المدخل إلى دراسة مصادر السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي
الباب الأول : بحوث تمهيدية
الفصل الرابع : تحريف سيرة خاتم الأنبياء

تحريف أخبار سيرة النبي صلى الله عليه وآله

تعرَّض تاريخ خاتم الأنبياء وسنَّته من بعده للتحريف وهي حقيقةٌ لا يشك فيها أحد ذلك لأنَّنا لو رجعنا إلى المصادر المعتبرة لدى المسلمين حول تاريخ النبي صلى الله عليه وآله وسنَّته لوجدنا الروايات مختلفة ومتناقضة في وصف كثير من الوقائع التاريخية أو السلوكية للرسول صلى الله عليه وآلهوهذا التناقض والاختلاف واسع وكبير إلى درجة أنَّنا نستطيع أن نكوِّن من مجموع هذه الأخبار صورتين متناقضتين للنبي صلى الله عليه وآله سواء في جانب تاريخه أو في جانب طريقته في الحياة وسنَّته .

الصورة الأولى :

تظهره صلى الله عليه وآله شخصاً أقلُّ من مستوى الإنسان الإعتيادي في مختلف مجالات الحياة ، فهو يلعن الآخرين من غير إستحقاق ، ولا يصبر عن النساء ، الأمر الذي يفرض عليه أن يصطحب معه في كل غزوة واحدة من نسائه ، ويوجد في صحابته من هو أشدُّ حياءاً منهويبول واقفاً ، إلى غير ذلك من السلوكات المشينة ، مضافاً إلى ذلك تجعل منه شخصاً متردداً في تلقِّي الوحي ، يشك في نفسه أنه قد جُنَّ أو أنَّ الشياطين قد عبثت به ، وتجعل من زوجته ذات رأي أرجح منه في هذه القضية الخطيرة ، فهي التي تطمئنه وتثبِّته على النبوَّة وتأخذه إلى ورقة بن نوفل النصراني ليزيد من قناعته بذلك ، ثم يكون أوَّل المؤمنين به أبو بكر ويسميه الصدِّيق لشدة تصديقه له ويؤمن بواسطة أبي بكر الصحابة المعروفون ويبقى النبي صلى الله عليه وآله ثلاث سنوات يدعو سرَّاً ، ويجتمع مع أصحابه في دار الأرقم حتَّى يسلم عمر بن الخطاب فينصر الله به الإسلام ويعلن المسلمون عن أنفسهم ، وهكذا تترى الحوادث ويبرز أبو بكر وعمر وعثمان بصفتهم الوجوه البارزة في حركة النبوَّة ومن هنا يكون من الطبيعي أن يأخذ هؤلاء موقعهم في خلافة النبي ونشر دينه من بعده .

الصورة الثانية :

تظهره مثلاً أعلى في كل ميادين الحياة في الخُلُق والحياء وحسن التعليم والمعاملة وعدم الإنتقام لنفسه وغير ذلك من السلوكات العالية ، مضافاً إلى ذلك تجعل منه شخصاً واثقاً في أنَّ الذي خاطبه أوّل مرَّة في حراء هو ملك مرسل من الله تعالى ، وأنَّ عليّاً كان وزيره على أمر الرسالة بأمر الله ثم بدأ دعوته سرَّاً بأهل بيته ثلاث سنوات ثم ختم ذلك بحادثه يوم الدار حيث أعلن فيها عن علي عليه السلام وصيَّاً وخليفةً من بعده ثم صدع بأمر الله تعالى وتحمَّلت أُسرة النبي صلى الله عليه وآله (بنو هاشم) الدفاع عن النبي صلى الله عليه وآله وعن المسلمين وحين هاجر وحين أذِن الله للمؤمنين أن يقاتلوا كان النبي يقذف بأهل بيته في لهوات الحروب ليدافعوا عن المسلمين ويتشخَّص في مجمل تاريخ النبي صلى الله عليه وآله وسيرته أهل بيته عليهم السلام بدءاً بعلىّ إمتداداً رسالياً له صلى الله عليه وآله .

وفيما يلي جدول تفصيلي مقارن لهاتين الصورتين :

صفحة مكتب العلامة المحقق السيد سامي البدري