المدخل إلى دراسة مصادر السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي
الباب الثالث : تعريف بالموسوعات التاريخية وأصولها ومصنفيها
الفصل الخامس : المصنفون الأوائل من الشيعة في السيرة والتاريخ
لم يشر ابن ابي الحديد الى تاريخ اليعقوبي ولم يجعله من مصادره ولعل مرد ذلك هو ان الاصول التي اخذ عنها اليعقوبي قد وصلت الى عصر ابن ابي الحديد فأغنته عن النقل منه او لتشيعه كما يعتقد بعض الشيعة ذلك ، ونحن نحاول هنا ان نقدم دراسة مختصرة عن كتابه لتبيين خصائص كتابه وحاله المذهبي .
قال صاحب الذريعة رحمه الله تحت عنوان (تاريخ اليعقوبي) للمؤرخ الرحالة
اقول : المعلومات عن ابن واضح قليلة جدا وفيما عثرت عليه في تاريخ دمشق لابن عساكر قوله : وبلغني عن أبي جعفر بن يوسف بن إبراهيم الكاتب قال حدثني أحمد بن أبي يعقوب حدثني أبي أبو يعقوب عن جدي واضح مولى المنصور قال كنت بين يدي المنصور وقد أحضر رجلا كان من رجال هشام بن عبد الملك وهو يسائله عن سيرة هشام لأنها كانت تعجب المنصور فكان الرجل يترحم على هشام عند كل جاز من ذكره فاحفظ ذلك جماعتنا فقال له ارجع كم تترحم على عدو امير المؤمنين فقال الرجل للربيع مجلس أمير المؤمنين أيده الله احق المجالس بشكر المحسن ومجازاة المجمل ولهشام في عنقي قلادة لا ينزعها إلا غاسلي فقال له المنصور-- وما هذة القلادة قال قدمني في حياته وأغناني عن غيره بعد وفاته فقال له المنصور أحسنت بارك الله عليك وبحسن المكافأة تستحق الصنائع وتزكو العوارف ثم أدخله في خاصته .
اليعقوبي معاصر للطبري (ت 310) ، وقد توفي قبله بسنوات قليلة ، ويختلف مؤلف كل منهما فى التاريخ في المنهج حيث لم يكن منهج اليعقوبي في التدوين التاريخي ذكر اسناد الاخبار التي يوردها كما صنع الطبري في تاريخه ، بل اكتفى بذكر مصادره في مقدمة كتابه كما هو واضح في مقدمة الجزء الثاني منه .
وكتبه التي طبعت هي: التاريخ في مجلدين، والبلدان، ومشاكلة الناس لزمانهم وكلاهما صغير الحجم .
جعل اليعقوبي كتابه التاريخ في جزئين كرس الاول منه لتاريخ الامم القديمة ، ثم جعل الجزء الثاني خاصا بسيرة النبي صلى الله عليه وآله والخلفاء بعده الى سنة 259 .
ومما يوسف له ان اوراق مقدمة الجزء الاول ساقطة من المخطوطة التي طبعت ، ومن هنا نحن لا نعرف مصادر اخباره في هذا الجزء غير اننا نستطيع ان نتبين بعضها من خلال النصوص التي اوردها فقد اعتمد على التوراة والمزامير وغيرها من اسفار العهد القديم والاناجيل الاربعة ، حيث نقل نص الوصايا العشر ووصية موسى عند موته وبعض ادعية داود ونصوصا من الاناجيل الاربعة في سيرة المسيح وبذلك قدم لنا اليعقوبي وثيقة مهمة على وجود ترجمة عربية لاسفار العهدين ميسرة في النصف الثاني من القرن الثالث وهو العصر الذي كتب فيه اليعقوبي كتابه . وكذلك نقل من كتب ابقراط وجالينوس وفيثاغورس وارسطو وبطليموس ما يقرب من خمسين صفحة مما يدل انه كان على صلة وثيقة بها .
اما الجزء الثاني من كتابه فقد ذكر مصادره فيه قائلا :
(وأبتدئ كتابنا هذا من مولد رسول الله وخبره في حال بعد حال ووقت بعد وقت إلى أن قبضه الله إليه ، وأخبار الخلفاء بعده وسيرة خليفة بعد خليفة وفتوحه ، وما كان منه وعمل به في أيامه وسني ولايته . وكان من روينا عنه ما في هذا الكتاب :
اسحاق بن سليمان بن علي الهاشمي عن أشياخ بني هاشم
وأ بو البختري وهب بن وهب القرشي(ت سنة200)
وأبان بن عثمان عن جعفر بن محمد ،
ومحمد بن عمر الواقدي عن موسى بن عقبة وغيره من رجاله ،
و عبدالملك بن هشام (ت 218) عن زياد بن عبدالله البكائي عن محمد بن اسحاق المطلبي ،
وأبوحسان الزيادي عن أبي المنذر الكلبي وغيره من رجاله ،
وعيسى بن يزيد بن دأب ،
والهيثم بن عدي الطائي عن عبدالله بن عباس الهمداني ،
ومحمد بن كثير القرشي عن أبي صالح وغيره من رجاله ،
وعلي بن محمد بن عبدالله بن أبي سيف المدائني ،
وأبومعشر المدني ،
ومحمد بن موسى الخوارزمي المنجم ،
وما شاء الله ، الحاسب في طوالع السنين والاوقات .
وأثبتنا عن غير هؤلاء الذين سمينا جملا جاء بها غيرهم ورواها سواهم وعلمناها من سير الخلفاء
وجعلناه كتابا مختصرا ، حذفنا منه الاشعار وتطويل الاخبار ، وبالله المعونة والتوفيق والحول والقوة .
ولم يذكر الواسطة بينه وبين من ذكرهم لانه نقل من كتبهم مباشرة .
والملاحظ على غالبية هؤلاء هم ممن يعمل مع ا لسلطة العباسية ما عدى ابان بن عثمان وهو الاحمر احد اصحابالامام الصادق عليه السلام وقد مرت ترجمته ، مضافا الى ان ابا البختري القاضي الراوي عن جعفر بن محمد متهم بوضع الحديث عند العامة والخاصة .
الاخبار التي رواها عن الامام الصادق قليلة جدا وهي كما يلي :
الاول : خبر تاريخ ولادة النبي انه كان لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان وهو خبر شاذ .
الثاني : خبر المدة بين تزويج أبي رسول الله لامه وبين مولده انها كانت لعشرة أشهر .
الثالث : خبر وفاة عبدالله بن عبد المطلب أبي رسول الله انها كانت بعد شهرين من مولده .
الرابع : خبر مجئ جبريل بالرسالة الى النبي انه كان يوم الجمعة لعشر بقين من شهر رمضان
الخامس : قال اليعقوبي وروى جعفر بن محمد أنه قال : إن الله لم يبعث قط نبيا إلا بما هو أغلب على أهل زمانه ، فبعث موسى بن عمران إلى قوم كان الاغلب عليهم السحر فأتاهم بما ضل معه سحرهم من العصا واليد والجراد والقمل والضفادع والدم وانفلاق البحر وانفجار الحجر حتى خرج منه الماء والطمس على وجوههم ، فهذه آياته ، وبعث داود في زمن أغلب الامور على أهله الصنعة والملاهي فألان له الحديد وأعطاه حسن الصوت فكانت الوحوش تجتمع لحسن صوته ، وبعث سليمان في زمان قد غلب على الناس فيه حب البناء واتخاذ الطلسمات والعجائب فسخر له الريح والجن ، وبعث عيسى في زمان أغلب الامور على أهله الطب فبعثه بإحياء الموتى وإبراء الاكمة والابرص ، وبعث محمدا في زمان أغلب الامور على أهله الكلام والكهنة والسجع والخطب فبعثه بالقرآن المبين والمحاورة .
السادس : قال اليعقوبي في خبر وفاة النبي : وسمعوا صوتا من البيت ، يسمعون الصوت ولا يرون الشخص ، فقال : السلام ورحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت ، انه حميد مجيد ، (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) الأحزاب/33 ، وإنما توفون أجوركم يوم القيامة ، فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز ، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ، لتبلون في أموالكم وأنفسكم ، ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين اشركوا أذى كثيرا ، وأن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الامور ، إن في الله خلفا من كل هالك وعزاء من كل مصيبة ، عظم الله أجوركم ، والسلام ورحمة الله . فقيل لجعفر بن محمد : من كنتم ترونه ؟ فقال : جبريل .
السابع : قال اليعقوبي وقيل : إن أبا سلمة إنما أخفى أبا العباس وأهل بيته بها ، ودبر أن يصير الامر إلى بني علي بن أبي طالب . وكتب إلى جعفر بن محمد كتابا مع رسول له ، فأرسل (جعفر) إليه : لست بصاحبكم ، فإن صاحبكم بأرض الشراة ، فأرسل إلى عبد الله بن الحسن يدعوه إلى ذلك ، فقال : أنا شيخ كبير وابني محمد أولى بهذا الامر ، وأرسل إلى جماعة بني أبيه ، وقال : بايعوا لابني محمد ، فإن هذا كتاب أبي سلمة حفص بن سليمان إلي . فقال جعفر بن محمد : أيها الشيخ لا تسفك دم ابنك ، فإني أخاف أن يكون المقتول بأحجاز الزيت .
الثامن : قال اليعقوبي وأراد أبوجعفر أن يزيد في المسجد الحرام ، وشكا الناس ضيقه وكتب إلى زياد بن عبيد الله الحارثي أن يشتري المنازل التي تلي المسجد حتى يزيد فيه ضعفه ، فامتنع الناس من البيع ، فذكر ذلك لجعفر بن محمد ، فقال : سلهم ! أهم نزلوا على البيت أم البيت نزل عليهم ؟ فكتب بذلك إلى زياد فقال لهم زياد بن عبيد الله ذلك ، فقالوا : نزلنا عليه ! فقال جعفر بن محمد : فإن للبيت فناءه . فكتب أبو جعفر إلى زياد بهدم المنازل التي تليه ، فهدمت المنازل وأدخلت عامة دار الندوة فيه ، حتى زاد فيه ضعفه ، وكانت الزيادة مما يلي دار الندوة وناحية باب بني جمح ، ولم يكن مما يلي الصفا والوادي ، فكان البيت في جانبه ، وكان ابتداء الامر به في سنة 138 ، وفرغ سنة 140 .
التاسع : قال اليعقوبي وتوفي أبو عبد الله جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر ، بالمدينة سنة 148 ، وله ست وستون سنة ، وكان أفضل الناس وأعملهم بدين الله ، وكان أهل العلم الذين سمعوا منه إذا رووا عنه قالوا : أخبرنا العالم .
قال سفيان : سمعت جعفرا يقول : الوقوف عند كل شبهة خير من الاقتحام في الهلكةوترك حديث لم تروه أفضل من روايتك حديثا لم تحصه . إن على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نورا ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالفه فدعوه .
وقال جعفر : ثلاثة يجب لهم الرحمة : غني افتقر ، وعزيز قوم ذل ، وعالم تلاعب به الجهال .
وقال : من أخرجه الله من ذل المعاصي إلى عز التقوى أغناه الله بغير مال ، وأعزه الله بغير عشيرة ، ومن خاف الله أخاف الله منه كل شيء ، ومن لم يخف الله أخاف الله من كل شيء ، ومن رضي من الله باليسير من الرزق رضي منه باليسير من العمل ، ومن لم يستح من طلب الحلال خفت مؤونته ونعم أهله ، ومن زهد في الدنيا أثبت الله الحكمة في قلبه ، فأطلق لسانه من أمور الدنيا دائها ودوائها ، وأخرجه منها سالما .
