الباب الأول : بحوث تمهيدية

1. الأطروحات الأساسية التي عرَّفت بالحسين (عليه السلام)

وجدت من الناحية التاريخية ثلاث أطروحات تعرف بالحسين (عليه السلام) ونهضته تبعا للنظرة إليه (عليه السلام).

الأطروحة الأموية ـ الحسين (عليه السلام)مارق عن الدين :

تبنى الإعلام الأموي عرض الحسين (عليه السلام) على أنه خارج على الدين وخارج على الخليفة الشرعي، وقد تبنى بعض الكتّاب المعاصرين هذه الأطروحة نظير الشيخ الخضري قال: (وعلى الجملة فإنَّ الحسين أخطأ خطأً عظيماً في خروجه هذا الذي جرَّ على الأمة وبالَ الفُرقة والاختلاف، وزعزع عماد إلفتِها إلى يومنا هذا... غاية الأمر أن الرجل طلب أمراً لم يتهيأ له ولم يعد له عدته، فحِيل بينه وبين ما يشتهي وقُتِل دونه)  (1). وذكر أحمد العسيري نظير هذا الكلام ، ثم ختمه بكلام الدكتور أحمد شلبي (2) ولم ينسبه إليه قائلاً: (وكانت هذه فتنة أيسر ما نقول عنها أنها وسعت باب الفرقة والتهمت الآلاف والملايين من المسلمين ولا يزال بابها مفتوحاً حتى كتابة هذه السطور) (3).

الأطروحة العباسية ـ الحسين (عليه السلام)ثائر شرعي غير أنه أخطأ في تقديره الأمور :

تبنى الإعلام العباسي عرض الحسين (عليه السلام) على أنه ثائر من أجل الملك، وكان من حقه الثورة وطلب الخلافة، غير أنه أخطأ مرتين :

الأولى : حين اختار الكوفة غاية لحركته من مكة، رغم كثرة الناصحين له .

والثانية : حين اصطحب الأطفال والنساء معه، وأنَّ مسؤولية قتل الحسين (عليه السلام) تقع على ابن زياد والكوفيين من شيعة علي (عليه السلام) ، وقد كرس أبو مخنف ونظراؤه من الرواة المعاصرين له رواياتهم لهذا التفسير، وقد تبنى العباسيون هذه الأطروحة للنهضة الحسينية، بعد أن تعمق الصِّراع بين الطالبيين والعباسيين واستحكم بعد قيام ثورة محمد وإبراهيم ولدي عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي (عليهما السلام)، ثم القضاء عليها سنة 144 هجرية. وقد تبنى اغلب المؤرخين الذين كتبوا التاريخ في العهد العباسي هذه النظرة، أمثال الطبري وغيره، وحذا حذوهم أمثال الذهبي وابن كثير وغيره من القدامى وكثير من المعاصرين.

أطروحة الائمة من ذرية الحسين (عليه السلام) ـ الحسين وارث الأنبياء وإمام هدى:

عرض الأئمة من ذرية الحسين (عليهم السلام) الحسين (عليه السلام) على أنه وارث الأنبياء، وإمام الهدى وحجة الله على خلقه، وهذا الموقع للحسين هوالذي نصَّت عليه الأحاديث النبوية الصحيحة في الحسين (عليه السلام)، وأنه (عليه السلام) نهض لأجل هداية الناس بعد أن عمَّت ضلالة بني أمية، هذه الضلالة التي تمثلت بتحريف الدين وطمس أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) في أهل بيته(عليهم السلام)، وعرض علي (عليه السلام) على انه رمز للفساد في الاسلام، وعرض بني أمية على انهم ائمة هدى وحجج الله على عباده، وهذا التفسير للحركة الحسينية يجده الباحث واضحا جليا في تراث اهل البيت (عليهم السلام).

روى ابن قولويه بسنده عن أبي حمزة الثمالي، قال :قال الصادق (عليه السلام) : قُل... اللهم إني أَشهَدُ أن هذا قبرُ ابنِ حبيبِك وصَفوتِك من خلقِك، وأنه الفائزُ بكرامتِك، أكرمتَه بكتابِك، وخصَصْتَه وائتمَنْتَه على وحيك، وأعطيتَه مواريثَ الأنبياء، وجعلته حجةً على خَلقِك، فأعذَرَ في الدعاء، وبذَل مُهجتَه فيكَ، ليستنقذَ عبادَك من الضَّلالة والجهالة، والعَمى والشَّكِ والإرتياب، إلى باب الهدى.

السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله، السلام عليك يا وارث نوح نبي الله، السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله، السلام عليك يا وارث موسى كليم الله، السلام عليك يا وارث عيسى روح الله، السلام عليك يا وارث محمد حبيب الله (صلى الله عليه وآله) ، السلام عليك يا وارث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وصي رسول الله، وولي الله، السلام عليك يا وارث الحسن بن علي الزكي، السلام عليك يا وارث فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، السلام عليك أيها الصِّدِّيق، الشهيد السلام عليك أيها الوصيّ، السلام عليك أيها الوفيّ، أشهد أنك قد أقمت الصلاة، وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر وعبدت الله مخلِصا حتى أتاك اليقين، السلام عليك يا أبا عبد الله ورحمة الله وبركاته (4).

وكتابنا هذا يقوم على الاطروحة الثالثة، فيتناول بالتفصيل:

كيف حرّف بنوأمية دين الله وسنة نبيه، وكيف نهض الحسين (عليه السلام) بوجههم، وكيف وفق لتكون حركته وشهادتُه (عليه السلام) سبباًَ لهداية الناس اليه، وسنة النبي (صلى الله عليه وآله) الصحيحة، ولولا ذلك لكانت الأمة الى اليوم تعيش ضلالة بني أمية. وفي ضوء هذا التفسير تأتي ضرورة مواصلة إحياء ذكرى هذه الشهادة لأنها مَعْلَمٌ ورايةٌ تنبِّه الغافلين من المسلمين والباحثين عن الحقيقة في تاريخ الاسلام (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ).

______________________________________

(1) ‏ الدولة الاموية الشيخ محمد الخضري /327، دار المعرفة بيروت 1418هجرية. والكتاب محاضرات في تاريخ الاسلام القيت على طلاب الجامعة المصرية بطلب من مجلس ادارة الجامعة المصرية ورأت ادارة الجامعة ان تجمع وتطبع.

(2) ‏ موسوعة التاريخ الاسلامي ج7/208ط7/1984/القاهرة.

(3) ‏ موجز التاريخ الاسلامي تاليف احمد محمود العسيري، 152 ط1، الدمام 1417هجرية.

(4) ‏ رواه ابن قولويه في كتابه كامل‏الزيارات (ص: 223) قال: حدثني أبوعبد الرحمن محمد بن أحمد بن الحسين العسكري ومحمد بن الحسن جميعا عن الحسن بن علي بن مهزيار عن أبيه علي بن مهزيار عن محمد بن أبي عمير عن محمد بن مروان.

صفحة مكتب العلامة المحقق السيد سامي البدري