المدخل إلى دراسة مصادر السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي
الباب الأول : بحوث تمهيدية
الفصل السادس : أثر الروايات الموضوعة

الروايات الموضوعة ضد الشيعة

أ . رواية سيف بن عمر توفي في الفترة (170- 193) :

استفاد خصوم الشيعة من الروايات التي وضعها سيف بن عمر في حوادث الثورة على عثمان لضرب عقيدة الشيعة بالوصية ، حيث يقول في رواياته : أن عبدالله بن سبأ كان يهودياً من أهل صنعاء من أَمة سوداء ، أسلم على زمن عثمان ثم تنقَّل في بلاد المسلمين يحاول إضلالهم ، فبدأ بالحجاز ، ثمَّ البصرة ، ثمَّ الكوفة ، ثمَّ الشام ، فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام ، فأخرجوه حتَّى أتى مصر فاعتمر فيهم ، فقال لهم فيما كان يقول : أنَّه كان ألف نبي ولكلِّ نبي وصي ، وكان علي عليه السلام وصىَّ محمد صلى الله عليه وآله ، ثمَّ قال : محمد خاتم النبيين ، وعلي خاتم الأوصياء ، ثمَّ قال بعد ذلك : من أظلم ممَّن لم يجز وصية رسول الله صلى الله عليه وآلهووثب على وصي رسول الله صلى الله عليه وآله ثمَّ تناول الأئمة ، ثمَّ قال لهم بعد ذلك : إنَّ عثمان قد جمع أموالاً اخذها بغير حقِّها ، وهذا وصي رسول الله ، فانهضوا في هذا الأمر فحرِّكوه ، وابدءوا بالطعن على أمرائكموأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فتستميلوا الناس ، وادعوا إلى هذا الامر .

وهذه الرواية ينفرد بها سيف بن عمر ، وقد قال أهل الجرح والتعديل إنَّه كذاب وضَّاع  (1) .

ب . رواية عبد الرحمن بن مالك بن مغول تـ 195 :

وكذلك استفادوا من رواية عبد الرحمن بن مالك بن مغول عن أبيه عن الشعبي أنَّه قال : قال لي الشعبي : وأحذِّركم هذه الأهواء المظلة وشرُّها الرافضة لم يدخلوا في الإسلام رغبةً ولارهبةً ولكن مقتاً لأهل الإسلام وبغياً عليهم قد حرَّقهم علي عليه السلام بالنَّار ونفاهم إلى البلدان منهم عبد الله بن سبأ يهودي من صنعاء نفاه إلى ساباط ، وعبد الله بن يسار نفاه إلى خازر ، وآية ذلك محنة الرافضة محنة اليهود قالت اليهود : لايصلح الملك إلاَّ في آل داود ، وقالت الرافضة : لاتصلح الإمامة إلاَّ في ولد علي ، وقالت : لا جهاد في سبيل الله حتَّى يخرج المهدي وينادي منادي من السماء ...  (2)

وهذه الرواية ينفرد بها عبد الرحمن بن مالك بن مغول وهو كذَّاب وضَّاع  (3) .

وإلى هذه الروايتين وأمثالها إستند ابن تيمية (ت728هـ) ومن كان قبله ومن جاء بعده ممن أخذ عنه ليقول إنَّ التشيُّع أصله عبد الله بن سبأ اليهودي الذي أسلم على عهد عثمان .

قال ابن تيمية : "وقد علم أهل العلم أنَّ أوّل ما ظهرت الشيعة الإمامية المدعية للنَّص في أواخر أيام الخلفاء الراشدين وأفترى ذلك عبد الله بن سبأ"  (4) .

وقال الدكتورسليمان العودة من المعاصرين : إنَّ عبد الله بن سبأ هو أصل التشيع  (5) .

أقول : مما لا شك فيه إنَّ المسلمين على عهد الرسول صلى الله عليه وآله كانوا فئة واحدة فيهم المؤمن والمنافق ثمَّ حصل التفرق والإختلاف والإقتتال بعده ثمَّ وضعت الأحاديث لتكريس التفرق والإختلاف ولا سبيل لإعادة الوحدة إلى الأمة إلاَّ بفرز الأحاديث الموضوعة وتشخيصها وفق منهج علمي سليم وهو ما ينبغي أنْ يتحرك نحوه علماء الأمة ومتخصصوها ثمَّ يعلنوا عن دراساتهم وبحوثهم لتأخذ مجراها وتؤدي دورها بهدوء وتوؤدة .