وروي أنه قال ، لما نزلت على رسول الله : (لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ)الحجر/88 ، قال : ومن لم يتعز بعزاء رسول الله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات ، ومن اتبع طرفه ما في أيدي الناس طال همه ولم يضف غيظه ، ومن لم ير لله عليه نعمة إلا في كل مأكل ومشرب ، فقد قصر عمره ، ودنا عذابه .
وقال : ما أنعم الله على عبد نعمة بقلبه ، وشكرها بلسانه ، إلا ما أعطى خير مما أخذ .
وقال : إن مما ناجى الله عزوجل به موسى : يا موسى ! لا تنسني على حال ، ولا تفرح بكثرة المال ، فإن نسياني يميت القلب ، وعند كثرة المال تكثر الذنوب . يا موسى ! كل زمان يأتي بالشدة بعد الشدة ، وبالرخاء بعد الرخاء ، والملك بعد الملك ، وملكي قائم لا يزول ، ولا يخفى علي شيء في الارض ولا في السماء ، وكيف يخفى علي ما كان ابتداؤه مني ، وكيف لا تكون همتك فيما عندي ، وأنت ترجع لا محالة إلي ؟
وقال : خلتان من لزمهما دخل الجنة ، فقيل : وما هما ؟ قال : احتمال ما تكره ، إذا أحبه الله ، وترك ما تحب ، إذا كرهه الله . فقيل له : من يطيق ذلك ؟ فقال : من هرب من النار إلى الجنة .
وقال : فعل المعروف يمنع ميتة السوء ، والصدقة تطفئ غضب الرب ، وصلة الرحم تزيد في العمر وتنفي الفقر ، وقول لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة .
وقال : ما توسل إلي أحد بوسيلة ولا تذرع بذريعة هي أحب إلي ولا أقرب مني من يد أسلفته إياها أتبع بها أختها لاحسن ريها وحفظها ، إذا كان منع الاواخر يقطع لسان شكر الاوائل ، وما سمحت نفسي برد بكر من الحوائج .
وقال : أوحى الله إلى موسى بن عمران : ادخل يدك في فم التنين إلى المرفق ، فهو خير لك من مسألة من لم يكن للمسألة بمكان .
وقال : لا تخالطن من الناس خمسة : الاحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك ، والكذاب فإن كلامه كالسراب يقرب منك البعيد ويباعد منك القريب ، والفاسق فإنه يبيعك بأكله أو شربه ، والبخيل فإنه يخذلك أحوج ما تكون إليه ، والجبان فإنه يسلمك ويتسلم الدية .
وقال : المؤمنون يألفون ويؤلفون ويغشى رحلهم .
وقال : من غضب عليك ثلاث مرات ، فلم يقل فيك سوءا ، فاتخذه لك خلا ، ومن أراد أن تصفو له مودة أخيه ، فلا يمارينه ولا يمازحنه ولا يعده ميعادا فيخلفه .
قال : وكان لجعفر بن محمد بن الولد اسماعيل ، وعبدالله ، ومحمد ، وموسى ، وعليوالعباس .
قال اسماعيل بن علي بن عبدالله بن عباس : دخلت على أبي جعفر المنصور يوماوقد اخضلت لحيته بالدموع ، فقال لي : ما علمت ما نزل بأهلك ؟ فقلت : وما ذلك ، يا أمير المؤمنين ؟ قال : فإن سيدهم وعالمهم وبقية الاخيار منهم توفي . فقلت : ومن هو ، يا أمير المؤمنين ؟ قال : جعفر بن محمد . فقلت : أعظم الله أجر أمير المؤمنين ، وأطال لنا بقاءه ! فقال لي : إن جعفرا كان ممن قال الله فيه (ثمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا)فاطر/32 ، وكان ممن اصطفى الله ، وكان من السابقين بالخيرات
قال اليعقوبي : وتوفي علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب في سنة 99 ، وقال قوم سنة 100
قال أبوخالد الكابلي : سمعت علي بن الحسين يقول : من عف عن محارم الله كان عابدا ، ومن رضي بقسم الله كان غنيا ، ومن أحسن مجاورة من جاوره كان مسلما ، ومن صاحب الناس بما يحب أن يصاحبوه به كان عدلا .
وقال علي بن الحسين : إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم أهل الفضل ، فيقوم ناس من الناس ، فيقال لهم : انطلقوا إلى الجنة بغير حساب ، فتتلقاهم الملائكة ، فيقولون : ما فضلكم ؟ فيقولون : كنا إذا جهل علينا حلمنا ، وإذا ظلمنا صبرنا ، وإذا أسئ علينا عفونا . فيقولون : ادخلوا الجنة ، فنعم أجر العاملين . ثم ينادي مناد : ليقم أهل الصبر ، فيقوم ناس من الناس ، فيقال لهم : انطلقوا إلى الجنة بغير حساب ، فتتلقاهم الملائكة ، فيقولون : ما كان صبركم ؟ فيقولون : صبرنا أنفسنا على طاعة الله ، وصبرنا عن معاصي الله ، فيقولون لهم : ادخلوا الجنة ، فنعم أجر العاملين . ثم ينادي فيقول : ليقم جيران الله ! فيقوم ناس من الناس ، وهم الاقل ، فيقال لهم : بم جاورتم الله في داره ؟ فيقولون : كنا نتجالس في الله ، ونتذاكر في الله ، ونتزاور في الله فيقولون : ادخلوا الجنة ، فنعم أجر العاملين .
وقال : بئس القوم قوم ختلوا الدنيا بالدين ، وبئس القوم قوم عملوا بأعمال يطلبون بها الدنيا .
وقال : إن المعرفة بكمال المرء تركه الكلام فيما لا يعنبه ، وقلة مرائه ، وصبره ، وحسن خلقه .
وكتب ملك الروم إلى عبدالملك يتوعده ، فضاق عليه الجواب ، وكتب إلى الحجاج ، وهو إذ ذاك على الحجاز : أن ابعث إلى علي بن الحسين فتوعده وتهدده وأغلظ له ، ثم انظر ماذا يجيبك ، فاكتب به إلي ! ففعل الحجاج ذلك ، فقال له علي بن الحسين : إن لله في كل يوم ثلاثمائة وستين لحظة ، وأرجو أن يكفينك في أول لحظة من لحظاته . وكتب بذلك إلى عبد الملك ، فكتب به إلى صاحب الروم كتابا ، فلما قرأه قال : ليس هذا من كلامه ، هذا من كلام عترة نبوته .
ومرض ثلاث مرضات في كل ذلك يوصي بوصية ، فإذا برئ وأفاق أنفذها ، وقال : كلكم سيصير حديثا ، فمن استطاع أن يكون حديثا حسنا ، فليفعل .
وكان يقول : ابن آدم لن تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك ، وما كانت المحاسبة من همتك ، وما كان لك الخوف شعارا ، والحزن دثارا .
وكان عبدالملك قد كتب إلى الحجاج ، وهو على الحجاز : جنبني دماء آل بني أبي طالب ، فإني رأيت آل حرب لما تهجموا بها لم ينصروا . فكتب إليه علي بن الحسين : إني رأيت رسول الله ليلة كذا في شهر كذا يقول لي : إن عبدالملك قد كتب إلى الحجاج في هذه الليلة بكذا وكذا ، وأعلمه أن الله قد شكر له ذلك ، وزاده برهة في ملكه .
وكان له من الولد : أبوجعفر محمد ، والحسين ، وعبدالله ، وأمهم أم عبدالله بنت الحسن بن علي ، وعلي ، والحسن ، والحسين الاصغر ، وسليمان ، توفي صغيرا ، وزيد .
وذكره يوما عمر بن عبدالعزيز ، فقال : ذهب سراج الدنيا ، وجمال الاسلام ، وزين العابدين ، فقيل له : إن ابنه أبا جعفر محمد بن علي فيه بقية ، فكتب عمر يختبره ، فكتب إليه محمد كتابا يعظه ويخوفه ، فقال عمر : أخرجوا كتابه إلى سليمان ، فأخرج كتابه ، فوجده يقرظه ، ويمدحه ، فأنفذ إلى عالم المدينة ، وقال له : أحضر محمدا ، وقل له : هذا كتابك إلى سليمان تقرظه ، وهذا كتابك إلى معما أظهرت من العدل والاحسان . فأحضره عامل المدينة ، وعرفه ما كتب به عمر ، فقال : إن سليمان كان جبارا كتبت إليه بما يكتب إلى الجبارين ، وإن صاحبك أظهر أمرا فكتبت إليه بما شا كله . وكتب عامل عمر إليه بذلك ، فقال عمر . إن أهل هذا البيت لا يخليهم الله من فضل .
قال اليعقوبي : وولى هشام بن اسماعيل المخزومي المدينة ، فضرب سعيد بن المسيب ستين سوطا لما وعدوانا ، وطاف به ، فكتب إليه عبدالملك يلومه ، وساءت سيرة هشام بن اسماعيل ، وأظهر العداوة لآل رسول الله . قال وولى الوليد عمر بن عبدالعزيز المدينة ، وأمر أن يقف هشام بن اسماعيل للناس ، وكان هشام بن اسماعيل المخزومي قد أساء السيرة ، وجار في الاحكام ، وتحامل على آل رسول الله ، فلما قدم عمر قال هشام : ما أخاف إلا علي بن الحسين ! فمر به ، وهو موقوف ، فسلم عليه ، فناداه هشام . الله أعلم حيث يجعل رسالاته ، ولم يعرض له سعيد بن المسيب ولا لاحد من أسبابه وحاميته .
قال اليعقوبي : وتوفي أبوجعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وأمه أم عبدالله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب ، سنة 117 ، وسِنُّة ثمان وخمسون سنة . قال أبوجعفر : قتل جدي الحسين ولي أربع سنين ، وإني لاذكر مقتله ، وما نالنا في ذلك الوقت .
وكان يسمى أبا جعفر الباقر لانه بقر العلم .
قال جابر بن عبدالله الانصاري : قال لي رسول الله : إنك ستبقى حتى ترى رجلا من ولدي أشبه الناس بي اسمه على اسمي ، إذا رأيته لم يخف عليك
قال أبوحمزة الثمالي : سمعت محمد بن علي يقول : يقول الله عزوجل : إذا جعل عبدي همه في هما واحدا جعلت عناه في نفسه ، ونزعت الفقر من بين عينيه ، وجمعت له شمله ، وكتبت له من وراء تجارة كل تاجر ، وإذا جعل همه في مفترقا جعلت شغله في قلبه ، وفقره بين عينيه ، وشتت عليه أمره ورميت يحلبه على غاربه ، ولم أبال في أي واد من أودية الدنيا هلك . وقيل لمحمد : أتعرف شيئا خير من الذهب ؟ قال : نعم ! معطيه .
وقال : اصبر للنوائب ، ولا تتعرض للحقوق ، ولاتعط أحدا من نفسك ما ضره عليك أكثر من نفعه له .
وقال : كفى العبد من الله ناصرا أن يرى عدوه يعصي الله .
وقال : شر الآباء من دعاه البر إلى الافراط ، وشر الابناء من دعاه التقصير إلى العقوق .
