المدخل إلى دراسة مصادر السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي
الباب الأول : بحوث تمهيدية
الفصل الأول : حول مصطلح السيرة والتاريخ

مصطلح التاريخ

وردت لفظة تاريخ في كتب اللغة بمعنى الوقت .

ففي الجمهرة لابن دريد : ورَّخت الكتاب وأرَّخته ، ومتى أرِّخ كتابك ووُرِّخ أي متى كتب  ⁽¹⁾ .

وفي لسان العرب لابن منظور : التأريخ والتوريخ : تعريف الوقت ، أَرَّخ الكتاب ليوم كذا : وقَّته  ⁽²⁾ .

ويقال : أنَّ اللفظة ليست عربية محضة وأنَّ المسلمين أخذوها من أهل الكتاب  ⁽³⁾وقيل أنَّها عربية  ⁽⁴⁾ .

أقول : بل هي أكدية وبابلية ووردت بصيغة (أَراخ) (arah) (أرخا) (Arha) (أرخو) (Arhu) و(ورخو) (warhu) وتعني (القمر) (الهلال) (الشهر) (أوّل الشهر)  ⁽⁵⁾ .

وفي السبئية (ورخ)  ⁽⁶⁾ وكان العرب الجنوبيون إذا أرادوا التاريخ قالوا (ورخ كذا ...) أي شهر كذا  ⁽⁷⁾ .

وفي العبرية (ياريحا) ( ) تعني (القمر) و(يرح) ( ) تعني شهر ، وفي السريانية كذلك  ⁽⁸⁾ .

ومن الجدير ذكره أنَّ اللغة الأكدية أقدم من اللغة العبرية وهذه أقدم من اللغة السريانية ، بل أنَّ العلاقات التاريخية والخصائص المشتركة بينها تفرض القول أنَّ السريانية متفرعة عن العبرية وهذه متفرعة عن الأكدية .

"استعملت كلمة تاريخ في العصر الاسلامي الأول بمعنى التقويم والتوقيت على أساس القمر ، ثم كسبت معنى آخر هو تسجيل الاحداث على أساس الزمن ، وكان يقوم مقامها في معنى هذه العملية التاريخية كلمة خبر وأخبار وأخباري ، ثم بدأت كلمة تاريخ تحل بالتدريج محل كلمة خبر وأخذت تطلق على عملية التدوين التاريخي وعلى حفظ الأخبار بشكل متسلسل ، متصل الزمن ، والموضوع للدلالة على هذا النوع الجديد من التطور في الخبر والعملية الاخبارية وكان ذلك على ما يبدو منذ أواسط القرن الثاني الهجري فما أطلَّ القرن الثالث حتَّى صارت كلمة التاريخ تطلق على العلم بأحداث التاريخ وأخبار الرجال وعلى الكتب التي تحوي ذلك وحلت نهائياً محل كلمة الخبر والاخباري .

وأقدم المؤلفات التي حملت اسم التاريخ هو كتاب التاريخ لعوانة بن الحكم الاخباري الكوفي (ت147هـ) ، تناول فيه أحداث التاريخ الاسلامي في القرن الأول الهجري .

ثم كتب هشام بن محمد بن السائب الكلبي (ت204هـ) ، كتاب التاريخ على السنين وكتاب تاريخ الأشراف الكبير .

واستقرت من بعد ذلك التسمية وإنتشرت واحتلَّت عناوين العشرات من الكتب في القرن الثالث الهجري .

وقد حملت بعض كتب التراجم بدورها عنوان التاريخ في تلك الفترة مع أنَّ بعضها كان يُدعى من قبلُ بالطبقات . ككتاب التاريخ الكبير والتاريخ الاوسط والتاريخ الصغير للبخاري (ت256هـ) . وكلها في تراجم رجال الحديث"  ⁽⁹⁾ .

صفحة مكتب العلامة المحقق السيد سامي البدري