______________________

(1) سيأتي بحث قيمة روايات سيف في الباب الرابع من هذا الكتاب .

(2) ابن تيمية : منهاج السنة ج1/23 - 34 عن أبي جعفر بن شاهين ت385هـ في كتاب اللطيف في السنة وعن أبي عاصم خشيش بن صريم بن الاسود النسائي ت253هـ في كتابه وعن أبي القاسم الطبري في شرح أصول السنَّة كلَّهم عن عبدالرحمن بن مالك بن مغول : وهو كذَّاب ، وكذلك رواه ابن عبد ربَّه ت327هـ في العقد الفريد .

(3) عبد الرحمن بن مالك بن مغول قال روى عن أبيه والأعمش قال أحمد والدارقطني : متروك ، وقال أبو داود : كذَّاب ، وقال مرة : يضع الحديث ، وقال النسائي وغيره : ليس بثقة ، وقال عمرو الناقد : حدثنا عبد الرحمن بن مالك عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر رضي الله تعالى عنه عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال : لا يبغض أبا بكر وعمر مؤمن ولا يحبهما منافق ، وقد رواه معلى بن هلال كذاب عن الأعمش ولكن هو كلام صحيح ، وعن محمد بن المثنى قال : حدثنا عبد الله بن داود عن عبد الرحمن بن مالك بن مغول عن أبيه قال لي الشعبي : أئتني بزيدي صغير أخرج لك منه رافضياً كبيراً أو ائتني برافضي صغير أخرج لك منه زنديقاً كبيراً هكذا رواه زكريا الساجي عنه ورواه غير الساجي عن ابن المثنى فقال فيه بدل زيدي شيعي وهذا أشبه فإنَّ الزيدية إنَّما وجدوا بعد الشعبي بمدة وقال ابن معين قد رأيته وليس بثقة وقال أبو حاتم متروك الحديث وقال أبو زرعة ليس بقوي وقال أحمد حرقنا حديثه منذ دهر وقال الجورجاني ضعيف الأمر جدًّا وقال الحاكم وأبو سعيد النَّقاش روى عن عبيد الله بن عمرو الأعمش أحاديث موضوعة وقال أبو نعيم روى عن الأعمش المناكير لا شى وذكره الساجي وابن الجارود وابن شاهين في الضعفاء  (ابن حجر : لسان الميزان 3/427) . وقال الخطيب في تاريخ بغداد 10/235 أخبرنا عبد الله بن عمر الواعظ أخبرنا أبي حدَّثنا محمد بن الحسن حدَّثنا حسين بن إدريس قال : قال محمد بن عمار الموصلي كان عبد الرَّحمن بن مالك بن مغول كذاباً أفاكاً لا يشك فيه أحد ، أخبرني محمد بن أبي علي الأصبهاني أخبرنا أبو علي الحسين بن محمد الشافعي بالأهواز أخبرنا أبو عبيد محمد بن علي الآجري قال سألته يعني أبا داود سليمان بن الأشعث عن عبد الرحمن بن مالك بن مغول فقال آية من الآيات كذَّاب وسئل عنه مرة أخرى فقال كان يضع الحديث . وقال ابن حبان في كتاب المجروحين 2/61 عبد الرحمن بن مالك بن مغول البجلي أبو بهز من أهل الكوفة يروي عن عبد الله بن عمر روى عنه العراقيون كان ممَّن يروي عن الثقات المقلوبات وما لا أصل له عن الأثبات .

(4) ابن تيمية : منهاج السنَّة ج1/251 وأيضاً ج1/11 ، 306 ، ج8/479 .

(5) سليمان العودة : عبد الله بن سبأ ودوره في احداث الفتنة ط 1 ، 232 وما بعدها .

صفحة مكتب العلامة المحقق السيد سامي البدري