكتبوا لي بكلِّ ما يروي كلَّ رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته) .

ففعلوا ذلك حتَّى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصِّلات والكِساء والحِباء والقَطائع ، ويفيضه في العرب منهم والموالي ، فكثر ذلك في كل مصر ، وتنافسوا في المنازل والدنيا ، فليس يجيءُ أحد مردود من الناس عاملاً من عمَّال معاوية فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلاَّ كتب اسمه وقرَّبه وشفَّعه فلبثوا بذلك حيناً .

ثم كتب إلى عُمَّاله :

(إنَّ الحديث في عثمان قد كَثُر وفَشا في كل مِصر وفي كل وجه وناحية فإذا جاءكم كتابي هذا فأدعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأوّلين ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلاَّ وتأتوني بمناقض له في الصحابة فإنَّ هذا أحبُّ إلىَّ وأقرُّ لعيني وأدحض لِحُجَّة أبي تراب وشيعته وأشدُّ عليهم من مناقب عثمان وفضله) .

فقُرئت كتبه على الناس فرُويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها .

وجَدَّ الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتَّى أشادوا بذكر ذلك على المنابروأُلقِيَ إلى معلِّمي الكتاتيب فعلَّموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتَّى رووه وتعلَّموه كما يتعلمون القرآن ، وحتى علَّموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم ، فلبثوا بذلك ما شاء الله .

ثم كتب إلى عُمَّاله نسخة واحدة إلى جميع البلدان :

(انظروا من قامت عليه البيِّنة أنَّه يحبُّ عليَّاً وأهل بيته فامحوه من الديوان وأسقطوا عطاءه ورزقه) .

وشفع ذلك بنسخة أُخرى :

(من إتهمتوه بموالاة هؤلاء القوم فنكِّلوا به واهدموا داره) .

فلم يكن البلاء أشدُّ ولا أكثر منه بالعراق ولا سيَّما بالكوفة ، حتَّى إنَّ الرجل من شيعة علي عليه السلام ليأتيه من يثق به فيدخل بيته فيلقي إليه سرَّه ويخاف من خادمه ومملوكه ولا يحدثه حتَّى يأخذ عليه الأيمان الغليظة لَيَكْتُمَنَّ عليه .

فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر .

ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة .

وكان أعظم الناس في ذلك بليَّةً القُرّاء المُراءون ، والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم ويقرِّبوا مجالسهم ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل .

حتى إنتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديّانين الذين لا يستحلُّون الكذب والبهتان فقبلوها ورووها وهم يظنون أنَّها حق ولو علموا أنَّها باطلة لما رووها ولا تديَّنوا بها  (2) .

قال ابن أبي الحديد : وقد روي أنَّ أبا جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام قال لبعض أصحابه : يا فلان ما لقينا من ظلم قريش إيَّانا وتظاهرهم علينا وما لَقِيَ شيعتنا ومحبونا من الناس ...

وكان عُظْمُ ذلك وكُبْرهُ زمنَ معاوية بعد موت الحسن عليه السلام .

فقتلت شيعتنا بكل بلدة وقطعت الأيدي والأرجل على الظِّنة .

وكان من يُذْكَر بحبِّنا والإنقطاع إلينا سُجِنَ أو نُهِب مالُه ، أو هُدِمَت دارهُ ، ثمَّ لم يزل البلاء يشتدُّ ويزداد إلى زمان عبيد الله قاتل الحسين عليه السلام .

ثم جاء الحجَّاج فقتلهم كلَّ قتلة وأخذهم بكلَّ ظنَّة وتهمة ، حتَّى إنَّ الرجل ليقال له زنديق أو كافر أحبُّ إليه من أن يقال له شيعة علي .

وحتَّى صار الرجل الذي يذكر بالخير ولعلَّه يكون ورعاً صدوقاً يحدِّث بأحاديث عظيمة عجيبة من تفضيل بعض من سلف من الولاة ولم يخلق الله تعالى شيئاً منها ولا كانت ولا وقعت وهو يحسب أنَّها حقٌّ لكثرة من قد رواها ممَّن لم يُعرَف بكذب ولا بقلة ورع  (3) .

أقول : ومن الغريب أنَّ ابن أبي الحديد بعد أن يورد ذلك كلَّه يعقِّب عليه بقوله :

(واعلم أنَّ أصل الأكاذيب في أحاديث الفضائل كان من جهة الشيعة . فإنَّهم وضعوا في مبدأ الأمر أحاديث مختلفة في صاحبهم ، حملهم على وضعها عداوة خصومهم ، نحو :

حديث (السطل) . وحديث (الرمانة) . وحديث (غزوة البئر) التي كان فيها الشياطينوتعرف كما زعموا بـ (ذات العلم) . وحديث (غسل سلمان الفارسي وطي الأرض) . وحديث (الجمجمة) ، ونحو ذلك .

فلمَّا رأت البكرية ما صنعت الشيعة ، وضعت لصاحبها أحاديث في مقابلة هذه الأحاديث :

نحو (لو كنتُ متخذاً خليلاً) ، فإنَّهم وضعوه في مقابلة حديث الإخاء .

ونحو (سد الأبواب) فإنَّه كان لعلي عليه السلام فنقلته البكرية إلى أبي بكر .

ونحو (ائتوني بدواة وبياض أكتب فيه لأبي بكر كتاباً لا يختلف عليه اثنان) . ثم قال : (يأبى الله تعالى والمسلمون إلاَّ أبا بكر) ، فإنَّهم وضعوه في مقابلة الحديث المروي عنه في مرضه : (آئتوني بدواة وبياض أكتب لكم ما لا تضلُّون بعده أبداً) ، فاختلفوا عنده . وقال قوم منهم ، لقد غلبه الوجع ، حسبنا كتاب الله .

ونحو حديث : (أنا راض عنك فهل أنت عنِّي راض !) . ونحو ذلك ...

فلمَّا رأت الشيعة ما قد وضعت البكرية أوسعوا في وضع الأحاديث ، فوضعوا :

حديث (الطوق) ، الحديث الذي زعموا أنَّه جعله في عنق خالد .

وحديث (اللَّوح) ، الذي زعموا أنَّه كان في غدائر الحنفيَّة أُمِّ محمد .

وحديث (لا يفعلن خالد ما آمر به) .

وحديث (الصحيفة) ، الَّتي علِّقت عام الفتح بالكعبة .

وحديث (الشيخ) ، الَّذي صعد المنبر يوم بويع أبو بكر ، فسبق الناس إلى بيعته .

وأحاديث مكذوبة كثيرة تقتضي نفاق قوم من أكابر الصحابة والتابعين الأوَّلين وكفرهم .

فقابلتهم البكرية بمطاعن كثيرة في علىّ عليه السلام وفي ولديه .

ونسبوه تارةً إلى ضعف العقل ، وتارةً إلى ضعف السياسة ، وتارةً إلى حبِّ الدُّنيا والحرص عليها .

ولقد كان الفريقان في غنية عمَّا اكتسباه واجترحاه .

