حسد اليهود
للنبي صلى الله عليه وآله

كان يهود المدينة قبل البعثة يبشِّرون بالنبي صلى الله عليه وآله ، وقد عُرِف عنهم ذلك حتى كان الأوس والخزرج من أعرف القبائل بخبر النبي صلى الله عليه وآله بسبب ذلك .

قال ابن إسحاق : ولم يكن حىّ (1) من العرب أعلم بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله من هذا الحىّ من الأوس والخزرج ، وذلك لما كانوا يسمعون من أحبار اليهود ، وكانوا لهم حلفاء ومعهم في بلادهم (2) .

ولما بُعِثَ النبي في مكة كان موقفهم إيجابياً من بعثته وكانوا يؤكِّدون صِحَّة نُبوَّتِه ووجود خبره في كتبهم وقد احتجَّ القرآن بذلك على قريش كما في قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197))الشعراء/196-197 .

ولما هاجر النبي صلى الله عليه وآله إلى المدينة ووقعت معركة بدر الكبرى التي أعز الله بها الإسلام وأذلَّ الكفر تأجَّجت نار الحسد في قلوب أكثر اليهود وتحوَّل موقفهم إلى السلب وأثاروا العقبات أمام انتشار الإسلام ففضحهم القرآن وندَّدَ بهم .

قال ابن إسحاق : ونَصبت أحبار اليهود لرسول الله صلى الله عليه وآله العداوة ، بغياً وحسداً وضِغْناً (3) ، لما خَصَّ الله تعالى به العرب (4) من أخذه رسوله منهم ، وانضاف إليهم رجال من الأوس والخزرج ، ممن كان بقي على جاهليته ، فكانوا أهل نفاق على دين آبائهم من الشرك والتكذيب بالبعث ، إلاّ أنَّ الإسلام قَهَرَهم بظهوره واجتماع قومهم عليه ، فظهروا بالإسلام واتخذوه جُنَّة من القتل ، ونافقوا في السِّرَّ وكان هواهم مع اليهود ، لتكذيبهم النبي صلى الله عليه وآله ، وجُحودِهم الإسلام .

وكانت أحبار اليهود هم الذين يسألون رسول الله صلى الله عليه وآله ويتعنَّتونه ، ويأتونه باللَّبس ، ليلبِسوا الحق بالباطل ، فكان القرآن ينزل فيهم وفيما يسألون عنه ، إلاّ قليلاً من المسائل في الحلال والحرام وكان المسلمون يسألون عنها (5) .

بعض ما نزل من القرآن في اليهود: (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِر بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ(42)) البقرة/40-42 .

(أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْض قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76) أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77) وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)) البقرة/75-79 .

(وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَب عَلَى غَضَب وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (91) وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (92)) البقرة/89-92 .

______________________

(1) حي : اي بطن وقبيلة من العرب .

(2) سيرة ابن هشام ج2 ص118 .

(3) الضغن : الحق .

(4) اقول : خص العرب بمحمد (صلى الله عليه وآله) بصفتهم بني إسماعيل والوعد لابراهيم في ذريته من اسماعيل .

(5) سيرة ابن هشام ج3 ص46 .