الباب الرابع : آثار نهضة الحسين (عليه السلام) وشهادته
الفصل الثاني : تتابع الثورات وانهيارالحكم الأموي

العراق تحت إمرة الحجاج

قتل عبد الله بن الزبير على يد الحجاج، وولى عبد الملك الحجاج الحجاز واليمن واليمامة مدة سنتين (ابتدات بقتل ابن الزبير في 17جمادى الثانية سنة 73 هجرية وانتهت برجب سنة 75هجرية)، وبعدها جعله عبد الملك واليا على العراق بعد وفاة اخيه بشر بن مروان في رجب سنة 75 هجرية واستمرت ولايته (الى شوال سنة 95 هجرية).

روى اليعقوبي ان عبد الملك كتب الى الحجاج: اما بعد يا حجاج، فقد وليتك العراقين صدقة، فاذا قدمت الكوفة فطَأْها وطأة يتضاءل منها اهل البصرة (1).

ولما قدم الحجاج العراق استعان بوُلد المغيرة بن شعبة

فولّى عروة بن المغيرة الكوفة.

وولّى حمزة بن المغيرة همدان.

وولّى مُطرِّف بن المغيرة المدائن.

وفي أول خطبة خطبها الحجاج بالكوفة قال لهم:

... إنكم أهل بغي وخلاف وشقاق ونفاق، طالما اوضعتم في

الضلال وسننتم سنن البغي... واياي وهذه الزرافات والجماعات

وكان ويكون، وما انتم وذاك، اني ارى الدماء بين العمائم واللحى

والذي نفس الحجاج بيده لتسلكن طريق الحق

ولتستقيمن عليه اولاجعلن لكل امرئ منكم شغلا في جسده...

ألا لا يركبن احد منكم الا وحده... وقد بلغني رفضكم

للمهلب واقبالكم الى مصركم عصاة مخالفين واقسم بالله لا اجد

رجلا بعد ثلاثة ممن اخل بمركزه الا ضربت عنقه.

ثم دعا بالعرفاء، فقال لهم :الحقوا الناس بالمهلب وأتوني بكتبه بموافاتهم ولا استبطئكم فاضرب اعناقكم. (2)

قال البلاذري: ثم امر مناديه ان برئت الذمة من عاصٍ مخلٍ بمركزه وجدناه بالكوفة بعد ثلاث فالحقوا ببعث المهلب وبمكاتبكم من الثغور ومغازيكم للخوارج.

وجاء عمير بن ظابئ بن الحارث البرجمي التميمي (وكان سيد الحي) (3) فقال :اصلح الله الامير، اني شيخ كبير عليل، وهذا ابني حنظلة وليس في بني تميم رجل اشد منه ظهرا وبطشا فان، رايت ان تخرجه مكاني بديلا فافعل... فقال الحجاج :اضربوا عنقه، فضربوا عنقه، فلما ضربت عنق عمير تطايرت عصاة الجيوش الى مكاتبهم التي رفضوها ولحق كل مخل بثغره ومركزه. وكان الحجاج اول من ضرب اعناق العصاة.

ثم عيَّن أخاه لأمه عروة بن المغيرة بن شعبة نائبا عنه طوال مدة غيابه.

وخرج الى البصرة وخطب وهدَّد بذلك ايضا، فأتاه شريك بن عمرو اليشكري (وكان به فتق وكان اعور يضع على عينه قطنة فسمي ذا الكرسف)، فقال له :اصلح الله الامير اني عرضت على بشر بن مروان فأمر العراض ان يوقعوا على اسمي (زمنا) واعطوني، فهذا عطائي قد جئتك به لترده الى بيت المال. فأمر به فضربت عنقه لاستعفائه، وكان عريفا فلم يبق بالبصرة عاص الا لحق بالمهلب وبمكتبه.

وجيئ برجل وقت غداء الناس عند الحجاج، فقيل له :هذا عاص، فقال الرجل :والله ما شهدت عسكرا قط ولا اثبت لي اسم قط في ديوان وانما انا نسّاج، فضرب عنقه... (4)

ثورات العراقيين على الحجاج:

ثار على الحجاج جنده من اهل البصرة سنة 76 هجرية بقيادة عبد لله بن الجارود.

ثم ثار عليه جنده من اهل الكوفة سنة 77 هجرية بقيادة مطرف بن المغيرة.

ثم ثار عليه جنده من المصرين في البصرة والكوفة بقيادة عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث سنة 81 هجرية ولم يستطع الحجاج اخضاع التمرد الاخير الا بواسطة جند اهل الشام وبقي محتفظا بجند اهل الشام ليضبط ولايته، وبنى لهم مدينة واسط لكي لا يختلطوا بالعراقيين فيتأثروا بهم.

وفيما يلي موجز عنها:

تمرد عبد الله بن الجارود:

كان هذا التمرد محدودا وكان يستهدف الحجاج خاصة دون خلع بني امية، وانتهى التمرد بقتل ابن الجارود، ولما كتب الحجاج الى عبد الملك بخبره أجابه: (اذا رابَكَ من أهل العراق ريب فاقتل أدناهم يُرعَب منك أقصاهم) (5).

ثورة مطرِّف بن المغيرة بن شعبة:

حاول مطرف في ثورته ان يحيي منهج ابن الزبير بشكل عام، فقد اعلن ثورته عام 77 هجرية وخلع عبد الملك والحجاج، ويروي البلاذري عن ابي عبيدة وابن الهيثم ان مطرفا سمع الحجاج يقول :أرسول أحدكم أكرم أم خليفته؟ فوجم وقال :كافر، والله والله ان قتله حلال.

وكان مما خطب به مطرِّف اصحابه: ان الله كتب الجهاد على خلقه وأمر بالعدل والاحسان، وقال فيما انزل علينا: (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) المائدة/2، وإني أشهد الله أني قد خلعت عبد الملك بن مروان والحجاج بن يوسف، فمن أحب منكم صحبتي وكان على مثل رأيى فليتابعني فان له الاسوة وحسن الصحبة ومن أبى فليذهب حيث شاء، فاني لست أحب أن يتبعني من ليست له نية في جهاد أهل الجور، أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه وإلى قتال الظلمة فإذا جمع الله لنا أمرنا كان هذا الامر شورى بين المسلمين يرتضون لانفسهم من أحبوا.