وسئل أبوجعفر عن قول الله عزوجل : وقولوا للناس حسنا . قال : قولوا لهم أحسن ما تحبون أن يقال لكم ، ثم قال : إن الله عزوجل يبغض اللعان السباب ، الطعان الفحاش المتفحش ، السائل الملحف ، ويحب الحيي الحليم ، العفيف المتعفف .
وقال : لو صمت النهار لا أفطر ، وصليت الليل لا أفتر ، وأنفقت مالي في سبيل الله علقا علقا ، ثم لم تكن في قلبي محبة لاوليائه ، ولا بغضة لاعدائه ، ما نفعني ذلك شيئا .
وكان له من الولد خمسة ذكور : أبو عبد الله جعفر ، وعبد الله ، وابراهيم ، وعبيد الله درج صغيرا ، وعلي درج صغيرا .
قال وتوفي موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبوأمه أم ولد ، يقال لها حمدة ، سنة 183 ، وسنة ثمان وخمسون سنة ، وكان ببغداد في حبس الرشيد قبل السندي بن شاهك ، فأحضر مسرورا الخادم ، وأحضر القواد والكتاب والهاشميين والقضاة ومن حضر ببغداد من الطالبيين ، ثم كشف عن وجهه ، فقال لهم : أتعرفون هذا ؟ قالوا : نعرفه حق معرفته ، هذا موسى بن جعفر . فقال هارون : أترون أن به أثرا وما يدل على اغتيال ؟ قالوا : لا ! ثم غسل وكفن وأخرج ودفن في مقابر قريش في الجانب الغربي .
وكان موسى بن جعفر من أشد الناس عبادة ، وكان قد روى عن أبيه .
قال الحسن بن أسد : سمعت موسى بن جعفر يقول : ما أهان الدنيا قوم قط إلا هنأهم الله إياها وبارك لهم فيها ، وما أعزها قوم قط إلا نغصهم الله إياها .
وقال : إن قوما يصحبون السلطان يتخذهم المؤمنون كهوفا ، فهم الآمنون يوم القيامة ، إن كنت لارى فلانا منهم . وذكر عنده بعض الجبابرة ، فقال : أما والله لئن عز بالظلم في الدنيا ليذلن بالعدل في الآخرة .
وقيل لموسى بن جعفر ، وهو في الحبس : لو كتبت إلى فلان يكلم فيك الرشيد ؟ فقال : حدثني أبي عن آبائه أن الله عزوجل أوحى إلى داود : يا داود ! إنه ما اعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقي دوني عرفت ذلك منه إلا وقطعت عنه أسباب السماء وأسخت الارض من تحته .
وقال موسى بن جعفر : حدثني أبي أن موسى بن عمران قال : يا رب ! أي عبادك شر ؟ قال : الذي يتهمني . قال : يارب ! وفي عبادك من يتهمك ؟ قال : نعم ! الذي يستجيرني ، ثم لا يرضى بقضائي .
وكان له من الولد ثمانية عشر ذكرا ، وثلاث وعشرون بنتا ، فالذكور : علي الرضيوإبراهيم ، والعباس ، والقاسم ، واسماعيل ، وجعفر ، وهارون ، والحسن ، وأحمد ، ومحمدوعبيدالله ، وحمزة ، وزيد ، وعبدالله ، وإسحاق والحسين ، والفضل ، وسليمان . وأوصى موسى بن جعفر ألا تتزوج بناته ، فلم تتزوج واحدة منهن إلا أم سلمة ، فإنها تزوجت بمصر ، تزوجها القاسم ابن محمد بن جعفر بن محمد ، فجرى في هذا بينه وبين أهله شئ شديد ، حتى حلف أنه ما كشف لها كنفا ، وأنه ما أراد إلا أن يحج بها .
قال اليعقوبي : وأشخص المأمون الرضى علي بن موسى بن جعفر بن المدينة إلى خراسان ، وكان رسوله إليه رجاء بن أبي الضحاك قرابة الفضل بن سهل ، فقدم بغداد ، ثم أخذ به على طريق ماه البصرة حتى صار إلى مرو ، وبايع له المأمون بولاية العهد من بعده ، وكان ذلك يوم الاثنين لسبع خلون من شهر رمضان سنة 201 ، وألبس الناس الاخضر مكان السوادوكتب بذلك إلى الآفاق ، وأخذت البيعة للرضى ، ودعي له على المنابر ، وضربت الدنانير والدراهم باسمه ، ولم يبق أحد إلا لبس الخضرة إلا اسماعيل بن جعفر بن سليمان بن علي الهاشمي ، فإنه كان عاملا للمأمون على البصرة ، فامتنع من لبس الخضرة ، وقال : هذا نقض لله وله ، وأظهر الخلع ، فوجه إليه المأمون عيسى بن زيد الجلودي ، فلما أشرف على البصرة هرب اسماعيل من غير حرب ولا قتال ، ودخل الجلودي البصرة ، فأقام بها ، وصار إسماعيل إلى الحسن بن سهل ، فحبسه ، وكتب في أمره إلى المأمون ، وكتب بحمله إلى مرو ، فحمل ، فلما صار بالقرب من مرو أمر المأمون أن يرد إلى جرجان فيحبس بها ، فأقام بجرجان محبوسا ممنوعا منه ، ثم رضي عنه بعد حين ، ووجه ببيعة الرضى مع عيسى الجلودي إلى مكة ، وابراهيم ابن موسى بن جعفر بها مقيم ، وقد استقامت له غير أنه يدعو إلى المأمون ، فقدم الجلودي ومعه الخضرة وبيعة الرضى ، فخرج ابراهيم فتلقاه ، وبايع الناس للرضى بمكة ، ولبسوا الاخضر .
ولما صار إلى طوس توفي الرضى علي بن موسى بن جعفر بن محمد بقرية يقال لها النوقان أول سنة 203 ، ولم تكن علته غير ثلاثة أيام ، فقيل إن علي بن هشام أطعمه رمانا فيه سم ، وأظهر المأمون عليه جزعا شديدا .
فحدثني أبو الحسن بن أبي عباد قال : رأيت المأمون يمشي في جنازة الرضى حاسرا في مبطنة بيضاء ، وهو بين قائمتي النعش يقول : إلى من أروح بعدك ، يا أبا الحسن ! وأقام عند قبره ثلاثة أيام يؤتى في كل يوم برغيف وملح ، فيأكله ، ثم انصرف في اليوم الرابع ، وكانت سن الرضا أربعا وأربعين سنة .
وقال أبوالحسن بن أبي عباد سمعت الرضى يقول : إن مشي الرجال مع الرجل فتنة للمتبوع ومذلة للتابع ، وسمعته يقول : إن في صحف ابراهيم : أيها الملك المغرور ! إني لم أبعثك لتبني البنى ، ولا لتجمع الدنيا ، ولكن بعثتك لترد عنى دعوة المظلوم ، فإني لا أردها ، ولو كانت من كافر .
وقال للمأمون : ما التقت فئتان قط إلا نصر الله أعظمهما عفوا .
وقال : إنما يؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر مؤمن ، فيتعظ ، فأما صاحب سيف وسوط فلا ! إن من تعرض لسلطان جائر ، فأصابته منه بلية ، لم يؤجر عليها ، ولم يرزق الصبر فيها .
لم يترجم اليعقوبي للامام الجواد ولم يذكره بكلمة .
قال اليعقوبي : وكتب المتوكل إلى علي بن محمد بن علي الرضى بن موسى بن جعفر بن محمد في الشخوص من المدينة ، وكان عبد الله بن محمد بن داود الهاشمي قد كتب يذكر أن قوما يقولون إنه الامام ، فشخص عن المدينة ، وشخص يحيى ابن هرثمة معه حتى صار إلى بغداد ، فلما كان بموضع يقال له الياسرية نزل هناك ، وركب اسحاق بن ابراهيم لتلقيه ، فرأى تشوق الناس إليه واجتماعهم لرؤيته ، فأقام إلى الليل ، ودخل به في الليل ، فأقام ببغداد بعض تلك الليلة ، ثم نفذ إلى سر من رأى .
وتوفي علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بسر من رأى يوم الاربعاء لثلاث بقين من جمادى الآخرة سنة 254وبعث المعتز بأخيه أحمد بن المتوكل ، فصلى عليه في الشارع المعروف بشارع أبي أحمد ، فلما كثر الناس واجتمعوا كثر بكاؤهم وضجتهم ، فرد النعش إلى داره ، فدفن فيها ، وسنة أربعون سنةوخلف من الولد الذكور اثنين : الحسن ، وجعفر .
اورد اليعقوبي في تاريخه جملة طيبة من اخبار الامام علي عليه السلام تشكل بمجموعها ميزة لتاريخ اليعقوبي على غيره من هذه الناحية نذكرها فيما يلي :
قال : فلما بلغ رسول الله أنهم أجمعوا على أن يأتوه في الليلة التي اتعدوا فيها ، خرج رسول الله لما اختلط الظلام ومعه أبوبكر ، وإن الله عزوجل أوحى في تلك الليلة إلى جبريل وميكائيل أني قضيت على أحدكما بالموت فأيكما يواسي صاحبه ؟ فاختار الحياة كلاهمافأوحى الله إليهما : هلا كنتما كعلي بن أبي طالب ، آخيت بينه وبين محمد ، جعلت عمر أحدهما أكثر من الآخر ، فاختار علي الموت وآثر محمدا بالبقاء وقام في مضجعه ، اهبطا احفظاه من عدوه . فهبط جبريل وميكائيل فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه يحرسانه من عدوه يصرفان عنه الحجارة ، وجبريل يقول : بخ بخ لك يا ابن أبي طالب من مثلك يباهي الله بك ملائكة سبع سماوات ! .
وقدم علي بن أبي طالب بفاطمة بنت رسول الله وذلك قبل نكاحه إياها ، وكان يسير الليل ويكمن النهار حتى قدم فنزل مع رسول الله . ثم زوجها رسول الله من علي بعد قدومه بشهرين ، وقد كان جماعة من المهاجرين خطبوها إلى رسول الله ، فلما زوجها عليا قالوا في ذلك ، فقال رسول الله : ما أنا زوجته ولكن الله زوجه .
قال : وكان آخر ما نزل "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم" إلى آخر السورة . وقد قيل : إن آخر ما نزل عليه "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا" . وهي الرواية الصحيحة الثابتة الصريحة . وكان نزولها يوم النفر على أمير لمؤمنين علي بن أبي طالب ، صلوات الله عليه ، بعد ترحم .
قال : وفي تلك السنة (أي سنة تسع)وجه علي بن أبي طالب بسورة براءة فأخذها من أبي بكر ، فقال أبوبكر : يا رسول الله ! هل نزل في شئ ؟ فقال : لا ، ولكن جبريل قال لي : لا يبلغ هذا إلا أنت أو رجل من أهلك . فقرأها على أهل مكة ، ويقال قرأها على سقاية زمزموأمن فنادى أن من كان له عهد من رسول الله في تأجيله أربعة أشهر فهو على عهده ومن لم يكن له عنده عهد فقد أجله خمسمين ليلة .
