![]() |
![]() |
الباب الثالث : حركة الحسين (عليه السلام) في مواجهة الانقلاب الأموي
الفصل الاول : المرحلة الاولى السكوت والعمل السري في عهد معاوية
استهدف معاوية من انقلابه أساساً أمرين اثنين:
الأمر الأول: دمج موقع الامامة الدينية في موقع الحاكمية ليصبح حاكما له سلطة تشريعية كالتي برز بها عمر في خلافته حين كان ينهى عن كثير من سنن النبي (صلى الله عليه وآله) فيطاع
الأمر الثاني: محوالذكر الطيب والموقع الهدايتي الخاص الذي منحه الله ورسوله لعلي ولاهل بيته المعصومين (عليهم السلام) من بعده بغضا وحقدا ولكونه يتعارض مع هدفه الاول.
وكانت امامه ثلاث عقبات لتحقيق ذلك وهي:
1. وجود الحسن (عليه السلام) وقد برزته سنوات الصلح مصلحا رساليا بمستوى جده النبي(صلى الله عليه وآله) بما أعاد لذاكرة المسلمين من تشابه بين صلحه وصلح الحديبية من جهات عديدة مر ذكرها. وبما أخبر النبي من حدث الصلح، وبما ظهر من مكنون أخلاق الحسن(عليه السلام) وسيرته من خلال معاشرته للناس في موسم الحج للسنوات العشر ماشيا وفي غير موسم الحج وقبل ذلك بما انتشر من أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) فيه وفي اخيه الحسين(عليهما السلام). هذا مضافا الى ان احد بنود الصلح الذي ينص على ان الامر للحسن (عليه السلام) بعد موت معاوية فإن حدث بالحسن (عليه السلام) فإن الأمر للحسين وليس لمعاوية أن يعهد لأحد من بعده.
2. الكوفة بوصفها مركز شيعة علي (عليه السلام) وبوصفها مركز الثقل في أهل العقد والحل الذين بايعوا الحسن (عليه السلام) بيعة مشروعة قامت على إيمانهم بالنص ومن ثم كانت هذه البيعة عُدَّةَ الحسن (عليه السلام) في مشروع صلحه العظيم، كما كانت بيعة أهل المدينة مع النبي(صلى الله عليه وآله) عُدَّتَه في مشروع صلحه العظيم مع قريش.
3. انتشار الاحاديث النبوية في فضل علي وأهل بيته (عليهم السلام)، وفي ذم معاوية وبني أمية في الشام مركز شيعة معاوية فضلا عن غيرها. ومن جانب آخر انتشار اخبار سيرة النبي(صلى الله عليه وآله) وسيرة علي (عليه السلام) الشخصية وأخبار سيرتهما في الحكم والحروب وهي سيرة واحدة ونور واحد (علي مني وانا منه) (انا من رسول الله كالصنومن الصنووكالذراع من العضد) وفي قبالها انتشار سيرة الخلفاء الثلاثة في الحكم وفي الحروب وهي سيرة مغايرة لسيرة النبي وعلي (متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا احرمهما).
وكانت أجراءات معاوية التي اتخذها لتحقيق هدفيه الآنفي الذكر كما يلي:
الإجراء الأول: التخلص من الحسن (عليه السلام) بدس السم إليه عن طريق زوجته بنت الأشعث , وكذلك التخلص من بعض الشخصيات التي تشكل عقبة كعبد الرحمن بن خالد بن الوليد في الشام وسعد بن ابي وقاص في المدينة.
الإجراء الثاني: لعن علي (عليه السلام) وسبه على منابر المسلمين بعد صلاة الجمعة، لتربية الناشئة عليه.
الإجراء الثالث: تغيير نظام التعبئة من الاسباع الى الارباع، وتغيير الكثافة السكانية الشيعية بتسيير خمسين ألف من اهل الكوفة والبصرة بعيالاتهم الى خراسان واشغالهم بالغزو.