ولقد كان في فضائل علي عليه السلام الثابتة الصحيحة ، وفضائل أبي بكر المحقَّقة المعلومة ما يغني عن تكلُّف العصبية لهما ، فإنَّ العصبية لهما أخرجت الفريقين من ذكر الفضائل إلى ذكر الرذائل ، ومن تعديد المحاسن إلى تعديد المساوي والمقابح . ونسأل الله تعالى أن يعصمنا من الميل إلى الهوى وحبِّ العصبيَّة ، وأن يجرينا على ما عوَّدنا من حبِّ الحقِّ أين وجد وحيث كان ، سخط ذلك من سخط ، ورضى به من رضى بمنَّه ولطفه  (4) .

أقول : ليس من شك أنَّ قول ابن أبي الحديد هذا مجانب للصواب ، إذ أنَّ البادى بوضع الحديث وتشجيع الناس عليه هو معاوية كما مرَّت الأخبار التي رويناها عن ابن أبي الحديد نفسه . وذلك لما انتشر عند أهل الشام في السنوات العشر من صلح الحسن عليه السلام من حديث الغدير ، وحديث الثقلين ، والمباهلة ، والدار ، والكساء ، والمنـزلة ، والمؤآخاة ، وخيبر ، وأُحد ، وحديث بريدة بن الحصيب لمَّا جاء برسالة خالد بن الوليد من اليمن ، يقع فيها في علي عليه السلام ، وغيرها وأيضا ما ورد في حقِّه من القرآن .

قال ابن أبي الحديد : قد روى ابن عرفة المعروف بابنِ (نفطويه)  (5) ، وهو من أكابر المحدِّثين وأعلامهم في تاريخه ، قال : إنَّ أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة أُفتعلت في أيّام بني أُمية ، تقرُّباً إليهم بما يظنُّون أنَّهم يرغمون به أُنوف بني هاشم  (6) .

وقال أبو جعفر الإسكافي (ت220هـ)  (7) :

إنَّ معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علىّ عليه السلام تقتضي الطعن فيه والبراءة منه وجعل لهم على ذلك جُعَلاً يُرغب في مثله فاختلقوا ما أرضاه ، منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ومن التابعين عروة بن الزبير  (8) .

نموذجان من حديث عروة في ذم علىّ عليه السلام :

روى الزهري أنَّ عروة بن الزبير حدَّثه قال : حدثتني عائشة قالت : كنت عند رسول الله صلى الله عليه وآله إذ أقبل العباس وعلي فقال : يا عائشة إنَّ هذين يموتان على غير ملَّتي أو قال ديني .

وروى عبد الرزاق عن معمَّر قال : كان عند الزهري حديثان عن عروة عن عائشة في علي عليه السلام فسألته عنهما يوماً ، فقال : ما تصنع بهما وبحديثهما الله أعلم بهما إنِّي لأتهمهما في بني هاشم .

قال ابن أبي الحديد : فأمَّا الحديث الأوّل فقد ذكرناه .

وأمَّا الحديث الثاني فهو : أنَّ عروة زعم أنَّ عائشة حدَّثته ، قالت : كنت عند النبي صلى الله عليه وآلهإذ أقبل العباس وعلي ، فقال صلى الله عليه وآله : يا عائشة إن سَرَّكِ أن تنظري إلى رجلين من أهل النار فانظري إلى هذين قد طلعا ، فنظرتُ فإذا العباس وعلي بن أبي طالب .

نموذج من حديث عمرو بن العاص في علي عليه السلام :

وأمَّا عمرو بن العاص فروى عنه الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما مسنداً متصلاً بعمرو بن العاص قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآلهيقول : (إنَّ آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء إنَّما وليي الله وصالح المؤمنين)  (9) .

نموذج من حديث أبي هريرة في ذم عليّ عليه السلام :

وأمَّا أبو هريرة فروي عنه الحديث الذي معناه أنَّ عليَّاً عليه السلام خطب ابنة أبي جهل في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأسخطه ، فخطب على المنبر وقال : لاها الله لا تجتمع إبنة ولي الله وإبنة عدو الله أبي جهل ، إنَّ فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها فإنْ كان علي يريد ابنة أبي جهل فليفارق إبنتي وليفعل ما يريد أو كلاماً هذا معناه  (10) .

قال ابن أبي الحديد : هذا الحديث مخرَّج في صحيحي مسلم والبخاري عن المسور بن مخرمة الزهري  (11) .

و لشياع هذا الخبر وإنتشاره ذكره مروان بن أبي حفصة في قصيدة يمدح بها الرشيد ويذكر فيها ولد فاطمة عليها السلام وينحى عليهم ويذمهم وقد بالغ حين ذم علياً عليه السلام ونال منه وأولها :

سلام على جَمَل وهيهات من جملِ       ويا حبذا جملٌ وإنْ صُرمِتْ حبلي

ويقول فيها :

علىٌّ أبوكم كان أفضلَ منكم أباه  (12)       ذوو الشورى وكانوا ذوي الفضل

وساء رسولَ الله إذْ ساء بنتَه       بخطبته بنتَ اللعين أبي جهل

فذمَّ رسول الله صهرَ أبيكمُ       على منبر بالمنطق الصادع الفضل

وحكَّمَ فيها حاكمين أبوكم       هما خلعاه خلع ذي النعل للنعل

وقد باعها من بعده الحسن ابنه       فقد أُبطلت دعواكمُ الرثة الحبلِ

وخلَّيتموها وهي في غير أهلها       وطالبتموها حين صارت إلى أهل  (13)

2 . مارواه سليم بن قيس في كتابه :

قال سليم بن قيس :

إنَّ معاوية مرَّ بحلقة من قريش ، فلمَّا رأوه قاموا إليه غير عبد الله بن عباس فقال له : يا ابن عباس ما منعك من القيام كما قام أصحابك إلاَّ لموجدة علىَّ بقتالي إيَّاكم يوم صفين ، يا ابن عباس إنَّ ابن عمِّي عثمان قُتل مظلوماً .

قال ابن عباس : فعمر بن الخطَّاب قد قتل مظلوماً فَسَلِّم الأمر إلى ولده ، وهذا أبنه ؟ ! .

قال : أنَّ عمر قتله مشرك .

قال ابن عباس : فمن قتل عثمان ؟

قال : قتله المسلمون !

قال : فذلك أدحض لحُجَّتك ، إنْ كان المسلمون قتلوه وخذلوه فليس إلاَّ بحق .

قال : فإنَّا قد كتبنا إلى الآفاق ننهى عن ذكر مناقب علىَّ وأهل بيته ، فكُفّ لسانك يا ابن عباس واربَع على نفسك .

قال : أفتنهانا عن قراءة القرآن ؟ قال : لا .

قال : أفتنهانا عن تأويله ؟ قال : نعم .

قال : فنقرأه ولا نسأل عمَّا عنى الله به ؟ قال : نعم .

قال : فأيهما أوجب علينا قراءته أو العمل به ؟ قال : العمل به .