وكان مما يكتبه الى الاخرين:

أما بعد فإنا ندعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه وإلى جهاد من عَنِدَ عن الحق واستأثر بالفيء وترك حكم الكتاب. (6)

انتهت هذه الثورة بمقتل مطرف على يد قوات الحجاج على مقربة من اصفهان.

ثورة عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث بن قيس 81-84 هجرية:

في عام 78 جعل عبد الملك بن مروان إقليمي خراسان وسجستان ولايتين تابعتين للحجاج، وعيَّن الحجاج المهلب بن ابي صفرة على خراسان، وعيَّن عبيد الله بن ابي بكرة الثقفي البصري عاملا على سجستان.

ولما قدم عبيد الله بن ابي بكرة سجستان امتنع زونبيل صاحب الترك عن دفع الجزية، فأمره الحجاج ان يغزوه، فقاد ابن ابي بكرة جيشا قوامه عشرين الفا من اهل الكوفة والبصرة الذين كانوا يرابطون في سجستان، ولما وصلوا على مقربة من كابل وقعوا في كمائن نصبت لهم ولم ينج منهم سوى خمسة الاف رجل (وذلك عام 79 هجرية)، وكان بضمنهم عبيد الله بن ابي بكرة نفسه وكان معظم القتلى من اهل الكوفة.

وبعث الحجاج بعد ان اخذ موافقة عبد الملك جيشا اخر قوامه اربعين الفا، عشرين الف من الكوفة ومثلهم من البصرة بقيادة عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث بن قيس الكندي وقدم ابن الاشعث سجستان (اواخر عام 79 هجرية) ونجح في فتح المدن التابعة لزونبيل، وآثر ابن الاشعث الاكتفاء بذلك لسنته تلك، وكتب الى الحجاج بذلك، غير ان الحجاج لم يوافقه وبعث اليه بكتاب يسفِّه رأيه، ويأمره بالتوغل في ارض زونبيل، وقرر ابن الاشعث عدم تنفيذ امر الحجاج واتهمه بالعمل على التغرير به كما غرر بجيش عبيد الله بن ابي بكرة، وانبرى عدد من الخطباء يذمون الحجاج ويتهمونه بالعمل على هلاكهم.

(قال أبومخنف: (7) فحدثني مطرِّف بن عامر بن واثلة الكناني أن أباه كان أول متكلم يومئذ، وكان شاعرا خطيبا فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه:

أما بعد فان الحجاج والله ما يرى بكم إلا ما رأى القائل الاول، إذ قال لاخيه :احمل عبدك على الفرس فإن هلك هلك، وإن نجى فلك، إن الحجاج والله ما يبالي أن يخاطر بكم فيقحمكم بلادا كثيرة اللهوب واللصوب (8) فإن ظفرتم فغنمتم كل البلاد وحاز المال، وكان ذلك زيادة في سلطانه، وإن ظفر عدوكم كنتم أنتم الاعداء البغضاء الذى لا يبالي عنتهم ولا يبقى عليهم، اخلعوا عدو الله الحجاج وبايعوا عبد الرحمن فإني أشهدكم أني أول خالع، فنادى الناس من كل جانب :فعلنا فعلنا، قد خلعنا عدوالله.

فوثب الناس إلى عبد الرحمن فبايعوه.

فقال :تبايعوني على خلع الحجاج عدوالله وعلى النصرة لي وجهاده معي حتى ينفيه الله من أرض العراق، فبايعه الناس.

ولما دخل الناس فارس اجتمع الناس بعضهم إلى بعض، وقالوا :إنا إذا خلعنا الحجاج عامل عبد الملك فقد خلعنا عبد الملك، فاجتمعوا إلى عبد الرحمن فبايعوه وكانت بيعته: تبايعون على كتاب الله وسنة نبيه وخلع أئمة الضلالة وجهاد المحلين، فإذا قالوا : نعم، بايع.

فلما بلغ الحجاج خلعه وكتب إلى عبد الملك يخبره خبر عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث، ويسأله أن يعجل بعثه الجنود إليه.

قال أبومخنف حدثني فضيل بن خديج ان مكتبه كان بكرمان وكان بها أربعة آلاف فارس من أهل الكوفة وأهل البصرة، فلما مر بهم ابن محمد بن الاشعث انجفلوا معه.

هزيمة الحجاج:

وعزم الحجاج رأيه على استقبال ابن الاشعث، فسار بأهل الشام حتى نزل تستر. وقدم بين يديه مطهر بن حر العكي أو الجذامي وعبد الله بن رميثة الطائي ومطهر على الفريقين، فجاءوا حتى انتهوا إلى دجيل وقد قطع عبد الرحمن بن محمد خيلا له عليها عبد الله بن أبان الحارثى في ثلثمائة فارس، وكانت مسلحة له وللجند، فلما انتهى إليه مطهر بن حر أمر عبد الله بن رميثة الطائي فأقدم عليهم.

قال أبومخنف: فحدثني أبوالزبير الهمداني قال كنت في أصحاب ابن محمد إذ دعا الناس وجمعهم إليه، ثم قال :اعبروا إليه من هذا المكان، فأقحم الناس خيولهم دجيل من ذلك المكان الذى أمرهم به، فوالله ما كان بأسرع من أن عبر معظم خيولنا، فما تكاملت حتى حملنا على مهر بن حر والطائي فهزمناهما يوم الاضحى في سنة 81 وقتلناهم قتلا ذريعا وأصبنا عسكرهم.

