المدخل إلى دراسة مصادر السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي
الباب الثالث : تعريف بالموسوعات التاريخية وأصولها ومصنفيها
الفصل الثالث : تراجم اصحاب الأصول التاريخية التي اعتمد عليها ابن أبي الحديد

أبو العباس الثقفي (حمار العزير) ت314

قال الخطيب : أحمد بن عبيد الله بن عمّار أبو العباس الثقفي الكاتب المعروف بحمار العزيز له مصنفات في مقاتل الطالبين وغير ذلك ، وكان يتشيع .

وحدَّث عن عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن داود بن الجراح وغيرهم روى عنه أحمد بن جعفر بن سلم والقاضي أبو بكر بن الجعابي ومحمد بن عبد الله بن أيوب القطان ومحمد بن أحمد بن المتيم وإسماعيل بن محمد بن زنجي الكاتب وأبو عمر بن حيويه .

توفي سنة أربع عشرة وثلاثمائة  (1) .

وقال ابن حجر : كان كثير الوقيعة في الأكابر  (2) وذكر له النديم في الفهرست عدة مصنفات منها (كتاب مثالب معاوية) و(ذيل كتاب الوزراء) و(مقاتل الطالبيين) .

رواية ابن أبي الحديد عنه :

ج5/6-7 ، ج8/119-120روايات الغلو في علي عليه السلام وذكر عبد الله بن سبأ  (3) .

أخبار الغلاة عند ابن ابي الحديد :

ج 5 باب 58 ص 5 : قال ابن أبي الحديد : واول من جهر بالغلو في أيَّامه عبد الله بن سبا ، قام إليه وهو يخطب ، فقال له : انت انت وجعل يكررها ، فقال له : ويلك من انا ؟ فقال : انت الله فامر باخذه واخذ قوم كانوا معه على رايه .

وروى أبو العباس أحمد بن عبيد الله عن عمّار الثقفي عن على بن محمد بن سليمان النوفلي عن ابيه وعن غيره من مشيخته أن عليا قال : يهلك فيَّ رجلان محب مطر يضعني غير موضعي ويمدحني بما ليس فيِّ ومبغض مفتر يرميني بما انا منه بريء .

وقال أبو العباس : وهذا تاويل الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وآله فيه وهو قوله : ان فيك مثلا من عيسى بن مريم احبته النصارى فرفعته فوق قدره وابغضته اليهود حتّى بهتت امه .

قال أبو العباس : وقد كان علي عثر على قوم خرجوا من محبته باستحواذ الشيطان عليهم إلى ان كفروا بربهم وجحدوا ما جاء به نبيهم واتخذوه ربا والها وقالوا : انت خالقنا ورازقنا فاستتابهم وتوعدهم ، فاقاموا على قولهم : فحفر لهم حفرا دخن عليهم فيها طمعا في رجوعهم فابوا فحرقهم بالنار وقال :

الا ترون قد حفرت حفرا       اني اذا رايت امرا منكرا

وقدت ناري ودعوت قنبرا  (4) .

و روى أبو العباس عن محمد بن سليمان بن حبيب المصيصي عن علي بن محمد النوفلي عن ابيه ومشيخته ان عليا مر بهم وهم يأكلون في شهر رمضان نهارا فقال : اسفر ام مرضى ؟ قالوا ولا واحدة منهما ، قال : افمن أهل الكتاب انتم ؟ قالوا : لا ، قال : فما بال الاكل في شهر رمضان نهارا ، قالوا : انت انت لم يزيدوه على ذلك ففهم مرادهم فنزل عن فرسه فألصق خده بالتراب ثمَّ ، قال : ويلكم انما انا عبد من عبيد الله فاتقوا الله وارجعوا إلى الإسلام فابوا ، فدعاهم مرارا فاقاموا على امرهم فنهض عنهم ، ثمَّ قال : شدوهم وثاقا وعلى بالفعلة والنار والحطب ثمَّ امر بحفر بئرين فحفرتا فجعل احداهما سربا والاخرى مكشوفه والقى الحطب في المكشوفه وفتح بينهما فتحا والقى النار في الحطب فدخن عليهم ، وجعل يهتف بهم ويناشدهم ارجعوا إلى الإسلام فابوا ، فامر بالحطب والنار والقى عليهم فاحترقوا ، فقال الشاعر :

لترم بي المنية حيث شاءت       اذا لم ترم بي في الحفرتين

اذا ما حشتا حطبا بنار       فذاك الموت نقدا غير دين

قال : فلم يبرح واقفاعليهم حتّى صاروا حمما .