قال : فكيف نعمل به حتَّى نعلم ما عنى الله بما أنزل علينا ؟

قال سل عن ذلك من يتأوَّله على غير ما تتأوَّله أنت وأهل بيتك .

قال : إنَّما أنزل القرآن على أهل بيتي فأسأل عنه آل أبي سفيان وآل أبي معيط ؟ ! ...

قال : فاقرأوا القرآن ولا ترووا شيئاً ممَّا أنزل الله فيكم وممَّا قال رسول الله فيكم وارووا ما سوى ذلك !

قال ابن عباس : قال الله في قرآنه : (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ الله بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى الله إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ) التوبة/32 .

قال معاوية : يا ابن عباس إكفني نفسك وكُفَّ عنّي لسانك ، وإنْ كنت لابدَّ فاعلاً فليكن ذلك سرَّاً ولا يسمعه أحدٌ منك علانية  (14) !

أقول :

إنَّ هذه المحاورة قد جرت في المدينة سنة (55 هجـ) بعد رجوع معاوية من الحج الذي أقامه لتلك السنة ؟

وقد جرت قبل ذلك في مكة محاورة أخرى بينه وبين سعد بن أبي وقاص رواها النسائي (ت 303هـ) صاحب السنن قال :

أخبرنا محمد بن المثنى قال : أخبرنا أبو بكر الحنفي قال : حدثنا بكر بن مسمار قال : سمعت عامر بن سعد يقول :

قال معاوية لسعد بن أبي وقاص : ما يمنعك أنْ تسب ابن أبي طالب ؟

قال : لا أسبُّه ما ذكرت ثلاثاً قالهن رسول الله صلى الله عليه وآله لأن يكون لي واحدة منهنَّ أحبُّ إلىَّ من حمر النعم .

ما أسبُّه : ما ذكرتُ حين نزلت (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيراً) دعا رسول الله صلى الله عليه وآله عليّاً وإبنيه وفاطمة فأدخلهم تحت ثوبه ثم قال : رب هؤلاء أهل بيتي وأهلي .

ولا أسبُّه : ما ذكرت حين خلَّفه في غزوة غزاها قال علي : خلفتني مع الصبيان والنساء ؟ قال : أولا ترضى أنْ تكون مني بمنـزلة هارون من موسى إلاَّ أنَّه لا نبوة بعدي .

وما أسبُّه : ما ذكرت يوم خيبر حين قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لأعطيَّن الراية رجلاً يحب الله ورسوله ، ويفتح الله بيده ، فتطاولنا ، فقال : أين علي ؟ فقالوا : هو أرمد ، قال : إدعوه ، فبصق في عينيه ثم أعطاه الراية ، ففتح الله عليه .

فوالله ما ذكره معاوية بحرف حتَّى خرج من المدينة  (15) .

أقول : وقد كانت هذه المحاورة قبل صدور قرار معاوية إلى ولاته بسب علي على المنابر ، وكان هدفه من هذا الحوار جس نبض سعد ولمَّا عرف موقفه دس له السم كما دس السم للحسن عليه السلام .

قال أبو الفرج الاصفهاني (ت356هـ) : حدثني أحمد بن عبيد الله قال حدثني عيسى بن مهران قال حدثنا يحيى بن أبي بكر قال حدثنا شعبة عن أبي بكر بن حفص قال : توفي الحسن بن علي وسعد بن أبي وقاص في أيام بعد ما مضى من إمارة معاوية عشر سنين .

وقال أبو الفرج : كانوا يرون أنَّه سقاهما سُمّاً  (16) .

3 . ما رواه الزبير بن بكار في كتابه الموفقيات :

قال الزبير بن بكار : حدثنا أحمد بن سعيد قال : حدثني الزبير قال : حدثني عمي مصعب بن عبدالله عن الواقدي قال : حدثني ابن أبي سبرة عن عبد الرحمن بن زيد قال :

وفد علينا سليمان بن عبد الملك حاجّاً سنة اثنتين وثمانين ، وهو ولي عهد ، فمرَّ بالمدينة ، فدخل عليه الناس ، فسلَّموا عليه ، وركب إلى مشاهد النبي صلى الله عليه وآلهالتي صلَّى فيهاوحيث أُصيب أصحابه في أحد ، ومعه أبان بن عثمان ، وعمرو بن عثمان ، وأبو بكر بن عبد الله بن أبي أحمد ، فأتوا به قُباء ، ومسجد الفضيخ ، ومشربة أم إبراهيم ، وأحد ، وكل ذلك يسألهم ، ويخبرونه عمَّا كان .

ثم أمر أبان بن عثمان أن يكتب له سِيَر النبي صلى الله عليه وآله ومغازيه .

فقال أبان : هي عندي قد أخذتها مصححة ممن أثق به ، فأمر بنسخها ، وألقى فيها إلى عشرة من الكُتَّاب ، فكتبوها في رقّ .

فلما صارت إليه ، نظر فإذا فيها ذكر الأنصار في العقبتين وذكر الأنصار في بدر ، فقال : ما كنت أرى لهؤلاء القوم هذا الفضل فإمَّا أن يكون أهل بيتي غمصوا عليهم وإمَّا أن يكونوا ليس هكذا .

فقال أبان بن عثمان : أيها الأمير لا يمنعنا ما صنعوا بالشهيد المظلوم من خذلانه من القول بالحق : هم على ما وصفنا لك في كتابنا هذا ، قال : ما حاجتي إلى أن أنسخ ذاك حتَّى أذكره لأمير المؤمنين لعله يخالفه ، فأمر بذلك الكتاب فخُرِّق ، وقال : أسأل أمير المؤمنين إذا رجعت ، فإن يوافقه فما أيسر نسخه .

فرجع سليمان بن عبد الملك فأخبر أباه بالذي كان من قول أبان .

فقال عبدالملك : وما حاجتك أن تقدم بكتاب ليس لنا فيه فضل ، تُعرِّف أهل الشام أموراً لا نريد أن يعرفوها ! !

قال سليمان : فلذلك يا أمير المؤمنين أمرت بتخريق ما كنتُ نسخته حتَّى أستطلع رأي أمير المؤمنين ، فصوّب رأيه ، وكان عبد الملك يثقل عليه ذلك .

ثم إنَّ سليمان جلس مع قبيصة بن ذؤيب ، فأخبره خبر أبان بن عثمان وما نسخ من تلك الكتب وما خالف أمير المؤمنين فيها .

فقال قبيصة : لولا ما كرهه أمير المؤمنين لكان من الحظِّ أنْ تَعْلَمها وتُعلِّمَها ولدك وأعقابهم ، إنَّ حظَّ أمير المؤمنين فيها لوافر ، إنَّ أهل بيت أمير المؤمنين لأكثر من شهد بدراً فشهدها من بني عبد شمس ستة عشر رجلاً من أنفسهم وحلفائهم ومواليهم وحليف القوم منهم ومولى القوم منهم . وتوفي رسول الله صلى الله عليه وآله وعمَّاله من بني أمية أربعة : عتاب بن أُسيد على مكة ، وأبان بن سعيد على البحرين ، وخالد بن سعيد على اليمن ، وأبو سفيان بن حرب على نجران ، عاملاً لرسول الله صلى الله عليه وآله ولكنِّي رأيت أمير المؤمنين كره من ذلك شيئاً فما كره فلا تخالفه .

