عبد المطلب بن هاشم
قال الطبري : وعبد المطلب اسمه شيبة لأنّه كان في رأسه شيبة (1) .
وقال اليعقوبي : قام المطلب بن عبد مناف بأمر مكة بعد أخيه هاشم (2) ولما سافر المطلب إلى اليمن أوصى إلى عبد المطلب قائلاً له : أنت يا ابن أخي أولى بموضع أبيك فقم بأمر مكة ، فقام مقامه وتوفي المطلب في سفره هذا برَدمان (3) .
وقال ابن إسحاق (4) : وَلىَ عبد المطلب بن هاشم السِّقاية والرِّفادة بعد عمه المطلب فأقامها للناس وأقام لقومه ماكان آباؤه يقيمون للناس قبله من أمرهم وشرُفَ في قومه شرفاً لم يبلغه أحد من آبائه وأحبه قومه وعظم خطره فيهم .
أقول : وكان بدء أمره مع قريش حين وُفِّق لإعادة حفر بئر زمزم بعدما كانت قد دفنت وغُمَّ أمرها .
قال ابن إسحاق : إنَّ عبد المطلب بينما هو نائم في الحجر إذ أُتِيَ فأُمِرَ بحفر زمزم . وكان أول ما ابتدأ به عبد المطلب من حفرها ، كما حدثني يزيد بن أبى حبيب المصري عن مرثد بن عبد الله اليزني عن عبد الله ابن زرير الغافقي : أ نّه سمع علي بن أبى طالب عليه السلام يحدث حديث زمزم حين أمر عبد المطلب بحفرها ،
قال : قال عبد المطلب : إني لنائم في الحجر (أي حجر إسماعيل) إذ أتاني آت فقال : احفر طيبة . قال : قلت وما طيبة ؟ قال : ثم ذهب عنّي .
فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه ، فجاءني فقال : احفر بَرَّة (5) ، قال فقلت : وما برة ؟ قال : ثم ذهب عنّي .
فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه ، فجاءني فقال : احفر المضنونة (6) . قال : فقلت : وما المضنونة ؟ قال : ثم ذهب عنّي .
فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه ، فجاءني فقال : احفر زمزم قال : قلت : وما زمزم ؟ قال : لا تنزف (7) أبداً ولا تذم (8) ، تسقي الحجيج الأعظم ، وهي بين الفرث (9) والدم ، عند نُقْرَة (10) الغراب الأعصم (11) ، عند قرية النمل .
قال ابن إسحاق : فلما بُيِّن له شأنها ، ودُلَّ على موضعها ، وعرف أنّه قد صدق ، غدا بمعوله (12) ومعه ابنه الحارث بن عبد المطلب ، ليس له يومئذ غيره فحفر فيها فلما بدا لعبد المطلب الطىّ (13) كبَّر ، فعرفت قريش أ نّه قد أدرك حاجته .
فقاموا إليه فقالوا : يا عبد المطلب ، إنها بئر أبينا إسماعيل ، وإن لنا فيها حقاًفأشركنا معك فيها ، قال : ما أنا بفاعل ، إن هذا الأمر قد خُصِّصت به دونكموأُعْطِيتُه من بينكم .
فقالوا له : فأنصِفنا فإنّا غير تاركيك حتى نخاصمك فيها ، قال : فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم أُحاكمكم إليه ، قالوا : كاهنة بني سعد هذيم ، قال : نعم ، قال : وكانت بأشراف الشام (14) .
فركب عبد المطلب ومعه نفر من بني أبيه من بني عبد مناف ، وركب من كل قبيلة من قريش نفر ، قال : والأرض إذ ذاك مفاوز (15) .
قال : فخرجوا حتى إذا كانوا ببعض تلك المفاوز بين الحجاز والشام ، فني ماء عبد المطلب وأصحابه ، فظمئوا حتى أيقنوا بالهلكة فاستسقوا من معهم من قبائل قريش ، فأبوا عليهم ، وقالوا : إنّا بمفازة ، ونحن نخشى على أنفسنا مثل ما أصابكم .
فلما رأى عبد المطلب ما صنع القوم وما يتخوَّف على نفسه وأصحابه ، قال : ماذا ترون ؟ قالوا : ما رأينا إلا تبع لرأيك ، فمرنا بما شئت ، قال : فإني أرى أن يحفر كل رجل منكم حفرته لنفسه بما بكم الآن من القوة ، فكلما مات رجل دفعه أصحابه في حفرته ثم واروه (16) حتى يكون آخركم رجلاً واحداً ، فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة ركب (17) جميعاً .
قالوا : نِعْمَ ما أمرت به ، فقام كل واحد منهم فحفر حفرته ، ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشاً ، ثم إنّ عبد المطلب قال لأصحابه : والله إن إلقاءنا بأيدينا هكذا للموت لا نضرب في الأرض ولا نبتغي لأنفسنا لعجز ، فعسى الله أن يرزقنا ماء ببعض البلاد ، ارتحلوا ، فارتحلوا . إذا فرغوا ، ومن معهم من قبائل قريش ينظرون إليهم ما هم فاعلون ، تقدم عبد المطلب إلى راحلته فركبها فلما انبعثت به انفجرت من تحت خُفِّها (18) عين من ماء عذب ، فكبَّر عبد المطلب وكبَّر أصحابه ، ثم نزل فشرب وشرب أصحابه واستقوا حتى ملأوا أسقيتهم .
ثم دعا القبائل من قريش فقال : هلمّوا إلى الماء ، فقد سقانا الله ، فشربوا واستقوا ، ثم قالوا : قد والله قضى لك علينا يا عبد المطلب ، والله لا نخاصمك في زمزم أبداً ، إنّ الذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاة لهو الذي سقاك زمزم ، فارجع إلى سِقايتك راشداً ، فرجع ورجعوا معه ، ولم يصلوا إلى الكاهنة . وخلوا بينه وبينها ، قال ابن إسحاق : فهذا الذي بلغني من حديث علي بن أبي طالب عليه السلام في زمزم (19) .
|