قال : وقدم عليه أهل نجران ورئيسهم أبوحارثة الاسقف ، ومعه العاقب والسيد وعبد المسيح وكوز وقيس والايهم ، فوردوا على رسول الله . فلما دخلوا أظهروا الديباج والصلب ودخلوا بهيئة لم يدخل بها أحد . فقال رسول الله : دعوهم ، فلقوا رسول الله فدارسوه يومهم ساءلوه ماشاء الله . فقال أبوحارثة : يا محمد ! ما تقول في المسيح ؟ قال : هو عبدالله ورسوله . فقال : تعالى الله عما قلت ، يا أبا القاسم هو كذا وكذا . ونزل فيهم : (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَاب ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنْ الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)) آل عمران/59-61 . فرضوا بالمباهلة ، فلما أصبحوا قال أبوحارثة : انظروا من جاء معه . وغدا رسول الله آخذا بيد الحسن والحسين تتبعه فاطمة وعلي بن أبي طالب بين يديه وغدا العاقب والسيد بابنين لهما عليهما الدر والحلي وقد حفوا بأبي حارثة . فقال أبو حارثة : من هؤلاء معه ؟ قالوا : هذا ابن عمه وهذه ابنته وهذان ابناها . فجثا رسول الله على ركبتيه ثم ركع . فقال أبوحارثة : جثا والله كما يجثو النبيون للمباهلة . فقال له السيد : ادن يا أبا حارثة للمباهلة . فقال : إني أرى رجلا حريا على المباهلة وإني أخاف أن يكون صادقا فإن كان صادقا لم يحل الحول وفي الدنيا نصراني يطعم الطعام . قال أبوحارثة : يا أبا القاسم لا نباهلك ولكنا نعطيك الجزية . فصالحهم رسول الله على ألفي حلة من حلل الاواقي ، قيمة كل حلة أربعون درهما فما زاد أو نقص فعلى حساب ذلك . وكتب لهم رسول الله كتابا : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتاب من النبي محمد رسول الله لنجران وحاشيتها إذ كان له عليهم حكمة في كل بيضاء وصفراء وثمرة ورقيق كان أفضل ذلك كله لهم غير ألفي حلة من حلل الاواقي قيمة كل حلة أربعون درهما ، فما زاد أو نقص فعلى هذا الحساب ألف في صفر وألف في رجب ، وعليهم ثلاثون دينارا مثواة رسلي شهرا فما فوق . وعليهم في كل حرب كانت باليمن دروع عارية ضمونة لهم بذلك جوار الله وذمة محمد فمن أكل الربا منهم بعد عامهم هذا فذمتي منه بريئة . فقال العاقب : يا رسول الله إنا نخاف أن تأخذنا بجناية غيرنا . قال فكتب : ولا يؤخذ أحد بجناية غيره . شهد على ذلك عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وكتب علي بن أبي طالب . فلما قدموا نجران أسلم الايهم وأقبل مسلما .
قال : ثم قال النبي صلى الله عليه وآله في اخر خطبته في حجة الوداع في عرفة) : لا ترجعوا بعدي كفارا مضلين يملك بعضكم رقاب بعض ،
إني قد خلفت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي . ألا هل بلغت ؟ قالوا : نعم ! قال : اللهم اشهد .
ثم قال : إنكم مسؤولون فليبلغ الشاهد منكم الغائب . ولم ينزل مكة ، وقيل له في ذلك : لو نزلت يا رسول الله بعض منازلك ؟ فقال : ما كنت لانزل بلدا أخرجت منه .
ولما كان يوم النفر دخل البيت ، فودع ونزل عليه : "اليوم أكملت لكم دينكم ، وأتممت عليكم نعمتي ، ورضيت لكم الاسلام دينا ." وخرج ليلا منصرفا إلى المدينة ، فصار إلى موضع بالقرب من الجحفة يقال له : غدير خم ، لثماني عشرة ليلة خلت من ذي الحجة ، وقام خطيبا وأخذ بيد علي بن أبي طالب فقال : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ! قال : فمن كنت مولاه ، فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه .
ثم قال : أيها الناس أني فرطكم وأنتم واردي على الحوض ، وإني سائلكم ، حين تردون علي ، عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما . وقالوا : وما الثقلان يا رسول الله ؟ قال : الثقل الاكبر كتاب الله سبب طرفه بيد الله وطرف بأيديكم ، فاستمسكوا به ولا تضلوا ، ولا تبدلواوعترتي أهل بيتي .
قال : ودخل عبدالرحمن بن عوف في مرضه الذي توفي فيه . فقال : كيف أصبحت يا خليفة رسول الله ؟ فقال : أصبحت موليا ، ... ثم قال : ما آسى إلا على ثلاث خصال صنعتها ليتني لم أكن صنعتها ، وثلاث لم أصنعها ليتني كنت صنعتها ، وثلاث ليتني كنت سألت رسول الله عنها ، فأما الثلاث التي صنعتها ، فليت أني لم أكن تقلدت هذا الامر . وقدمت عمر بين يدي ، فكنت وزيرا خيرا مني أميرا ، وليتني لم أفتش بيت فاطمة بنت رسول الله وأدخله الرجال ، ولو كان أغلق على حرب ، وليتني لم أحرق الفجاءة السلمي ، إما أن أكون قتلته سريحا ، أو أطلقته نجيحا ، ...
قال : وروي عن ابن عباس قال : طرقي عمر بن الخطاب بعد هدأة من الليل ، فقال : اخرج بنا نحرس نواحي المدينة ! فخرج ، وعلى عنقه درته ، حافيا ، حتى أتى بقيع الغرقدفاستلقى على ظهره ، وجعل يضرب أخمص قدميه بيده وتأوه صعدا ، فقلت له : يا أمير المؤمنين ، ما أخرجك إلى هذا الامر ؟ قال : أمر الله يا ابن عباس ! قال : إن شئت أخبرتك بما في نفسك . قال : غص غواص ، إن كنت لتقول فتحسن . قال : ذكرت هذا الامر بعينه وإلى من تصيِّره ... ثم قال له : أترى صاحبكم لها موضعا ؟ قال فقلت : وأين يتبعد من ذلك مع فضله وسابقته وقرابته وعلمه ؟ قال : هو والله كما ذكرت ولو وليهم تحملهم على منهج الطريق ، فأخذ المحجة الواضحة ، إلا أن فيه خصالا : الدعابة في المجلس ، واستبداد الرأيوالتبكيت للناس مع حداثة السن . قال قلت : يا أمير المؤمنين . هلا استحدثتم سنة يوم الخندق إذ خرج عمرو بن عبدود ، وقد كعم عنه الابطال ، وتأخرت عنه الاشياخ ، ويوم بدر إذ كان يقط الاقران قطا ، ولا سبقتموه بالاسلام ، ... فقال : إليك يا ابن عباس ! أتريد أن تفعل بي كما فعل أبوك وعلي بأبي بكر يوم دخلا عليه ؟ قال : فكرهت أن أغضبه فسكت . فقال : والله يا ابن عباس إن عليا ابن عمك لاحق الناس بها ، ولكن قريشا لا تحتمله ، ولئن وليهم ليأخذنهم بمر الحق لا يجدون عنده رخصة ، ولئن فعل لينكثن بيعته ثم ليتحاربن .
قال : لما توفي عمر ، واجتمعوا للشورى ، سألهم أن يخرج نفسه منها على أن يختار منهم رجلا ، ففعلوا ذلك ، فأقام ثلاثة أيام ، وخلا بعلي بن أبي طالب ، فقال : لنا الله عليك ، إن وليت هذا الامر ، أن تسير فينا بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة أبي بكر وعمر . فقال : أسير فيكم بكتاب الله وسنة نبيه ما استطعت . فخلا بعثمان فقال له : لنا الله عليك ، إن وليت هذا الامر ، أن تسير فينا بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة أبي بكر وعمر . فقال : لكم أن أسير فيكم بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة أبي بكر وعمر ، ثم خلا بعلي فقال له مثل مقالته الاولى ، فأجابه مثل الجواب الاول ، ثم خلا بعثمان فقال له مثل المقالة الاولى ، فأجابه مثل ما كان أجابه ، ثم خلا بعلي فقال له مثل المقالة الاولى ، فقال : إن كتاب الله وسنة نبيه لا يحتاج معهما إلى إجيرى أحد . أنت مجتهد أن تزوي هذا الامر عني . فخلا بعثمان فأعاد القول ، فأجابه بذلك الجواب ، وصفق على يده . قال : وروى بعضهم أن عثمان خرج من الليلة التي بويع له في يومها لصلاة العشاء الآخرة ، وبين يديه شمعة ، فلقيه المقداد بن عمرو ، فقال : ما هذا البدعة ! ومال قوم مع علي بن أبي طالبوتحاملوا في القول على عثمان . فروى بعضهم قال : دخلت مسجد رسول الله ، فرأيت رجلا جاثيا على ركبتيه يتلهف تلهف من كأن الدنيا كانت له فسلبها ، وهو يقول : واعجبا لقريش ، ودفعهم هذا الامر على أهل بيت نبيهم ، وفيهم أول المؤمنين ، وابن عم رسول الله أعلم الناس وأفقههم في دين الله ، وأعظمهم غناء في الاسلام ، وأبصرهم بالطريق ، وأهداهم للصراط المستقيم ، والله لقد زووها عن الهادي المهتدي الطاهر النقي ، وما أرادوا إصلاحا للامة ولا صوابا في المذهب ، ولكنهم آثروا الدنيا على الآخرة ، فبعدا وسحقا للقوم الظالمين . فدنوت منه فقلت : من أنت يرحمك الله ، ومن هذا الرجل ؟ فقال : أنا المقداد بن عمرو ، وهذا الرجل علي بن أبي طالب . قال فقلت : ألا تقوم بهذا الامر فأعينك عليه ؟ فقال : يا ابن أخي ! إن هذا الامر لا يجري فيه الرجل ولا الرجلان ثم خرجت ، فلقيت أبا ذر ، فذكرت له ذلك ، فقال : صدق أخي المقداد .