ثم قال قبيصة : لقد رأيتني وأنا وهو -يعني عبد الملك- وعدةً من أبناء المهاجرين ما لنا علم غير ذلك حتَّى أحكمناه ، ثم نظرنا بعد في الحلال والحرام ، فقال سليمان : يا أبا إسحاق ألا تخبرني عن هذا البغض من أمير المؤمنين وأهل بيته لهذا الحىِّ من الأنصار وحرمانهم إيَّاهم لِمَ كان ؟ فقال : يا ابن أخي أوّل من أحدث ذلك معاوية بن أبي سفيان ، ثم أحدثه أبو عبد الملك (يريد مروان) ثم أحدثه أبوك .

فقال : علامَ ذلك ؟

قال : فوالله ما أريد به إلاَّ لأعلمه وأعرفه .

فقال : لأنَّهم قتلوا قوماً من قومهم ، وما كان من خذلانهم عثمان فحقدوه عليهم ، وحنقوه وتوارثوه ، وكنت أحب لأمير المؤمنين أن يكون على غير ذلك لهم وأن أخرج من مالي فكلَّمه .

فقال سليمان : أفعل والله . فكلَّمه وقبيصة حاضر ، فأخبره قبيصة بما كان من محاورتهم .

فقال عبد الملك : والله ما أقدر على غير ذلك فدعونا من ذكرهم فأسكت القوم  (17) .

وحكى الزهري  (18) : (أن عبد الملك رأى عند بعض ولده حديث المغازي فأمر به فأحرق ، وقال : عليك بكتاب الله فاقرأه والسنة فاعرفها واعمل بها) .

قال الدكتور حسين عطوان : (ولم يزل الخلفاء الأمويون يحظرون رواية المغازي والسير إلى نهاية القرن الأول فلما استخلف عمر بن عبد العزيز ، أقرَّ بأنَّ من سبقه من الخلفاء الأمويين حاربوا رواية المغازي والسير ، ومنعوا أهل الشام من معرفتها ، ودفعوهم عن الإطلاع عليها ، وردعوهم عن الإشتغال بها وأنكر صنيعهم ، وشهَّر به تشهيراً قوياً)  (19) .

قال ابن عساكر في ترجمة عاصم بن عمر بن قتادة : ووفد عاصم على عمر بن عبد العزيز في خلافته في دين لزمه فقضاه عنه عمر وأمر له بعد ذلك بمعونة وأمره أنْ يجلس في مسجد دمشق فيحدِّث الناس بمغازي رسول الله صلى الله عليه وآله ومناقب أصحابه وقال إنَّ بني مروان كانوا يكرهون هذا وينهون عنه فاجلس فحدِّث الناس بذلك ففعل  (20) .

اقول : ومن الجدير ذكره ، ان عمر بن عبد العزيز حين رفع الحظر عن رواية المغازي والحديث لم يكن قد رفعه بشكل كامل ، لذلك فإن من عُرِف بروايته لفضائل علي وسيرته وأُمِرَ بلزوم الإقامة الجبرية في بلده كعامر بن واثلة ، لم يرفع الحظر عنه ، وقد روى ابن عساكر في ترجمة عامر بن واثلة أبي الطفيل أنَّه أدركته إمرة عمر بن عبد العزيز فكتب يستأذنه في القدوم عليه ، فقال عمر : ألم تؤمر بلزوم البلد  (21) ؟

ومن الثابت أنَّ أبا الطفيل كان صحابياً من شيعة علي وقد ترك البخاري حديثه لأنَّه كان (بزعمه) يفرط في التشيع  (22) .

4 . ما رواه أبوالفرج في كتابه الأغاني :

روى أبو الفرج بسنده عن ابن شهاب  (23) قال : قال لي خالد بن عبد الله القسري : اكتب لي النسب فبدأت بنسب مضر فمضيت فيه اياماً ثم أتيته ، فقال لي ما صنعت ؟ فقلت بدأت بنسب مضر وما أتممته ، فقال : اقطعه قطعه الله مع أصولهم ، واكتب لي السيرة ، فقلت له : فإنَّه يمر بي الشيء من سيرة علي بن أبي طالب افأذكره ؟

فقال : لا إلاَّ أنْ تراه في قعر الجحيم  (24) .

وهذا الحديث يفسِّر لنا بوضوح لماذا جاءت روايات الزهري للسيرة التي رواها عنه عبد الرزاق الصنعاني بواسطة معمر خالية من ذكر علي عليه السلام وفيما يلي نماذج من روايات الزهري برواية عبد الرزاق الصنعاني في كتابه المصنّف  :

1 . روى عبد الرزاق في المصنف عن معمر قال سألت الزهري : (عن أوّل من أسلم) ؟ قال : ما علمنا أحداً أَسلم قبل زيد بن حارثة  (25) .

2 . وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في حديثه عن عروة قال : كانت وقعة أحد في شوال ، على رأس ستة أشهر من وقعة بني النضير .

قال الزهري عن عروة في قوله (وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون) : إنَّ النبي صلى الله عليه وآله قال يوم أحد حين غزا أبو سفيان وكفّار قريش : إنَّي رأيت كأنِّي لبست درعاً حصينة ، فأوّلتها المدينة ، فاجلسوا في ضيعتكم وقاتلوا من ورائها ، وكانت المدينة قد شبكت بالبنيان ، فهي كالحِصن ، فقال رجلٌ مسنٌ لم يشهد بدراً : يا رسول الله ، اخرج بنا إليهم فلنقاتلهم ، وقال عبد الله بن أبي سلول : نعم ، والله ، يا نبي الله ، ما رأيت إنّا والله ما نزل بنا عدو قط فخرجنا إليه ، إلاَّ أصاب فينا ، ولا يأتينا في المدينة ، وقاتلنا من ورائها إلاَّ هَزَمنا عدوُّنا .

فكلَّمه أُناس من المسلمين ، فقالوا : بلى ، يا رسول الله ، أخرج بنا إليهم ، فدعا بلأمته فلبسها ، ثم قال : ما أظنُّ الصرعى إلاَّ ستكثر منكم ومنهم ، إنِّي أرى في النوم منحورة ، فأقول بقر ، والله بخير فقال رجل : يا رسول الله ، بأبي أنت وأُمي فاجلس بنا ، فقال : إنَّه لا ينبغي لنبي إذا لبس لامته أن يضعها حتَّى يلقى الناس ، فهل من رجل يدلنا الطريق على القوم من كثب ؟ فانطلقت به الأدلاء بين يديه ، حتَّى اذا كان بالشوط من الجبانة انخذل عبد الله بن أبي بثلث الجيش ، او قريب من ثلث الجيش ، فانطلق النبي صلى الله عليه وآله حتَّى لقوهم بأحد ، وصافوهم ، وقد كان النبي صلى الله عليه وآله عهد إلى أصحابه أنَّهم هزموهم ، أنْ لا يدخلوا لهم عسكراً ، ولا يتَّبعوهم ، فلمَّا التقوا هزموا  (26) ، وعصوا النبي صلى الله عليه وآله ، وتنازعوا ، واختلفوا ، ثم صرفهم الله عنهم ليبتليهم ، كما قال اللهوأقبل المشركون ، وعلى خيلهم خالد بن الوليد بن المغيرة ، فقتل من المسلمين سبعين رجلاً وأصابهم جراح شديدة ، وكسرت رباعية رسول الله صلى الله عليه وآله ، ودمي وجهه ، حتَّى صاح الشيطان بأعلى صوته : قتل محمد .

