المدخل إلى دراسة مصادر السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي
الباب الأول : بحوث تمهيدية
الفصل الثالث : تحريف أخبار سيرة الأنبياء السابقين

ما الهدف من تحريف سير الأنبياء ؟

ليس كل من يستجيب للنبي ويتبعه يكون صادقاً في ذلك . وقد يبدأ الإنسان المستجيب للنبي أحياناً بداية صادقة ، ولكنَّها ليست راسخةً ، فإذا ما توفَّرت عوامل الإغراء زال الصدق ، وهذا النوع من المستجيبين للرسول يسميهم القرآن بالمنافقين ، كعنوان عام تندرج تحته مستويات مختلفة من النفاق ومرض القلب .

ويشترك رؤوس الكفر مع رؤوس النفاق في طبيعة الموقف من آيات الله وهو موقف الإعراض الواقعي والتكذيب الداخلي ، غير أنَّ الكافر يعلن ذلك ويتصدَّى لمواجهة الرسول من موقع الكفر صراحةً ، أمَّا رؤوس النفاق وأذنابهم فيكتمون ذلك ومن هنا يتحركون لمواجهة الرسالة باسمها ومن داخلها وحين يتسلَّم هؤلاء مقادير الأُمور بعد النبي تبدأ حركة الرواية الكاذبة عن تاريخ الرسول وطريقته في الحياة من أجل أن تتحوَّل إلى سند يدعم موقعهم في الحكم وخلافة الرسول في قبال خليفة النبي صلى الله عليه وآله واقعاً .

ويتضح من ذلك ، أنَّ الذي يقوم بتحريف السيرة النبوية هم المنافقون والذين في قلوبهم مرض من أتباع النبي ، حين ينجحون في الوصول إلى السلطة ويحكمون الأمة باسم النبي والرسالة ، وهنا يحتاجون إلى تحريف السيرة النبوية ليتيسَّر لهم الإستمرار في الحكم وتحقيق أهوائهم وطموحاتهم ، فيستجيب لهم من كانت الدنيا أكبر همِّه من الرواة ، فيضعون لهم من الأخبار أو يكتمون منها أو يحرِّفون ما ترغبه السلطة من أمور ، لتقوية موقفها أو لتوهين خصومها من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر من المؤمنين الصادقين .

قال الله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ) آل عمران/187 .

وقال الله تعالى : (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ الله) التوبة/31 .

إنَّ هؤلاء الرهبان غيَّروا طريقة النبي ، وبدَّلوا سنَّته وأحلُّوا لهم حرام الله وحرَّموا لهم حلال الله ، فأصبحوا بذلك أرباباً ، وإتَّبعهم الناس ، وقبلوا منهم ذلك ، فتلك عبادتهم إياهم .

وفي التوراة بقايا نصوص تؤيد ذلك :

منها : ماجاء في سفر حزقيال الإصحاح الثاني والعشرين قوله : " ... كهنتها خالفوا شريعتي ونجَّسوا مقادسي " .

ومنها : ما جاء في سفر إرميا الإصحاح الثامن : " كيف تقولون نحن حكماء وشريعة الرب معنا حقَّاً ، أنَّه إلى الكذب حوَّلها قلم الكتبة الكاذب ... أمَّا وحي الرب فلا تذكروه بعد لأنَّ كلمة كلِّ إنسان تكون وحيه إذ قد حرَّفتم كلام الإله الحي ربِّ الجنود " .

صفحة مكتب العلامة المحقق السيد سامي البدري