![]() |
![]() |
الباب الخامس : خلاصة وخاتمة
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) الصف/14.
وروى البخاري ان أعرابيا قال للنبي(صلى الله عليه وآله): الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليذكر ويقاتل ليرى مكانه في سبيل الله، فقال:من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهوفي سبيل الله.
وجه الحسين (عليه السلام) أصحابه في المرحلة السرية من حركته في مواجهة الانقلاب الفكري لمعاوية (50-59) ليواصلوا نشر الاحاديث النبوية الصحيحة في علي واهل البيت (عليهم السلام) بين من يثقون به من الناس، وكان آخر نشاط نوعي في هذا السبيل هوالمؤتمر السري الذي عقده الحسين (عليه السلام) في مكة في موسم الحج لسنة 59 هجرية، أي قبل موت معاوية بسنة، وحضره عدد كبير من الصحابة والتابعين، وكانت المادة الاساسية في هذا المؤتمر هي خطاب الحسين (عليه السلام) الذي أطلع المؤتمرين انذاك على خطورة الوضع الفكري والسياسي ثم حثهم على نشر الحقائق الدينية في علي واهل البيت (عليهم السلام) وقد استهل خطابه بقوله: اني خفت دروس هذا الامر (أي امر ولاية اهل البيت).
اعلن الحسين (عليه السلام) بعد موت معاوية عن حركته التبليغية ليقاوم بدعتين سادتا وانتشرتا انتشارا مطبقا:
الأولى: التربية العامة على بغض علي ولعنه والبراءة منه، ورواية الاحاديث الكاذبة في ذمه والطعن عليه ومعاقبة من يظهر خلافه لهذه السياسة.
الثانية: التربية العامة على الولاء المطلق للخليفة والتقرب الى الله بطاعته ومحبته، ورواية الاحاديث الكاذبة في فضل بني أمية وإكرام من يتجاوب مع هذه السياسة.
اختار الحسين (عليه السلام) مكة قاعدة ينطلق منها في حركته تلك، يحيط به بنوهاشم لحمايته من اجل ان يقوم بممارسته التبليغية ونشر احاديث النبي في علي (عليه السلام)، الممارسة التي تعاقب الدولة عليها بعقوبة الاعدام كما يقال بلغة العصر. وتحرك الحسين (عليه السلام) على أخيار المسلمين القادمين من مختلف البلاد الإسلامية لأداء العمرة والحج يحدِّث الجيل الجديد منهم بما حرَّمت الدولة الحديث به فلم يسمعوه، ويستنهض الجيل القديم ويذكِّّرهم بتكليفهم الشرعي إزاء ظهور البدع، ومن ثم يطلب النصرة من الجميع ليحموه من دولة الضلال، لكي يواصل هوواخيار الصحابة والتابعين تبليغ احاديث جده وسنته للامة.
تجاوب مع الحسين (عليه السلام) وجوه شيعة أبيه في العراق، وبخاصة في الكوفة الممتحنة في السنوات السابقة من النظام الاموي، وبايعوه على النصرة ودعوه الى البلد لينهض به في مقاومة بني امية كما نهض جده النبي بأهل المدينة لمقاومة قريش، وشاء الله تعالى أن تنكشف الحركة في الكوفة وتُسحق في مهدها، ويُسجن أنصار الحسين فيها ويُقتل هانئ أبرز وجه في الكوفة وأقواه سياسيا واجتماعيا، ويُقتل بعده مسلم بن عقيل، وتُقطع الطرق المؤدية الى الكوفة لقطع الطريق على المختفين من أنصار الحسين(عليه السلام) من ان يلحقوا به، ويطوق الركب الحسيني القادم من مكة خوفا من أن تُستحل حرمتها به حيث كان يزيد قد دس الرجال ليقتلوا الحسين غِيلة في الموسم.
عرض جيش الدولة على الحسين (عليه السلام) ان يسلم نفسه للسلطة وأبى الحسين ومن معه ذلك، وجرت معركة غير متكافئة، وقتل الحسين وأهل بيته واصحابه ورفعت رؤوسهم على الرماح وداست الخيل صدر الحسين (عليه السلام) وأخذت نساوه وأطفاله أسرى إلى الشام.
صفا الجوليزيد وبني امية سنتين تقريبا بعد قتل الحسين، وقدروا انهم اطفأوا النور الحسيني، وان زلزال الخطر عليهم وعلى خطتهم زال الى غير رجعة، وما دَرَوْا ان القيام المخلص لله والقتل في سبيله، هومن اعظم الوسائل التي يتألق بها نور الهداية، ويستحكم بها الزلزال على المنحرفين، وتظهر معالمه جلية واضحة في كل البلاد الاسلامية.
- فقد ثار اهل المدينة على يزيد بعد سنتين (63هجرية) من قتل الحسين(عليه السلام).
- واعلن أهل مكة تمردهم في غضون ذلك.
- وعاجل الله تعالى يزيد فأماته مبكرا، واستقال ولده معاوية الثاني، ومات بعد استقالته بايام، وتمزقت الدولة الاموية شر ممزق.
- فاقتتل أهل الشام بينهم من أجل الملك وصاروا رايتين راية تدعولابن الزبير واخرى تدعولمروان ثم صفا الامر لمروان بن الحكم بعد وقعة مرج راهط، التي اهلكت آلاف الناس، ومن بعده لابنه عبد الملك.