وأتت الحجاج الهزيمة وهو يخطب، فصعد إليه أبوكعب بن عبيد بن سرجس فأخبره بهزيمة الناس، فقال :أيها الناس ارتحلوا إلى البصرة إلى معسكر ومقاتل وطعام ومادة فإن هذا المكان الذي نحن به لا يحمل الجند، ثم انصرف راجعا وتبعته خيول أهل العراق، فكلما أدركوا منهم شاذا قتلوه وأصابوا ثقلا حووه. ومضى الحجاج لا يلوى على شئ حتى نزل الزاوية، وبعث إلى طعام التجار الكلاء فأخذه فحمله إليه وخلى البصرة لاهل العراق، وكان عامله عليهم الحكم بن أيوب ابن الحكم بن أبي عقيل الثقفي وجاء أهل العراق حتى دخلوا البصرة وقد كان الحجاج حين صدم تلك الصدمة وأقبل راجعا دعا بكتاب المهلب فقرأه، ثم قال :لله أبوه، (أي صاحب حرب هو) أشار علينا بالرأي ولكنا لم نقبل.

وقال غير أبي مخنف: كان عامل البصرة يومئذ الحكم بن أيوب على الصلاة والصدقة وعبد الله بن عامر بن مسمع على الشرط فسار الحجاج في جيشه حتى نزل رستقباذ (9) وهي من دسبتي من كور الاهواز، فعسكر بها وأقبل ابن الاشعث فنزل تستر وبينهما نهر، فوجه الحجاج مطهر بن حر العكي في ألفي رجل فأوقعوا بمسلحة لابن الاشعث وسار ابن الاشعث مبادرا فواقعهم وهي عشية عرفة من سنة 81، فيقال :إنهم قتلوا من أهل الشام ألفا وخمسمائة، وجاءه الباقون منهزمين ومعه يومئذ مائة وخمسون ألف ففرقها في قواده وضمنهم إياها، وأقبل منهزما إلى البصرة، وخطب ابن الاشعث أصحابه فقال :أما الحجاج فليس بشيء ولكنا نريد غزو عبد الملك. وبلغ أهل البصرة هزيمة الحجاج فأراد عبد الله بن عامر بن مسمع أن يقطع الجسر دونه فرشاه الحكم ابن أيوب مائة ألف فكف عنه ودخل الحجاج البصرة فأرسل إلى ابن عامر فانتزع المائة الف منه.

فلما دخل عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث البصرة بايعه على حرب الحجاج وخلع عبد الملك جميع أهلها من قرائها وكهولها، وخندق الحجاج عليه وخندق عبد الرحمن على البصرة وكان دخول عبد الرحمن البصرة في آخر ذي الحجة من سنة 81.

قال ابومخنف: حدثني أبوالزبير الهمداني :وخرج أهل الكوفة يستقبلون ابن الاشعث حين أقبل، فاستقبلوه بعد ما جاز قنطرة زُبارة (10)،فلما دخل الكوفة مال إليه أهل الكوفة كلهم وبايعوه وسقط إليه أهل البصرة وتقوضت إليه المسالح والثغور، وجاءه فيمن جاءه من أهل البصرة عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وعرف بذلك، وكان قد قاتل الحجاج بالبصرة بعد خروج ابن الاشعث ثلاثا، وأقبل الحجاج من البصرة فسار في البر حتى مرَّ بين القادسية والعذيب ومنعوه من نزول القادسية، وبعث إليه عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث عبد الرحمن بن العباس في خيل عظيمة من خيل المصرين فمنعوه من نزول القادسية، ثم سايروه حتى ارتفعوه على وادى السباع، ثم تسايروا حتى نزل الحجاج دير قُرَّة ونزل عبد الرحمن بن العباس دَير الجماجم، ثم جاء ابن الاشعث فنزل بدير الجماجم والحجاج بدير قُرَّة.

وجاءت الحجاج أيضا أمدادات من قبل عبد الملك من قبل أن ينزل دير قرة، جاءه عبد الله بن عبد الملك بن مروان في عشرين الف من اهل الشام، ومحمد بن مروان في عشرين الف من اهل الجزيرة (11).

وقعة دير الجماجم وفشل ثورة ابن الاشعث:

وبعث ابن الاشعث عبد الله بن اسحاق بن الاشعث لحشر الناس من الكوفة وامر كميل بن زياد ان يحرض الناس فأخرج وهوشيخ كبير فحمل حتى اقعد على المنبر، فخطب خطبة طويلة منها قوله: انه والله لا ينفي عنكم الظلم والعدوان الا التناصح والتآسي واجتماع الكلمة وصلاح ذات البين والصبر على الطعان بالرماح والضرب بالسيوف (12)

واجتمع أهل الكوفة وأهل البصرة وأهل الثغور والمسالح بدَيْر الجماجم والقراء من أهل المصرين (الكوفة والبصرة) فاجتمعوا جميعا على حرب الحجاج، وجمعهم عليه بغضهم والكراهية له، وهم إذ ذاك مائة ألف مقاتل ممن يأخذ العطاء، ومعهم مثلهم من مواليهم.

فكانوا يخرجون في كل يوم فيقتتلون واشتد القتال بينهم.

فلما بلغ ذلك رؤوس قريش وأهل الشام قِبَل عبد الملك ومواليه قالوا إن كان إنما يرضي أهل العراق أن تنـزع عنهم الحجاج فإن نزع الحجاج أيسر من حرب أهل العراق، فانزعه عنهم تخلص لك طاعتهم وتحقن به دماءنا ودماءهم، فبعث ابنه عبد الله بن عبد الملك وبعث إلى أخيه محمد بن مروان بأرض الموصل يأمره بالقدوم عليه فاجتمعا جميعا عنده كلاهما في جنديهما، فأمرهما أن يعرضا على أهل العراق نزع الحجاج عنهم وأن يجري عليهم أعطياتهم كما تجري على أهل الشام وأن ينزل ابن محمد أي بلد من العراق شاء يكون عليه واليا ما دام حيا، (وكان عبد الملك واليا) فإن هم قبلوا ذلك عزل عنهم الحجاج، (وكان محمد بن مروان أمير العراق) وإن أبوا أن يقبلوا، فالحجاج أمير جماعة أهل الشام وولي القتال ومحمد بن مروان وعبد الله بن عبد الملك في طاعته، فلم يأت الحجاج أمر قط كان أشد عليه ولا أغيظ له ولا أوجع لقلبه منه مخافة أن يقبلوا فيعزل عنهم.