الإجراء الرابع: قتل حجر وأصحابه بتلفيق التهم عليهم بانهم خلعوا معاوية وخرجوا على واليه في الكوفة.
الإجراء الخامس: تصفية الجيش في الكوفة من خلال عرض الناس على البراءة من علي ولعنه وقتل من يأبى ذلك واسقاط اسم المتهم بحب علي من ديوان العطاء، واعتماد الحمراء والبخارية ليكونوا شرطة بدلا من أهل القبائل.
الإجراء السادس: المنع من نشر احاديث النبي (صلى الله عليه وآله) في فضل علي وأهل بيته (عليهم السلام)، وكل حديث فيه ذم لبني أمية، وحث الطامعين في الدنيا في الكذب على النبي (صلى الله عليه وآله) ووضع أحاديث تمدح بني أمية وغيرهم وتطعن في علي واهل بيته (عليهم السلام)، وكذلك وضع احاديث تنزل من شخصية الرسول لتجعله بمستوى الانسان الذي تصدر منه الاخطاء الفاضحة.
الإجراء السابع: اطلاق صفة خليفة الله (الخاصة بالمعصومين من الانبياء واوصيائهم) على الحاكم الأموي، ووضع الأحاديث الكاذبة في السكوت على الظلم والجور، وتحريف الوصية الخاصة بالاوصياء واستبدالها بولاية العهد والغاء دور الكتاب والسنة في تشخيص من له حق الحكم، ومصادرة دور الامة في ممارسة البيعة لمن نص عليه الكتاب والسنة.
الإجراء الثامن: تولية العهد لولده يزيد المعروف بفسقه وفجوره واخذ البيعة من الامة له قهرا.
حكم معاوية عشرين سنة، كانت السنوات العشر الاولى منها في ظل حياة الحسن(عليه السلام)، وكان معاوية فيها مجبورا على العودة باهل الشام الى جسم الامة والتقيد بالشروط التي اشترطها للحسن(عليه السلام)، وبسبب ذلك لم يروِّع معاوية أي شيعي في هذه السنوات العشر بل كان يكرم وجوه الشيعة ويتحمل صراحتهم ويظهر التودد والترحم على علي (عليه السلام) في المجالس العامة كما في قصة ضرار وغيره، وليس من شك انه كان يستبطن غير ذلك.
وكانت السنوات العشر الثانية بعد وفاة الحسن (عليه السلام)، سنوات نقض الشروط وتعطيل الحدود وقتل الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وقد تدرج معاوية بخطة مدروسة نَفَّذَ مقدماتها في السنوات العشر الاولى التي كانت تستهدف تثبيت دعائم السلطة وملاحقة الخوارج وتعبئة الجوالعام باتجاه الفتوح.
كان الناس على اصناف أربعة إزاء إعلان السب لعلي (عليه السلام)(بوصفه رأس الحربة في الانقلاب):
الصنف الأول: الخوارج، وهؤلاء كانوا مسرورين من ذلك، لانهم ممن يعلن البراءة من علي(عليه السلام) أيضا، الا انهم يرون معاوية، امتدادا لعثمان الذي يتبرأون منه كما يتبرأون من علي بل يرون مواصلة الخروج على معاوية وقد توالى خروجهم عليه منذ بداية الصلح ولم ينقطع.
الصنف الثاني: قريش وأنصارها، ويتوزع قريشا محوران هما:
1. بنوأمية وكلهم موتور من علي (عليه السلام)، مبغض له.
2. عبد الله بن الزبير وشيعته، وهومعروف ببغضه عليا (عليه السلام)، وقد تناول عليا وتنقصه في فترة حكمه للحجاز.
الصنف الثالث: الحسين (عليه السلام) وبنوهاشم ومركزهم المدينة، وشيعة علي الذين تربوا على يديه امثال حجر وعمروبن الحمق وحبيب بن مظاهر وغيرهم، ومركزهم الكوفة، وهذا الصنف يدرك تخطيط معاوية بعمق ويعمل على احباطه بحكمة ويقدم من أجل ذلك اغلى التضحيات.