قال أبو العباس : ثمَّ ان جماعة من اصحاب علي منهم عبد الله بن عباس شفعوا في عبد الله بن سبا خاصة وقالوا : يا امير المؤمنين انه قد تاب فاعف عنه فاطلقه بعد ان اشترط عليه ألاَّ يقيم بالكوفة ، فقال : اين اذهب ؟ قال : المدائن فنفاه إلى المدائن فلما قتل امير المؤمنين عليه السلام اظهر مقالته وصارت له طائفة وفرقة يصدقونه ويتبعونه ، وقال لما بلغه قتل علي : والله لو جئتمونا بدماغه في سبعين صرة لعلمنا انه لم يمت ولا يموت حتّى يسوق العرب بعصاه ، فلما بلغ ابن عباس ذلك قال : لو علمنا انه يرجع لما تزوجنا نساءه ولا قسمنا ميراثه  (5) .

ج 8 باب 127 ص 119 .

روى أبو العباس أحمد بن عبيد الله بن عمّار الثقفي عن محمد بن سليمان بن حبيب المصيصي المعروف بنوين .

و روى أيضاً عن علي بن محمد النوفلي عن مشيخته : ان عليا عليه السلام مرَّ بقوم وهم يأكلون في شهر رمضان نهارا ، فقال : اسفر ام مرضى ؟ قالوا : لا ولا واحده منهما ، قال : فمن أهل الكتاب انتم فتعصمكم الذمه والجزيه ؟ قالوا ؟ لا ، قال : فما بال الاكل في نهار رمضان ، فقاموا إليه فقالوا : انت انت ، يومون إلى ربوبيته ، فنزل عليه السلام عن فرسه فالصق خده بالارض ، وقال : ويلكم انما انا عبد من عبيد الله فاتقوا الله وارجعوا إلى الإسلام ، فابوا فدعاهم مرارا فاقاموا على كفرهم ، فنهض اليهم وقال : شدوهم وثاقا وعلىَّ بالفعلة والنار والحطب ، ثمَّ امر بحفر بئرين فحفرتا احداهما سربا والاخرى مكشوفة والقى الحطب في المكشوفه وفتح بينهما فتحا والقى النار في الحطب فدخن عليهم ، وجعل يهتف بهم ويناشدهم ليرجعوا إلى الإسلام فابوا ، فامر بالحطب والنار فألقي عليهم فاحرقوا ، فقال الشاعر :

لترم بى المنية حيث شاءت       اذا لم ترمني في الحفرتين

اذا ما حشتا حطبا بنار       فذاك الموت نقدا غير دين

قال : فلم يبرح عليه السلام حتّى صاروا حمما  (6) .

ج 8 باب 127 ص 121 .

و روى علي بن محمد النوفلي قال : جاء المغيرة بن سعيد فاستاذن على أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين وقال له : اخبر الناس اني اعلم الغيب وانا اطعمك العراق ، فزجره أبو جعفر زجرا شديدا واسمعه ما كره ، فانصرف عنه فاتى أبا هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية رحمه الله فقال له مثل ذلك ، وكان أبو هاشم ايِّدا فوثب عليه فضربه ضربا شديدا اشفى به على الموت فتعالج حتّى برى .

ثمَّ اتى محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن رحمه الله وكان محمد سكيتا ، فقال له كما قال للرجلين فسكت محمد ، فلم يجبه فخرج وقد طمع فيه بسكوته ، وقال اشهد ان هذا هو المهدي الذى بشر به رسول الله صلى الله عليه وآله وانه قائم أهل البيت ، وادعى ان علي بن الحسين عليه السلاماوصى إلى محمد بن عبد الله بن الحسن .

ثمَّ قدم المغيرة الكوفة وكان مشعبذا فدعا الناس إلى قوله واستهواهم واستغواهم فاتبعه خلق كثير وادعى على محمد بن عبد الله انه اذن له في خنق الناس واسقائهم السموم وبث اصحابه في الاسفار يفعلون ذلك بالناس فقال له : بعض اصحابه انا نخنق من لا نعرف فقال : لا عليكم ان كان من اصحابكم عجلتموه إلى الجنة وان كان من عدوكم عجلتموه إلى النار ولهذا السبب كان المنصور يسمي محمد بن عبد الله الخناق وينحله ما ادعاه عليه المغيرة .

______________________

(1) الخطيب البغدادي : تاريخ بغداد 4/252 .

(2) ابن حجر : لسان الميزان 1/329

(3) انما اوردنا ما رواه ابن ابي الحديد من اخبار عبد الله بن سبا برواية ابي العباس الثقفي لتكون مادة للدراسة ، وقد درسنا شيئا من اخبار ابن سبا الواردة في كتاب فرق الشيعة للنوبختي وكتاب اختيار الرجال للكشي في كتابنا شبهات وردود الحلقة الثالثة . وتجدر الاشارة الى الدراسة الموسعة عن عبد الله بن سبا للعلامة العسكري في الجزء الثاني من كتابه عبد الله بن سبا .

(4) قال ابن أبي الحديد 5/6 وروى اصحابنا في كتب المقالات انه لما حرقهم صاحوا إليه الان ظهر لنا ظهورا بينا انك انت الاله لان ابن عمك الذى ارسلته قال : لا يعذب بالنار الا رب النار .

