قصة السقيفة

روى أبو بكر الجوهري : قال حدثني المغيرة بن محمد المهلبي من حفظه وعمر بن شبة من كتابه بإسناد رفعه إلى أبي سعيد الخدري قال : سمعت البراء بن عازب يقول : لم أزل لبني هاشم محباً فلما قُبِض رسول الله صلى الله عليه وآله تخوفت أن تتمالأ (1) قريش على إخراج هذا الأمر عن بني هاشم فأخذني ما يأخذ الوالِه (2) العَجول (3) .

وروى البخاري بسنده إلى عمر بن الخطاب : أنَّه تحدث عن قصة السقيفة في خطبة له قال : إنَّ بيعة أبي بكر كانت فَلتة (4) ... غير أنَّ الله وقى شرَّها ... وأنّه كان من خبرنا حين تَوفى الله نبيَّه صلى الله عليه وآله أنَّ علياً والزبير ومن معهما تخلّفوا عنّا في بيت فاطمة وتخلفت عنا الأنصار بأسرها واجتمع المهاجرون (5) إلى أبي بكر فقلت لأبي بكر : انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار فانطلقنا نؤُمُّهم (6) ... فأتيناهم وهم مجتمعون في سقيفة بني ساعدة ... فقام رجل منهم فحمد الله وقال : أما بعد فنحن الأنصار وكتيبة الإسلام وأنتم يا معشر قريش رهط (7) نبيِّنا وقد دفَّت إلينا من قومكم دافّة (8) .

قال عُمَر : فلما رأيتهم يريدون أن يختزِلونا (9) من أصلنا ويغصِبونا الأمرَوقد كنت زَوَّرتُ (10) في نفسي مقالة أقدمها بين يدي أبي بكر ، وقد كنت أداري منه بعض الحدِّ (11) وكان هو أوقر (12) مني وأحلم ، فلما أردت أن أتكلم قال : على رسلك ، فكرهت أن أعصيَه ، فقام فحمد الله وأثنى عليه فما ترك شيئاً كنت زوَّرتُ في نفسي أن أتكلم به لو تكلمت ، إلا قد جاء به أو بأحسن منه . وقال : أما بعد يا معشَرَ الأنصار ! فإنَّكم لا تذكرون منكم فضلاً إلا وأنتم له أهل وإنَّ العرب لا تعرِف هذا الأمر إلا لهذا الحىِّ من قُريش وهم أوسط العرب داراً ونسباً ، ولكن قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم .

فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح فلما قضى أبو بكر كلامه قام منهم رجل فقال : أنا جُذَيْلُها المُحَكَّك وعُذَيْقُها المرَّجَّب (13) ، مِنّا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش . قال : فارتفعت الأصوات وكثر اللَّغط فلما أشفقتُ الاختلاف (14) قلت لأبي بكر : أبسط يدك أبايعك فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون وبايعه الأنصار ... وإنّا والله ما وجدنا أمراً هو أقوى من مبايعة أبي بكر ، خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يُحدِثوا بعدنا بيعة فإمّا أن نتابعهم على ما لا نرضى أو نخالفهم فيكون فساد (15) .

وروى الطبري عن أبي مخنف قال : فأقبل الناس (في السقيفة) من كل جانب يبايعون أبا بكر وكادوا يطأون سعد بن عبادة ـ اذ كان مسجَّى لمرضه ـ فقال ناس من أصحاب سعد : اتقوا سعداً لا تطئوه ، فقال عمر : اقتلوه قتله الله ، ثم قام على رأسه فقال : لقد هَمَمتُ أن أطأك حتى تندُر (16) عضدك فأخذ سعد بلحية عمر فقال : والله لو حصصت (17) منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة (18) .

فقال أبو بكر : مهلاً يا عُمَر الرِّفق هاهنا أبلغ . فأَعرَضَ عنه عمر . وقال سعد : أما والله لو أن بي قُوَّة ما أقوى على النهوض لسمعت مني في أقطارها وسككها (19)زئيراً يُجحِرُك (20) وأصحابَك ، أما والله إذا لأُلحِقَنَّك بقوم كنت فيهم تابعاً غير متبوع ، احملوني من هذا المكان ! فحملوه : فأدخلوه في داره ، وتُرِك أياماً ثم بُعِث إليه أن أقبِل فبايِع فقد بايَعَ الناس وبايَعَ قومُك ، فقال : أما والله حتى أرميكم بما في كِنانتي من نَبلي وأخضِبُ سنان رُمحي وأضرِبكم بسيفي ما مَلكتْه يدي وأقاتلكم بأهل بيتي ومن أطاعني من قومي فلا أفعل ، وأيم الله لو أن الجِنَّ اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي وأعلم ما حسابي . فلما أُتِيَ أبو بكر بذلك قال له عمر : لا تدَعْهُ حتى يبايع . فقال له بشير بن سعد : إنه قد لجَّ وأبى وليس بمبايعكم حتى يُقْتَل وليس بمقتول حتى يقتل معه وِلدُه وأهلُ بيته وطائفة من عشيرته فاتركوه فليس تركه بضارِّكم إنما هو رجل واحد . فتركوه وقبلوا مشورة بشير بن سعد واستنصحوه لما بدا (21) لهم منه (22) .

