الباب الثاني : الانقلاب الأموي
الفصل الأول : معاوية ينقض عهده مع الحسن (عليه السلام)

إختلاق أخبار قبيحة في علي وأهل بيته(عليهم السلام):

قال أبوجعفر الاسكافي (ت220):

ان معاوية وضع قوما من الصحابة وقوما من التابعين على رواية اخبار قبيحة في علي (عليه السلام)، تقتضي الطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جُعَلاً يُرغب في مثله، فاختلقوا ما أرضاه، منهم أبوهريرة، وعمروبن العاص، والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين عروة بن الزبير (1).

أقول: وفيما يلي نماذج من هذه الاحاديث:

روى الزهري ان عروة بن الزبير حدثه، قال: حدثتني عائشة، قالت: كنت عند رسول الله (عليه السلام) اذ أقبل العباس وعلي، فقال: يا عائشة ان هذين يموتان على غير ملتي، أوقال: ديني.

وروى عبد الرزاق عن معمر، قال: كان عند الزهري حديثان عن عروة عن عائشة في علي (عليه السلام)، فسألته عنهما يوما، فقال: ما تصنع بهما وبحديثهما، الله أعلم بهما إنى لأتهمهما في بني هاشم.

قال ابن ابي الحديد: فاما الحديث الأول فقد ذكرناه.

واما الحديث الثاني فهو: أن عروة زعم ان عائشة حدثته، قالت: كنت عند النبي (صلى الله عليه وآله) اذ أقبل العباس وعلي، فقال: يا عائشة ان سَرَّكِ ان تنظري إلى رجلين من أهل النار فانظري إلى هذين قد طلعا، فنظرتُ فإذا العباس وعلي بن ابي طالب.

وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما مسندا متصلا بعمروبن العاص، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: ان آل أبي طالب ليسوا لي باولياء انما وليى الله وصالح المؤمنين (2).

وروى البخاري ومسلم عن ابي هريرة الحديث الذي معناه ان عليا (عليه السلام) خطب ابنة أبي جهل في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فاسخطه، فخطب على المنبر، وقال: لاها الله، لا تجتمع ابنة ولي الله وابنة عدوالله أبي جهل، إنَّ فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها، فان كان علي يريد ابنة أبي جهل فليفارق ابنتي وليفعل ما يريد (أوكلاما هذا معناه) (3).

قال ابن أبي الحديد: هذا الحديث مخرَّج في صحيحي مسلم والبخاري عن المسور بن مخرمة الزهري.

ولشياع هذا الخبر وانتشاره ذكره مروان بن ابي حفصة (4) في قصيدة يمدح بها الرشيد ويذكر فيها ولد فاطمة (عليها السلام)وينحى عليهم ويذمهم، وقد بالغ حين ذم علياً (عليه السلام) ونال منه وأولها:

ويا حبذا جُمْلٌ وان صُرِمَتْ حبلي *** سلام على جُمْلٍ وهيهات من جُمْلِ

ثم يقول فيها:

أباه ذووالشورى وكانوا ذوي عدل *** ابوكمُ علي كان افضلَ منكم
وساء رسول الله اذ ساء بنته *** بنتَ اللعين أبي جهل
اراد على بنت النبي تزوُّجاً *** ببنت عدوالله يا لك من فعل!
فذمَّ رسول الله صهرَ ابيكم *** على منبر الاسلام بالمنطق الفضل
وحكَّم فيها حاكمَيْنِ ابوكم *** هما خلعاه خلع ذي النعل للنعل
وقد باعها من بعده الحسن ابنه *** فقد أُبطلت دعواكم الرثة الحبلِ
وخلَّيتموها وهي في غير اهلها *** وطالبتموها حين صارت إلى أهل (5)

______________________________________

(1) ومرة الهمداني والاسود بن يزيد ومسروق الاجدع وأبووائل شقيق بن سلمة وأبوعبد الرحمن السُّلمي القاريء وقيس بن حازم وسعيد بن المسيب والزهري ومكحول وحريز بن عثمان وغيرهم، انظر شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج4/67-110.