قال ابن إسحاق حدَّثني ابن شهاب الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك أخو بني سلمة قال : قال كعب : عرفت عينيه تزهران من تحت المغفر فناديت بأعلى صوتي : يا معشر المسلمين ابشروا هذا رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأشار إلىَّ أنْ أنصت ، فلما عرف المسلمون رسول الله صلى الله عليه وآله نهضوا به ، ونهض معهم نحو الشعب ، معه : أبو بكر بن أبي قحافة ، وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب ، وطلحة بن عبيد الله ، والزبير بن العوام ، والحارث بن الصمة ، في رهط من المسلمين ، فلما أسند رسول الله صلى الله عليه وآله في الشعب ، أدركه أبي بن خلف وهو يقول : أين يا محمد أين يا محمد لا نجوت إنْ نجوت ، فقال القوم : أيعطف عليه يا رسول الله رجل منّا ؟ فقال : دعوه فلمَّا دنا تناول رسول الله صلى الله عليه وآله الحربة من الحارث بن الصمة ، يقول بعض القوم فيما ذكر لي ، فلمَّا أخذها رسول الله صلى الله عليه وآله إنتفض بها انتفاضة تطايرنا عنه تطاير الشعر من ظهر البعير إذا أنتفض بها ، ثم إستقبله فطعنه بها طعنة تردّى بها عن فرسه مراراً  (27) .

قال عبد الرزاق قال معمر حدثني الزهري : فنادى أبو سفيان بعدما مُثِّل ببعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ، وجُدِعوا ، ومنهم من بُقِرَ بطنُه .

فقال أبو سفيان : إنَّكم ستجدون في قتلاكم بعض المثل ، فإنَّ ذلك لم يكن عن ذوي رأينا ولا سادتنا  (28) . ثم قال أبو سفيان : أعلُ هُبَل . فقال عمر بن الخطاب : الله أعلى وأجل .

فقال : أنعمت عيناً  (29) ، قتلى بقتلى بدر .

فقال عمر : لا يستوي القتلى ، قتلانا في الجنة ، وقتلاكم في النار .

فقال أبو سفيان : لقد خِبنا إذا ، ثم انصرفوا راجعين .

وندب النبي صلى الله عليه وآله أصحابه في طلبهم ، حتَّى إذا بلغوا قريباً من حمراء الأسد ، وكان فيمن طلبهم يومئذ عبد الله بن مسعود ، وذلك حين قال الله (الذين قال لهم الناس إنَّ الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) آل عمران /173  (30) .

3 . قال عبد الرزاق قال معمر قال الزهري في حديثه عن المسيب : وذكر قصَّة نعيم بن مسعود الأشجعي وسعيه في الوقيعة بين أبي سفيان وبني قريضة وما أرسل الله تعالى من الريح على المشركين وإنهزامهم بغير قتال ، ثم قال : فذلك حين يقول (وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله عزيزاً) الأحزاب /25  (31) .

4 . عبد الرزاق عن معمر عن الزهري ، قال : لمَّا إنصرف رسول الله صلى الله عليه وآله حتَّى أتى المدينة ، فغزا خيبر من الحديبية فأنزل الله عليه (وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه) الى (ويهديكم صراطاً مستقيماً) فلمَّا فتحت خيبر جعلها لمن غزا معه الحديبية ، وبايع تحت الشجرة ، ممَّن كان غائباً أو شاهداً ، من أجل أنَّ الله كان وعدهم إيَّاها ، وخمَّس رسول الله صلى الله عليه وآله خيبر ، ثم قسم سائرها مغانم بين من شهدها من المسلمين ، ومن غاب عنها من أهل الحديبية  (32) .

5 . عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال : أخبرني كُثيّر بن العباس بن عبد المطلب عن أبيه العباس قال : شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وآله يوم حنين ، قال : فلقد رأيت النبي صلى الله عليه وآله وما معه إلاَّ أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، فلزمنا رسول الله صلى الله عليه وآله فلم نفارقه ، وهو على بغلة شهباء وربما قال معمر : بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي .

قال : فلمَّا إلتقى المسلمون والكفَّار ولَّى المسلمون مدبرين  (33) ، وطفق رسول الله صلى الله عليه وآلهيركض بغلته نحو الكفار قال العباس : وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله ألقفها ، وهو لا يألو ما أسرع نحو المشركين ، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بغرز  (34) رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال : يا عباس ، ناد أصحاب السمرة ، قال : وكنت رجلاً صيتاً ، فناديت بأعلى صوتي : أي أصحاب السمرة ؟ قال : فو الله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها ، يقولون : يا لبيك ، يا لبيك ، يا لبيك .

وأقبل المسلمون ، فإقتتلوا هم والكفار .

فنادت الأنصار ، يقولون : يا معشر الأنصار ، ثم قصر الداعون على بني الحارث بن الخزرج ، فنادوا : يا بني الحارث بن الخزرج .

قال : فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله وهو على بغلته كالمتطاول عليها الى قتالهم .

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : هذا حين حمي الوطيس .

قال ثم اخذ رسول الله صلى الله عليه وآله حصيات فرمى بهن وجوه الكفَّار ، ثم قال : إنهزموا وربِّ الكعبة .

قال : فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى .

قال : فو الله ما هو إلاَّ أن رماهم رسول الله صلى الله عليه وآله بحصياته ، فما زلت أرى حدَّهم كليلاًوأمرهم مدبراً حتَّى هزَّمهم الله تعالى ، قال : وكأنِّي أنظر إلى النبي صلى الله عليه وآلهيركض خلفهم على بغلة له .

______________________

(1) قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ج12/54-55 في ترجمة المدائني (كان عالماً بأيام الناس وأخبار العرب وأنسابهم عالماً بالفتوح والمغازي ورواية الشعر ، صدوقاً في ذلك ، وقال يحيى بن معين ثقة ثقة ثقة . وقال ابن النديم في الفهرست /113 ولد سنة 135 هـ وتوفي سنة 225هـ وله ثلاث وتسعون ثم ذكر أسماء كتبه في أربع صفحات .