فكتب إلى عبد الملك :يا أمير المؤمنين !والله لئن أعطيت أهل العراق نزعي لا يلبثون إلا قليلا حتى يخالفوك ويسيروا اليك ولا يزيدهم ذلك إلا جرأة عليك، ألم ترَ وتسمع بوثوب أهل العراق مع الاشتر على ابن عفان؟فلما سألهم ما يريدون؟قالوا نزع سعيد بن العاص، فلما نزعه لم تتم لهم السنة حتى ساروا إليه فقتلوه إن الحديد بالحديد يفلح، خار الله لك فيما ارتأيت، والسلام عليك.

فأبى عبد الملك إلا عرض هذه الخصال على أهل العراق إرادة العافية من الحرب، فلما اجتمعا مع الحجاج خرج عبد الله بن عبد الملك فقال يا أهل العراق أنا عبد الله بن أمير المؤمنين وهويعطيكم كذا وكذا، فذكر هذه الخصال التى ذكرنا وقال محمد بن مروان :أنا رسول أمير المؤمنين اليكم وهو يعرض عليكم كذا وكذا، فذكر هذه الخصال.

قالوا :نرجع العشية، فرجعوا فاجتمعوا عند ابن الاشعث، فلم يبق قائد ولا رأس قوم ولا فارس إلا أتاه، فحمد الله ابن الاشعث وأثنى عليه ثم قال :أما بعد فقد أعطيتم أمرا انتهازكم اليوم إياه فرصة ولا آمن أن يكون على ذى الرأي غدا حسرة وإنكم اليوم على النصف وإن كانوا اعتدوا بالزاوية فأنتم تعتدون عليهم بيوم تستر، فاقبلوا ما عرضوا عليكم وأنتم أعزاء أقوياء والقوم لكم هائبون...

فوثب الناس من كل جانب فقالوا: إن الله قد أهلكهم، فأصبحوا في الضنك والمجاعة والقلة والذلة ونحن ذووا العدد الكثير والمادة القريبة، لا والله لا نقبل، فأعادوا خلعه ثانية. وكان اجتماعهم على خلعه بالجماجم أجمع من خلعهم إياه بفارس.

فرجع محمد بن مروان وعبد الله بن عبد الملك إلى الحجاج فقالا شأنك بعسكرك وجندك، فاعمل برأيك فانا قد أمرنا أن نسمع لك ونطيع.

وبرزوا للقتال، فجعل الحجاج على ميمنته عبد الرحمن بن سليم الكلبي وعلى ميسرته عمارة بن تميم اللخمى وعلى خيله سفيان بن الابرد الكلبي وعلى رجاله عبد الرحمن بن حبيب الحكمي.

وجعل ابن الاشعث على ميمنته الحجاج ابن جارية الخثعمي وعلى ميسرته الابرد بن قرة التميمي وعلى خيله عبد الرحمن بن عباس بن ربيعة بن الحارث الهاشمي وعلى رجاله محمد بن سعد بن أبى وقاص وعلى مجففته عبد الله رزام الحارثى وجعل على القراء جبلة بن زحر بن قيس الجعفي.

وكان معه خمسة عشر رجلا من قريش.

وكان فيهم عامر الشعبي وسعيد بن جبير وأبوالبختري الطائي وعبد الرحمن بن أبي ليلى.

ثم إنهم أخذوا يتزاحفون في كل يوم ويقتتلون، وأهل العراق تأتيهم موادهم من الكوفة ومن سوادها فيما شاؤا من خصبهم وإخوانهم من أهل البصرة وأهل الشام في ضيق شديد قد غلقت عليهم الاسعار وقل عندهم الطعام، وفقدوا اللحم، وكانوا كأنهم في حصار، وهم على ذلك يغادون أهل العراق ويراوحونهم، فيقتتلون أشد القتال، وكان الحجاج يدني خندقه مرة وهؤلاء أخرى حتى كان اليوم الذى أصيب فيه جبلة بن زحر.

ثم إن ابن الاشعث بعث إلى كميل بن زياد النخعي وكان رجلا ركينا وقورا، عند الحرب له بأس وصوت في الناس، وكانت كتيبته تدعى كتيبة القراء يحمل عليهم فلا يكادون يبرحون ويحملون فلا يكذبون فكانوا قد عرفوا بذلك.

قال الطبري: ثم دخلت سنة ثلاث وثمانين ذكر الاحداث التى كانت فيها فما كان فيها من ذلك هزيمة عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث بدير الجماجم.

ذكر هشام بن محمد عن أبى مخنف قال: حدثني أبوالزبير الهمداني قال كنت في خيل جبلة بن زحل فلما حمل عليه أهل الشام مرة بعد مرة نادانا عبد الرحمن بن أبى ليلى الفقيه فقال:

يا معشر القراء إن الفرار ليس بأحد من الناس بأقبح منه بكم، إني سمعت (عليا رفع الله درجته في الصالحين وأثابه أحسن ثواب الشهداء والصديقين) يقول: يوم لقينا أهل الشام أيها المؤمنون إنه من رأى عدوانا يعمل به ومنكرا يدعى إليه فأنكره بقلبه فقد سلم وبرئ، ومن أنكر بلسانه فقد أجر وهوأفضل من صاحبه، ومن أنكر بالسيف لتكون كلمة الله العليا وكلمة الظالمين السفلى فذلك الذى أصاب سبيل الهدى ونوّر في قلبه باليقين، فقاتلوا هؤلاء المحلِّين المحدِثين المبتدِعين الذين قد جهلوا الحق فلا يعرفونه وعملوا بالعدوان فليس ينكرونه.

وقال أبوالبختري: أيها الناس ! قاتلوهم على دينكم ودنياكم، فوالله لئن ظهروا عليكم ليفسدن عليكم دينكم وليغلبن على دنياكم.

