تفرُّق بني إسماعيل

عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال : لم يزل بنو إسماعيل ولاةَ البيت يُقيمون للناس حَجَّهم وأَمرَ دينهم يتوارثونه كابرا عن كابر (1) حتى كان زمن عدنان بن أُدَد (2) ، فطال عليهم الأمد (3) فقست قلوبهم وأفسدوا وأحدثوا (4) في دينهم وأخرج بعضهم بعضاً (5) ، فمنهم من خرج في طلب المعيشة ، ومنهم من خرج كراهية القتال وفي أيديهم أشياء كثيرة من الحنيفيَّة ، من تحريم الأمهات والبنات وما حرّم الله في النكاح إلاّ أنّهم كانوا يستحلّون امرأة الأب وابنة الأخت والجمع بين الأختين .

وكان في أيديهم الحج والتلبية (6) والغُسل من الجنابة إلاّ ما أحدثوا في تلبيتهم وفي حجهم من الشرك (7) . واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره ، وصاروا إلى ما كانت عليه الأُمم من الضّلالات ، فنصبوا الأوثان وبحَّروا البحيرة (8) وسيَّبوا السائبة (9) ووصَّلوا الواصلة (10) . وقد أشار القرآن الى جملة من تحريفاتهم لدين ابراهيم وندد بها .

قال تعالى : (مَا جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَة وَلَا سَائِبَة وَلَا وَصِيلَة وَلَا حَام وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (103))المائدة/103 .

وقال تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (136) وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِير مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (137) وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (138) وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (139) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْم وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللهُ افْتِرَاءً عَلَى اللهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (140))الأنعام/136-140 .

وقال تعالى : (أَفَرَأَيْتُمْ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَان إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ الْهُدَى (23)) النجم/19-23 .

______________________

(1) اي كبيرا عن كبير ورئيسا بعد رئيس .

(2) وتقرأ ايضا أُدُد .

(3) أي العمر أو منتهى الأجل .

(4) أي ابتدعوا .

(5) أي من مكة عدوانا وعلوا .

(6) وهي ما يذكر الحاج أو المعتمر عند الإحرام من جملة (لبيك اللهم لبيك ...) .

(7) فروع الكافي ج4 ص210 حديث 17 أقول : والذي أحدثوه من التلبية هو إدخالهم أسماء أصنامهم فيها ، والذي أبتدعوه في الحج هو مسائل الحُمْس وسيأتي الحديث عنها .

(8) قال ابن سيدة : بحَّر الناقة والشاة ، يبحِّرها بحرا : شقَّ أذنها بنصفين وقيل : بنصفين طولا وهي البَحِيرة ، وكانت العرب تفعل بهما ذلك إذا نتجتا عشرة أبطن فلا يُنتَفَع منهما بلبن ولا ظهر وتُتْرَك البحيرة ترعى وترد الماء ويحرم لحمها على النساء ويحلل للرجال فنهى الله تعالى عن ذلك . (لسان العرب) .

(9) كان الرجل في الجاهلية إذا قدم من سفر بعيد أو برئ من علة أو نجَّته دابة من مشقَّة أو حرب قال : ناقتي سائبة أي تسيب فلا ينتفع بظهرها ولا تحلأ (أي لا تمنع) عن ماء ولا تمنع من كلأ(اى العشب) ولا تُركب (لسان العرب) .

(10) قال المفسّرون : الوصيلة كانت في الشاء (جمع شاة) خاصة ، كانت الشاة إذا ولدت أنثى فهي لهم وإذا ولدت ذَكَرا جعلوه لآلهتهم فإذا ولدت ذكرا وأنثى قالوا : وصلت أخاها فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم . والوصيلة التي كانت في الجاهلية : الناقة التي وصلت بين عشرة أبطن وهي من الشاء التي ولدت سبعة أبطن عناقين عناقين (العناق الانثى من ولد المعز وغيره) فإن ولدت في السابع عناقا قيل : وصلت أخاها فلا يشرب لبن الأم إلاّ الرجال دون النساء وتجري مجرى السائبة (لسان العرب) .