المدخل إلى دراسة مصادر السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي
الباب الرابع : بحوث تطبيقية
الفصل الرابع : دراسة روايات سيف بن عمر في الفتوح

الصحابي : القعقاع بن عمرو

قال العلامة العسكري : في عشرات الكتب الشهيرة جاء ذكر القعقاع ، وترجمته في عداد الصحابة ورواة الحديث عن الرسول صلى الله عليه وآله . وأول من وجدناه يفرد له ترجمة - ممن بقي مؤلفه في متناول أيدينا - أبو عمر في الاستيعاب  (1) قال بترجمته "هو أخو عاصم بن عمرو التميمي ، وكان لهما البلاء الجميل والمقام المحمود في القادسية ..." .

وتلاه ابن عساكر في موسوعته الكبرى تاريخ مدينة دمشق  (2) ، فقد بدأ ترجمته بقوله : "يقال إن له صحبة . وكان أحد فرسان العرب المرموقين وشعرائهم المعروفين . شهد اليرموك وفتح دمشق ، وشهد أكثر وقائع أهل العراق مع الفرس ، وكانت له في ذلك مواقف مشكورة ووقائع مشهودة" .

هكذا وصفوا القعقاع بن عمرو منذ القرن الثاني الهجري حتى عصرنا الحاضر ، حيث وصفوه برجل النجدة  (3) ونعتوه بفاتح خانقين ، وحلوان ، وهمذان ضمن ذكر قادة الفتح الإسلامي  (4) ، فمن هو القعقاع هذا ؟

نسب القعقاع

تخيله سيف : القعقاع بن عمروبن مالك التميمي ثم العمري  (5) ، وكناه ابن الحنظلية  (6)وذكر ان له خؤولة  (7) في بارق  (8) ، وقال : إن زوجته كانت هنيدة بنت عامر الهلالية من هلال النخع  (9) .

على عهد النبي صلى الله عليه وآله

أخرج الطبري وابن عساكر عن سيف أنه روى ، وقال : كان القعقاع من أصحاب النبي  (10) ، وقال ابن حجر: أنشد سيف للقعقاع :

ولقد شهدت البرق برق تهامة       يهدي المقانب راكبا لعيار  (11)

في جند سيف الله سيف محمد       والسابقين لسنة الأحرار  (12)

رواياته :

أ- حديثه عن الرسول :

روى ابن حجر بترجمته من الاصابة عن سيف بسنده إلى القعقاع قال : (قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله : "ما أعددت للجهاد ؟" قلت : طاعة الله وطاعة رسوله والخيل ، قال : "تلك الغاية") .

ب - روايته عن الصحابة :

روى -أيضا - ابن حجر في الإصابة عن سيف عن عمرو بن تمام عن أبيه عن القعقاع بن عمرو ، قال : شهدت وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله فلما صلينا الظهر جاء رجل حتى قام في المسجد ، فأخبر بعضهم أن الأنصار قد أجمعوا أن يولوا سعدا -يعني ابن عبادة - ويتركوا عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فاستوحش المهاجرون من ذلك . ثم قال ابن حجر : أخرجها ابن السكن ، وقال : "سيف بن عمر ضعيف" .

وأخرج الرازي هذه الرواية بترجمة القعقاع مختصرا وقال : "سيف متروك ، فبطل الحديث ، وإنما ذكرناه للمعرفة"  (13) .

ونقل ابن عبد البرفي ترجمة القعقاع ما ذكره الرازي مع تعليق الرازي عليه . وأخذ من ابن عبد البركل من ابن الأثيروالذهبي في ترجمتهما للقعقاع ، غير أنهما لم يذكرا تعليق الرازي عليه .

مناقشة السند :

ما ذكر فيه نسب القعقاع رواه سيف عن الصعب بن عطية  (14) عن أبيه بلال ابن أبي بلال يرد اسمه في سند تسع من روايات سيف اعتمدوا عليها في ترجمة سبعة من مختلقات سيف من الصحابة  (15) .

وما ذكر فيه أنه ابن الحنظلية ، والاخر الذي ذكر فيه أنه من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله في سندهما محمد وهو-عند سيف - ابن عبدالله بن سواد بن نويرة ، يرد اسمه في سند 216 رواية لسيف فى تاريخ الطبري .

وما ذكر فيه اسم زوجة القعقاع في سنده :

أ - محمد المذكور آنفا . بـ - المهلب وهو- عند سيف - ابن عقبة الأسدي . يرد اسمه في سند ست وسبعين رواية لسيف عند الطبري .

وما ذكر فيه انشاد القعقاع للبيتين من الشعرلم يذكرابن حجرسند رواية سيف لننظرفيه.

وما ذكر فيه أن القعقاع روى عن الرسول وحديث حضور القعقاع يوم السقيفة رواهما عن البطل الأسطوري القعقاع نفسه .

بحثنا عن هؤلاء الرواة في كتب الحديث والتاريخ والانساب والأدب ، ولما لم نجد لهم ذكرا في غير أحاديث سيف جاز لنا أن نعتبرهم من مختلقات سيف من الرواة !

نتيجة البحث :

ما أوردناه الى هنا من حديث سيف في شأن القعقاع لم نجده عند غيره لنقارن بين حديثه وحديث غيره ، وإنما تفرد سيف بروايته . ووجدنا في أسانيد أحاديثه رواة من مختلقاته .

حصيلة الحديث :

في الأحاديث السابقة وجدنا :

أ- سيف بن عمر يهئ القارئ ليسمع عن القعقاع بطلا حليفا للخيل ، مطيعا للسلطة يترنم بالشعر . وهذا عنوان أحاديث سيف في شأن القعقاع .

ب - وفيها ، وفي ما يأتي من أحاديثه ، اختلق سيف صحابيا جليلا للرسول يترجم في كتب تراجم الصحابة ، وراوية للحديث ، يبحث عنه في كتب معرفة الرواة ، وشاعرا يدرس في كتب الأدب ، وسيدا من تميم يجدر بها أن تفتخر به .

ج - واختلق مضافا إلى ذلك حوادث لم تقع كصلاة المهاجرين مع أبي بكر في مسجد الرسول يوم وفاته قبل اجتماع السقيفة ، وسماعهم إجماع الأنصار على تولية سعد ونبذهم عهد الرسول -يقصد به ان الرسول صلى الله عليه وآله كان قد عهد إليهم استخلاف أبي بكر- كل ذلك مما تفرد بروايته سيف . ومجال تحقيقه في بحث السقيفة  (16) .

