تجربة حكم قريش المسلمة (1)
كان للمسلمين الأوائل من قريش أطروحتهم الخاصة في فهم الإسلام ، وطريقة تطبيقه التي أعلنوا عنها زمن النبي صلى الله عليه وآله في العهد المدني من خلال مواقفهم وشعارهم الذي قالوه صراحة بمحضر من النبي صلى الله عليه وآله: (حسبنا كتاب الله) ، ومفاد هذا الشعار أن السنة النبوية ليست ملزمة لهم ، وأن القانون من الناحية العملية هو اجتهاد الحاكم وإن خالف النص .
ومن هنا نجد السلطة القرشية بعد النبي صلى الله عليه وآله تنهى عن نشر حديثه وسيرته(2).
وتأمر بإتلاف الصحف الحديثية التي كتبها الصحابة(3) ، وتنهى عن تفسير القرآن ، وتأمر بإتلاف المصاحف التي كتب الكثير من الصحابة بهامشها التفسير الذي أملاه النبي صلى الله عليه وآله عليهم (4).
تبنت قريش المسلمة في نظريتها للحكم حصرَ حق الحكم بها خاصة دون بقية المسلمين ، في حين أنَّ النبي صلى الله عليه وآله جعل حق الحكم للعالم بالكتاب والسنة من أي أسرة كانت ، نعم استثنى فترة أوصيائه الاثني عشر حيث ينحصر حق الحكم بهم في زمانهم وحضورهم كانحصاره بالنبي صلى الله عليه وآله في زمانه .
ورفعت بوجه الأنصار في اجتماع السقيفة شعار (لن تعرف العرب هذا الأمر إلا لقريش) (5).
وعطل الحاكمون من قريش العمل بكثير من السنن ، كتعطيلهم سنة التسوية في العطاء ، وتأسيس طريقة التفاوت في العطاء على أسس نهى عنها الإسلام(6)، وتحريمهم العمل بسنن النبي صلى الله عليه وآله في الحج حين فصل بين اعماله ومناسكه وجعلها على قسمين تخفيفا على الناس من جهد السفر ومشقة المناسك (7).
وفرضوا أموراً جديدة في الدين ، كأمرهم بأن تصلى نوافل شهر رمضان جماعة (8) وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله عن ذلك.
وأمرهم بحذف حي على خير العمل ، وغيرها من المخالفات .
نفَّذت قريش المسلمة الحاكمة آراءها تلك بالقوة ، وفرضت حالة الرأي الواحد على المجتمع ، على الرغم من أن النبي صلى الله عليه وآله كان قد سمح بالتعددية في أروع صورها للأفراد أو الجماعات ، واكتفى بالتنبيه على الخطأ والانحراف في المعتقد وبيان عاقبته (9).
قتلت قريش المسلمة مالك بن نويرة جهارا ، وطوقته بتهمة الإرتداد ، لأنه لم يكن يؤيد حكومتهم بل وامتنع من أداء الزكاة إليها اعتقاداً منه أن علياً أحق بالحكومة للنصوص التي سمعها من النبي صلى الله عليه وآله في حقه (10).
وتسبب سوء سيرة ولاة حكومة قريش المسلمة في جباية الزكاة بحروب سميت فيما بعد بحروب الردة (11).
واغتالت حكومة قريش المسلمة سعد بن عبادة ، وأشاعت أن الجن قتلته ، لأنه لم يبايع من عينته قريش للخلافة (12).
وأكرهت علياً عليه السلام على البيعة بعد قصة السقيفة ، وهددته بالقتل إن لم يبايع (13).
وفرضت الإقامة الجبرية على بعض الصحابة ممن لم يمتنع عن نشر الحديث .
وعاقبت البعض ممن لم يمتنع عن السؤال عن تفسير القرآن بالضرب الشديد والحرمان من العطاء ، والمقاطعة الإجتماعية.
انعكست هذه السياسة بتفاصيلها على العراقيين ، فكانوا حينما يسألون الصحابة بأن يحدثوهم عن النبي صلى الله عليه وآله يأتيهم الجواب أن الخليفة نهاهم عن ذلك .
وقد كانت أول عقوبة على جريمة السؤال عن تفسير القرآن من نصيب أحد العراقيين ، وهو صبيغ التميمي ، عوقب من قبل الخليفة نفسه بأشد مما يعاقب به شارب الخمر ، حيث ضربه ضرباً شديداً جعل الدم يتفجر من رأسه وظهره ، ثم أصدر أمراً بقطع راتبه ، ومقاطعته اجتماعيا(14).
وتناهى إلى سمع العراقيين أن الخليفة فرض الإقامة الجبرية على عدد من الصحابة ، ولم يكن لهم ذنب إلا أنهم خالفوا السلطة القرشية في سياستها التي فرضت التعتيم على الحقائق وحاولوا الكشف عنها(15).
شهد العراقيون في عهد الخليفة القرشي الأموي عثمان احتكار خيرات البلد ، ورفع ولاته من أسرته شعار (أن العراق بستان لقريش) .
ثم شهدوا نَفْيَ مالك الأشتر وأصحابه من الكوفة إلى الشام بسبب اعتراضهم على السياسة الجائرة لولاة عثمان (16).
بسبب هذا ، وغيره كثير أعرض العراقيون عن الولاء لقريش المسلمة وعن تجربتهم التطبيقية للإسلام .
|