(5) قال ابن أبي الحديد (5/7) : قال اصحاب المقالات : واجتمع إلى عبد الله بن سبا بالمدائن جماعة على هذا القول : منهم عبد الله بن صبرة الهمداني وعبد الله بن عمرو بن حرب الكندي وآخرون غيرهما وتفاقم امرهم . وشاع بين الناس قولهم وصار لهم دعوة يدعون اليها وشبهة يرجعون اليها وهي ما ظهر وشاع بين الناس من أخباره بالمغيبات حالا بعد حال ، فقالوا : ان ذلك لا يمكن ان يكون الا من الله تعالى او ممن حلت ذات الاله في جسده ، ولعمري انه لا يقدر على ذلك الا باقدار الله تعالى اياه عليه ولكن لا يلزم من اقداره اياه عليه ان يكون هو الاله او تكون ذات الاله حالة فيه .

(6) قال ابن أبي الحديد (80/121-122) : ثمَّ استترت هذه المقالة سنة او نحوها ، ثمَّ ظهر عبد الله بن سبأ وكان يهوديا يتستر بالإسلام بعد وفاة امير المؤمنين عليه السلام فاظهرها واتبعه قوم فسموا السبئية وقالوا ان عليا عليه السلام لم يمت وانه في السماء والرعد صوته والبرق صوته واذا سمعوا صوت الرعد قالوا السلام عليك يا امير المؤمنين وقالوا في رسول الله (صلى الله عليه وآله) اغلظ قول وافتروا عليه اعظم فرية ، فقالوا : كتم تسعة اعشار الوحي فنعى عليهم قولهم الحسن بن علي بن محمد بن الحنفية (رضي الله عنه) في رسالته التى يذكر فيها الارجاء رواها عنه سليمان بن أبي شيخ عن الهيثم بن معاوية عن عبد العزيز بن ابان عن عبد الواحد بن ايمن المكي قال : شهدت الحسن بن علي بن محمد بن الحنفية يملي هذه الرسالة فذكرها ، وقال فيها : ومن قول هذه السبئية (هدينا لوحي ضل عنه الناس وعلم خفي عنهم) وزعموا ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كتم تسعة اعشار الوحي ولو كتم (صلى الله عليه وآله) شيئا مما انزل الله عليه لكتم شأن امرا زيد وقوله تعالى (تبتغي مرضات ازواجك) . ثم ظهر المغيرة بن سعيد مولى بجيلة فاراد ان يحدث لنفسه مقالة يستهوي بها قوما وينال بها ما يريد الظفر به من الدنيا فغلا في علي عليه السلام وقال لو شاء علي لاحيا عادا وثمود وقرونا بين ذلك كثيرا . ثم تفاقم امر الغلاة بعد المغيرة وامعنوا في الغلو فادعوا حلول الذات الالهية المقدسة في قوم من سلالة امير المؤمنين عليه السلام وقالوا بالتناسخ وجحدوا البعث والنشور واسقطوا الثواب والعقاب وقال قوم منهم ان الثواب والعقاب انما هو ملاذ هذه الدنيا ومشاقها وتولدت من هذه المذاهب القديمة التى قال بها سلفهم مذاهب افحش منها قال بها خلفهم حتّى صاروا إلى المقالة المعروفة بالنصيرية وهي التي احدثها محمد بن نصير النميري وكان من اصحاب الحسن العسكري عليه السلام والمقالة المعروفة بالاسحاقية وهي التي أحدثها اسحاق بن زيد بن الحارث وكان من اصحاب عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب كان يقول بالاباحة واسقاط التكاليف ويثبت لعلي عليه السلام شركة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في النبوة على وجه غير هذا الظاهر الذى يعرفه الناس وكان محمد بن نصير من اصحاب الحسن بن علي بن محمد بن الرضا فلما مات ادعى وكالة لابن الحسن الذي تقول الامامية بامامته ففضحه الله تعالى بما اظهره من الالحاد والغلو والقول بتناسخ الارواح ثمَّ ادعى انه رسول الله ونبي من قبل الله تعالى وانه ارسله علي بن محمد بن الرضا وجحد امامة الحسن العسكرى وامامة ابنه وادعى بعد ذلك الربوبية وقال باباحة المحارم . وللغلاة اقوال كثيرة طويلة عريضة وقد رايت انا جماعة منهم وسمعت اقوالهم ولم ار فيهم محصلا ولا من يستحق ان يخاطب وسوف استقصي ذكر فرق الغلاه واقوالهم في الكتاب الذى كنت متشاغلا بجمعه وقطعني عنه اهتمامي بهذا الشرح وهو الكتاب المسمى بمقالات الشيعة ان شاء الله تعالى .

صفحة مكتب العلامة المحقق السيد سامي البدري