اقول : درس العلامة العسكري كل اسانيد روايات سيف حول القعقاع ومتونها وقارنها بغيرها إن كان يبعد ما يقابلها في غير روايات سيف غير انه اورد أصل روايات سيف مختصرة خشية من تضخم الكتاب وتعب القارئ ونحن نورد نموذجا لها مع خلاصة الدراسة تاركين المجال لمن اراد التفصيل بالرجوع الى الكتاب نفسه .

فتح المذار والثني

قال الطبري : وأما فيما كتب به إلى السري عن شعيب عن سيف فإنه عن سيف عن المهلب بن عقبة وزياد بن سرجس الأحمري وعبد الرحمن بن سياه الأحمري وسفيان الأحمري قالوا : وقد كان هرمز كتب إلى أردشير وشيري بالخبر بكتاب خالد إليه بمسيره من اليمامة نحوه ، فأمده بقارن بن قريانس ، فخرج قارن من المدائن ممدا لهرمز حتى إذا انتهى إلى المذار ، بلغته الهزيمة وانتهت إليه الفلال فتذامروا وقال فلال الأهواز وفارس لفلال السواد والجبل : إن افترقتم لم تجتمعوا بعدها أبدا فاجتمعوا على العود مرة واحدة فهذا مدد الملك وهذا قارن لعل الله يديلنا ويشفينا من عدونا وندرك بعض ما أصابوا منا ، ففعلوا وعسكروا بالمذار واستعمل قارن على مجنبته قباذ وأنوشجان ، وأرز المثنى والمعنّى  (17) إلى خالد بالخبر ولما انتهى الخبر إلى خالد عن قارن ، قسم الفى على من أفاءه الله عليه ، ونفل من الخمس ما شاء الله وبعث ببقيته وبالفتح إلى أبي بكر وبالخبر عن القوم وباجتماعهم إلى الثني المغيث والمغاث مع الوليد بن عقبة والعرب تسمي كل نهر الثني ، وخرج خالد سائرا حتى ينـزل المذار على قارن في جموعه ، فالتقوا وخالد على تعبيته ، فاقتتلوا على حنق وحفيظة ، وخرج قارن يدعو للبراز ، فبرز له خالد وأبيض الركبان معقل بن الأعشى بن النباش ، فابتدراه ، فسبقه إليه معقل ، فقتله ، وقتل عاصم الأنوشجان ، وقتل عدي قباذ . وكان شرف قارن قد انتهى ، ثم لم يقاتل المسلمون بعده أحدا انتهى شرفه في الأعاجم ، وقتلت فارس مقتلة عظيمة ، فضموا السفن ومنعت المياه المسلمين من طلبهم ، وأقام خالد بالمذار ، وسلم الأسلاب لمن سلبهابالغة ما بلغت ، وقسم الفى ونفل من الأخماس أهل البلاء ، وبعث ببقية الأخماس ، ووفد وفدا مع سعيد بن النعمان أخي بني عدي بن كعب .

حدثنا عبيد الله قال : حدثني عمي عن سيف عن محمد بن عبد الله عن أبي عثمان قال : قتل ليلة المذار ثلاثون ألفا سوى من غرق ، ولولا المياه لأتي على آخرهم ، ولم يفلت منهم من أفلت إلا عراة وأشباه العراة .

ذكر وقعة الولجة

و الولجة مما يلي كسكر من البر .

حدثنا عبيد الله قال : حدثني عمي قال : حدثني سيف عن زياد بن سرجس عن عبد الرحمن بن سياه ، قال : وفيما كتب به إلى السري قال : حدثنا شعيب قال : حدثنا سيف عن المهلب بن عقبة وزياد بن سرجس وعبد الرحمن بن سياه قالوا : لما وقع الخبر أردشير بمصاب قارن وأهل المذار ، أرسل الأندرزغر وكان فارسيا من مولدي السواد وتنائهم ولم يكن ممن ولد في المدائن ولا نشأ بها ، وأرسل بهمن جاذويه في أثره في جيش وأمره أن يعبر طريق الأندرزغر وكان الأندرزغر ، قبل ذلك على فرج خراسان ، فخرج الأندرزغر سائرا من المدائن حتى أتى كسكر ، ثم جازها إلى الولجة وخرج بهمن جاذويه في أثره وأخذ غير طريقه ، فسلك وسط السواد ، وقد حشر إلى الأندرزغر من بين الحيرة وكسكر من عرب الضاحية والدهاقين ، فعسكروا إلى جنب عسكره بالولجة ، فلما اجتمع له ما أراد واستتم أعجبه ما هو فيه وأجمع السير إلى خالد ، ولما بلغ خالدا وهو بالثني خبر الأندرزغر ونزوله الولجة نادى بالرحيل وخلف سويد بن مقرن وأمره بلزوم الحفير وتقدم إلى من خلف في أسفل دجلة ، وأمرهم بالحذر وقلة الغفلة وترك الاغترار ، وخرج سائرا في الجنود نحو الولجة حتى ينـزل على الأندرزغر وجنوده ومن تأشب إليه فاقتتلوا قتالا شديدا هو أعظم من قتال الثني .

حدثنا عبيد الله قال : حدثني عمي عن سيف عن محمد بن أبي عثمان قال : نزل خالد على الأندرزغر بالولجة في صفر ، فاقتتلوا بها قتالا شديدا حتى ظن الفريقان أن الصبر قد فرغ ، واستبطأ خالد كمينه ، وكان قد وضع لهم كمينا في ناحيتين عليهم بسر بن أبي رهم وسعيد بن مرة العجلي ، فخرج الكمين في وجهين ، فانهزمت صفوف الأعاجم وولوا ، فأخذهم خالد من بين أيديهم والكمين من خلفهم ، فلم ير رجل منهم مقتل صاحبه ، ومضى الأندرزغر في هزيمته ، فمات عطشا . وقام خالد في الناس خطيبا يرغبهم في بلاد العجم ، ويزهدهم في بلاد العرب ، وقال : ألا ترون إلى الطعام كرفغ التراب ، وبالله لو لم يلزمنا الجهاد في الله ، والدعاء إلى الله عز وجل ولم يكن إلا المعاش ، لكان الرأي أن نقارع على هذا الريف حتى نكون أولى به ونولي الجوع والإقلال من تولاه ممن اثاقل عما أنتم عليهوسار خالد في الفلاحين بسيرته فلم يقتلهم وسبى ذراري المقاتلة ومن أعانهم ، ودعا أهل الأرض إلى الجزاء والذمة فتراجعوا .

كتب إلى السري عن شعيب عن سيف وحدثنا عبيد الله قال : حدثني عمي عن سيف عن عمرو عن الشعبي ، قال : بارز خالد يوم الولجة رجلا من أهل فارس يعدل بألف رجل فقتله فلما فرغ اتكأ عليه ودعا بغدائه .