الصنف الرابع: من عرف فضل علي (عليه السلام) ووجوب محبته وحرمة بغضه من خلال أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) التي انتشرت، ولكنه لم يكن راسخا في موالاته، وأكثر هذا الصنف من عامة الناس ورعاعهم، وأغلبهم يتأثر بالجو العام وينعق مع الناعق المتسلط فيه، وبشكل عام فان أفاضل هذا الصنف من الصحابة والتابعين لم يكونوا يفطنون الى الابعاد الكاملة لخطة معاوية وظنوا ان اعلان السب لعلي هو فورة سرعان ما تهدأ.
كان أمام الحسين (عليه السلام) أحد موقفين إزاء معاوية:
ان يتعامل مع معاوية في ضوء معرفته الخاصة ومعرفة خُلَّص اصحابه بتخطيط معاوية ونواياه وبخاصة بعد ان دس السم للحسن (عليه السلام)، فيبادر الى الكوفة مركز شيعة ابيه ويعلن عن تمرد عسكري , ثم يخوض معركة الجهاد ضد معاوية، وكان هذا الموقف قد عرضه وجوه أصحاب ابيه وأخيه الحسن بعد وفاته.
والذي لا شك فيه ان هذا الموقف سابق لأوانه وتواجهه مشكلات كثيرة، بسبب عدم وضوح مبرر هذا الفعل لدى الامة ككل، وقدرة معاوية على احتوائه، سواء انتهى بقتل الحسين (عليه السلام) أوانتهى بانتصاره المحدود وتأسيسه دولة في الكوفة. وذلك: لانه في حالة انتهائه بالقتل سيكون مشابها لخرجات الخوارج التي تكررت في السنوات العشر الاولى (خاصة من حكم معاوية)، وانتهت بقتل قادتها، ويستطيع معاوية هنا معالجة كون المقتول هوالحسين حفيد النبي بوضع أحاديث كذب تبرر لمعاوية قتله.
اما إذا انتهى بالانتصار المحدود فإن هذا الانتصار له حالتان معقولتان:
الاولى: انتصار يملك مقومات استمرار دولة الكوفة الى جنب دولة الشام وهذا سوف يعيد للواقع الخطر الذي دفعه الحسن بصلحه وهوخطر انشقاق الامة الى امتين ودولتين ثم الى قبلتين وكتابين، ولا يترقب من الحسين (عليه السلام) ان يرضى بذلك، شأنه شأن أخيه الحسن(عليه السلام)
الثانية: انتصار مؤقت ينتهي بقتل الحسين على يد معاوية كما قتل ابن الزبير على يد عبد الملك بعد سبع سنوات من حكمه، وهذا القتل تؤكده الاخبار الغيبية الواردة عن النبي(صلى الله عليه وآله).
وخلاصة القول في الموقف الاول: انه اما ان ينتهي الى عودة انشقاق الامة وما يستلزمه من اختلاف القبلة والكتاب، اوينتهي بقتل الحسين (عليه السلام) مع قدرة معاوية على تشويه حركة الحسين وخلط اوراقها يساعده على ذلك الجوالعام الذي صنعه معاوية لاحياء حركة الفتوح والغزووتعبئة الأمة بشكل عام إزاءه هذا مع عدم ظهور كل نوايا معاوية العدوانية وأضغانه وموبقاته.
ان يؤجل الحسين قيامه وتصديه الى ما بعد وفاة معاوية، ويكتفي بقيام وجوه شيعة ابيه كحجر بن عدي وعمروبن الحمق واصحابهما بالانكار اللساني ثم ممارسة التبليغ الفكري سرا، وهذا الموقف هوالذي اختاره الحسين وأمر به غالبية اصحابه حين قال لهم: كونوا احلاس بيوتكم
الاولى: تسجيل الانكار اللساني من قبل الوجوه كحجر وأمثاله ومواصلة التبليغ الفكري سرا.
