المدخل إلى دراسة مصادر السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي
الباب الأول : بحوث تمهيدية
الفصل السادس : أثر الروايات الموضوعة
إستفاد المستشرقون من الروايات الكاذبة التي تتحدث عن سيرة الحسن عليه السلام ليكوِّنوا رؤية مشوَّهة ونظرة سيئة عن الإمام الحسن عليه السلام انتشرت في موسوعاتهم وفيما يلي جملة من هذه الروايات الموضوعة
روى ابن سعد في طبقاته : "أنَّ عليّاً مرَّ على قوم قد إجتمعوا على رجل ، فقال : من هذا ؟ قالوا : الحسن قال : طحن إبل لم تعوَّد طحناً ، إنَّ لكل قوم صُدّاداً وإنَّ صدادنا الحسن"
وروى أيضاً عن المسيَّب بن نجبة قال : "سمعت عليّاً يقول : ألا أُحدِّثكم عنِّي وعن أهل بيتي ، أمَّا عبد الله بن جعفر فصاحب لهو ، وأمَّا الحسن بن علي فصاحب جفنة وخوان فتى من فتيان قريش ، لو قد التقت حلقتا البطان لم يغن في الحرب عنكم شيئاً وأمَّا أنا وحسين فنحن منكم وأنتم منَّا"
وروى أيضاً عن علي عليه السلام إنَّه قال : "مازال الحسن يتزوج ويطلق حتَّى خشيت أنْ يكون يورثنا عداوة في القبائل"
وروى أبو الفرج في الأغاني : "إنَّ عليّاً عليه السلام أوعز إلى إبنه (الحسن) أنْ يقوم بجلد الوليد ، فرفض الحسن وقال له : مالك ولهذا ؟ يكفيك غيرك ، فردَّ عليه والده : بل ضعفت ووهنت وعجزت"
وروى ابن عساكر : "أنَّه عليه السلام تزوج سبعين امرأة" ، وفي رواية أنه أحصن تسعين امرأة
وفي المقدسي في البدء والتاريخ : "أنَّه عليه السلام كان أرخى ستره على مأتي حرة"
وروى ابن عساكر أيضاً عن هشام عن محمد بن سيرين قال : "تزوج الحسن بن علي إمرأة فبعث إليها بمأة جارية مع كلِّ جارية ألف درهم"
وروى ابن عساكر أيضاً وغيره : "أنَّ الحسين قال للحسن : اعيذك أن تكذب عليا في قبره وتصدق معاوية ، فقال : الحسن والله ما اردت أمراً قط الاّ خالفتني الى غيره"
وفي ضوء هذه الروايات وأمثالها كتب لامنس
"ويلوح أنَّ الصفات الجوهرية التي كان يتصف بها الحسن هي الميل إلى الشهوات والإفتقار إلى النشاط والذكاء ... وقد أنفق خير سني شبابه في الزواج والطلاق ، فأحصي له حوالي المائة زيجة عدّاً ، والصقت به هذه الأخلاق السائبة لقب المطلاق ، وأوقعت عليّاً في خصومات عنيفة ، وأثبت الحسن كذلك أنَّه مبذر كثير السرف فقد اختصَّ كلاًّ من زوجاته بمسكن ذي خدم وحشم وهكذا نرى كيف كان يبعثر المال أيام خلافة علي التي اشتدَّ عليها الفقر ... ولم يكن الحسن على وفاق مع الحسين"
ويظهر أنَّ لامنس لم يكن ضحية تلك الروايات الموضوعة في تشويه صورة الإمام الحسن عليه السلام حسب ما لديه بل صار يرفض الحقيقة التي روتها كتب التاريخ حول نهايته بالسم على يد زوجته بعد أن غرَّر بها معاوية ، قال لامنس في آخر الترجمة : "وتوفي الحسن في المدينة بذات الرئة ولعل إفراطه في الملذات هو الذي عجَّل منيته ، وقد بُذلت محاولة لإلقاء تبعة موته على رأس معاوية ، وكان الغرض من هذا الاتهام وصم الأمويين بهذا العار ولم يجرؤ على القول بهذا الاتهام الشنيع جهرة سوى المؤلفين من الشيعة أو أولئك الذين كان هواهم مع العلوية بنوع خاص . وقد أعطى هذا الإتهام في الوقت نفسه فرصة للإيقاع بأسرة الأشعث بن قيس المبغَضَة من الشيعة ، لما كان لها من شأن في الإنقلاب الذي حدث يوم صفين ، وما كان معاوية بالرجل الذي يقترف إثماً لا مبررله . كما إنَّ الحسن المستهتر كان قد أصبح مسالماً منذ أمد طويل وكانت حياته عبئاً على بيت المال الذي أبهضه مطالبه المتكررة ومن اليسير أن نعلل إرتياح معاوية وتنفَّسه الصعداء عند ما سمع بمرض الحسن"
______________________
(1) سيأتي بحث هذه الروايات في كتابنا عن سيرة الامام الحسن عليه السلام .