(2) رواه البخاري 5/2233 (ط الموسوعة الذهبية)، مسلم 1/197، مسند أحمد 4/203 وفيها (آل أبي فلان)، قال ابن حجر في فتح الباري 10/423 قال أبوبكر بن العربي في سراج المريدين: كان في أصل حديث عمروبن العاص أن آل أبي طالب فغير آل أبي فلان كذا جزم به. وتعقبه بعض الناس وبالغ في التشنيع عليه ونسبه إلى التحامل على آل أبي طالب ولم يصب هذا المنكر، فإن هذه الرواية التي أشار إليها ابن العربي موجودة في مستخرج أبي نعيم من طريق الفضل بن الموفق عن عنبسة بن عبد الواحد بسند البخاري عن بيان بن بشر عن قيس بن أبي حازم عن عمروبن العاص رفعه: أن لبني أبي طالب رحما أبلها ببلالها، وقد أخرجه الإسماعيلي من هذا الوجه أيضا لكن أبهم لفظ طالب وكأن الحامل لمن أبهم هذا الموضع ظنهم أن ذلك يقتضي نقصا في آل أبي طالب وليس كما توهموه كما سأوضحه إن شاء الله تعالى، قوله (ليسوا بأوليائي) كذا للأكثر، وفي نسخة من رواية أبي ذر (بأولياء)، فنقل ابن التين عن الداودي أن المراد بهذا النفي من لم يسلم منهم، أي فهومن إطلاق الكل وإرادة البعض، والمنفي على هذا المجموع لا الجميع، وقال الخطابي: الولاية المنفية ولاية القرب والاختصاص لا ولاية الدين، ورجح ابن التين الأول وهوالراجح، فإن من جملة آل أبي طالب عليا وجعفر وهما من أخص الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم لما لهما من السابقة والقدم في الإسلام ونصر الدين، وقد استشكل بعض الناس صحة هذا الحديث لما نسب إلى بعض رواته من النصب وهوالانحراف عن علي وآل بيته، قال ابن حجر: أما قيس بن أبي حازم فقال يعقوب بن شيبة: تكلم أصحابنا في قيس، فمنهم من رفع قدره وعظمه وجعل الحديث عنه من أصح الأسانيد حتى قال بن معين: هوأوثق من الزهري، ومنهم من حمل عليه، وقال: له أحاديث مناكير، وأجاب من أطراه بأنها غرائب وافراده لا يقدح فيه، ومنهم من حمل عليه في مذهبه وقال: كان يحمل على علي، ولذلك تجنب الرواية عنه كثير من قدماء الكوفيين، وأجاب من اطراه بأنه كان يقدم عثمان على علي فقط، قال ابن حجر: والمعتمد عليه أنه ثقة ثبت مقبول الرواية وهومن كبار التابعين سمع من أبي بكر الصديق فمن دونه، وقد روى عنه حديث الباب إسماعيل بن أبي خالد وبيان بن بشر وهما كوفيان ولم ينسبا إلى النصب، لكن الراوي عن بيان وهو عنبسة بن عبد الواحد أموي قد نسب إلى شيء من النصب، وأما عمروبن العاص وان كان بينه وبين علي ما كان فحاشاه أن يتهم، وللحديث محمل صحيح لا يستلزم نقصا في مؤمني آل أبي طالب وهوأن المراد بالنفي المجموع كما تقدم ويحتمل أن يكون المراد بآل أبي طالب أبوطالب نفسه وهوإطلاق سائغ.

(3) انظر البخاري المختصر 4/1364، مسلم 4/1903.

(4) ‏ مروان بن ابي حفصة ولد سنة 105 هجرية، شاعر، كان جده ابوحفصة مولى لمروان بن الحكم اعتقه يوم الدار، ادرك زمنا من العهد العباسي، فقدم بغداد ومدح المهدي والرشيد توفي ببغداد سنة 182هجرية.

(5) الاغاني (لابي الفرج الاصفهاني ج23/214-215)، والاصفهاني يرويها لمروان بن ابي حفصة الاصغر وهومروان بن ابي الجنوب بن مروان الاكبر بن ابي حفصة، وانه انشدها للمتوكل العباسي وانها من مشهور شعره، اما ابن ابي الحديد (في شرح النهج ج 4 ص 63-64)فيرويها لجده مروان الاكبر، والذي يظهر انها للجد، اذ ان الحفيد كان يروي شعر جده ويتشبه به في الشعر ويتقرب الى المتوكل بهجاء آل ابي طالب كما ذكر الاصفهاني، ولما افضت الخلافة الى المنتصر تجنب مذهب ابيه وطرد مروان الاصغر، وقال والله لا أذنت للكافر ابن الزانية، اليس هوالقائل: (وحكم فيها حاكمين ابوكم هما خلعاه خلع ذي النعل للنعل) الاغاني ج23/214، 219. قال المسعودي في مروج الذهب(ج4/51-52): وكان آل أبي طالب قبل خلافة المنتصر في محنة عظيمة وخوف على دمائهم، قد مُنعوا زيارة قبر الحسين والغري من أرض الكوفة، وكذلك منع غيرهم من شيعتهم حضور هذه المشاهد، وكان الأمر بذلك من المتوكِّل سنة ست وثلاثين ومائتين، وفيها أمر المعروف باذيريج بالسير إلى قبر الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما وهدمه ومحو أرضه وإزالة أثره، وأن يعاقب من وجد به، فبذل الرغائب لمن تقدم على هذا القبر، فكلٌّ خشي العقوبة، وأحجم، فتناول الباذيريج مسحاة وهدم أعالي قبر الحسين، فحينئذ أقدم الفعلة فيه... ولم تزل الأُمور على ما ذكرنا إلى أن استخلف المنتصر سنة 247هجرية، فأمن الناس، وتقدَّم بالكفِّ عن آل أبي طالب، وترك البحث عن أخبارهم، وأن لا يمنع أحد زيارة الحيرة لقبر الحسين رضي الله تعالى عنه، ولا قبر غيره من آل أبي طالب، وأمر بردِّ فدك إلى ولد الحسن والحسين، وأطلق أوقاف آل أبي طالب وترك التعرُّض لشيعتهم ودفع الأذي عنهم،... وفي ذلك يقول يزيد بن محمد المهلبي وكان من شيعة آل أبي طالب وما كان امتحن به الشيعة في ذلك الوقت واغريت بهم العامة:
ولقد بررت الطالبية بعدما *** ذمّوا زماناً بعدها وزمانا
ورددت ألفة هاشم، فرأيتهم *** بعد العداوة بينهم إخوانا
آنست ليلهم وجدت عليهم *** لرأوك أثقل من بها ميزانا
لويعلم الأسلاف كيف بررتهم *** حتى نسوا الأحقاد والأضغانا

صفحة مكتب العلامة المحقق السيد سامي البدري