الثانية: المواجهة الفكرية والسياسية المعلنة من الحسين (عليه السلام) بعد وفاة معاوية وطلب النصرة من المسلمين لحمايته حتى يواصل تبليغه والاطاحة بسلطة بني أمية كما صنع جده النبي (صلى الله عليه وآله) مع قريش.
وليس من شك ان الموقف الثاني هذا سوف يجنب الحسين (عليه السلام) المشكلات التي يثيرها له الموقف الاول ويفتح امامه عطاءات وآثار مهمة للقيام والنهوض غير قابلة للاحتواء، سواء انتهت حركته بشهادته اوانتهت بالنصر المؤزر.
وذلك: لاتضاح مبررات قيام الحسين(عليه السلام)، وأن قيامه ليس من أجل الملك بل من أجل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتبليغ حديث رسول الله(صلى الله عليه وآله) في أهل بيته الذي محي من الساحة العامة في المجتمع , وحل محله الكذب على النبي (صلى الله عليه وآله) وتحرير الاسلام والامة من أخطر عدو أخبر عنه الله ورسوله.
وسيأتي كيف ان الله تعالى جعل البركة والعطاء العظيم في هذه الشهور الخمسة من حركة الحسين التبليغية العامة التي انتهت بشهادته.
وفيما يلي الحديث عن هذه الخطة وآثارها.
ليس من شك ان خروج الحسين (عليه السلام) وثورته وقيامه لا يشبه خروج طلحة والزبير، لانه لم يرتبط بعهد بيعة ثم نقضه، ولا تشبه خروج وثورة الخوارج لانه لا يكفر المسلمين، ولا يبادئ اهل القبلة بقتال كما كان يصنعون، وانما الذي تبناه من نشاطات واهداف هوالامور التالية:
1. العمل السري بين الامة لنشر الاحاديث الصحيحة التي عمل النظام الاموي على طمسها وإماتتها في المجتمع، وكان آخر نشاط في هذا الصدد هو المؤتمر السري الذي عقده في موسم الحج قبل موت معاوية بسنة، وسيأتي الحديث عنه.
2. كسر الطوق الاجتماعي والسياسي المفروض على الاحاديث النبوية الصحيحة بالمبادرة الى التحديث بها علنا من قبل الحسين (عليه السلام) بعد موت، معاوية لإسماع من لم يسمعها وتذكير من كان قد سمعها ثم تناساها صاحبها خشية ان تناله اعظم العقوبة بسببها، وهذا الهدف يناسبه ان يمارسه الحسين في بقعة يتواجد فيها المسلمون من كل الاطراف، وليس مثل مكة بلد في هذه الصفة، إذ هي قبلة المسلمين جميعا ومهوى أفئدتهم في موسم العمرة والحج.
3. إفهام المسلمين جميعا ان السلطة الأموية مصممة على قتله، لانه مصمم على عدم الاستجابة لسياستها في كتمان الحق، بل مصمم على توعية الأمة باحاديث جده فيه وفي ابيه وفي بني أمية وفي احكام الاسلام التي غيروها، ثم يعرض عليهم ان يحموه وتحمى عملية التبليغ عن جده، وليس من شك ان أفضل مكان يستطيع الحسين(عليه السلام) فيه ان يلتقي باخيار المسلمين من كل الاقطار هومكة وبخاصة في موسم العمرة والحج.
4. ان تتوفر له حماية اولية تسمح له ان يمارس في ظلها حركته التبليغية المعلنة في مرحلتها الاولى ريثما يحصل على انصار في بلد يتبنى نصرته وحمايته. وقد تمثلت هذه الحماية ببني هاشم (حيث هم للحسين(عليه السلام) في هذه المرحلة كما كان آباؤهم للنبي (صلى الله عليه وآله) من قبل).