قال : وبلغ عثمان أن أبا ذر قعد في مسجد رسول الله ، ويجتمع إليه الناس ، فيحدث بما فيه الطعن عليه ، وأنه وقف بباب المسجد فقال : أيها الناس من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا أبوذر الغفاري ، أنا جندب بن جنادة الربذي ، إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض ، والله سميع عليم ، محمد الصفوة من نوح ، فالاول من إبراهيم ، والسلالة من اسماعيل ، والعترة الهادية من محمد . إنه شرف شريفهم واستحقوا الفضل في قوم هم فينا كالسماء المرفوعة وكالكعبة المستورة ، أو كالقبلة المنصوبة ، أو كالشمس الضاحية ، أو كالقمر الساري ، أو كالنجوم الهادية ، أو كالشجر الزيتونية أضاء زيتها ، وبورك زيدها ، ومحمد وارث علم آدم وما فضل به النبيون ، وعلي بن أبي طالب وصي محمد ، ووارث علمه . أيتها الامة المتحيرة بعد نبيها ! أما لو قدمتم من قدم الله ، وأخرتم من أخر الله ، وأقررتم الولاية والوارثة في أهل بيت نبيكم لاكلتم من فوق ؤوسكم ومن تحت أقدامكم ، ولما عال ولي الله ، ولا طاش سهم من فرائض الله ، ولا اختلف اثنان في حكم الله إلا وجدتم علم ذلك عندهم من كتاب الله وسنة نبيه ، فأما إذ فعلتم ما فعلتم ، فذوقوا وبال أمركموسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون . وبلغ عثمان أيضا أن أبا ذر يقع فيه ، ويذكر ما غير وبدل من سنن رسول الله وسنن أبي بكر وعمر ، فسيره إلى الشأم إلى معاوية ، وكان يجلس في المسجد ، فيقول كما كان يقول ، ويجتمع إليه الناس ، حتى كثر من يجتمع إليه ويسمع منه . وكان يقف على باب دمشق ، إذا صلى صلاة الصبح ، فيقول : جاءت القطار تحمل النارلعن الله الآمرين بالمعروف والتاركين له ، ولعن الله الناهين عن المنكر المنكر والآتين له . وكتب معاوية إلى عثمان : إنك قد أفسدت الشأم على نفسك بأبي ذر ، فكتب إليه : أن احمله على قتب بغير وطاء ، فقدم به إلى المدينة ، وقد ذهب لحم فخذيه ، فلما دخل إليه وعنده جماعة قال : بلغني أنك تقول : سمعت رسول الله يقول : إذا كملت بنو أمية ثلاثين رجلا اتخذوا بلاد الله دولا ، وعباد الله خولا ، ودين الله غلا . فقال : نعم ! سمعت رسول الله يقول ذلك . فقال لهم : أسمعم رسول الله يقول ذلك ؟ فبعث إلى علي بن أبي طالب ، فأتاه ، فقال : يا أبا الحسن أسمعت رسول الله يقول ما حكاه أبوذر ؟ وقص عليه الخبر . فقال علي : نعم ! قال : وكيف تشهد ؟ قال : لقول رسول الله : ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء ذا لهجة أصدق من أبي ذر . فلم يقم بالمدينة إلا أياما حتى أرسل إليه عثمان : والله لتخرجن عنها ! قال : أتخرجني من حرم رسول الله ؟ قال : نعم ، وأنفك راغم . قال : فإلى مكة ؟ قال : لا ! قال : فإلى البصرة قال : لا ! قال : فإلى الكوة ؟ قال : لا ! ولكن إلى الربذة التي خرجت منها حتى تموت بها . يامروان ! أخرجه ، ولا تدع أحدا يكلمه ، حتى يخرج . فأخرجه على جمل ومعه امرأته وابنته فخرج وعلي والحسن والحسين وعبدالله بن جعفر وعمار بن ياسر ينظرون ، فلما رأى أبوذر عليا قام إليه فقبل يده ثم بكى وقال : إني إذا رأيتك ورأيت ولدك ذكرت قول رسول الله فلم أصبر حتى أبكي ! فذهب علي يكلمه فقال له مروان : إن أمير المؤمنين قد نهى أن يكلمه أحد . فرفع علي السوط فضرب وجه ناقة مروان ، وقال : تنح ، نحاك الله إلى النار ! ثم شيعه ، فكلمه بكلام يطول شرحه ، وتكلم كل رجل من القوم وانصرفوا ، وانصرف مروان إلى عثمان ، فجرى بينه وبين علي في هذا بعض الوحشة ، وتلاحيا كلاما ، فلم يزل أبوذر بالربذة حتى توفي .
ولما حضرته الوفاة قالت له ابنته : إني وحدي في هذا الموضع ، وأخاف أن تغلبني عليك السباع . فقال : كلا إنه سيحضرني نفر مؤمنون ، فانظري أترين أحدا ؟ فقالت : ما أرى أحدا ! قال : ما حضر الوقت ، ثم قال : انظري ، هل ترين أحدا ؟ قالت : نعم أرى ركبا مقبلين فقال : الله أكبر ، صدق الله ورسوله ، حولي وجهي إلى القبلة ، فإذا حضر القوم فاقرئيهم مني السلام ، فإذا فرغوا من أمري ، فاذبحي لهم هذه الشاة ، وقولي لهم : أقسمت عليكم إن برحتم حتى تأكلوا ، ثم قضي عليه ، فأتى القوم ، فقالت لهم الجارية : هذا أبو ذر صاحب رسول الله قد توفي ، فنزلوا ، وكانوا سبعة نفر ، فيهم حذيفة بن اليمان ، والاشتر ، فبكوا بكاء شديداوغسلوه ، وكفنوه ، وصلوا عليه ، ودفنوه . ثم قالت لهم : إنه يقسم عليكم ألا تبرحوا حتى تأكلوا ! فذبحوا الشاة ، وأكلوا ، ثم حملوا ابنته ، حتى صاروا بها إلى المدينة . فلما بلغ عثمان وفاة أبي ذر قال : رحم الله أبا ذر ! قال عمار : نعم ! رحم الله أبا ذر من كل أنفسنا ، فغلظ ذلك على عثمان . وبلغ عثمان عن عمار كلام ، فأراد أن يسيره أيضا ، فاجتمعت بنو مخزوم إلى علي بن أبي طالب ، وسألوه إعانتهم ، فقال علي : لا ندع عثمان ورأيه . فجلس عمار في بيته ، وبلغ عثمان ما تكلمت به بنو مخزوم ، فأمسك عنه ، وسير عبدالرحمن بن حنبل صاحب رسول الله إلى القموس من خيبر ، وكان سبب تسييره إياه أنه بلغه كرهه مساوئ ابنه وخاله ، وأنه هجاه .
قال : وقام قوم من الانصار فتكلموا ، وكان أول من تكلم ثابت بن قيس بن شماس الانصاري ، وكان خطيب الانصار ، فقال : والله ، يا أمير المؤمنين ، لئن كانوا تقدموك في الولاية فما تقدموك في الدين ، ولئن كانوا سبقوك أمس فقد لحقتهم اليوم ، ولقد كانوا وكنت لا يخفى موضعك ، ولا يجهل مكانك ، يحتاجون إليك فيما لا يعلمون ، وما احتجت إلى أحد مع علمك . ثم قام خزيمة بن ثابت الانصاري ، وهو ذو الشهادتين ، فقال : يا أمير المؤمنين ! ما أصبنا لامرنا هذا غيرك ، ولا كان المنقلب إلا إليك ، ولئن صدقنا أنفسنا فيك ، فلانت أقدم الناس إيماناوأعلم الناس بالله ، وأولى المؤمنين برسول الله ، لك ما لهم ، وليس لهم ما لكوقام صعصعة بن صوحان فقال : والله ، يا أمير المؤمنين ، لقد زينت الخلافة وما زانتك ، ورفعتها وما رفعتكولهي أحوج منك إليها . ثم قام مالك بن الحارث الاشتر فقال : أيها الناس ، هذا وصي الاوصياء ، ووارث علم الانبياء ، العظيم البلاء ، الحسن الغناء ، الذي شهد له كتاب الله بالايمانورسوله بجنة الرضوان . من كملت فيه الفضائل ، ولم يشك في سابقته وعلمه وفضله الاواخر ، ولا الاوائل . ثم قام عقبة بن عمرو فقال : من له يوم كيوم العقبة وبيعة كبيعة الرضوان ، والامام الاهدى الذي لا يخاف جوره ، والعالم الذي لايخاف جهله .
قال وكانت وقعة النهروان سنة 39 . ولما قدم علي الكوفة قام خطيبا فقال : بعد حمد الله والثناء عليه والتذكير لنعمه والصلاة على محمد وذكره بما فضله الله به ، أما بعد أيها الناس ! فأنا فقأت عين الفتنة
قوله : فأين يتاه بكم ، بل أين تذهبون عن أهل بيت نبيكم ؟ إنا من سنخ أصلاب أصحاب السفينة ، وكما نجا في هاتيك من نجا ينجو في هذه من ينجو ، ويل رهين لمن تخلف عنهم ، إني فيكم كالكهف لاهل الكهف ، وإني فيكم باب حطة من دخل منه نجا ، ومن تخلف عنه هلك ، حجة من ذي الحجة في حجة الوداع ، إني قد تركت بين أظهركم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي
قال اليعقوبي : وروى بعضهم أن علي بن أبي طالب كان جمعه لما قبض رسول الله وأتى به يحمله على جمل ، فقال : هذا القرآن قد جمعته ، وكان قد جرأة سبعة أجزاء ،
فالجزء الاول البقرة ، وسورة يوسف ، والعنكبوت ، والروم ، ولقمان ، وحم السجدة ،الذاريات ، وهل أتى على الانسان ، والم تنزيل السجدة ، والنازعات ، وإذا الشمس كورت ، وإذا السماء انفطرت ، وإذا السماء انشقت ، وسبح اسم ربك الاعلى ، ولم يكن ، فذلك جزء البقرة ثمانمائة وست وثمانون آية ، وهو خمس عشرة سورة .
الجزء الثاني : آل عمران ، وهود ، والحج ، والحجر ، والاحزاب ، والدخان ، والرحمن ، والحاقة ، وسأل سائل ، وعبس ، والشمس وضحاها ، وإنا أنزلناه ، وإذا زلزلت ، وويل لكل همزة ، وألم ترولايلاف قريش ، فذلك جزء آل عمران ثمانمائة وست وثمانون آية ، وهو ست عشرة سورة .
الجزء الثالث : النساء ، والنحل ، والمؤمنون ، ويس ، وحمعسق ، والواقعة ، وتبارك الملك ، ويا أيها المدثر ، وأرأيت ، وتبت ، وقل هل الله أحد ، والعصر ، والقارعة ، والسماء ذات البروج ، والتين والزيتون ، وطس النمل ، فذلك جزء النساء ثمانمائة وست وثمانون آية ، وهو ست عشرة سورة .
الجزء الرابع : المائدة ، ويونس ، ومريم ، وطسم الشعراء ، والزخرف ، والحجرات ، وق والقرآن المجيد ، واقتربت الساعة ، والممتحنة ، والسماء والطارق ، ولا أقسم بهذا البلد ، وألم نشرح لك ، العاديات ، وإنا أعطيناك الكوثر ، وقل يا أيها الكافرون ، فذلك جزء المائدة ثمانمائة وست وثمانون آية ، وهو خمس عشرة سورة .
الجزء الخامس : الانعام ، وسبحان ، واقترب ، والفرقان ، وموسى وفرعون ، وحم المؤمنوالمجادلة ، والحشر ، والجمعة ، والمنافقون ، ون والقلم ، وإنا أرسلنا نوحا ، وقل أوحي إليوالمرسلات ، والضحى ، وألهاكم ، فذلك جزء الانعام ثمانمائة وست وثمانون آية ، وهو ست عشرة سورة .
الجزء السادس : الاعراف ، وإبراهم ، والكهف ، والنور ، وص ، والزمر ، والشريعة ، والذين كفروا ، والحديد ، والمزمل ، ولا أقسم بيوم القيامة ، وعم يتساءلون ، والغاشية ، والفجر ، والليل إذا يغشى ، وإذا جاء نصر الله ، فذلك جزء الاعراف ثمانمائة وست وثمانون آية ، وهو ست عشرة سورة .
الجزء السابع : الانفال ، وبراءة ، وطه ، والملائكة ، والصافات ، والاحقاف ، والفتح ، والطوروالنجم ، الصف ، والتغابنوالطلاق ، والمطففين ، والمعوذتين ، فذلك جزء الانفال ثمانمائة وست وثمانون آية ، وهو خمس عشرة سورة .
وقال بعضهم : إن عليا قال : نزل القرآن على أربعة أرباع : ربع فينا ، وربع في عدوناوربع أمثال ، وربع محكم ومتشابه .
