المدخل إلى دراسة مصادر السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي
الباب الثالث : تعريف بالموسوعات التاريخية وأصولها ومصنفيها
الفصل الأول : موسوعة ابن أبي الحديد

منهج ابن أبي الحديد في التدوين التاريخي وهدفه منه

لا يجد القارئ صعوبةً ليعرف أنَّ هدف ابن أبي الحديد من تأليفه شرح النهج هو الردُّ على عقائد الشيعة ، مدعياً أنَّ فهمه وفهم أصحابه للتشيُّع هو الفهم الصحيح والمعتزلة اصحابه هم الشيعة حقّاً ، كما أشرنا إلى ذلك عند الحديث عن عقيدته .

إنَّ النظرة الفاحصة لموسوعة ابن أبي الحديد (شرح نهج البلاغة) تكشف عن ثلاثة موضوعات دارت عليها بحوثها ، يشكِّل كلُّ واحد منها لو أُفرد كتاباً قائماً برأسه وهذه الموضوعات هي :

الأوّل : شرح خطب وكلمات علي عليه السلام ، وتأويل كلمات علي التي يظهر منها خلاف معتقد المعتزلة  (1) ، وكذلك تأويل أحاديث النبي ، كما صنع مع الرواية التي رواها ابن ديزيل الآنفة الذكر .

الثاني : الردُّ على السيد المرتضى في كتابه (الشافي في الإمامة) الذي ردَّ فيه على الجزء المتم للعشرين من كتاب المغني للقاضي عبد الجبار المعتزلي الذي ردَّ فيه على عقيدة الشيعة في الإمامة ولايعنينا أمره في كتابنا هذا .

الثالث : التاريخ بشكل عام ، والتاريخ الإسلامي بشكل خاصّ ، مع عناية خاصة بتاريخ علي بن ابي طالب عليه السلام ، وهذا الموضوع الثالث هو ما يعنينا في كتابنا هذا وفيما يلي تفصيل الحديث عن شرح النهج من هذه الزاوية .

أدرج ابن أبي الحديد مادَّته التاريخية في موسوعته بشكل متفرِّق حيث يقتضي شرح النصِّ المعني بشرحه أو حيث تقتضي الحاجة للردِّ على السيد المرتضى وعلى الرغم من ذلك فقد جاءت المادة التاريخية في كتابه (شرح نهج البلاغة) غزيرة جداً وبخاصَّة تلك التي استمدها من الأصول التاريخية السابقة على تأليف تاريخ الطبري والتي تقرُب من خمسين مصدراً ، وقد ضاع أكثرها ، وهذه الحقيقة توجب على المعنيين بالتاريخ أن يعدّوا (شرح النهج) من الموسوعات التاريخية المهمة التي ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار ، ولم يكتف ابن أبي الحديد بذكر الرواية من مصدر واحد بل كثيراً ما يحاول أن يقارنها برواية أُخرى .

ومن الجدير ذكره أيضاً هو : أنَّ ابن أبي الحديد لم يستمد رواياته أو أخباره من أي كتاب من كتب الإمامية ، نعم ذكر ثلاثة منها ، وهي : كتاب سليم بن قيس الهلالي (ت77هـ) ذكره في ج12/ 212 ، 216-217 ، وكتاب محمد بن جرير (الطبري) (الطبرستاني) الآملي (المسترشد في الإمامة) ذكره في ج11/69 عند ذكر خبر عثمان والد أبي بكر وأمِّ الخير ابنة أُخته ، وايضا في ج2/36 وكتاب الإرشاد للمفيد ذكره ج14/132 عند ذكره رواية الشيعة وأنَّ إشتراك علي وحمزة إنَّما هو في دم شيبة بعد أن جرحه عبيدة بن الحارث .

أمّا الكتابان الأوّلان فقد ذكرهما ابن أبي الحديد للردِّ عليهما ، وأمّا الكتاب الثالث فقد ذكره في المورد الآنف الذكر ليقول عنه : أنَّه مخالف لكتب علي عليه السلاموخطاباته .

نعم استمد من كتاب وقعة صفين لنصر بن مزاحم ، بل نقل كل رواياته وهو شيعي زيدي كما سيأتي في ترجمته ، وكذلك كتاب الغارات للثقفي الذي كان زيدياً ثمَّ تحوَّل إلى التشيُّع وقد كتب الغارات حينما كان زيدياً .

أمّا الموضوعات التاريخية التي وردت في موسوعة شرح النهج فهي :

1- طرف من قصص الخلق وتاريخ الأنبياء .

2- طرف من تاريخ الجاهلية .

3- السيرة النبوية .

4- طرف من أخبار أبي بكر وعمر وعثمان .

5- أخبار تفصيلية عن أمير المؤمنين علي عليه السلام وما جرى في عهده ، وهي أوسع ما كتب عن علي عليه السلام وهي مفرَّقة في المجلدات العشرين من الكتاب .

6- أخبار الحسن بن علي عليه السلام .

7- أخبار الخوارج .

8- طرف من أخبار الأمويين والعباسيين والتتار في عصره .

9- تراجم لعدد من الصحابة وغيرهم .

10- أخبار متفرقة من مواضيع شتَّى .

______________________

(1) قال ابن أبي الحديد : حاش لله أن يكون عليه السلام ذَكَرَ من سَلَفَ من شيوخ المهاجرين إلاَّ بالجميل والذكر الحسن بموجب ما تقتضيه رئاسته في الدين وإخلاصه في طاعة ربِّ العالمين ومن أحبَّ تتبُّع ما روى عنه ممّا يوهم في الظاهر خلاف ذلك فليراجع هذا الكتاب أعنى شرح نهج البلاغة فإنّا لم نترك موضعاً يوهم خلاف مذهبنا إلاَّ وأوضحناه وفسَّرناه على وجه يوافق الحق وبالله التوفيق (ابن ابي الحديد : شرح نهج البلاغة 20/35) .

صفحة مكتب العلامة المحقق السيد سامي البدري