5. ان يهاجر الى بلد النصرة والحماية ليقوم بتوعية أهله باحاديث النبي الصحيحة وإقامة العدل فيهم، ثم جهاد السلطة الاموية وتطويق سياستها الضالة الظالمة ومن ثم الاطاحة بها. وقد تمثل هذا البلد بالكوفة، حيث وجد فيها انصار للحسين (عليه السلام) قادرون على حمايته ويقاتلون دونه، كما وجد للنبي من قبل انصار في المدينة حموه وقاتلوا دونه.
6. باعتبار الاخبار الالهية بواسطة النبي (صلى الله عليه وآله) ان الحسين سوف يستشهد في خروجه ذاك، وهو امر معروف عند الامة، وقد اخبر به الحسين (عليه السلام) في مواطن عدة، فهو(عليه السلام) لا بد ان يطلع خواص اصحابه على خطته، ويعهد الى بعضهم بمواصلة تنفيذ ما بقي منها. وسياتي الحديث عن هذا الجزء.
من المؤسف اننا لا نملك معلومات كثيرة عن نشاط الحسين (عليه السلام) في هذه المرحلة، ولعل مرد ذلك الى السرية التامة التي طبعت أغلب نشاطاته فيها، الا ان المحفوظ منها على قلته كاف في تسليط الضوء على طبيعة موقف الحسين ونشاطه في هذه المرحلة.
روى البلاذري قال:
لما توفي الحسن بن علي (عليه السلام) اجتمعت الشيعة ومعهم بنوجعدة بن هبيرة بن أبي وهب المخزومي ـ وأم جعدة هي ام هانئ بنت أبي طالب – في دار سليمان بن صرد، فكتبوا للحسين كتابا بالتعزية وقالوا في كتابهم: ان الله قد جعل فيك أعظم الخلف ممن مضى ونحن شيعتك المصابة بمصيبتك، المحزونة بحزنك، المسرورة بسرورك، المنتظرة لامرك.
وكتب اليه بنوجعدة يخبرونه بحسن حال رأي أهل الكوفة فيه وحبهم لقدومه وتطلعهم اليه وان قد لقوا من أنصاره وإخوانه من يرضى هديه ويطمأن الى قوله ويعرف نجدته وبأسه، فأفضوا اليهم ما هم عليه من شنآن ابن أبي سفيان والبراءة منه، ويسألونه الكتابة اليهم برأيه.
فكتب الحسين (عليه السلام) اليهم: اني لارجوان يكون راي أخي - رحمه الله - في الموادعة ورأيي في جهاد الظلمة رشدا وسدادا، فالصقوا بالارض واخفوا الشخص واكتموا الهوى واحترسوا من الاظناء
وفي كلام له (عليه السلام) مع محمد بن بشر الهمداني وسفيان بن ليلى الهمداني:
ليكن كل امرئ منكم حِلسا من أحلاس بيته ما دام هذا الرجل حيا، فإن يهلك (ونحن) وانتم أحياء رجونا ان يخير الله لنا ويؤتينا رشدنا ولا يكلنا الى أنفسنا، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون
روى ابن قتيبة والكشي: ان مروان بن الحكم كتب الى معاوية (وهو عامله على المدينة):. ان رجالا من اهل العراق ووجوه أهل الحجاز يختلفون الى الحسين بن علي وانه لا يؤمن وثوبه. وقال: وقد بحثت عن ذلك فبلغني انه يريد الخلافة...
وفي رواية البلاذري: وكان رجال من أهل العراق واشراف أهل الحجاز يختلفون الى الحسين يجلونه ويعظمونه ويذكرون فضله ويدعونه الى انفسهم ويقولون انا لك عضد ويد، ليتخذوا الوسيلة اليه، وهم لا يشكون في ان معاوية إذا مات لم يعدل الناس بحسين أحدا، فلما كثر اختلافهم اليه اتى عمروبن عثمان بن عفان مروان بن الحكم وهو إذ ذاك عامل معاوية على المدينة، فقال له :قد كثر اختلاف الناس الى الحسين (عليه السلام)، والله لارى ان لكم منه يوما عصيبا.
