المدخل إلى دراسة مصادر السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي
الباب الأول : بحوث تمهيدية
الفصل الثالث : تحريف أخبار سيرة الأنبياء السابقين
تتغيَّر العظة والعبرة عن وجهتها الصحيحة حين تُحرَّف الواقعة التاريخية من حياة النبي ، فالتوراة حين نسبت صنع العجل إلى هارون ، تكون قد سحبت الإنطباع السّيء عن السامري وأتباعه وحوَّلته إلى هارون وزير موسى وشريكه في الرسالة .
وهكذا حين تُحرَّف واقعة سلوكية من سيرته بأن يُنسَب للنبي شرب الخمر مثلا ، تكون الطريقة النبوية قد تغيَّرت تماماً لصالح المنحرفين الذين لا يجدون بُدّاً من شرب الخمر ، ولكنَّهم يريدون أن يشربوها بغطاء مشروع من سيرة النبي نفسه .
إنَّ تحريف سيرة النبي بقسميها التاريخي والسلوكي أخطر من قتل النبي وإيذائه حينما يكون على قيد الحياة ، ذلك لأن قتل النبي بعد إكماله التبليغ لا يؤدي الى بطلان حجَّته بخلاف رواية الأخبار الكاذبة عن سيرته فإنَّها تؤدِّي إلى بطلانها ، وذلك في حالة إختلاط الروايات الكاذبة بالروايات الصحيحة وتعذُّر فرز الصحيح من الكذب .
إنَّ تحريف سيرة النبي التاريخية يؤدي إلى النظر إلى أعداء الرسالة على أنَّهم أهلها وحملتها ، وعلى أنَّهم الإمتداد الطبيعي للرسول وينظر إلى طريقتهم في الحياة على أنَّها إمتداد لطريقة الرسول ، فيخضعون لهم كخضوعهم للرسول ويتَّخذون منهم قدوةً كما اتَّخذوا من الرسول قدوةً ، كما يؤدِّي أيضا إلى صرف النظر عن أولياء الله الحقيقيين وحملة الرسالة حقاً وإلى الجرأة عليهم وقتلهم حين يقومون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
إنَّ الإنسان في ظلِّ الرواية الصحيحة لحياة النبي يجد نفسه أمام أعظم آيات الله عظةً وعبرةً ، أمام طريقة حياة تفيض بالنبل والكرامة والعدل والتوحيد في كلِّ مجالاتها وحقولها أمَّا في ظل الرواية الموضوعة المحرَّفة فيجد نفسه أمام إنسان مثله لا يختلف عنه في هفواته ، بل قد يجد في سيرة النبي ما يترفَّع عنه شخصياً ، أو يجد في أصحاب ذلك النبي من هو أرجح منه موقفاً وسلوكاً ، ومن الطبيعي جداً أن لا تحرِّكه هذه السيرة المحرَّفة ، إذ لا فرق بينه وبين صاحبها إلاَّ في ناحية نزول كتاب الله عليه ، غير أنَّه لم يؤثِّر فيه الأثر البالغ ، بخلاف السيرة الصحيحة حيث تعمل دائماً على تحريكه نحو الله تعالى وبأعلى الدرجات .