المدخل إلى دراسة مصادر السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي
الباب الرابع : بحوث تطبيقية
الفصل الثالث : دراسة روايات سيف بن عمر في قتل عثمان

الاميني يقوِّم تاريخ الطبري

في ج8 ص 326ـ333علق العلامة الأميني رحمه الله على تعليق الطبري على ماجرى بين ابي ذر ومعاوية واشخاص معاوية اياه من الشام الى المدينة وانه ذكر في سبب اشخاصه اياه منها اليها امورا كثيرة كره ذكر أكثرها فاما العاذرون معاوية فانهم ذكروا في ذلك قصة ...

قال الاميني (رح) : لماذا ترك الطبري تلكم الامور الكثيرة ولم يذكر منها الا قصة العاذرين التي افتعلوها معذرة لمعاوية وتبريرا لعمل الخليفة ؟ واما الحقائق الراهنة التي كانت تمس كرامة الرجلين ، وكانت حديث أمة محمد وقتئذ وهلم جرا من ذلك اليوم حتى عصرنا الحاضر فكره ايرادها ، وحسب انها تبقى مستورة أن لم يلهج هو بها ، وقد ذهب عليه ان في فجوات الدهر ، وثنايا التاريخ ، وغضون كتب الحديث منها بقايا كافية لمن تروقه معرفة نفسيات مناوئي أبي ذر ، وتحقق اعلام النبوة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وآله الاعظم في قصة ابي ذر من المغيبات .

ثم قال رحمه الله : أن القصة مكذوبة مختلقة لا يصح شئ منها ، وكل جملة منها يكذبه التاريخ الصحيح أو الحديث المتسالم على صحته ، وكفاها هنا ما في سندها من الغمز واليك رجاله .

1 . السري ، مردد بين اثنين عُرِفا بالكذب والوضع ، فالسري بن يحيى الذي لا يوجد بهذه النسبة له ذكر قط ، غير ان النسائي أورد عنه حديثا لسيف بن عمر فقال : لعل البلاء من السري ، وابن حجر يراه السري بن اسماعيل الهمداني الكوفي الذي كذبه يحيى بن سعيد وضعفه غير واحد من الحفاظ ، ونحن نراه السري بن عاصم الهمداني نزيل بغداد المتوفي 258 ، وقد أدرك ابن جرير الطبري شطرا من حياته يربو على ثلاثين سنة ، كذبه ابن خراش ، ووهاه ابن عدي ، وقال : يسرق الحديث وزاد ابن حبان : ويرفع الموقوفات لايحل الاحتجاج به وقال النقاش في حديث وضعه السري فهو مشترك بين كذابين لايهمنا تعيين احدهما . والتسمية بابن يحيى محمولة على النسبة إلى أحد أجداده كما ذكره ابن حجر في تسميته بابن سهل هذا ان لم تكن تدليسا ، ولا يحسب القارئ انه السري بن يحيى الثقة لقدم زمانه وقد توفي سنة 167 قبل ولادة الطبري الراوي عنه المولود سنة 224 بسبع وخمسين سنة  (1) .

2 . شعيب بن ابراهيم الاسدي الكوفي ، مجهول كما قال الحافظان ابن عدي والذهبي فيه : انه مجهول لا يعرف .

3 . سيف بن عمر التميمي الكوفي ، (قال ألاميني) ذكرنا في صـفحة84 من هذا الجزء اقوال الحفاظ وائمة الجرح والتعديل حول الرجل وانه ضعيف ، متروك ، ساقط وضاع ، عامة حديثه منكر ، يروي الموضوعات عن الاثبات ، كان يضع الحديث واتهم بالزندقة . قال رحمه الله : أضف الى المصادر السابقة : (الاستيعاب) ترجمة القعقاع 2 : 535 ، (الاصابة) 3 : 239 ، مجمع الزوائد للهيثمي 10 : 21 .

4 . عطية بن سعد العوفي الكوفي  (2) .

5 . يزيد الفقعسي . لا أعرفه ولا أجد له ذكرا في كتب التراجم .

