هاشم بن عبد مناف
واسم هاشم عَمْرو وشرُف بعد أبيه وجل أمره واصطلحت قريش على أن يولّى هاشم (1) الرئاسة والسقاية والرفادة .
قال ابن عباس : أن قريشاً كانوا إذا أصابت واحداً منهم مَخْمَصة (2) جرى هو وعياله إلى موضع معروف فضربوا على أنفسهم خباء فماتوا ، حتى كان عَمْرو بن عبد مناف (يعني هاشماً) وكان سيّداً في زمانه ، وله ابن يقال له : أسد ، وكان له تِرْبٌ (3) من بني مخزوم يحبه ويلعب معه ، فقال له : نحن غداً نعتفد وتأويله ذهابهم إلى ذلك الخباء وموتهم واحداً بعد واحد ، فدخل أسد على أمه يبكي وذكر ما قال تربه ، فأرسلت أم أسد إلى أولئك بشحم ودقيق فعاشوا به أياماً ، ثمّ إن تربه أتاه أيضاً فقال له : نحن غداً نعتفد فدخل أسد على أبيه يبكي وخبره خبر تربه ، فاشتدّ ذلك على عَمْرو بن عبد مناف ، فقام خطيباً في قريش وكانوا يطيعون أمره فقال : إنّكم أحدثتم حَدَثاً تقِلُّون فيه وتكثر العرب وتذِلّون وتعِزّ العرب وأنتم أهل حرم الله جلّ وعز وأشرف ولد آدم والناس لكم تبع ويكاد هذا الاعتفاد يأتي عليكم فقالوا له : نحن لك تبع ، قال : ابتدئوا بهذا الرجل (يعني أبا ترب أسد) فأغنوه عن الاعتفاد ففعلوا (4) .
وكان هاشم أول من سَنَّ الرحلتين لقريش (5) ، ترحل إحداهما في الشتاء إلى اليمن وإلى الحبشة إلى النجاشي فيكرمه ويَحْبوه (6) ، ورحلة في الصيف إلى الشام إلى غزة وربّما بلغ أنقرة ، فيدخل على قيصر فيكرمه ويحبوه ، فأصابت قريشاً سنوات ذهبن بالأموال ، فخرج هاشم إلى الشام ، فأمر بخبز كثير فخبز له فحمله في الغرائر (7) على الإبل حتى وافى مكة ، فهشم ذلك الخبز (يعني كسره وثرده) ونحر تلك الإبل ، ثم أمر الطهاة (8) فطبخوا ، ثم كفأ القدور على الجِفان (9) ، فأشبع أهل مكة ، فكان ذلك أول الحيا (10) بعد السَّنة (11) التي أصابتهم ، فسمي بذلك : هاشماً ، وقال عبد الله بن الزبعرىفي ذلك :
عمرو العلى هشم(12) الثريد لقومه
ورجال مكة مُسنِتون عجاف (13)
وكان إذا حضر الحج قام في قريش فقال : يا معشر قريش إنّكم جيران الله وأهل بيته وإنّه يأتيكم في هذا الموسم زُوّار الله يعظِّمون حرمة بيته فهم ضيف الله وأحق الضيف بالكرامة ضيفه وقد خصكم الله بذلك وأكرمكم به وحفظ منكم أفضل ما حفظ جار من جاره فأكرموا ضيفه وزُوّاره يأتون شعثاً غبراً من كل بلد على ضَوامر (14)كأنهن القِداح (15) قد أزحفوا (16) وتفلوا (17) وقملوا وأرملوا (18) فاقروهم (19) وأسقوهم ، فكانت قريش ترافَدُ (20) على ذلك ، حتى أن كان أهل البيت ليرسلون بالشيء اليسير على قدرهم .
وكان هاشم بن عبد مناف بن قصي يخرج في كل عام مالاً كثيراً ، وكان قوم من قريش أهل يسارة (21) يترافدون ، وكان كل إنسان يرسل بمائة مثقال هرقلية (22) ، وكان هاشم يأمر بحياض من أُدُم (23) فتجعل في موضع زمزم ثم يستقي فيها الماء من البِئار (24) التي بمكة فيشربه الحاج ، وكان يطعمهم أول ما يطعم قبل التروية بيوم بمكة وبمنى وجُمَّع وعَرَفة ، وكان يثرد لهم الخبز واللحم والخبز والسمن والسويق (25) والتمر ، ويجعل لهم الماء فيسقون بمنى ، والماء يومئذ قليل في حياض الأدم (26) إلى أن يصدُروا (27) من منى فتنقطع الضيافة ويتفرق الناس لبلادهم (28).
وَوَلَدَ هاشم : عبد المطلب وهو شيبة الحمد ، ونضلة بن هاشم وأسد بن هاشم وأبا صيفي بن هاشم واسمه عمرو .
|