(2) ابن سعد : الطبقات الكبرى القسم الناقص ج1 /277-278ورواه أيضاً ابن معين عن ذر عن شعبة عن أبي اسحق عن معدي كرب (ابن معين تاريخ ابن معين ج2/419) .
(3) ابن سعد : الطبقات الكبرى القسم الناقص ج1 /297 ، ابن أبي الحديد في شرح النهج ج16/11 .
(4) ابن سعد : الطبقات الكبرى القسم الناقص ج1/301 .
(5) ابن عساكر : تاريخ دمشق ج13/245 .
(6) ابن عساكر : تاريخ دمشق ج13 /249 ، ابن ابي الحديد : شرح نهج البلاغة ج16/22 .
(7) المقدسي : البدء والتاريخ ج5/4 .
(8) ابن عساكر : تاريخ دمشق ج13/249 .
(9) ابن عساكر : تاريخ دمشق ج 12 / 267 .
(10) قال عبد الرحمن بدوي في موسوعته عن المستشرقين : لامنس : مستشرق بلجيكي ، وراهب يسوعي شديد التعصب ضد الإسلام ، يفتقر إفتقاراً تاماً إلى النـزاهة في البحث والأمانة في نقل النصوص وفهمهاويعد نموذجاً سيئاً جداً للباحثين في الإسلام من بين المستشرقين . ولد في مدينة خنث ، (Gent)وبالفرنسية ، (Gand) في بلجيكا في أوّل يوليو سنة 1862م . وجاء إلى بيروت في صباه ، وتعلم في الكلية اليسوعية ببيروت . وبدأ حياة الرهبنة في سنة 1878م ، فامضى المرحلة الأولى في دير لليسوعيين في قرية غزير (في جبل لبنان) ، طوال عامين . ثم قضى خمسة أعوام في دراسة الخطابة واللغات . وفي 1886 صار معلماً في الكلية اليسوعية ببيروت . وسافر إلى انجلترة ، وإلى لوفان . ووصل إلى فيينا في 1896موعاد إلى بيروت 1897م ، حيث عيَّن معلماً للتاريخ والجغرافية في كلية اليسوعيين . ولمَّا أسس (معهد الدروس الشرقية) ضمن كلِّية اليسوعيين في 1907م ، صار فيه أستاذاً للتاريخ الإسلامي . ولمَّا توفي لويس شيخو في 1927م ، خلفه لامنس على إدارة مجلة المشرق ، وهي مجلة فصلية تصدر عن اليسوعيين في بيروت . ولهم مجلة دينية شعبية تبشيرية أخرى تدعى (البشير) ، وقد تولَّى لامنس إدارتها مرتين قبل ذلك بزمان طويل : مرة في 1894م ، ومرة أخرى من 1900م إلى 1903م . وكان لامنس يكتب في هاتين المجلتين مقالات كثيرة ، يكتبها بالفرنسية ، ثمَّ يتولَّى غيره ترجمتها إلى العربية ، وتنشر باللغة العربية . وتوفي لامنس في 23 أبريل 1937م . وإنتاج لامنس يدور حول موضوعين رئيسيين : (أ) السيرة النبوية (ب) بداية الخلافة الأموية . لكن له إلى جانب ذلك كتب ودراسات حول موضوعات متفرقة في العقيدة الإسلامية ، وتاريخ سوريا وآثارها .
(11) الموسوعة الاسلامية لجماعة من المستشرقين ج/401 402 .
(12) الموسوعة الاسلامية ج/401 402 .