قال الأميني رحمه الله : فانظر الى امانة الطبري على ودايع التاريخ فانه يصفح عن ذلك الكثير الثابت الصحيح ويقتصر على هذه المكاتبة المكذوبة المفتعلة . حيا الله الامانة .  (3) شوَّه الطبري تاريخه بمكاتبات السرِىّ الكذاب الوضَاع ، عن شعيب المجهول الذي لا يعرف ، عن سيف الوضاع المتروك ، الساقط ، المتهم بالزندقة ، وقد جاءت في صفحاته (أي صفحات الطبري) بهذا الاسناد المشوَّه (أي عن السري الكذاب عن شعيب المجهول عن سيف الوضاع) (701) رواية وضعت للتموية على الحقايق الراهنة في الحوادث الواقعة من سنة (11) الى (39) عهد الخلفاء الثلاثة فحسب ، ولا يوجد شئ من هذا الطريق الوعر في أجزاء الكتاب كلها غير حديث واحد ذكره في السنة العاشرة ، وانما بدأ برواية تلكم الموضوعات من عام وفاة النبي الأكرم ، وبثها في الجزء الثالث والرابع والخامس (من تاريخه) ، وانتهت بانتهاء خامس الاجزاء .

ذكر في الجزء الثالث من ص 210 حوادث سنة11 هجرية ، 57 حديثا

أخرج في الجزء الرابع في حوادث السنة الثانية عشر هجرية ، 437 حديثا

أورد في الجزء الخامس في حوادث السنة الـ 23ـ37 هجرية ، 207 حديثا

المجموع 701 حديثا

ولست أدري ان السري وسيف بن عمر هل كان علمهما بالتاريخ مقصورا على حوادث تلكم الاعوام المحدودة فقط ومن حوادثها على ما يرجع الى المذهب فحسب لا مطلقا ؟

أو كانت موضوعاتهما تنحصر بالحوادث الخاصة المذهبية الواقعة في الايام الخالية من السنين المعلومة لكونها الحجر الاساسي في المبادئ والآراء المعتقدات ، وقد أرادوا خلط التاريخ الصحيح وتعكير صفوه بتلكم المفتعلات تزلفا الى اناسواختذالا عن آخرين ؟ .

ومن أمعن النظر في هذه الروايات يجدها نسيج يد واحدة ، ووليد نَفَس واحد ، ولا أحسب ان هذه كلها تخفى على مثل الطبري ، غير أن الحب يعمي ويصم !

______________________

(1) اورد العلامة الاميني رحمه الله ترجمة السري في الصفح 140 من الجزء الثامن من الغدير واكتفيهنا بالاشارة الى ذلك غير اننا رأينا ان بثبته هنا للقائدة .

(2) اقول : في السند عطية من دون ذكر اسم أبيه ، وقد ورد في روايات سيف (في كتابه الردة والفتوح ومسير عائشة وعلي) تحقيق قاسم السامرائي ط2 سنة(1418) في ثمانية عشر موارد ذكر سيف في المورد الاول منها انه عطية بن الحارث أبي روق ، أما الطبري فقد ذكر خمس مرات (سيف عن عطية بن الحارث) ، . وقد ذكر في تهذيب الكمال في ترجمة عطية هذا انه ممن روى عنه سيف بن عمر وفي ضوء ذلك فإن حمل عطية في الرواية على عطية بن سعد العوفي في غير محله ويبدو لي انه اشتباه من العلامة الاميني رحمه الله أما ترجمة عطية بن الحارث أبي روق فقد قال فيها المزي في كتابه تهذيب الكمال 20/143 د س ق عطية بن الحارث أبو روق الهمداني الكوفي روى عن إبراهيم التيمي د س وأنس بن مالك وسفيان بن الليل وصالح بن أبي طريف والضحاك بن مزاحم (قد فق) وعامر الشعبي وعبد الله بن مالك الهمداني وأبي الغريف عبيد الله بن خليفة س ق وعطية بن سعد العوفي وعكرمة مولى بن عباس ومحمد بن جحادة وأبي إسحاق الشيباني وأبي عبد الرحمن السلمي روى عنه إبراهيم بن الزبرقان وبشر بن خالد الكوفي وبشر بن عمارة الخثعمي (فق) وأبو أسامة حماد بن أسامة (قد س ق) وخالد بن يزيد بن أبي مالك الشامي وخالد بن يزيد القسري وسفيان الثوري (د س) وسيف بن عمر التميمي صاحب كتاب الفتوح وشريك بن عبد الله النخعي وابنه عبادة بن أبي روق الهمداني وأبو زهير عبد الرحمن بن مغراء وعبد الواحد بن زياد (س) وأبو مخنف لوط بن يحيى ومندل بن علي ونوح بن دراج وابنه يحيى بن أبي روق الهمداني قال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه ليس به بأس وكذلك قال النسائي وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين صالح وقال أبو حاتم صدوق وذكره إبن حبان في كتاب الثقات روى له أبو داود والنسائي وابن ماجة .

(3) العلامة الأميني : الغدير 8/326ـ327 .

صفحة مكتب العلامة المحقق السيد سامي البدري