خبر أليس

وهي على صلب الفرات .

قال أبو جعفر حدثنا عبيد الله قال : حدثني عمي قال : حدثنا سيف عن محمد بن طلحة عن أبي عثمان وطلحة بن الأعلم عن المغيرة بن عتيبة . وأما السري فإنه قال فيما كتب إلي : حدثنا شعيب عن سيف عن محمد بن عبد الله عن أبي عثمان وطلحة بن الأعلم عن المغيرة بن عتيبة قالا : ولما أصاب خالد يوم الولجة من أصاب من بكر بن وائل من نصاراهم الذين أعانوا أهل فارس غضب لهم نصارى قومهم فكاتبوا الأعاجم وكاتبتهم الأعاجم ، فاجتمعوا إلى أليس وعليهم عبد الأسود العجلي ، وكان أشد الناس على أولئك النصارى مسلمو بني عجل : عتيبة بن النهاس وسعيد بن مرة وفرات بن حيان والمثنى بن لاحق ومذعور ابن عدي . وكتب أردشير إلى بهمن جاذويه وهو بقسيانا وكان رافد فارس في يوم من أيام شهرهم ، وبنوا شهورهم كل شهر على ثلاثين يوما ، وكان لأهل فارس في كل يوم رافد قد نصب لذلك يرفدهم عند الملك ، فكان رافدهم بهمن روز أن سر حتى تقدم أليس بجيشك إلى من اجتمع بها من فارس ونصارى العرب . فقدم بهمن جاذويه جابان وأمره بالحث وقال : كفكف نفسك وجندك من قتال القوم حتى ألحق بك إلا أن يعجلوك . فسار جابان نحو أليس وانطلق بهمن جاذويه إلى أردشير ليحدث به عهدا وليستأمره فيما يريد أن يشير به ، فوجده مريضا فعرج عليه وأخلى جابان بذلك الوجه ومضى حتى أتى أليس فنـزل بها في صفر واجتمعت إليه المسالح التي كانت بإزاء العرب ، وعبد الأسود في نصارى العرب من بني عجل وتيم اللات وضبيعة وعرب الضاحية من أهل الحيرة وكان جابر بن بجير نصرانيا ، فساند عبد الأسود وقد كان خالد بلغه تجمع عبد الأسود وجابر وزهير فيمن تأشب إليهم فنهدلهم ولا يشعر بدنو جابان وليست لخالد همة إلا من تجمع له من عرب الضاحية ونصاراهم ، فأقبل فلما طلع على جابان بأَليس قالت الأعاجم لجابان : أنعاجلهم أم نغدي الناس ولا نريهم أنا نحفل بهم ثم نقاتلهم بعد الفراغ ، فقال جابان : إن تركوكم والتهاون بكم فتهاونوا ، ولكن ظني بهم أن سيعجلونكم ويعجلونكم عن الطعام . فعصوه وبسطوا البسطووضعوا الأطعمة ، وتداعوا إليها ، وتوافوا عليها . فلما انتهى خالد إليهم وقف ، وأمر بحط الأثقال ، فلما وضعت توجه إليهم ، ووكل خالد بنفسه حوامي يحمون ظهره ، ثم بدر أمام الصف فنادى : أين أبجر ؟ أين عبد الأسود ؟ أين مالك بن قيس ؟ رجل من جذرة فنكلوا عنه جميعا إلا مالكا ، فبرز له ، فقال له خالد : يا بن الخبيثة ما جراك علي من بينهم وليس فيك وفاء ، فضربه فقتله ، وأجهض الأعاجم عن طعامهم قبل أن يأكلوا ، فقال جابان : ألم أقل لكم يا قوم أما والله ما دخلتني من رئيس وحشة قط حتى كان اليوم ، فقالوا حيث لم يقدروا على الأكل تجلدا : ندعها حتى نفرغ منهم ونعود إليها . فقال جابان : وأيضا أظنكم والله لهم وضعتموها وأنتم لا تشعرون فالآن فأطيعوني سموها ، فإن كانت لكم فأهون هالك ، وإن كانت عليكم كنتم قد صنعتم شيئا وأبليتم عذرا . فقالوا : لا اقتدارا عليهم . فجعل جابان على مجنبتيه عبد الأسود وأبجر وخالد على تعبئته في الأيام التي قبلها ، فاقتتلوا قتالا شديدا والمشركون يزيدهم كلبا وشدة ما يتوقعون من قدوم بهمن جاذويه ، فصابروا المسلمين للذي كان في علم الله أن يصيرهم إليه وحرب المسلمون عليهم ، وقال خالد : اللهم إن لك علي أن منحتنا أكتافهم ألا استبقى منهم أحدا قدرنا عليه حتى أجري نهرهم بدمائهم ، ثم إن الله عز وجل كشفهم للمسلمين ومنحهم أكتافهم ، فأمر خالد مناديه ، فنادى في الناس : الأسر الأسر لا تقتلوا إلا من امتنع ، فأقبلت الخيول بهم أفواجا مستأسرين يساقون سوقا ، وقد وكل بهم رجالا يضربون أعناقهم في النهر ففعل ذلك بهم يوما وليلة وطلبوهم الغد وبعد الغد حتى انتهوا إلى النهرين ومقدار ذلك من كل جوانب أليس . فضرب أعناقهم وقال له القعقاع وأشباه له : لو أنك قتلت أهل الأرض لم تجر دماؤهم إن الدماء لا تزيد على أن ترقرق منذ نهيت عن السيلان ونهيت الأرض عن نشف الدماء فأرسل عليها الماء تبر يمينك . وقد كان صد الماء عن النهر فأعاده ، فجرى دما عبيطا ، فسمى نهر الدم لذلك الشأن إلى اليوم . وقال آخرون منهم بشير بن الخصاصية قال : وبلغنا أن الأرض لما نشفت دم ابن آدم نهيت عن نشف الدماء ونهى الدم عن السيلان إلا مقدار بردة . كتب إلى السري عن شعيب عن سيف عن طلحة عن المغيرة قال : كانت على النهر أرحاء فطحنت بالماء وهو أحمر قوت العسكر ثمانية عشر ألفا أو يزيدون ثلاثة أيام .

وقال القعقاع بن عمرو في أيام الحيرة :

سقى الله قتلى بالفرات مقيمة       وأخرى بأثباج النجاف الكوانف

فنحن وطأنا بالكواظم هرمزا       وبالثني قرني قارن بالجوارف

ويوم أحطنا بالقصور تتابعت       على الحيرة الروحاء إحدى المصارف

حططناهم منها وقد كاد عرشهم       يميل بهم فعل الجبان المخالف

رمينا عليهم بالقبول وقد رأوا       غبوق المنايا حول تلك المحارف

صبيحة قالوا نحن قوم تنزلوا       إلى الريف من أرض العريب المقانف  (18)

قال العلامة العسكري : ويقصد سيف من هذه الأبيات أن بطل أسطورته القعقاع افتخر ببطولاته في حروب خالد مع هرمز في الكاظمة ، ومع قارن في الثني ، ومع نصارى العربومسالح كسرى ، وغيرهم في الحيرة .