فكتب مروان ذلك الى معاوية.
فكتب اليه معاوية: ان اترك حسينا ما تركك , ولم يظهر لك عداوته , ولم يبد لك صفحته واكمن له كمون الشرى
وكتب معاوية الى الحسين(عليه السلام): قد انتهت اليَّ امور عنك ان كانت حقا فاني ارغب بك عنها، وإن كانت باطلا فأنت أسعد الناس بمجانبتها، وبحظ نفسك تبدأ وبعهد الله توفي، فلا تحملني على قطيعتك والاساءة اليك.
فمتى تنكرني انكرك ومتى تكدني اكدك، فاتق الله في شق عصا هذه الامة وان تردهم الى فتنة.
فكتب اليه الحسين(عليه السلام): (... اما ما ذكرت انه رقي اليك عني فأنه انما رقاه اليك الملّاقون المشاؤون بالنميمة... ما اردت لك حربا , ولا عليك خلافا , واني لأخشى الله في ترك ذلك منك ومن الاعذار فيه اليك والى اوليائك الفاسقين الملحدين حزب الظلمة.
ألَست القاتل حجر بن عدي اخا كنده واصحابه المصلين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم ويستفضعون البدع، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ولا يخافون في الله لومة لائم؟ ثم قتلتهم ظلماً وعدواناً من بعدما اعطيتهم الايمان المغلّظة والمواثيق المؤكدة.. جرأة على الله واستخفافا بعهده.
أولَـست القـاتل عمروبن الحمق صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، العبد الصالح الذي ابلته العبادة فنحل جسمه واصفر لونه، فقتلته بعدما امنته واعطيته ما لوفهمته العصم لنزلت من رؤوس الجبال؟
أوَلَست المدعي زياد بن سمية المولود على فراش عبيد بن ثقيف، فزعمت انه ابن ابيك وقد قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): ((الولد للفراش وللعاهر الحجر))، فتركت سنة الرسول تعمدا وتبعت هواك بغير هدى من الله، ثم سلطته على اهل الإسلام يقتلهم ويقطع ايديـهم وارجـلهم، ويسمل اعينهم ويصلبهم على جــذوع النخل، كأنك لست من هذه الامة وليسوا منك.
أولَست صاحب الحضرميين الذين كتب فيهم انهم على دين علي (عليه السلام)، فكتبت اليه: ان اقتل كل من كان على دين علي، فقتلهم ومثَّل بهم بأمرك، ودين علي هودين ابن عمه(عليه السلام) الذي كان يضرب عليه اباك وضربك عليه وبه جلست مجلسك الذي انت فيه...
وقلت فيما قلت :انظر لنفسك ودينك ولامة محمد (عليه السلام)، واتق شق عصا هذه الامة وان تردهم الى فتنة، واني لا اعلم فتنة على هذه الامة اعظم من ولايتك عليها ولا اعظم نظراً لنفسي ولديني ولأمة محمد افضل من ان أجاهدك، فأن فعلت فانه قربة الى الله تعالى وان تركته فأني استغفر الله لديني وأسأله توفيقه لارشاد امـري.
وقلت فيما قلت :اني ان انكرتك تنكرني، وان اكدك تكدني، فكدني ما بدا لك، فأني ارجوان لا يضرني كيدك وان لا يكون على احد اضر منه على نفسك، لانك قد ركبت جهلك وتحرصت على نقض عهدك.
ولعمري ما وفيت بشرط، ولقد نقضت عهدك بقتلك هؤلاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح والايمان والعهود والمواثيق، فقتلتهم من غير أن يكونوا قاتلوك ونقضوا عهدك، ولم تفعل ذلك بهم الا لذكرهم فضلنا وتعظيمهم حقنا.