(2) ابن ابي الحديد : شرح نهج البلاغة ج11/45-46 . وتكملة الرواية قال : فلم يزل الأمر كذلك حتى مات الحسن بن علي عليه السلامفازداد البلاء والفتنه فلم يبق أحد من هذا القبيل إلاَّ وهو خائف على دمه أو طريد في الأرض . ثم تفاقم الأمر بعد قتل الحسين عليه السلام وولي عبد الملك بن مروان فاشتدَّ على الشيعة وولَّى عليهم الحجَّاج بن يوسف فتقرَّب إليه أهل النسك والصلاح والدين ببغض علي عليه السلاموموالاة أعدائه وموالاة من يدَّعى من الناس أنَّهم أيضاً أعداؤه فأكثروا فى الرواية في فضلهم وسوابقهم ومناقبهم وأكثروا من الغضِّ من علي عليه السلام وعيبه والطعن فيه والشنآن له حتى إنَّ إنساناً وقف للحجَّاج ويقال أنَّه جدُّ الأصمعي (عبد الملك بن قريب) فصاح به أيُّها الأمير إنَّ أهلي عقُّوني فسمُّوني عليَّاً وإنِّي فقير بائس وأنا إلى صلة الأمير محتاج فتضاحك له الحجَّاج وقال : للطف ما توسَّلت به قد وليَّتك موضع كذا .
انظر أيضاً سليم بن قيس : كتاب سليم بن قيس ج2/781 ، 784-788 .

(3) ابن ابي الحديد : شرح نهج البلاغة ج15/43-44 .

(4) ابن ابي الحديد : شرح نهج البلاغة ج11/49-50 .

(5) قال الذهبي في سير أعلام النبلاء ج5/75 : هو الإمام الحافظ النحوي العلامة الإخباري إبراهيم بن محمد بن عرفة بن سليمان العتكي الأزدي الواسطي ولد سنة 244هـ وتوفي سنة 323 هـ صاحب التصانيف وكان ذا سنَّة ودين من تصانيفه (تاريخ الخلفاء) .

(6) ابن ابي الحديد : شرح نهج البلاغة ج11 ص44 .

(7) قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ج5/416 : محمد بن عبد الله أبوجعفر الإسكافي أحد المتكلمين من معتزلة البغداديين له تصانيف معروفة وكان الحسين بن يزيد الكرابيسي صاحب الشافعي يتكلَّم معه ويناظره .

(8) ومرَّة الهمداني والأسود بن يزيد ومسروق بن الأجدع وأبو وائل شقيق بن سلمة وأبو عبد الرحمن السُّلمي القارى وقيس بن حازم وسعيد بن المسيِّب والزُّهري ومكحول وحريز بن عثمان وغيرهم . (ابن ابي الحديد : شرح نهج البلاغة ج4/67-110) .

(9) البخاري : صحيح البخاري 5/2233 ، مسلم بن الحجاج : صحيح مسلم 1/197 ، احمد بن حنبل : مسند احمد 4/203 وفيها (آل أبي فلان) قال في فتح الباري 10 / 423 : قال أبو بكر بن العربي في سراج المريدين : كان في أصل حديث عمرو بن العاص أنَّ آل أبي طالب فغيِّر إلى أبي فلان كذا جزم به . وتعقَّبه بعض الناس وبالغ في التشنيع عليه ونسبه إلى التحامل على آل أبي طالب ولم يصب هذا المنكر فإنَّ هذه الرواية التي أشار إليها ابن العربي موجودة في مستخرج أبي نعيم من طريق الفضل بن الموفق عن عنبسة بن عبد الواحد بسند البخاري عن بيان بن بشر عن قيس بن أبي حازم عن عمرو بن العاص رفعه أنَّ لبني أبي طالب رحماً أبلُّها ببلالها وقد أخرجه الإسماعيلي من هذا الوجه أيضاً لكن أبهم لفظ طالب وكأنَّ الحامل لمن أبهم هذا الموضع ظنَّهم أن ذلك يقتضي نقصًا في آل أبي طالب وليس كما توهموه كما سأوضحه إن شاء الله تعالى ، قوله : (ليسوا بأوليائي) كذا للأكثر وفي نسخة من رواية أبي ذر بأولياء فنقل إبن التين عن الداودي أنَّ المراد بهذا النفي من لم يسلم منهم أي فهو من إطلاق الكل وإرادة البعض والمنفي على هذا المجموع لا الجميع ، وقال : الخطابي الولاية المنفية ولاية القرب والإختصاص لا ولاية الدين ، ورجح إبن التين الأوّل وهو الراجح ، فإنَّ من جملة آل أبي طالب عليَّاً وجعفر وهما من أخصِّ الناس بالنبي (صلى الله عليه وآله) لما لهما من السابقة والقدم في الإسلام ونصر الدين وقد استشكل بعض الناس صحة هذا الحديث لما نسب إلى بعض رواته من النصب وهو الإنحراف عن علي وآل بيته ، قلت : أما قيس بن أبي حازم فقال : يعقوب بن شيبة تكلم أصحابنا في قيس فمنهم من رفع قدره وعظمه وجعل الحديث عنه من أصح الأسانيد حتى قال إبن معين : هو أوثق من الزهري ومنهم من حمل عليه وقال : له أحاديث مناكير وأجاب من أطراه بأنَّها غرائب وإفراده لا يقدح فيه ومنهم من حمل عليه في مذهبه وقال : كان يحمل على علي ولذلك تجنب الرواية عنه كثير من قدماء الكوفيين وأجاب من أطراه بأنَّه كان يقدِّم عثمان على علي فقط ، قلت : والمعتمد عليه أنَّه ثقةٌ ثبتٌ مقبول الرواية وهو من كبار التابعين سمع من أبي بكر الصديق فمن دونه وقد روى عنه حديث الباب إسماعيل بن أبي خالد وبيان بن بشر وهما كوفيان ولم ينسبا إلى النصب لكن الراوي عن بيان وهو عنبسة بن عبد الواحد أموي قد نسب إلى شيء من النصب وأمَّا عمرو بن العاص وإن كان بينه وبين علي ما كان فحاشاه أن يتهم وللحديث محمل صحيح لا يستلزم نقصاً في مؤمني آل أبي طالب وهو أنَّ المراد بالنفي المجموع كما تقدَّم ويحتمل أن يكون المراد بآل أبي طالب أبو طالب نفسه وهو إطلاق سائغ . انتهى كلام ابن حجر .

(10) ابن ابي الحديد : شرح نهج البلاغة ج4/63-64 .

(11) البخاري : صحيح البخاري 4/1364 ، مسلم بن الحجاج الثقفي صحيح مسلم 4/1903 .

(12) أي رفضه أهل الشورى في قصة بيعة عثمان .

(13) ابن ابي الحديد : شرح نهج البلاغة ج 4 ص 63-64 .

(14) سليم بن قيس الهلالي : كتاب سليم ج2/783-784 .

(15) النسائي : خصائص الامام علي عليه السلام بن ابي طالب الحديث رقم 51 تحقيق أبي إسحاق الجويني الأثري ورواه أيضاً مسلم في صحيحه والترمذي في سننه والحديث صحيح الاسناد . وفي مروج الذهب ج3/14 قال : لمَّا حجَّ معاوية طاف بالبيت ومعه سعد فلمَّا فرغ إنصرف معاوية إلى دار الندوة فأجلسه معه على سريره ووقع معاوية في علي وشرع في سبَّه فزحف سعد ثم قال : أجلستني معك على سريرك ثم شرعت في سب علي والله لأن يكون فىَّ خصلة واحدة من خصال علي ...