اورد اليعقوبي اخبارا اخرى مهمة نوردها فيما يلي :
قال ولما قدم أبرهة ملك الحبشة صاحب الفيل مكة ليهدم الكعبة تهاربت قريش في رؤوس الجبال ، فقال عبدالمطلب : لو اجتمعنا ، فدفعنا هذا الجيش عن بيت الله ؟ فقالت قريش : لا بد لنا به ! فأقام عبدالمطلب في الحرم ، وقال : لاأبرح من حرم الله ، ولاأعوذ بغير الله ، ... ثم قال :
لهم ! إن المرء يمنع رحله فامنع حلالك
لا يغلبن صليبهم ومحالهم عدوامحالك
ولئن فعلت ، فإنه أمر تتم به فعالك
وأقام بموضعه ، فلما كان من غد بعث ابنه عبدالله ليأتيه بالخبر ، ودنا ، وقد اجتمعت إليه من قريش جماعة ليقاتلوا معه ان أمكنهم ذلك ، فأتى عبد الله على فرس شقراء يركض ، وقد جردت ركبته ، فقال عبدالمطلب : قد جاءكم عبدالله بشيرا ونذيرا ، والله ما رأيت ركبته قط قبل اليوم ، فأخبرهم ما صنع الله بأصحاب الفيل ، وقال عبد المطلب لما كان من أصحاب الفيل ما كان :
لم يزل لله فينا حجة يدفع الله بها عنا النقم
نحن أهل الله في بلدته لم يزل ذاك على عهد ابرهم
قال : ولما بلغ (محمد ص)العشرين ظهرت فيه العلامات وجعل أصحاب الكتب يقولون فيه ويتذاكرون أمره ويتوصفون حاله ويقربون ظهوره ، فقال يوما لابي طالب : يا عم إني أرى في المنام رجلا يأتيني ومعه رجلان فيقولان : هو هو ، وإذا بلغ فشأنك به ، والرجل لا يتكلم . فوصف أبو طالب ما قال لبعض من كان بمكة من أهل العلم . فلما نظر إلى رسول الله قال : هذه الروح الطيبة ! هذا والله النبي المطهر . فقال له أبوطالب : فاكتم على ابن أخي لا تغر به قومه ، فوالله إنما قلت لعلي ما قلت ، ولقد أنبأني أبي عبد المطلب بأنه النبي المبعوث وأمرني أن أستر ذلك لئلا يغري به الاعادي .
ولما توفي الحسن وبلغ الشيعة ذلك اجتمعوا بالكوفة في دار سليمان بن صرد ، وفيهم بنو جعدة بن هبيرة ، فكتبوا إلى الحسين بن علي يعزونه على مصابه بالحسن : بسم الله الرحمن الرحيم ، للحسين بن علي من شيعتة وشيعة أبيه أمير المؤمنين سلام عليك ، فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، أما بعد ، فقد بلغنا وفاة الحسن بن علي ... يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ، غفر الله ذنبه وتقبل حسناته ، وألحقه بنبيه ، وضاعف لك الاجر في المصاب به وجبر بك المصيبة من بعده فعند الله نحتسبه ، وإنا لله وإنا إليه راجعون ، ما أعظم ما أصيب به هذه الامة عامة ، وأنت وهذه الشيعة خاصة ، بهلاك ابن الوصي وابن بنت النبي ، علم الهدى ، ونور البلاد المرجو لاقامة الدين وإعادة الدين وإعادة سير الصالحين ، فاصبر رحمك الله على ما أصابك ، إن ذلك لمن عزم الامور ، فإن فيك خلفا ممن كان قبلك ، وإن الله يؤتي رشده من يهدى بهديك ، ونحن شيعتك المصابة بمصيبتك ، المحزونة بحزنك ، المسرورة بسرورك ، السائرة بسيرتك ، المنتظرة لامرك ، شرح الله صدرك ، ورفع ذكرك ، وأعظم أجرك ، وغفر ذنبك ، ورد عليك حقك .
قال : وكان حجر بن عدي الكندي ، وعمرو بن الحمق الخزاعي وأصحابهما من شيعة علي بن أبي طالب ، إذا سمعوا المغيرة وغيره من أصحاب معاوية ، وهم يلعنون عليا على المنبر ، يقومون فيردون اللعن عليهم ، ويتكلمون في ذلك . فلما قدم زياد الكوفة خطب خطبة له مشهورة لم يحمد الله فيها ، ولم يصل على محمد ، وأرعد فيها وأبرق ، وتوعد وتهدد ، وأنكر كلام من تكلم ، وحذرهم ورهبهم ، وقال : قد سميت الكلمة على المنبر ، الصلعاء ، فإذا أوعدتكم أو وعدتكم ، فلم أف لكم بوعدي ووعيدي ، فلا طاعة لي عليكم . وكانت بينه وبين حجر بن عدي مودة ، فوجه إليه فأحضره ، ثم قال له : يا حجر ! أرأيت ما كنت عليه من المحبة والموالاة لعلي ؟ قال : نعم ! قال : فإن الله قد حول ذلك بغضة وعداوة ، أورأيت ما كانت عليه من البغضة والعداوة لمعاوية ؟ قال : نعم ! قال : فإن الله قد حول ذلك محبة وموالاة ، فلا أعلمنك ما ذكرت عليا بخير ولا أمير المؤمنين معاوية بشر . ثم بلغه أنهم يجتمعون ، فيتكلمون يدبرون عليه وعلى معاوية ، ويذكرون مساويهما ، ويحرضون الناس ، فوجه صاحب شرطه إليهم ، فأخذ جماعة منهم فقتلوا ، وهرب عمرو بن الحمق الخزاعي إلى الموصل وعدة معه ، وأخذ زياد حجر بن عدي الكندي وثلاثة عشر رجلا من أصحابه فأشخصهم إلى معاوية ، فكتب فيهم أنهم خالفوا الجماعة في لعن أبي تراب ، وزروا على الولاة ، فخرجوا بذلك من الطاعة ، وأنفذ شهادات قوم أولهم بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الاشعري ، فلما وأنفذ شهادات قوم أولهم بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الاشعري ، فلما صاروا بمرج عذراء من دمشق على أميال أمر معاوية بإيقافهم هناك ، ثم وجه إليهم من يضرب أعناقهم ، فكلمه قوم في ستة منهم ، فوقف عنهم ، فقتل سبعة : حجر بن عدي الكندي ، وشريك بن شداد الحضرمي ، وصيفي بن فسيل الشيباني ، وقبيصة ابن ضبيعة العبسي ، ومحرز بن شهاب التميمي ، وكدام بن حيان العنزي .
قال : وروي أنه كان أحضر قوما بلغه أنهم شيعة لعلي ليدعوهم إلى لعن علي والبراءة منه ، أو يضرب أعناقهم ، وكانوا سبعين رجلا ، فصعد المنبر ، وجعل يتكلم بالوعيد والتهديد ، فنام بعض القوم ، وهو جالس ، فقال له بعض أصحابه : تنام وقد أحضرت لتقتل ؟ فقال : من عمود إلى عمود فرقان ، لقد رأيت في نومتي هذه عجبا . قالوا : وما رأيت ؟ قال : رأيت رجلا أسود دخل المسجد فضرب رأسه السقف ، فقلت : من أنت يا هذا ؟ فقال : أنا النقاد داق الرقبة . قلت : وأين تريد ؟ قال : أدق عنق هذا الجبار الذي يتكلم على هذه الاعواد
قال : وكان أول صارخة صرخت في المدينة أم سلمة زوج رسول ، كان دفع إليها قارورة فيها تربة ، وقال لها : إن جبريل أعلمني ان أمتي تقتل الحسين ، وأعطاني هذه التربةوقال لي : إذا صارت دما عبيطا فاعلمي أن الحسين قد قتل ، وكانت عندها ، فلما حضر ذلك الوقت جعلت تنظر إلى القارورة في كل ساعة ، فلما رأتها قد صارت دما صاحت : وا حسيناه ! وابن رسول الله ! وتصارخت النساء من كل ناحية ، حتى ارتفعت المدينة بالرجة التي ما سمع بمثلها قط . وكانت سن الحسين يوم قتل ستا وخمسين سنة ، وذلك انه ولد في سنة 4 من الهجرة .
قال وأخذ ابن الزبير عبدالله بن عباس بالبيعة له ، امتنع عليه ، فبلغ يزيد بن معاوية أن عبدالله بن عباس قد امتنع على ابن الزبير ، فسره ذلك ، وكتب إلى ابن عباس : "أما بعد فقد بلغني أن الملحد ابن الزبير دعاك إلى بيعته ، وعرض عليك الدخول في طاعته لتكون على الباطل ظهيرا وفي المأثم شريكا ، وأنك امتنعت عليه ، واعتصمت ببيعتنا وفاء منك لنا ، وطاعة لله فيما عرفك من حقنا ، فجزاك الله من ذي رحم بأحسن ما يجزي به الواصلين لارحامهم فإني ما أنس من الاشياء فلست بناس برك ، وحسن جزائك ، وتعجيل صلتك بالذي أنت مني أهله في الشرف والطاعة والقرابة بالرسول ، وانظر ، رحمك الله ، فيمن قبلك من قومك ومن يطرؤ عليك من الآفاق ممن يسحره الملحد بلسانه وزخرف قوله ، فأعلمهم حسن وأيك في طاعتي والتمسك ببيعتي ، فإنهم لك أطوع ، ومنك أسمع منهم للمحل الملحد ، والسلام" .
فكتب إليه عبدالله بن عباس : "من عبدالله بن عباس إلى يزيد بن معاوية . أما بعد ، فقد بلغني كتابك بذكر دعاء ابن الزبير إياي إلى نفسه وامتناعي عليه في الذي دعاني إليه من بيعته ، فإن يك ذلك كما بلغك ، فلست حمدك أردت ، ولا ودك ، ولكن الله بالذي أنوي عليموزعمت انك لست بناس ودي فلعمري ما تؤتينا مما في يديك من حقنا إلا القليل ، وإنك لتحبس عنا منه العريض الطويل ، وسألتني أن أحث الناس عليك وأخذلهم عن ابن الزبير ، فلا ، ولا سروراولا حبورا ، وأنت قتلت الحسين بن علي ، بفيك الكثكث ، ولك الاثلب ، إنك إن تمنك نفسك ذلك لعازب الرأي ، وإنك لانت المفند المهور .
لا تحسبني ، لا أبا لك ، نسيت قتلك حسينا وفتيان بني عبد المطلب ، مصابيح الدجى ونجوم الاعلام ، غادرهم جنودك مصرعين في صعيد ، مرملين بالتراب ، مسلوبين بالعراء لا مكفنين ، تسفي عليهم الرياح ، وتعاور هم الذئاب ، وتنشي بهم عرج الضباع ، حتى أتاح الله لهم أقواما لم يشتراكوا في دمائهم ، فأجنوهم في أكفانهم ، وبي والله وبهم عززت وجلست مجلسك الذي جلست ، يا يزيد . وما أنس من الاشياء ، فلست بناس تسليطك عليهم الدعي العاهر ، ابن العاهر ، البعيد رحما ، اللئيم أبا وأما ، الذي في ادعاء أبيك إياه ما اكتسب أبوك به إلا العار والخزي والمذلة في الآخرة والاولى ، وفي الممات والمحيا ، إن نبي الله قال : الولد للفراش ، وللعاهر الحجر ، فألحقه بأبيه كما يلحق بالعفيف النقي ولده الرشيد ، وقد أمات أبوك السنة جهلا وأحيا البدع والاحداث المضلة عمدا .