هذا بعض ما أورده الطبري عن سيف في معارك خالد بالحيرة ، ومن الطبري أخذ كل من ابن الأثير ، وابن كثير ، وابن خلدون في تواريخهم ، وأشار ابن كثير إلى مصدريه : الطبري وسيف .

ومن سيف أيضا أخذ الحموي ما أورده بترجمة "الثني" وقال : (ويوم الثني لخالد بن الوليد على الفرس قرب البصرة مشهور ، وفيه قال القعقاع :

سقى الله قتلى بالفرات مقيمة - إلى - وبالثني قرني قارن بالجوارف) .

الثِّني والثَّني مكانان اختلقهما سيف

إستخرج الحموي من روايات سيف ترجمة للثني (بالكسر وأورد فيها عن سيف شعرا وخبرا للقعقاع ، كما أوردنا آنفأوأخرى للثني (بالفتح) نسب فيها شعرأ وخبرا لأبي مفزروسيأتي تمام الخبر في ترجمة أبي مفزر ، إن شاء الله تعالى .

ومن سيف أخذ الحموي - أيضا - ما ذكره في "الولجة" وقال : (الولجة بأرض كسكر موضع مما يلي البر ، واقع فيه خالد بن الوليد جيش الفرس فهزمهم ، ذكره في الفتوح في صفرسنة 12 هجرية ، وقال القعقاع بن عمرو :

ولم أر قوما مثل قوم رأيتهم       على ولجات البر أحمى وأنجبا

وأقتل للرواس فى كل مجمع       إذا ضعضع الدهرالجموع وكبكبا  (19)

هذا ما ذكره الحموي ، ومن الحموي أخذ عبدالمؤمن ما ذكره في ترجمة الثني ، والولجة من مراصد الاطلاع .

أما البلاذري فقد ذكر في أمر المذار  (20) أن المثنى بن الحارثة واقع مرزبان المذار فهزمه ، وكان ذلك في عصر أبي بكر ، وذكر في عصر عمر : أن عتبة بن غزوان أتى إليهافخرج إليه مرزبانها فقاتله ، فهزمه الله ، وغرق عامة من معه ، وضرب عتبة عنق المرزبان .

والولجة ، والثني - بكسر أوله وسكون ثانيه - لم نجد لهما ذكرا عند غير سيف !

وذكر البلاذري  (21) في خبر أليس : أن خالد بن الوليد أتى أليس ، فخرج إليه جابان عظيم العجم ، وصالحهم خالد على أن يكون أهل أليس عيونا للمسلمين على الفرس وأدلاء وأعوانا .

وجاءت قصة الدم واليمين على أن يجريه في الاشتقاق لابن دريد هكذا : قال (إن المنذر الأكبر يوم اوارة قتل بكر بن وائل قتلا ذريعا) ، وكان يذبحهم على جبل ، فآلى أن يذبحهم حتى يبلغ الدم الأرض ، فقال له الوصاف - الحارث بن مالك العجاب - : أبيت اللعن لو قتلت أهل الأرض هكذا لم يبلغ دمهم الحضيض ، ولكن تأمر بصب الماء على الدم حتى يبلغ الدم الأرض . فسمي - الحارث - الوصاف لذلك . إنتهى . نرى أن سيفا بلغته هذه العنجهية الجاهلية فأعجب بها ونسبها إلى خالد بطل مضر لتذهب مضر بفخر هذه المكرمة  (22) .

مناقشة السند (23):

قال العلامة العسكري : في سند الحديث عبدالرحمن بن سياه ومحمد بن عبدالله والمهلب وهم ممن عرفناهم من مخترعات سيف من الرواة .

وزياد بن سرجس الأحمري ويروي عنه سيف في تاريخ الطبري ثلاثا وخمسين رواية ولم نجد له ذكرا عند غيره فاعتبرناه من مخترعات سيف من الرواة ، وأسماء مجهولين آخرين (مر ذكرهم) ، وأسماء مشتركة بين عدة رواة لم ندر من عناه سيف لنبحث عنه .

نتيجة المقارنة :

تفرد سيف برواية حديث "الثني" و"الولجة" وأخرجه الطبري في تاريخه وأسنده إلى سيف ، ومن الطبري أخذ من جاء بعده من المؤرخين . والحموي أورد موجز حديث سيف في الثني ولم يذكر مصدره ، وفي الولجة ذكر مصدره حيث قال : "وفي كتاب الفتوح" ويقصد كتاب فتوح سيف ، وكان عنده نسخة بخط ابن الخاضبة كما سنبينه في محله إن شاء الله .

أما "المذار" و"اليس" فقد كان لهما وجود خارج حديث سيف غير أنه ذكر فتحهما بتحريف ، فالذي بدأ حرب المذار هو المثنى ، وثنى الحرب عليهم عتبة ابن غزوان وضرب عنق مرزبانها ، وفي أليس ذكروا أن خالدا صالحهم على أن يكونوا أدلاء وعيونا للمسلمين على الفرس ، وسيف يذكرمعركة هائلة وقسوة وفظاظة ، فهل كان الدافع لسيف ذكر بطولات لمضر فحسب ، أم أن له مع هذا دافعا آخر ، وهو بيان أن الإسلام انتشر بحد السيف وإراقة الدماء لا بمساعدة الشعوب على حكامهم كما كان الواقع ؟ ! .

حصيلة الحديث :

أ - قائد للفرس اسمه قارن بن قريانس .

ب - مكان اسمه "الثني" ، وآخر اسمه "الولجة" ، يترجمان في الكتب البلدانية .

ج - أربعة رواة للحديث : المهلب بن عقبة الأسدي ، أبو عثمان يزيد بن أسيد الغساني ، زياد بن سرجس الأحمري عبدالرحمن بن سياه الاحمري ، يضافون إلى رواة الحديث ندرسهم فيما يأتي إن شاء الله تعالى .

د - رجز يضاف إلى تراثنا الأدبي التاريخي .

هـ- قتل بطل فارسي يعدل بألف ، واتكاء خالد عليه وتغديه في ساحة الحرب مما يعجب الأسطوريين - محبي الأساطير- والمنقبيين الراغبين في تكثير مناقب السلف الصالح .