(16) ابو الفرج الاصفهاني : مقاتل الطالبين73 . البخاري : التاريخ الصغير ج1/100 (بسنده عن أحمد بن سليمان قال حدثني يحيى بن أبي بكير عن شعبة عن أبي بكر بن حفص قال ..) .

(17) الزبير بن بكار : الاخبار الموفقيات 331-334 .

(18) البلاذري : أنساب الأشراف المخطوط 1 : 1165 .

(19) حسين عطوان : رواية الشاميين للمغازي والسير في القرنين الأول والثاني الهجري ط/1986 ص22ـ27.

(20) ابن عساكر : تاريخ دمشق تراجم حرف العين من عاصم إلى عايذ ص68 .

(21) ابن عساكر : تاريخ دمشق 26 : 138 ، مختصر تاريخ دمشق ج11/296 .

(22) نفس المصدر ص 294، وانظر ترجمة أبي الطفيل في الاستيعاب ص1696 قال كان متشيعاًفي عليويفضله.

(23) ابن شهاب : هو محمد بن مسلم القرشي الزهري ت125هـ .

(24) ابو الفرج الاصفهاني : الأغاني 22/23 ، أخبار خالد بن عبد الله القسري .

(25) روى أصحاب السير والتواريخ روايات كثيرة جداً بأسانيد صحيحة أنَّ عليّاً أوّل من آمن بالنبي (صلى الله عليه وآله)وصدّقه وقد أورد ابن كثير في كتابه البداية والنهاية حديثاً صحيحاً باسناد الأمام احمد ثم أردفه بقوله وهذا لا يصح من أي وجه كان روي عنه ، ورد عليه العلامة الأميني في الغدير 3/ص220-247 وأورد ستاً وستين نصّاً للنبي والصحابة والتابعين تؤكد إنَّ عليّاً أوّل من صدق النبي (صلى الله عليه وآله) ، منها ما رواه الطبري في تاريخه ج2 ص309-314 عن علي عليه السلام وزيد بن ارقم وعبد الله بن عباس .
أقول : أمَّا عن إسلام أبي بكر فقد روى الطبري بسند صحيح عن محمد بن سعيد قال : قلت لأبي : أكان أبو بكر أوّلكم إسلاماً ؟ فقال : ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين ج2/316 .
أمَّا كون زيد أوّل من أسلم فهو المروي عن عروة بن الزبير ت98 وسليمان بن يسار ت 100هـ والزهريوالغريب هو قول الزهري : (ما علمنا أحداً أسلم قبل زيد) فإنَّه من المؤكد ليس مطابقاً للواقع فإنَّ مثل الزهري وهو المقدَّم على غيره في أخبار السيرة والمغازي لا تخفى عليه الحقيقة غير إنَّها سياسة الأمويين وهو من رجالهم الاعلاميين والدينيين المعتمدين ولم يخف على عبد الرزاق صاحب المصنف ذلك فأضاف الى رواية معمر عن الزهري رواية معمر عن قتادة عن الحسن وغيره قوله : كان أول من آمن به علي بن أبي طالب عليه السلام وهو ابن خمس عشرة أو ست عشرة سنة وروايته عن عثمان الجندي عن مقسم عن ابن عباس قال : علي أوّل من أسلم .

(26) روى الطبري وابن هشام والواقدي في مغازيه ج1/225-226 إنَّ عليّاً عليه السلام قتل طلحة كبش الكتيبة وسُرَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأظهر التكبير وكبَّر المسلمون ، وفي رواية الشيخ المفيد في الإرشاد عن الصادق عليه السلام بعد ذكره قتل أمير المؤمنين عليه السلام لأصحاب اللواء (وإنهزم القوم وطارت مخزوم فضحها علي عليه السلام يومئذ) وقد روى ذلك أيضاً ابن أبي الحديد ج13/293 وقال الطبري ج2/514 قتل علي أصحاب الألوية .

(27) ابن جرير الطبري : تاريخ الطبري ج2/518 وسيرة ابن اسحق تحقيق سهيل زكار /330-331 . أقول : من البعيد أن يكون ما ذكره ابن شهاب هذا ، وقد قال الطبري : إنَّ المسلمين أصابهم ما أصابهم من البلاء أثلاثا ، ثلث قتيل وثلث جريحوثلث منهزم وقد جهدته الحرب حتى ما يدري ما يصنع وأصيبت رباعية رسول الله (صلى الله عليه وآله) السفلى وشُقَّت شفته وكلم في وجنتيه وجبهته في أصول شعره ، وكيف يقوم بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي بين يديه وقد واساه بنفسه ، قال الطبري : حدثنا أبو كريب قال حدثنا عثمان بن سعيد قال حدثناحبان بن علي عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده قال : لما قتل علي بن أبي طالب أصحاب الألوية أبصر رسول الله (صلى الله عليه وآله) جماعة من مشركي قريش فقال لعلي : إحمل عليهم فحمل عليهم ففرَّق جمعهم ثم أبصر رسول الله (صلى الله عليه وآله) جماعة من مشركي قريش فقال لعلي : احمل عليهم فحمل عليهم ، ففرق جماعتهم .. فقال جبرئيل : يا رسول الله إنَّ هذه للمواساة . فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إنَّه منِّي وأنا منه ، فقال : جبرئيل وأنا منكماقال : فسمعوا صوتاً :
لا سيف إلاَّ ذو الفقار       ولا فتى إلاَّ علي
قال المحمودي : وقد روى حديث المواساة أحمد بن حنبل في كتاب الفضائل الحديث رقم 241 ، كذلك في الحديث رقم 242 أيضاً الطبراني في المعجم الكبير (ترجمة الامام علي عليه السلام من تاريخ دمشق ص 138-149 الهامش) . وللمزيد من المصادر انظر السيد جعفر مرتضى العاملي : الصحيح من سيرة النبي (صلى الله عليه وآله)ج4/227 .

(28) في رواية الواقدي : 1/297-299 ، (فقال ابو سفيان : اعل هبل ، فقال عمر : الله أعلى وأجل ، فقال ابو سفيان : إنَّها قد أنعمت ، فعال عنها) أي تجاف عن آلهتنا ولا تذكرها بسوء ... (فلما قدم أبو سفيان على قريش بمكة ، لم يصل الى بيته حتى أتى هبل ، فقال : قد أنعمت ونصرتني وشفيت نفسي من محمد وأصحابه ، وحلق رأسه) .
روى الطبري وابن هشام والواقدي في مغازيه ج1/225-226 إنَّ عليّاً عليه السلام قتل طلحة كبش الكتيبة وسُرَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأظهر التكبير وكبَّر المسلمون ، وفي رواية الشيخ المفيد في الإرشاد عن الصادق عليه السلام بعد ذكره قتل أمير المؤمنين عليه السلام لأصحاب اللواء (وإنهزم القوم وطارت مخزوم فضحها علي عليه السلام يومئذ) وقد روى ذلك أيضاً ابن أبي الحديد ج13/293 وقال الطبري ج2/514 قتل علي أصحاب الألوية .