وقال سعيد بن جبير: قاتلوهم ولا تأثموا من قتالهم بنية ويقين، وعلى آثامهم قاتلوهم على جورهم في الحكم وتجبرهم في الدين واستذلالهم الضعفاء وإماتتهم الصلاة.

اقول: وقُدِّر لاهل العراق في هذه المعركة /التي استمرت اكثر من ثلاثة شهور ابتداء من مطلع ربيع الاول الى الرابع عشر من جمادى الاخرة/الهزيمة ومضى عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث مع ابن جعدة ابن هبيرة ومعه أناس من أهل بيته ثم جاء حتى انتهى إلى بيته وعليه السلاح وهوعلى فرسه لم ينزل عنه، ثم ودع أهله وخرج من الكوفة.

(قال هشام) :حدثني أبومخنف عن أبى يزيد السكسكى قال :خرج محمد بن سعد بن أبى وقاص بعد وقعة الجماجم حتى نزل المدائن، واجتمع إليه ناس كثير وخرج الحجاج فبدأ بالمدائن فأقام عليها خمسا حتى هيأ الرجال في المعابر، فلما بلغ محمد بن سعد عبورهم إليهم خرجوا حتى لحقوا بابن الاشعث جميعا، وأقبل نحوهم الحجاج، فخرج الناس معه إلى مَسْكَن على دُجيل، وأتاه أهل الكوفة والفلول من الاطراف وتلاوم الناس على الفرار وبايع أكثرهم بسطام بن مصقلة على الموت، وانهزم أهل العراق أيضا (13) وقتل أبوالبختري الطائى وعبد الرحمن بن أبى ليلى. ومضى ابن الاشعث والفَلُّ (14) من المنهزمين معه، وتجمعت بعض فلول ابن الاشعث وحاربوا المهلب في خراسان وانهزموا ايضا (15).

وأخذ عدد من الاسرى فيهم محمد بن سعد بن أبى وقاص، وعمروبن موسى بن عبيد الله بن معمر، وعياش بن الاسود بن عوف الزهري، والهلقام بن نعيم بن القعقاع بن معبد بن زرارة، وفيروز حصين، وأبوالعلج مولى عبيد الله بن معمر، ورجل من آل أبى عقيل، وسوار بن مروان، وعبد الرحمن بن طلحة بن عبد الله بن خلف، وعبد الله بن فضالة الزهراني، ولحق الهاشمي بالسند وأتى ابن سمرة مرو، ثم انصرف يزيد إلى مرووبعث بالاسرى إلى الحجاج مع سبرة بن نخف بن أبى صفرة وخلى عن ابن طلحة وعبد الله بن فضاله. وقال محمد بن سعد بن أبي وقاص ليزيد ان يخلي سبيله فلم يستجب له.

وقيل :إن الحجاج لما أتى بهؤلاء الاسرى من عند يزيد بن المهلب قال لحاجبه إذا دعوتك بسيدهم فأتني بفيروز فأبرز سريره، (وهوحينئذ بواسط القصب قبل أن تبنى مدينة واسط) ثم قال لحاجبه :جئني بسيدهم، فقال لفيروز :قم !فقال له الحجاج :أبا عثمان ما أخرجك مع هؤلاء؟فوالله ما لحمك من لحومهم ولا دمك من دمائهم، قال :فتنة عمت الناس فكنا فيها، قال :اكتب لي أموالك ! قال :ثم ماذا؟ قال :اكتبها أول، قال :ثم أنا آمن على دمي؟ قال :اكتبها ثم أنظر، قال :اكتب يا غلام ألف ألف ألفي ألف (فذكر مالا كثيرا) فقال الحجاج :أين هذه الاموال؟قال :عندي، قال :فأدها، قال :وأنا آمن على دمى؟ قال :والله لتؤدينها ثم لاقتلنك، قال :والله لا تجمع مالي ودمي، فقال الحجاج : للحاجب نحه، فنحاه.

ثم قال : ائتنى بمحمد بن سعد بن أبي وقاص، فدعاه، فقال له الحجاج : (أيها باطل الشيطان) أعظم الناس تيها وكبرا !تأبى بيعة يزيد ابن معاوية تشبها بحسين، ثم تتابع حوالك كندة؟وجعل يضرب بعود في يده رأسه حتى أدماه. فقال له محمد أيها الرجل ملكت فأسجح، فضرب عنقه.

ثم أمر بفيروز فعذب، فكان فيما عذب به أن كان يشد عليه القصب الفارسى المشقوق ثم يجر عليه حتى يخرق جسده، ثم ينضح عليه الخل والملح، فلما أحس بالموت قال لصاحب العذاب :إن الناس لا يشكون أني قد قتلت، ولي ودائع أموال عند الناس لا تؤدى اليكم أبدا، فأظهروني للناس ليعلموا أني حي فيؤدوا المال، فأعلم الحجاج، فقال :أظهروه فأخرج إلى باب المدينة، فصاح في الناس :من عرفني فقد عرفني ومن أنكرني فأنا فيروز حصين، إن لي عند أقوام مالا، فمن كان لي عنده شئ فهوله وهومنه في حل، فلا يؤدين منه أحد درهما، ليبلغ الشاهد الغائب فأمر به الحجاج فقتل (16).

قال البلاذري: وكان ممن خرج مع ابن الاشعث وهو عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب فلحق بعمان وهو شيخ كبير فمات بها.

انتقام الحجاج من اهل الكوفة:

وجاء الحجاج حتى دخل الكوفة وخطب فيها قائلا:

يا اهل العراق !ان الشيطان قد استبطنكم فخالط اللحم منكم والعصب والاعضاء والاطراف... الستم اصحابي بالاهواز حين رمتم النكر وسعيتم بالغدر... ويوم الزاوية بما كان من فشلكم وتخاذلكم ويوم دير الجماجم...؟ فما الذي اذكر منكم يا اهل العراق وما الذي اتوقع وما الذي استبقيكم له؟ان بعثتم الى الثغور جبنتم وان امنتم رجعتم وان خفتم نافقتم... هل استنبحكم نابح واستغواكم غاوٍ واستخفكم ناكث واستفزكم عاص الا بايعتموه وتابعتموه؟ وهل شغب شاغب ونعب ناعب وظهر كاذب الا كنتم اشياعه وانصاره؟ ثم يا اهل الشام انا لكم كالظليم المحافظ على فراخه، ينفي عنهن القذر ويباعد المدر ويحرسهن من الذباب، انتم العُدَّة والجُنَّة ان حارب محارب وجانب مجانب (17).