فقتلتهم مخافة امر لعلك لولم تقتلهم مت قبل ان يفعلوا، أوماتوا قبل ان يدركوا.
فابشر يا معاوية بالقصاص وايقن بالحساب...
وليس الله بناس لاخذك بالظنة، وقتلك اولياءه على التهم، ونفيك اياهم من دورهم الى دار الغربة، واخذك الناس ببيعة ابنك غلام حدث يشرب الشراب ويلعب بالقرود)
روى البلاذري عن العتبي قال: حجب الوليد بن عتبة بن أبي سفيان
وروى سليم بن قيس: لما كان قبل موت معاوية بسنة، حج الحسين بن علي عليهما السلام وعبد اللّه بن عباس وعبد اللّه بن جعفر، فجمع الحسين بني هاشم ثم رجالهم ونساءهم ومواليهم ومن حج من الانصار ممن يعرفه الحسين واهل بيته(عليهم السلام)، ثم ارسل رسلا: لا تدعون احدا حج العام من اصحاب رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) المعروفين بالصلاح والنسك الا اجمِعوهم لي، فاجتمع اليه بمنى اكثر من سبعمائة رجل وهم في سرادقه، عامتهم من التابعين ونحومن مائتي رجل من اصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)، فقام فيهم خطيبا:
فحمد اللّه واثنى عليه ثم قال:
اما بعد فان الطاغية قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رأيتم وعلمتم وشهدتم واني اريد ان اسألكم عن شيء فان صدقت فصدقوني وان كذبت فكذبوني، اسمعوا مقالتي، واكتبوا قولي، ثم ارجعوا الى امصاركم وقبائلكم فمن امنتم من الناس، ووثقتم به فادعوهم الى ما تعلمون من حقنا فاني اتخوف ان يُدْرس
وما ترك شيئا مما انزله الله فيهم من القرآن الا تلاه وفسره، ولا شيئا مما قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) في ابيه واخيه وامه وفي نفسه واهل بيته الا رواه... وفي كل ذلك يقول اصحابه، اللّهم نعم وقد سمعنا وشهدنا ويقول التابعي: اللهم قد حدثني به من اثق به وائتمنه من الصحابة فقال: انشدكم الله الا حدثتم به من تثقون به وبدينه
______________________________________
(1) انظر معالم المدرستين ج1 للسيد مرتضى العسكري .
(2) وقد فصلنا ذلك في كتابنا (صلح الامام الحسن (عليه السلام) قراءة جديدة).
(3) وقد تناولنا الحديث مفصلا عن هذا الاحتمال في بحثنا عن صلح الحسن(عليه السلام).
(4) كونوا أحلاس بيوتكم :أي الزموها ولا تبرحوها.
(5) جمع الظنين: وهوالمتهم الذي تظن به التهمة ومصدرها الظِّنة يقال منه: اظنه واطنه بالطاءوالظاء إذا اتهمه. ورجل ظنين: متهم من قوم أظناء. (لسان العرب).
(6) انساب الاشراف تحقيق المحمودي ج3/151-152، الاخبار الطوال للدينوري /222.
(7) انساب الاشراف 3/150.
(8) الامامة والسياسة لابن قتيبة ص، اختيار معرفة الرجال للطوسي ص.
(9) أي راقبه في خفاء.
(10) رجال الكشي ترجمة عمروبن الحمق، طبقات ابن سعد ترجمة الامام الحسين(عليه السلام)، انساب الاشراف ترجمة معاوية، مختصر تاريخ دمشق ترجمة الامام الحسين (عليه السلام).
(11) كان أميرا على المدينة لمعاوية سنة 57-60.
(12) انساب الاشراف 3ج ترجمة الحسين /157، وانساب الاشراف ترجمة معاوية ج4ق1/302
(13) دروس الشيء: انمحاؤه.
(14) كتاب سليم بن قيس.
![]() |
![]() |