و- قتل عام استمر أياما وليالي ممن يجلبون من الأراضي القريبة والبعيدة .

ز- طحن الأرحية ثلاثة أيام قوت ثمانية عشر أنفا أو يزيدون بالماء الأحمرمن الدم .

ح -ثلاثون ألف قتيل في معركة الثني وسبعون ألفاً في أليس . مائة ألف غير من غرق .

ط - مكرمة لبطل تميم القعقاع وأشباهه ، ولولاهم لبقي خالد يضرب الأعناق على حد زعم سيف إلى ما شاء الله ، وهذا ما يعجب به أعداء الإسلام الذين يرغبون أن يسمعوا كثرة القتل في الفتوح الإسلامية ، كل هذا من بركة أحاديث سيف ! !

خلاصة الحديث عن القعقاع

تخيل سيف القعقاع بن عمرو بن مالك التميمي ثم العمري وقال عنه : إنه ابن الحنظلية وان له خؤولة في بارق ، وإن زوجته كانت هنيدة بنت عامر من هلال النخع .

وإنه صحب النبي صلى الله عليه وآله وروى عنه ، وأدرك السقيفة وأخبر عنها ، وفي ردة هوازن قاد حملة بامر أبي بكر إلى علقمة ففر منه وأسر أهله ، وفي الفتوح أمد به أبو بكر خالد بن الوليد لغزو العراق ، فقالوا له : أتمد رجلا قد ارفض عنه جنوده برجل ؟ فقال : لايهزم جيش فيهم مثل هذا ، فاشترك في غزو الأبلة ، وحمل على جيش العدو حين أرادوا الغدر بخالد عندما بارز قائدهم وفوت عليهم ما أرادوا .

ثم اشترك مع خالد في غزو "المذار" ، و"الثني" و"الولجة" ، وفي "اليس" استمر خالد ثلاثة أيام يقتل الأسرى المجلوبين من كل جانب ليبر بيمينه أن يجري نهرهم بدمائهم ، فاشار عليه القعقاع ونظراؤه أن يجري الماء على الدماء لتجري ففعل ، وجرى الماء بالدم ثلاثة أيام فكف عن قتلهم .

وبعد فتوح الحيرة ولاه خالد الثغور وشهد في عهد خالد لأهل الخراج ، ثم خلفه على أهل الحيرة حينما ذهب لإغاثة عياض .

وقاد الحملة على "الحصيد" ، فقتل القائد الفارسي روزمهر ، وشارك القواد في قتال "مصيخ بني البرشاء" واالفراض وفيها أمرخالد بقتلهم بعد المعركة ، فقتل منهم في الطلب والمعركة مائة ألف .

ولما صرف أبو بكر خالدا إلى الشام وظن خالد أن ذلك من فعل عمر حسدا منه نصحه القعقاع بحسن الظن ، فقبل نصيحته .

وكان القعقاع في جيش العراق الذي ذهب بقيادة خالد إلى الشام ، واشترك معه في غزو "مصيخ بهراء" و"مرج الصفر" و"قناة بصرى" ، وهي أول مدينة أفتتحها الجيش العراقي بالشام ثم اشتركوا في "الواقوصة" وأنشد في هذه الوقائع أبياتا من الشعر .

وفي اليرموك عينه خالد على كردوس من جند العراق ، وأمره أن ينشب القتال ففعل وارتجز أبياتا ، وبلغ عدد قتلى الروم الذين قتلوا في "الواقوصة" عشرين ومائة ألف .

وفي دمشق صعد هوورجل آخر على حبال القوها على سورها ثم أثبتوا حبالا أخرى فصعد الباقون عليها ، وقاتلوا من يليهم حتى فتحوا الباب للجيش وأنشد في ذلك أبياتا .

ثم شارك القعقاع في معركة "فحل " التي قتل فيها ثمانون ألفا من الروم ، وأنشد فيها رجزين ، وبعدها كان على مقدمة جيش العراق في عودته لإمداد سعد بالقادسية فتعجل القعقاع وطوى المنازل وقدم صبيحة (أغواث) وقطع جنوده أعشارا ، وهم ألف ، وأمرهم أن يسرحوا عشرة عشرة ، فكلما بلغ العشرة مد البصر سرحوا في آثارهم عشرة أخرى ، وتقدم هو في عشرة وأتى الجيش وبشرهم بالامداد وحرضهم على القتال ، وقال : اصنعوا كما أصنع فبارز ذا الحاجب قاتل المثنى وقتله ، وقتل البيرزان فقالوا فيه يقول أبو بكر : "لايهزم جيش فيه مثل هذا" ، وأخذت خيله ترد إلى الليل ، عشرة بعد عشرة ، وكلما قدم عشرة كبر القعقاع وكبر المسلمون ، وبذلك عزز موقف المسلمين ، وأرهب العدو .

وفي هذا اليوم الذي تخيله سيف يوم (أغواث) قال : ان سعدا أعطى القعقاع فرسا مما بعث الخليفة لأهل البلاء في الحرب وأنه أنشد فيها ثلاثة أراجيز ، وأمر تميما ان يلبسوا الإبل ويبرقعوها ، يتشبهون بالفيلة يحملون عشرة عشرة على خيول الفرس تحميها فرسانهم .

وفي ليلة عماس سرب القعقاع أصحابه إلى المكان الذي قدموا منه يوم اغواثوأمرهم أن يقدموا مائة مائة إذا طلعت الشمس ففعلوا ، وكلما قدم مائة كبر القعقاع وكبّر المسلمون وبذلك قوى نفوس المسلمين - أيضا - في اليوم الثاني كما فعل في اليوم السابق .

ولما رأى سعد أن الفيلة تفرق بين الكتايب أمر القعقاع وأخاه أن يكفياه الفيل الأبيض وكانت بقية الفيلة تألفه ، ففقأ عينيه وقطع القعقاع مشفره ، فطرح الفيل ساسته ، وسقط لجنبه فأنشد القعقاع فيه أبياتا .

وفي ليلة الهرير سبق القعقاع غيره في الحملة ، وخطب في الجيش يحمسهم ، وقتل هوومن معه رستم ، فانكسرجيش المشركين ، وبقيت بضع وثلاثون من رؤساء المسلمين ، فكان القائد الفارمن قارن بإزاء القعقاع ، فقتله القعقاع ، أما الباقي فمنهم من فرومنهم من قتل ، فأرسل سعد بن أبي وقاص في طلب الفارين .

وبعد انتهاء المعركة أثنى سعد على القعقاع بأبيات أنشدها .

وتايمت سبعمائة امرأة من قحطان في القادسية ، فتزوجهن المهاجرون ، فاستشارته أخت زوجته فأشار عليها في ثلاثة أبيات .

