السنة السابعة من الهجرة
غزوة خيبر
أقام رسول الله صلى الله عليه وآله بعد رجوعه من الحديبية ذا الحجة وبعض المحرم وسار إلى خيبر في ألف وأربعمائة رجل معهم مائتا فارس وكان مسيره إلى خيبر في المحرم سنة سبع (1) .
قال ابن إسحاق : وحدثني بُرَيْدَة بن سفيان بن فروة الأسلمي ، عن أبيه سفيان ، عن سلمة بن عمرو بن الأكوع ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وآله أبا بكر برايته ، وكانت بيضاء ، فيما قال ابن هشام ، إلى بعض حصون خيبرفقاتل ، فرجع ولم يك فتح ، وقد جُهِد (2) ، ثم بعث الغد عمر بن الخطاب ، فقاتل ثم رجع ولم يك فتح ، وقد جُهِد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : لأُعطِيَنَّ الرّاية غداً رجلاً يحبُّ اللهَ ورسولَه ، يفتح الله على يديه ، ليس بِفَرّار . قال : يقول سلمة : فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله علياً رضوان الله عليه ، وهو أرمد ، فتَفَلَ في عينه ، ثم قال : خذ هذه الراية ، فامضِ بها حتى يفتح الله عليك (3) .
قال ابن عباس : بعث رسول الله صلى الله عليه وآله أبا بكر إلى خيبر فَهُزِم فرجع ، ثم بعث عمر فَهُزِم فرجع يجبِّنُ (4) أصحابَه ويجبِّنُه أصحابُه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : لأعطينَّ الراية غداً رجلاً يحبُّ اللهَ ورسولَه ويحبُّهُ اللهُ ورسولُه يفتح الله على يديه ، ليس بفرار (5) . قال بريدة : بتنا طيِّبةً أنفُسُنا أنَّ الفتحَ غداً (6) . فلما اصبح الناس غَدَوْا على رسول
الله صلى الله عليه وآله كلهم يرجو أن يعطى (7) ، فقال : أيْن علي ؟ فقالوا : علي يا رسول الله يشتكي عينيه (8) . فارسل إليه رسول الله صلى الله عليه وآله فقال علي (وكان شديد الرمد (9) ، قد عصب عينيه) (10) : ما أُبصِرُ سهلاً ولا جبلاً فذهب إليه النبي صلى الله عليه وآله فقال له : افتح عينيك ففتحها وتفل فيها (11) ، ففتح عينه وكأنه لم يرمَد قط (12) .
قال علي عليه السلام : ما رَمَدتُ ولا صُدِعت (13) منذ مسح رسول الله صلى الله عليه وآله وجهي وتفل في عيني حين أعطاني الراية (14) .
وأعطى النبي صلى الله عليه وآله الراية علياً وقال له : امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك (15) . فجبرئيل معك والنصر أمامك والرعب مبثوت في صدور القوم ، واعلم يا علي أنَّهم يجدون في كتابهم أَنَّ الذي يدمِّر عليهم اسمه (ايليا) (16) فإذا لقيتَهم فقل أنا علي فإنهم يخذلون إن شاء الله تعالى (17) .
فسار قريباً ثم وقف ولم يلتفت فقال : يا رسول الله علام أقاتل الناس ؟ قال : قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلاّ الله وأنَّ محمداً رسول الله فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا دماءهم وأموالهم إلا بحقها . وحسابهم على الله (18) ، فوالله لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من إن يكون لك حمر النَّعم (19) .
قال سلمة : فَهَرْوَل (20) علي عليه السلام بالراية وإنّا خلفه نتبع أثره حتى ركز رايته في رضم (21) من حجارة تحت الحصن فطلع إليه يهودي في رأس الحصن وقال : من أنت ؟ قال : علي بن أبي طالب ، فقال اليهودي : غُلِبتُم وما أنزل التوراة على موسى (22) فكان أول من خرج إليهم الحارث أخو مرحب في عاديته (23) فانكشف المسلمون وثبت علي عليه السلام فاضطربا (24) ضربات فقتله علي عليه السلام ، ورجع أصحاب الحارث إلى الحصن فدخلوه واغلقوه عليهم (25) وخرج مَرْحَبٌ صاحب الِحصن وعليه مِغْفَرٌ (26) يماني قد نقبه مثل البيضة على رأسه وهو يقول :
قد علمت خيبر أنّي مرحبُ
شاكي (27) السلاح بطل مجرَّبُ
فقال علي عليه السلام :
أنا الذي سمتني أمّي حيدرة (28)
أكيلكم (29) بالسيف كيل السندرة (30)
ليث غابات شديد قسورة (31)
فاختلفا ضربتين فَبَدَرَه (32) علي ، فضربه فَقَدَّ الحَجَفَة (33) والمغفر ورأسه (34)
حتى عضَّ السيف بأضراسه ، وسمع أهل العسكر صوت ضربته (35) .
قال أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله : خرجنا مع علي حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله برايته إلى خيبر ، فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم فضربه يهودي فطرح تُرسَه (36) من يده فتناول علي باباً كان عند الحصن فتَتَرَّسَ به عن نفسه فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله على يديه ثم ألقاه من يده ، فلقد رأيْتَني في نفر سبعة أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه (37) .
واصطفى رسول الله صلى الله عليه وآله صَفية بنت حُيَيّ بن أخطب من السبي وأعتقها وتزوجها .
وقَدِم جعفر بن أبي طالب في ذلك اليوم من أرض الحبشة فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وآله فقبل ما بين عينيه ثم قال : ما أدري بأيهما أنا أفرح بقدوم جعفر أو بفتح خيبر (38) . واختط له إلى جانب المسجد دارا (39) .
ما نزل من القرآن في خيبر: قال تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18) وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (19) وَعَدَكُمُ اللهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (20)) الفتح/18-20 .
|