وكتب: عبد الملك إلى الحجاج : أن أدع الناس إلى البيعة، فمن أقر بالكفر فخل سبيله، إلا رجلا نصب راية أوشتم أمير المؤمنين (18).

وأجلس مصقلة بن كرب بن رقبة العبدي إلى جنبه وكان خطيبا فقال :اشتم كل امرئ بما فيه ممن كنّا أحسنّا إليه، فاشتمه بقلة شكره ولؤم عهده، ومن علمت منه عيبا فعبه بما فيه وصغِّر إليه نفسه، وكان لا يبايعه أحد إلا قال له :أتشهد انك قد كفرت؟ فإذا قال :نعم، بايعه وإلا قتله.

فجاء إليه رجل من خثعم (قد كان معتزلا للناس جميعا من وراء الفرات) فسأله عن حاله، فقال : ما زلت معتزلا وراء هذه النطفة، منتظرا أمر الناس حتى ظهرت فأتيتك لأبايعك مع الناس.

قال : أمتربص؟ أتشهد أنك كافر؟

قال : بئس الرجل، أنا ان كنت عبدت الله ثمانين سنة ثم أشهد على نفسي بالكفر؟

قال : إذن أقتلك، قال :وان قتلتني فوالله ما بقي من عمري إلا ظمء حمار (19)، وإني لأنتظر الموت صباح مساء.

قال : اضربوا عنقه.

فضربت عنقه.

مقتل كميل بن زياد:

قال ابن ابي الحديد (20): هوكميل بن زياد بن سهيل بن هيثم بن سعد بن مالك بن الحارث بن صهبان ابن سعد بن مالك بن النخع، كان من أصحاب علي (عليه السلام) وشيعته وخاصته، وقتله الحجاج على المذهب فيمن قتل من الشيعة.

وقال ابن حجر (21): كميل بن زياد النخعي التابعي الشهير، له إدراك، قال بن أبي خيثمة وخليفة بن خياط مات سنة اثنتين وثمانين من الهجرة، زاد بن أبي خيثمة :وهوبن سبعين سنة بتقديم السين فيكون قد أدرك من الحياة النبوية ثماني عشرة سنة، وروى عن عمر وعلي وابن مسعود وغيرهم، قال ابن سعد شهد صفين مع علي وكان شريفا مطاعا ثقة قليل الحديث، ووثقه بن معين وجماعة، وقال ابن عمار:كان من رؤساء الشيعة، واخرج بن أبي الدنيا من طريق الاعمش قال : دخل الهيثم بن الاسود على الحجاج فقال له: ما فعل كميل بن زياد؟ قال شيخ كبير: في البيت، قال :فأين هو؟ قال : ذلك شيخ كبير خرِف، فدعاه، فقال له أنت صاحب عثمان؟ قال ما صنعت بعثمان؟ لطمني فطلبت القصاص فأقادني فعفوت، قال : فأمر الحجاج بقتله.

وقال جرير عن مغيرة : طلب الحجاج كميل بن زياد فهرب منه، فحرم قومه عطاءهم، فلما رأى كميل ذلك قال : انا شيخ كبير قد نفد عمري لا ينبغي ان احرم قومي عطاءهم، فخرج الى الحجاج، فلما رآه قال له كميل :انه ما بقي من عمري الا القليل، فاقض ما أنت قاض، فان الموعد الله، وقد أخبرني أمير المؤمنين على انك قاتلي، قال : بلى قد كنت فيمن قتل عثمان، اضربوا عنقه، فضربت عنقه (22).

وهرب عبد الرحمن بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب الى السد (23)فمات بها (24).

قال خليفة بن خياط: كانت بينهم بالجماجم إحدى وثمانين وقيعة، كلها على الحجاج إلا آخر وقعة كانت على ابن الأشعث، فانهزم. وقتل من القراء بدير الجماجم أبوالبختري سعد مولى حذيفة وأبوالبختري الطائي. وانكشف ابن الأشعث من دير الجماجم، فأتى البصرة وتبعه الحجاج، فخرج منها إلى مسكن من أرض دجيل الأهواز، واتبعه الحجاج فالتقوا بمسكن، فانهزم ابن الأشعث، وقتل من أصحابه ناس كثير وغرق ناس كثير، افتقد ليلة دجيل بمسكن عبد الرحمن بن أبي ليلى وعبد الله بن شداد بن الهاد وابوعبيدة بن عبد الله بن مسعود. وأسر الحجاج ناسا كثيرا منهم: عمران بن عصام العنزي، وعبد الرحمن بن ثروان، وأعشى همدان، وفيروز حصين. قال أبواليقظان: حدثني سلم بن الجارود بن أبي سبرة الهذلي قال: أتي الحجاج بعمران بن عصام العنزي، فقال: عمران؟ قال: نعم. قال: ألم أقدم العراق فأوفدتك إلى أمير المؤمنين ولا يوفد مثلك؟ قال: بلى. قال: وزوجتك سيد قومها ماوية بنت مسمع ولم تكن لها بأهل؟ قال: بلى. قال: فما حملك على الخروج مع عدوالله ابن الأشعث؟ قال: أخرجني باذان. قال: فأين كنت عن حجلة أهلك؟ قال: أخرجني باذان. قال: فأين كنت على خرب البصرة؟ فأمر به فضربت عنقه، ثم سار ابن الأشعث يريد خراسان، وتبعه الفل فتركهم، وسار إلى رتبيل بسجستان، فقام بأمر الناس عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، فلقيه المفضل بن المهلب بهراة وهو وال لأخيه يزيد فهزمه، وأسر ناسا من أصحابه منهم محمد بن سعد بن مالك والهلقام بن نعيم. أول وقعة كانت بينهم يوم تستر يوم النحر آخر سنة إحدى وثمانين، والوقعة الثانية بالزاوية في المحرم أول سنة اثنتين وثمانين، والوقعة الثالثة بظهر المربد في صفر يوم الأحد سنة اثنتين وثمانين، والوقعة الرابعة بدير الجماجم، كانت الهزيمة في جمادى لأربع عشرة ليلة خلت منه سنة اثنتين وثمانين، والوقعة الخامسة في شعبان سنة اثنتين وثمانين ليلة دجيل.