كما أنشد بيتين في قصة فتح بهرسير .

ويوم عبور الجيش إلى المدائن سقط غرقدة البارقي عن ظهر فرسه فأخذ القعقاع بيده حتى عبر به ، وكان من أشد الناس قوة ، وكان للقعقاع فيهم خؤولة ، فقال : عجزت النساء أن يلدن مثل القعقاع .

وكانت كتيبة القعقاع المسماة الخرساء أول كتيبة دخلت المدائن .

وبعده تعقب القعقاع الفارين ، فلحق برجل فارسي يحمي الناس فقتله ، وغنم ما معه وكان يحمي دابتين تحملان سلاح أكاسرة الفرس وقياصرة الروم وملوك الترك والعرب ، فنفله سعد سيف هرقل ودرع بهرام وبعث الباقي إلى الخليفة .

وفي جلولاء أمر الخليفة سعدا أن يرسل القعقاع على مقدمة جيش لفتح جلولاء ، وأن يعينه بعد الفتح على الحدود بين السواد والجبل .

وكان الفرس قد تحصنوا بخندق ، وبثوا حوله حسك الحديد ، وجعلوا له وجها واحداوكانوا لايخرجون منه إلاّ إذا أرادوا .

فزاحفهم المسلمون ثمانين يوما ، ولما رأى القعقاع ذلك زحف إلى باب خندقهم فاخذ به وأغرى الجيش باقتحامه ، فانهزم المشركون وقتل منهم مائة ألف ، وتعقب الفارين إلى خانقين ، وقتل وسبى ، وكان مهران بين القتلى ، ثم زحف إلى قصر سيرين وقتل دهقان (حلوان)ثم استولى على مدينته وبقي هناك على الثغر والجزاء حتى تحول سعد إلى الكوفة فخلف قباذ الخراساني على الثغر ، والتحق بسعد ، وأنشد في (جلولاء) و(حوران) أبياتا .

وطلب أبو عبيدة المدد من الخليفة ، فأمر سعدا أن يندب الناس بقيادة القعقاع لإغاثته فمضى في أربعة آلاف ، ولما بلغ المشركين خبرتحرك الإمداد تفرقوا ، وفتح أبو عبيدة حمص ثانية قبل وصول المدد ، فأمر عمر بإشراكهم في الغنائم وأنشد القعقاع فيها أبياتا .

وفي نهاوند كان الفرس متحصنين يخرجون متى شاءوا ، وطال ذلك على المسلمين فانشب القعقاع القتال ، ولما ناوشوه نكص ، فاتبعوه وابتعدوا عن حصنهم وخنادقهمولم يبق منهم إلا من يقوم على الأبواب ، فكر المسلمون عليهم ، وقتلوا منهم ما طبق أرض المعركة دما ، فلما أظلم الليل عليهم فروا إلى اللهب الذين نزلوا دونه ، فوقعوا فيه ، وكلما وقع فيه أحد قال : "وايه خرد" ، فمات فيه مائة ألف إنسان أو يزيدون سوى من قتل منهم في المعركة أعدادهم ، وفر الفيرزان مع الشريد الى همذان فادركه القعقاع في ثنية همذان ، فترجل وصعد الجبل ، فتبعه القعقاع وقتله ، فاستامن أهل همذان وأهل ماهان ، وكتبوا لهم أمانا شهد فيه القعقاع ، ونظم في هذه الوقائع ستة أراجيز .

وأخيرا ولاه عثمان على الحرب في الكوفة عام (34- 35 ط) .

أما في الفتن فإنه لما رأى اجتماع السبئية في مسجد الكوفة - وكانوا يريدون خلع عثمان - انقض عليهم ، فاخفوا أمرهم وقالوا : نريد عزل الوالي ، فقال : أما هذا فنعم ! ومنعهم من الجلوس ، ولما هيج الاشتر المفتونين ليمنعوا الوالي من دخول الكوفة خطب فيهم نائب الوالي ينصحهم وينهاهم عن الفتنة ، فاشار عليه القعقاع بالصبر ، فقبل ولزم داره .

وأجتمعوا ثانية في المسجد يتكلمون على عثمان ، فاسكنهم ، ووعد بان يستعفي ولاة عثمان إن كانوا يطلبون ذلك .

ولما أستمد عثمان من الأمصار ، خرج القعقاع من الكوفة ، وخرج غيره من بلاد أخرىوبلغ السبئيين ذلك ، فبادروا إلى قتل عثمان ، فرجع القعقاع إلى الكوفة ، ولما استنفر الإمام علي أهل الكوفة ، وثبطهم أبو موسى ودب الخلاف بينهم ، نصحهم القعقاع بلزوم تلبية دعوة الإمام للاشتراك في الإصلاح ، فقبلوا منه .

وكان من رؤساء أهل الكوفة الذين ألتحقوا بالإمام وكان معه خمسة آلاف (الطبري 1 / 3164) ، وأرسله الإمام ليدعو طلحة والزبيروأم المؤمنين للألفة والجماعة فنجح في السفارة ، وأشرف القوم على الصلح ، غير أن السبئيين أفسدوا أمر الصلح وأنشبوا القتال ليلا دون رضا الطرفين ، فاشترك القعقاع مع الإمام في المعركة ، ثم تقدم إلى جمل أم المؤمنين ، وأمر به فعقروقال للناس : أنتم آمنون .

وندمت أم المؤمنين ، وندم الإمام من المشاركة في تلك الواقعة ، وتمنيا موتهما عشرين عاماً قبل ذلك .

وأمره الإمام أن يجلد من خطا أم المؤمنين مائة جلدة ، وذكر سيف ما يدل على حضور القعقاع صفين بعد ذلك ، وأن معاوية نقله بعد عام الجماعة من الكوفة إلى إيليا بفلسطين في من نقل من المستغربين في أمر علي ، وانه يقال لهم النواقل في الأمصار .

مصادر سيف عن القعقاع

قال العلامة العسكري : جاءت أسطورة القعقاع في ثمانية وستين حديثا من أحاديث سيف ، وجلها في تاريخ إمام المؤرخين الطبري .

ولما رجعنا إلى سند تلك الأحاديث ، وجدنا :

1 - إسم محمد في 38 حديثا منه ، ومحمد هذا عند سيف هوابن عبدالله بن سواد بن نويرة ، وقد يختصر نسبه فيقول محمد بن نويرة ، أو محمد بن عبدالله وغالبا ما يقول "عن محمد" دونما تمييز له .

2 - اسم المهلب بن عقبة الأسدي في سند خمس عشرة رواية ، وقد يختصر الطبري اسمه فيقول : المهلب .

3 - اسم يزيد بن أسيد الغساني في سند عشرة أحاديث وقد يكنيه أبا عثمان .