- واقتتل اهل خراسان، قال المدائني لما مات يزيد بن معاوية، وثب أهل خراسان بعمالهم، فأخرجوهم وغلب كل قوم على ناحية، ووقعت الفتنة، وغلب عبد الله بن حازم على خراسان، ووقعت الحرب
- وفي البصرة روى ابومخنف قال: وثب الناس بعبيد الله بن زياد وكسر الخوارج أبواب السجون، وخرجوا منها
- وفي الكوفة وثب رؤساء الجيش والشرط، بعمروبن حريث خليفة ابن زياد ومدير شرطته، وكان هواهم مع ابن الزبير، فأخرجوه من القصر واصطلحوا على عامر بن مسعود بن أمية الجمحي القرشي، وبايعوا لابن الزبير ثم كسرت السجون وخرج الشيعة.
- واقتتل اهل اليمن فيما بينهم كذلك.
- وكان البلد الوحيد الذي وجدت فيه حركة تحمل خط الحسين (عليه السلام) ونهجه، هوالكوفة بزعامة سليمان بن صرد ثم بزعامة المختار الثقفي، ولكن عبد الله بن الزبير لا يحتمل ذلك وبخاصة وان الكوفة كانت تابعة له، فبعث اخاه مصعب بأهل البصرة وبقايا الجيش الذي قاتل الحسين (عليه السلام) الذي خرج من الكوفة فارا من المختار، وطوق الكوفة وقتل المختار، وقتل بعد ذلك زوجة المختار لانها لم تتبرأ منه ومعها ستة الاف صبرا ممن كان مع المختار في القصر.
- ولئن استطاع عبد الملك بعد عشرين سنة ان ينتصر على المعارضة والثوار في انحاء البلاد الاسلامية، وان يستعيد وحدة الدولة الاموية وفرض السياسة التي اختطها معاوية من جديد، فإنَّ حرارة الزلزال في الكوفة، والمغتربين من ابنائها في خراسان لم تكن قد انتهت، فكانت ثورة زيد في الكوفة، وكان قدره فيها كقدر جده الحسين (عليه السلام) ان يكون وقودا وزيتا للثائرين، ثم كانت ثورة العباسيين بالكوفيين المغتربين ومن معهم من اهل خراسان، وانهار على ايديهم الحكم الاموي والاطروحة الاموية للاسلام، المبني على لعن علي (عليه السلام) الى غير رجعة، حيث لم يجيء حكم بعد ذلك يتبنى لعن علي (عليه السلام) الى اليوم ولن يجيء الى آخر الدنيا.
- وانتشرت الاحاديث النبوية التي عمل بنوامية على طمسها وكتمانها وتحريفها، واهتدى بها من اراد الهداية من الامة، وهي محفوظة في كتب المسلمين جميعا الى اليوم.
- وايد الله تعالى الحسين تاييدا خاصا حين بتر نسل يزيد فلا يوجد اليوم من ينتسب اليه، وبارك الله تعالى في نسل الحسين فهو يملأ الدنيا، ورزقه منهم تسعة ائمة هدى اسباطا، اعلام هداية، نشروا ما كان يحمله الحسين من تراث نبوي كتبه علي (عليه السلام) بيده الكريمة الطاهرة، واملاه النبي من فيه الشريف المطهر، والتف حولهم شيعة ياخذون عنهم هذا التراث الالهي، ويحملون ظلامة الحسين(عليه السلام) غضة طرية كل عام في عاشوراء، ليهتدي بهديها من شاء من الناس.
______________________________________
(1) صحيح البخاري (المختصر) 3/1137 .
(2) تاريخ الطبري 5/546.
(3) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب: عبد الله بن خازم بن أسماء بن الصلت بن حبيب بن حارثة بن هلال بن حرام بن السمال بن عوف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم السلمي أبوصالح البصري أمير خراسان، يقال :له صحبة ورواية، روى عنه سعد بن عثمان الرازي وسعيد بن الأزرق، قال أبوأحمد العسكري :كان من أشجع الناس، ولي خراسان عشر سنين، وافتتح الطبسين(تثنية طبس، قصبة ناحية بين نيسابور واصبهان تسمى قهستان) مراصد الاطلاع ، ثم ثار به أهل خراسان فقتلوه وكان الذي تولى قتله وكيع بن الدورقية، وحمل رأسه إلى عبد الملك بن مروان، وقال خليفة ابن خياط قام بأمر الناس في وقعة قازن بباذغيس (ناحية تشمل على قرى اعمال هراة ومرو) وكتب إلى بن عامر بالفتح فأقره على خراسان حتى قتل عثمان، وقال صالح بن الرحبية :قتل سنة 71، وقال السلامي في تاريخه لما وقعت فتنة بن الزبير كتب إليه بن خازم بطاعته فأقره على خراسان، فبعث إليه عبد الملك بن مروان يدعوه إلى طاعته فلم يقبل، فلما قتل مصعب بعث إليه عبد الملك برأسه فغسله وصلى عليه ثم ثار عليه، وكيع بن الدورقية وغيره فقتلوه. وبمعنى ذلك حكى أبوجعفر الطبري وزاد وكان قتله في سنة 72.
(4) تاريخ الطبري 5/567 عن ابي مخنف.
![]() |
![]() |