المدخل إلى دراسة مصادر السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي
الباب الأول : بحوث تمهيدية
الفصل الثالث : تحريف أخبار سيرة الأنبياء السابقين

هل حرِّفت سير الأنبياء السابقين ؟

يجيب القرآن على هذا السؤال بالإيجاب ويظهر ذلك واضحاً عند مقارنة أوصاف الأنبياء وقصصهم التي وردت في القرآن مع نظائرها التي وردت في العهد القديم ، وفيما يلي نماذج ثلاثة :

النموذج الأوّل :

جاء في سفر الخروج الإصحاح32 الفقرة 21-25

" قال موسى لهارون : ماذا صنع بك هذا الشعب حتَّى جلبت عليه خطيئة عظيمة ؟ فقال هارون : لايحم غضب سيدي ، انت تعرف الشعب انه في شر فقالوا لي : اصنع لنا آلهة تسير امامنا لأن هذا موسى الرجل الذي اصعدنا من أرض مصر لانعلم ماذا أصابه ، فقلت لهم : من له ذهب فلينزعه ويعطني فطرحته في النار فخرج هذا العجل" .

ومن الواضح إن هذا النص يجعل صانع العجل هو نبي الله هارون والقصة في القرآن الكريم بخلاف ذلك تماما إذ يجعل صانع العجل شخصا آخر هو السامري ويضيف إلى ذلك نصيحة هارون لقومه أن يتركوا عبادة العجل وكادوا يقتلوه لأجل ذلك .

قال تعالى : (وَمَا أَعْجَلَك عَن قَوْمِك يَا مُوسَى ، قَالَ هُمْ أُولاَءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْك رَبِّ لِتَرْضَى ، قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَك مِن بَعْدِك وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِىُّ ، فَرَجَعَ مُوسَى إلى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ العَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي ، قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَك بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ القَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِك أَلْقَى السَّامِرِىُّ ، فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هذَا إِلَهُكُمْ وَإِلهُ مُوسَى فَنَسِىَ ، أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلاَ يَمْلِك لَهُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا ، وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونَ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى) طه/83-91 .

(قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِي الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) الأعراف/150

النموذج الثاني :

وفي سفر صموئيل الثاني الإصحاح 11 الفقرات 1-26 قصة داود مع أحد قواد جيشه أوريا كما يلي :

" وأما داود فأقام في أورشليم . وكان في وقت المساء ، قام داود عن سريره وتمشّى على سطح بيت الملك ، فراى من على السطح امرأة تستحم . وكانت المرأة جميلة المنظر جدا . فارسل داود وسأل عن المرأة ، فقال واحد : أليست هذه بتشبع بنت اليعام امرأة اوريا الحثي ؟ فارسل داود رسلا واخذها ، فدخلت إليه ، فاضطجع معها وهي مطهرة من طمثها . ثم رجعت إلى بيتها . وحبلت المرأة ، فارسلت واخبرت داود وقالت : اني حبلى .

فارسل داود إلى يوآب يقول : أرسل الى أوريا الحثي . فأرسل يوآب أوريا إلى داودفأتى أوريا إليه ، فسأل داود عن سلامة يوآب وسلامة الشعب ونجاح الحرب .

وقال داود لأوريا : انزل إلى بيتك واغسل رجليك ، فخرج اوريا من بيت الملك وخرجت وراءه حصة من عند الملك .

ونام اوريا على باب بيت الملك مع جميع عبيد سيده ولم ينزل إلى بيته : فاخبروا داود قائلين : لم ينزل أوريا إلى بيته .

فقال داود لأوريا : أما جئت من السفر ، فلماذا لم تنزل إلى بيتك ؟

فقال أوريا لداود : التابوت وإسرائيل ويهوذا ساكنون في الخيام وسيدي يوآب وعبيد سيدي نازلون على وجه الصحراء وأنا آتي إلى بيتي لآكل وأشرب وأضطجع مع امرأتيوحياتك وحياة نفسك لا أفعل هذا الأمر .

فقال داود لأوريا : أقم هنا اليوم أيضاً وغدا أطلقك .

فاقام أوريا في أورشليم ذلك اليوم وغده . ودعاه داود امامه وشرب واسكره . وخرج عند المساء ليضطجع في مضجعه مع عبيد سيده . وإلى بيته لم ينزل .

وفي الصباح كتب داود مكتوبا إلى يوآب وارسله بيد أوريا . وكتب في المكتوب يقول : اجعلوا أوريا في وجه الحرب الشديد وارجعوا من ورائه فيضرب ويموت . وكان في حاصرة يوآب المدينة انه جعل اوريا في الموضع الذي علم ان رجال البأس فيه . فخرج رجال المدينة وحاربوا يوآب فسقط بعض الشعب من عبيد داود ومات اوريا الحثي أيضاً ..

فلما سمعت امرأة أوريا انه قد مات أوريا رجلها ندبت بعلها . ولما مضت المناحة أرسل داود وضمها إلى بيته وصارت له إمرأة وولدت له ابنا .

واما الامر الذي فعله داود فقبح في عيني الرب " .

اقول :

إن هذا النص التوراتي ينسب إلى نبي الله داود ما يندى له الجبين ويستحق عليه فاعله الرجم وقد نزه القرآن أنبياء الله عن فعل الصغائر فضلا عن فعل الكبائر ، قال تعالى : (اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ) ص/ 17 والأواب : صيغة مبالغة من الأوب وهو الإستقامة ، فالقرآن يصف نبي الله داود بأنه شديد الإستقامة على خط الله .

ان اصل القصة كما تروى عن الإمام الرضا عليه السلام هو : "ان المرأة في ايام داود عليه السلام كانت إذا مات بعلها أو قتل لا تتزوج بعده ابداً وأول من اباح الله له  (1) ان يتزوج بامرأة قتل بعلها كان داود عليه السلام فتزوج بامرأة أوريا لما قتل وانقضت عدتها منه "  (2) .

النموذج الثالث :

وفي سفر التكوين الاصحاح التاسع عشر الفقرة 30-37 :

" وصعد لوط من صوغر وسكن في الجبل وابنتاه معه ، لانه خاف ان يسكن في صوغر ، فسكن في المغارة هو وابنتاه-وقالت البكر للصغيرة : ابونا قد شاخ وليس في الارض رجل ليدخل علينا كعادة كل أرض ، هلم نسقي أبانا خمراً ونضطجع معه فنحيي من ابينا نسلاً ، فسقتا اباهما خمراً في تلك الليلة ، ودخلت البكر واضطجعت مع ابيها ولم يعلم باضطجاعها ولابقيامها ، ... (وفي الليلة الاخرى) قامت الصغيرة واضطجعت معه ... فحبلت ابنتا لوط من ابيها " .

هذا غيض من فيض مما يوجد في التوراة واسفار العهد القديم من روايات محرفة لسيرة الأنبياء الله سواء في الواقعة التاريخية أو الواقعة السلوكية .

______________________

(1) في الشريعة الموسوية .

(2) محمد بن علي بن بابويه : عيون أخبار الرِّضا عليه السلام ج1 ص194 .

صفحة مكتب العلامة المحقق السيد سامي البدري