4 - زياد بن سرجس الأحمري في سند ثمانية أحاديث ، وقد يختصر اسمه فيقول : زياد أو زياد بن سرجس .

وجاء في سند حديثين كل من الأسماء الاتية :

5 - الغصن بن قاسم الكناني .

6 - عبدالله بن سعيد بن ثابت بن الجذع ، وقد يختصر اسمه فيقول : عبدالله بن سعيدوعبدالله .

7- ظفربن دهي من مختلقات سيف من الصحابة .

8 - القعقاع صاحب الترجمة .

وجاء في سند حديث واحد ، كل من الأسماء الاتية :

9 - صعب بن عطية بن بلال عن أبيه ، أب وابن راويان في نسق واحد .

10 - النضر بن سري الضبي ، ويرد اسمه في أحاديث سيف أحيانا مختصرا فيقول : النضر .

11 - ابن الرفيل عن أبيه ، وأبوه الرفيل عند سيف : الرفيل بن ميسور .

12 - عبدالرحمن بن سياه الأحمري وقد يذكر اسمه دون اللقب .

13 - المستنيروهو عنده المستنير بن يزيد النخعي .

14 - قيس وهوعنده أخ المستنيربن يزيد النخعي .

15 - سهل وهوعنده سهل بن يوسف السلمي .

16 - بطان بن بعثر .

17 - ابن أبي مكنف .

18 - أبو سفيان : طلحة بن عبدالرحمن .

19 - حميد بن أبي شجار .

20 - المقطع بن الهيثم البكائي .

21 - عبد الله بن محفز بن ثعلبة عن أبيه ، أب وابن راويان فى نسق واحد .

22 - حنظلة بن زياد بن حنظلة التميمي .

23 - عروة بن الوليد .

24 - أبومعبد العبسي .

25 - جرير بن أشرس .

26 - صعصعة المزني .

27 - مخلد بن كثير .

28 - عصمة الوائلي .

29 - عمرو بن الريان .

قال العلامة العسكري : بحثنا عن هؤلاء الرواة في كتب تراجم رواة الحديث كالعلل ومعرفة رجال الحديث لأحمد بن حنبل (ت : 241 هـ) ، وتاريخ البخاري الكبير (ت : 256 هـ) ، والجرح والتعديل للرازي (ت : 27 3 هج) ، وميزان الإعتدال والعبر ، وتذكرة الحفاظ للذهبي (ت : 748) ، ولسان الميزان ، والتهذيب لابن حجر (ت : 852 هـ) ، وخلاصة التذهيب لصفي الدين (تاريخ تأليفه 23 9 هـ) ، وفي كتب الطبقات كطبقات ابن سعد (ت230)وطبقات خليفة بن خياط (ت : 240) ، وفي كتب الأنساب كجمهرة أنساب العرب لابن حزم(ت : 454 هـ) ، والأنساب للسمعاني(ت : 562هـ)، واللباب لابن الأثير(ت630هـ).

رجعنا إلى هذه المصادر وإلى عشرات أمثالها مما يتصل بالموضوع أمثال كتب الحديث كمسند أحمد والصحاح الستة وكتب الأدب كالعقد الفريد لابن عبد ربه (ت : 328 هـ) والاغاني للأصبهاني (ت : 356) .

بحثنا في عشرات من أمثال هذه المصادر عن هؤلاء الرواة الذين ذكرناهم والذين روى عنهم سيف مئات الأحاديث ، ولما لم نجد لهم ذكرا في غيرأحاديث سيف جاز لنا أن نعتبرهم من مختلقات سيف من الرواة ، وتأتي تراجمهم في باب مختلقات سيف من الرواة إن شاء الله تعالى .

ويأتي - غيرمن ذكرنا - اسم خالد في سند ثلاث روايات لسيف في شأن القعقاع وعبادة في سند روايتين ، وعطيةوالمغيرة ، إلى مجهولين اخرين في روايات أخرى لسيف ممن لا يتيسر البحث عنهم ، وكيف السبيل إلى معرفة أمثال "رجل من بني كنانة" و"رجل من بني ضبة" و"رجل من بني سعد" و"رجل من بني الحارث" و"رجل من طي" و"رجل من بني أسد" و"شيخ من بني ضبة" و"رجل" و"عمن حدثه من بكربن وائل" و"عمن حدثهم من قومهم" و"ابن المحراق عن أبيه" وأمثال هؤلاء ممن روى سيف بن عمر عنهم الحديث وأغلب الظن أن سيفا لم يكن جادا حين روى أحاديثه عن هؤلاء الرواة ، وانما كان هازلا هازئأ بعقول المسلمين ! وروايات تكون هذه حال رواتها كم يكون اعتبارها ؟ ! وخاصة ان الذي يرويها هوسيف بن عمر المتهم بالوضع والزندقة .

المصادر التي أخذت عن سيف

جميع الأساطير المذكورة حول القعقاع تفرد بروايتها سيف بن عمر (ت : 170 ط) في كتابيه الفتوح والجمل .

ونقل عنه :

1 - الطبري (ت : 310 هـ) في تاريخه الكبير .

2 - الرازي (ت : 327 هـ) في الجرح والتعديل .

3 - ابن السكن (ت : 353 ط) في حروف الصحابة .

4 - ابن عساكر (ت : 571هج) في تاريخ مدينة دمشق .

ونقل عن هؤلاء في كتب الأدب :

5 - الأصبهاني (ت : 356 هج) في الأغاني عن الطبري .

6 - ابن بدرون (ت : 560هج) في شرح قصيدة ابن عبدون عن الطبري

وفي كتب تراجم الصحابة نقل :

7 - الطوسي (ت : 460 هـ) في رجاله .

8 - ابن عبدالبر (ت : 463 هج) في الإستيعاب عن الرازي .

9 - ابن الأثير (ت : 630 هج) في أسد الغابة عن ابن عبدالبر .

10 - الذهبي (ت : 748 هج) في التجريد عن ابن الأثير .

11 - ابن حجر (ت : 852 هـ) في الإصابة عن سيف والطبري والرازي وابن السكن وابن عساكر .

وفي كتب التاريخ العام نقل :

12 - مسكويه (ت : 421 هج) في تاريخه تجارب الامم عن الطبري .

13- ابن الأثير (ت : 630 هج) في تاريخه الكامل عن الطبري .

14 - ابن كثير (ت : 770 هـ) في تاريخه "البداية والنهاية" عن الطبري .

15 - ابن خلدون (ت : 808 هـ) في تاريخه المبتدأ عن الطبري .

16 - ميرخواند في روضة الصفا عن الطبري .