وما أنس من الاشياء ، فلست بناس اطرادك الحسين بن علي من حرم رسول الله إلى حرم الله ، ودسك إليه الرجال تغتاله ، فأشخصته من حرم الله إلى الكوفة ، فخرج منها خائفا يترقب ، وقد كان أعز أهل البطحاء بالبطحاء قديما ، وأعز أهلها بها حديثا ، وأطوع أهل الحرمين بالحرمين لو تبوأ بها مقاما واستحل بها قتالا ، ولكن كره أن يكون هوالذي يستحل حرمة البيت وحرمة رسول الله فأكبر من ذلك ما لم تكبر حيث دسست إليه الرجال فيها ليقاتل في الحرم وما لم يكبر ابن الزبير حيث ألحد بالبيت الحرام وعرضه للعائر وأراقل العالم ، وأنت ؟ لانت المستحل فيما أظن بل لا شك فيه أنك للمحرف العريف ، فإنك حلف نسوة ، صاحب ملاه ، فلما رأى سوء رأيك شخص إلى العراق ، ولم يبتغك ضرابا ، وكان أمر الله قدرا مقدورا .
ثم إنك الكاتب إلى ابن مرجانة أن يستقبل حسينا بالرجال ، وأمرته بمعاجلته ، وترك مطاولته ، والالحاح عليه ، حتى يقتله ومن معه من بني عبد المطلب ، أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، فنحن أولئك لسنا كآبائك الاجلاف الجفاة الاكباد الحمير .
ثم طلب الحسين بن علي إليه الموادعة ، وسألهم الرجعة ، فاغتنمتم قلة أنصارهواستئصال أهل بيته ، فعدوتم عليهم ، فقتلوهم كأنما قتلوا أهل بيت من الترك والكفر ، فلا شئ عندي أعجب من طلبك ودي ونصري ، وقد قتلت بني أبي ، وسيفك يقطر من دمي ، وأنت آخذ ثأري ، فإن يشاء الله لايطل لديك دمي ولا تسبقني بثأري ، وإن سبقتني به في الدنيافقبلنا ما قتل النبيون وآل النبيين وكان الله الموعد ، وكفى به للمظلومين ناصرا ، ومن الظالمين منتقما . فلا يعجبنك ان ظفرت بنا اليوم ، فوالله لنظفرن بك يوما .
فأما ما ذكرت من وفائي ، وما زعمت من حقي ، فإن يك ذلك كذلك ، فقد والله بايعت أباك ، وإني لاعلم أن ابني عمي وجميع بني أبي أحق بهذا الامر من أبيك ، ولكنكم ، معاشر قريش ، كاثر تمونا ، فاستأثرتم علينا سلطاننا ، دفعتمونا عن حقنا ، فبعدا على من يجترئ على ظلمنا ، واستغوى السفهاء علينا ، وتولى الامر دوننا . فبعدا لهم كما بعدت ثمود ، وقوم لوطوأصحاب مدين ، ومكذبو المرسلين .
ألا ومن أعجب الاعاجيب ، وما عشت أراك الدهر العجيب ، حملك بنات عبد المطلب وغلمة صغارا من ولده إليك بالشام كالسبي المجلوب ، تري الناس أنك قهرتنا ، وأنك تأمر علينا ، ولعمري لئن كنت تصبح وتمسي آمنا لجرح يدي ، إني لارجو أن يعظم جراحك بلساني ونقضي وإبرامي ، فلا يستقر بك الجدل ، ولا يمهلك الله بعد قتلك عترة رسول الله إلا قليلاحتى يأخذك أخذا أليما ، فيخرجك الله من الدنيا ذميما أثيما ، فعش لا أبالك ، فقد والله أرداك عند الله ما اقترفت . والسلام على من أطاع الله"
قال : ومنع عبدالملك أهل الشام من الحج ، وذلك أن ابن الزبير كان يأخذهم ، إذا حجوابالبيعة ، فلما رأى عبدالملك ذلك منعهم من الخروج إلى مكة ، فضج الناس ، وقالوا : تمنعنا من حج بيت الله الحرام ، وهو فرض من الله علينا ! فقال لهم : هذا ابن شهاب الزهري يحدثكم أن رسول الله قال : لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرامومسجدي ، ومسجد بيت المقدس ، وهو يقوم لكم مقام المسجد الحرام ، وهذه الصخرة التي يروى أن رسول الله وضع قدمه عليها ، لما صعد إلى السماء ، تقوم لكم مقام الكعبة ، فبنى على الصخرة قبة ، وعلق عليها ستور الديباج ، وأقام لها سدنة ، وأخذ الناس بأن يطوفا حولها كما يطوفون حول الكعبة ، وأقام بذلك أيام بني أمية .
قال : وتحامل عبدالله بن الزبير على بني هاشم تحاملا شديدا ، وأظهر لهم العداوة والبغضاء ، حتى بلغ ذلك منه أن ترك الصلاة على محمد في خطبته ، فقيل له : لم تركت الصلاة على النبي ؟ فقال : إن له أهل سوء يشرئبون لذكره ، ويرفعون رؤوسهم إذا سمعوا بهوأخذ ابن الزبير محمد بن الحنفية ، وعبدالله بن عباس ، وأربعة وعشرين رجلا من بني هاشم ليبايعوا له فامتنعوا ، فحبسهم في حجرة زمزم ، وحلف بالله الذي لا إله إلا هو ليبايعن أو ليحرقنهم بالنار ، فكتب محمد بن الحنفية إلى المختار بن أبي عبيد : بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد بن علي ومن قبله من آل رسول الله إلى المختار بن أبي عبيد ومن قبله من المسلمين ، أما بعد فإن عبدالله بن الزبير أخذنا ، فحبسنا في حجرة زمزم ، وحلف بالله الذي لا إله إلا هو لنبايعنه أو ليضرمنها علينا بالنار ، فيا غوثا ! فوجه إليهم المختار بن أبي عبيد بأبي عبدالله الجدلي في أربعة آلاف راكب ، فقدم مكة ، فكسر الحجرة ، وقال لمحمد بن علي : دعني وابن الزبير ! قال : لا أستحل من قطع رحمه ما استحل مني . وبلغ محمد بن علي بن أبي طالب أن ابن الزبير قام خطيبا فنال من علي بن أبي طالب ، فدخل المسجد الحرام ، فوضع رحلا ، ثم قام عليه ، فحمدالله وأثنى عليه ، وصلى على محمد ، ثم قال : شاهت الوجوه ، يا معشر قريش ، أيقال هذا بين أظهركم وأنتم تسمعون ، ويذكر علي فلا تغضبون ؟ ألا إن عليا كان سهما صائبا من مرامي الله أعداءه ، يضرب وجوههم ، ويهوعهم مآكلهم ، ويأخذ بحناجرهم . ألا وإنا على سنن ونهج من حاله ، وليس علينا في مقادير الامور حيلة ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون . فبلغ قوله عبدالله بن الزبير ، فقال : هذا عذرة بني الفواطم ، فما بال ابن أمة بني حنيفة ؟ وبلغ محمدا قوله ، فقال : يا معاشر قريش وما ميزني من بني الفواطم ؟ أليست فاطمة ابنة رسول الله حليلة أبي وأم إخوتي ؟ أوليست فاطمة بنت أسد بن هاشم جدتي وأم أبي ؟ أليست فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم جدة أبي وأم جدني ؟ أما والله لولا خديجة بنت خويلد لما تركت في أسد عظما إلا هشمته ، فإني بتلك التي فيها المعاب صبير . ولما لا يكن بابن الزبير قوة على بني هاشم ، وعجز عما دبره فيهم ، أخرجهم عن مكة ، وأخرج محمد بن الحنفية إلى ناحية رضوى ، وأخرج عبدالله بن عباس يإلى الطائف إخراجا قبيحا ، وكتب محمد بن الحنفية إلى عبدالله بن عباس : أما بعد ، فقد بلغني أن عبدالله بن الزبير سيرك إلى الطائف ، فرفع الله بك أجرا ، واحتط عنك وزرا ، يا ابن عم ، إنما يبتلى الصالحون ، وتعد الكرامة للاخيار ، ولو لم تؤجر إلا فيما نحب وتحب قل الاجر ، فاصبر فإن الله قد وعد الصابرين خيراوالسلام .
وروى بعضهم أن محمد بن الحنفية صار أيضا إلى الطائف ، فلم يزل بها .
قال وولى عبدالملك الحجاج في هذه السنة (أي سنة 70هجرية) العراق ، وكتب إليه كتابا بخطه : أما بعد ، يا حجاج ، فقد وليتك العراقين صدقة ، فإذا قدمت الكوفة فطأها وطأة يتضاءل منها أهل البصرة ، وإياك وهوينا الحجاز ، فإن القائل هناك يقول ألفا ولا يقطع بهن حرفا ، وقد رميت العرض الاقصى ، فارمه بنفسك ، وأرد ما أردته بك ، والسلام . فلما قدم الكوفة صعد المنبر متلثما بعمامته متنكبا قوسه وكنانته ، فجلس على المنبر مليا لا يتكلم ، حتى هموا أن يحصبوه ، ثم قال : يا أهل العراق ، ويا أهل الشقاق والنفاق والمراق ، ومساوئ الاخلاق ، إن أمير المؤمنين نثل كنانته ، فعجمها عودا عودا ، فوجدني أمرها عودا وأصعبها كسرا ، فرماكم بي ، وإنه قلدني عليكم سوطا وسيفا ، فسقط السوط وبقي السيف ... وتكلم بكلام كثير فيه توعد وتهدد .
قال : وكتب الوليد إلى خالد بن عبدالله القسري ، عامله على الحجاز ، يأمره بإخراج من بالحجاز من أهل العراقين ، وحملهم إلى الحجاج بن يوسف ، فبعث خالد إلى المدينة عثمان بن حيان المري لاخراج من بها من أهل العراقين ، فأخرجهم جميعا ، وجماعاتهم في الجوامع ، إلى الحجاج ، ولم يترك تاجرا ولا غير تاجر ، ونادى : ألا برئت الذمة ممن آوى عراقيا ، وكان لا يبلغه أن أحدا من أهل العراق في دار أحد من أهل المدينة إلا أخرجه
الثاني عشر : ابو هاشم يوصي الى ابن عمه محمد بن علي بن عباس بالحميمة : قال وقدم أبو هاشم عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب على سليمان ، وقال سليمان : ما كلمت قرشيا قط يشبه هذا ، وما أظنه إلا الذي كنا نحدث عنه ، فأجازه ، وقضى حوائجه وحوائج من معه . ثم شخص عبد الله بن محمد ، وهو يريد فلسطين ، فبعث سليمان قوما إلى بلاد لخم وجذام ، ومعهم اللبن المسموم ، فضربوا أخبية نزلوا فيها ، فمر بهم ، فقالوا : يا عبد الله ! هل لك في الشراب ؟ فقال : جزيتم خيرا . ثم مر بآخرين ، فقالوا مثل ذلك ، فجزاهم خيرا ، ثم بآخرين ، فاستسقى فسقوه ، فلما استقر اللبن في جوفه قال لمن معه : أنا والله ميت ، فانظروا من هؤلاء ، فنظروا فإذا القوم قد قوضوا ، فقال : ميلوا بي إلى ابن عمي محمد بن علي بن عبدالله بن عباس ، فإنه بأرض الشراة ، فأسرعوا السير حتى أتوا محمد بن علي بالحميمة من أرض الشراة ، فلما قدم عليه قال له : يا ابن عم أنا ميت ، وقد صرت إليك ، وهذه وصية أبي إلي ، وفيها أن الامر صائر إليك ، وإلى ولدك ، والوقت الذي يكون ذلك ، والعلامة وما ينبغي لكم العمل به على ما سمع وروى عن أبيه علي بن أبي طالب ، فاقبضها إليك ، وهؤلاء الشيعة استوص بهم خيراوهؤلاء دعاتك وأنصارك ، فاستبطنهم ، فإني قد بلوتهم بمحبة ومودة لاهل بيتك ، ثم هذا الرجل ميسرة ، فاجعله صاحبك بالعراق ، فأما الشام ، فليست لكم ببلاد ، وهؤلاء رسله إلى خراسان وإليك ، ولتكن دعوتكم بخراسان ، ولا تعد هذه الكور : مرو ، ومرو الروذ ، وبيورد ، ونساوإياك ونيسابور وكورها ، وابرشهر ، وطوس ، فإني أرجو أن تتم دعوتكمويظهر الله أموركم ، واعلم أن صاحب هذا الامر من ولدك عبد الله بن الحارثية ، ثم عبد الله أخوه الذي هو أكبر منه ، فإذا مضت سنة الحمار ، فوجه رسلك بكتبك ، ووطد الامر قبل ذلك بلا رسول ولا حجة . فأما أهل العراق ، فهم شيعتك ومحبوك ، وهم أهل اختلاف ، فلا يكن رسولك إليهم منهم ، وانظر أهل الحي من ربيعة فألحقهم بهم ، فإنهم معهم في كل أمر ، وانظر هذا الحي من تميم وقيس ، فأقصهم ، ثم أبدهم إلا من عصم الله منهم ، وهم أقل من القليل ، ثم اختر دعاتك ، فليكونوا اثني عشر نقيبا ، فإن الله عزوجل لم يصلح أمر بني إسرائيل إلا بهم وسبعين نفسا بعدهم يتلونهم ، فإن النبي إنما اتخذ اثني عشر نقيبا من الانصار اتباعا لذلك . فقال محمد : يا أبا هاشم ! وما سنة الحمار ؟ قال : لم يمض مائة من نبوة قط إلا انقضت أمورها ، لقول الله عزوجل : "أو كالذي مر على قرية" ، الآية ، فإذا دخلت مائة سنة ، فابعث رسلك ودعاتك ، فإن الله متمم أمرك . ومات أبوهاشم بعد أن دفع الكتاب إلى محمد بن علي ، وذلك سنة 97 . وفيها وجه محمد بن علي أبا رباح ميسرة النبال مولى الازد إلى الكوفة .