قال خليفة: تسمية القراء الذين خرجوا مع ابن الأشعث : مسلم بن يسار مزني وعقبة بن عبد الغافر العوذي قتل في المعركة، وعقبة بن وساج البرساني قتل في المعركة، وعبد الله بن غالب الجهضمي قتل في المعركة، والنضر بن أنس بن مالك، وأبوالجوزاء قتل في المعركة، وعمران بن عصام الضبعي قتل صبرا، وسيار بن سلامة أبوالمنهال الرياحي، ومالك بن دينار، ومرة بن دباب الهرادي، وأبونجيد الجهضمي، وأبوشيخ الهنائي، والحسن بن أبي الحسن أخرج كرها لم يقتل. ومن أهل الكوفة: سعيد بن جبير، وعامر الشعبي، وعبد الله بن شداد بن الهادي فقد ليلة دجيل، وعبد الرحمن بن أبي ليلى فقد ليلة دجيل. وحدثني غندر قال: حدثني شعبة عن حصين قال: رأيت ابن أبي ليلى يحضض الناس ليالي الجماجم. وأبوعبيدة بن عبد الله بن مسعود والمعرور بن سويد، ومحمد بن سعد بن مالك قتل صبرا، وطلحة بن مصرف الأيامي، وزبيد بن الحارث الأيامي، وعطاء بن السائب مولى ثقيف، وأبوالبختري الطائي قتل في المعركة.

قال خليفة: عن الحسن الجفري عن مالك بن دينار قال: خرج مع ابن الأشعث خمسمائة من القراء كلهم يرون القتال، وقتل طفيل بن عامر بن واثلة (25).

وكتب عبد الملك الى الحجاج ايضا: ان جمِّر اهل العراق، وتابع عليهم البعوث، واستعن عليهم بالفقر، فانه جند الله الاكبر، ففعل ذلك بهم سنتين. ثم اعطاهم بعد ذلك عطاءهم (26).

الكوفة على عهد الوليد:

قال اليعقوبي: وكتب الوليد إلى خالد بن عبدالله القسري (عامله على الحجاز) يأمره بإخراج من بالحجاز من أهل العراقين، وحملهم إلى الحجاج بن يوسف، فبعث خالد إلى المدينة عثمان بن حيان المري لاخراج من بها من أهل العراقين، فأخرجهم جميعا، وجماعاتهم في الجوامع إلى الحجاج، ولم يترك تاجرا ولا غير تاجر، ونادى: ألا برئت الذمة ممن آوى عراقيا، وكان لا يبلغه أن أحدا من أهل العراق في دار أحد من أهل المدينة إلا أخرجه (27).

قال ابن عساكر: أنبأنا أبوبكر محمد بن عبدالباقي عن أبي محمد الجوهري عن أبي عمر بن حيوية أنا سليمان بن إسحاق نا الحارث بن أبي أسامة نا محمد بن سعد أنا محمد بن عمر الواقدي قال : فحدثني محمد بن عبدالله بن أبي حرة عن عمه قال: رأيت عثمان بن حيان أخذ عبيدة بن رباح ومنقذ العراقي في أناس من أهل العراق فحبسهم، ثم بعث بهم في جوامع إلى الحجاج بن يوسف ولم يترك بالمدينة أحدا من أهل العراق تاجرا ولا غير تاجر من كل بلد إلا أخرجوا فرأيتهم في الجوامع... وسمعته يخطب على المنبر وهويقول بعد حمد الله: أيها الناس إذا وجدنا أهل غش لأمير المؤمنين في قديم الدهر وحديثه وقرضوا إليكم من لا يزيدكم إلا خبالا أهل العراق هم أهل الشقاق والنفاق وهم والله عش النفاق وبيضته التي أنفلقت عنه، والله ما سبرت عراقيا قط فوجدت عنده دينا وإن أفضلهم حالا عند نفسه الذي يقول في آل أبي طالب ما يقول وما هم لهم بشيعة إنهم لأعداء لهم ولغيرهم. ولكن لما يريد الله من سفك دمائهم والتقرب إليه بذلك منهم وإني والله لا أؤتى بأحد منكم أكرى أحدا منهم منزلا ولا أنزله إلا هدمت منزله وأحللت به ما هوأهله. إن البلدان مصرها عمر بن الخطاب وهو مجتهد على ما يصلح رعيته، فجعل يمر عليه من يريد الجهاد فيستشيره : الشام أحب إليك أم العراق؟ فيقول : الشام أحب إلي.

إني رأيت العراق داء عضالا وبها فرخ الشيطان، والله لوعضلوا أبي وأني لأراني سأفرقهم في البلدان ثم أقول لوفرقتهم لأفسدوا من دخلوا عليه مع جدل وحجاج، وكيف ولم وسرعة وجيف (28)في الفتنة فإذا خبروا عند السيف لم يخبر منهم طائل ولم يصلحوا على عثمان وهومن بعد الإمام المظلوم الشهيد فلقي منهم الأمرين وكانوا هم أول الناس فتق هذا الفتق ونقضوا عرى الإسلام عروة عروة وانفلوا البلدان.

والله إني لأتقرب إلى الله بكل ما افعل بهم لما أعرف من رأيهم ومذاهبهم ثم وليهم أمير المؤمنين فلم يصطلحوا عليه ثم يزيد بن معاوية فلم يصطلحوا ووليهم رجل الناس جلدا يعني عبد الملك فبسط عليهم السيف وأخافهم فاستقاموا له أحبوا أوكرهوا وذلك أنه خبرهم فعرفهم (29).

