المدخل إلى دراسة مصادر السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي
الباب الرابع : بحوث تطبيقية
الفصل الثالث : دراسة روايات سيف بن عمر في قتل عثمان

عذر مفتعل

ان المحب الطبري أعماه الحب وأصمه ، فجاء بعذر مفتعل غير ماذكر ، قال في الرياض النضرة 2 : 150 : عنه جوابان :

الاول : ان الهرمزان شارك أبا لؤلؤة في ذلك ومالأه ، وإن كان المباشر أبولؤلؤة وحده لكن المعين على قتل الامام العادل يباح قتله عند جماعة من الائمة ، وقد أوجب كثير عن الفقهاء القود على الآمر والمأمور وبهذا اعتذر عبيدالله بن عمر وقال : إن عبدالرحمن بن أبي بكر أخبره انه رأى أبا لؤلؤة والهرمزان وجفينة يدخلون في مكان ويتشاورون وبينهم خنجر له رأسان مقبضه في وسطه ، فقتل عمر في صبيحة تلك فاستدعى عثمان عبدالرحمن ، فسأله عن ذلك ، فقال : انظروا إلى السكين فان كانت ذات طرفين فلا أرى القوم إلا وقد اجتمعوا على قتله . فنظروا اليها فوجدوها كما وصف عبدالرحمن ، فلذلك ترك عثمان قتل عبيدالله بن عمر لرؤيته عدم وجود القود لذلك ، أولتردده فيه ، فلم يرالوجوب للشك .

والجواب الثاني : ان عثمان خاف من قتله ثوران فتنة عظيمة ، لانه كان بنوتيم وبنو عدي مانعون من قتله ، ودافعون عنه وكان بنوأمية أيضا جانحون اليه ، حتى قال له عمروبن العاص : قتل أمير المؤمنين عمر بالامس ، ويقتل ابنه اليوم ؟ لا والله لا يكون هذا أبدا ، ومال في بني جمح ، فلمارأى عثمان ذلك اغتنم تسكين الفتنة ، وقال : أمره إلي وسأرضي أهل الهرمزان منه .

قال الاميني رحمه الله : إن إثبات مشاركة هرمزان أبالؤلؤة في قتل الخليفة على سبيل البت لمحض ما قاله عبد الرحمن بن أبوبكر من انه رأهما متناجيين وعند أبي لؤلؤة خنجر له رأسان دونه خرط القتاد ، فان من المحتمل انهما كانا يتشاوران في أمر آخر بينهماأو أن أبالؤلؤة استشاره فيما يريد أن يرتكب ، فنهاه عنه الهرمزان ، لكنه لم يصغ إلى قيله فوقع القتل غدا ، إلى أمثال هذين من المحتملات ، فكيف يلزم الهرمزان والحدود تدرأ بالشبهات  (1) ؟

هب ان عبدالرحمن شهد بتلك المشاركة ، وأدعى انه شاهد الوقفة بعينه ، فهل يقتل مسلم بشهادة رجل واحد في دين الله ولم تعقد البينة الشرعية مصافقة لتلك الدعوى ، ولهذا لما أنهيت القضية من اختلاء الهرمزان بأبي لؤلؤة إلى آخرها إلى عمر نفسه قال : ماأدري هذا انظروا إذا أنا متُّ فاسألوا عبيد الله البينة على الهرمزان ، هو قتلني فان أقام البينة فدمه بدميوإذا لم يقم البينة فأقيدوا عبيد الله من الهرمزان .

وهب أن البينة قامت عند عبيد الله على المشاركة ، فهل له أن يستقل بالقصاص ؟ أو انه يجب عليه أن يرفع أمره إلى أولياء الدم ؟ لاحتمال العفو في بقية الورثة ، مضافا إلى القول بأنه من وظائف السلطان أو نائبه ، وعلى هذا الاخير الفتوى المطردة بين العلماء  (2) . على انه لو كانت لعبيدالله أو لمن عطل القصاص منه معذرة كهذه لابدياها أمام الملا المنتقد ، ولما قال مولانا أمير المؤمنين اقتل هذا الفاسق ، ولما تهدده بالقتل متى ظفربه ، ولما طلبه ليقتله أبان خلافته ، ولما هرب عنه عبيد الله إلى معاوية ، ولما اقتصر عثمان بالعذر بأنه ولي الدم ، وان المسلمين كلهم أولياء المقتول ، ولما وهبه واستوهب المسلمين ، ولما كان يقع الحوار بين الصحابة الحضور في نفس المسألة ، ولما قام اليه سعد بن أبي وقاص وانتزع السيف من يده وجزه من شعره حتى أضجعه وحبسه في داره . وهب إنه تمت لعبيد الله هذه المعذرة فبماذا كان اعتذاره في قتل بنت أبي لؤلؤة المسكينة الصغيرة ، وتهديده الموالي كلهم بالقتل ؟

أنا لاأدري من أين جاء المحب بهذا التاريخ الغريب من نهضة تيم وعدي ومنعهم من قتل عبيد الله ، وجنوح الامويين اليهم بصورة عامة حتى يخافهم الخليفة الجديد . وأي خليفة هذا يستولي عليه الفرق من أول يومه ؟ فاذا تبينت عليه هذه الضؤلة في مفتتح خلافته ، فبأي هيبة يسوس المجتمع بعده ؟ ويقتص القاتل ، ويقيم الحدود ، ولكل مقتص منه أو محدود قبيلة تغضب له ، ولها أحلاف يكونون عند مرضاتها . ليس في كتب التاريخ والحديث أي أثر مما ادعاه المحب المعتذر ، وإلا لكان سعدبن أبي وقاص أولى بالخشية يوم قام إلى عبيد الله وجز شعره ، وحبسه في داره ، ولم ير أي تيمي طرق باب سعد ، ولا عدوي أنكر عليه ، ولا أموي أظهر مقته على ذلك ، لكن المحب يريد أن يستفزهم وهم رمم بالية .

ثم لو كان عند من ذكرهم جنوح إلى تعطيل هذا الحكم الالهي حتى أوجب ذلك حذار الخليفة من بوادرهم ؟ فانه معصية تنافي عدالة الصحابة ، وقد أطبق القوم على عدالتهم . ولو كان الخليفة يروعه إنكار المنكرين على مايريد أن يرتكب فلماذا لم يرعه إنكار الصحابة على الاحداث في أخرياته ؟ حتى أودت به ، أكان هيابا ثم تشجع ؟ سل عنه المحب الطبري  (3) .

______________________

(1) ابن ماجة : سنن ابن ماجة 2 : 112 ، البيهقي: سنن البيهقي 8 : 238 ، الترمذي: سنن الترمذي 2 : 71 ، الجصاص: أحكام القرآن 3 : 330 .

(2) الشافعي: الام 6 : 11 ، مالك بن انس: المدونة الكبرى 4 : 502 ، البقاعي : فيض الاله المالك 2 : 286 .

(3) العلامة الأميني : الغدير ج8ص143 .

صفحة مكتب العلامة المحقق السيد سامي البدري