الباب الرابع : آثار نهضة الحسين (عليه السلام) وشهادته
الفصل الثاني : تتابع الثورات وانهيارالحكم الأموي

العراق تحت امرة بني مروان

قال عوانة: لما صح عند مصعب وصول عبد الملك يريده، بعث الى ابن الاشتر فاقدمه عليه وجعله على مقدمته، وكاتب عبد الملك وجوه اهل الكوفة والبصرة ورغبهم في الاموال والاعمال، وكتب عبد الملك الى ابراهيم بن الاشتر فجعل له ولاية العراقين، فاخذ كتابه فدفعه الى مصعب، وقال له : ان عبد الملك لم يكتب الي، الاّ وقد كتب الى هؤلاء الوجوه بمثله، وقد افسدهم عليك، فأنا أرى ان تأخذ وجوه أهل المصرين فتشدهم بالحديد، فقال له :يا ابا النعمان أتأخذ الناس بالظنة؟ قال :فأجمعهم في ابيض المدائن لئلا يشهدوا الحرب معك، قال : إذا افسد قلوب عشائرهم؟قال :فأبعثهم الى اخيك بمكة، فقال :ليس هذا براي، قال فان لقيت العدو فلا تمدني بواحد منهم واتهمهم. (1)

وقال الهيثم بن عدي: كتب عبد الملك الى ابراهيم بن الاشتر وهومع مصعب كتابا فاتى به الى مصعب قبل ان يقرأه، فلما قرأه مصعب قال له :يا ابا النعمان اتدري ما فيه؟ قال :لا، قال :يعرض عليك ما سقت دجلة او ما سقى الفرات، فان أبيت جمعهما لك وان هذا لما يرغب فيه، فقال ابراهيم : ماكنت لا تقلد الغدر والخيانة، وما عبد الملك من احد بأياس منه مني، وما ترك احدا ممن معك الا وقد كتب اليه... وذكر مثل خبر عوانة، ولم يقبل مصعب براي ابراهيم فيهم وقال له: ووالله لولم اجد الا النمل لقاتلت به اهل الشام.

فلما اصطف الناس مال عتاب بن ورقاء فذهب، وكان على خيل اهل الكوفة وجعل ابراهيم يقول لرجل رجل :تقدم، فيأبون عليه، فتقدم هو وقاتل حتى قتل، ثم تقدم مصعب فقال لحجار بن ابجر: تقدم يا ابا اسيد الى هؤلاء الانتان، قال :ما تتأخر اليه انتن، ثم قال للغضبان بن القَبَعْثَرى تقدم يا ابا السِّمط، فقال :ما أرى، ثم التفت الى قطن بن عبد الله الحارثي وهوعلى مذحج واسد، فقال تقدم: فقال: اسفك دماء مذحج في غير شيء (2).

قال المدائني: سار مصعب وحوله نفر يسير، وقد خذله اهل العراق لعِدَة عبد الملك اياهم ووعد حجار بن ابجر ولاية اصبهان، ووعدها غضبان بن القَبْعَثرَى وعتاب بن ورقاء وقطن بن عبد الله الحارثي ومحمد بن عمير بن عطارد. (3)

مقتل مصعب وانتصار عبد الملك:

قال عروة بن المغيرة :خرج مصعب يسير، فوقعت عينه عليَّ. فقال ياعروة :كيف صنع الحسين (عليه السلام)؟ فاخبرته بإِبائه النزول على حكم ابن زياد وعزمه على الحرب.

فقال:

ان الاولى بالطف من آل هاشم *** تآسوا فسنُّوا للكرام التآسيا

والبيت لسليمان بن قتة.

فقاتل مصعب حتى قتل (4). كان ذلك سنة اثنتين وسبعين، قتل في مسكن.

قال ابونعيم: قتل مصعب وهوابن ست وثلاثين سنة.

ثم وجه عبد الملك الحجاج الى عبد الله بن الزبير وجعل على شُرَط الكوفة قطن بن عبد الله بن الحصين الحارثي، وكان عثمانيا، لم يمِل الى عبد الملك احدٌ مَيلَه (اقول: وكان احد شهود الزور على حجر ايام ولاية زياد).وجعل ولايتها لبشر بن مروان.

وولى عبد الله بن خالد بن اسيد من بني امية البصرة، ثم عزله عنها وضمها الى بشر. ثم جمع العراقين لبشر (5).

وروى الذهبي في ميزان الاعتدال (ج4/146) في ترجمة عمار الدهني قال : قال علي بن المديني قال: سفيان بن عيينة قطع بشر بن مروان عرقوبيه (6) في التشيع.

وهذا يفيدنا ان عبد الملك بدأ بمواصلة خطة سلفه معاوية وخطة عبد الله بن الزبير في اضطهاد الشيعة بمجرد استلامهم الحكم في العراق.

______________________________________

(1) ‏ انساب الاشراف 7/90 طبعة دار الفكر بيروت.

(2) ‏ انساب الاشراف 7/94.

(3) ‏ ونقل البلاذري في انساب الاشراف: ان عمروبن حريث وكان خليفة مصعب على الكوفة ممن كاتب عبد الملك، وكان مائلا اليه.

(4) ‏ انساب الاشراف 7/98.

(5) ‏ انساب الاشراف 7/106، انظر ترجمته في سير اعلام النبلاء (وتوفي بالبصرة وله نيف واربعون سنة).

(6) عرقوبيه : تثنية عرقوب وهو العصبة الناتئة من القصب إلى الساق

صفحة مكتب العلامة المحقق السيد سامي البدري