وفي الكتب البلدانية نقل :

17 - الحموي (ت : 626 هـ) في معجم البلدان عن سيف .

18 - عبد المؤمن (ت : 739 هـ) في مراصد الاطلاع عن الحموي .

19 - الحميري (ت : 900 هـ) في الروض المعطار عن سيف .

وفي كتب الرجال (الشيعية) :

20 - الأردبيلي (ت : 101 اهـ) في جامع الرواة .

21 - القهبائي (ت : أوائل ق 11 هـ) في مجمع الرجال .

وفي كتب اللغة :

22 - ابن منظور (ت : 711 هـ) في لسان العرب .

23 - القلقشندي (ت : 821 س) في نهاية الا رب .

24 - الفيروز آبادي (ت : 817 هـ) في القاموس المحيط .

25 - الزبيدي (ت : 205 اهـ) في تاج العروس .

انتشر خبر القعقاع في هذه المصادر وغيرها من مصادر الدراسات الإسلامية وكل هذه المصادر ترجع إلى سيف في هذه الأخبار ! فهو الذي روى أن هذا البطل التميمي صحب النبي وروى عنه ، وأدرك السقيفة وأخبرعنها ، وشارك في إحدى وثلاثين معركة حربية في الردة والفتوح قتل فيها من الأعداء أكثر من سبعمائة ألف . كان في هذه المعارك قطب رحاها وليث وغاها ، ونظم فيها واحدا وثلاتين رجزا .

تفرد سيف بذكر معارك حربية لم تقع ، وتفرد بذكر أماكن رأينا أنها لم تكن ، تفرد سيف بذكر أخبار وقعت في ست وعشرين سنة لم يذكرها غيره ، فهو واضعها ومختلقها ! ! ! (24) .

______________________

(1) اعتمدنا على طبعة حيدرآباد سنة 33 اهـ من كتاب الاستيعاب .

(2) رجعنا إلى مخطوطة المكتبة الظاهرية بدمشق ، ولدينا مصورات من تراجمه .

(3) خريجوا مدرسة محمد ، للأستاذ إبراهيم الواعظ .

(4) مجلة "المسلمون" العدد الرابع والخامس من السنة السابعة . و"قادة الفتوح" لمحمود شيت خطاب .

(5) ابن جرير الطبري : تاريخ الطبري 1 / 1920 وهذا سنده : (عن سيف عن الصعب بن عطية بن بلال عن أبيه) .

(6) ابن جرير الطبري : تاريخ الطبري 1 /3156 وهذا سنده : (عن سيف عن محمد وطلحة با سنا دهما) .

(7) ابن جرير الطبري : تاريخ الطبري 1 /437 2 وهذا سنده (عن سيف عن أبي عمرو دثارعن أبي عثمان النهدي) .

(8) بارق : بطن من خزاعة سكنوا الكوفة - قبائل العرب لعمر رضا كحالة ؟ مادة "بارق ، . والنخع : بطن من مذحج من القحطانية .

(9) ابن جرير الطبري : تاريخ الطبري 1 /2363 وهذا سنده (عن سيف عن محمد والمهلب وطلحة قالوا ...) .

(10) ابن جرير الطبري : تاريخ الطبري 1 /3156 ، وفي ترجمة القعقاع من تاريخ ابن عساكر مصورة المجمع العلمي الاسلامي 14 /216/2 ب : عن سيف .

(11) (المقانب) : جماعة الخيل ، و(المعيار) : فرس خالد بن الوليد ، ومن الجائز ان سيفا اقتبس البيت من قول مضرس بن أنس المحاربى ولقد شهدت الخيل يوم يمامة يهدي المقانب راكب العيار .

(12) ترجمة القعقاع من ابن حجر : الاصابة 3/ 0 23 الرقم 29 1 7 .

(13) ابن حجر : بترجمة "القعقاع" من "الاصابة" والرازي بترجمة "القعقاع" من "الجرح والتعديلج3/ق2/136 .

(14) روايات سيف عن صعب في "تاريخ الطبري "تسلسل 1 /1962 عن سهم بن منجاب وعن صعب عن أبيه تسلسل1/ 1908 و1 : 192 و5 : 319 ، وفي 6 : 320 - 321 أربع روايات ، وفي "أسد الغابة" 3/138 وه14 و167 ، و"ابن حجر : الاصابة" 306 ، وفي ترجمة "عبدالله بن الحارث" من "الاستيعاب" روى ذكر السندوروايات سيف عن محمد بن عبد الله في "الطبري" ط . أوربا تسلسل 1 / 2025 - 3255 ، في ذكرحوادث السنوات (12 - 36 هـ) روايات "سيف" عن "المهلب بن عقبة" في "الطبري" ط . أوربا 1/2023 - 2710 في حوادث سنوات (12-23 هـ) .

(15) ترجمة عفيف بن المنذر وستة من عمال النبي على تميم .

(16) تجد دراسة مقارنة في فصل السقيفة من كتاب عبدالله بن سبا .

(17) هو اخو المثنى في رواية سيف .

(18) (ب) الاثباج جمع الثبج : وسط الشى أو أعلاه . والنجاف : مايلي الفرات من البر أو الريف (تفسير سيف) والكوانف : الحواجز مفردها كانفة ، والكواظم والكاظمة : موضع . هرمز اسم قائد فارسي عند سيف ، وقارن مثله ، والجوارف جمع الجارفة أو المجرفة وهي آلة الجرف ، والحيرة مدينة قرب الكوفة وصفها سيف بالروحاء . والأبيات بعده هكذا وردت . (وكلها من شعر سيف وأحاديثه) .

(19) الولجات جمع ولوج : موضع الولوج . الرواس : الأمراء والحكام والحكم ، وضعضع (كذا في طبعة أوربا) وفي غيرها صعصع بالصاد أي فرق .

(20) البلاذري : من فتوح البلدان 353 و78 4 .

(21) المصدر السابق 339 و2 4 3 .

(22) ابن دريد : الاشتقاق ص 345 ، ابن حزم : الجمهرة ص 295 .

(23) ورد أحاديث سيف عن زياد بن سرجس في الطبري 1 / 26 0 2 - 495 2 434في ذكر حوادث السنوات 12 - 17 هـ ، وأبوعثمان النهدي عبدالرحمن بن مل في الطبري 3/ 1 48 2 و47 5 2 ، وأبو عثمان يزيد بن أسيد من مخترعات سيف (فهرس الطبري 378)ومحمد بن طلحة ثلاثة ذكرهم في فهرس الطبري .

(24) العلامة العسكري : خمسون ومأة صحابي مختلق ج1 ترجمة القعقاع بن عمرو .

 
صفحة مكتب العلامة المحقق السيد سامي البدري