قال هشام : قال أبو مخنف : فحدثني أبو بكر بن محمد الخزاعي أن أسلم أقبلت بجماعتها حتى تضايق بهم السِّكك ، فبايعوا أبا بكر ، فكان عمر يقول : ما هو إلا أن رأيت أسلم فأيقنت بالنصر (23) .

وروى الجوهري عن عمر بن شبة بسنده عن جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار قال : كان النبي صلى الله عليه وآله قد بعث أبا سفيان ساعياً (24) ، فرجع من سعايته وقد مات رسول الله صلى الله عليه وآله ، فلقيه قوم ، فسالهم ، فقالوا : مات رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : من وَلي بعده ؟ قيل : أبو بكر ، قال : أبو فصيل ؟ قالوا : نعم ! قال : فما فعل المستضعفان علي والعباس ؟ أما والذي نفسي بيده لأرفعنَّ لهما من أعضادهما .

قال الجوهري وذكر الراوي وهو جعفر بن سليمان أنَّ أبا سفيان قال شيئاً آخر لم تحفظه الرواة لما قدم المدينة قال : إنّي لأرى عَجاجة (25) لا يُطفِئُها إلاّ الدّم ، قال : فكلم عمر أبا بكر فقال : إنَّ أبا سفيان قد قدم وإنّا لا نأمن شرَّه فدع له ما بيده فتركه فرضى (26) .

قال الطبري : حدثنا ابن حميد قال حدثنا جرير عن مغيرة عن زياد بن كليب قال : أتى عُمَر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال : والله لأحَرِّقن عليكم أو لتخرُجُنَّ إلى البيعة . فخرج عليه الزبير مصْلِتاً (27) بالسيف فعَثَرَ فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه (28) .

قال أبو بكر : وحدثنا أبو زيد عمر بن شبة ، قال : اخبرنا ابو بكر الباهلي ، قال : حدثنا إسماعيل بن مجالد عن الشعبي ، قال : سأل أبو بكر فقال : أين الزبير ؟ فقيل عند علي وقد تقلَّد (29) سيفه ! فقال : قم يا عمر ! قم يا خالد بن الوليد ! انطلقا حتى تأتياني بهما ! فانطلقا ، فدخل عمر وقام خالد على باب البيت من خارج ، فقال عمر للزبير : ما هذا السيف فقال : نبايع علياً ، فاختَرَطه عُمَر ، فضرب به حجراً فكسره ، ثم أخذ بيد الزبير فأقامه ، ثم دفعه وقال : يا خالد دونكه فأمسكه ! ثم قال لعلي : قم فبايع لأبي بكر فتلكَّأ (30) واحتَبَس ، فأخذ بيده ، وقال قم ، فأبى أن يقوم ، فحمله ودفعه كما دفع الزبير فأخرجه ، ورأت فاطمة ما صُنِع بهما فقامت على باب الحُجرة وقالت : يا أبا بكر ما أسرع ما أَغَرْتُم على أهل بيت رسول الله (31) !! .

______________________

(1) تجتمع .

(2) الواله : الذاهب عقله ، العجول : التي تفقد ولدها.

(3) شرح النهج 2 : 51 .

(4) اي فجأة .

(5) لم يحضر السقيفة من المهاجرين سوى ابي بكر وعمر وابي عبيدة وسالم مولى حذيفة .

(6) نقصدهم .

(7) عشيرة الرجل .

(8) اي تحركت جماعة من قومكم الينا .

(9) اي يقتطعونا .

(10) أي رتبت كلاما من قبل .

(11) الغضب والسرعة في الامور .

(12) الوقار : الرزانة والسكينة والهدوء . اوقر : ارزن .

(13) هو عود ينصب للناقة الجرباء تحك نفسها به ليساقط الجرب وقد شبه نفسه به ليقول انه صاحب راي يستشفى به كما تستشفى الناقة المريضة . العذيق تصغير عَذق النخلة . والمرجب هو وضع العذق على السعف ثم احاطته بالشوك لكي لا يدنو منه آكل .

(14) أي خشيت الاختلاف

(15) تاريخ الطبري ج3 ص206 وصحيح البخاري ج8 ص28 . مراده (او نخالفهم) أي نعمل براينا ونبايع من نحب فتكون هناك جماعتان ويكون بينهم قتال .

(16) تندر : تسقط .

(17) الحص : ذهاب الشعر (لسان العرب) .

(18) الواضحة : الأسنان التي تبدو عند الضحك (لسان العرب) .

(19) ا ي في نواحيها وشوارعها . القطر الناحية والسكة اكبر من ا لزقاق .

(20) يغيِّبُك في البيت او في الحفر .

(21) أي ظهر لهم منه ما ظهر من الاصرار على عدم البيعة ،  .

(22) تاريخ الطبري ج3 ص223 (نهج البلاغة) ج2 ص58 الباب 26 .

(23) تاريخ الطبري ج3 ص222 .

(24) الذي يولى قبض الصدقات .

(25) كناية عن الفتنة .

(26) شرح النهج ج2 ص44 .

(27) أي شاهرا سيفه .

(28) شرح النهج ج2 ص56 .

(29) اي كان سيفه معه .

(30) اي تردد .

(31) شرح النهج ج2 ص57 .