قال ابن عساكر: وأنا محمد بن عمر حدثني خالد بن القاسم عن سعيد بن عمروقال رأيت منادي عثمان بن حيان ينادي برئت ذمة آله ممن آوى عراقيا، وكان عندنا رجل من أهل البصرة له فضل يقال له : سوادة، من العباد فقال :والله ما أحب أن أدخل عليكم مكروها بلّغوني مأمني.

قال :قلت لا خير لك في الخروج، إن الله يدفع عنا وعنك.

قال :فأدخلته بيتي وبلغ عثمان بن حيان، فبعث أحراسا فأدخلته إلى بيت آخر، فما قدروا على شيء (وكان الذي سعى بي عدوا) فقلت أصلح الله ألامير، تؤتي بالباطل فلا تعاقب عليه، قال : فضرب الذي سعى بي عشرين سوطا.

وأخرجنا العراقي، فكان يصلي معنا، ما يغيب عنا يوما واحدا وحدب عليه أهل دارنا وقالوا :نموت دونك، فما برح معنا في بني أمية بن زيد حتى عزل الخبيث (30).

اقول: نزع سليمان عثمان بن حيان عن المدينة لتسع ليال بقين من رمضان سنة ست وتسعين وكانت إمارته على المدينة ثلاث سنين إلا سبع ليال، وولّى سليمان ابن حزم على المدينة. (31)

قال إسحاق بن الأشعث بن قيس الكندي :قال :كنت في صحابة عمر بن عبد العزيز فاستأذنته في الانصراف إلى أهلي بالكوفة، فقال لي عمر :إذا أتيت العراق فأقرهم ولا تستقرهم، وعلمهم ولا تتعلم منهم، وحدثهم ولا تسمع حديثهم.

قال المؤلف: وكان من بين هؤلاء العراقيين المختفين في الحجاز سعيد بن جبير الذي قتله الحجاج بعد سلمه اليه خالد القسري، وكان من بين هؤلاء سعيد بن جبير الذي قتله الحجاج بعد سلمه اليه خالد القسري.

______________________________________

(1) ‏ تاريخ اليعقوبي 2/273.

(2) ‏ انساب الاشراف 7/274.

(3) ‏ تاريخ الطبري ج6/208 .

(4) ‏ انساب الاشراف 7/280 .

(5) ‏ انساب الاشراف 7/292.

(6) ‏ تاريخ الطبري - الطبري ج 5 ص 111.

(7) ‏ تاريخ الطبري - الطبري ج 5 ص 146.

(8) ‏ اللهوب: الجبال الوعرة. واللصوب : المسالك الضيقة بين الجبال.

(9) موضع من ارض دستوا (مراصد الاطلاع)

(10) ‏ ناحية بالكوفة.

(11) ‏ انساب الاشراف 7/336.

(12) ‏ انساب الاشراف 7/339.

(13) ‏ قال خليفة: قال أبوالحسن: قال عوانة: قتل الحجاج بمسكن خمسة آلاف أسير أوأربعة آلاف.

(14) ‏ الفل : المنهزم والجمع الفلول ، كتاب العين.

(15) ‏ اختلفت المصادر في ذكر الطريقة التي لقي فيها ابن الاشعث مصرعه بعد ان اجمعت انه لجأ الى رتبيل في سجستان وان الاخير استجاب لضغوط الحجاج واغرائاته بتسليم ابن الاشعث. تذكر بعض المصادر انه بعث به مقيدا وان ابن الاشعث رمى بنفسه من فوق جبل فمات، ثم احتز راسه، وبعث به الى الحجاج، وبعضها تذكر ان رتبيل قتله وبعث براسه سنة 84 هجرية.

(16) ‏ تاريخ الطبري. اقول: وقد روى عن النضر بن شميل تاريخ الطبري ج5 ص182 عن هشام بن حسان أنه قال بلغ ما قتل الحجاج صبرا مائة وعشرين أومائة وثلاثين ألفا.

(17) ‏ انساب الاشراف 7/345، شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد ج 1 ص 344، والخطبة في البيان والتبيين 2: 138، العقد 4: 115، نهاية الارب 7: 245.

(18) ‏ تاريخ خليفة بن خياط العصفري ص 217.

(19) ظمء حمار : أي شيء يسير وانما خص الحمار لانه اقل الدواب صبراً عن الماء.

(20) ‏ شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد ج 17 ص 149.

(21) ‏ الإصابة - ابن حجر ج 5 ص 485.

(22) الاصابة 5/653. اقول :تهمة كميل بن زياد بعثمان اصلها من رواية سيف بن عمر انظر تاريخ الطبري 3/430.

(23) وهو اسم لماء سماء في حزم بني عوال ، جبيل لغطفان.

(24) ‏ انساب الاشراف 7/351.

(25) ‏ تاريخ خليفة بن خياط 216-222 .

(26) ‏ انساب الا شراف 7/358.

(27) ‏ لا نعلم في اي سنة، ولكن اليعقوبي كان قد ذكر قبله حوادث سنة 92 وذكره بعده حوادث سنة 95هجرية.

(28) وجفَ : الوجف : سرعة السير. كتاب العين.

(29) ‏ تاريخ دمشق 38/344.

(30) ‏ تاريخ دمشق لابن عساكر 38/ 345.

(31) ‏ قال ابن عساكر : وفي سنة أربع وتسعين نزع الوليد عمر بن عبد العزيز عن أهل المدينة وولاها عثمان بن حيان القرشي، قال : وفي سنة ست وتسعين نزع عثمان بن حيان عن أهل المدينة وأمر أبوبكر بن حزم الأنصاري. وقال:كان عثمان بن حيان أميرا على المدينة في خلافة الوليد بن عبد الملك قال وكان ابن حزم يومئذ قاضيا، قال :فعزل عثمان بن حيان بعد ذلك وولي أبوبكر بن حزم بعده.

صفحة مكتب العلامة المحقق السيد سامي البدري