(29) جاء في سيرة ابن اسحق : 334 (ثم بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) علي بن أبي طالب ، فقال : اخرج في أثر القوم فانظر ما يصنعون) .

(30) في تاريخ الطبري عن ابن اسحق : ثم بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) علي بن أبي طالب فقال : أخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون وماذا يريدون .

(31) قال السيوطي في الدر المنثور ج5/192 في قوله تعالى (وكفى الله المؤمنين القتال) : أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن ابن مسعود (رض) أنَّه كان يقرأ هذا الحرف وكفى الله المؤمنين القتال بعلي بن أبي طالب . وذكر ذلك أيضاً الطبرسي في مجمع البيان وقال : وهو المروي عن أبي عبد اللهوأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق في ترجمة علي عليه السلام تحقيق المحمودي ج2/420 . أقول : قوله يقرأ أي يفسروروى الشيخ المفيد في الارشاد ص 54 عن جابر بن عبد الله الانصاري وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعثه مع علي عليه السلام لينظر ما يكون منه ومن عمرو قال فما شبهت قتل علي عمراً إلاَّ بما قصَّ الله تعالى من قصة داود عليه السلام وجالوت حيث يقول جلَّ شأنه (فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت) . وقال أبو جعفر الاسكافي ت 220هـ في المعيار والموازنة ص 91 (خرج علي عليه السلام الى عمرو والمسلمون مشفقون قد اقشعرت جلودهم وزاغت أبصارهم وبلغت الحناجر قلوبهم وظن قوم بالله الظنون والنبي (صلى الله عليه وآله) ليدعو له بالنصر ملح في ذلك مستغيث بربِّه ففرَّج الله به تلك الكرب وأزال الظنون وثبت اليقين بعلي بن أبي طالب .. وفي ذلك يؤثر عن حذيفة بن اليمان أنَّه قال : لقد أيد الله تبارك وتعالى رسوله والمؤمنين بعلي في موقفين لو جمع جميع أعمال المؤمنين لما عدل بهما يوم بدر ويوم الخندق ثم قصَّ قصته فيهما) .

(32) روى البخاري ومسلم وأحمد وابن عساكر وغيرهم عن أبي هريرة ، وسهل بن سعد وسلمة بن الاكوع وبريدة بن الحصيب وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس ، وغيرهم والروايات تزيد وتنقص في بعض ألالفاظ وحاصلها : أنَّ النبي (صلى الله عليه وآله) بعث أبا بكر إلى خيبر فلم يفتح عليه وبعث عمر فلم يفتح عليه فقال النبي (صلى الله عليه وآله) : لأعطينَّ الراية رجلاً كراراً غير فرَّار يحب الله ورسوله ويحبُّه الله ورسوله يفتح الله على يديه ، فبات الناس يدوكون ليلتهم فلمَّا أصبح الصباح دعا علياً عليه السلام وهو أرمد العين فتفل في عينه ففتح عينه وكأنه لم يرمد قط وقال له : خذ هذه الراية واذهب ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك فمشى علي عليه السلامهنيهة ، قال ابن مكي : ولم يلتفت للعزمة ، فقال : يا رسول الله علام أُقاتل الناس ؟ قال : قاتلهم حتى يشهدوا أنَّ لا إله إلاَّ الله وأنِّي رسول الله فإذا قالوها منعوا منِّي . فخرج علي يهرول حتى ركز رايته في أرضهم تحت الحصن فاطلع رجلٌ يهودي من رأس الحصن وقال : من أنت ؟ قال : أنا علي بن أبي طالب عليه السلام فالتفت إلى أصحابه وقال : غلبتم والذي أنزل التوراة على موسى ، فما رجع علي حتى فتح الله عليه (ابن عساكر : تاريخ دمشق 42/89) .

(33) قال اليعقوبي ج2/62 إنهزم المسلمون عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى بقي في عشرة من بني هاشم وقيل تسعة وهم علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب وأبو سفيان بن الحارث ونوفل بن الحارث وربيعة بن الحارث وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب والفضل بن العباس وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب وقيل أيمن بن أم أيمن . وروى ذلك أيضاً البلاذري ج1/365وكذلك رواه ابن عبد البر في الإستيعاب ص 813 ونقل عن ابن إسحاق قول العباس :
نصرنا رسول الله في الحرب سبعة       وقد فر من فر عنه واقشعوا
وثامننا لاقى الحمام بسيفه       بما مسَّه في الله لا يتوجع
قال ابن اسحاق : السبعة علي والعباس والفضل وابو سفيان بن الحارث وابنه جعفر وربيعة بن الحارث واسامة بن زيد والثامن ايمن ، قال ابن عبد البر : وجعل غير ابن اسحق في موضع أبي سفيان عمر بن الخطابوالصحيح ان ابا سفيان بن الحارث كان يومئذ معه لم يختلف فيه واختلف في عمر ، اقول: في كل الروايات اسم علي عليه السلام ثابت . وفي امتاع الاسماع ص 408 للمقريزي قال ابو الفضل بن العباس : التفت العباس يومئذ وقد اقشع الناس (اي تفرقوا وتصدعوا وانكشفوا) عن بكرة ابيهم فلم ير عليا فيمن ثبت فقال : شُوهةً بُوهة (اي بعداً له) أوَ في مثل الحال يرغب ابن أبي طالب بنفسه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو صاحبه فيما هو صاحبه /قال المقريزي يعني في المواقف المشهورة/ فقلت له بعض قولك لابن اخيك اما تراه في الرهج ؟ قال : اشعِره لي يا بني (أي اذكر علامته) قلت : هو ذو كذا ، ذو كذا ، ذو البردة ، قال : فما تلك البرقة ؟ قلت : سيفه يرفل (أي يتبختر) به بين الاقران ، فقال : بَرٌّ ابنُ بَرّ ، فِداه عمٌّ وخال ، قال : فضرب علي يومئذ اربعين مبارزا كلهم يقُدُّه حتى يقد انقه ، وذكره قال : وكانت ضرباته منكرة . (قال في لسان العرب : قدد : القَدّ : القطع المستأصل والشق طولا . وضربه بالسيف فَقَدَّه بنصفين . وفي الحديث : أن عليا عليه السلام كان إذا اعتلى قدَّ وإذا اعترض قطَّ وفي رواية : كان إذا تطاول قدَّ وإذا تقاصر قطَّ أي قطع طولا وقطع عرضا) .

(34) الغرز : ركاب للرحل من جلد ، وغرز رجله في الغرز يغرزها غرزا : وضعها فيه ليركب وأثبتها . (ابن منظور لسان العرب مادة غرز) .

صفحة مكتب العلامة المحقق السيد سامي البدري