النبي صلى الله عليه وآله
في كفالة جده عبد المطلب
توفيت آمنة أم النبي صلى الله عليه وآله وكان عمره الشريف ست سنين وثلاثة أشهر وعشرة أيام (1) . ورَقَّ عليه عبد المطلب رِقَّة لم يرقها على ولده (2) ، وكان إذا أُتي بالطعام أجلس النبي إلى جانبه وربّما أقعده على فخذه فيؤثره (3) بأطيب طعامه وكان رقيقاً عليه بآدابه ، فربَّما أُتِيَ بالطعام وليس رسول الله حاضراً فلا يمس شيئاً منه حتى يؤتى به ، وكان يفرش له في ظل الكعبة ويجلس بنوه حول فراشه إلى خروجه فإذا خرج قاموا على رأسه مع عبيده اجلالاً له ، وكان رسول الله يأتي وهو غلام جَفْرٌ (4) فيجلس على الفراش فيأخذه أعمامه ليؤخروه فيقول عبد المطلب : مهلاً دعوا ابني ما تريدون منه ؟ ثم يقول : دعوه فإن له لَشأناً أما ترونه؟ (5) ويُقبِّل رأسه وفمه ويمسح ظهره ويُسَر بكلامه وما يَرى منه (6) .
كان عبد المطلب بصيراً بما سيكون من النبي صلى الله عليه وآله في المستقبل لِما عنده من العلم بخبره عن ابائه عن ابراهيم عليه السلام ، وما يرى من القرائن والعلامات في رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولِما سمعه من سيف بن ذي يزن ملك اليمن وجماعة من علماء أهل الكتاب بذلك (7) .
وعندما أدركت عبد المطلب الوفاة ، بعث إلى أبي طالب ، فجاءه ومحمد صلى الله عليه وآله على صدره وهو في غَمَرات (8) الموت ، فصار يبكي ويلتفت الى أبي طالب ويقول :
يا أبا طالب انظر أن تكون حامياً (لهذا) الوحيد الذي لم يشم رائحة أبيه ولا ذاق شفقة أمه .
يا أبا طالب إنْ أدركت أيامه فاعلم أنّي كنت من أبصر الناس ومن أعلم الناس به ، انصره بلسانك ويدك ومالك ، فإنّه عن قريب سيسود ويملك مالم يملك أحد من آبائي (9) .
قال ابن إسحاق : إنَّ عبد المطلب توفي ورسول الله ابن ثماني سنين .
|