كانت هذه اهم الاخبار التي اوردها اليعقوبي في تاريخه ، والذي اورده من حوادث السقيفة او تراجم الائمة من ذرية الحسين عليهم السلام او احاديث النبي صلى الله عليه وآله في فضائل اهل بيته او احاديث علي عليه السلام في الملاحم والفتن لا تشكل دليلا على ان اليعقوبي كان شيعيا اماميا لان المسعودي قد اورد مثلها في كتابه مروج الذهب للمسعودي وكذلك ابوجعفر الاسكافي في كتابه المعيار والموازنة وهما معتزليان ، وقد ترجم ابن الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد للامام الكاظم عليه السلام وقد اورد من سيرته عليه السلام ما لم يورده اليعقوبي عنه وكذلك المزي في كتابه تهذيب الكمال حين ترجم للامام السجاد والامام الباقر والصادق وكذلك ابن عساكر وغيرها من كتب الحديث والرجال المعروفة عند العامة وبين ايدينا ابن ابي الحديد الذي اورد ما لم يورده هؤلاء عن السقيفة وتاريخ امير المؤمنين وهو من خصوم الشيعة .
واليعقوبي لم يترجم للامام الجوادعليه السلام ولم يذكر لنا ان الكاظمعليه السلام قد توفي بالسم ، ولم يذكر لنا حديث الدار
ان تشيع اليعقوبي لا يعدو التشيع بمعناه العام فهو يوالي بني هاشم (العلويين والعباسيين معا) في قبال بني امية .
ان امتياز اليعقوبي كمؤرخ هو في ايراده طرفا من المعلومات عن علي والائمة من ولده عليهم السلام دون حساسية لانه موال لبني هاشم . وفي انتباهته ان لا يعتمد على مصادر مثل كتابي سيف بن عمر مصدرا للحديث عن حروب الردة او الفتوح او مقتل عثمان وبيعة علي عليه السلام وحرب الجمل على عكس صنع الطبري .
لو كان اليعقوبي شيعيا بالمعنى الخاص أي كان اماميا لاعتمد في تدوين تاريخه على اصول اصحاب الائمة عليهم السلام في السيرة والتاريخ التي ذكرنا طرفا منها فيما سبق وقد كانت ميسرة في زمانه ولم يكن شيئاً من ذلك سوى ما رواه لنا من اخبار يسيرة في السيرة من كتاب ابان بن اسحاق الاحمر احد اصحاب الامام الصادق عليه السلام والرواية عن كتاب ابان لا تشكل رقما مهما في هذا المجال لاشتهار كتاب ابان عند العامة ولنقل ابن سلام الجمحي عنه مع كونه عاميا مضافا الى ان الاخبار التي رواها عن ابان يسيرة وليس لها خصوصية مميزة .
______________________
(1) لعله رحمه الله استفاد ذلك مما ورد في معجم البلدان لياقوت ج 1 /161:قال وذكر ابن واضح الاصبهاني أنه كتب لعدة من ملوكها وأطال المقام بأرمينية ولم ير بلدا أوسع منه ولا أكثر عمارة ، وذكر أن عدة ممالكها مائة وثماني عشرة مملكة .
(2) ويستفاد مما ذكره اليعقوبي عن سقوط بني طولون الذي وقع سنة 292 انه كان حيا الى تلك السنة على الاقل .
(3) ثم طبع اخيرا في بيروت . وقد ترجمه الى الفارسية الدكتور محمد ابراهيم ايتي وكتب له مقدمة وطبع سنة1342 هجرية شمسية .
(4) آقا بزرگ الطهراني الذريعة ج 3 ص 296 .
(5) كان من ولاة الرشيد على السند وارمينية وقد بقي عليها الى ما زمن الامين ثم كان في جيش الامين ضد المامون سنة 198 هجرية . وقد اعتمد عليه رواية حوادث عهد الرشيد ومن قبله من الخلفاء ومن بعده .
(6) كان من قضاة الرشيد وولاه المدينة ثم عزله عنهاثم جاء الى بغداد وتوفي بها . له كتب وقالوا عنه يضع الحديث . قال النجاشي في رجاله : "وهب بن وهب بن عبد الله بن زمعة بن الاسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى ، أبو البختري : روى عن أبي عبد الله عليه السلام وكان كذابا ، وله أحاديث مع الرشيد في الكذب ، قال سعد : تزوج أبو عبد الله عليه السلام بأمه . له كتاب يرويه جماعة . أخبرنا العباس بن عمر الكلوذاني قال : حدثنا علي بن الحسين بن بابويه ، قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، قال : حدثنا السندي بن محمد ، عن أبي البختري . وله كتاب الالوية والرايات ، وكتاب مولد أمير المؤمنين عليه السلاموكتاب صفات النبي (صلى الله عليه وآله)" . وقال الكشي : قال أبو محمد الفضل بن شاذان : كان أبو البختري من أكذب البرية . وفي الكامل لعبدالله بن عدي ج 7 ص63 عن أبي طالب قال سمعت احمد بن حنبل يقول كان أبو البخترى يضع الحديث وضعا فيما يروى وأشياء لم يروها أحد قال العباس سمعت يحيى وذكر أبا البخترى القاضي فقال كذاب خبيث .
(7) مثل محمد بن الحسن نقل عنه بعض اخبار عبد المطلب ، وأبي الحسن بن أبي عباد وهو من شيوخه حيث روى عنه بلفظ حدثني وروى عنه خبر خروج المامون حاسرا في جنازة الرضي وبكائه عليه وروى عنه جملة من اقوال الرضي .
(8) اقول: قد وردت الرواية عن اهل البيت بذلك ، وحين يعترف بها المنصور تكون عليه وعلى غيره حجة ، اما دموعه فهي كدموع حفيده المامون حين دس السم للرضا ثم أظهر الجزع عليه وسياتي في فصل اخبار التدوين التاريخي موقف المنصور من الصادق وشدة ايذائه له ولشيعته .
(9) ويقال سنة 92 ، وسنة 94 وسنة 95 والقولان الاخيران اكثر رجحانا .
(10) لشبهه بالنبي (صلى الله عليه وآله) .
(11) اي فتنة عائشة ومعاوية والخوارج وهو واضح من بقية كلامه عليه السلام .
(12) القول الاخير هو حديث النبي صلى الله عليه واله فيه وفي ولديه الحسنين وفاطمة عليها السلام ولعل كلمة او كلمتين سقطت قبل ذلك فانه عليه السلا م بعد ما بين موقعه من الهدى ذكر حديث النبي فيه وفيه ولديه كدليل على قوله على ان قوله عليه السلام لا غبار عليه في نفسه لانه يريد به الحسن والحسين والتسعة من ذرية الحسين .
(13) روى القصة المسعودي في مروج الذهب 3/26وابن عساكر في تاريخ دمشق 19/203
(14) رواها ايضا البسوي في المعرفة والتاريخ .
(15) لا نعلم في اي سنة ولكن اليعقوبي كان قد ذكر قبله حوادث سنة 92 وذكره بعده حوادث سنة 95هجرية .
(16) وهو قول النبي (صلى الله عليه وآله) : فأيُّكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم قال : فأحجم القوم عنها جميعا وقلت : وإنِّي لأحدَثهم سناً وأرمصهم عيناً وأعظمهم بطناً وأحمشهم ساقاً أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه . فأخذ برقبتي ثم قال : إنَّ هذا أخي ووصي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا . قال : فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع وقد مر الحديث في الباب الاول عن صنع ابن هشام في سيرة ابن اسحاق .
(17) ومن الشواهد الاخرى على عدم شيعية اليعقوبي بالمعنى الخاص هو ما ذكره من جزع النبي (صلى الله عليه وآله) عند موت ابي طالب وذكره رواية مكذوبة عن النبي (صلى الله عليه وآله) وهي قوله ان الله وعدني في اربعة : في ابي وامي وعمي واخ كان لي في الجاهلية . ومعنى ذلك ان ابا طالب مات مشركا وهذا خلاف عقيدة الشيعة الامامية وكذلك الحال في عبد الله والد النبي (صلى الله عليه وآله) . وكذلك ما اورده في قصة الافك وسبب نزول الايات في سورة النور الايات 11-23 حيث ذكر رواية عائشة وانها نزلت في شانها لتبرئتها وهي رواية مكذوبة والرواية الصحيحة هي ما ذكره علي بن ابراهيم من كون مارية هي المتهمة والايات نزلت لتبرئتها . وما اورده في غزوة مؤتة من ان امير الجيش هو زيد بن حارثة فان قتل زيد فجعفر فان قتل جعفر فعبد الله بن رواحة وقيل بل كان جعفر المقدم ثم زيد ثم عبد الله بن رواحة ، فذكر اولية جعفر في التامير بعنوان قيل بينما هو المتسالم عليه عند الشيعة . قال ابن ابي الحديد المعتزلي : اتفق المحدثون على أن زيد بن حارثة كان هو الامير الاول ، وأنكرت الشيعة ذلك ، وقالوا كان جعفر بن أبى طالب هو الامير الاول ، فإن قتل فزيد بن حارثة ، فإن قتل فعبد الله بن رواحة ، ورووا في ذلك روايات ، وقد وجدت في الاشعار التى ذكرها محمد بن إسحاق في كتاب المغازى ما يشهد لقولهم . وشواهد اخرى لا يتسع المجال لذكرها .